مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 989

(108)
جلسة 29 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 638 لسنة 3 القضائية

( أ ) اختصاص - دعوى تعويض - اختصاص مجلس الغنائم بدعاوى التعويض عن الضرر الناشئ عن عملية ضبط الغنيمة - التعويض عن الضرر الناشئ عن قرارات إدارية بعيدة عن إجراءات الضبط من اختصاص القضاء الإداري لا مجلس الغنائم.
(ب) اختصاص - قرار إداري - قرار قضائي - أوامر وإجراءات مأموري الضبطية القضائية التي تصدر منهم في نطاق الاختصاص القضائي الذي خولهم القانون إياه وأضفى عليهم فيه تلك الولاية القضائية هي وحدها التي تعتبر قرارات قضائية تخرج عن ولاية القضاء الإداري - قراراتهم خارج هذا النطاق تعتبر قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري.
1 - يتضح من استقراء نصوص الأمر العسكري رقم 38 لسنة 1948 والقانون رقم 32 لسنة 1950 والمرسوم بقانون رقم 283 لسنة 1952 أن اختصاص مجلس الغنائم مقصورة على: أولاً - القضاء بصحة أو ببطلان عملية ضبط الغنيمة، وفي الحالة الأولى يأمر بمصادرتها، وفي الحالة الثانية يأمر بالإفراج عنها أو بأداء ثمنها إذا كانت قد استهلكت أو حصل التصرف فيها. ثانياً - المنازعات الناشئة عن عملية الضبط، وطلبات التعويض عن أي ضرر يكون قد لحق صاحب السفينة أو السلع من إجراءات الضبط. ومقتضى ذلك أن المجلس لا يختص بالنظر في طلبات التعويض إلا إذا كان عن ضرر نشأ عن عملية الضبط ذاتها، فإذا نشأ الضرر عن قرارات إدارية بعيدة عن إجراءات الضبط لم يكن لمجلس الغنائم أي اختصاص في طلب التعويض عنها، فإذا ثبت أن طلب التعويض في الدعوى الحالية ليس عن إجراء من إجراءات الضبط، وإنما هو عما تدعيه الشركة المدعية من تصرف إداري مخالف للقانون ببيع السلعة التي قرر مجلس الغنائم الإفراج عنها وتسليمها إليها، وهو بعيد كل البعد عن التعويض عن عملية الضبط، فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي المختصة بنظر الدعوى، ولا اختصاص لمجلس الغنائم فيها.
2 - إن أوامر وإجراءات مأموري الضبطية القضائية التي تصدر عنهم في نطاق الاختصاص القضائي الذي خولهم القانون إياه وأضفى عليهم فيه تلك الولاية القضائية هي وحدها التي تعتبر أوامر وقرارات قضائية، وهي بهذه المثابة تخرج عن رقابة القضاء الإداري، وأما الأوامر والقرارات التي تصدر عنهم خارج نطاق ذلك الاختصاص القضائي المخول لهم في القانون فإنها لا تعد أوامر أو قرارات قضائية، وإنما تعتبر من قبيل القرارات الإدارية، وتخضع لرقابة القضاء الإداري إذا توافرت فيها شرائط القرارات الإدارية النهائية؛ ومن ثم إذا ثبت أن القانون لم يخول لجنة التحقيق الخاصة بالغنائم أو رئيسها أي اختصاص في إصدار أوامر ببيع الغنائم المضبوطة، فإن كل أمر يصدر من اللجنة أو رئيسها في هذا الشأن يعتبر خارج نطاق الاختصاص القضائي المنصوص عليه قانوناً، وبالتالي لا يعتبر أمراً صادراً من سلطة قضائية في حدود اختصاصها، بل يعتبر أمراً إدارياً يخضع لرقابة القضاء الإداري.


إجراءات الطعن

في أول إبريل سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) بجلسة 3 من فبراير سنة 1957 في الدعوى رقم 177 لسنة 6 ق المرفوعة من شركة ديموراكس ضد مصلحة الجمارك ووزارة المالية، القاضي "أولاً - في الدعوى الأصلية برفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها، وفي موضوعها بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية مبلغ 3723.420 مجـ، مع إلزامها بالمصروفات المناسبة... ثانياً في الدعوى الفرعية ودعوى الضمان بعدم اختصاص المحكمة بنظرها، وإلزام الحكومة بمصروفاتها" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وبعدم اختصاصه وبإلزام الشركة المدعية بالمصروفات" وقد أعلن الطعن للحكومة في 23 من إبريل سنة 1957 وللمدعية في 25 من إبريل سنة 1957 وعين لنظره جلسة 15 من فبراير سنة 1958 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 20 من نوفمبر سنة 1951 أقامت شركة ديموراكس إخوان الدعوى رقم 177 لسنة 6 ق ضد مصلحة الجمارك ووزارة المالية، طالبة الحكم بإلزام الحكومة بأن تدفع للشركة المدعية مبلغ 6580 ج قيمة التعويض عن الأضرار التي لحقت بها والخسائر التي تكبدتها والأرباح التي ضاعت عليها من جراء تصرف مصلحة الجمارك برسالة الأرز المشار إليها بعريضة الدعوى، وبفؤاد 5% عن المبالغ المتأخرة لها من أول سبتمبر سنة 1949 لحين تمام السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقالت الشركة في بيان ذلك إنه في 6 من أغسطس سنة 1948 اشترت مائة طن من الأرز السيامي بقصد استيرادها للاستهلاك بسويسرا بثمن قدره 95100 فرنكاً سويسرياً، وقد حملت البضاعة من سيام على الباخرة سان توماس التابعة لشركة آسيا الشرقية في 18 من أكتوبر سنة 1948، وعند مرور الباخرة بقناة السويس في طريقها إلى جنوه اشتبهت السلطات المصرية ببور سعيد في أن يكون مآلها فلسطين، فأنزلت الأرز واتخذت ضده تدابير الضبط، وأودع مخازن الشركة الشرقية للإيداع ببور سعيد تمهيداً للمصادرة، فبادرت الشركة إلى اتخاذ إجراءات التظلم إلى مجلس الغنائم. وفي أول سبتمبر سنة 1949 أصدر المجلس قراره بعدم صحة ضبط رسالة الأرز والإفراج عنها، كما قضي في 29 من سبتمبر سنة 1949 برفض طلب التعويض عن ضبط البضاعة، فلما شرعت الشركة في اتخاذ إجراءات تنفيذ حكم مجلس الغنايم وتسلم البضاعة فوجئت بأن مصلحة الجمارك كانت قد باعت رسالة الأرز خوفاً عليها من التلف - على حد قولها - ولما تبينت الشركة ظروف البيع راعها، (أولاً) أن مصلحة الجمارك تعجلت في بيع الرسالة في 26 من مايو سنة 1949 في وقت لم يكن ثمة ما يدعو إلى البيع خصوصاً إذا لوحظ أن الأرز من المواد التي تتحمل التخزين الطويل، وأنه استمر بحالة جيدة إلى ما بعد الفصل في القضية، ولوحظ أن مجلس الغنايم ينظر في التظلمات على وجه السرعة (ثانياً) أن البيع لم يعلن به أصحاب البضاعة أو وكلاؤهم طبقاً لما تقضي به اللوائح حتى يتيسر لهم الاعتراض عليه أو مراقبة العملية والسعي إلى بيعه بأحسن الشروط (ثالثاً) إن البيع تم للاستهلاك المحلي فنزل الثمن إلى 2376.700 مجـ للرسالة كلها حيث لم يتقدم إلا مزايد واحد، مع أن المحصول المصري كان في تلك السنة من الوفرة بحيث صدر منه مقادير كبيرة للخارج، ولو عرض الأرز للمزاد بقصد التصدير لتضاعف ثمنه (رابعاً) إن المشتري المحظوظ الذي اشترى الأرز للاستهلاك المحلي أمكنه أن يحصل على إذن من وزارة المالية بتصديره للخارج فربح بذلك ربحين كبيرين على حساب الشركة، الأول عند شراء الأرز والثاني عند بيعه، وتم التصدير دون اتباع القواعد المرعية. وعندما تبينت الشركة هذه المخالفات أنذرت وزارة المالية في 24 من أكتوبر سنة 1949 على يد محضر وكلفتها بإلغاء البيع وتسليمها الأرز وإلا رفعت الأمر إلى القضاء ولم تؤد جميع الوسائل الودية إلى إنصاف الشركة المدعية؛ وذلك لأن المشتري حال دون تسليم الأرز إليها بتوقيعه حجزاً استحقاقياً عليه بأمر من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة بور سعيد، ثم رفع على مصلحة الجمارك دعوى الاستحقاق وتثبيت الحجز بناء على أن الصفقة تمت بينه وبين المصلحة وأنه حصل على ترخيص في تصديرها من وزارة المالية، وقد قضي في الدعوى بطلبات المدعي في 21 من مايو سنة 1950 وتمكن المشتري من تصدير الأرز إلى الكويت. وأخيراً اضطرت الشركة إلى قبض باقي الثمن المودع على ذمتها في مصلحة الجمارك بعد خصم المصروفات محتفظة لنفسها بالحق في رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض. وقد قدرت الشركة في صحيفة الدعوى التعويض المستحق لها بمبلغ 6580 جنيه، وبينت عناصره على النحو التالي، 5500 ج الفرق بين ثمن شراء الأرز والثمن الذي بيع به، 1000 ج الربح الذي فات على الشركة من ضياع الصفقة، 42 ج مصاريف العملية المالية ببنك يونيون سويس، 40 ج مصاريف شركة الملاحة أدريانيكا. كما أوردت الشركة بياناً بالمستندات التي تؤسس عليها دعواها. وقد أودعت الحكومة مذكرة بدفاعها استهلتها بالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى لأسباب أربعة: (أولاً) إن أعمال السيادة بجميع آثارها وتوابعها لا تكون محلاً لطلب تعويض. (ثانياً) إن المحكمة المختصة بنص القانون في هذا النزاع هي مجلس الغنائم (ثالثاً) إن مجلس الغنائم سبق له النظر في موضوع التعويض وقضي برفضه بحكم (رابعاً) إن بيع الرسالة صدر به أمر من السلطة القضائية. أما عن السبب الأول فقد قالت الحكومة إن المادة السابعة من قانون مجلس الدولة تنص على أنه "لا تقبل الطلبات المقدمة عن التدابير الخاصة بالأمن الخارجي للدولة وعن العلاقات السياسية أو المسائل الخاصة بالأعمال الحربية لاعتبار هذه الأمور من أعمال السيادة". ومن بين المسائل الخاصة بالأعمال الحربية والتدابير الخاصة بالأمن الخارجي تلك التي تتخذها الدولة بتفتيشها السفن وضبط ما بها من بضائع مملوكة للعدو أو يشتبه في اتجاهها إليه؛ إذ هي من صميم الأعمال المتعلقة بأمن الدولة الخارجي. فضبط الدولة لبضاعة ما على هذه الصورة والتصرف فيها نتيجة لذلك عمل من الأعمال التي تحافظ بها الدولة على كيانها في حالة الحرب ولا تسأل عن نتيجة تصرفها. والعمل الحربي في هذا الخصوص يبدأ بالتفتيش ثم بضبط البضاعة والتصرف فيها، فالتصرف هو أثر التدبير الحربي ولا تسأل الدولة عن الأثر المترتب على العمل الحربي وإلا كانت مسئوليتها عن الأثر مناقشة لها في ذات التدبير الحربي. وأما عن السبب الثاني فإن المادة الرابعة من الأمر العسكري رقم 38 لسنة 1948 بإنشاء مجلس الغنائم تنص على أنه "إذا قضى المجلس بصحة عملية ضبط الغنيمة أمر بمصادرتها لصالح الدولة، وإذا قضى ببطلان تلك العملية أمر بالإفراج عن الغنيمة أو بدفع ثمنها إذا كانت استهلكت أو حصل التصرف فيها لأي سبب كان. وله في هذه الحالة أن يحكم بالتعويض عن أي ضرر يكون قد لحق السفينة أو السلع أو صاحب السفينة من جراء عملية الضبط إلا إذا كانت هناك أسباب سوغت اتخاذ إجراءات الضبط. وفي جميع الأحوال تكون مصاريف الدعوى على صاحب الغنيمة" وظاهر أن الشركة تطالب بفرق الثمن وما فاتها من ربح ومصاريف وكل ذلك ناتج عن عملية الضبط وهي من أعمال السيادة التي يختص بالنظر فيها مجلس الغنائم وحده، على أن فرق الثمن عالجته المادة الرابعة المشار إليها إذ نصت على أنه "إذا قضى ببطلان تلك العملية أمر بالإفراج عن الغنيمة أو بدفع ثمنها إذا كانت قد استهلكت أو حصل التصرف فيها لأي سبب كان. وأما عن عناصر التعويض الأخرى فقد عالجتها المادة الرابعة أيضاً، حين نصت على أن لمجلس الغنائم أن يحكم بالتعويض عن أي ضرر يكون قد لحق السفينة أو السلع أو صاحب السفينة من جراء عملية الضبط؛ ومن ثم يكون موضوع هذه الدعوى خارجاً عن اختصاص محكمة القضاء الإداري. وأما عن السبب الثالث فإن مجلس الغنائم قد حكم بجلسة 22 من أكتوبر سنة 1949 برفض طلب التعويض، وما دام الحكم في هذا الطلب قد صدر من هيئة قضائية خاصة تحوز أحكامها قوة الشيء المحكوم فيه فلا يجوز إعادة طرح ما سبق الفصل فيه على هيئة قضائية أخرى، كما ليس من اختصاص مجلس الدولة التعقيب على الأحكام. أما عن السبب الرابع فإن الأرز قد وضع بمخزن الجمرك على ذمة دعوى الغنيمة بناء على أمر السلطات المختصة التي أمرت بتفتيش السفينة وضبط السلعة، وقد قررت لجنة التحقيق - المشكلة بالتطبيق لحكم المادة الخامسة من الأمر رقم 38 لسنة 1948، بإنشاء مجلس الغنائم - بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1948، مصادرة الرسالة وإرسال الأوراق إلى مندوب السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية بمنطقة القنال، فأحال الحاكم العسكري العام الأمر على محكمة الغنائم. وقد لاحظت مصلحة الجمارك أن الأرز المودع لديها من المواد القابلة للتلف وأن السوس بدأ يدب فيه، فعرضت الأمر على رئيس مكتب التغذية، فقرر بأن السلعة صالحة للاستهلاك، إلا أنه يتعين بيعها خشية زيادة تفشي السوس فيها، فعرضت الأمر على رئيس لجنة التحقيق في 5 من إبريل سنة 1949 فأمر ببيعه، فباعته المصلحة في 26 من مايو سنة 1949 بعد إعادة عرضه على رئيس جهاز لجنة التحقيق. فالمصلحة إذ باعت الأرز إنما كان ذلك بصفتها مودع لديها، ولم تجر البيع إلا بعد استئذان وكيل النيابة رئيس لجنة التحقيق المنتدب من وزير العدل للقيام بسلطة التحقيق والاتهام في موضوع الغنائم، ولم تخطر المصلحة صاحب الرسالة بإجراء البيع إذ لم تعلم باسمه إلا في 6 من سبتمبر سنة 1949 فقد كانت البضاعة مرسلة إلى جنوا تحت الإذن. ولما كان أمر البيع صادراً من سلطة قضائية فلا تختص محكمة القضاء الإداري بالتعقيب عليه. وفي الموضوع استعرضت الحكومة إجراءات مصادرة الأرز وعرض أمره على مجلس الغنائم ثم بيعه، وقالت إنها طلبت من الخبير المثمن تثمينه فقدر للطعن 30 ج، إلا أنه بعرض الرسالة عدة مرات للبيع بالمزاد لم يتقدم أحد لشرائها سوى السيد عبده نجيم الذي عرض ثمناً للطن 25 ج خالصاً الرسوم الجمركية، ويرجع الإحجام عن الشراء إلى أن الأرز من النوع الأجنبي غير المعروف للاستهلاك المحلي وليست له سوق بالقطر المصري وأنه كان قد دب فيه السوس، فاضطرت المصلحة إلى بيعه بالمزاد العلني بالسعر المعروض من السيد عبده نجيم، وكذلك لأن فرقة الأغذية طلبت الإسراع في التصرف في الرسالة لكثرة توالد السوس بها وخشية ازدياد تلفها. ولم تظهر الشركة المدعية أثناء جميع هذه المراحل إلا بعد تمام البيع وبذلك يكون احتجاجها بعدم إعلانها بالبيع في غيره محله. وقد بلغ صافي ثمن بيع الأرز بعد استنزال كافة المصاريف 2195.920 مجـ صرفت إلى الشركة المدعية بشيك على البنك الأهلي في 28 من يناير سنة 1951، وخلصت الحكومة من كل ذلك إلى طلب الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى أو بعدم القبول، واحتياطياً برفضها مع إلزام الشركة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد رفعت الحكومة فوق ذلك دعوى فرعية تطالب فيها الشركة بمبلغ 1447.412 مجـ قيمة الرسوم الجمركية المستحقة على رسالة الأرز. وبجلسة 3 من فبراير سنة 1957 حكمت المحكمة "أولاً: في الدعوى الأصلية برفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها، وفي موضوعها بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية مبلغ 3723.420 مجـ وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة. ثانياً: في الدعوى الفرعية ودعوى الضمان بعدم اختصاص المحكمة بنظرها وألزمت الحكومة بمصروفاتهما". وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم الاختصاص بأوجهه الأربعة على ما يأتي: بالنسبة إلى الوجه الأول: "إنه من المسلم أن هذه المحكمة لا تختص بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، وذلك طبقاً لنص المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، ومن المسلم أيضاً أن عملية تفتيش السفن وضبط الغنائم في أوقات الحرب هي من أعمال السيادة لاتصالها بالتدابير الحربية التي تتخذها الدولة لصون أمنها الخارجي، بيد أنه في الدعوى الحالية لا تطالب الشركة المدعية بتعويض عن عملية الضبط ذاتها، وإنما تطالب بتعويض عن القرار الصادر ببيع الرسالة والذي تقرر الشركة أنه بني على غش، وهذا القرار ليس نتيجة مباشرة لعملية الضبط ولا هي تستلزمه ولا يمت لأعمال السيادة بصلة، ولذلك فإن شأنه شأن أي قرار إداري آخر ويخضع لرقابة هذه المحكمة لتتعرف مدى مشروعيته، وبالتالي تكون هذه المحكمة مختصة بالنظر في طلب التعويض عن هذا القرار؛ ومن ثم يكون الوجه الأول من الأوجه التي أبدتها الحكومة لا سند له من القانون". وبالنسبة إلى الوجه الثاني: "إن هذا الوجه مردود بأن اختصاص مجلس الغنائم مبين في المادة الرابعة من الأمر رقم 28 لسنة 1948 الصادر من الحاكم العسكري بإنشائه والتي تنص على أنه "إذا قضى المجلس بصحة عملية ضبط الغنيمة أمر بمصادرتها لصالح الدولة، وإذا قضى ببطلان تلك العملية أمر بالإفراج عن الغنيمة أو بدفع ثمنها إذا كانت قد استهلكت أو حصل التصرف فيها لأي سبب كان، وله في هذه الحالة أن يحكم بالتعويض عن أي ضرر يكون قد لحق السفينة أو السلع أو صاحب السفينة من جراء عملية الضبط إلا إذا كانت هناك أسباب سوغت اتخاذ إجراءات الضبط، وبوجه خاص إذا حاول ربان السفينة إلقاء السلع في البحر أو إتلاف أوراق السفينة أو إخفائها أو استعمال أوراق مزورة أو غير حقيقية، أو إذا وجدت للسفينة أوراق مزدوجة أو إذا تأخر ربان السفينة في تقديم ما يثبت عدم خضوع السلع لتدابير المصادرة". ثم صدر القانون رقم 32 لسنة 1950 الذي حل محل الأمر رقم 38 لسنة 1948 سالف الذكر، فنص في المادة الرابعة منه على أن "يختص المجلس بالفصل في صحة ضبط الغنائم وفي المنازعات الناشئة عن الضبط وفي طلب التعويض المترتب على ذلك... إلخ" ونصت المادة الخامسة من هذا القانون على ذات النص الذي كان وارداً في المادة الرابعة من الأمر رقم 38 لسنة 1948، وصدر بعد ذلك المرسوم بقانون رقم 283 لسنة 1952 بتعديل المادة الخامسة من القانون رقم 32 لسنة 1950 فأصبح نصها، "إذا قضى المجلس بصحة الضبط أمر بمصادرة الغنيمة لصالح الدولة، وإذا قضى ببطلان الضبط أمر بالإفراج عنها أو أداء ثمنها إذا كانت قد استهلكت أو حصل التصرف فيها لأي سبب من الأسباب ما لم يكن هذا التصرف بسبب قابليتها للتلف أو لأن نفقات المحافظة عليها باهظة، فيؤدي إلى صاحبها الثمن الذي بيعت به الغنيمة فعلاً، وللمجلس أن يحكم بالتعويض عن أي ضرر يكون قد لحق صاحب السفينة أو السلع من إجراءات الضبط إلا إذا كانت هناك أسباب سوغتها... إلخ" وأنه يتضح من هذه النصوص أن اختصاص مجلس الغنائم مقصور على: أولاً - القضاء بصحة أو ببطلان عملية ضبط الغنيمة، وفي الحالة الأولى يأمر بمصادرتها، وفي الحالة الثانية يأمر بالإفراج عنها أو بأداء ثمنها إذا كانت قد استهلكت أو حصل التصرف فيها. ثانياً - المنازعات الناشئة عن عملية الضبط وطلبات التعويض عن أي ضرر يكون قد لحق صاحب السفينة أو السلع من إجراءات الضبط، ومقتضى ذلك أن المجلس لا يختص بالنظر في طلبات التعويض إلا إذا كان عن ضرر نشأ عن عملية الضبط ذاتها، فإذا نشأ الضرر عن قرارات إدارية بعيدة عن إجراءات الضبط لم يكن لمجلس الغنائم أي اختصاص في طلب التعويض عنها، وقد سبق فعلاً للشركة المدعية أن رفعت دعوى أمام ذلك المجلس للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقتها من جراء عملية الضبط ذاتها من أجرة تخزين وتفريغ وشيالة ونقل بالصنادل ونولون من بور سعيد إلى جنوا، كما رفعت الشركة صاحبة السفينة دعوى مماثلة أمام المجلس للمطالبة بتعويض عن تعطيلها بميناء بور سعيد لمدة يومين وخمس ساعات وما تحملت من مصاريف أخرى بسبب إجراءات عملية الضبط، وثابت أن دعوى كل من الشركتين كانت مقصورة على المطالبة بتعويض الضرر الذي لحق كل منهما من جراء عملية الضبط فقط دون أي ضرر آخر، وأن "طلب التعويض في الدعوى الحالية ليس عن إجراء من إجراءات الضبط، وإنما هو عما تدعيه الشركة من تصرف إداري مخالف للقانون ببيع السلعة التي قرر مجلس الغنائم الإفراج عنها وتسليمها إليها وهو بعيد كل البعد عن التعويض عن عملية الضبط؛ ومن ثم فتكون هذه المحكمة هي المختصة بنظر الدعوى ولا اختصاص لمجلس الغنائم فيها، ويؤيد هذا النظر المناقشة التي دارت أمام مجلس الغنائم بجلسة 22 من سبتمبر سنة 1949، عند نظر طلب التعويض الذي كان مقدماً من الشركة كما هي ثابتة بمحضر الجلسة، فقد كان محامي الشركة - بعد صدور الحكم بالإفراج عن الرسالة في أول سبتمبر سنة 1949 وذهابه لمصلحة الجمارك لتسلم الرسالة تنفيذاً للحكم - قد كشف أن مصلحة الجمارك قد باعت الرسالة ولكنها لم تسلمها بعد للمشتري وكان في مفاوضات معها، فطلب في تلك الجلسة التأجيل وقال إنه لم ينته إلى رأي مع مصلحة الجمارك وأنه قد لا يتسلم البضاعة، فعارض المحامي العام في التأجيل موجهاً نظر محامي الشركة إلى أن المجلس غير مختص بنظر طلب التعويض عن الرسالة ذاتها". وأنه "لما تقدم يكون الوجه الثاني من الأوجه التي ساقتها الحكومة للدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة لا سند له من القانون". وبالنسبة إلى الوجه الرابع فإن ما تقوله الحكومة "مردود بأن أوامر وإجراءات مأموري الضبطية القضائية التي تصدر عنهم في نطاق الاختصاص القضائي الذي خولهم القانون إياه وأضفى عليهم فيه تلك الولاية القضائية هي وحدها التي تعتبر أوامر وقرارات قضائية، وهي بهذه المثابة تخرج عن رقابة هذه المحكمة، وأما الأوامر والقرارات التي تصدر عنهم خارج نطاق ذلك الاختصاص القضائي المخول لهم في القانون، فإنها لا تعد أوامر أو قرارات قضائية، وإنما تعتبر من قبيل القرارات الإدارية، وتخضع لرقابة هذه المحكمة إذا توافرت فيها شرائط القرارات الإدارية النهائية، وإن "المادة الخامسة من الأمر رقم 38 لسنة 1948 سالف الذكر نصت على أن تنشأ بكل من مواني الإسكندرية وبور سعيد والسويس لجنة تحقيق تؤلف من أحد وكلاء النيابة يندبه وزير العدل رئيساً ومن مندوب من مصلحة الجمارك يندبه وزير المالية ومن ممثل لشركات الملاحة يعينه وزير المواصلات. ونصت المادة السادسة على أن تقوم هذه اللجنة بإجراء تحقيق تمهيدي بحضور ربان السفينة أو من يمثله عن كل ما يهم مجلس الغنائم أن يكون على علم به عند نظر دعوى الغنيمة، وعلى اللجنة أن تتحرى بوجه خاص عن الغنيمة وقيمتها ومكان ضبطها وظروفه وملكيتها ووجهتها والشخص أو الهيئة المرسلة إليه، وللجنة في سبيل ذلك تفتيش السفينة والاطلاع على جميع أوراقها واستجواب من تشاء من أفراد طاقمها أو من ركابها ويحرر بهذا التحقيق محضر، يوقع عليه من أعضاء اللجنة وربان السفينة أو من يمثله، ويرسل هذا المحضر إلى مندوب السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية في المنطقة". وأنه "واضح من النصوص المتقدمة أن القانون لم يخول لجنة التحقيق، أو رئيسها أي اختصاص في إصدار أوامر ببيع الغنائم المضبوطة، فكل أمر يصدر من اللجنة أو رئيسها في هذا الشأن يعتبر خارج نطاق الاختصاص القضائي المنصوص عليه قانوناً؛ ومن ثم فلا يعتبر أمراً صادراً من سلطة قضائية في حدود اختصاصها، بل يعتبر أمراً إدارياً يخضع لرقابة هذه المحكمة". أما بالنسبة إلى الوجه الثالث فإن حجة الحكومة هي أن المدعية وقد استندت في طلب التعويض الذي تقدمت به إلى مجلس الغنائم إلى الضرر الذي لحقها بسبب التأخير في الإفراج عن الغنيمة، وأن المجلس وقد قضي برفض طلبها فليس لها الآن أن تطالب بتعويض عن أي ضرر نتج عن هذا التأخير، وأن بيع الرسالة ما هو إلا إحدى نتائج هذا التأخير، وهذا الذي تقول به الحكومة مردود، بأن طلب التعويض قدم إلى مجلس الغنائم قبل الحكم بالإفراج عن الغنيمة وقبل أن تعلم الشركة المدعية ببيع الرسالة، وقد كان ذلك الطلب منصباً على الأضرار التي لحقت الشركة من جراء عملية الضبط ذاتها وما ترتب عليها من مصاريف تخزين وشيالة وتأمين ونقل بالصنادل وإعادة تصدير البضاعة من بور سعيد إلى جنوا، ولم يتناول موضوع بيع الرسالة، ويدل على ذلك أن محامي الشركة - عند نظر طلب التعويض في جلسة 29 من سبتمبر سنة 1949 وكان قد علم ببيع الرسالة - طلب التأجيل حتى ينتهي إلى أمر مع مصلحة الجمارك في موضوع الرسالة ذاتها، وقال أنه قد لا يتسلمها، فلفت المحامي العام بالجلسة نظره إلى أن ذلك يخرج عن اختصاص المجلس، ويدل على ذلك أيضاً أنه بعد أن قضى مجلس الغنائم في 22 من أكتوبر سنة 1949 برفض طلب التعويض وكانت مصلحة الجمارك قد باعت الرسالة في 26 من مايو سنة 1949، ولكنها لم تكن قد سلمتها بعد إلى المشتري بسبب خلاف قام بين المصلحة وبينه حول ما إذا كانت الرسالة مباعة له للاستهلاك المحلي أو للتصدير للخارج، وكانت الشركة المدعية في الوقت نفسه تطالب بتسليمها الرسالة تنفيذاً للحكم الصادر بالإفراج عنها في أول سبتمبر سنة 1949، إزاء ذلك عرضت مصلحة الجمارك الأمر على رئيس مجلس الغنائم فأشر على الأوراق في 24 من أكتوبر سنة 1949 أي بعد الحكم برفض طلب التعويض بيومين بما يأتي "نظراً لأن البيع تم برسم الاستهلاك المحلي من قبل مصلحة الجمارك والمشتري يدعي الآن أنه اشترى برسم الإصدار للخارج، وبما أن البيع حصل خشية التلف قبل الفصل في القضية فيكون البيع قد وقع على حساب المالك الأصلي، وبما أنه حكم بالإفراج عن البضاعة قبل تسليمها للمشتري فتبقى على ملك أصحابها وتسلم إليهم". ثم أعادت مصلحة الجمارك عرض الموضوع على مجلس الغنائم فأرسل إليها رئيس المجلس الكتاب رقم 2/ 1 جـ 825 في 30 من أكتوبر سنة 1949 وقد جاء به ما يلي "بالإشارة إلى كتاب المصلحة الرقيم 82/ 7/ 1 - 17229، وإلى المذكرة المقدمة في شأن رسالة الأرز السابق تفريغها من الباخرة سان توماس بميناء بور سعيد والتي عرضت للبيع بالمزاد فقدم عنها عبده نجيم (باشا) عطاء باعتبار أنها برسم الاستهلاك المحلي، ثم عاد فأبدى أنه تقدم بالعطاء على أساس أن الرسالة معروضة للبيع برسم الإصدار، أتشرف بأن أخبركم بأن المجلس قرر تسليم البضاعة لأصحابها شركة ديموراكس التي حكم لها في جلسة أول سبتمبر سنة 1949 بالإفراج عنها... إلخ". ثم قالت المحكمة "إن تأشير رئيس محكمة الغنائم في 24 من أكتوبر سنة 1949، ثم قرار المجلس المبلغ لمصلحة الجمارك بالكتاب المؤرخ في 30 من أكتوبر سنة 1949، وكلاهما بتسليم الرسالة إلى الشركة المدعية، قاطعان في الدلالة على أن موضوع التعويض عن بيع الرسالة - وهو موضوع الدعوى الحالية - لم يكن معروضاً على مجلس الغنائم ضمن طلب التعويض الذي تقدمت به الشركة المدعية وقضى المجلس برفضه بجلسة 22 من أكتوبر سنة 1949، أما مصاريف العملية المالية ببنك يونيون سويس والبالغ مقدارها 42 جنيه، فلا أساس لما تزعمه الحكومة من أن حكم مجلس الغنائم برفض طلب التعويض قد تناولها، وكذلك الحال بالنسبة إلى مصاريف شركة الملاحة أدرياتيكا والبالغ مقدارها 40 ج والتي تقول الحكومة إن شأنها شأن الطلبات الأخرى السابق للشركة طلبها صراحة وقضى المجلس برفضها فلا أساس لهذا القول؛ إذ أن هذين المبلغين يلحقان ثمن شراء الرسالة من مصدرها الأصلي ولم يترتبا على عملية ضبط الغنيمة، فلم تطالب بهما الشركة أمام المجلس، وبالتالي لم يقض المجلس فيها لانعدام الصلة بينها وبين الأضرار التي نشأت عن عملية الضبط ذاتها" وإنه "لما تقدم يكون الدفعان بعدم اختصاص المحكمة وبعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضهما". وفيما يتعلق بالموضوع، استعرضت المحكمة وقائع الدعوى تفصيلاً، وانتهت من ذلك إلى أن "مقطع النزاع في الدعوى هو معرفة ما إذا كان القرار الإداري الصادر من رئيس لجنة التحقيق بمجلس الغنائم في 5 من إبريل سنة 1949 ببيع الرسالة قد صدر صحيحاً أم صدر مبنياً على خطأ مشوباً بسوء استعمال السلطة، وكذلك الحال بالنسبة إلى القرار الإداري الثاني وهو الصادر من لجنة المزاد في 26 من مايو سنة 1949 بإيقاع البيع على عبده نجيم"، أما عن القرار الأول فقد قالت المحكمة "إنه بني على سبب واحد هو نتيجة معاينة رسالة الأرز، تلك المعاينة التي تمت في 14 من مارس سنة 1949 بمعرفة مكتب مراقبة الأغذية بجمرك بور سعيد ونصها كالآتي (إنها موافقة صحيحاً، ونظراً لأنه قد وجد بها بعض السوس نرجو عرضها للبيع في أقرب فرصة)" وأن "هذه المعاينة لم تعط صورة صحيحة كاملة عن حالة الأرز وإنما أعطت صورة مقتضية مشوهة بأن قالت إن الأرز وجد به بعض السوس واكتفت بذلك، مما يفهم منه أن السوس بدأ يدب فيه كما جاء في صفحة 8 من مذكرة الحكومة، ومن ثم فيكون قد بدأ فيه التلف فعلاً ولم يعد إلى بقائه من سبيل، ليس هذا فحسب بل لقد تضمنت نتيجة المعاينة رجاء بعرض الرسالة للبيع في أقرب فرصة مما يستفاد منه أن الأرز على وشك أن يصبح غير قابل للاستهلاك مما يدعو إلى الإسراع في بيعه، وهذا هو ما استنتجه بحق رئيس لجنة التحقيق بمجلس الغنائم، وإذ أن نتيجة المعاينة لم تعرض عليه إلا في 5 من إبريل سنة 1949 أي بعد حدوثها باثنين وعشرين يوماً مما يخشى معه أن يكون الأرز قد أصبح خلال هذه المدة غير قابل للاستهلاك أو أنه سيصبح كذلك في المدة الباقية إلى أن يباع؛ لذلك نراه في الوقت الذي يوافق فيه على البيع يعلق هذا البيع على شرط أن يكون الأرز صالحاً، ولما كان قد ورد في المعاينة أن الأرز موافق صحياً فيكون المقصود بهذا الشرط أن يكون الأرز ما زال عند البيع صالحاً؛ ولذلك يأمر بعدم بيعه إلا بعد إعادته عرضه على مراقبة الأغذية، وفيما يلي التأشيرة "عرض في 5/ 4/ 1949 - يباع إن كان صالحاً وبعد إعادة عرضه على مراقبة الأغذية بالمزاد ويودع الثمن أمانات على ذمة الموضوع". وقد عرضت الرسالة فعلاً على مراقبة الأغذية في 11 من مايو سنة 1949 أي قبل البيع، ونتيجة هذه المعاينة غير موجودة في الأوراق وإنما أشير إليها في كتاب جمرك بور سعيد رقم 9196 في 7 من يونيه سنة 1949، إلى مفتش صحة القنال، وقد جاء في ذلك الكتاب أن مراقبة الأغذية وجدت الرسالة موافقة صحياً ورأت عرضها للبيع في أقرب فرصة". ثم قالت المحكمة بعد ذلك "إن الأدلة على أن معاينة 14 من مارس سنة 1949، التي بني عليها وحدها قرار رئيس لجنة التحقيق بمجلس الغنائم لم تعط صورة كاملة صحيحة عن الرسالة مستمدة مما يأتي أولاً: أعاد مكتب مراقبة الأغذية بجمرك بور سعيد فحص الرسالة في 11 من يونيه سنة 1949، أي بعد بيعها بأسبوعين، وأرسل إلى مدير جمرك بور سعيد يقول "أتشرف بالإفادة بأننا قد أعدنا فحص هذا الأرز ووجد أنه موافق صحياً، أما السوس الموجود به فنسبته ضئيلة ونرجح أنه متسرب إليه من المخزن المخزنة فيه الرسالة ولا علاقة له بحالتها، فنرجو التكرم بالإحاطة والتفضل باتخاذ اللازم نحو تدخين الأرز قبل الإفراج عنه كما نرجو سرعة التصرف فيه" والمستفاد من المعاينة الأولى التي تمت في 14 من مارس سنة 1949، هو أن السوس قد أصاب الأرز فعلاً وهذا هو بدء التلف، في حين أن المفهوم من المعاينة الثانية أن هناك سوساً قد تسرب إلى الرسالة من المخزن وإنما لم يصب الأرز ذاته كما هو ظاهر من عبارة "ولا علاقة له بحالتها" وهناك فرق كبير بين الحالتين، ففي الحالة الأولى لا مناص من التخلص من الأرز ببيعه قبل أن يزداد التلف ويغدو غير صالح للاستهلاك، ولعل الحرص على الصحة العامة يقتضي الاطمئنان إلى استمرار صلاحيته حتى تاريخ البيع، وهذا هو ما أجراه فعلاً رئيس لجنة التحقيق بمجلس الغنائم كما سلف القول، أما في الحالة الثانية فأوجه التصرف فيه متعددة ربما كان أيسرها هو نقل الرسالة من المخزن الموجودة به إلى مخزن آخر نظيف من السوس أو إبقاؤها في مكانها ونقل البضائع الأخرى المتسرب منها السوس إلى مخزن آخر وتنظيف محلها، وكلا الأمرين سهل ميسور بل لقد كان من الواجب من بادئ الأمر وضع الرسالة في مكان نظيف وليس بجوار أجولة غلال موبوءة بالسوس فتسرب منها إلى البضائع المجاورة، لا سيما وأن الرسالة كان يدفع عنها رسم تخزين تحملته الشركة المدعية إلى تاريخ البيع، وأما التصرف بالبيع فما كان ليتجه إليه التفكير والرسالة مضبوطة لذمة قضية ما زالت منظورة أمام مجلس الغنائم خصوصاً إذا ما روعي - كما قالت الشركة المدعية - أن ذلك المجلس ينظر الدعاوى المعروضة عليه على وجه الاستعجال؛ ومن ثم فإنه لو عرضت حالة الرسائل على رئيس لجنة التحقيق على حقيقتها كما جاءت في المعاينة الثانية التي تمت في 11 من يونيه سنة 1949 لتغير وجه التصرف فيها، وعلى أية حال لما وافق على البيع - ثانياً - في 18 من أكتوبر سنة 1949 طلبت عموم مصلحة الجمارك من جمرك بور سعيد تليفونياً موافاتها بتقرير عن حالة هذه الرسالة فأحيل الأمر إلى المثمن المختص فكتب في ذات اليوم يقول "عوينت الرسالة والأرز سليم لم يتطرق إليه التلف عدا بعض السوس الذي تسرب إليه من جوالات غلال مخزنة بجانبه" وهذه المعاينة وقد تمت بعد أكثر من سبعة أشهر من تاريخ المعاينة الأولى تؤيد نتيجة معاينة 11 من يونيه سنة 1949 من أن الأرز سليم لم يتطرق إليه التلف وأن بعض السوس الذي وجد به إنما تسرب إليه من جوالات غلال بجانبه، والمعاينتان تنقضان المعاينة الأولى التي تمت في 14 من مارس سنة 1949 والتي جاءت مقتضية اقتضاباً مخلاً جعلها غير مطابقة للواقع. ثالثاً - لما حكم مجلس الغنائم في أول سبتمبر سنة 1949 بالإفراج عن الرسالة كتب وكلاء الشركة المدعية بمصر إلى مكتب جوليودي كاسترو (للأعمال البحرية) ببور سعيد ليوافيهم بمعلومات عن الرسالة، فأرسل إليهم في 26 من سبتمبر سنة 1949 يؤيد أن البضاعة ما زالت مودعة بمخازن شركة الإيداع الشرقية وأنها ما زالت بحالة جيدة Nous Pouvons Vous Confirmer
que la marchandise touJours entreposée Chez L'oriental Bond Store, résulte étre encore en bon état.
رابعاً: لما ذهب المحضر في 31 من أكتوبر سنة 1949 ليوقع الحجز على الرسالة بناء على طلب المشتري عبده نجيم أثبت في المحضر ما يأتي: 998 جوالاً أرز أبيض ماركة S.R.A زنة كل جوال مائة كيلو والأرز والأجولة بحالة جيدة. خامساً: بيعت رسالة الأرز إلى عبده نجيم ومع ذلك بقيت في المخازن، وأخيراً في 27 من مارس سنة 1950 في أثناء نظر الدعوى المرفوعة من المشتري المذكور أمام محكمة بور سعيد الكلية أرسلت عموم مصلحة الجمارك كتاباً رقم 3583 إلى إدارة قضايا الحكومة بالمنصورة كان ضمن ما جاء به ما يأتي "كما نرجو الإحاطة بأن الأرز بطبيعته قابل للتلف فضلاً عن أن تخزينه يتطلب مصاريف كثيرة، فهل من الممكن استصدار قرار من المحكمة ببيعه خشية تلفه حتى يفصل في النزاع". هذا هو ما كتبته مصلحة الجمارك بعد أكثر من سنة من تاريخ المعاينة الأولى التي تمت في 14 من مارس سنة 1949 ولم يرد فيه أي ذكر لموضوع السوس، وكل ما ذكرته المصلحة هو أن الأرز بطبيعته قابل للتلف وتخزينه يتطلب مصاريف كثيرة. سادساً: جاء في المذكرة المقدمة في 23 من إبريل سنة 1950 بدفاع مصلحة الجمارك في دعوى عبده نجيم ضدها ما يلي: "ففي 14 من يوليه سنة 1949، أي عقب البيع بشهرين تقريباً أرسل سعادة الطالب للجمرك خطاباً يقول فيه بأن الأرز به سوس ولا يصلح للاستهلاك المحلي وذلك رغبة منه في أن يصدر مدير الجمارك أمراً بعدم إدخال الأرز داخل القطر لإصابته بالسوس فيغنيه هذا عن الحصول على إذن بالتصدير من وزارة المالية، فندب الجمرك الخبير الزراعي (المقصود المثمن المختص الذي عاين الأرز في 18 من أكتوبر سنة 1949) لفحص الأرز فوجده سليماً من السوس وطولب بسحب الرسالة من الجمرك فرفض الاستلام ولجأ إلى وزارة المالية.. إلخ" سابعاً: لو صح أن الأرز ذاته كان به سوس في 14 من مارس سنة 1949 تاريخ المعاينة الأولى لما تكالبت الشركة المدعية على استلامه بعد صدور حكم مجلس الغنائم بالإفراج عن الرسالة في أول سبتمبر سنة 1949، ولما قبلت في سبيل ذلك أن تدفع إلى عبده نجيم فوائد عن المبلغ الذي كان قد دفعه لجمرك بور سعيد ثمناً للصفقة بواقع 6% كتعويض عن تعطيل هذا المبلغ. ثامناً: لقد بذل عبده نجيم كل وسيلة ممكنة لاستلام الأرز لتصديره إلى الخارج ولجأ في ذلك تارة إلى جمرك بور سعيد وطوراً إلى عموم مصلحة الجمارك، ولما فشلت مساعيه معهما شكا أمره إلى وزير المالية وكان دائب الشكوى إلى الجهات الثلاث، ولما أعيته الحيل لجأ إلى القضاء وأخيراً استطاع استلام الأرز وقام بتصديره على الباخرة "الاماك" في 10 من نوفمبر سنة 1950 إلى الكويت أي بعد عشرين شهراً تقريباً من تاريخ المعاينة، ويكون من غير المفهوم كيف لم يأت السوس على الرسالة خلال هذه المدة، يضاف إلى ذلك أن عبده نجيم - كما هو ظاهر من مكاتباته - من كبار التجار والمصدرين في بور سعيد فكان إذن طوال هذه المدة قريباً من الرسالة وواقفاً على حالتها أولاً بأول، فليس مثله من يتكالب على رسالة يدب فيها السوس ويغشاها ويبذل في سبيل الحصول عليها ما بذل من مجهود ولم ترد منه بعد أن تسلم الرسالة أية شكوى خاصة بحالتها"، ثم ردت المحكمة على ما ورد بمذكرة الحكومة من أن الشركة المدعية اعترفت في كتاب منها إلى رئيس مجلس الغنائم بأن الرسالة معرضة بطبيعتها للتلف فقالت إنه لا اعتداد بما ذكرته الحكومة "إذ أن حقيقة الأمر في هذا الكتاب أن محامي الشركة بمصر أرسله إلى رئيس مجلس الغنائم في 28 من مايو سنة 1949 يقول فيه إن الأرز مخزون منه سبعة أشهر وهو بطبيعته قابل للتلف، ويترتب على تلفه خسارة للشركة صاحبة الرسالة وزيادة في التعويض الذي يستحق على الحكومة بسبب حجزه، ولذلك يلتمس تحديد أقرب جلسة للفصل في الدعوى، فالكتاب أرسل في مجال استعجال نظر الدعوى ولم يرد فيه على أية حال ما يبرر الإجراء الذي اتخذته الحكومة بتعجيلها في بيع الرسالة". وخلصت المحكمة مما تقدم إلى "أن القرار الإداري الصادر من رئيس لجنة التحقيق بمجلس الغنائم في 5 من إبريل سنة 1949، بالموافقة على بيع الرسالة قد بني على أساس واقعة ثبت عدم صحتها ومن ثم فيكون قد صدر مخالفاً للقانون" وأما "عن القرار الثاني الصادر في 26 من مايو سنة 1949 من لجنة المزاد بجمرك بور سعيد بإيقاع البيع على عبده نجيم، فإن هذا القرار أيضاً قد صدر مخالفاً للقانون لانطوائه على العيبين الآتيين: الأول: لقد أغفل جمرك بور سعيد إبلاغ الشركة صاحبة الرسالة بأمر البيع، ولا غناء فيما يقول به من أن اسم الشركة لم يكن معروفاً له وأن لا صلة له بمجلس الغنائم، فهذا القول مردود بأن هذه الرسالة كانت مودعة الجمرك لذمة قضية معينة منظورة أمام مجلس الغنائم، والجمرك يعلم ذلك بدليل أنه عندما أراد بيعها حصل على موافقة رئيس لجنة التحقيق بذلك المجلس، فما كان أيسر عليه عند الحصول على هذه الموافقة أن يستعلم عن اسم صاحب الرسالة أو وكيله، وقد لفت هذا الأمر نظر رئيس مجلس الغنائم فأرسل إلى مصلحة الجمارك الكتاب رقم 2/ 1 - جـ 826 في 30 من أكتوبر سنة 1949، يقول فيه إنه يجب إعلان ذوي الشأن الظاهرين وهم أصحاب البضائع أو وكلاؤهم وشركات الملاحة وغيرهم مما يرد اسمهم في الدعوى، ويكفي أن يكون الإعلان بخطاب موصى عليه وذلك منعاً للإشكالات التي تحصل في بعض الأحوال بسبب عدم علمهم بالبيع كما حصل في حالة بيع الأرز الخاص بشركة ديموراكس. الثاني: لم ينشر عن جلسة المزاد التي تم فيها البيع لعبده نجيم، واكتفت بإخطار عبده نجيم وحده دون غيره وجاء محضر المزاد خلواً من الإشارة إلى أن البيع برسم الاستهلاك المحلي أو للتصدير للخارج، والصواب في الأمر أن هذه الرسالة وقد كانت عند ضبطها في طريقها إلى الخارج أن يكون بيعها برسم التصدير مما كان يؤدي إلى زيادة سعرها عند البيع زيادة محسوسة، خصوصاً وأنه ظاهر من الأوراق أن الاستهلاك المحلي لم يكن في حاجة إليها، ويبدو أنه لم تكن هناك أية صعوبة من ناحية قانون أو لائحة تحول دون البيع على هذا النحو أي برسم التصدير إلى الخارج، بدليل أنه بمجرد أن قام الخلاف بين عبده نجيم وجمرك بور سعيد حول ما إذ كانت الرسالة مباعة للاستهلاك المحلي أو للتصدير إلى الخارج، أرسلت مصلحة الجمارك إلى جمرك بور سعيد الخطاب رقم 6138 المؤرخ في أول أغسطس سنة 1949 تقول فيه ما يلي "بشأن طلب عبده نجيم (باشا) السماح له بإصدار رسالة الأرز المنوه عنها التي رسا مزادها عليه بمبلغ 75 ج للطن الواحد، نفيدكم بأنه لما كان البيع بالمزاد قد تم على أساس أن تكون الرسالة للاستهلاك المحلي فإن الأمر يقتضي إعادة عرضها للبيع بالمزاد العلني برسم التصدير للخارج بعد الإعلان عن ذلك بالصحف وأن يكون البيع تحت الإذن.. إلخ". ومهما يكن من أمر فإنه ثابت بكتاب جمرك بور سعيد إلى عموم المصلحة رقم 1121 في 28 من يناير سنة 1950 أن القواعد الخاصة بالتصرف في بضائع الغنائم تقضي بعرضها للبيع برسم البلدة أولاً أي للاستهلاك المحلي، فإذا لم يتيسر ذلك تعرض للبيع برسم التصدير - هذا هو ما جاء بكتاب الجمرك وهذا ما يدعو للتساؤل لماذا لم تعرض هذه الرسالة في المرة الثالثة وهي التي تم فيها البيع لعبده نجيم في 26 من مايو سنة 1949 برسم التصدير للخارج ما دام قد تعذر بيعها برسم الاستهلاك المحلي في جلستين سابقتين لم يتقدم فيهما أحد للمزايدة" وإنه "بالإضافة إلى ما تقدم فإن الإجراءات التي اتخذتها مصلحة الجمارك في شأن هذه الرسالة تنطق كلها بسوء النية وإهدار مصلحة الشركة المدعية إهداراً تاماً؛ من ذلك أنه عندما قام الخلاف بين عبده نجيم وجمرك بور سعيد حول تصدير أو عدم تصدير هذه الرسالة قررت المصلحة بكتابها المؤرخ في أول أغسطس سنة 1949 والسابق الإشارة إليه، إعادة عرض الرسالة في المزاد على أساس التصدير للخارج لاختلاف السعر في الحالتين، وأقر وزير المالية هذا الإجراء كما هو مستفاد من كتابه إلى عبده نجيم في 17 من سبتمبر سنة 1949، ومع ذلك فإن هذا القرار لم ينفذ، ومن ذلك أيضاً أنه لم قضى مجلس الغنائم بالإفراج عن الرسالة في أول سبتمبر سنة 1949 وكانت قد بيعت لعبده نجيم في 26 من مايو سنة 1949 ولكنها لم تسلم إليه، عرضت الأوراق كلها على رئيس مجلس الغنائم فأشر عليها في 24 من أكتوبر سنة 1949 بتسليم الرسالة إلى الشركة المدعية، وكان تأشيره صريحاً واضحاً مسبباً وقد سبق إيراده كاملاً فيما تقدم، ومع ذلك فإن المصلحة لم تنفذ هذا التأشير وكتبت إلى رئيس مجلس الغنائم في ذات اليوم تطلب تثبيتاً كتابياً لتأشيره، وما دام أن التأشير كان كتابياً على الأوراق وليس شفوياً فيكون من غير المفهوم ما هو التثبيت الكتابي الذي كانت تطلبه المصلحة، ومع ذلك فقد أشر رئيس المجلس مرة أخرى في 29 من أكتوبر سنة 1949 على كتاب المصلحة بما يأتي "تسلم البضاعة لشركة ديموراكس"، وهذه الإشارة تحمل توقيع رئيس المجلس أحمد صفوت، ثم عرض رئيس المجلس الموضوع على المجلس ذاته في اليوم التالي وهو 30 من أكتوبر سنة 1949، فأصدر قراراً مؤيداً لتأشيرات رئيسه وأبلغ الرئيس مصلحة الجمارك في ذات اليوم ما قرره المجلس، ومع ذلك لم تقم المصلحة بتنفيذ قرار المجلس، ثم أوقع عبده نجيم في اليوم التالي وهو 31 من أكتوبر سنة 1949 حجزاً تحفظياً استحقاقياً على الرسالة وقد كان هذا الإجراء نتيجة مباشرة لتراخي المصلحة في تنفيذ تأشير رئيس مجلس الغنائم المؤرخ 24 من أكتوبر سنة 1949 وطلبها بلا مبرر تثبيتاً كتابياً لتأشير رئيس المجلس مع أن هذا التأشير ثابت بالكتابة فعلاً، الأمر الذي ينطق بأن المصلحة في الوقت الذي عرقلت فيه تسليم الرسالة لمن أمر رئيس مجلس الغنائم بتسليمها إليه، أفسحت الوقت لعبده نجيم ليتخذ من الإجراءات في غفلة من الشركة المدعية - ما يمكن المصلحة من تعطيل تنفيذ تأشير رئيس مجلس الغنائم، وفضلاً عن ذلك فإنه بعد توقيع الحجز أرسل مدير جمرك بور سعيد إلى عموم المصلحة الكتاب رقم 13023 في أول نوفمبر سنة 1949، بخطرها بهذا الحجز، فعرضت المصلحة الأمر على رئيس مجلس الغنائم فأشر على الكتاب ذاته في 5 من نوفمبر سنة 1949، بما يأتي "يترك للأخصام اتخاذ الإجراءات القانونية فيما بينهم" ومع ما في هذا التأشير من توجيه للمصلحة لإدخال الشركة المدعية في الدعوى المرفوعة ضدها من عبده نجيم، فإن المصلحة انفردت بالوقوف في الدعوى وانتهى الأمر بأن سلمت لعبده نجيم بطلباته مكتفية بطلب إلزامه بمصروفات الدعوى، بالرغم من أن شأنها أصبح لا يعدو أن يكون شأن مودع لديه، ولم تعد المصلحة علاقة بملكية الرسالة بعد أن قضى مجلس الغنائم في أول سبتمبر سنة 1949، بعدم صحة الضبط والإفراج عنها، وبعد أن أمر رئيس المجلس في 24 و29 من أكتوبر سنة 1949، بتسليمها إلى الشركة ثم أيد مجلس الغنائم ذلك بقرار أصدره في 30 من أكتوبر سنة 1949، وقد تم ذلك كله ولم يكن عبده نجيم قد أوقع حجزه أو رفع دعواه التي لم يختصم فيها صاحب الشأن الذي ينازع في الملكية مكتفياً باختصام المصلحة التي لا يمكن أن تكون طرفاً حقيقياً في أي نزاع يتعلق بملكية الرسالة، ما دام مركزها هو مركز المحجوز تحت يده ولم تكن المصلحة تدعي لنفسها حقاً في ملكية الرسالة المحجوز عليها حجزاً استحقاقياً، وما دام النزاع على ملكيتها قائماً في حقيقة الأمر بين الشركة وعبده نجيم الذي أغفل اختصام الشركة في الدعوى". وإنه "مما يلفت النظر أخيراً كيف أن حالة الرسالة استدعت التعجيل ببيعها في 26 من مايو سنة 1949 بسبب ما لاحظته المصلحة من أن السوس بدأ يدب في الأرز على حد قول الحكومة في ص 8 من مذكرتها، أو بسبب بدء تفشي السوس فيه، كما جاء في ص 13 من ذات المذكرة، ومع ذلك فقد سمحت حالتها ببقائها بالمخازن بعد أن تم بيعها إلى عبده نجيم ورفض استلامها، وقد كان رأي المصلحة أن البيع له قد فسخ بمجرد عدم قيامه بسحب البضاعة وطلبه إعادة تصديرها أي منذ بادئ الأمر، وهذا الرأي نجده في المذكرة التي أعدتها المصلحة بدفاعها في دعواه ضدها والتي بعثت بها إلى إدارة قضايا الحكومة بالكتاب رقم 19523 المؤرخ في 14 من أكتوبر سنة 1949 إذ تقول فيها "ومصلحة الجمارك ترى أن البيع الأول لسعادة عبده نجيم (باشا) فسخ بمجرد عدم قيامه بسحب البضاعة إلى داخل القطر وطلبه إعادة تصديرها للخارج مما يعتبر مناقضاً للشروط التي تم البيع على مقتضاها ومما يترتب عليه فسخ العقد.... إلخ" وفي وحين نرى جمرك بور سعيد يذكر في كتابه إلى عموم المصلحة رقم 10705 في 27 من أغسطس سنة 1949 ما يأتي "ونظراً لأن الرسالة لا زالت مخزنة بالدائرة الجمركية فضلاً عن أنها من الأصناف القابلة للتلف فإننا لا نرى ما يدعو لبقائها للآن في الدائرة الجمركية طالما قد تم بيعها نهائياً برسم الاستهلاك المحلي" وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أن "مصلحة الجمارك مسئولة عن تعويض الشركة المدعية عما أصابها من خسائر من جراء تصرفاتها في الرسالة موضوع الدعوى، ولا اعتداد بما تدفع به الحكومة من أن البند 15 من التعليمات الصادرة من الحاكم العسكري في 10 من يناير سنة 1949، بشأن إجراءات تفتيش السفن وضبط المهربات الحربية في المواني ينص على أنه بالنسبة للسلع القابلة للتلف أو التي تكون نفقات المحافظة عليها باهظة، يجوز بيعها فوراً وإيداع قيمتها على ذمة ما يستقر في شأنها، كما أنه لا صواب فيما تستند إليه الحكومة من أن المادة الرابعة من الأمر رقم 38 لسنة 1948، الصادر من الحاكم العسكري في 8 من يوليه سنة 1948 بإنشاء مجلس الغنائم تنص على أنه إذا قضى المجلس بصحة عملية ضبط الغنيمة أمر بمصادرتها لصالح الدولة، وإذا قضى ببطلان تلك العملية أمر بالإفراج عن الغنيمة أو بدفع ثمنها إذا كانت قد استهلكت أو حصل التصرف فيها لأي سبب كان، وإنه ما دامت الشركة المدعية قد قبضت الثمن الذي بيعت به الرسالة فلا حق لها في دعواها - لا صواب في هذا الذي تستند إليه الحكومة؛ لأن شرط تطبيق النصين المتقدمين أن تكون القرارات الإدارية الصادرة في شأن بيع الغنيمة والإجراءات التالية لها كلها سليمة غير مخالفة للقانون أو مشوبة بعيب إساءة استعمال السلطة". ثم قالت المحكمة بعد ذلك في صدد تقرير التعويض "إن الشركة قد قدمت فواتير بأن ثمن شراء الرسالة 95100 فرنكاً سويسرياً وقالت في إحدى مذكراتها إن هذا المبلغ يساوي 7900 جنيهاً مصرياً، وفي مذكرة أخرى إنه يساوي قرابة 8000 جنيه، كما أن الرسالة قدر ثمنها بمعرفة مندوب الجمرك عند ضبطها بمبلغ 3002.390 مجـ بما في ذلك جنيهان ثمن الألواح الخشبية التي كانت الرسالة موضوعة عليها، وكذلك قدرت بمعرفة مثمن الجمرك عند الشروع في بيعها بالمزاد بثمن أساسي قدره 2953.460 مجـ. ولا تعول المحكمة على تقديري مندوب الجمرك عند ضبط الرسالة وعند الشروع في بيعها؛ لأن كلا التقديرين كان على أساس سعر السلعة في السوق المحلي دون مراعاة لثمنها في الخارج، في حين أن وجودها بمصر كان ترانسيت وما كانت المحكمة لتتردد في الأخذ بالفواتير المقدمة من الشركة المدعية والتي لم تقدم الحكومة عليها أي مطعن، لولا أن المدعية ذكرت بلسان الحاضر عنها أمام مجلس الغنائم في جلسة 22 من أكتوبر سنة 1949 أن ثمن الرسالة 5600 جنيه، وهذا هو المبلغ الذي حسبت رسوم الدعوى أمام مجلس الغنائم على أساسه مما يتعين معه عدم الأخذ بما يزيد على هذا التقدير، ولا وجه في هذا المجال لأن يقال إن هذا الرقم قد شابه خطأ مادي من أخطاء اللسان من محامي الشركة أو من أخطاء القلم من كاتب الجلسة؛ إذ أن الحاضر عن الشركة كان في مجال تصحيح قيمة الصفقة وتعديل قيمتها التي قدرتها لها المصلحة، وقد ذكر القيمة بالفرنكات السويسرية وبما يعادلها من الجنيهات المصرية مما يرفع معه مظنة الخطأ، وأنه لما كانت الشركة "قد قبضت من مصلحة الجمارك مبلغ 920 م و2195 ج في 28 من يناير سنة 1951 وهو الباقي من الثمن الذي بيعت به الرسالة بعد خصم 68 ج باقي الرسم المستحق على دعوى مجلس الغنائم و32 ج مصاريف تفريغ الرسالة عند ضبطها و80.780 ج مصاريف شيالة وتخزين لغاية تاريخ البيع في 26 من مايو سنة 1949، وهذه النفقات البالغ مجموعها 180.780 مجـ يجب أن تتحملها الشركة؛ لأنها استحقت بسب عملية الضبط وكانت الشركة ستتحملها على أية حال حتى ولو تقم مصلحة الجمارك ببيع الرسالة واحتفظت بها إلى أن تسلمتها الشركة بعد صدور حكم الإفراج عنها، ولهذا السبب ذاته يجب أن تتحمل الشركة أيضاً مبلغاً يوازي المبلغ الذي كانت ستدفعه مقابل تخزين الرسالة من 26 من مايو سنة 1949 تاريخ بيعها إلى 16 من نوفمبر سنة 1949 تاريخ تصديق الحاكم العسكري على حكم مجلس الغنائم بالإفراج عن الرسالة ومقدار هذا المبلغ - محسوباً على أساس أجرة التخزين في المدة السابقة 59.880 مجـ فيكون مجموع المبلغين 240.660 مجـ، وبإضافة هذا المبلغ الأخير إلى المبلغ الذي قبضته الشركة في 28 من يناير سنة 1951 يكون المجموع 2436.580 مجـ، ولما كان ثمن شراء الرسالة هو كما تقدم 5600 ج فيكون الباقي 3163.420 مجـ يضاف إليه 560 ج قيمة الأرباح التي فاتت على الشركة على أساس 10% من ثمن شراء فيكون المجموع 3723.420 مجـ وهو ما تحكم به المحكمة على سبيل التعويض للشركة المدعية ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وفيما يتعلق بالدعوى الفرعية ودعوى الضمان قالت المحكمة "إن مصلحة الجمارك أقامت دعوى فرعية ضد الشركة المدعية تطالبها فيها بمبلغ 412 م 1447 ج قيمة رسوم جمركية مستحقة على الرسالة، كما رفعت الشركة دعوى ضمان ضد وزير المالية ومدير عام مصلحة الجمارك طلبت فيها الحكم بإلزامهما بأن يدفعا لها ما عسى أن يحكم عليها به من هذه الرسوم، ولما كانت هذه المحكمة غير مختصة بنظر هاتين الدعويين فيتعين الحكم فيهما بعدم الاختصاص".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن مؤدى نص المادة الرابعة من الأمر العسكري رقم 38 لسنة 1948 الخاص بإنشاء مجلس الغنائم، اختصاص المجلس المذكور - في حالة بطلان عملية الضبط - بالأمر بدفع ثمن الغنيمة إذا كانت قد استهلكت أو حصل التصرف فيها لأي سبب كان، واختصاصه أيضاً بالحكم بالتعويض عن أي ضرر يكون قد لحق السفينة أو السلع أو صاحب السفينة من جراء عملية الضبط؛ ومن ثم فإن المجلس هو صاحب الاختصاص دون غيره في النظر في طلب التعويض المقدم من الشركة المدعية عن الأضرار التي تدعي أنها أصابتها نتيجة الأمر ببيع رسالة الأرز، ولا وجه لما ذهب إليه الحكم من أن الأمر بالبيع بعيد عن إجراءات الضبط؛ إذ أن الأمر ببيع السلعة المضبوطة خشية تعرضها للتلف لو بقيت حتى يبت في صحة أو عدم صحة عملية الضبط، هذا الأمر إجراء من الإجراءات التحفظية التي تستند مباشرة إلى عملية الضبط للمحافظة على حقوق أصحاب الشأن في السلعة المضبوطة حتى يتم البت في مصيرها، ومن ناحية أخرى فإن الأمر الصادر بالبيع قد صدر من لجنة التحقيق بمجلس الغنائم بوصفها سلطة تحقيق أي هيئة قضائية وليس بوصفها سلطة إدارية؛ ذلك أن الأصل العام الذي ردده الباب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية أن التصرف في المضبوطات التي تتلف بمرور الزمن قبل صدور الحكم أمر من اختصاص سلطة التحقيق؛ ومن ثم فإن الأمر الإداري يعتبر أمراً قضائياً لا يخضع لرقابة القضاء الإداري، وإذا كانت ثمة مخالفات في تنفيذ هذا الأمر فإن هذه المخالفات تعتبر من الأعمال المادية لا يختص القضاء الإداري بالتعويض عنها. ومما تقدم يبين أن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى في محله، وكان يتعين على المحكمة القضاء بقبوله وبعدم اختصاص هذا القضاء. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدفع بعدم الاختصاص، سواء على أساس أن مجلس الغنائم هو المختص بنظر هذه المنازعة، أو على أساس أن الأمر الصادر بالبيع أمر قضائي لا يخضع لرقابة القضاء الإداري، وذلك للأسباب التي أقام عليها قضاءه، والتي تأخذها هذه المحكمة أسباباً لها، وفي هذه الأسباب كل الغناء عن الرد على ما جاء بالطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.