مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 1022

(110)
جلسة 29 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 730 لسنة 3 القضائية

( أ ) عمد ومشايخ - القانون رقم 141 لسنة 1947 - نصه على أن الأعضاء المنتخبين بلجنة الشياخات يختارون بالدور - إغفال هذا الإجراء لا يرتب بطلاناً.
(ب) عمد ومشايخ - لجنة الشياخات - حقها في تقدير جدية العذر الذي يبديه المقدم للمحاكمة لطلب تأجيل نظر دعواه ولو كان هذا العذر هو ادعاء المرض.
1 - إن القانون رقم 141 لسنة 1947، الخاص بالعمد والمشايخ، قد نص في المادة 12 منه على أن الأعضاء المنتخبين بلجنة الشياخات يختارون بالدور. إلا أن إغفال هذا الإجراء لا يترتب عليه البطلان؛ لأن القانون لم ينص على بطلان التشكيل إن لم يكن الحضور بالدور، كما أن هذا ليس في ذاته إجراء جوهرياً أو ضمانة أساسية، بل لا يعدو الأمر فيه أن يكون من قبيل توزيع العمل بين هؤلاء الأعضاء.
2 - إن لجنة الشياخات عند انعقادها لمحاكمة العمدة أو الشيخ تملك تقدير ما إذا كان العذر الذي يبديه للتأجيل هو عذر جدي أم لا، ولو كان ادعاء المرض.


إجراءات الطعن

في يوم 8 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بجلسة 17 من مارس سنة 1957 في القضية رقم 115 لسنة 3 القضائية المرفوعة من السيد/ عبد الله أحمد محمد عبد الله فواز، ضد وزارة الداخلية، القاضي بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات، وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب التي استند إليها في طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى المحكمة المختصة للفصل فيها من جديد، وقد أعلن الطعن للحكومة في 17 من مايو سنة 1957، وإلى المدعي في 21 منه، وعين لنظره جلسة 4 من يناير سنة 1958 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة 22 من فبراير سنة 1958، مع الترخيص في تقديم مذكرات. ولما كان هذا اليوم يوم عطلة رسمية فقد تأجل النطق بالحكم إدارياً لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إن المدعي أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية في 15 من ديسمبر سنة 1955، طلب فيها الحكم بإلغاء قرار لجنة شياخات مديرية سوهاج الصادر في 5 من أكتوبر سنة 1955، المصدق عليه من وزارة الداخلية في 30 من أكتوبر سنة 1955، القاضي بفصله من عمودية أولاد حمزة بمركز المنشاة مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لذلك إنه عين عمدة للناحية المذكورة في 16 من يناير سنة 1952 وعرف عنه الإخلاص في أداء واجبه والتفاني فيه، فضلاً عن النزاهة والأمانة. ثم حدث أن نشأ خلاف بين السيد مدير سوهاج والسيد مالك فواز - ابن عم المدعي - فصمم المدير على فصله من العمودية، ولكن لما كان مسلكه في أداء واجب وظيفته لا يؤدي إلى عزله، فقد دبرت له الإدارة اتهامات لا تستند إلى أي أساس من الواقع أو القانون وقدمته للمحاكمة أمام لجنة شياخات مديرية سوهاج التي قضت بجلسة 5 من أكتوبر سنة 1955 بفصله دون أن تسمع دفاعه، إذ أنه اعتذر عن عدم الحضور للجلسة بسبب مرضه، فنظلم للسيد وزير الداخلية وطلب منه عدم التصديق على هذا القرار، ولكنه أخطر في يوم 5 من نوفمبر بتصديق الوزارة عليه - مع أن هذا القرار معيب لمخالفته للقانون من ناحية الشكل؛ لأنه رغم أن المحاكمة قد تمت في غيبته وفي هذا إهدار لحقه في الدفاع ومنع السيد المدير محاميه من الحضور أمام اللجنة لإبداء دفاعه، فإن اللجنة كانت مشكلة بطريقة مخالفة لأحكام المادة 12 من القانون رقم 141 لسنة 1947 لأن أحد الأعضاء الأعيان وهو السيد أحمد علي حمدان قد حضر جلسة 28 من يوليه سنة 1955 التي كانت معينة لمحاكمته وتأجلت لجلسة 5 من أكتوبر سنة 1955، فكان يتعين عدم حضوره في هذه الجلسة، بل كان يتعين اختيار سواه لأن المادة المذكورة تنص على أن يكون الاختيار بالدور، ثم قال إن التهم المسندة إليه لا أساس لها وأنها بنيت على رغبة الإدارة في فصله من وظيفته. وبجلسة 17 من مارس سنة 1957 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات. وأسست قضاءها على أن للجنة الشياخات الحق في محاكمة العمد والمشايخ طبقاً لنص المادة 24 من القانون رقم 141 لسنة 1947 ولها في سبيل ذلك أن تحكم بالإنذار أو بالغرامة التي لا تجاوز أربعين جنيهاً أو بالفصل، ويجب إبلاغ قراراتها إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليها طبقاً لنص المادة 27 من القانون المشار إليه وللوزير الحق في تخفيض العقوبة؛ ومن ثم فإن قرار اللجنة بفصل العمدة أو الشيخ لا يكون قراراً نهائياً إلا بالتصديق عليه من وزير الداخلية، فقرار وزير الداخلية هو في الحقيقة القرار الإداري النهائي في حالة فصل العمدة أو الشيخ. أما قرار لجنة الشياخات فليس قراراً نهائياً، وبالتالي فإن الطعن أمام القضاء الإداري لا يكون إلا في قرار وزير الداخلية بالتصديق على قرار الفصل الصادر من لجنة الشياخات، ولا يجوز الطعن أمام القضاء الإداري على قرار لجنة الشياخات على حدة لأنه ليس قراراً نهائياً. ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي لم يتظلم من قرار وزير الداخلية بالتصديق على قرار لجنة الشياخات، وإنما رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة، فتكون الدعوى غير مقبولة شكلاً لتخلف شرط من شروط قبولها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من البند الثاني من المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة أن القرار الصادر من مجلس تأديبي يكون صالحاً للطعن فيه مباشرة دون حاجة إلى التظلم منه. وقد كشفت المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه عن الغرض من التظلم، وهو تقليل الوارد من القضايا وتيسير تحقيق العدالة الإدارية بطريق أيسر للناس بإنهاء تلك المنازعات في مراحلها الأولى أن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى المجالس التأديبية حيث تنتهي ولايتها بإصدار قراراتها. كما وأن المستفاد من نصوص القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد أن سلطة وزير الداخلية لا تعدو تخفيض العقوبة التي تقضي بها لجنة الشياخات في بعض الحالات، وهذا وحده لا يكفي لأن يمحو من قرار لجنة الشياخات صفته الأساسية من أنه قرار تأديبي صادر في محاكمة تأديبية توافرت لها كل خصائص المحاكمات التأديبية. وإذ كان ذلك فلا تثريب على المدعي إذا رفع الأمر إلى القضاء الإداري مباشرة؛ إذ أن هذا الأمر - أي الإلغاء - ممتنع على الوزير، فلا جدوى من التظلم إليه وانتظار قراره فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرارات الصادرة من المجالس التأديبية لا تملك أية سلطة إدارية التعقيب عليها بالإلغاء أو التعديل؛ ومن ثم استبعدها الشارع من طائفة القرارات التأديبية التي أوجب التظلم السابق فيها إلى الإدارة قبل رفع الدعوى بطلب إلغائها أمام القضاء، وذلك على خلاف القرارات الصادرة من السلطات التأديبية الأخرى والتي قد يجدي التظلم منها إلى هذه السلطات، كما قضت بأن لجنة الشياخات قد أولاها الشارع - فيما يتعلق بالعمد والمشايخ - اختصاصات عديدة من بينها اختصاص تأديبي عندما تنعقد بهيئة تأديبية وتقوم بتوقيع إحدى العقوبات التي خولها إياها القانون ومنها عقوبة الفصل من العمودية أو الشياخة. وهذه اللجنة، طبقاً للمادة 12 من قانون العمد والمشايخ، تشكل من أعضاء معينين بحكم وظائفهم وآخرين منتخبين وتصدر قراراتها بأغلبية الأعضاء، وهي تسمع أقوال العمدة أو الشيخ أمامها وتحقق دفاعه وتصدر حكمها بالبراءة أو الإدانة بناء على ذلك، ثم تبلغه إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليه وللوزارة تخفيض العقوبة إن رأت وجهاً لذلك. على أن الأحكام الصادرة من اللجنة بغرامة لا تجاوز خمس جنيهات تعتبر نهائية، فلا يملك وزير الداخلية تعديلها، كما أن اختصاص الوزير في التعقيب على قرارات اللجنة مقصور على تخفيض العقوبة دون تشديدها أو إلغائها، وعلى أية حال فإن اللجنة متى أصدرت قرارها استنفدت به سلطتها وامتنع عليها إعادة النظر فيه لتعديله بالتشديد أو التخفيف، ومتى كان الأمر كذلك، وكانت لجنة الشياخات تباشر اختصاصاً تأديبياً كمجلس تأديب عندما توقع عقوبة على العمدة أو الشيخ، وكان من الممتنع عليها إلغاء القرار الذي تصدره بالفصل، ومن الممتنع على وزير الداخلية كذلك إلغاء هذا القرار أو قرار التصديق عليه، فإن التظلم إليها أو إلى وزير الداخلية بطلب إلغاء هذا القرار يكون غير مجد، ومن ثم فلا وجه لسلوك طريق التظلم الإداري قبل رفع دعوى الإلغاء كشرط لقبولها.
ومن حيث إن المدعي يطلب إلغاء القرار الصادر من لجنة شياخات سوهاج في 5 من أكتوبر سنة 1955 المصدق عليه من وزارة الداخلية في 30 من أكتوبر سنة 1955 فيما قضى به من فصله من وظيفة عمدة ناحية أولاد حمزة مركز المنشاة وما يترتب على ذلك من آثار، فإن طلبه هذا - بوصفه موجهاً إلى القرار الإداري النهائي الصادر من وزير الداخلية بالتصديق على قرار لجنة الشياخات - يكون مقبولاً. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين إلغاؤه.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي إذ كان عمدة لناحية أولاد حمزة مركز المنشاة قدم للمحاكمة التأديبية أمام لجنة الشياخات بمديرية سوهاج، لاتهامه (أولاً) في القضية التأديبية رقم 137 لسنة 1955 بأنه هو والشيخ عبد الله إسماعيل فراج شيخ الناحية لم يبذلا مجهوداً لضبط المتهمين والسلاح المستعمل في الحادث رقم 2862 جنايات المركز لسنة 1954 الخاصة بقتل إسماعيل فراج رغم وقوعه ببلدهما (ثانياً) في القضية التأديبية رقم 68 لسنة 1955(1) بتردده على المجموعة الصحية بناحية أولاد حمزة ليلاً بقصد الاتصال ببعض الممرضات وعلى وجه التحديد المدعوة "سعدية" وتكراره التردد رغم زجر خفير المجموعة له وتهديده إياه، بل زاد على ذلك دعوته للممرضات لتناول الغذاء والشاي بمنزله (2) بامتناعه عن إبداء أقواله أمام السيدين ضابط وضابط شرف المركز عند طلبه لسؤاله عما هو منسوب إليه في الاتهام السابق مبيناً أنه لا يدلي بأقواله إلا أمام النيابة، دون إبداء سبب معقول لذلك الامتناع (3) تحريضه كلاً من محمد محمود هلال وحسن مصبح بارتكاب حادث سرقة من المجموعة الصحية في القضية رقم 465 جنح سنة 1955 بقصد الكيد إلى سعد الله سرور سعد الله خفير المجموعة ليتوصل بذلك إلى العمل على فصله من عمله انتقاماً منه لأنه مقدم الشكوى التي ثبت منها ما نسب إلى المدعي في الاتهام الأول (4) عدم تواجده بالبلدة يوم 23 من فبراير سنة 1955 أثناء وجود السيد وكيل النيابة لعمل المعاينة اللازمة في القضية رقم 465 جنح المنشاة سنة 1955 الخاصة بالشروع في سرقة المجموعة الصحية رغم سابقة علمه بالموعد المحدد للمعاينة (5) تستره على المتهم حسن مصبح المتهم في القضية رقم 465 جنح المنشاة لسنة 1955 بأن مهد له طريق الهرب عندما أوى، عقب إصابته في ساقه من العيار الناري الذي أطلقه عليه خفير المجموعة لدى شروعه في السرقة، إلى حديقة العمدة، بأن أمده العمدة بمبلغ من المال وبعض الأدوية وطلب منه الهرب إلى الجبل والمزارع، ولم يبلغ عنه البوليس أو يسلمه إليه كما يقضي عليه واجبه بذلك. (ثالثاً) في القضية التأديبية رقم 74 لسنة 1955 بتأخيره تنفيذ 82 مكاتبة أرسلت إليه من نقطة بوليس العسيرات. (رابعاً) في القضية التأديبية رقم 134 لسنة 1955 بتأخيره تنفيذ 58 مكاتبة أرسلت إليه من نقطة بوليس العسيرات. (خامساً) في القضية التأديبية رقم 138 لسنة 1955:
1 - إخلاله بواجبات وظيفته وخصائصها إذ وقع على كشف بأسماء أشخاص من بلده محكوم عليهم بأنهم ليسوا من بلده وغير معروفين، تضليلاً للحقيقة وتستراً منه عليهم، وذلك عندما طلبوا بمعرفة مباحث المركز مما يشعر بأن العمدة قد رغب في عرقلة تنفيذ هذه الأحكام وعدم اقتصاص العدالة ممن خالف القانون.
2 - سلك سلوكاً معيباً ارتكاناً على سلطة الوظيفة حيث استعمل القسوة مع عز الدين هاشم بضربه بعصا على أجزاء من جسمه محدثاً به الإصابات المبينة في الكشف الطبي مما أدى إلى تحرير محضر الجنحة رقم 3260 المنشاة لسنة 1954 ضد العمدة.
3 - باجترائه على مخالفة التعليمات والنظام حيث كلف قوة خفراء بلده بعمل تمام الصباح والمساء بمنزله رغم عدم وجود السلاحليك به ونقله إلى نقطة البوليس حيث يجرى بها التمام، مما تسبب عنه تأخير ذهاب الخفراء إلى دركهم مدة نصف ساعة أمضوها بمنزل العمدة، وقد ساعد ذلك على عدم ضبط الجناة والسلاح المستعمل في حادث الجناية رقم 2862 سنة 1954 المنشاة الخاصة بقتل إسماعيل فراج.
4 - تقديمه بلاغاً لنقطة بوليس العسيرات عن حادث غرق الغلام سرحان أبو القمصان يتضمن وجود شبهة في وفاته رغم سبق ما أسفر عنه التحقيق وتحريات المباحث والكشف الطبي وما قرره والد الغريق من وفاته غرقاً بالقضاء والقدر، الأمر الذي يشعر بمحاولة العمدة التلاعب واستغلاله لنفوذ وظيفته لغرض في نفسه. 5 - تحريضه شيخ خفراء بلده وأحد الخفراء على عدم إطاعة أمر رئيسهما ضابط نقطة بوليس العسيرات، فلم ينتظرا بالنقطة، بل غادراها دون استئذان إلى منزل العمدة، ورفضا تنفيذ أمر الضابط لهما بالعودة بإيعاز منه، وذلك بصدد تحقيق الحادث رقم 1167 جنح المنشاة سنة 1955. 6 - أهمل في واجبات الوظيفة بتأخيره الترشيح لملء وظائف الخفراء الشاغرة ببلدة وعدم تحريه الدقة، الأمر الذي أدى إلى ترك بعض الوظائف شاغرة مدداً طويلة. (سادساً) في القضية التأديبية رقم 153 لسنة 1955، بتأخيره تنفيذ 56 مكاتبة أرسلت له من نقطة بوليس العسيرات. (سابعاً) في القضية رقم 185 لسنة 1955، بإهماله في واجبات وظيفته وذلك بعدم ترشيح شخص لشغل وظيفة شاغرة من أول أغسطس سنة 1954. وقد اجتمعت لجنة الشياخات في يوم 28 من يوليه سنة 1955، لمحاكمة المدعي وأعلن للحضور أمامها، ولما تبين لها أنه مريض واعتذر عن عدم حضور الجلسة قررت تأجيلها ليتمكن من الحضور والدفاع عن نفسه، ثم عينت جلسة 5 من أكتوبر سنة 1955، لنظر الدعوى التأديبية، وسلم الإعلان لشيخ البلد في 24 من سبتمبر سنة 1955، نظراً لتغيب المدعي في القاهرة، فأرسل منها في 4 من أكتوبر برقية نصها كالآتي "نظراً لمرضي الشديد الذي ألزمني الفراش ولم يمكني الحضور أمام اللجنة للدفاع عن نفسي قد أرسلت لسيادتكم الشهادة الطبية بالمستعجل المسجل. احتفظ لنفسي بحقوقي كاملة في أي تصرف قبلي من اللجنة". وكان قبل ذلك قد أبلغ المركز في 20 من سبتمبر سنة 1955، أنه شفي من مرضه ويمكنه مباشرة أعمال وظيفته، ثم سافر بعد ذلك إلى القاهرة وأرسل منها البرقية المشار إليها وخطاباً موصى عليه بداخله شهادة من الدكتور محمد جعفر مؤرخة 3 من أكتوبر سنة 1955 تفيد أن المدعي لا يزال يعاني من التهاب في مفصل الكتف الأيمن، وأنه أشار عليه بالراحة مدة شهر لتكملة العلاج. وقد استعرضت لجنة الشياخات هذا الطلب، ورأت أن المدعي قد أعلن قانوناً في 24 من سبتمبر سنة 1955 بالحضور أمام اللجنة بديوان المديرية لمحاكمته تأديبياً على التهم المبينة بقرار الاتهام، ولكنه لم يحضر وأرسل من القاهرة في 4 من أكتوبر البرقية والخطاب المشار إليهما، الأمر الذي يدل على تركه مقر عمله وقيامه للقاهرة بدون إذن مدعياً المرض بقصد تأخير الفصل في هذه القضايا، وقررت الاستمرار في نظر الموضوع، لأن الأعذار التي أبدها غير مقبولة، ثم اطلعت على دفاعه المبين بالتحقيقات وبالمذكرة المقدمة منه والمقيدة تحت رقم 5110 سجل المديرية والتي وردت صورة منها من نيابة سوهاج الكلية برقم 162، وبالمذكرة التي قدمها الأستاذ محمد أبو رحاب المحامي، ورأت أن جميع التهم ثابتة قبله ثبوتاً قانونياً من التحقيقات ما عدا التهمة الأولى الخاصة بعدم بذله هو والشيخ عبد الله إسماعيل فراج مجهوداً لضبط المتهمين والسلاح المستعمل في الحادث رقم 2862 المنشاة لسنة 1954 الخاص بقتل إسماعيل فراج، وأنه قد أفقد الوظيفة كرامتها وأخل بواجباتها بما ثبت لها من اتصاله المريب، وتحريض المجرمين على السرقة والتستر عليهم، وعدم إطاعته للأوامر الإدارية الصادرة من رؤسائه مما يدل على انعدام الرغبة لديه في التعاون، وأن كل هذا يدل على فقده مقومات الوظيفة وخصائصها مما يقطع بعدم صلاحيته لوظيفة العمدية، وقضت غيابياً وبالإجماع بفصله، وينعى المدعي على هذا القرار وقوعه مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة ومخالفة القانون. وقال شرحاً لذلك إن قرار اللجنة باطل لمخالفته للقانون من ناحية الشكل، لأن أعضاء اللجنة من الأعيان لم يختاروا بالدور كما توجب ذلك المادة 12 من القانون رقم 141 لسنة 1947؛ بمعنى أن العضو الذي يحضر الجلسة لا يحضر الجلسة التالية، فإن السيد المدير رأى أن يكون التشكيل متفقاً ورغبته في فصله ولو جاء التشكيل مخالفاً للقانون، فوجه الدعوى إلى السيد/ أحمد علي حمدان مع أنه سبق له الحضور في اجتماع اللجنة بجلسة 28 من يوليه سنة 1955؛ فما كان يجوز دعوته لحضور جلسة 5 من أكتوبر سنة 1955، بل كان يجب اختيار العضو الذي يكون عليه الدور؛ ومن ثم يكون تشكيل اللجنة باطلاً لمخالفته للقانون، وهذا فضلاً عن أن المحاكمة تمت في غيبيته بالرغم من طلبه تأجيلها بسبب مرضه وغيابه عن بلدته، ولكن اللجنة آثرت أن تتم المحاكمة في غيبته حتى تتاح لها فرصة فصله دون الاستماع إلى دفاعه، وفي هذا إهدار لحق من الحقوق المقدسة وهو حق الدفاع، بل لقد غالى المدير فمنع الأستاذ محمد أبو رحاب من الحضور أمام اللجنة للمرافعة وقد سجل المحامي احتجاجه على ذلك تلغرافياً، وكان جديراً باللجنة أن تتحقق من مرضه، فإن ثبت لها ذلك كان يتعين عليها إرجاء المحاكمة أو تسمح لمحاميه بالمرافعة، حتى يتسنى له الرد على التهم المسندة إليه، ثم رد المدعي على وقائع الاتهام التي حوكم وفصل من أجلها، فقال عن الاتهام الأول أنه مختلق من أساسه؛ إذ لا يعقل أن عمدة ينتمي إلى أكرم الأسر في الصعيد ومتزوج وناهز الخمسين سنة يتهم بالتردد على المجموعة الصحية لمحاولة الاتصال ببعض الممرضات في نفس القرية التي يباشر فيها عمله وتقيم فيها أسرته ولم يستطيع محرر ورقة الاتهام أن يذكر أسماء الممرضات التي حاول الاتصال بهن، كما أنه ليس من المعقول أن يدعوهن لمنزله لتناول طعام الغذاء والشاي وهو منزل كبير تقيم به نساء الأسرة. أما امتناعه عن إبداء أقواله أمام ضباط المركز فهذا أمر حقيقي لأنه يعلم أن الاتهام قام بتدبير الضابط وطبيب المجموعة، وقد أدلى بعد ذلك بأقواله أمام النيابة التي رأت حفظ الشكوى بعد ما تبين لها عدم صحتها، وأن سبب تقدم الخفير بالبلاغ بعد أكثر من شهر على وقوع الحادث المزعوم هو تكليف العمدة للخفير بوجوب الحضور لمقر العمودية ومعارضة طبيب المستشفى في ذلك، وقيدت الأوراق شكوى تحت رقم 3136 لسنة 1954 إداري المنشاة، ووافقت رياسة النيابة على هذا الحفظ أما عما نسب إليه من تحريضه بعض الأشخاص على سرقة المجموعة الصحية، فإنه من غير المعقول أن العمدة، وهو رجل الأمن، يحرض على ارتكاب الجرائم في قرية هو المسئول الأول عن كفالة أمنها، وحقيقة الحال أن الجريمة وقعت بغير علمه أو تدبيره، ولو كان صحيحاً ما ورد في صحيفة الاتهام من أن المتهمين بارتكاب الحادث اعترافاً بأنه هو الذي حرضهما على ارتكابه، لما ترددت النيابة في تقديمه للمحاكمة، ولو وجدت النيابة مبرراً لمؤاخذته لما ترددت في المطالبة بمحاكمته جنائياً أو إدارياً، أما وهي لم تفعل فلا يمكن أن يحاسب عن جريمة تحريض مزعومة لشخصين من الأشرار سبق أن أبلغ ضدهما لإخلالهما بالأمن، وشهد بأن أحدهما مشبوه، فمن غير المعقول أن يتفق معهما على ارتكاب أية جريمة، أو يأوي أي واحد منهما، أو يقدم له أدوية كما جاء في قائمة الاتهام. وقد قيدتها النيابة بالفعل ضد حسن مصباح. أما عن عدم حضوره المعاينة أثناء وجود وكيل النيابة في البلدة يوم 23 من فبراير سنة 1955، فإنه كان قد توجه إلى نجع حمادي لمقابلة وزيري الأوقاف والأشغال في يوم 22 من فبراير، واستأذن في ذلك من السيدين الضابطين وحضر المعاينة أحد مشايخ البلد ثم ذهب في يوم 23 من فبراير سنة 1955 إلى سوهاج لمقابلة السيدين الوزيرين، وقد قبل وكيل النيابة هذا العذر ولم ير مؤاخذته على مسلكه. ثم رد على الاتهام الثاني الخاص بتأخير 82 مكاتبة، فقال أن جميع هذه المكاتبات قد سددت ونفذت وأن تأخيرها لم يتجاوز بضعة أيام بسبب تغيب بعض المطلوبين في زراعاتهم وفي جهات خارج البلدة، فضلاً عن أنه كان في إجازة رسمية لمدة خمسة عشر يوماً، أما عن تأخيره تنفيذ 58 مكاتبة أرسلت إليه من نقطة العسيرات فإن تنفيذها موكول إلى الصراف وشيخ البلدة، ولم يكن الأول بالبلدة وقت إرسال هذه الأوراق إذ كان في إجازة لمدة أسبوع فضلاً عن انهماكه بتوقيع الحجوزات الإدارية وغيرها من الأعمال التي يقوم بها في المديرية، وكان الثاني مريضاً وأحيلت أعماله إلى أحد مشايخ البلد الآخرين، فلا يمكن أن يحاسب عن إهمال الصراف أو الشيخ، فهو لم يقصر بل طلب من المديرية بإشارة تليفونية إرسال الصراف ليقوم بتنفيذ تلك المكاتبات، كما أبلغ النقطة عن تقصير الصراف والشيخ. وقد ذكر محرر ورقة الاتهام أن "هذه الأوراق تأخر تنفيذها، بضعة أيام وتم تنفيذها جميعاً" وكان المنطق يقضي بأن لا يسأل بعد ذلك عن إهمال لا يد له فيه ولكن الرغبة الملحة في الكيد له هي التي دعت إلى تدبير هذا الاتهام ومحاسبته على إهمال غيره رغم سبق شكواه من تغيب الصراف والشيخ المختص ومع ما ثبت من أن جميع الأوراق قد نفذت. ورد على الاتهام موضوع القضية التأديبية رقم 638 لسنة 1955 فقال فيما يختص بما نسب إليه من عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية، أن من المعلوم أن الكثيرين من أبناء الصعيد يهاجرون من بلادهم إلى مدن الوجه البحري والعواصم، فهؤلاء الأشخاص وإن كانوا من مواليد البلدة إلا أنهم لا يقيمون بها، ومع كل فإن الكشف الذي أشير إليه في ورقة الاتهام يحمل توقيع شيخ الخفراء ووكلاء شيخ الخفر، كما وأن نفس شيخ الخفر وأعوانه قاموا بالبحث عنهم، ولما لم يجدوهم حرروا كشفاً بهذه الأسماء ووقعوا عليه بعد أن أثبتوا به أنهم تحروا عن المطلوبين بكل دقة وقد وقع عليه بعد ذلك، وليس من المستساغ أن يتستر على أشخاص مطلوب القبض عليهم، إذ أن العمدة يرغب دائماً في تطهير قريته من الأشرار أو المحكوم عليهم، وقد عجز رجال المباحث والتنفيذ في المركز عن القبض على الأشخاص ما عدا شخصاً واحداً قرر عند القبض عليه أن شيخ الخفراء لا يعرفه شخصياً. أما فيما نسب إليه من استعمال القسوة مع المدعو عز الدين هاشم بأن ضربه بعصا على أجزاء جسمه، فليس أبلغ من الرد على ذلك من أن النيابة قررت عدم وجود وجه لإقامة الدعوى ضده نظراً لأن عز الدين قد نفى اعتداء العمدة عليه. أما عن تكليفه الخفراء بعمل تمام الصباح والمساء بمنزله رغم عدم وجود السلاحليك به، فيقول إنه حقيقة طلب منهم المرور بمنزله بعد استلامهم السلاح من النقطة لكي يكلفهم بالطلبات الخاصة بأحوال الناحية، وهي كثيرة نظراً لأن البلدة مكونة من عدم نجوع، وأضاف أنه وقعت وقوع الحادث كان الخفراء بنقطة البوليس ولم يحضر إليه بالمنزل سوى شيخ الخفر ووكلاؤه، وإذا كان الخفير محمد عبد الرحيم عبد الله الذي وقع الحادث في دركه قد أراد درأ المسئولية عن نفسه، فزعم أنه لم يتمكن من ضبط الفاعل بسبب تأخره في تمام المساء بدوار العمدة ويسايره في ذلك شيخ الخفر، فخير رد على ذلك هو ما جاء بتفصيلات هذه التهمة من أن الخفير انصراف قبل زملائه، وقد جوزي شيخ الخفر إدارياً، فكيف ينسب إليه أي تقصير أو إهمال في هذا الشأن. أما فيما يختص بحادث وفاة الغلام سرحان أبو القمصان غرقاً، فإنه سبق أن تقدم ببلاغ لنقطة بوليس العسيرات يتضمن وجود شبهة في وفاته فكيف يطلب منه السكوت عما ترامى إلى سمعه ويكتمه، وهو عمدة البلدة الذي يدعوه واجبه إلى إبلاغ جهة الإدارة وقد قام بذلك فعلاً لوجود خصومات بين عائلة العبيد التي ينتسب إليها الغريق وعائلة الهوارة، ثم تأكد بعد التحري الدقيق أن لا صحة لهذه الإشاعات. فهل يشكر على تصرفه ودقته أو يلام على ذلك ويوجه إليه الاتهام بأنه يحاول التلاعب واستغلال النفوذ الغرض في نفسه. أما عن تحريضه لشيخ الخفراء وأحد الخفراء على عدم إطاعة أمر ضابط النقطة، وكان ذلك أثناء تحقيق الحادث رقم 1167 سنة 1955 المنشاة، فلم ينتظرا بالنقطة بل غادراها دون استئذان إلى منزل العمدة الذي أوعز إليهما برفض تنفيذ أمر الضابط لهما بالعودة إلى النقطة، فيقول إن هذا الحادث حصل يوم 15 من يونيه، وكان هو في إجازة بدأت من اليوم السابق، ولم يعلم بحصوله إلا وهو في طريقه من منزله إلى المركز ولا يد له في الأمر مطلقاً، ومن الرجوع إلى الأوراق يبين أن الضابط اعتدى على الخفير، وكان ذلك موضوع تحقيق مع الضابط أرسلت أوراقه للنقطة برقم 85 سري في 20 من يونيه سنة 1955، فالظاهر أن سبب رفض الخفير الرجوع إلى النقطة في يوم الحادث كان بسبب اعتداء الضابط عليه لأنه سبق أن كلف الخفير وشيخ الخفر بالحضور يوم 15 من يونيه للنقطة ومعهما المتهم فحضرا بمفردهما فطلب الضابط منهما الانتظار بالنقطة كي يحقق معهما بسبب عدم إحضارهما المتهم ولكنهما انصرفا وتوجها لمنزل العمدة فأرسل إليهما للحضور، فذهب شيخ الخفر بمفرده، ورفض الخفير الذهاب معه فبعث إليه شيخ الخفراء ليحضره فلم يعد شيخ الخفراء للنقطة، فأرسل لهما العسكري أحمد خليل وخفير آخر معه فرفضا الحضور وقيل أن العمدة ذكر أنه سيصحب الخفير إلى المركز، أما عن عدم قيامه بترشيح أشخاص لشغل وظائف الخفراء الشاغرة فيقول إن أمر التعيين موكول لجهة الإدارة، وأن دوره قاصر على مجرد الترشيح، ثم يعرض المرشح للكشف الطبي ويستوفي مسوغات تعيينه ويصدر القرار بعد ذلك من المديرية بهذا التعيين. وقد قام بترشيح أشخاص لهذه الوظائف، ولا مسئولية عليه إذا كانوا لم ينجحوا في الكشف الطبي، أو لم يستوفوا مسوغات تعيينهم. وانتهى إلى طلب الحكم (أولاً) بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه (ثانياً) الحكم بإلغاء قرار لجنة شياخات مديرية سوهاج الصادر في 5 من أكتوبر سنة 1955 والمصدق عليه من وزارة الداخلية في 30 من أكتوبر سنة 1955 فيما قضي به من فصله من عمودية أولاد حمزة مركز المنشاة مديرية جرجا مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن وزارة الداخلية ردت على الدعوى بأن المدعي نسب إليه التهم المبينة بقرار الاتهام السالف الذكر، وعين لنظر الدعوى التأديبية أمام لجنة شياخات مديرية سوهاج جلسة 28 من يوليه سنة 1955، فاعتذر بمرضه فقررت تأجيلها كي يتيسر له الدفاع عن نفسه، ولكنه اعتذر بمرضه، وأرسل بذلك إخطاراً في 17 من سبتمبر سنة 1955، ثم عاد في 20 من سبتمبر وأرسل إشارة رسمية بأنه شفي وسيباشر مهام وظيفته. فعينت اللجنة جلسة 5 من أكتوبر لمحاكمته، فأرسل برقية من القاهرة يوم 4 من أكتوبر تتضمن أنه مريض بالقاهرة ويحتفظ بكافة حقوقه، فرأت اللجنة إزاء هذا التحايل الاستمرار في محاكمته وقضت ببراءته من تهمة عدم بذله مجهوداً لضبط السلاح والمتهمين في قضية إسماعيل فراج وبإدانته في باقي التهم وفصله من وظيفته، وذلك بعد أن اطلعت على التحقيقات وعلى المذكرة الموقع عليها من المدعي ومؤرخة أول أكتوبر سنة 1955، وعلى المذكرة التي قدمها محاميه الأستاذ محمد أبو رحاب الذي لم تسمح له اللجنة بالحضور أمامها للدفاع عنه. وقالت الوزارة أن اللجنة كانت مشكلة تشكيلاً صحيحاً، وكان الأعضاء الأعيان الذين عليهم الدور في العضوية بحسب نص المادة 12 من القانون رقم 141 لسنة 1947 وهم أعضاء مراكز المراغة وأخميم وجرجا وكان العضو الرابع السيد/ أحمد علي عمر حمدان أولاد طوق شرق نظراً لأن من كان عليه الدور وهو أحمد علي عبد الرحمن كان متغيباً عن المركز، وأن حضور السيد/ أحمد علي عمر حمدان في جلسة 5 من أكتوبر سنة 1955 كان بالنيابة عن العضو المتغيب، وكان قد حضر جلسة 28 من يوليه سنة 1955 بصفة أصلية، ولا يترتب عليه بطلان انعقاد اللجنة لأن القانون لم يرتب البطلان في مثل هذه الحالة. ثم ردت على دفاع المدعي عن التهم المنسوبة إليه، فأحالت إلى التحقيقات التي أجريت معه، وقالت إن المدعي ردد كثيراً أن الإدارة متحاملة عليه وتسعى إلى إيذائه، وإذا جاز قبول هذا القول بالنسبة لجهة الإدارة باعتبار أنها تحمل دائماً فوق كاهلها اتهاماً بالظلم والعسف، فإنه لا يصح أن لجنة الشياخات وفيها ضمانات كبيرة وفيها أعضاء من رجال القضاء تتسم كذلك بظلم أو تحايل. كما أكثر أيضاً من إرهاق المنطق والمعقول في دفع التهم المنسوبة إليه، وذكر في دفاعه عن تهمة اتصاله بالممرضات، وواحدة منهن بالذات، بأنه متزوج وفي الخمسين من عمره، وعن تهمة تحريض أحد الأفراد على سرقة المجموعة الصحية ومساعدته إياه في الهرب بعد إصابته، بأنه المكلف بحراسة الأمن والسهر عليه، فلا يعقل أن يعمل على زعزعته. وانتهت إلى طلب رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن مثار النزاع هو (أولاً) ما إذا كانت لجنة الشياخات بجلسة 5 من أكتوبر سنة 1955 مشكلة تشكيلاً قانونياً أم أن حضور السيد/ أحمد علي عمر حمدان الذي لم يكن عليه الدور في عضويتها يجعل تشكيلها باطلاً. (ثانياً) ما إذا كانت التهم التي حوكم المدعي من أجلها تأديبياً أمام لجنة الشياخات تستند إلى أصول ثابتة في الأوراق وتكون جرائم تأديبية حقة تقوم على وقائع استخلصت اللجنة قرارها منها استخلاصاً سائغاً، وأنزلت عليها حكم القانون على وجه صحيح يؤدي إلى الإدانة التي انتهت إليها أم لا.
ومن حيث إن ما أثاره المدعي من بطلان في تشكيل اللجنة استناداً إلى أن السيد/ أحمد علي عمر حمدان حضر بجلسة 28 من يوليه سنة 1955، ثم بجلسة 5 من أكتوبر سنة 1955 التي تمت فيها المحاكمة وصدر فيها القرار، مع أن القانون يقضي بأن يكون حضور الأعضاء المنتخبين بالدور. إن هذا مردود بأنه فضلاً عن أن القانون لم ينص على بطلان التشكيل إن لم يكن الحضور بالدور، كما أن هذا ليس في ذاته إجراء جوهرياً أو ضمانة أساسية، بل لا يعدو الأمر فيه أن يكون من قبيل توزيع العمل بين هؤلاء الأعضاء، فضلاً عن ذلك فإن ندب المذكور للحضور بجلسة 28 من يوليه سنة 1955 كان بصفته عضواً احتياطياً لعذر طرأ على العضو الأصلي، أما حضوره جلسة 5 من أكتوبر سنة 1955، وهي الجلسة التي تمت فيها المحاكمة فكان بصفته العضو الأصلي صاحب الدور، كما أن ما أثاره المدعي من بطلان في إجراءات المحاكمة بمقولة إنها انطوت على إخلال بحقه في الدفاع عن نفسه بعد إذ أبدى عذره لمرضه فلم تستجب له اللجنة ولم تستمع لمحاميه - إنه كذلك مردود بأن اللجنة تملك تقدير ما إذا كان العذر الذي يبديه العمدة للتأجيل، ولو كان ادعاء المرض، هو عذر جدي أم لا، وأنها قدرت أن ما تعلل به المدعي من المرض لتأجيل المحاكمة كان غير جدي بمراعاة أنه سبق تأجيل المحاكمة قبل ذلك من جلسة 28 من يوليه سنة 1955 إلى 5 أكتوبر سنة 1955 لهذا السبب، وأن المدعي كان قبيل المحاكمة قد أخطر المديرية بأنه شفي من مرضه وسيباشر عمله، وقد ذكرت في قرارها أنها اطلعت على مذكرته الكتابية الموقعة منه، والمذكرة الكتابية الموقعة من محاميه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما أثاره المدعي من إنكار للوقائع التي كانت موضوع الاتهام، فإن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التأديبي شأنه شأن أي قرار إداري آخر يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف هو توقيع الجزاء للغاية التي استهدفها المشرع، وهي الحرص على حسن سير العمل تحقيقاًً للمصلحة العامة، ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة قانونية أو واقعية تبرر التدخل. وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانوني دون أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره، ورقابته القانونية هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها، أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة للقضاء المذكور في ذلك، تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة، أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً، فإذا كانت هذه النتيجة منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض قيامها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه، وهو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً أو قانوناً، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته المنوط به تأديتها بنفسه بدقة وأمانة إنما يرتكب ذنباً إدارياً، هو سبب القرار، يسوغ تأديبه، فتتجه إرادة الإدارة إلى إنشاء أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر. فإذا توافر لدى لجنة الشياخات - من مجموع العناصر التي طرحت عليها - الاقتناع بأن العمدة أو الشيخ سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته، أو خروج على مقتضيات وظيفته، أو إخلال بكرامته ويدعوها إلى عدم الاطمئنان إلى صلاحيته بناء على ذلك للقيام بأعباء وظيفته، وكان اقتناعها هذا مجرداً من الميل أو الهوى فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، ورأت لمصلحة الأمن ومصلحة الأهالي معاً إقصاءه عن هذه الوظيفة كنتيجة طبيعية لذلك، واستنبطت هذا كله من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون ومعصوماً من الإلغاء. ولما كان المشرع لم يحدد في قانون العمد والمشايخ عقوبة معينة لكل فعل تأديبي بذاته بحيث تتقيد الإدارة بالعقوبة المقررة له وإلا وقع قرارها مخالفاً للقانون، فإن تقدير تناسب الجزاء مع الذنب الإداري في نطاق تطبيق هذا القانون يكون من الملاءمات التي تنفرد الإدارة بتقديرها والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق، وبوجه خاص من التحقيقات الإدارية وتحقيقات النيابة العمومية في بعض الحوادث التي تضمنها قرار الاتهام في القضايا التأديبية التي حوكم المدعي من أجلها أمام لجنة الشياخات، ومن ذلك حادث الشروع في سرقة المجموعة الصحية واعتراف المتهم حسن مصباح الذي أصيب بطلق ناري أطلقه عليه خفير المجموعة المذكورة، بأن المدعي هو الذي حرضه على ارتكاب الحادث نكاية في خفير المجموعة كي يصل بذلك إلى فصله من الخدمة، وكذلك اعتراف المدعو محمد محمود هلال الذي استعرف عليه الكلب البوليسي ثلاث مرات، وحادث استعمال القسوة مع عز الدين هاشم الذي قررت النيابة بأن لا وجه لإقامة الدعوى نظراً للصلح الذي تم بينه وبين المدعي ولبساطة الإصابات التي لحقت بالمجني عليه والاكتفاء بالجزاء الإداري أن لجنة الشياخات قد استخلصت اقتناعها بإدانة المدعي استخلاصاً سائغاً من أصول سليمة، فيكون القرار المطعون فيه - والحالة هذه - قد قام على سببه ووقع مطابقاً للقانون، وليس للقضاء الإداري رقابة على تقدير الجزاء ما دام في حدود النصاب القانوني الذي تملك اللجنة توقيعه، ومن ثم يتعين رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى وبرفضها موضوعاً وبإلزام المدعي بالمصروفات".