مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 851

(96)
جلسة 8 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 578 لسنة 3 القضائية

( أ ) دعوى - تكييفها - طلب المدعي الحكم بأحقيته في الترقية إلى الدرجة التالية - استخلاص المحكمة من ظروف الحال أنه لا يهدف بها إلى إلغاء قرار معين تضمن تخطيه في الترقية بل يرمي إلى تسوية حالته بمنحه هذه الدرجة كمكافأة تشجيعية أسوة بزملائه دون طلب إلغاء ترقيتهم - عدم اعتبار الدعوى من دعاوى الإلغاء - عدم تقيدها بميعاد الستين يوماً.
(ب) ترقية - ترقية بعض رجال الأمن على سبيل المنحة لما أظهروه من بسالة في عمل معين - عدم وضع الجهة الإدارية قاعدة تنظيمية يتعين التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها - ترخصها في تقدير من ترى استحقاقه وتعيين شخصه.
1 - متى ثبت أن المدعي وإن طلب الحكم بأحقيته في الترقية إلى درجة أومباشي وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع تقرير استحقاقه لصرف مرتب شهر علاوة على مرتبه العادي، إلا أنه لا يهدف بهذا إلى إلغاء قرار معين تضمن تخطيه في الترقية إلى درجة أومباشي أو قضى بحرمانه من مرتب شهر، وإنما يرمي إلى تسوية حالته في صد منح مكافآت تشجيعية أسوة بزملائه ممن نالوا هذه المكافآت تقديراً لجهودهم في حوادث معينة تهم الأمن العام وقياساً على هؤلاء الزملاء أخذاً بالقاعدة التي طبقت في حقهم، دون طلب إلغاء ترقية أي منهم أو حرمانه من المنحة التي ظفر بها؛ وبهذه المثابة فإن طلبه - والحالة هذه - لا يخضع لميعاد الستين يوماً المقرر في شأن دعوى الإلغاء.
2 - متى ثبت أن الترقيات والمكافآت التي يطالب المدعي بنصيب فيها ليست حقاً بل منحة، فإن الإدارة التي قررت منحها تترخص في تقدير مجهود من ترى استحقاقه لها وتعيين شخصه. وهي مع ذلك لم تضع لهذا قاعدة تنظيمية يتعين عليها التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، بل وضعت كشوفاً اسمية تضمنت أشخاصاً بذواتهم، وجعلت استحقاق هذه الترقيات والمكافآت منوطاً بضروب الهمة وأعمال البسالة التي أبداها أفراد القوة التي اشتركت في عمل معين من أعمال الأمن والتي تنفرد هي بتقدير مداها وأثرها.


إجراءات الطعن

في 17 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 578 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 27 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 95 لسنة 3 القضائية المقامة من إسماعيل حسن ناصف ضد وزارة الداخلية، القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت رافعها بالمصاريف". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 8 من إبريل سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 10 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أما هذه المحكمة جلسة 25 من يناير سنة 1958، وفي 28 من نوفمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي كان يعمل بوظيفة بوليس ملكي بإدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية، وفي 6 من يونيه سنة 1955 صدر قرار السيد حكمدار بوليس القاهرة بالاستغناء عنه اعتباراً من 16 من يونيه سنة 1955 للأسباب التي استند إليها هذا القرار. وقد أبلغ المدعي بالقرار المذكور في 13 من يونيه سنة 1955، فقدم إلى السيد مأمور قسم شبرا، وهو القسم الذي كان ملحقاً بالقوة المخصصة له، تظلماً مؤرخاًَ 14 من يونيه سنة 1955 يلتمس فيه إعادة النظر في القرار المشار إليه. وفي 12 من أغسطس سنة 1955 تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لشئون القصر الجمهوري ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بطلب الإعفاء رقم 966 لسنة 2 القضائية لإعفائه من رسوم الدعوى التي يرغب في رفعها ضد وزارة الداخلية بطلب وقف تنفيذ قرار فصله وإعادته إلى الخدمة مع حساب مدة الوقف السابقة وصرفها له وترقيته إلى رتبة أومباشي وصرف راتب شهر له مكافأة له أسوة بزملائه الذين وجدوا بحادث وكر شبرا. وبجلسة 10 من نوفمبر سنة 1955 أصدرت اللجنة قرارها بقبول الطلب وندب محام لمباشرة الدعوى. وبناء على هذا أقام الدعوى رقم 95 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 30 من نوفمبر سنة 1955 طلب فيها الحكم: (أولاً) بإلغاء قرار فصله والاستغناء عنه واعتباره كأن لم يكن مع صرف مرتبه من تاريخ فصله إلى إعادته للخدمة وما يترتب على ذلك من آثار. (ثانياً) بأحقيته في الترقية إلى درجة أومباشي اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار في المرتب وفروق وغيرها. (ثالثاً) بأحقيته في صرف مرتب شهر علاوة على مرتبه العادي وقدره خمسة جنيهات. (رابعاً) بإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى. وقد دفعت وزارة الداخلية بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد تأسيساً على أن المدعي أبلغ بقرار فصله في 16 من يونيه سنة 1955، وأنه لا عبرة بطلب الإعفاء المقدم منه؛ إذ من المقرر أن مثل هذا الطلب لا يوقف ميعاد رفع الدعوى. وقد عقب المدعي على هذا بمذكرة طلب فيها رفض هذا الدفع استناداً إلى أن طلب المساعدة القضائية يحفظ الميعاد أمام القضاء الإداري. وقدم السيد مفوض الدولة إلى المحكمة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى التوصية بالحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد مع إلزام رافعها بالمصروفات، بمقولة إن طلب الإعفاء من الرسوم المقدم بعد سبق تظلمه إدارياً من قرار فصله لا يعدو أن يكون تظلماً ثانياً لا يعتد به في قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء.
وبجلسة 27 من يناير سنة 1957 قضت المحكمة الإدارية "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت رافعها بالمصاريف". وأقامت قضاءها على أن طلب الإعفاء من الرسوم القضائية لو قيل بأنه يقطع سريان ميعاد رفع الدعوى باعتباره تظلماً فإنه في خصوصية هذه الدعوى يكون بمثابة تظلم ثان لا يقطع سريان هذا الميعاد الذي قطعه التظلم الأول المقدم من المدعي في 14 من يونيه سنة 1955، وقد كان يتعين على هذا الأخير أن يقيم دعواه خلال ستين يوماً من ذلك التاريخ، أما وقد رفعها بعد ذلك في 30 من نوفمبر سنة 1955 فإنها تكون فيما يختص بطلب إلغاء قرار فصله غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد، كما تكون كذلك فيما يتعلق بطلب ترقيته إلى رتبة أومباشي ومنحه مرتب شهر أسوة بزملائه؛ إذ يبين من تظلمه المشار إليه أنه علم بقرار تخطيه في الترقية وفي منحه مرتب الشهر قبل 14 من يونيه سنة 1955. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بصحيفة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 17 من مارس سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد". واستند في أسباب طعنه إلى ما استقر عليه القضاء الإداري من اعتبار طلب المساعدة القضائية إجراء يقوم مقام أداء الرسوم في رفع الدعوى، وإلى أن هذه القاعدة القضائية من قواعد القانون الإداري أصبحت تقوم جنباً إلى جنب مع القواعد التشريعية في مجالات روابط القانون العام. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، وتكون قد قامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن مقتضيات النظام الإداري قد مالت بالقضاء الإداري إلى تقرير قاعدة مفادها أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجه الموظف إلى السلطة الإدارية المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وأن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة، إذ هو أبلغ في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه، وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو في الحق يجمع بين طبيعة التظلم الإداري من حيث الإفصاح بالشكوى من التصرف الإداري، وبين طبيعة التظلم القضائي من حيث الاتجاه إلى القضاء طلباً للانتصاف. فلا أقل - والحالة هذه - من أن يترتب عليه ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. ويظل هذا الأثر قائماً، ويوقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره. ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه لما كان قرار فصل المدعي من الخدمة قد صدر في 6 من يونيه سنة 1955 فإن الدعوى بطلب إلغائه تخضع في قبولها من حيث الإجراءات والمواعيد لأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة. والثابت أن المدعي قد تظلم إدارياً من هذا القرار في 14 من يونيه سنة 1955 وفقاً لنص المادة 12 من القانون المشار إليه الذي عمل به منذ 29 من مارس سنة 1955، وقد قدم هذا التظلم في الميعاد المقرر في المادة 19 من القانون المذكور. وردت عليه الإدارة برفض تظلمه وعدم موافقتها على إعادته للخدمة في 14 من يوليه سنة 1955، كما هو ظاهر من مذكرتها المؤرخة 27 من أغسطس سنة 1955 المقدمة إلى لجنة المساعدة القضائية. وقد تقدم إلى اللجنة المذكورة بطلب إعفائه من رسوم الدعوى الحالية في 12 من أغسطس سنة 1955، أي خلال الستين يوماً التالية لتاريخ إبلاغه برفض تظلمه، وذلك طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 19 آنفة الذكر. ولما كان قرار اللجنة بقبول طلب إعفائه قد صدر بجلسة 10 من نوفمبر سنة 1955، وكان المدعي قد أقام دعواه بعد ذلك بطلب إلغاء قرار فصله بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 30 من نوفمبر سنة 1955، أي خلال الستين يوماً التالية لصدور قرار لجنة المساعدة القضائية بقبول طلبه، فإنها تكون مقبولة شكلاً بالنسبة إلى طلب إلغاء قرار الفصل لرفعها في الميعاد القانوني على نحو ما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب المدعي الحكم بأحقيته في الترقية إلى درجة أومباشي اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع تقرير استحقاقه لصرف مرتب شهر علاوة على مرتبه العادي وقدره خمسة جنيهات، فإنه ظاهر من الأوراق أنه لا يهدف بهذا إلى إلغاء قرار معين تضمن تخطيه في الترقية إلى درجة أومباشي أو قضى بحرمانه من مرتب شهر، وإنما يرمي إلى تسوية حالته في صدد منح مكافآت تشجيعية أسوة بزملائه ممن نالوا هذه المكافآت تقديراً لجهودهم في حوادث معينة تهم الأمن العام وقياساً على هؤلاء الزملاء أخذ بالقاعدة التي طبقت في حقهم دون طلب إلغاء ترقية أي منهم أو حرمانه من المنحة التي ظفر بها. وبهذه المثابة فإن طلبه هذا لا يسقط حقه في رفع الدعوى به بالمواعيد المقررة لسقوط الحق في رفع دعوى الإلغاء؛ ومن ثم فإنه يكون مقبولاً شكلاً لتقديمه في الميعاد القانوني المقرر له.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في محله، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه, ويتعين القضاء بإلغائه، وبقبول الدعوى بجملتها لرفعها في الميعاد القانوني.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن الدعوى صالحة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يتضح من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام دعواه الحالية ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل طالباً "الحكم: أولاً - إلغاء قرار الفصل والاستغناء عن الطالب واعتباره كأن لم يكن، مع صرف مرتب الطالب من تاريخ فصله إلى إعادته للخدمة وغير ذلك من الآثار المترتبة على ذلك ثانياً - أحقية الطالب في ترقيته إلى درجة أومباشي اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954 وجميع ما يترتب على ذلك من آثار في المرتب والفروق وغير ذلك. ثالثاً - أحقية الطالب في صرف مرتب شهر علاوة على مرتبه العادي وقدره خمسة جنيهات مصرية. رابعاً - إلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى." وقال بياناً لدعواه في صحيفة افتتاحها وفي مذكرته المودعة في 29 من فبراير سنة 1956، إنه عين بحكمدارية بوليس القاهرة في سنة 1948 كبوليس ملكي (مخبر) وعمل بمباحث قسم روض الفرج حتى سنة 1950 حيث نقل إلى القلم السياسي. وفي أثناء خدمته بقسم روض الفرج اضطهده ضابط المباحث هناك فحرر تقريراً سرياً عنه زعم فيه أنه تحوم حوله شبهات وإشاعات كثيرة باتصاله بتجار المخدرات. ودون أي تحقيق أو تثبت من هذه الأقوال تلقى القلم السياسي - بعد نقله إليه في سنة 1950 - إشارة من حكمدارية بوليس القاهرة بالاستغناء عن خدمته. ولكن القلم المذكور تمسك به، وحرر للحكمدارية بأنه ناطه بمهمة خاصة، فعادت الحكمدارية وأمرت باستمراره في الخدمة مع مراقبته وعمل تقرير عنه. وقد ظل يعمل بعد ذلك دون أن ينسب إليه أي تقصير أو ذنب. ولما ألغى القلم السياسي ألحق بالمباحث العامة فرع القاهرة. ومن الأدلة القاطعة على همته وحسن بلائه أنه كان ضمن قوة المباحث العامة التي هاجمت وكر الجهاز السري للإخوان المسلمين بشبرا في 13 من نوفمبر سنة 1954، وقد جرح في مغامرة قام بها وقتذاك معرضاً نفسه للموت في سبيل إنقاذ القوة التي حوصرت وهوجمت بالرصاص والقنابل، إذ خرج من مكان الحصار جريحاً وتمكن من استقدام نجدة من بوليس شبرا كان فيها القضاء على أعضاء الجهاز السري وإنقاذ قوة المباحث العامة من الهلاك. وقد نقل عقب ذلك هو وآخرون من أفراد القوة الذين أصيبوا في هذا الحادث إلى مستشفى الهلال الأحمر، حيث زارهم كبار المسئولين في الدولة وقدموا لهم إعانات مالية وصوراً تذكارية وهدايا. وفي اليوم الثالث لهذا الحادث أصدر السيد وزير الداخلية قراراً - بعد اجتماعه بمجلس البوليس الأعلى - بأن يرقى كل من اشترك في الحادث المذكور وأصيب فيه من أفراد قوة المباحث إلى درجة أومباشي ويمنح مرتب شهر. بيد أن المذكرة التي أعدت لتنفيذ هذا القرار شملت زملاءه دونه. فلما تظلم من إغفال معاملته مثلهم غضب رؤساؤه وعمدوا، إلى اضطهاده، فصدر قرار بنقله من المباحث العامة إلى قوة مباحث شبرا في 14 من مايو سنة 1955 تخلصاً منه. ولما استمر في الشكوى فوجئ بإشارة من الحكمدارية بفصله من الخدمة والاستغناء عنه اعتباراً من 16 من يونيه سنة 1955، وقد ارتكبت وزارة الداخلية في تبرير هذا الفصل إلى تقرير قديم يرجع عهده إلى سنة 1950، وهو تقرير سنده الإشاعة والتقول، وغير مؤيد بأي دليل من تحقيق أو ما أشبه، ولم يواجه به المدعي ولا يصلح سبباً لفصله في سنة 1955، بعد إذ أمرت الحكمدارية نفسها باستمراره في الخدمة ومراقبته، وبعد إذ مضت هذه المدة دون أن يؤخذ عليه أي مأخذ. وقد تضمن هذا التقرير أنه كثير الإجازات المرضية مع أنه لم يجاوز في ذلك الحدود القانونية، بل إن هذه الإجازات دليل على تفانيه في الخدمة وعلى تجني الحكمدارية عليه. إذ أنها إما إجازات اعتيادية وإما إجازات مرضية اعتمدتها الإدارة، وليست تغيباً بدون إذن أو بغير مبرر. ومن إجازاته المرضية 28 يوماً أعطيت له بعد إصابته في حادث شبرا للعلاج. كما أن الحكمدارية ذكرت أنه وقعت عليه جزاءات كثيرة بسبب إهماله وغيابه عن الخدمة وتركه إياها بدون مبرر، وهذا غير حقيقي، إذ لم يحدث أن وقع عليه جزاء من هذا القبيل كما يشهد بذلك ملف خدمته. كذلك أخذته على أنه كان يعمل صبي قهوجي قبل التحاقه بالخدمة واستنتجت من ذلك شبهة اتصاله بتجار المخدرات دون أن يكون لهذا الاستنتاج أصل في الأوراق. بل إن تقرير سنة 1950 المقول به - بما جاء فيه - لا وجود له، وإذا صح وجوده فإنه ينهض حجة لصالح المدعي إذ تمسك البوليس السياسي ببقائه في الخدمة بعد إذ رؤى فصله، وهذا دليل على كفايته. وقد زعمت وزارة الداخلية أنه في 19 من ديسمبر سنة 1954 وضع تقرير عن قصور المدعي، هذا الزعم لا دليل عليه، ولم يعمل به أي تحقيق في مواجهة المذكور، كما ذهب إلى القول بوجود تحريات عنه بعودته إلى صلاته القديمة بتجار المخدرات وبقيام الشبهات حوله، وعدم إقلاعه عن الإجازات والتمارض، وهذا كله لا نصيب له من الصحة. هذا إلى أن حق الإدارة في فصل المتطوعين في البوليس الملكي قبل مدة نهاية مدة التطوع ليس حقاً مطلقاً، بل هو مقيد بقيود أوردها القانون، منها أن يكون القرار الصادر بهذا الفصل مستنداً إلى أسباب جدية سليمة، وأن يقصد به المصلحة العامة، ولا يكون مشوباً بسوء استعمال السلطة. وللقضاء الإداري الرقابة على ذلك كله، أما طلب المدعي ترقيته إلى رتبة أومباشي وصرف مرتب شهر له، فسنده أنه اشترك في حادث وكر شبرا، الأمر الذي لم تستطع الوزارة إنكاره، وإن كانت قد زعمت أنه عند أول طلقة ممن كانوا بداخل الوكر أسرع بالابتعاد عن مكان الواقعة فأصيب بالتواء في قدمه، لتصل من هذا إلى أن إصابته لم تكن نتيجة اشتراكه في الواقعة وإنما نتيجة فراره منها. ولو صح هذا لحوكم أمام مجلس عسكري عن فراره من المعمعة. ولكن الواقع أنه قوبل كغيره من المصابين بزيارات الرؤساء ومواساتهم وهداياهم. كما حظي بإعانة مالية شخصية وبساعة ذهبية تذكارية، مما يدل على حسن بلائه في تلك الواقعة، ذلك البلاء الذي تحدثت عنه الصحف.
ومن حيث إن وزارة الداخلية ردت على هذه الدعوى بأن المدعي عين ببوليس مدينة القاهرة اعتباراً من 16 من ديسمبر سنة 1948 بدرجة نفر ملكي متطوعاً لمدة 12 سنة لكونه مدنياً أصلاً، والحق منذ بدء تعيينه كمخبر بمكتب مباحث قسم روض الفرج، ثم نقل إلى القسم السياسي (الضبط فرع "ب") فالمباحث العامة (فرع القاهرة) وأخيراً إلى قسم شبرا. وفي سنة 1950 رأت الوزارة فصله من الخدمة لكثرة تمارضه، إذ بلغت إجازاته المرضية التي تغيبها في سنة 1949، 16 يوماً، وفي سنة 1950، 29 يوماً، وقد اعتبر بعض هذه الإجازات مرضياً والبعض الآخر اعتيادياً، كما وقعت عليه جزاءات كثيرة لإهماله وغيابه عن الخدمة وتركه إياها بدون إذن، مع أن رجل البوليس يلتزم نظاماً له طابع خاص من الجد والصرامة بسبب طبيعة عمله، وكثرة الإجازات والجزاءات تتنافى مع طبيعة هذا العمل، ولا وجه للقياس في هذا الصدد بين رجل البوليس والموظف العادي لاختلاف طبيعة عمل كل منهما. وقد كان المدعي قبل التحاقه بالخدمة يعمل "صبي قهوجي" وله اتصال بتجار المخدرات بدائرة قسم شبرا مقر إقامته، وقد بقي تحوم حوله شبهات وإشاعات كثيرة تدعو إلى الشك في نزاهته، ولهذا قررت الحكمدارية فصله من الخدمة في 16 من أكتوبر سنة 1950 بالأمر اليومي رقم 1141 حيث لا يصلح للعمل، إلا أن الصاغ محمد الجزار بالقسم السياسي وقتذاك طلب بمذكرة إبقاءه بالخدمة حتى يتم مهمة خاصة كان مكلفاً بها ولم تنته بعد، ولذا أمر السيد حكمدار البوليس وقتذاك باستمراره في الخدمة ومراقبته وعمل تقرير عنه فأعيد بالأمر اليومي رقم 1207 لسنة 1950. وفي غمرة الحوادث التي مرت بالقسم السياسي لم ينفذ الشرط الأخير من أمر الحكمدارية ولم يعمل تقرير عنه. وفي 29 من ديسمبر سنة 1954 وضع عنه تقرير جاء فيه أنه قاصر في التقدير العام وضعيف ويحتاج إلى توجيه كبير وعناية حتى يمكن تكليفه بالأعمال. وقد وجهت إدارة المباحث العامة هذا التقرير إلى مكتب مباحث القاهرة، فأجاب هذا الأخير في 16 من إبريل سنة 1955، بأنه أجرى تمرين المدعي إلا أنه لا يصلح للعمل، فضلاً عن أن الأعمال التي يكلف بها من الأهمية بحيث لا تحتمل الخطأ في أدائها. وطلب المكتب نقله من الفرع وترشيح آخر بدلاً منه، وعليه نقل إلى قسم شبرا في 15 من مايو سنة 1955. وقد دلت التحريات على أنه قد عاد إلى صلاته بتجار المخدرات وأن الشبهات لا تزال تحيط به، كما أنه لم يقلع عن الإجازات والتمارض، ولهذا قررت الحكمدارية فصله من الخدمة اعتباراً من 16 من يونيه سنة 1955، بالاستغناء عنه لعدم صلاحيته للعمل، وهذا من حق رئيس المصلحة طبقاً لنص الفقرتين 10 و11 من المادة 110 من القانون رقم 234 لسنة 1955، الخاص بنظام هيئة البوليس المعمول به من أول مايو سنة 1955، وطبقاً للبنود 25 و28 و32 بالباب الثامن هن قانون البوليس. وينص التعهد الذي يؤخذ على المتطوعين بخدمة البوليس على أن لرئيس المصلحة حق رفت أي متطوع من الخدمة في أي وقت كان متى تراءى له أوفقية ذلك قبل انتهاء مدة التطوع دون أن يكون للمرفوت أدنى حق في طلب تعويضات أو خلافها من الحكومة. وبملف المدعي تعهد من هذا النوع موقع عليه منه. أما طلبه ترقيته إلى رتبة أومباشي وصرف مرتب شهر له علاوة على مرتبه الأصلي لمشاركته في حادث وكر شبرا في سنة 1954، فمردود بأنه وإن كان قد انتقل مع القوة التي هاجمت الوكر المذكور، إلا أنه لم يشترك معها في شيء قط، إذ بقي مع أفراد القوة المهاجمة خارج المنزل الذي كان به الوكر، وعند أول طلقة ممن كانوا بداخله، وفي أثناء إسراع المدعي بالابتعاد من مكان الواقعة، أصيب بالتواء في قدمه وأعفي من مواصلته الاشتراك مع القوة ومنح إجازة 28 يوماً للعلاج، وبذلك لم يقم بأي جهد في هذا الحادث كما فعل باقي أفراد القوة الذين قاموا بقتال حقيقي وأبدوا شجاعة استحقوا من أجلها الترقية والمكافأة. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث فيما يتعلق بطلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 6 من يونيه سنة 1955 من حكمدار بوليس القاهرة بالاستغناء عن خدمته بسبب عدم الصلاحية اعتباراً من 16 من يونيه سنة 1955 مع حفظ حقه في المكافأة المستحقة له عن مدة خدمة طبقاً للفقرة 12 من المادة 124 والمادة 125 من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس، فإن هذا القرار - شأنه شأن أي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق رجل البوليس للغاية التي استهدفها المشرع وهي الحرص على حسن سير العمل في مرفق الأمن والنظام، تحقيقاً للمصلحة العامة حتى لا تضار ببقاء عنصر غير صالح في خدمة هذا المرفق. ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تبرر التدخل، وللقضاء الإداري، في حدود رقابته القانونية، أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانون، دون أن يتطرق إلى بحث ملاءمة الاستغناء عن الخدمة أو مناقشة مدى تأثير عدم الصلاحية في تقدير هذه النتيجة. ورقابته القانونية هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيع فيما يقوم لدى السلطات المذكورة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها، أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا. وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبيعي - كرقابة قانونية - في التحقيق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت تلك النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً. فإذا كانت منتزعة عن غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض قيامها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه، وهو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً أو قانوناً فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون. فإذا توافر لدى السلطة الإدارية المختصة، من مجموع العناصر والتحريات التي طرحت عليها، الاقتناع بأن رجل البوليس سلك سلوكاً مريباً يشكك في استقامته ونزاهته، أو ينطوي على تقصير أو تراخ في القيام بواجباته، أو خروج على مقتضيات وظيفته وقواعد الضبط والنظام، أو ينم عن عجز عن حسن أداء ما يناط به من مهام، أو عن سوء تصرف ضار في القيام بها، أو يحوطه بإشاعات وشبهات لها أساس جدي، وكان اقتناعها هذا مجرداً عن الميل أو التعسف، بحيث حملها على عدم الاطمئنان إلى صلاحيته للاستمرار في القيام بأعباء وظيفته، فرأت لمصلحة الأمن - التي هي مسئولة عنه ومصلحة العمل - إقصاءه عن هذه الوظيفة بالاستغناء عن خدمته، واستنبطت هذا كله من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون وحصيناً من الإلغاء. أما تقدير الصلاحية أو عدمها وتناسبها مع الاستغناء عن الخدمة، فمن الملاءمات التي تنفرد الإدارة بتقديرها ووزن خطورة أثرها، بما لا معقب عليها في ذلك، والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن المدعي سبق فصله من الخدمة بالاستغناء عنه اعتباراً من 16 إبريل سنة 1950 بالأمر اليومي رقم 1141 لسنة 1950 عندما كان يعمل بوظيفة بوليس ملكي بقوة قسم روض الفرج، وذلك بناء على تقرير للسيد ضابط المباحث مؤرخ 3 من يونيه سنة 1950 جاء فيه أن المذكور "كان يشتغل صبي قهوجي قبل التحاقه بخدمة البوليس. وعلمنا من تحرياتنا السرية التي قمنا بها أنه على صلة بتجار المخدرات بدائرة قسم روض الفرج وشبرا من مدة منذ كان يشتغل صبي قهوجي، وتحوم حوله شبهات وإشاعات كثيرة تدعو للشك في نزاهته. ألحق المذكور بخدمة البوليس بتاريخ 16 من ديسمبر سنة 1948. لا يقوم بعمله خير قيام وكثير الإجازات المرضية.، كما أنه كثير الغياب عن الخدمة، وجزاءاته طول مدة خدمته التي لا تزيد على حوالي سنة وستة شهور من واقع سجل خدمته كالآتي: (عدد التقرير خمسة عشر جزاء). وأرى أن المذكور لا يصلح للعمل بخدمة البوليس. ولهذا أرى فصله من خدمة البوليس.". وقد علق السيد مأمور القسم على هذا التقرير في 3 من يونيه سنة 1950 بالتأشيرة الآتية للفرقة، وقد ثبت بعد الاختبار أن هذه الفئة التي عينت في خلال سنة 1949 غالبيتها غير صالحة للعمال - ونرى التخلص من الفاسد من هؤلاء المخبرين أولاً بأول، كما نرى أن هذا المخبر من الفاسدين الذين لا يصلحون للبقاء في الخدمة ونرى فصله". وفي 29 من ديسمبر سنة 1954 أرسل السيد مدير إدارة المباحث العامة إلى السيد مفتش المباحث العامة فرع القاهرة الكتاب رقم 7217/ ب/ 1954 متضمناً تقريراً عن المدعي بأنه مقصر في التقدير العام وضعيف ويحتاج لتوجيه كبير وعناية حتى يمكن تكليفه بالأعمال، وأن مدرسة المخابرات أخطرت المباحث العامة بنتيجة امتحان طلبة فرقة المخبرين رقم 1 الذي عقد بالمدرسة في المدة من 2 من أكتوبر سنة 1954 إلى 14 منه، وقد قصر فيه المذكور في التقدير العام. وتساءل مرسل الكتاب عما إذا كان يرى نقله من المباحث العامة لتقصيره في الامتحان. وقد رد مكتب مباحث القاهرة على هذا بكتابه رقم 20/ 313 في 16 من إبريل سنة 1955 بأنه قد أجرى تمرين المدعي إلا أنه لا يصلح للعمل فضلاً عن أن الأعمال التي يكلف بها من الأهمية بحيث لا تحتمل الخطأ في أدائها. وطلب المكتب نقله من الفرع وترشيح آخر بدلاً منه. وفي 2 من يونيه سنة 1955 قدم عنه تقرير استعرض حالته وظروف فصله السابق من الخدمة واستبقائه فيها بالأمر اليومي رقم 1207 لسنة 1950 بناء على مذكرة الصاغ محمد الجزار الضابط بالقلم السياسي وقتذاك التي طلب فيها إبقاءه لإنجاز مهمة خاصة كان مكلفاً بها ولم تتم والتي وافق عليها السيد وكيل الحكمدار على أن يراعى مراقبته وعمل تقرير عنه، الأمر الذي لم ينفذ فيما يتعلق بهذه المراقبة. وقد تناول التقرير بيان تنقلاته بعد ذلك. ثم ذكر أنه "بمراجعة إجازاته وجزاءاته مدة وجوده بالمباحث العامة وجد أنه كثير الإجازات المرضية، فقد منح 29 يوماً إجازة مرضية خلال سنة 1954، كما منح خمسة أيام إجازة مرضية سنة 1955... وبما أن المذكور كان قد فصل من الخدمة سنة 1950 للشك في نزاهته وكثرة إجازاته وجزاءاته، ثم أعيد إليها لتكملة مأمورية خاصة كان يقوم بها وقتئذ، وحيث إنه ما زال على حالة من كثرة الإجازات المرضية ولم يرد ما ينفي عنه أنه على صلة بتجار المخدرات، فيعرض وترى أنه لا يصلح للبقاء بالخدمة، وقد علمنا أن المذكور ألحق بمدرسة المخابرات أثناء عمله بالمباحث العامة لتلقي الدروس بها فورد تقرير عنه بأنه لا يصلح للعمل كبوليس ملكي". وقد عرض السيد وكيل الحكمدار هذا التقرير في 6 من يونيه سنة 1950 على السيد الحكمدار بتأشيرة ذكر فيها أنه يرى "الموافقة على فصل البوليس الملكي إسماعيل حسن ناصف بالاستغناء عنه اعتباراً من 16 من يونيه سنة 1955 مع حفظ حقه في المكافأة المستحقة له عن مدة خدمته طبقاً للفقرة 12 من المادة 124 والمادة 125 من القانون 234 سنة 1955". وقد وافق السيد الحكمدار في التاريخ ذاته على هذا الفصل. ويبين من صحيفة جزاءات المدعي أنه وقع عليه في مدة خدمته الوجيزة واحد وعشرون جزاء يرجع سببها إلى التأخير والغياب عن الخدمة والإهمال في الواجبات وفي الخدمة وترك الحراسة والانصراف بدون إذن.
ومن حيث إنه ظاهر مما تقدم أن الوقائع المسندة إلى المدعي والتي بني عليها قرار الاستغناء عن خدمته لها وجود مادي ثابت في الأوراق بالفعل، وهي وقائع لها دلالتها في تقدير سلوكه ومدى صلاحيته لعمله، وقد استخلصت منها السلطة الإدارية المختصة اقتناعها بعدم صلاحيته للعمل في خدمة البوليس استخلاصاً سائغاً يبرر النتيجة التي انتهت إليها في شأنه، ويجعل قرارها الصادر بالاستغناء عن خدمته لعدم صلاحيته كرجل بوليس قائماً على سببه ومطابقاً للقانون. وقد صدر هذا القرار من السلطة المختصة التي تملك إصداره، وهو حكمدار بوليس القاهرة بصفته رئيس المصلحة التي يتبعها المدعي بوصفه نفراً متطوعاً درجة أولى كما هو ثابت من ملف خدمته، وذلك بالتطبيق لنص البند (12) من المادة 124 والمادة 125 من الفصل الثالث من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس، الذي عمل به من أول مايو سنة 1955. وقد تظلم المدعي من القرار المذكور في 14 من يونيه سنة 1955، ورفع تظلمه إلى وزارة الداخلية التي درست حالته وانتهت إلى عدم الموافقة على إعادته إلى الخدمة وأفهم بذلك في 14 من يوليه سنة 1955. هذا إلى أن تعهد تطوعه الموقع عليه منه في 16 من ديسمبر سنة 1948، بقبوله الخدمة في البوليس بصفة متطوع اعتباراً من ذلك التاريخ والمودع بملف خدمته، تضمن نصاً على أن لوزارة الداخلية الحق في رفته من الخدمة في أي وقت كان متى تراءى لها أوفقية ذلك قبل انتهاء مدة تطوعه البالغة اثنتي عشرة سنة؛ من ثم فإن القرار المطعون فيه الصادر بالاستغناء عن خدمة المدعي يكون صحيحاً سليماً مطابقاً للقانون، ويكون الطعن فيه في غير محله متعيناً رفضه مع إلزام المدعي بمصروفاته.
ومن حيث فيما يختص بطلب المدعي تقرير أحقيته في الترقية إلى درجة أومباشي اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، مع أحقيته في صرف مرتب شهر علاوة على مرتبه العادي وقدره خمسة جنيهات، فإنه ثابت من الأوراق المقدمة في الدعوى أنه في يوم 14 من نوفمبر سنة 1954 اجتمع المجلس الأعلى للبوليس في جلسة عاجلة للنظر في تقدير الجهود التي بذلها بعض السادة الضباط في الحوادث التي وقعت وقتذاك، وأخصها الحادث موضوع القضية رقم 2376 جنايات مصر أمن الدولة سنة 1954 قسم روض الفرج الخاصة بوكر الإخوان بشبرا والقضية رقم 1930 مصر أمن الدولة سنة 1954 الخاصة بضبط منظمة شيوعية خطيرة وقضايا أخرى. وبعد أن ناقش المجلس جهود كل منهم واستمع إلى التقارير والاقتراحات التي قدمت إليه في شأنهم وافق على منح مكافآت مادية وأخرى أدبية للسادة الضباط بذواتهم الذين ورد ذكرهم بالاسم في الكشوف التي أقرها، كما أصدرت وزارة الداخلية بياناً بأسماء الصف ضباط والعساكر الذين وافقت على ترقيتهم إلى درجات أعلى ومنحهم مكافآت للجهود التي قاموا بها في حادث القضية رقم 2376 جنايات مصر أمن الدولة سنة 1954 قسم روض الفرج. وقد أعدت هذا الكشف على أساس ما بذله كل من أدرجوا به من بلاء حسن في الحادث المشار إليه بعد أن تحققت من مدى ما أسهم به من جهد وما أبداه من شجاعة، أما المدعي فلم يرد اسمه في الكشف المذكور لعدم مشاركته فعلياً في الحادث، إذ تبين أنه ولئن كان قد انتقل مع القوة التي هاجمت وكر الإخوان بشبرا، إلا أنه لم يشترك معها قط، إذ بقي مع بعض أفراد القوة المهاجمة خارج المنزل الذي كان به الوكر، وعند أول طلقة ممن كانوا بداخله، وفي أثناء إسراعه بالابتعاد عن مكان الواقعة أصيب بالتواء في قدمه فأعفي من مواصلة الاشتراك مع القوة ومنح إجازة 28 يوماً للعلاج، وبذلك لم يقم بأي جهد في هذا الحادث كما فعل باقي أفراد القوة الذين قاموا بقتال حقيقي وأبدوا شجاعة استحقوا من أجلها الترقية والمكافأة دونه. ولما كانت الترقيات والمكافآت التي يطالب المدعي بنصيب فيها ليست حقاً بل منحة، فإن الإدارة التي قررت منحها تترخص في تقدير مجهود من ترى استحقاقه لها وتعيين شخصه. وهي مع ذلك لم تضع لهذا قاعدة تنظيمية يتعين عليها التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، بل وضعت كشوفاً اسمية تضمنت أشخاصاً بذواتهم، وجعلت استحقاق هذه الترقيات والمكافآت منوطاً بضروب الهمة وأعمال البسالة التي أبداها أفراد القوة التي اشتركت في مهاجمة مكان الواقعة والتي تنفرد هي بتقدير مداها وأثرها، ولما كان الثابت أن المدعي لم يأت شيئاً من هذه الأعمال، فإن سبب استحقاقه للمنحة التي يطالب بها يكون غير قائم؛ ومن ثم فإن دعواه في هذا الشق منها تكون على غير أساس سليم من القانون، ويتعين القضاء برفضها مع إلزامه بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.