مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 843

(95)
جلسة 8 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1772 لسنة 2 القضائية

عمال الجيش البريطاني - القواعد التنظيمية التي وضعتها اللجنة المكلفة بإعادة توزيعهم على المصالح - لا مانع من أن تعيد الإدارة النظر في توزيع العمل حتى بعد تاريخ نفاذ هذه القواعد - نفاذ هذه القواعد نفاذاً لا تبديل فيه إنما يصدق على ما تعلق منها بتعيين أفراد هذه الطائفة من العمال وتحديد درجاتهم وأجورهم.
إن نفاذ القواعد التنظيمية العامة التي وضعتها اللجنة المعهود إليها بإعادة توزيع عمال الجيش البريطاني على المصالح الحكومية بحسب حرفهم ووفق مقتضيات العمل فيها لا يمنع من إعادة النظر في هذا التوزيع حتى بعد تاريخ نفاذ هذه القواعد؛ لأن نفاذها نفاذاً لا تبديل فيه إنما يصدق على القواعد التي تحكم تعيين أفراد هذه الطائفة من العمال وتحديد درجاتهم وأجورهم، باعتبار أنه لا يجوز منحهم أجوراً تزيد على ما حددته لهم هذه القواعد تبعاً لفئاتهم وحرفهم، ولا ينصرف عقلاً إلى كيفية توزيعهم على هذه المصالح؛ إذ أن هذا التوزيع قابل لإعادة النظر فيه تبعاً لمقتضيات العمل في المرافق المختلفة، والعلة في ذلك أن التوزيع كان قد جرى بصورة عاجلة قصد منها إلى إسعاف المعينين وغوثهم، لا إلى تحري حاجة المصالح الحقيقية إلى خدمات هؤلاء العمال.


إجراءات الطعن

في 20 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1772 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "أ") بجلسة 2 من يوليه سنة 1956 في الدعوى رقم 14060 لسنة 8 القضائية المقامة من وزارة الداخلية ضد السيد/ عبد العزيز محمد شاهين، والقاضي "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعى عليه بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، ورفض الدعوى، مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 28 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 3 من سبتمبر سنة 1956، وعين أخيراً لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 25 من يناير سنة 1958. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 2 من ديسمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون لصالحه قدم التظلم رقم 1935 لسنة 1 القضائية إلى اللجنة القضائية لوزارة الداخلية بعريضة أودعها سكرتارية اللجنة في 20 من سبتمبر سنة 1953 ذكر فيها أنه كان من عمال الجيش البريطاني بمنطقة القناة بوظيفة كواء، وعلى إثر إعلان الحكومة إلغاء معاهدة سنة 1936 ترك خدمة الجيش البريطاني، وقررت الحكومة إلحاقه بخدمتها اعتباراً من 10 من نوفمبر سنة 1951 في وظيفة "مكوجي" بكلية البوليس. وعلى أساس نتيجة الاختبار الذي أجري له طبقاً لكادر العمال تقرر منحه أجراً يومياً قدره 200 م بخلاف إعانة الغلاء، وأضاف إلى ما تقدم أنه في اليوم الأول من شهر نوفمبر سنة 1952 قررت كلية البوليس منحه أجراً يومياً قدره 140 م، وهو أجر مقرر لوظيفة عامل عادي، وأسندت بذلك إليه عملاً لم يتخصص فيه. وقال إنه يوجد بالكلية وظائف للمكوجية، وأنه سبق اختياره لإحداها، وحدد له على أساس الاختبار أجر يومي مقداره 200 م، وأن تخفيض أجره بعد ذلك إلى 140 م يومياً يتعارض مع ما تقضي به قواعد كادر عمال القناة. وختم ظلامته بطلب الحكم له باستحقاقه الأجر السابق الذي قدر له بناء على ما حددته لجنة الاختبار طبقاً لكادر العمال المشار إليه وهو 200 م يومياً وما يترتب على ذلك من آثار، مع القضاء له بصرف الفروق المالية السابق خصمها من أجره. وردت الوزارة على الدعوى بأنه لما بدأ العام الدراسي 1952/ 1953 استغنى عن العمال المؤقتين الذين كانوا يعملون بنادي الطلاب، وعين بدلاً منهم من بين عمال القناة، مما ترتب عليه أن اضطرت الكلية إلى إعادة توزيع العمال حسب مقتضيات العمل، بعد أن حشد في بعض الحرف عدد من العمال زائد على حاجة العمل، وقد استوجب هذا التوزيع نقل عدد من الكوائين والطهاة الفائضين عن حاجة العمل بهاتين المهنتين إلى أعمال المغاسل والموائد والفراشة. ولما كانت قواعد كادر عمال القناة تقضى، حسبما قررتها اللجنة الخاصة به، بأن لا يمنحوا إلا أجور العمل الذي يقومون به فعلاً، فقد اقتضى الحال منحة الأجر المقرر للعمل الذي كلف بأدائه بعد هذا التوزيع؛ ذلك لأن اللجنة المشار إليها أشارت في تقريرها إلى أن العمال الذين لا توجد لهم أعمال حكومية تتفق وحرفهم الأصلية يكلفون أعمالاً تقرب من حرفهم بقدر المستطاع، أو أية أعمال أخرى بحسب مقتضيات الأحوال، ويمنحون أجوراً تتفق والأعمال المكلفين بها أو القائمين بها فعلاً، وحيال ذلك فقد حدد لكل منهم أجر مقداره 140 م يومياً بخلاف إعانة غلاء المعيشة كل بحسب حالته الاجتماعية اعتباراً من اليوم الأول لشهر نوفمبر سنة 1952، وأنه استطلع رأي لجنة توزيع عمال الجيش البريطاني في ذلك فأفادت بأنها لا ترى مانعاً منه، على أن يمنحوا الأجر المخصص للعمل الذي أسند إليهم فعلاً، وأوضحت الوزارة في مذكرة تكميلية لها أنه قد جاء في تقرير لجنة شئون العمال أنه يتحتم على العمال أو الصناع الفنيين أن يؤدوا امتحاناً في حرفهم بمعرفة اللجان المشكلة لهذا الغرض في مختلف الوزارات والمصالح طبقاً للمادة السابعة من قواعد كادر العمال؛ وذلك لمعرفة التي يوضع فيها كل منهم حسب قدرته على العمل. وقد نصت تلك المادة على أنه لا يعين عامل من الخارج إلا بعد اجتيازه امتحاناً أمام لجنة فنية، وتحدد اللجنة وظيفته ودرجته. وخلصت الوزارة في هذه المذكرة إلى أنه يتبين بجلاء أن المتظلم لم يجر اختباره في مهنته إذ جرى اختياره محلياً بوساطة رؤساء الأعمال بالورشة بالقدر الذي يتطلبه العمل المسند إليه، وأنه لم يجر اختباره أمام لجنة فنية مشكلة بقرار من الوزير طبقاً لنص المادة السابعة من كادر العمال والتي لها ولاية تحديد الوظيفة والدرجة والأجر؛ ومن ثم فلم ينشأ للمتظلم حق في المطالبة بالأجر الذي سبق تقديره له، وطلب في النهاية رفض التظلم. وبجلسة 22 من ديسمبر سنة 1953 قررت اللجنة القضائية "أحقية المتظلم في أجر يومي قدره مائتي مليم، وهو الأجر الذي سبق تقديره له طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من نوفمبر سنة 1951، وصرف فروق الأجر وعلاوة غلاء المعيشة الناتجة عن ذلك". وأسست قضاءها على أنه "إذا ما قدرت الوزارة أن كفايته في العمل قد ثبتت بأي طريق آخر، ولو كان عن غير طريق اللجنة الفنية المنصوص عليها في الكادر، فإنه يستحق الدرجة المقررة لحرفته في الكادر اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 تاريخ العمل بقواعد عمال الجيش البريطاني، ولا يضيره تراخي الجهة الإدارية أو إهمالها في اتباع الطريق الذي رسمه لها القانون وأوجب عليها وحدها مراعاته للتحقق من إلمامه بحرفته، كما أنه لا حجاج بما تذهب إليه الوزارة من زيادة عدد أولئك العمال عن حاجة العمل؛ إذ أن مجال ذلك كان عند إعادة توزيعهم بحسب حاجة العمل عند تطبيق القواعد الخاصة بهم في أول إبريل سنة 1952، ولا يسوغ لها بعد أن أسندت إليهم عملاً معيناً فتحدد بذلك مركزهم القانوني بصفة نهائية أن تسند إليهم عملاً آخر يختلف في طبيعته عن عملهم الأول يترتب عليه تخفيض أجورهم، ولا يجوز لها بالتالي أن تسعى في نقض ما تم على يديها وإلا ارتد سعيها إليها؛ إذ لا يجوز المساس بهذه الحقوق المكتسبة في ظل المراكز القانونية التي استقر بها وضع المتظلم في نطاق العلاقة التنظيمية التي تربطه بالجهة الإدارية، وإن طلب المتظلم يقوم على سند صحيح من القانون". وقد طعنت وزارة الداخلية في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 15 من سبتمبر سنة 1945 طلبت فيها "الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية الصادر في التظلم المبين في صلب العريضة، مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب". وقيدت هذه الدعوى تحت رقم 14060 لسنة 8 القضائية، وأسست الوزارة طعنها على أن "اختباره في مهنة "كواء" قد أجري في 11 من فبراير سنة 1952، أي قبل صدور قرار لجنة إعادة توزيع عمال القناة في أول إبريل سنة 1952، وأن نقله إلى وظيفة "ساعي" قد تم وفقاً لقرار لجنة إعادة توزيع عمال القناة سالف الذكر؛ ومن ثم كان قرار اللجنة القضائية خاطئاً". وبجلسة 2 من يوليه سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري في هذه الدعوى "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعى عليه بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن "مركز العمال المصريين بالجيش البريطاني بمنطقة القنال عند إلحاقهم على عجل بوزارات الحكومة ومصالحها عقب تركهم أعمالهم بالجيش البريطاني على إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 إنما كان مركزاً مؤقتاً اقتضته وقتذاك الضرورة الملحة لعلاج هذه المشكلة على وجه السرعة، فلا يكسبهم هذا المركز المؤقت الحق في الدرجات التي وضعوا فيها أو الأجور التي منحت لهم وإنما العبرة في هذا الشأن بالمركز النهائي الذي يطبق عليهم بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيعهم بصفة نهائية حسب حاجة العمل في الوزارات والمصالح ومقتضيات المصلحة العامة وتقدير أجورهم على هذا الأساس؛ إذ أن مراكزهم عندئذ تعتبر المراكز القانونية التي تتحدد على مقتضاها درجاتهم وأجورهم"، وعلى أن "صالح العمل قد اقتضى إعادة توزيع العمال على الأعمال المختلفة حسب حاجة كل منها وقد استوجب هذا التوزيع نقل عدد من الكوائين والطهاة الزيادة عن حاجة العمل بهاتين المهنتين إلى أعمال الغسل والسفرة والفراشة"، وعلى أنه "وإن كان ملف الخدمة لم يتضمن القرار الصادر بنقل المدعى عليه إلى غير وظيفة المكوجي إلا أنه ليس فيه ما ينفي حصول هذا النقل المسلم به من الطرفين؛ إذ أن الأوراق التالية لنتيجة اختباره عبارة عن طلبات إجازات مرضية لم يذكر في أي منها أنه يعمل بوظيفة مكوجي، بل كان يوصف بأنه عامل، وورد في واحد من هذه الطلبات أنه "غسال" مما لا يستقيم معه القول بأن الثابت من الملف أنه ظل يعمل "مكوجي" منذ أن عين بكلية البوليس حتى وقت تجنيده كما جاء في تقرير مفوض الدولة".
ومن حيث إن الطعن قد بني على أنه لئن كان مركز عمال القناة عند إلحاقهم بوزارات الحكومة ومصالحها عقب تركهم أعمالهم بالجيش البريطاني مركزاً مؤقتاً اقتضته وقتذاك الضرورة الملحة لعلاج هذه المشكلة على وجه السرعة فلا يتحدد مركزهم النهائي إلا بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيعهم بصفة نهائية بحسب حاجة العمل في الوزارات والمصالح، إلا أنه إذا تبين أن المطعون لصالحه كان قد التحق بخدمة كلية البوليس في وظيفة "مكوجي" في 10 من نوفمبر سنة 1951، وقررت لجنة الاختبار في 19 من فبراير سنة 1952 لياقته فنياً لهذه الوظيفة، ثم كشف عليه طبياً في 29 من إبريل سنة 1952 فاتضحت لياقته الصحية لها، وظل قائماً بعمل المكوجي بعد أول إبريل سنة 1952، فإن مركزه القانوني في وظيفة "مكوجي" يكون قد تحدد بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيع عمال القناة بصفة نهائية، ولم يثبت من الأوراق أنه كان من العمال الذين لا تتوافر لهم أعمال حكومية تتفق وحرفهم الأصلية حتى تطبق في حقه القاعدة التي وضعتها لجنة توزيع عمال القناة على ما سلف البيان؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة، من واقع الأوراق، أن المطعون لصالحه عقد له في 19 من فبراير سنة 1952 امتحان أمام لجنة مشكلة لهذا الغرض بكلية البوليس فاجتازه بنجاح، وتقررت صلاحيته لحرفة "مكوجي"، وفي 29 من إبريل سنة 1952 كشف عليه طبيباً ووجد لائقاً صحياً لهذه الوظيفة، ثم تسلم عمله في وظيفة "كواء" بعد أن استوفى مسوغات التعيين، ثم نقلته الجهة الإدارية اعتباراً من اليوم الأول لشهر نوفمبر سنة 1952 إلى وظيفة "غسال"، يقطع في ذلك نوع الحرفة الوارد "بأورنيك" الجزاء الذي وقع عليه في 22 من ديسمبر سنة 1952 لجريمة إدارية ارتكبها في 15 من ديسمبر سنة 1952. كما تبين من ملف خدمته أيضاً أنه ظل شاغلاً لعمل "الغسال" بكلية البوليس حتى تم تجنيده بسلاح الطيران في 5 من سبتمبر سنة 1954.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه على إثر إعلان إلغاء معاهدة سنة 1936 ترك العمال المصريون بالجيش البريطاني بمنطقة القنال أعمالهم، فكان لزاماً على الحكومة أن تدبر لهم سبل العيش. ولما كانت الحالة تستدعي علاجاً سريعاً ونظراً إلى كثرة هؤلاء العمال فقد ألحقوا بالوزارات والمصالح المختلفة دون مراعاة حاجة العمل بالمصالح، ودون مراعاة حرف هؤلاء العمال. وفي 18 من نوفمبر سنة 1951 قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة في وزارة المالية تمثل فيها جميع الوزارات لإعادة توزيع العمال على المصالح الحكومية بحسب حرفهم وبحسب احتياجات المصالح المختلفة. كما صدر قرار من مجلس الوزراء في 2 من ديسمبر سنة 1951 بتخويل اللجنة المشار إليها الحق في إعادة النظر في أجور العمال. وفي 29 من مارس سنة 1952 وضعت اللجنة تقريراً تضمن القواعد التنظيمية في شأن إعادة توزيع هؤلاء العمال وإعادة تقدير أجورهم ودرجاتهم، وهي القواعد التي اصطلح على تسميتها بكادر عمال القناة، وقدرت فيه أجور أرباب الحرف بما يطابق درجات كادر عمال الحكومة. وكان من القواعد الجوهرية التي وضعتها اللجنة قاعدة تقضي بأن الأجور المقدرة تمنح إلى العمال الذين يقومون فعلاً بأعمال الحرف التي قدرت لها هذه الأجور في الكادر، أما العمال الذين لا توجد لهم أعمال حكومية تتفق وحرفهم الأصلية فهؤلاء يكلفون بأعمال تقرب من حرفهم أو بأية أعمال أخرى بحسب مقتضيات الأحوال ويمنحون إذا أجوراً تتفق والأعمال المكلفين بها أو القائمين بها فعلاً، كما كان مما قررته اللجنة عدم نفاذ هذه التقديرات والأجور إلا بعد إقرارها واعتمادها بدون أثر رجعي. وقد اعتمدت الجهات المختصة تقرير اللجنة بما تضمنه من قواعد، ونشرت وزارة المالية بذلك كتابها الدوري رقم 234 - 1/ 77 إلى الوزارات لتنفيذه ابتداء من أول إبريل سنة 1952.
ومن حيث إنه يظهر من ذلك أن مركز العمال المذكورين عند إلحاقهم على عجل بوزارات الحكومة ومصالحها عقب تركهم أعمالهم بالجيش البريطاني على إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 إنما كان مركزاً مؤقتاً اقتضته وقتذاك الضرورة الملحة لعلاج هذه المشكلة على وجه السرعة، فلا يكسبهم هذا المركز المؤقت الحق في الدرجات التي وضعوا فيها أو الأجور التي منحت لهم، وإنما العبرة في هذا الشأن بالمركز النهائي الذي يطبق عليهم بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيعهم بصفة نهائية حسب حاجة العمل في الوزارات والمصالح ومقتضات المصلحة العامة وتقدير أجورهم على هذا الأساس؛ إذ مراكزهم عندئذ تعتبر المراكز القانونية النهائية التي تتحدد على مقتضاها درجاتهم.
ومن حيث إن نفاذ القواعد التنظيمية العامة التي وضعتها اللجنة المعهود إليها بإعادة توزيع العمال على المصالح الحكومية بحسب حرفهم ووفق مقتضيات العمل فيها لا يمنع من إعادة النظر في هذا التوزيع حتى بعد تاريخ نفاذ هذه القواعد؛ لأن نفاذها نفاذاً لا تبديل فيه إنما يصدق على القواعد التي تحكم تعيين أفراد هذه الطائفة من العمال وتحدد درجاتهم وأجورهم، باعتبار أنه لا يجوز منحهم أجوراً تزيد على ما حددته لهم هذه القواعد تبعاً لفئاتهم وحرفهم، ولا ينصرف عقلاً إلى كيفية توزيعهم على هذه المصالح؛ إذ أن هذا التوزيع قابل لإعادة النظر فيه تبعاً لمقتضيات العمل في المرافق المختلفة؛ والعلة في ذلك أن التوزيع كان قد جرى بصورة عاجلة قصد منها إلى إسعاف المعينين وغوثهم لا إلى تحري حاجة المصالح الحقيقية إلى خدمات هؤلاء العمال.
ومن حيث إنه ليس للمطعون لصالحه - والحال هذه - أن يتمسك بأن مركزه القانوني كمكوجي بأجر يومي قدره 200 م كان قد تحدد بهذه الدرجة وهذا الأجر عند إلحاقه بكلية البوليس في نهاية إبريل سنة 1952؛ لأن هذا المركز كان مركزاً مؤقتاً اقتضته الضرورة الملحة لعلاج مشكلة عمال منطقة القناة كما سلف القول لا يمنع من إعادة النظر فيه ونقل المطعون لصالحه إلى عمل آخر بأجر آخر بحسب مقتضات المصلحة العامة. ومن أجل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب هذا المذهب قد أصاب وجه الحق، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.