مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 891

(99)
جلسة 8 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 685 لسنة 3 القضائية

( أ ) تظلم - التظلم الوجوبي السابق على رفع الدعوى - تقديمه للوزير إذا كان هو مصدر القرار ذاته أو له سلطة التعقيب عليه - إمكان تقديمه إلى مصدر القرار إذا كان صادراً من غير الوزير ولم يكن للوزير سلطة التعقيب عليه باعتباره هيئة رئيسية - المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء في 6/ 4/ 1955 والمادتان 12 و19 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955.
(ب) ميعاد الستين يوماً - طلب الإعفاء من الرسوم يقطع الميعاد ولكنه لا يغني عن التظلم الوجوبي بنظامه وإجراءاته.
1 - لا وجه للقول بوجوب توجيه التظلم الإداري إلى الوزير المختص، وفقاً لما قررته المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري، وإلا كان التظلم باطلاً غير منتج لأثره - لا وجه لذلك، لأن ثمة طريقين للتظلم طبقاً لمفهوم المادتين 12 و19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة: هما التظلم إلى مصدر القرار نفسه أو إلى الهيئات الرئيسية. ولم يقصد قرار مجلس الوزراء المشار إليه تعطيل طريق التظلم إلى مصدر القرار ذاته، بل إنه - باعتباره أداة أدنى - لا يملك تعديل حكم ورد بأداة أعلى هي القانون، وغاية الأمر أن قرار مجلس الوزراء المذكور إنما استهدف تبسيط الإجراءات وتنظيمها في شأن كيفية تقديم التظلم ونظره والبت فيه وذلك على سنن محدد منضبط، وغني عن البيان أن تقديم التظلم إلى الوزير نفسه لا يكون واجباً إلا حيثما يكون هو مصدر القرار ذاته، أو تكون له سلطة التعقيب على القرار وإن لم يكن هو مصدره باعتباره الهيئة الرئيسية، فإذا كان القرار صادراً من غير الوزير، ولم يكن للوزير سلطة التعقيب عليه باعتباره هيئة رئيسية، كان تقديم التظلم إلى مصدر القرار نفسه صحيحاً ومنتجاً آثاره طبقاً للقانون. فإذا ثبت أن القرار المطعون فيه صادر بعقوبة الإنذار من رئيس محكمة ابتدائية في 27 من يونيه سنة 1955، بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 78 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 وقت أن كانت سلطته في هذا الشأن نهائية لا معقب عليها من سلطة أعلى بوصفه رئيس مصلحة، طبقاً للمادة 85 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 (قبل تعديله بالقانون رقم 620 لسنة 1955 المعمول به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 18 من ديسمبر سنة 1955) الذي يطبق فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون نظام القضاء، فإنه يترتب على ذلك أن تقديم التظلم إليه رأساً في 27 من يونيه سنة 1955 يعتبر - والحالة هذه - منتجاً لآثاره، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى غير قام على سند سليم من القانون.
2 - إن طلب الإعفاء من الرسوم القضائية وإن أصبح لا يغني عن التظلم الوجوبي بنظامه وإجراءاته، بعد نفاذ القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، في قطع ميعاد الستين يوماً المحددة لتقديم طلب الإلغاء، ولو أنه كان ينتج أثره في هذا الخصوص في ظل القانون السابق (شأنه في ذلك شأن أي تظلم إداري)، إلا أنه في خصوص وجوب رفع الدعوى أمام القضاء الإداري في الميعاد المقرر لذلك، قررت هذه المحكمة كذلك، أنه ولئن كان مفاد النصوص المدنية في مجال القانون الخاص أنه لا يقوم مقام المطالبة القضائية في هذا الشأن، إلا أنه يقوم مقامها في مجال الروابط الإدارية، نظراً لمقتضيات النظام الإداري التي تستلزم تقرير قاعدة أكثر تيسيراً في علاقة الحكومة بذوي الشأن، بمراعاة طبيعة هذه الروابط. وأن الأثر المترتب على طلب المساعدة القضائية من حيث قطع التقادم أو ميعاد دعوى الإلغاء يظل قائماً، ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض، إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف، وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب تحضيراً له حتى يصبح مهيئاً للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد، إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره. ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره. فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.<


إجراءات الطعن

في 18 من إبريل سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 685 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 24 من فبراير سنة 1957 في الدعوى رقم 77 لسنة 3 القضائية المقامة من السيد/ نزيه نبيل حسن الكردي، والقاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول طلب الإلغاء والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع"، وقد أعلن هذا الطعن إلى وزير العدل ورئيس محكمة القاهرة الابتدائية في 5 من مايو سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 8 من مايو سنة 1957، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 25 من يناير سنة 1958، وفي 30 من نوفمبر سنة 1957 وأبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن قبول الدعوى:
من حيث إن الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة العدل بجلسة 24 من فبراير سنة 1957 في الدعوى رقم 77 لسنة 2 القضائية المقامة من المطعون لصالحه نزيه نبيل حسن الكردي ضد وزارة العدل ورئيس محكمة القاهرة بطلب الحكم بإلغاء قرار الجزاء التأديبي الصادر من السيد رئيس محكمة القاهرة الابتدائية في 27 من يونيه سنة 1955، بإنذار المطعون لصالحه مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، والقاضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وإلزام المدعي بالمصروفات - قد أقام قضاءه على أن "القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 27 من يونيه سنة 1955، فتظلم منه المدعي في 28 من يونيه سنة 1955، وأخطر برفض تظلمه في 30 من يونيه سنة 1955، فقدم طلباً لإعفائه من الرسوم القضائية بتاريخ 20 من يوليه سنة 1955، وقد صدر قرار بقبوله وندب الأستاذ وهيب عازر المحامي لمباشرة الدعوى في 13 من أكتوبر سنة 1955. ولما كان المدعي قد تظلم من القرار المطعون فيه ورفض تظلمه وأبلغ إليه هذا الرفض في 30 من يونيه سنة 1955، فقد كان يتعين عليه أن يرفع دعوى الإلغاء في خلال ستين يوماً من تاريخ إعلانه برفض تظلمه في 30 من يونيه سنة 1955، إلا أنه لم يرفع دعواه إلا في 15 من نوفمبر سنة 1955، ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت بعد الميعاد ويتعين الحكم بعدم قبولها لهذا السبب، ولا يحتج على ذلك بأن المدعي قدم طلباً لإعفائه من الرسوم القضائية في 20 من يوليه سنة 1955، ذلك لأن طلب الإعفاء من الرسوم لا يزيد على كونه تظلماً ثانياً كما جرى على ذلك القضاء الإداري؛ ومن ثم فلا أثر له في انقطاع سريان ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء؛ إذ أن المواعيد تسري من تاريخ رفض التظلم الأول أو تصرم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً الواجب البت في التظلم خلالها"، كما استند الحكم المطعون فيه على أن "المحكمة، وقد انتهت إلى عدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، لا ترى داعياً لمناقشة الدفع المبدى من الوزارة الخاص بعدم قبول الدعوى لعدم اتباع المدعي الإجراءات المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955".
ومن حيث إن وزارة العدل كانت قد أودعت ملف الدعوى بجلسة 30 من إبريل سنة 1956 مذكرة بملاحظاتها، طلبت فيها من المحكمة الإدارية لوزارة العدل الحكم بعدم قبول الدعوى، باعتبار أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 قد بين إجراءات التظلم الإداري من القرارات الإدارية وجعله وجوبياً وباسم الوزير المختص في الحالات الواردة في البندين "ثالثاً" و"رابعاً" عدا ما كان صادراً من مجالس تأديبية والبند "خامساً" من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وأن المدعي، وقد قصد من دعواه إلى إلغاء قرار تأديبي بإنذاره، لم يقدم ما يفيد اتباعه لما أوجبه قرار مجلس الوزراء المتقدم الذكر؛ إذ لا عبرة بالتظلم الذي قدمه إلى رئيس محكمة القاهرة الابتدائية.
ومن حيث إنه بعد صدور الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد - على ما سلف البيان - أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في 18 من إبريل سنة 1956 عريضة طعن في الحكم المذكور، طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول طلب الإلغاء والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع". واستند في أسباب طعنه إلى أن "المحكمة لم تعتد بطلب المعافاة كإجراء قاطع للميعاد على أساس أنه تظلم، فيكون المعول عليه في حساب الميعاد هو التظلم الأول، على أن هذا الإجراء ليس في الواقع من الأمر تظلماً وإنما هو تظلم من نوع خاص، وليس ثمة ما يمنع من أن تكون من أن تكون له أحكامه وآثاره الخاصة التي تختلف عن أحكام التظلم العادي وآثاره، وهذه الأحكام وتلك الآثار إذا سكت قانون مجلس الدولة عن بيانها وبالأخص في أثرها في حساب المواعيد، كان لا مناص للقضاء الإداري - بحكم طبيعة وظيفته - من أن يستكمل هذا النقص بما يحقق الغرض الذي استهدفه المشرع من تقرير هذه الوسيلة كشرط يقوم مقام دفع الرسوم المقررة للطعن في القرار، فلا يجوز إذن أن يضار المتظلم من تأخير الفصل في الطلب، بعد إذ أجاز له القانون اللجوء إليه لأمر لا دخل لإرادته فيه، في الوقت الذي كشف فيه عن نيته الواضحة في اختصام القرار مما يجعله مقلقلاً قابلاً للسحب من جانب الإدارة، استهداء بالمبدأ المستقر عليه القضاء في الحالات التي يطول فيها بحث التظلم من عدم سريان الميعاد في حق المتظلم إلا من التاريخ الذي تنكشف فيه نية الإدارة واضحة، بحيث يستطيع أن يحدد طريقه في الطعن من عدمه... فمن ذلك كله يبرز القضاء المستقر في شأن الاعتداد بطلب المعافاة في قطع المواعيد؛ كقاعدة قضائية مستقرة تقوم إلى جانب النصوص القانونية لهذا الطلب وأثره في المواعيد؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد خالف القانون متعيناً الطعن فيه".
ومن حيث إنه لا وجه لما أثارته وزارة العدل من وجوب توجيه التظلم الإداري إلى الوزير المختص - وفقاً لما قررته المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري، وإلا كان التظلم باطلاً غير منتج لأثره - لو وجه لذلك؛ لأن ثمة طريقين للتظلم طبقاً لمفهوم المادتين 12 و19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة هما: التظلم إلى مصدر القرار نفسه أو إلى الهيئات الرئيسية. ولم يقصد قرار مجلس الوزراء المشار إليه تعطيل طريق التظلم إلى مصدر القرار ذاته، بل إنه باعتباره أداة أدنى، لا يملك تعديل حكم ورد بأداة أعلى هي القانون، وغاية الأمر أن قرار مجلس الوزراء المذكور إنما استهدف تبسيط الإجراءات وتنظيمها في شأن كيفية تقديم التظلم ونظره والبت فيه وذلك على سنن محدد منضبط. وغني عن البيان أن تقديم التظلم إلى الوزير نفسه لا يكون واجباً إلا حيثما يكون هو مصدر القرار ذاته، أو تكون له سلطة التعقيب على القرار وإن لم يكن هو مصدره باعتباره الهيئة الرئيسية، فإذا كان القرار صادراً من غير الوزير، ولم يكن للوزير سلطة التعقيب عليه باعتباره هيئة رئيسية، كان تقديم التظلم إلى مصدر القرار نفسه صحيحاً ومنتجاً آثاره طبقاً للقانون.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه وهو صادر بعقوبة الإنذار من رئيس محكمة القاهرة الابتدائية في 27 من يونيه سنة 1955، بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 78 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949، وكانت سلطته في هذا الشأن وقتذاك نهائية لا معقب عليها من سلطة أعلى بوصفه رئيس مصلحة طبقاً للمادة 85 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 (قبل تعديله بالقانون رقم 620 لسنة 1955 المعمول به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 18 من ديسمبر سنة 1955) الذي يطبق فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون نظام القضاء، ومن ثم كان تقديم التظلم إليه رأساً في 27 من يونيه سنة 1955 - والحالة هذه - منتجاً لآثاره، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى لهذا الوجه غير قائم على سند سليم من القانون.
ومن حيث إن طلب الإعفاء من الرسوم القضائية وإن أصبح لا يغني عن التظلم الوجوبي بنظامه وإجراءاته، بعد نفاذ القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، في قطع ميعاد الستين يوماً المحددة لتقديم طلب الإلغاء، ولو أنه كان ينتج أثره في هذا الخصوص في ظل القانون السابق (شأنه في ذلك شأن أي تظلم إداري"، إلا أنه في خصوص وجوب رفع الدعوى أمام القضاء الإداري في الميعاد المقرر لذلك. وقررت هذه المحكمة كذلك، أنه ولئن كان مفاد النصوص المدنية في مجال القانون الخاص أنه لا يقوم مقام المطالبة القضائية في هذا الشأن، إلا أنه يقوم مقامها في مجال الروابط الإدارية، نظراً لمقتضيات النظام الإداري التي تستلزم تقرير قاعدة أكثر تيسيراً في علاقة الحكومة بذوي الشأن، بمراعاة طبيعة هذه الروابط. وأن الأثر المترتب على طلب المساعدة القضائية - عن حيث قطع التقادم أو ميعاد دعوى الإلغاء - يظل قائماً ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف، وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب تحضيراً له حتى يصبح مهيئاً للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد، إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره. فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أنه لما رفض تظلم المدعي وأبلغ بهذا الرفض في 30 من يونيو سنة 1955، قدم طلب المساعدة القضائية إلى المحكمة الإدارية لوزارة العدل في 20 من يوليه سنة 1955، أي خلال ميعاد الستين يوماً، ثم صدر قرار لجنة المساعدة القضائية بقبول الطلب في 13 من أكتوبر سنة 1955، فرفع المدعي دعوى الإلغاء أمام المحكمة المشار إليها، بإيداع صحيفتها في 15 من نوفمبر سنة 1955، أي خلال الستين يوماً التالية لقبول طلب الإعفاء من الرسوم القضائية؛ ومن ثم تكون دعواه مقبولة لرفعها في الميعاد القانوني، ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها.
ومن حيث إن المدعي ينعى على القرار المطعون فيه أنه قد بني على واقعة غير صحيحة، إذ نسب إليه أنه قام في 2 من أكتوبر سنة 1954، بتقدير الرسوم المستحقة على صحيفة المعارضة المقدمة من السيدة فهيمة عبد الله محمد في أمر أداء صادر ضدها لصالح السيد محمد عبد العزيز عبده باعتبار أن هذا التقدير لا يدخل في نطاق اختصاصه في ذلك اليوم بمحكمة الموسكي، وأن تقدير الرسوم عموماً هو من اختصاص الكاتب الأول لهذه المحكمة، وقال إن العلة التي بني عليها قرار الجزاء التأديبي مردود عليها بأن هذا التقدير قد تم بمعرفته في حدود الإنابة الصادرة إليه من السيد كاتب أول المحكمة في هذا اليوم، حيث كان المذكور متغيباً عن المحكمة لتوريد المبالغ المتوفرة لديه إلى خزانة محكمة القاهرة الابتدائية، وخشية أن تتعطل مصالح المتقاضين أنابه الكاتب الأول في تصريف أمور المحكمة وفي ضمنها تقدير الرسوم على صحائف الدعاوى التي تقدم لتقدير الرسوم عليها ما دامت مستوفاة لشكلها القانوني، وأوضح أن هذه الواقعة قد تأيدت صحتها بإقرار السيد كاتب أول المحكمة المذكورة على أصل التظلم المرفوع منه إلى رئاسة محكمة القاهرة الابتدائية في 28 من يونيه سنة 1955، واستطرد إلى القول بأن التقدير الصادر منه للرسم المحصل قد تم بناء على تأشيرة كاتب قلم الحفظ على أصل عريضة المعارضة في أمر الأداء، وهو المختص قانوناً بإعطاء جميع البيانات اللازمة والتأشير بها رسمياً عند تقديم صحائف المعارضة في أوامر الأداء، وخاصة وقد ورد في هذه التأشيرة أن الخصوم والمدعين والمبالغ واحدة وأن أمر الأداء المعارض فيه صادر من المحكمة، وأنه لذلك قام بتقدير الرسوم المستحقة اعتماداً على البيانات الصادرة من موظف مسئول بالمحكمة وهو الموظف المسئول عن هذه التأشيرات.
ومن حيث إن الوزارة ردت على الدعوى، بأن القرار المطعون فيه صدر بناء على ما ثبت من تحقيق النيابة الإدارية في شكوى الصاغ محمد عبد العزيز عبده ضد موظفي قلم كتاب محكمة الموسكي الجزئية من سوء معاملتهم للجمهور وتدخل بعضهم بالصلح بين المتقاضين، فضلاً على أن المطعون لصالحه قدر رسماً على صحيفة معارضته في أمر أداء وهذا ليس من اختصاصه بل من صميم عمل كاتب أول المحكمة، وأن تصرفه هذا يدعو إلى الريبة، وأن القرار المطعون فيه صدر ممن يملكه وبني على أصول ثابتة في الأوراق بعد تحقيقات أجرتها النيابة الإدارية مع موظفي المحكمة وسمعت فيها أقوال المطعون لصالحه، وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق أن الصاغ محمد عبد العزيز عبده قدم في غضون يناير سنة 1955 شكوى إلى رياسة محكمة مصر الابتدائية، ينسب فيها إلى بعض موظفي قلم الكتاب بمحكمة الموسكي الجزئية أنهم تواطئوا على قيد معارضة مرفوعة من السيدة فهيمة عبد الله محمد في أمر أداء صادر لصالحه من قاضي محكمة عابدين في محكمة الموسكي، مع أن قانون المرافعات المدنية يجعل النظر في هذه المعارضة من اختصاص محكمة عابدين الجزئية، وبين أن كاتب قلم الحفظ بمحكمة الموسكي محمد جمال عبد الله هو الذي تسبب في هذا القيد، فأغفل مراجعة أصل أمر الأداء عند تقديم المعارضة بسبب رغبته هو وزملاؤه في محاباة نجل السيدة المعارضة، وأنه خلال نظر معارضة مقدمة من السيدة المذكورة في أمر أداء آخر صادر لصالحه من قاضي محكمة الموسكي ومقيدة بجدول هذه المحكمة تحت رقم 374 لسنة 1954 فوجئ في جلسة 4 من نوفمبر سنة 1954 بتقديم السيدة المعارضة صورة الاتفاق المبرم بينها وبين مورثه وعليها إقرار نسبت صدوره إلى والده المورث الذي كان محامياً عنها، يفيد تخالصها معه فيما يستحقه قبلها من أتعاب لقاء حضوره عنها في قضية مدنية، وقال إنه لما طعن في الإقرار بالتزوير في الجلسة المذكورة تأجلت قضية المعارضة إلى جلسة 15 من يناير سنة 1955 كي يقرر بالطعن في المخالصة المشار إليها، ولكنه عندما تقدم إلى قلم كتاب محكمة الموسكي اكتشف أن مستندات القضية رقم 373 لسنة 1954 (المتعلقة بالمعارضة في أمر الأداء الصادر من قاضي محكمة عابدين) مودعة خطأ ملف الدعوى رقم 374 لسنة 1954 الخاصة بالمعارضة في أمر الأداء الصادر من قاضي محكمة الموسكي، كما لاحظ أن القضية الأخيرة قد خلت تماماً من المخالصة المطعون فيها التي قدمتها المعارضة بجلسة 4 من نوفمبر سنة 1954، وقال إنه لفت نظر كاتب الجلسة عبد الخالق حسين إلى ضياع هذا المستند، فطلب إليه هذا أن يمهله بعض الوقت ريثما يبحث عنه، ورجاه في ذلك رجاء ملحاً هو وبعض زملائه الموجودين معه في ذات الغرفة ومنهم المدعي السيد/ نزيه نبيل حسن الكردي، ولكنه حذره من مغبة ضياع هذا الإقرار المطعون فيه وشدد عليه في لزوم البحث عنه، ولما عاد بعد يومين إلى قلم الكتاب مستفهماً من هذا الكتاب عما أسفر عنه بحثه عن الإقرار المفقود رجاه هذا وزملاؤه المذكورون بألا يتعجل تبليغ الجهات المختصة عن واقعة ضياع المخالصة. ولما حل يوم 25 من ديسمبر سنة 1954 المعين لنظر المعارضة رقم 373 لسنة 1954 في أمر الأداء الصادر من قاضي محكمة عابدين، وتمسك الشاكي في الجلسة بالدفع بعدم اختصاص محكمة الموسكي بنظرها، استيقن هؤلاء الموظفين ما انعقد عليه عزمه من عدم السكوت عن الإخلال الصادر منهم بواجبات وظائفهم، فسارع كاتب الجلسة المومئ إليه بعد انتهاء الجلسة إلى إبلاغ نيابة الموسكي متهماً إياه بسرقة المستند الضائع من باب السبق بالاتهام والإيهام بأن الشاكي وهو مجني عليه هو الذي اختلس الإقرار مع أنه لا مصلحة له في ذلك على الإطلاق، وهو الذي طعن فيه بالتزوير، وتساءل عما يحمله على سرقة عقد ثبت في محضر الجلسة تقديمه من جانب السيدة المعارضة وخاصة وأن وجود التخالص المزعوم فيه الدليل على عدم صحة دفاع المعارضة ودعواها بعدم حضور والده المحامي عنهم في الدعوى المدنية، وأضاف أن مصلحة خصومه واضحة في إخفاء المستند الذي طعن فيه بالتزوير، وخلص من ذلك إلى أنه ينعى على الكاتب عبد الخالق حسين اتصاله بخصومه وتواطأه وزملاءه معهم على إخفاء الإقرار المزور ومحاولتهم بعد ذلك الضغط عليه كي ينزل عن أمري الأداء الصادرين لصالحه وعن التبليغ ضد المسئولين عن إخفاء المستند المودع في دعوى المعارضة رقم 374 لسنة 1954، كما أنه أسند إلى هؤلاء الموظفين الكتابيين اتفاقهم على قيد المعارضة في أمر الأداء الآخر رقم 373 لسنة 1954 في جدول محكمة الموسكي الجزئية مع كونها من اختصاص محكمة عابدين على ما سلف البيان.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من أوراق التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية صدق ما نسبه الشاكي إلى هؤلاء الموظفين، إذ اتضح منه أن كاتب الحفظ بمحكمة الموسكي محمد جمال عبد الله عبد الفتاح قد أثبت فعلاً في 2 من أكتوبر سنة 1954 في صحيفة المعارضة المقدمة من السيدة فهيمة عبد الله محمد عن أمر الأداء الصادر للشاكي عن نفسه وبصفته العبارة التالية "أمر أداء والخصوم واحد وصدر بمبلغ 35 م و5 ج بتاريخ 6 من سبتمبر سنة 1954 ورسمه مسدد بالكامل"، مع أن هذا الأمر صادر في الواقع من قاضي محكمة عابدين الجزئية، ولو أنه اطلع على ما جاء بالصفحة الثانية من صورة الإعلان المعلن إلى السيدة المعارضة لتبين له من العريضة حقيقة الأمر الصادر عليها بالأداء وكونه صادراً من قاضي محكمة عابدين الجزئية، ولأمسك عن تدوين هذه الملاحظة التي أدت إلى قيد دعوى المعارضة في جدول محكمة الموسكي وهي لا تختص بنظرها، ومع ذلك لم يعتذر في التحقيق عن هذا التقصير الجسيم إلا بكثرة أعبائه، أما كاتب الجلسة فقد كشفت أقواله عن مخالفته لنظام العمل من حيث مواعيد اطلاع المتقاضين على ملفات القضايا، وهو إن أنكر ما نسب إليه من إخفاء الإقرار المفقود، لم يستطع أن يدفع عن نفسه التهاون المستفاد من تغيبه جلسة نظر المعارض رقم 373 لسنة 1954 على الرغم من عدم إرفاق أصل أمر الأداء المعارض فيه، بل دون أن يأبه لإخبار كاتب قلم الحفظ إياه بأنه غير موجود عندما طلبه منه.
ومن حيث إنه يتبين جلياً من أقوال المطعون لصالحه نزيه نبيل حسن الكردي كاتب الحسابات بمحكمة الموسكي في التحقيق أنه لم يستوثق قبل التأشير بالرسم على صحيفة المعارضة رقم 373 لسنة 1954 من وجود أصل أمر الأداء المعارض فيه وملابسات إصداره، بل إنه قدر الرسم دون أن يرفق أصل الأمر بأوراق المعارضة أو يسعى في طلب إرفاقه، وقد تقبل مضمون تأشيرة كاتب الحفظ محمد جمال عبد الله بلا بحث ولا تدقيق، مع أن وظيفته التي كان يباشرها تقتضيه أن يتحقق بنفسه مما إذا كان أمر الأداء المعارض فيه صادراً حقاً من قاضي محكمة الموسكي الجزئية فيقبل الرسم أو غير صادر من قاضيها فلا يقبله، ولو أنه تحرى الدقة في عمله ولم يسلم زمام أمره لغيره لاقتضى من المعارضة إبراز أصل أمر الأداء قبل التأشير على صحيفة معارضتها بالرسم كما فعل؛ لأن الموظف العمومي ينبغي أن يتحرى الأمور التي يتوقف عليها مسلكه الإداري بنفسه ولا يعتمد فيها على غيره، وأن يعتمد في ذلك على نفسه وعلى الوثائق التي يكلف المتقاضين تقديمها؛ وعلى ذلك يكون ما ادعاه من أخذه ما دونه كاتب الحفظ في صحيفة المعارضة قضية مسلمة غير مجد في إخلائه من تبعة المسئولية الإدارية، التي تقوم في حقه ما دام لم يتأكد بنفسه من وجود أصل أمر الأداء ومن صدوره من قاضي محكمة الموسكي.
ومن حيث إن استشهاده بأقوال كاتب أول محكمة الموسكي، دفعاً لما نعاه عليه القرار التأديبي من اغتصابه عملاً لا يدخل في اختصاصه بوصفة كاتب الحسابات، بل هو من صميم عمل الكاتب الأول - إن استشهاده بأقوال هذا الكاتب ومسايرة هذا له في هذا الدفاع غير مجد؛ لأن الكاتب الأول، على الرغم من شهوده التحقيق الإداري الذي أجري مع المطعون لصالحه وتوقيعه عليه، لم يشر أية إشارة لا إلى تغيبه عن عمله في 2 من أكتوبر سنة 1952، ولا إلى سبق إنابته للمطعون لصالحه للقيام مقامه في اختصاصه خلال غيابه لو صح هذا الغياب، وقد ظل الكاتب الأول مقيماً على سكوته رغم أهمية شهادته في هذا المقام حتى صدور القرار التأديبي بمجازاة المطعون لصالحه، وإذ ذاك زعم أنه كان متغيباً عن عمله في ذلك اليوم، وأنه أناب الموظف المجازى عنه في فترة غيابه، ولو أن هذا كان صحيحاً، لكان أبداه في التحقيق الإداري لو صحت إنابته للمطعون لصالحه.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن القرار المطعون فيه قام على سببه المبرر له، واستخلص هذا السبب من أصول صحيحة بالأوراق، فيكون - والحالة هذه - قد وقع سليماً مطابقاً للقانون، فيتعين رفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.