مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 920

(102)
جلسة 8 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 823 لسنة 3 القضائية

( أ ) تظلم - عدم عرضه على الوزير خلال ثلاثين يوماً - لا بطلان - قرار مجلس الوزراء في 6/ 4/ 1955.
(ب) تظلم - صدور قرار الوزير برفضه - ثبوت أن تأشيرة الرفض مسطرة على مذكرة المفوض المتضمنة أسباباً للرفض اعتنقها الوزير - اعتبار قرار الرفض مسبباً.
1 - إن الشارع لم يرتب - في صد التظلم المقدم إعمالاً لنصوص قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/ 4/ 1955 - أي بطلان على عدم عرض أوراق التظلم الإداري على الهيئة الرئيسية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، ولا بطلان إلا بنص. وما تحديد هذا الميعاد إلا من قبيل التنظيم والتوجيه لتعجيل البت في مثل هذا التظلم الذي أفسحت له المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة ميعاداً عدته ستون يوماً.
2 - متى ثبت أن قرار الوزير الصادر برفض التظلم ثابت بتأشيرة منه مدونة على ذيل المذكرة المرفوعة إليه من مفوض مجلس الدولة لدى الوزارة بنتيجة فحص هذا التظلم، والمتضمنة بياناً مفصلاً للأسباب والأسانيد التي انتهى منها المفوض إلى التوصية برفض التظلم المذكور، والتي اعتنقها الوزير إذ أخذ بنتيجتها، فلا وجه للنعي على هذا القرار بأنه جاء غير مسبب.


إجراءات الطعن

في 12 من يونيه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 823 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 21 من إبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 80 لسنة 3 القضائية المقامة من: أمين مصطفى عامر، ضد وزارة العدل، القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت رافعها بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به من عدم قبول طلب الإلغاء والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في هذا الطلب". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة العدل في 22 من يونيه سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 25 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 11 من يناير سنة 1958، وفي 13 من نوفمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
"أ" عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن السيد رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية أصدر في 6 من مارس سنة 1955 قراراً بمجازاة المدعي سكرتير المحكمة من الدرجة السادسة بخصم خمسة أيام من راتبه عن شهر مارس سنة 1955؛ وذلك لعبثه بسرية أوراق امتحان الكتبة الذي كان محدداً له يوم 15 من يناير سنة 1954، بأن فض مظروفاً سرياً به نموذج الإجابة، وكان من نتيجة ذلك أن تسربت الإجابة إلى الخارج، واستغلها أحد المتقدمين للامتحان للوصول إلى إجابة نموذجية مزيفة دسها بعد ذلك بين الأوراق الأخرى بدلاً من الإجابة الحقيقية، رغبة في الحصول على نهايات قصوى للدرجات تقفز به دون وجه حق إلى سبق باطل، الأمر الذي يعد من المدعي إخلالاً شديداً بواجبات وظيفته يستدعي مجازاته بما يتناسب وما اقترف. وقد أعلن هذا القرار إلى المدعي في 7 من مارس سنة 1955، فتظلم منه في 27 من إبريل سنة 1955 إلى السيد وزير العدل، طالباً إلغاء الجزاء الذي تضمنه وإلغاء كل ما ترتب أو سوف يترتب عليه من أثر حالاً ومستقبلاً. وقد ورد هذا التظلم إلى وزارة العدل في 30 من إبريل سنة 1955 وقيد تحت رقم 20 "تظلمات إدارية" سنة 1955، وذلك عملاً بأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 بإجراءات التظلم الإداري والفصل فيه تطبيقاً للمادتين 12، 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة. وفي 20 من يونيه سنة 1955 أصدر السيد وزير العدل قراره في هذا التظلم برفضه، وذلك بناء على الأسباب التي أبداها السيد مفوض الوزارة بمذكرته المؤرخة 19 من يونيه سنة 1955. وأعلن قرار الرفض هذا إلى المدعي في 22 من يونيه سنة 1955، فتقدم في 9 من أغسطس سنة 1955 إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بطلب الإعفاء رقم 963 لسنة 2 القضائية لإعفائه من رسوم دعوى يزمع إقامتها ضد وزارة العدل بطلب إلغاء القرار الصادر من رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية بخصم خمسة أيام من راتبه عن شهر مارس سنة 1955. وبجلسة 27 من أكتوبر سنة 1955 أصدرت اللجنة قرارها بقبول هذا الطلب. وبناء على ذلك أقام الدعوى رقم 80 لسنة 3 القضائية ضد كل من وزير العدل ورئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية أمام المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 17 من نوفمبر سنة 1955، طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه المؤرخ 20 من يونيه سنة 1955 والمعلن للطاعن بتاريخ 22 من يونيه سنة 1955، وإلغاء كل ما ترتب عليه من أثر سواء أكان ذلك في الحال أو الاستقبال، مع إلزام المطعون ضدهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، مع حفظ كافة حقوق الطاعن الأخرى". وقد ردت وزارة العدل على هذه الدعوى بأن القرار المطعون فيه قد صدر لما ثبت من عبث المدعي بسرية الأوراق المرسلة باسم السيد رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية، وقيامه بفض مظروف سري يحوي نموذج الإجابة عن أسئلة الامتحان الخاصة بترقية الكتبة، وهو النموذج المرسل من الوزارة لتهتدي به اللجنة عند تصحيح أوراق الامتحان، وذلك على الرغم من أن المظروف كان ظاهره ينبئ بالسرية وبعدم جواز فضه إلا بوساطة السيد رئيس المحكمة، الأمر الذي انبنى عليه تسرب الإجابة النموذجية للخارج، واستغلال أحد المتقدمين للامتحان فضح هذه السرية والوصول إلى إجابة نموذجية مزيفة دسها بعد ذلك بين الأوراق الأخر بدلاً من الإجابة الحقيقية. وأضافت الوزارة أن هذا القرار المنعي عليه قد صدر ممن يملكه في حدود سلطته واختصاصه المخولين له بمقتضى المادة 78 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949، وبني على أسباب سائغة لها أصلها المستمد من الأوراق بعد تحقيقات أجريت مع المدعي وغيره من موظفي المحكمة وسمعت فيها أقواله. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب رفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات. وقد قدم السيد مفوض الدولة إلى المحكمة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً، انتهى فيه إلى طلب الحكم وبعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني، وتحميل المدعي بالمصروفات"؛ وذلك تأسيساً على أنه ولئن كان طلب الإعفاء يعتبر تظلماً قانونياً قاطعاً للمواعيد، إلا أنه يشترط أن يكون هو التظلم الأول، فإن كان تظلماً ثانياً أصبح غير ذي أثر في ميعاد رفع دعوى الإلغاء. وأنه بتطبيق هذه القاعدة على ميعاد رفع الدعوى الحالية كان يتعين على المدعي إقامة دعواه في أجل غايته 28 من أغسطس سنة 1956، أما وقد رفعها في 17 من نوفمبر سنة 1955 فإنها تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني. وبجلسة 21 من إبريل سنة 1957 قضت المحكمة الإدارية "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت رافعها بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أنها استبانت من أوراق الدعوى أن المدعي قدم تظلماً من القرار المطعون فيه ورد لوزارة العدل في 30 من إبريل سنة 1955، وقيد برقم 20 "تظلمات إدارية"، وأن السيد وزير العدل قرر رفض هذا التظلم، وأخطر المدعي بذلك في 20 من يونيه سنة 1955؛ ومن ثم يكون آخر ميعاد لرفع الدعوى هو يوم 20 من أغسطس سنة 1955. أما والمدعي لم يرفع دعواه إلا في 17 من نوفمبر سنة 1955، خلافاً لما تقضي به المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فإنه يكون قد فوت على نفسه الميعاد المحدد قانوناً لرفعها، ولا عبرة في ذلك بأنه قدم طلباً بإعفائه من الرسوم القضائية في 27 من يونيه سنة 1955؛ إذ أن تقديم طلب المساعدة القضائية لا يقطع سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء، خصوصاً إذا سبقه تظلم إلى الجهة الإدارية. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 12 من يونيه سنة 1957، طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به من عدم قبول طلب الإلغاء والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في هذا الطلب". واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه لم يعتد بأثر طلب المساعدة القضائية في قطع المواعيد المقررة لرفع الدعوى، مع أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه قاطع لهذه المواعيد.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن القرار القاضي بتوقيع الجزاء بخصم خمسة أيام من راتب المدعي عن شهر مارس سنة 1955، صدر من رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية في 6 من مارس سنة 1955 وأعلن إلى المدعي في 7 منه، وأن هذا الأخير لم يتظلم إدارياً من القرار المذكور إلا في 27 من إبريل سنة 1955. أي بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، ولم يسبق هذا التظلم أي إجراء من جانبه تم صحيحاً في ظل قانون مجلس الدولة السابق رقم 9 لسنة 1949 ومنتجاً لأثر التظلم الإداري، كما أن قرار وزير العدل برفض التظلم المشار إليه صدر في 20 من يونيه سنة 1955، وأبلغ إلى المدعي في 22 منه، فتقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لوزارة العدل بطلب إعفائه من رسوم الدعوى التي يزمع رفعها بطلب إلغاء هذا القرار في 9 من أغسطس سنة 1955، وقررت اللجنة قبول هذا الطلب بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1955، فرفع دعواه الحالية أمام المحكمة الإدارية المذكورة بعريضة أودعها سكرتيريتها في 17 من نوفمبر سنة 1955؛ ومن ثم فإن الإجراءات والمواعيد الخاصة برفع الدعوى، والتي يتوقف عليها قبول طلب الإلغاء، تخضع في هذه الحالة للقواعد الجديدة التي استحدثها القانون رقم 165 لسنة 1955، الذي عمل به من 29 من مارس سنة 1955، والذي يسري عندئذ بأثره المباشر، سواء من حيث ما نصت عليه المادة 22 من هذا القانون في فقرتها الثالثة من عدم قبول "الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية المنصوص عليها في البندين "ثالثاً" و"رابعاً" عدا ما كان منها صادراً من مجالس تأديبية والبند "خامساً" من المادة الثامنة وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم"، أو من حيث ما نصت عليه المادة 19 من القانون المذكور من أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية. ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه. وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً. ويعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه. ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة".
ومن حيث إن قرار الجزاء المطعون فيه بطلب إلغائه هو قرار صادر من سلطة تأديبية مما نص عليه في البند "رابعاً" من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955. ولما كان هذا القرار ليس صادراً من مجلس تأديبي، ولم يسبق أن اتخذ المدعي في شأنه قبل تاريخ العمل بأحكام هذا القانون إجراء تم صحيحاً في ظل قانون مجلس الدولة السابق رقم 9 لسنة 1949 ويعتبر طبقاً له منتجاً لأثر التظلم الإداري، فإنه يخضع للحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة 12 من القانون الأول، من توقف قبول طلب إلغائه على سبق سلوك طريق التظلم منه إدارياً وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم قبل رفع الدعوى. والثابت أن المدعي قد تظلم إدارياً في 27 من إبريل سنة 1955 من القرار المطعون فيه طبقاً لنص الفقرة المذكورة، وأن هذا التظلم أبلغ إلى السيد وزير العدل في 30 منه، أي في الميعاد القانوني المحدد في المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955، وهو ستون يوماً من تاريخ إعلانه بالقرار في 7 من مارس سنة 1955؛ ومن ثم فإنه يكون قد استوفى هذا الإجراء صحيحاً على الوجه الذي تطلبه القانون.
ومن حيث إن المدعي بعد أن قدم تظلمه إلى الجهة الرئيسية في الميعاد، وبعد أن انتظر المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، وبعد أن صدر قرار السيد وزير العدل في 20 من يونيه سنة 1955 برفض هذا التظلم وأعلن بهذا الرفض في 22 منه، تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب إعفائه من رسوم الدعوى الحالية في 9 من أغسطس سنة 1955، أي خلال الستين يوماً التالية لتاريخ إبلاغه بقرار السيد الوزير الصادر برفض تظلمه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن مقتضيات النظام الإداري قد مالت بالقضاء الإداري إلى تقرير أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وأن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة، إذ هو أبلغ في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو في الحق يجمع بين طبيعة التظلم الإداري من حيث الإفصاح بالشكوى من التصرف الإداري وبين طبيعة التظلم القضائي من حيث الاتجاه إلى القضاء طلباً للانتصاف، فلا أقل من أن يترتب عليه ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع الدعوى الإلغاء. وغني عن البيان أن هذا الأثر يظل قائماً، ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض. ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه بعد أن قدم المدعي طلب المساعدة القضائية في الميعاد ظل أثره في قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء قائماً وفقاً لما تقدم، ما دام أمره كان بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، إلى أن صدر قرار لجنة المساعدة القضائية بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1955 بقبول هذا الطلب. ولما كان قد أقام دعواه بعد ذلك بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 17 من نوفمبر سنة 1955، أي خلال الستين يوماً التالية، فإنها تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضي بعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه وبقبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن الدعوى صالحة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية في 6 من مارس سنة 1955 بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه عن شهر مارس سنة 1955، والذي تأيد بقرار وزير العدل الصادر في 20 من يونيه سنة 1955 برفض التظلم المرفوع عنه، وهو القرار المعلن للمدعي في 22 من يونيه سنة 1955، وإلغاء كل ما ترتب على ذلك من أثر سواء في الحال أو الاستقبال، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد قال المدعي بياناً لدعواه في صحيفتها وفي مذكرته التي قدمها بعد ذلك إنه ينعى على قرار السيد الوزير أنه لم يصدر مسبباً، ولم يتناول الرد على الأسباب الواردة بالتظلم، مخالفاً بذلك نص المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955، كما أن نتيجة فحص التظلم المقدم في 27 من إبريل سنة 1955 لم تعرض على السيد الوزير إلا في 20 من يونيه سنة 1955، أي بعد فوات أكثر من ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، خلافاً لما نصت عليه المادة الخامسة من قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 تنفيذاً لأحكام المادتين 12 و19 من القانون سالف الذكر؛ ومن ثم فإن الإجراءات التي اتخذت في شأن تظلم المدعي والتي انتهت برفضه تكون باطلة. هذا إلى أنه لم يكن ثمة أي مظروف سري خاص بأوراق امتحان الكتبة المنسوب إلى المدعي العبث بسريته، وإنما المظروف المحتوي على نموذج الإجابة والذي جوزي من أجل فضه إياه لم يكن سوى مظروف عادي بحت لم تدون عليه أية إشارة تدل على أنه سري أو أنه مرسل إلى السيد رئيس المحكمة. وقد عقد امتحان الكتبة في 15 من يناير سنة 1954 وأودعت أوراق إجابة جميع الممتحنين داخل مظروف أغلقته اللجنة، بالجمع الأحمر وتسلم للسيد رئيسها في اليوم ذاته عقب الانتهاء من الامتحان مباشرة، وتحرر عن ذلك محضر وقعه جميع أعضاء اللجنة. أما ورقة نموذج الإجابة فقد أرسلتها الوزارة في 31 من يناير سنة 1954، حيث وصلت يوم 2 من فبراير سنة 1954، أي بعد إتمام الامتحان بما يقرب من ثمانية عشر يوماً. ولما كانت الوزارة تعلم أن هذه الورقة عديمة الجدوى فقد أرسلتها بطريق البريد العادي مع إفادات أخرى، ولا ضير من ذلك ما دامت أوراق الإجابة قد أودعت داخل مظروف مغلق بالجمع الأحمر ختم وسلم للسيد رئيس اللجنة. وقد سبق تحقيق هذا الموضوع، وقرر السيد رئيس المحكمة وقتئذ حفظه مرتين: أولاهما في 30 من يونيه سنة 1954، والثانية بقراره المبلغ للوزارة في 27 من نوفمبر سنة 1954، وكان هذا كافياً بل ومانعاً من العودة إلى إثارته والتحقيق فيه من جديد.
ومن حيث إن وزارة العدل تدفع الدعوى بأن القرار المطعون فيه القاضي بخصم خمسة أيام من راتب المدعي، إنما صدر لما ثبت من عبثه بسرية الأوراق المرسلة باسم السيد رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية، وقيامه بفض مظروف سري يحوي نموذج الإجابة عن أسئلة الامتحان الخاصة بترقية الكتبة، وهو النموذج المرسل من الوزارة لتهتدي به اللجنة عند تصحيح الأوراق، وذلك على الرغم من أن المظروف كان في ظاهره ينبئ بالسرية وبعدم جواز فضه إلا بوساطة السيد رئيس المحكمة، الأمر الذي انبنى عليه تسرب الإجابة النموذجية للخارج، واستغلال أحد المتقدمين للامتحان فضح هذه السرية، والوصول إلى إجابة نموذجية مزيفة دسها بعد ذلك بين الأوراق الأخرى بدلاً من الإجابة الحقيقية، وقد صدر القرار المطلوب إلغاؤه ممن يملكه في حدوده سلطته واختصاصه المخولين له بمقتضى المادة 78 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949، وبني على أسباب سائغة لها أصلها المستمد من الأوراق، وبعد تحقيقات أجريت معه ومع غيره من موظفي المحكمة وسمعت فيها أقواله. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التأديبي - شأنه كشأن أي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف هو توقيع الجزاء عليه للغاية التي استهدفها المشرع وهي الحرص على حسن سير العمل تحقيقاً للمصلحة العامة. ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تبرر التدخل. وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانوني، دون أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره. ورقابته القانونية هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية لا نعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا. وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبيعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتتها السلطات المذكور وليس لها وجود، وما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً. فإذا كانت هذه النتيجة منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض قيامها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه، وهو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كانت النتيجة مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً أو قانوناً، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون، وسبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته، أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته المنوط به تأديتها بنفسه بدقة وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه، فتتجه إرادة الإدارة إلى إحداث أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر، فإذا توافر لديها من مجموع العناصر التي طرحت عليها الاقتناع بأن الموظف سلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته أو خروج على مقتضيات وظيفته أو إخلال بكرامتها أو بالأمانة الواجبة عليه في تأديتها، وكان اقتناعها هذا مجرداً عن الميل أو الهوى، فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، ورأت لمصلحة العمل توقيع جزاء عليه، واستنبطت هذا كله من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون وحصيناً من الإلغاء.
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أنه في 15 من يناير سنة 1954 عقد امتحان ترقية لكتبة دائرة محكمة كفر الشيخ الابتدائية، وكان من بين من أدوا هذا الامتحان عبد الحافظ شريف الكاتب بالسكرتارية، وقد وضعت أوراق الإجابة فور الانتهاء منه في مظروف ختم بالجمع الأحمر تسلمه كبير الكتاب، وهو أحد أعضاء لجنة الامتحان، كما وضعت بالمظروف مسودة درجات الاختبار الشفوي، وظل المظروف عنده ليلة، ثم سلمه بعدها للمدعي وهو سكرتير المحكمة، على الرغم من أن هذا الأخير لا صلة له بالامتحان، وقد بقي المظروف لديه إلى أن حمله في يوم إلى منزل السيد محمد خيري عبد الله القاضي بالمحكمة ورئيس لجنة الامتحان، وهناك انتحى جانباً وفض المظروف زعماً منه بأنه سيرتب وضع الأوراق، ويجهز كشوفاً بأسماء الكتبة الذين أدوا الامتحان، وذلك تسهيلاً لوضع الدرجات. ولما لم يكتمل شمل أعضاء اللجنة، ترك المدعي أوراق الإجابة بمنزل السيد القاضي رئيس اللجنة داخل المظروف الذي تولى فضه. وفي 24 من فبراير سنة 1954 لاحظت لجنة الامتحان عند مباشرتها تصحيح الأوراق أن ورقة إجابة عبد الحافظ شريف الكاتب بقلم السكرتارية بالمحكمة اشتملت على نفس الإجابة المبينة بالنموذج الوارد من وزارة العدل، وكان هذا النموذج قد أرسل من الوزارة إلى اللجنة لتستهدي به في التصحيح داخل مظروف سري في 31 من يناير سنة 1954، ووصل إلى المحكمة في 2 من فبراير سنة 1954، ففضه المدعي، وقدمه على هذه الحالة إلى السيد رئيس اللجنة مدعياً أنه فعل ذلك خطأ. ونظراً إلى أن إجابة عبد الحافظ شريف جاءت طبق الأصل للإجابة المدونة بالنموذج المرسل من الوزارة، مما لا يمكن تصور وقوعه مصادفة، فقد شكت لجنة الامتحان في أن تكون ورقة الإجابة الحقيقية لهذا الكاتب قد سحبت من مكانها بالمظروف في الفترة بين انتهاء الامتحان ومباشرة اللجنة للتصحيح ووضعت بدلاً منها ورقة الإجابة المغشوشة بعد تحريرها من واقع النموذج الوارد من الوزارة، وقد تأيد هذا الشك لدى اللجنة مما ظهر من اختلاف نوع ورقة الإجابة المذكورة عن نوع باقي الأوراق، وكذا اختلاف نوع المداد المكتوبة به. هذا فضلاً عن تغيير الدرجة الشفوية التي حصل عليها هذا الكاتب بجعلها 25 درجة بدلاً من 20 درجة في كل مادة من مادتي الاختبار بمداد مخالف. وقد أبلغت اللجنة وزارة العدل بهذا العبث الذي كشفت عنه، فتقرر إلغاء الامتحان بالنسبة إلى لجنة كفر الشيخ، وأعيد عقده مرة ثانية، وجرى التحقيق بوساطة قسم التفتيش الإداري بالوزارة، وبسؤال المدعي فيه أقر بأنه تسلم أوراق الإجابة في مظروف مختوم بالجمع الأحمر، وأنه حمله إلى السيد رئيس لجنة الامتحان لتصحيح أوراق الإجابة، وأن رئيس اللجنة كلفه فض المظروف ففعل. ولما لم يكتمل شمل اللجنة انصرف تاركاً المظروف بمنزل هذا الأخير. وأقر كذلك بأنه فض المظروف السري المرسل من الوزارة الذي كان يحوي نموذج الإجابة الصحيحة والذي يجرى التصحيح بمقتضاه، ونفى أنه اشترك في دس ورقة إجابة الكاتب عبد الحافظ شريف غير الصحيحة بعد سحب ورقة إجابته الحقيقية. وقد اختبر المحقق هذا الكاتب بالمحضر المؤرخ 13 من مارس سنة 1954 فظهر أنه دون المستوى الذي تدل عليه ورقة الإجابة المطعون فيها بكثير، وهذا يناقض قوله بأن إجابتها في الورقة المذكورة مستوفاة صحيحة وسليمة طبقاً للمعلومات التي لديه؛ إذ لو كان الأمر كذلك لاستطاع الإجابة عن أسئلة المحقق بما يقارب الإجابة النموذجية، ولكنه عجز عن ذلك، فضلاً عن أنه عندما أعيد الامتحان بدلاً من الامتحان الأول الذي ألغي امتنع عن التقدم إليه، ولو أنه كان على درجة من الكفاية تتفق والإجابة المنقولة لما تخلف عنه. وقد قدمت مذكرة من لجنة الامتحان مؤرخة 28 من فبراير سنة 1954 موقعاً عليها من أعضاء اللجنة، تتضمن شكلها في ورقة إجابة الكاتب عبد الحافظ عبد الهادي أحمد شريف؛ لمطابقتها التامة لنموذج الإجابة ولاختلاف نوع الورقة والمداد عن باقي أوراق الإجابة، وقد شمل التحقيق كذلك شكاوى من مجهولين فيها اتهام للمدعي بالتدخل في نقل بعض موظفي المحكمة مقابل أخذ رشاوى منهم.
ومن حيث إنه جاء في قرار الجزاء المطعون فيه فيما يتعلق بالمدعي ما يلي: "وحيث إنه بالنسبة للسيد/ أمين عامر سكرتير المحكمة فقد اقترنت بعض تصرفاته المربية بالغش، وقد كشف التحقيق عن قيامه بفض مظروف سري يحوي نموذج الإجابة على أسئلة الامتحان وهو المرسل من وزارة العدل لرئيس المحكمة باعتباره رئيساً للجنة الامتحان، وذلك رغم أنه مكتوب على المظروف من الخارج بخط كبير كلمة (سري)، وتحذير بعدم فضه إلا بمعرفة رئيس المحكمة. وأظهر التحقيق كذلك أن السيد كبير كتاب المحكمة وقتئذ السيد/ فريد عوض الله سلم المظروف الذي بداخله أوراق الإجابة لسكرتير المحكمة، مع أن هذا الأخير لا صلة له بالامتحان. وقد أبقى الأوراق عنده أياماً ثم حملها لمنزل السيد رئيس اللجنة دون أن يكلف منه بإحضارها".
"وحيث إنه لا سبيل لبحث اشتراك سكرتير المحكمة في الغش لمصلحة الكاتب عبد الحافظ شريف الذي كان يعمل معه في السكرتارية؛ لأن قرار رئيس هذه المحكمة الصادر بتاريخ 30 من يونيه سنة 1954، بحفظ الشكوى الخاصة بالغش في امتحان الترقية وأخذ رشوة يمنع من العودة لهذين الموضوعين".
"وحيث إن هناك مؤاخذات إدارية خارجية عن قرار الحفظ السالف الذكر ثبت من التحقيقات ضد السيد "السكرتير"، ومن بينهما عبثه بسرية الأوراق المرسلة باسم رئيس المحكمة، وقيامه بفض المظروف السري الذي يحوي نموذج الإجابة المرسل من وزارة العدل لتهتدي به اللجنة عند تصحيح الأوراق. وقد اعترف في التحقيق بفضه المظروف على ما سلف القول، وزعم أنه فعل ذلك عن خطأ".
"وحيث إنه لا سبيل لاغتفار هذا الأمر للسيد السكرتير؛ ذلك لأن المظروف كان في ظاهرة ينبئ بالسرية ويدل على خطورة ما بداخله. فكلمة سري المكتوبة على غلافه من الخارج والتحذير بعدم فضه إلا بواسطة رئيس المحكمة، كل ذلك كان كافياً لأن يتحرج عن فتحه خاصة، وهو منوط به حماية السرية وكتم ما لا يباح معرفته منها".
"وحيث إنه مما تقدم فيكون السيد/ أمين عامر سكرتير المحكمة قد أخل بواجبات وظيفته إخلالاً شديداً، كان من أثره تسرب الإجابة النموذجية للخارج، واستغلال أحد المنتدبين للامتحان فضح هذه السرية والوصول إلى إجابة نموذجية مزيفة ودسها بعد ذلك بين الأوراق الأخرى بدلاً من الإجابة الحقيقية، رغبة في الحصول على نهائيات قصوى للدرجات تقفز به في غير حق إلى سبق باطل، ويتعين لذلك مجازاته بما يتناسب وما اقترفه".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الوقائع المسندة إلى المدعي والتي جوزي من أجلها بخصم خمسة أيام من راتبه عن شهر مارس سنة 1955 بالقرار المطعون فيه لها وجود مادي ثابت بالأوراق بالفعل، وهي وقائع لها دلالتها في تقدير إخلاله بواجبات وظيفته، ذلك الإخلال الذي استخلص منه مصدر القرار عقيدته واقتناعه - اللذين لا هيمنة للقضاء الإداري عليهما - بإدانة سلوكه استخلاصاً سائغاً يجعل قراره قائماً على سببه ومطابقاً للقانون. وقد صدر هذا القرار ممن يملكه قانوناً وهو السيد رئيس المحكمة في حدود سلطته واختصاصه المخولين له بمقتضى المادة 78 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949، وبعد تحقيق أجرى مع المدعي وغيره من موظفي المحكمة وسمعت فيه أقواله ودفاعه.
ومن حيث إنه لا وجه لما ينعاه المدعي على إجراءات التظلم الإداري المقدم منه إلى السيد وزير العدل عن قرار السيد رئيس المحكمة الصادر بمجازاته، من وقوع هذه الإجراءات باطلة لعدم عرض التظلم على السيد الوزير في الميعاد الذي نصت عليه المادة 5 من قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955. كما لا وجه لما ينعاه على القرار الصادر من السيد الوزير برفض تظلمه من خلوه من التسبيب - لا وجه لذلك؛ لأن الشارع لم يرتب أي بطلان على عدم عرض أوراق التظلم الإداري على الهيئة الرئيسية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، ولا بطلان إلا بنص، وما تحديد هذا الميعاد إلا من قبيل التنظيم والتوجيه لتعجيل البت في مثل هذا التظلم الذي أفسحت له المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة ميعاداً عدته ستون يوماً؛ ولأن قرار السيد وزير العدل الصادر في 20 من يونيه سنة 1955 برفض تظلم المدعي ثابت بتأشيرة من السيد الوزير مدونة على ذيل المذكرة المؤرخة 19 من يونيه سنة 1955، المرفوعة إليه من السيد مفوض الوزارة بنتيجة فحص هذا التظلم، والمتضمنة بياناً مفصلاً للأسباب والأسانيد التي انتهى منها السيد المفوض إلى التوصية برفض التظلم المذكور، والتي اعتنقها السيد الوزير إذ أخذ بنتيجتها.
ومن حيث إنه ولئن كان السيد رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية السابق قد أصدر في 30 من يونيه سنة 1954 قراراً غير مسبب بحفظ شكوى مقدمة من مجهولين ضد المدعي بنسبة عدة أمور إليه، تضمنت من بينها اشتراكه في الغش في امتحان الكتبة لمصلحة الكاتب عبد الحافظ شريف الذي يزامله في مكتب السكرتارية. وكان السيد رئيس المحكمة المذكورة قد كتب إلى وزارة العدل في 27 من نوفمبر سنة 1955 بأنه قرر حفظ هذه الشكوى سواء بالنسبة إلى تهمة الرشوة أو فيما يتعلق بالغش في الامتحان الخاص بموظفي المحكمة، إلا أن القرار المطعون فيه، كما ذكر صراحة في أسبابه، لم يقم على أي من هاتين التهمتين؛ بمقولة إن قرار الحفظ السابق يمنع من العودة إليهما، بل بني على مؤاخذات إدارية خارجة عن هذا القرار، هي تلك التي سردها، والتي كون منها مصدر القرار اقتناعه بأن المدعي أخل بواجبات وظيفته إخلالاً شديداً يستوجب توقيع العقوبة التأديبية عليه، الأمر الذي له أصل ثابت في الأوراق والذي يسوغ النتيجة التي انتهى إليها.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن قرار الجزاء المطعون فيه يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون، ويكون المدعي غير محق في دعواه التي يتعين القضاء برفضها مع إلزامه بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.