مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 1051

(113)
جلسة 5 من إبريل سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 588 لسنة 3 القضائية

( أ ) مكافأة انتهاء الخدمة - إعانة غلاء المعيشة لا تحسب في تسوية مكافأة العامل الحكومي.
(ب) كادر العمال - عدم نصه على تقويم أيام الإجازات المستحقة للعامل في حالة عدم حصوله عليها قبل ترك الخدمة - قانون عقد العمل الفردي الذي يحتسب مثل هذه الإجازات لا يسري على من تربطه بالحكومة علاقة لائحية.
1 - إن إعانة غلاء المعيشة لا تحسب في تسوية مكافأة العامل الحكومي التي يستحقها عن مدة خدمته، فهي لا تضم إلى أجره عند إجراء هذه التسوية، ولا تضاف إلى المكافأة المستحقة له بعد تقديرها.
2 - إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1922 قد تناول في المواد من 1 إلى 15 منه نظام الإجازات الاعتيادية والمرضية الخاصة بعمال اليومية، ولم ينص على تقويم أيام الإجازات المستحقة للعامل في حالة عدم حصوله عليها قبل تركه الخدمة. كما أن قراري مجلس الوزراء الصادرين في 23 من نوفمبر سنة 1944 و28 من ديسمبر سنة 1944 بكادر عمال اليومية الحكوميين وضعا نظاماً لإجازات هؤلاء العمال خلا من مثل هذا التقويم، وصدرت كتب وزارة المالية الدورية ملف رقم ف 234 - 9/ 53 في 19 من ديسمبر سنة 1944 و6 من يناير سنة 1954 و16 من أكتوبر سنة 1945 بالمعنى ذاته، أما قانون عقد العمل الفردي الذي استحدث هذا الحكم أخيراً فإنه لا يطبق على من تربطه بالحكومة علاقة لائحية.


إجراءات الطعن

في 21 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 588 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 22 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 92 لسنة 4 القضائية المقامة من: محمد محمد أبو الفضل ضد مصلحة المواني والمنائر، القاضي: "برفض الدفعين بسقوط الحق في إقامة الدعوى، وبعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد، وبقبولها وفي الموضوع باستحقاق المدعي لتسوية المكافأة على أساس الأجر الذي وصل إليه في 30 من نوفمبر سنة 1951 مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة عملاً بأحكام القانون رقم 41 لسنة 1944 عن مدة خدمته حتى ذلك التاريخ، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تطبيق القانون رقم 41 لسنة 1944 على هذه المنازعة، والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه المصروفات" وقد أعلن هذا الطعن إلى الجهة الإدارية في 23 من يونيه سنة 1957، وإلى المطعون عليه في 26 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة أول فبراير سنة 1958، وفي 16 من ديسمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 92 لسنة 4 القضائية ضد مصلحة المواني والمنائر أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 15 من نوفمبر سنة 1956 بناء على قرار لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة الصادر بجلسة 25 من أكتوبر سنة 1956 في الطلب رقم 570 م لسنة 3 القضائية بإعفائه من رسوم هذه الدعوى، وذكر أنه عين بالمصلحة المشار إليها بمهنة حداد باليومية في شهر مارس سنة 1936، وترك الخدمة في 3 من يوليه سنة 1953 لبلوغه السن القانونية، وأن المصلحة منحته مكافأته على أساس المرتب الأصلي دون الغلاء، ولما كان آخر أجر يومي تقاضاه هو 450 م مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة وقدرها 220 م، وكان المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 ينطبق في شأنه فإنه يطلب الحكم له بما يأتي "1 - منحه الفرق بين ما صرفه وما يستحقه من مكافأة على أساس المرتب الأصلي شاملاً إعانة الغلاء. 2 - منحة مقابل الإجازات المستحقة له والتي ترك الخدمة قبل قيامه بها". وقد ردت مصلحة المواني والمنائر على هذه الدعوى بأن حالة المدعي تتلخص في أنه عين في مارس سنة 1936 بمهنة برشامجي، وترك الخدمة اعتباراً من 30 من يوليه سنة 1953 مع اعتباره مفصولاً من 30 من نوفمبر سنة 1951 تاريخ بلوغه السن القانونية، وأنه صرفت له مكافأة قدرها 50 م و77 ج في فبراير سنة 1954، وكان أجره الأخير في 30 من يوليه سنة 1953 480 مليماً وإعانة غلاء المعيشة التي يتقاضاها 210 م، أما أجره في 30 نوفمبر سنة 1951 التاريخ الذي كان واجباً فصله فيه فكان 450 م مع ذات إعانة الغلاء. وقد حصل على خمسة أيام إجازة اعتيادية في العام الأخير من خدمته. ودفعت المصلحة الدعوى بعدم قبولها لرفعها بعد ميعاد سنة من تاريخ صرف المكافأة إلى المدعي، وذلك استناداً إلى القانون رقم 5 لسنة 1909 وإلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1922 والقانون رقم 534 لسنة 1953 والمادة 698 فقرة أولى من القانون المدني، باعتبار أن القانون رقم 41 لسنة 1944 والمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 لم يتعرضا لتحديد هذه المدة، وأنهما لم يلغيا القواعد السابقة على صدورهما إلا بمقدار تعارضها مع أحكامهما. كما تمسكت بأن المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 لا يسري على المدعي ولو أنه فصل بعد صدوره لأن التاريخ الذي كان واجباً فصله فيه هو 30 من نوفمبر سنة 1951، أي قبل صدوره، وإنما كان بقاؤه في الخدمة نتيجة خطأ مادي؛ ومن ثم يكون القانون الواجب التطبيق في حقه هو القانون رقم 41 لسنة 1944 الذي لا يسمح بتسوية المكافأة إلا على أساس الأجر الأخير دون إضافة إعانة غلاء المعيشة، لأنه صدر في ظل القانون المدني القديم الذي كان لا يعتبر إعانة الغلاء ضمن الأجر ولا يعطيها حكمه. وقد استحدث هذا المبدأ القانون المدني الجديد كما يتضح من أعماله التحضيرية، كما أن القانون رقم 41 لسنة 1944 لم ينص على تسوية المكافآت على هذا الأساس، وإنما كان ذلك بالنسبة إلى التعويض وحده. أما فيما يتعلق بطلب مقابل الإجازات فلا حق للمدعي في هذا الطلب لأن نظام الإجازات الحكومي السابق أفضل من نظام الإجازات الوارد في المرسوم بقانون رقم 371 لسنة 1952، ويتعين العمل به باعتباره أصلح للعامل وفقاً لنص المادة 50 من هذا المرسوم بقانون. ولم يكن النظام الحكومي السابق يمنح العمال مقابل الإجازات التي لا يمنحوها في السنة الأخيرة من الخدمة. ولما كان القانون رقم 41 لسنة 1944 هو الواجب التطبيق فلا حق للمذكور في مقابل الإجازات، وخلصت المصلحة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى. وقد قدم السيد مفوض الدولة إلى المحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه للأسباب التي أبداها إلى طلب رفض الدفعين بعدم قبول الدعوى والحكم بقبولها وتسوية مكافأة المدعي طبقاً لأحكام قانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944 مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ورفض ما عدا ذلك من طلبات. وبجلسة 22 من يناير سنة 1957، قضت المحكمة "برفض الدفعين بسقوط الحق في إقامة الدعوى وبعدم قبولها لرفعها في الميعاد وبقبولها، وفي الموضوع باستحقاق المدعي لتسوية المكافأة على أساس الأجر الذي وصل إليه في 30 من نوفمبر سنة 1951، مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة عملاً بأحكام القانون رقم 41 لسنة 1944 عن مدة خدمته في ذلك التاريخ، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت المحكمة قضاءها على أن قانون عقد العمل الفردي ينطبق على المستخدمين الخارجين عن الهيئة وعمال اليومية، وأن الذي يسري في حق المدعي هو القانون رقم 41 لسنة 1944 لأن قرار فصله من الخدمة وإن كان قد وقع في ظل المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952، إلا أنه انسحب بأثر رجعي إلى 30 من نوفمبر سنة 1951 وهو تاريخ بلوغه سن الخامسة والستين، أما بقاؤه في الخدمة حتى 30 من يوليه سنة 1953، فقد كان نتيجة خطأ الإدارة الذي لا يترتب له حقاً؛ ومن ثم فإن قرار فصله بأثر رجعي مرتد إلى تاريخ بلوغه السن القانونية يعتبر صحيحاً مطابقاً للقانون، إذ يقضي قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1922 بوجوب فصل عمال اليومية عند بلوغهم سن الخامسة والستين. فضلاً عن أن قرار الفصل هذا قد اكتسب حصانة تعصمه من الإلغاء بفوات المواعيد المقررة للطعن فيه. ومن ثم فلا تدخل المدة اللاحقة لتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1951 في حساب المكافأة التي يجب تقديرها له، ويكون القانون الواجب التطبيق على حالته هو القانون رقم 41 لسنة 1944، وليس المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952. ومتى كان الأمر كذلك فلا وجه لدفع الجهة الإدارية بسقوط حق المدعي في المنازعة في مقدار المكافأة المستحقة له استناداً إلى نص المادة 6 من القانون رقم 5 لسنة 1909 بشأن المعاشات الملكية المعدل بالقانون رقم 543 لسنة 1953، ويتعين لذلك رفض هذا الدفع. أما الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المقرر في المادة 698 فقرة أولى من القانون المدني فمردود بأن هذا النص خاص بإجارة الأشخاص. وأن تطبيق قانون عقد العمل الفردي على طوائف معينة من عمال الحكومة ومستخدميها لا يعني الرجوع إلى القواعد الخاصة بإجارة الأشخاص الذي هو عقد رضائي تتنافر طبيعته مع العلاقة التنظيمية العامة التي تربط موظفي ومستخدمي وعمال الحكومة بها. فإذا سكت القانون المذكور عن استحداث نوع من التقادم وجب الرجوع في شأن عمال الحكومة ومستخدميها إلى القاعدة العامة التي تخضع لها سائر الحقوق بصفة عامة سواء كان مصدرها القانون أو العقد؛ ومن ثم فإن هذا الدفع يكون في غير محله متعيناً رفضه. أما بالنسبة إلى طلب المدعي حساب إعانة غلاء المعيشة ضمن الأجر الأصلي في تقدير المكافأة، فإنه على حق فيه طبقاً للمستفاد من نص المادتين 22 و23 من القانون رقم 41 لسنة 1944، على أن يراعي في ذلك الأجر الذي وصل إليه في 30 من نوفمبر سنة 1951. وأما بالنسبة إلى طلبه أجر أيام الإجازات التي لم يحصل عليها قبل تركه الخدمة. فإن أحكام القانون المشار إليه لم تقوم الإجازة على خلاف ما نصت عليه المادة 23 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 التي أوردت حكماً مستحدثاً لا يخضع له المدعي؛ ومن ثم فإنه يتعين رفض طلبه هذا. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من مارس سنة 1957 طلب فيها. "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تطبيق القانون رقم 41 لسنة 1944 على هذه المنازعة، والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى ما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أن العلاقة التنظيمية العامة التي تربط بين الحكومة والموظف أو العامل لا تدخل في النطاق العقدي، وإنما تتميز بتكييفها المستقل كرابطة من روابط القانون العام مصدرها القوانين واللوائح؛ ومن ثم فلا يسوغ القول بإفادة الموظف أو العامل من أحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952، ولما كان هذا المرسوم بقانون قد نسخ القانون رقم 41 لسنة 1944 بشأن عقد العمل الفردي، وتناول بالتنظيم ذات المجال فإن مبدأ المحكمة العليا يسري أيضاً في شأن هذا القانون الأخير؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فقضى بتطبيق القانون رقم 41 لسنة 1944 على المنازعة الحالية التي تخرج عن النطاق العقدي، فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت(1) بأن الدولة في قيامها على المرافق العامة وتسييرها إياها تلجأ إلى استخدام وسائل وأدوات عدة متنوعة. وتقوم بينها وبين ذوي الشأن علاقات قانونية تختلف في طبيعتها وتكييفها بحسب الظروف والأحوال، منها ما يدخل في روابط القانون العام، ومنها ما يندرج في روابط القانون الخاص، ومن بين تلك الوسائل والأدوات الموظفون الداخلون في الهيئة والمستخدمون الخارجون عنها والعمال والصناع. ومن هؤلاء من تكون علاقتهم بالدولة علاقة تنظيمية عامة تحكمها القوانين واللوائح، فتدخل بهذه المثابة في نطاق القانون العام. كما أن منهم من تكون علاقته بالدولة علاقة عقد عمل فردي فتندرج على هذا التكييف في نطاق القانون الخاص. وأن مجال تطبيق قانون عقد العمل الفردي لا يكون إلا إذا كانت العلاقة قائمة على أساس عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص وليست خاضعة لتنظيم لائحي، وذلك بصريح نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي التي نصت على أن "تسري أحكام هذا القانون على العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه في مقابل أجر...." وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن العقد المشار إليه أنه "يشترط لانعقاده ما يشترط توافره في جميع العقود الرضائية من رضاء ومحل وسبب"، وهو عين ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 41 لسنة 1944 الخاص بعقد العمل الفردي. كما أن المادة 674 من القانون المدني نصت على أن "عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر". ولا جدال في أن هذه النصوص إنما عنت العلاقة التي تعتبر في التكييف القانوني عقد عمل فردي؛ أي التي مصدرها عقد رضائي في نطاق القانون الخاص، كما أن من المقرر أن العلاقة التنظيمية العامة لا تدخل في هذا النطاق العقدي، بل تتميز بتكييفها المستقل كرابطة من روابط القانون العام مصدرها القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن. فلا مندوحة إزاء هذا من أن تفهم سائر أحكام قانون عقد العمل الفردي عند التأويل والتطبيق على هذا الأساس. فيتحدد مجال تطبيق هذا القانون في نطاق علاقة الحكومة بالغير بينما تكون العلاقة علاقة عقد عمل فردي، أي مصدرها عقد رضائي كأداة تلجأ إليها الدولة في تسييرها للمرافق العامة في نطاق القانون الخاص، فلا ينسحب إلى علاقات تدخل في نطاق القانون العام وتنظمها القوانين واللوائح. وإذا صح أن المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أوردت عبارة أنبهت فيها في تحديد هذا المعنى بشبهة من الإطلاق بغير انضباط، فإنه يجب استجلاء هذا المعنى وتحديده وضبطه بعباراتها الأخرى، وبمراعاة وجوب التزام مدلول النصوص الأساسية في هذا القانون التي تتضمن المبادئ الجوهرية التي تقوم عليها سياسيته التشريعية، وهي صريحة في تحديد نطاق تطبيقه حسبما تقدم. على أن ما ورد بتلك المذكرة من إشارة إلى أفراد بعض الطوائف إنما هو تأكيد للأصل المسلم من أن علة إخراج هؤلاء من أحكامه، وهي أن الرابطة التي تقوم بينهم وبين الحكومة أو الأشخاص الإدارية الأخرى والمراكز التي تنشأ لهم بسبب هذه الرابطة، إنما تخضع لتنظيم لائحي لانفرادها بطبيعة متميزة نظمتها الدولة تنظيماً خاصاً يتسق مع المصلحة العامة بما يكفل حسن السير المرافق وهو تنظيم لا يتلاءم مع طبيعة عقد العمل الفردي؛ ذلك أن المرافق العامة لا يتسنى لها أن تحقق الغرض المنشود منها إذا كانت خاضعة لقواعد القانون الخاص، ومن ثم كان الأصل فيها هو التنظيم اللائحي، وكان عقد العمل الفردي هو الاستثناء. ويبين من استظهار نصوص قانون عقد العمل الفردي أن قصد الشارع فيه لم ينصرف إلى أن يخضع لأحكامه مستخدمي الحكومة وعمالها الذين تحكمهم في علاقتهم بها قواعد تنظيمية عامة. ومما يقطع في صحة هذا النظر كون المشرع قد استهدف بالقانون المذكور تنظيم شئون العمال وبيان حقوقهم وواجباتهم ورعاية مصالحهم وحمايتهم صحياً ومالياً، ودرء الحيف والاستغلال عنهم من أرباب الأعمال، وأنه أسند رقابة هذا كله إلى وزارة الشئون الاجتماعية التي نصبها قوامة على تنفيذه. وهذه المحكمة التي قام عليها كل من القانون رقم 41 لسنة 1944 والمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 على التوالي ليست متحققة بالنسبة إلى المستخدمين والعمال الحكوميين ممن يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة وتكفل لهم الرعاية والحماية التي إنما وضع تشريع عقد العمل الفردي من أجل ضمانها لمن لا تشملهم هذه القوانين. وقد فرضت في هذا التشريع رقابة الحكومة تأكيداً لاحترام نصوصه، الأمر الذي لا محل له في علاقة الحكومة بمستخدميها وعمالها؛ ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام قانون عقد العمل الفردي يتحدد بالحكمة التي قام عليها هذا القانون والهدف الذي تغياه وهما تنظيم شئون العمال - عدا من استثناهم صراحة - ممن لا تحكم علاقتهم برب العمل قواعد لائحية ولو كان رب العمل هو الحكومة في الحالات التي تكون طبيعة العلاقة القائمة فيها بين العامل والحكومة عقدية وليست لائحية. وكذلك حماية من لم تشمله من هؤلاء العمال حماية القوانين واللوائح المنظمة لعلاقتهم بالحكومة، ومما يزيد ما تقدم تأكيداً ووضوحاً أن قانون عقد العمل الفردي لو طبق على العلاقات التنظيمية العامة بالنسبة إلى مستخدمي الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الخارجين عن الهيئة والعمال والصناع الذين تنظم توظيفهم قواعد لائحية لاضطراب دولاب العمل الحكومي، وتزعزعت المراكز القانونية، وانقلبت الأوضاع بما يفضي إلى الإضرار بحسن سير العمل بالمرافق العامة، الأمر الذي يجب تنزيه الشارع عن أن يكون قد قصد إليه.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن المدعي التحق بخدمة الحكومة بإدارة الورش بمصلحة المواني والمنائر في شهر مارس سنة 1936 بمهنة برشمجي بأجر يومي 200 م، ثم نقل إلى إدارة الكراكات في أول أغسطس سنة 1942 وقام بأعمال حداد بالأجرة ذاتها. وعند تطبيق كادر الترسانة منح علاوة قدرها 40 م، ثم سويت حالته بالتطبيق لأحكام كادر العمال فوضع في درجة صانع دقيق اعتباراً من مارس سنة 1936، وفي درجة صانع دقيق ممتاز اعتباراً من أول مارس سنة 1942. وترك الخدمة في 30 من يوليه سنة 1953 مع اعتباره مفصولاً منذ 30 من نوفمبر سنة 1951 تاريخ بلوغه السن القانونية إذ أنه مولود في 30 من نوفمبر سنة 1886. وكان أجره الأخير في 30 من يوليه سنة 1953 480 مليماً يومياً وإعانة الغلاء التي يتقاضاها 210 مليماً بينما كان أجره في 30 من نوفمبر سنة 1951، 450 مليماً يومياً مع إعانة الغلاء ذاتها. وفي 11 من فبراير سنة 1954 تقرر صرف مكافأته إليه عن مدة خدمته وقدرها 50 م و77 ج. ولما كان المذكور معاملاً بكادر عمال اليومية الحكوميين، وخاضعاً في علاقته بالحكومة للقواعد التنظيمية العامة والأحكام اللائحية التي تضمنها الكادر المذكور، فإن أحكام عقد العمل الفردي سواء لواردة في القانون رقم 41 لسنة 1944 أو المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أو في المواد من 674 إلى 698 من القانون المدني لا تسري في حقه تأسيساً على ما سلف بيانه، وإنما يكون الفيصل في المنازعة هو القواعد التنظيمية العامة المقررة في هذا الشأن.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب المدعي منحه الفرق بين ما صرفه وما يستحقه من مكافأة على أساس أجره الأصلي شاملاً إعانة غلاء المعيشة، فإن المادة الثالثة من القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات الملكية قد نصت على أن "المرتبات التي تعطى علاوة على الماهية الثابتة بأية صفة كانت مثل المكافآت ومثل ضمائم السفرية لمن يؤدون خدمة في السودان وفي سواحل البحر الأحمر وفي مأموريات لأجل مسمى وكذلك الإعانات على اختلاف أنواعها وبدل السفرية أو المصاريف المظهرية وما شابه ذلك لا تستقطع منها الخمسة في المائة ولا تحسب في تسوية المعاش أو المكافأة، كما نص قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1922 في المادة 16 من القسم (ب) منه الخاص بالمكافآت على أن "جميع عمال اليومية الدائمين الذين يتركون الخدمة لقلة الأعمال أو لإصابتهم بعاهات أو أمراض أو لتقدمهم في السن مما يجعلهم غير لائقين للخدمة حسب شهادة القومسيون الطبي أو لبلوغهم سن 65 أو الذين يضطرون إلى اعتزال العمل لأداء الخدمة العسكرية، يكون لهم الحق في مكافأة حسب النسب الآتية على شرط أن يكونوا قد أتموا سنتين كاملتين في الخدمة بطريقة منتظمة سواء أكانتا متقطعتين أو متصلتين، ويدخل فيهما الإجازات بأجرة كاملة ولا تدخل الإجازات التي بدون أجرة". ونص في المادة 17 على أن "المكافأة التي تصرف عند مغادرة الخدمة لأي سبب من الأسباب المتقدمة تحسب على قاعدة أحرة خمسة عشر يوماً بواقع فئة الأجرة التي تكون تصرف وقت اعتزال العمل وذلك عن كل سنة كاملة في الخدمة". وفي المادة 21 على أن "أقصى قيمة للمكافأة التي يستحقها عامل اليومية ماهية سنة واحدة باعتبار السنة 360 يوماً" وفي 8 من يونيه سنة 1950 تقدمت اللجنة المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة أوضحت فيها أن الاتحاد العام لنقابات عمال الحكومة تقدم إلى وزارة المواصلات بثمانية مطالب رغب في تحقيقها، أولها "إعادة نظام المكافآت إلى ما كان عليه قبل أول سبتمبر سنة 1931 بمصلحة السكك الحديدية مع صرف كل المستحق لورثة المتوفى دون مشاركة الحكومة له". وقد علقت وزارة المواصلات على هذا الطلب بتوصية قالت فيها إنها ترى "أن تحديد قيمة المكافأة بحيث لا تزيد عن 12 شهراً مهما طالت مدة الخدمة فيه غبن - وتقترح أن تكون المكافأة موازية لنصف شهر عن كل سنة خدمة إطلاقاً، مع صرف إعانة غلاء توازي ربع المكافأة المستحقة". وقد بحثت اللجنة المالية هذا الطلب وانتهت - فيما يتعلق بإعانة الغلاء - إلى أنها "لا توافق على صرف إعانة غلاء المعيشة على المكافأة المستحقة". وبجلسة 11 من يونيه سنة 1950 قرر مجلس الوزراء فيما يختص بالطلب المذكور "الموافقة على رأي اللجنة المالية دون أن تشارك الحكومة ورثة المتوفى في المكافأة المستحقة له". ويؤخذ مما تقدم أن إعانة غلاء المعيشة لا تحسب في تسوية مكافأة العامل الحكومي التي يستحقها عن مدة خدمته والتي تقدر على الأسس السالف بيانها، وذلك وفقاً للقواعد التنظيمية المقررة في شأن هذه الفئة من العمال، فلا تضم إلى أجره عند إجراء هذه التسوية ولا تضاف إلى المكافأة المستحقة له بعد تقديرها. إذ اعتد قانون المعاشات الملكية رقم 5 لسنة 1909 في حساب هذه المكافأة بالأجر الثابت دون الإعانات على اختلاف أنواعها، وبين قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1922 عناصر تقدير مكافأة العامل ونسبها وشروط استحقاقها وحدودها في النطاق ذاته. كما أن قرار المجلس الصادر في 11 من يونيه سنة 1950 رفض الموافقة على صرف إعانة غلاء معيشة على المكافأة المستحقة خلافاً لما اقترحته وزارة المواصلات، وإذا كان قراره هذا قد صدر في صدر مسألة تقدمت بها الوزارة المذكورة إلى اللجنة المالية، فإن هذا إنما كان بناء على مطالب الاتحاد العام لنقابات عمال الحكومة، وما قرره مجلس الوزراء في هذا الشأن إنما يصدق على العمال الحكوميين كافة على سواء لاتحاد العلة فيه؛ ومن ثم فإن طلب المدعي منحه الفرق بين المكافأة التي قبضها بالفعل على أساس أجره الأصلي، وهي التي حسبت له بحق بمراعاة التاريخ الذي كان واجباً فصله فيه من الخدمة، لا التاريخ الذي امتدت إليه خدمته نتيجة خطأ مادي لا يكسبه حقاً، وبين مكافأته مقدرة على أساس هذا الأجر مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة، يكون على غير أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين إلغاؤه في هذا الشق منه والقضاء برفض الطلب مع إلزام المدعي بمصروفاته.
ومن حيث إنه فيما يختص بطلب المدعي منحه أجراً مقابل الإجازات المستحقة له والتي ترك الخدمة قبل قيامه بها، فالثابت أنه حصل على خمسة أيام إجازة اعتيادية في العام الأخير من خدمته. وقد تناول قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1922 في المواد من 1 إلى 15 منه نظام الإجازات الاعتيادية والمرضية الخاصة بعمال اليومية؛ ولم ينص على تقويم أيام الإجازات المستحقة للعامل في حالة عدم حصوله عليها قبل تركه الخدمة. كما أن قراري مجلس الوزراء الصادرين في 23 من نوفمبر سنة 1944 و28 من ديسمبر سنة 1944 بكادر عمال اليومية الحكوميين وضعا نظاماً لإجازات هؤلاء العمال خلا من مثل هذا التقويم. وصدرت كتب وزارة المالية الدورية ملف رقم ف 234 - 9/ 53 في 19 من ديسمبر سنة 1944 و6 من يناير سنة 1945 و16 من أكتوبر سنة 1945 بالمعنى ذاته. ولما كان قانون عقد العمل الفردي الذي استحدث هذا الحكم أخيراً غير مطبق في حق المدعي، فإن طلبه هذا يكون في غير محله متعيناً رفضه، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بذلك قد أصاب في النتيجة التي انتهى إليها في خصوص هذا الطلب.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من استحقاق المدعي تسوية مكافأته على أساس الأجر الذي وصل إليه في 30 من نوفمبر سنة 1951 مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة عملاً بأحكام القانون رقم 41 لسنة 1944 عن مدة خدمته حتى ذلك التاريخ، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف المناسبة، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.


(1) المحكمة العليا في 26/ 1/ 1957 - السنة الثانية - صـ 384.