مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 983

(107)
جلسة 29 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 77 لسنة 3 القضائية

عمال الجيش البريطاني - عند ربط ميزانية السنة المالية 1954/ 1955 روعي في ربط اعتمادات أجور عمال القناة ألا تصرف لهم أية علاوات اعتباراً من أول مايو سنة 1954 - كتاب المالية الدوري في 23/ 5/ 1954.
متى ثبت أن المدعي ترك عمله بالجيش البريطاني إثر إلغاء معاهدة سنة 1936، وأنه التحق في 15 من نوفمبر سنة 1951 بمصلحة المواني والمنائر في حرفة "ترزي" بأجر يومي قدره أربعمائة مليم متضمناً إعانة غلاء المعيشة وفق حالته الاجتماعية، بعد تأدية امتحان على يد اللجنة المشكلة بالوزارة لهذا الغرض، وأنه اجتاز امتحان الصلاحية لحرفة "ترزي"، (عامل دقيق)، ومنح من أول إبريل سنة 1952 بداية مربوط هذه الدرجة (300/ 500 م) وهي ثلاثمائة مليم يومياً، فإنه لا يستحق علاوات دورية في حدود الدرجة التي عين فيها عند التحاقه بخدمة الحكومة؛ لأنه عندما ربطت ميزانية الدولة عن السنة المالية 1954/ 1955 روعي في ربط الاعتمادات الخاصة بأجور عمال القناة ألا تصرف لهم أية علاوات اعتباراً من أول مايو سنة 1954، كما يستفاد ذلك من كتاب وزارة المالية والاقتصاد إلى ديوان الموظفين رقم 123 - 53/ 2 في 23 من مايو سنة 1954.


إجراءات الطعن

في 29 من ديسمبر سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 77 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 30 من أكتوبر سنة 1956 في الدعوى رقم 891 لسنة 3 القضائية المقامة من السيد/ محمود شعبان عبد اللطيف ضد مصلحة المواني والمنائر، والقاضي: "باستحقاق المدعي لعلاوة دورية بواقع 20 مليماً يومياً اعتباراً من أول مايو سنة 1954، وأول مايو سنة 1956 وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات المناسبة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، مع إلزام رافعها المصروفات"، وقد أعلن هذا الطعن إلى مصلحة المواني والمنائر في 12 من فبراير سنة 1957، وإلى المطعون عليه في 16 من فبراير سنة 1957، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 8 من فبراير سنة 1958، بعد أن أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وفي الجلسة المذكورة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 891 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 18 من سبتمبر سنة 1956 بعد قبول طلب الإعفاء من الرسوم القضائية، وقال فيها إنه كان من عمال الجيش البريطاني بمنطقة القناة الذين تركوا عملهم على إثر إلغاء معاهدة سنة 1936، وأنه التحق في 15 من نوفمبر سنة 1951 بمصلحة المواني والمنائر في حرفة "ترزي" بأجر يومي قدره أربعمائة مليم متضمناً إعانة غلاء المعيشة وفق حالته الاجتماعية، بعد تأدية امتحان على يد اللجنة المشكلة بالوزارة لهذا الغرض، وأنه اجتاز امتحان الصلاحية لحرفة "ترزي" (عامل دقيق)، ومنح من أول إبريل سنة 1952 بداية مربوط هذه الدرجة (300/ 500 م) وهي ثلاثمائة مليم يومياً، باعتبار أن حرفته واردة بالكشف "ب" رقم 6 من كادر عمال الحكومة، وقال إنه على الرغم من تأديته الامتحان اللازم للصلاحية لمهنته الواردة في الكشف رقم 6 من كادر عمال الحكومة، والتي حدد مربوط درجتها بـ (300/ 500 م) يومياً بعلاوة قدرها عشرون مليماً كل سنتين، فإن المصلحة لم تصرف له علاوته الدورية المستحقة في أول مايو سنة 1954، ولا تلك التي استحقت في أول مايو سنة 1956، متجاهلة بذلك أحكام كادر عمال القناة الصريحة، وعلى هذا فقد طلب الحكم له بأحقيته في علاوتيه الدوريتين المستحقيتين في أول مايو سنة 1954 وأول مايو سنة 1956 بواقع عشرين مليماً يومياً، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المالية عن الماضي، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وقد دفعت الجهة الإدارية الدعوى في قضية مماثلة بأن المدعي التحق بخدمتها في ضمن مستخدمي وعمال السلطات البريطانية بمناسبة إلغاء معاهدة سنة 1936، وأنه عند تسوية حالته حسب قواعد كادر عمال القناة اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 منح أجراً يومياً قدره ثلاثمائة مليم يومياً بالدرجة (300/ 500 م) بعلاوة قدرها عشرون مليماً كل سنتين بخلاف إعانة غلاء المعيشة، بيد أنه بناء على كتاب ديوان الموظفين رقم 60 - 5/ 47 م بتاريخ 29 من أغسطس سنة 1954. لم تقم المصلحة بصرف العلاوات الدورية المستحقة لهم اعتباراً من أول مايو سنة 1954؛ لأن الاعتماد الخاص بهم قدر على أساس ما يلزم لمواجهة أجورهم الحالية فقط مضافاً إليها إعانة غلاء المعيشة، ولم يراع في التقدير ما يلزم لصرف العلاوات الدورية إليهم. وبجلسة 16 من أكتوبر سنة 1956 حكمت المحكمة "باستحقاق المدعي لعلاوة دورية بواقع عشرين مليماً يومياً اعتباراً من أول مايو سنة 1954 وأول مايو سنة 1956، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف المناسبة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت المحكمة قضاءها على أن القواعد التي وضعتها لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني على وزارات ومصالح الحكومة المصرية والمعمول بها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952، يستفاد منها بجلاء أن عمال القناة الذين التحقوا بخدمة الحكومة يستحقون علاوات دورية، وخاصة وأن تعيين المدعي وأمثاله في درجة ذات بداية ونهاية يؤكد تدرج أجورهم في حدود هذه الدرجة على أساس استحقاقهم للعلاوات الدورية المقررة في مواعيدها، وعلى أن المدعي يستحق على هذا الأساس علاوة دورية في أول مايو سنة 1954 وعلاوة أخرى في أول مايو سنة 1956.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن "الثابت أن كادر عمال القناة لم يحل على كادر عمال الحكومة ولم يتماثل معه إلا في الدرجات المخصصة لكل طائفة من أصحاب الحرف أو من العمال العاديين، وفيما عدا ذلك أمسك الكادر فلم يقرر علاوات دورية لكل جميع هؤلاء، كما لم ينظم موضوع ترقياتهم؛ ذلك أن الكادر قد جرى على وتيرة واحدة في جميع الحالات، فبالنسبة إلى العمال الصناع ومن في حكمهم، نص أن اللجنة رأت وضع كل عامل في الدرجة التي تتفق مع حرفته في كادر عمال الحكومة ومنحته بداية تلك الدرجة مضافاً إليها إعانة غلاء المعيشة حسب حالته الاجتماعية، وذلك بعد امتحانهم بمعرفة اللجنة المشكلة بالوزارة لهذا الغرض، وقد مضى الكادر يكرر هذا النص بالنسبة إلى العمال العاديين والعمال الصبية والأشراف والتلاميذ باستثناء الامتحان الذي يؤدي بمعرفة اللجنة وتقرير أجر يومي للطائفة الأخيرة يجاوز أول مربوط الدرجة". وعلى أنه "مما يؤكد هذا الواقع أن الاعتماد الذي ربط لمواجهة هذه الحالة الطارئة لم يجاوز المرتبات وإعانة غلاء المعيشة"؛ وإذ كان الأمر كذلك، كان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون.
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة هو ما إذا كان يحق لأفراد هذه الطائفة (الترزية) من عمال الجيش البريطاني الملحقين بخدمة الحكومة أن يتقاضوا العلاوات الدورية المقررة للدرجة التي عينوا فيها أم لا.
ومن حيث إنه على إثر إعلان إلغاء معاهدة سنة 1936، ترك العمال المصريون بالجيش البريطاني أعمالهم بمنطقة القناة بحافز من شعورهم الوطني المتأجج، فكان حتماً على الحكومة المصرية أن لا تتركهم سدى بل تدبر لهم سبل العيش. ولما كانت حالتهم تستدعي القوت والإسعاف نظراً للظروف الدقيقة التي كانت قائمة آنذاك، قد ألحقوا بالوزارات والمصالح الحكومية المختلفة دون مراعاة لحاجة العمل بهذه المصالح. وفي 18 من نوفمبر سنة 1951 قرر مجلس الوزراء تأليف لجنة في وزارة المالية تمثل فيها جميع الوزارات لإعادة توزيع العمال على المصالح الحكومية بحسب حرفهم ووفق احتياجات المصالح المختلفة، كما صدر قرار من مجلس الوزراء في 2 من ديسمبر سنة 1951 بتخويل اللجنة المشار إليها الحق في إعادة النظر في أجور العمال بما يكفل إزالة أسباب الشكوى التي تستند إلى أساس، وأبلغ المجلس قراره إلى وزارة المالية لتنفيذه. وفي 19 من مارس سنة 1952 وضعت اللجنة تقريراً تضمن القواعد التنظيمية العامة في شأن إعادة توزيع هؤلاء العمال وإعادة تقدير أجورهم ودرجاتهم، وهي القواعد التي اصطلح على تسميتها بكادر عمال القناة، وقدرت فيه أجور أرباب الحرف بما يطابق درجات كادر عمال الحكومة، كما رفعت الحد الأدنى لبداية بعض الدرجات بما يتناسب مع الأجور العالية التي كان يتقاضاها هؤلاء العمال بالجيش البريطاني، وكان مما قررته اللجنة عدم نفاذ هذه التقديرات والأجور إلا بعد إقرارها واعتمادها، بدون أثر رجعي. وقد اعتمدت الجهات المختصة تقدير اللجنة بما تضمنه من قواعد. ونشرت وزارة المالية بذلك كتابها الدوري رقم 234 - 1/ 77 إلى الوزارات والمصالح لتنفيذه ابتداء من أول إبريل سنة 1952. وقد جاء بتقدير اللجنة بتقدير اللجنة تقديراً لأجر أمثال المدعي ما يلي "وقد قامت اللجنة بإعادة تقرير أجور أرباب الحرف بما يطابق درجات كادر العمال الحكومي وبمقتضى الكشوف حرف (ب) الملحقة بالكادر (حتى يعامل الجميع على قدم المساواة) موزعة على الدرجات الآتية:
( أ ) تقدير أجور العمال:
..................
عامل دقيق (300/ 500 م) وهي وظيفة تندرج فيها حرفة "الترزي" التي يمارسها المدعي حسبما يتضح ذلك من الوظائف الواردة في الكشف رقم 6 "ب" الخاص بكادر عمال الحكومة".
ومن حيث إن هذه المحكمة لا تقر الحكم المطعون فيه، فيما ذهب إليه من استحقاق المدعي للعلاوات الدورية في حدود الدرجة التي عين فيها عند التحاقه بخدمة الحكومة؛ لأنه عندما ربطت ميزانية الدولة عن السنة المالية 1954/ 1955 روعي في ربط الاعتمادات الخاصة بأجور عمال القناة ألا تصرف لهم أية علاوات اعتباراً من أول مايو سنة 1954، كما يستفاد ذلك من كتاب وزارة المالية والاقتصاد إلى ديوان الموظفين رقم 123 - 53/ 2 في 23 من مايو سنة 1954.
ومن حيث إنه يخلص مما سلف إيضاحه أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، وأن الطعن قد قام على أساس سليم من القانون؛ ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المذكور والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.