مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 1063

(114)
جلسة 5 إبريل سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 918 لسنة 3 القضائية

( أ ) سلك سياسي - القانون رقم 51 لسنة 1933 - حظره الزواج بغير مصرية على أعضاء السلكين السياسي والقنصلي (م 2) وعلى أمناء المحفوظات (م 3) - اعتبار من يخالف هذا الحظر مستقيلاً - القانون رقم 166 لسنة 1954 - لم يتناول بالتنظيم سوى أعضاء السلكين السياسي والقنصلي - ترديده لهذا الحظر بالنسبة لهم - لا يعني إلغاء نص المادة 3 من القانون رقم 41 لسنة 1933 التي تحظر على أمناء المحفوظات الزواج بغير مصرية.
(ب) سلك سياسي - حظر الزواج بغير مصرية على أعضاء السلكين والقنصلي وعلى أمناء المحفوظات - قيامه على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العليا للدولة - سريانه على من كان منهم معيناً أو منتدباً.
1 - يبين من استقراء التشريعات الخاصة بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي، أن المرسوم الصادر في 5 من أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي، والمرسوم بقانون الصادر في 20 من أكتوبر سنة 1925 بوضع نظام للوظائف السياسية، لم يتضمنا حظر زواج رجال السلكين السياسي والقنصلي من أجنبيات، وإنما ورد هذا الحظر في تشريع خاص هو القانون رقم 41 لسنة 1933، الذي نص في المادة الأولى منه على أنه "لا يجوز للممثلين السياسيين والقنصليين ولا لمأموري القنصليات التزوج من غير مصرية" ثم نصت المادة الثانية على أن "الموظف الذي يخالف الحكم المتقدم يعتبر مستقيلاً" ثم جاءت المادة الثالثة ونصت على أن "يسري هذا القانون على أمناء المحفوظات في المفوضيات والقنصليات، وكذلك على التلاميذ الملحقين بالسلكين السياسي والقنصلي". ولما أعيد تنظيم السلكين الدبلوماسي والقنصلي بالقانون رقم 166 لسنة 1954 نص في المادة الأولى منه على أنه "يلغى المرسوم بقانون الصادر في 5 من أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي والمرسوم الصادر في 20 من أكتوبر سنة 1925 بوضع نظام للوظائف السياسية والقوانين المعدلة لهما ويستعاض عنها بالقانون المرافق كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون عند العمل به". ويبين من مراجعة نصوص القانون المذكور أنه تضمن في الباب الأول أحكاماً لتنظيم السلك السياسي من السفراء حتى الملحقين، كما تضمن أحكام السلك القنصلي من القناصل العامين حتى سكرتيري القنصليات، ثم تكلم في الباب الثاني عن الأحكام المشتركة بين أعضاء السلكين من تعيين وأقدمية وترقية ونقل وندب ومرتبات وإجازات وواجبات وتأديب، إلى أن جاء في الفصل الثامن الخاص بانتهاء الخدمة فنص في المادة 42 على أن "يعتبر مستقيلاً من وظيفته من يتزوج من أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي بغير مصرية". وهذا النص ترديد لنص المادة الأولى من القانون رقم 41 لسنة 1933، وليس ملغياً له من حيث المبدأ، وغاية الأمر أن القانون الجديد قد ورد بمناسبة إعادة تنظيم أعضاء السلكين السياسي والقنصلي بتشريع شامل جامع للأحكام التي أراد تنظيم شئونهم بمقتضاها. ومن باب أولى لا يعتبر القانون الجديد رقم 166 لسنة 1954 ملغياً لا صراحة ولا ضمناً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 41 لسنة 1933، والتي تجعل حظر الزواج بغير مصرية منسحباً على أمناء المحفوظات، وفضلاً عما تقدم فإن القانون رقم 166 لسنة 1954، لم يتناول بالتنظيم سوى أعضاء السلكين السياسي والقنصلي دون أمناء المحفوظات، فتظل التشريعات الخاصة بهم، ومنها نص المادة الثالثة من القانون رقم 41 لسنة 1954 سالف الذكر قائمة ونافذة في حقهم، وهي التي تنص على أن يسري هذا القانون على أمناء المحفوظات في المفوضيات والقنصليات.
2 - إن حظر الزواج من غير مصرية على أعضاء السلكين السياسي والقنصلي وعلى أمناء المحفوظات، واعتبار الموظف الذي يخالف ذلك مستقيلاً من وظيفته، قد قام على حكمه تشريعية تتعلق بالمصلحة العليا للدولة، حماية لأمنها في الداخل والخارج ومنعاً لتسرب أسرارها، فهو واجب لصيق بالوظيفة يقع على عاتق من يضطلع بها، طالما كان قائماً بها، وأياً كان سبب اضطلاعه بأعبائها، يستوي في ذلك أن يكون ذلك بطريق التعيين فيها أو بطريق الندب لها، لقيام العلة في الحالتين، ولأن المندوب يتحمل بأعباء الوظيفة جميعها وبهذا الواجب بالذات طوال مدة ندبه، شأنه في ذلك شأن المعين على حد سواء.


إجراءات الطعن

في 13 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن قيد تحت رقم 918 سنة 3 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 26 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 549 سنة 3 ق المرفوعة من السيد/ الدكتور عمر زكي غباشي ضد السيد وزير الخارجية والسيد نائب وزير الخارجية والقاضي (بإلغاء القرار الصادر من وزارة الخارجية في 20 من سبتمبر سنة 1955 المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة)... وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات" وقد أعلن الطعن للحكومة في 8 من سبتمبر سنة 1957، وللخصم في 31 من أغسطس سنة 1957 وعين لنظره جلسة أول فبراير سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الإيضاحات وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 549 سنة 10 ق ضد وزير الخارجية ونائب وزير الخارجية أمام محكمة القضاء الإداري، طلب في صحيفتها التي أودعت في 12 من ديسمبر سنة 1955 الحكم: أولاً بإلغاء القرار الصادر في 20 من سبتمبر سنة 1955 المبلغ إليه في 15 من أكتوبر سنة 1955 باعتباره مستقيلاً من وظيفته في وزارة الخارجية اعتباراً من 25 من فبراير سنة 1955 واعتباره كأن لم يكن. وثانياً إلغاء القرار الصادر بقطع جميع استحقاقاته اعتباراً من 25 من فبراير سنة 1955 واعتباره كأن لم يكن أيضاً مع أحقيته لهذه الاستحقاقات جميعاً. وثالثاً إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد بسط المدعي وقائع النزاع فقال إنه قد بادر عقب إبلاغ هذا القرار إليه بالتظلم منه في شقيه في 7 من أكتوبر سنة 1955، وترقب الرد عليه، ولكن الوزارة لم تفعل مما اضطره إلى رفع هذه الدعوى. وينعى المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون وصدوره مشوباً بسوء استعمال السلطة بحجة أنه لا يمكن القول بأن وظيفة أمين محفوظات تعتبر من وظائف السلك السياسي أو القنصلي، كما لا يمكن أن يقال إن صاحبها ممن ينطبق عليهم قرار الحظر من الزواج بأجنبيات، ذلك أن المادة الأولى من القانون رقم 166 لسنة 1954 تنص على ما يأتي "يلغى المرسوم بقانون الصادر في 5 من أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي، والمرسوم بقانون الصادر في 20 من أكتوبر سنة 1925 بوضع نظام للوظائف السياسية والقوانين المعدلة لهما، ويستعاض عنها بالقانون المرافق كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون عند العمل به"، ثم تعدل هذا القانون بالقانون رقم 548 لسنة 1954 الذي لم يشر إلا إلى القانون رقم 166 لسنة 1954 دون إشارة إلى أي قانون من قوانين السلك السياسي والقنصلي، ومعنى هذا أن هذين القانونين هما اللذان يبينان أعضاء السلكين السياسي والقنصلي، إذ ورد فيهما بيان هؤلاء الأعضاء بالتفصيل، وليس من بينهم أمناء المحفوظات، واستدرك المدعي بأنه قد يقال إن قرار فصله أشار إلى القانون رقم 41 لسنة 1933 المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 1941، وأن القانون الأول نص في مادته الثالثة على تحريم زواج أمناء المحفوظات بأجنبيات، وفي هذا معنى التحريم المطلق ولكن يرد على ذلك بأن القانونين رقمي 166 و458 لسنة 1954 أوردا على سبيل الحصر أعضاء السلكين السياسي والقنصلي، وليس من بينهما أمناء المحفوظات، كما لم يرد ذكر لهؤلاء الأمناء في أحكام حظر الزواج، ومعنى ذلك أن هذين القانونين، وهما لاحقان للقانون رقم 41 لسنة 1933 قد عدلا عن التحريم الوارد بالقانون رقم 41 لسنة 1933 بالنسبة لأمناء المحفوظات، أما القانون رقم 8 لسنة 1941 الذي أشار إليه القرار المطعون فيه. فليس فيه من قريب أو بعيد ما يفيد هذا التحريم، وكل ما عنى به هو تسميته مأموري القناصل بلقب وكلاء قناصل، وأضاف المدعي أنه لم يكن موظفاً أصلياً بالقنصلية المصرية بنيويورك لأن وظيفته الأصلية بديوان الوزارة، وإنما ندب للعمل في القنصلية، والندب مؤقت مهما طال أمده، كما وأنه يخرج من عداد أمناء المحفوظات لأنه موظف في الدرجة الخامسة الإدارية في حين أن وظيفة أمين المحفوظات كتابية. وقد نصت المادة الرابعة من لائحة شروط الخدمة المصدق عليها من مجلس الوزراء في 25 من مايو سنة 1933 على أن الدرجات أمناء المحفوظات كدرجات الكادر الكتابي ولا تجاوز الدرجة الثالثة الكاملة، ولما كان قد رقي إلى الدرجة الخامسة الإدارية في أول ديسمبر سنة 1954 فإن صلته بوظيفة أمين المحفوظات المخصص لها الدرجة السادسة التي كان منتدباً للعمل بها تكون قد انقطعت، وقال المدعي كذلك إن القرار المطعون فيه قد صدر مشوباً بالانحراف؛ إذ أن كثيرين من أعضاء السلكين السياسي والقنصلي متزوجون من أجنبيات، ولم تطبق عليهم الوزارة ذلك القانون في حين أنه وهو ليس عضواً بذلك السلك قد طبق عليه القانون تطبيقاً غير سليم. أما بالنسبة للشق الثاني من القرار المطعون فيه فقد قال المدعي إنه مخالف للقانون، لأنه إنما تقاضى المبالغ المراد استقطاعها مقابل عمل قام به فعلاً وسدد عنها أقساط الادخار والتأمين فحرمانه منها حرمان من حق أصيل له، فضلاً عن أنه لا يصح أن يصدر قرار بأثر رجعي إذ في ذلك منافاة لأبسط قواعد العدالة ومبادئ القانون. وقد ردت الوزارة على الدعوى بمذكرة جاء بها أنه في 22 من مارس سنة 1955 أخطر المدعي القنصلية المصرية بأنه تزوج بسيدة أمريكية الجنسية، وعقد قرانه في 25 من فبراير 1955 ولما كانت المادة الثالثة من القانون رقم 41 لسنة 1933 تقضي بأن أمين المحفوظات الذي يتزوج من أجنبية يعتبر مستقبلاً من وظيفته، فقد استطلعت الوزارة رأي إدارة الفتوى والتشريع عما إذا كان هذا القانون قد ألغي بصدور القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي، فأبدت تلك الإدارة أن الحكم الوارد بالمادة 42 من القانون رقم 166 لسنة 1954 مقصور الأثر على من يتزوج من أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي من غير مصرية، ولا يتناول هذا النص أمناء المحفوظات الذين لا يعتبرون من أعضاء هذين السلكين وفقاً للمادتين الثانية والرابعة من القانون المذكور، على أن هؤلاء الأمناء لا يزالون خاضعين في هذا الصدد لأحكام القانون رقم 41 لسنة 1933، فلا يجوز لهم الزواج من غير مصرية بالتطبيق لأحكام المادة الثالثة من القانون المذكور التي لم يتناولها القانون رقم 166 لسنة 1954 بتعديل أو إلغاء، فإن تزوجوا على خلاف أحكام هذا النص اعتبروا مستقيلين وأضافت الوزارة أنها طلبت من إدارة الفتوى والتشريع الإفادة عما إذا كان يجوز إعادته إلى عمله بالديوان العام بدلاً من اعتباره مستقيلاً من وظيفته طبقاً للقانون رقم 41 لسنة 1933، فأفادت بأنها لا تزال عند رأيها السابق إبداؤه. وعلى هذا أصدرت الوزارة قرارها في 20 من سبتمبر سنة 1955، باعتبار المدعي مستقيلاً من وظيفته اعتباراً من 25 من فبراير سنة 1955، تاريخ عقد قرانه بأجنبية، وقطع جميع استحقاقاته ورفع اسمه من عداد موظفي الوزارة اعتباراً من التاريخ المذكور. وفي 26 من يونيو سنة 1957 صدر الحكم المطعون فيه قاضياً "بإلغاء القرار الصادر من وزارة الخارجية في 20 من سبتمبر سنة 1955، المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات و500 قرشاً مقابل أتعاب المحاماة. واستند الحكم في أسبابه إلى أن تحريم الزواج من أجنبيات على أعضاء السلكين السياسي والقنصلي وأمناء المحفوظات تشريع استثنائي إن كان قصد به حماية أمن الدولة ومنع تسرب الأسرار والأخبار إلى الدولة الأجنبية، إلا أن هذا الهدف لا يمكن أن يقوم سبباً في تغيير طبيعته في كونه تشريعاً استثنائياً لوضعه قيداً على حق من أقدس حقوق البشر وهو حق الزواج، ولذلك يجب عدم التوسع في تطبيق هذا الاستثناء إلا في أضيق الحدود بالقدر المستطاع، وأنه بان من الأوراق أن وزارة الخارجية أحست بحق أن اعتبار المدعي مستقيلاً تصرف مخالف للقانون، فكتبت إلى إدارة الفتوى والتشريع لتستطلع رأيها في إمكان الاكتفاء بإلغاء قرار ندبه في قنصلية نيويورك وإعادته إلى وظيفته بالديوان العام بالقاهرة، وذلك بعد أن تسلمت رأي تلك الإدارة بوجوب اعتباره مستقيلاً؛ ولكن إدارة الفتوى أصرت على رأيها السابق، فلم يكن أمام الوزارة من سبيل سوى إصدار القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه لم يبين وجه مخالفة القانون في القرار المطعون فيه، ومن ثم فقد شاب الحكم قصور يعيبه ويبطله. وأما فيما يتعلق بالموضوع، فإن المادة الأولى من القانون رقم 41 لسنة 1933، بشأن زواج الممثلين السياسيين والقنصليين - وقد نصت على أنه "لا يجوز للممثلين السياسيين والقنصلين ولا لمأموري القنصليات التزوج من أجنبية"، ونصت المادة الثانية من القانون المذكور على أن "الموظف الذي يخالف الحكم المتقدم الذكر يعتبر مستقيلاً"، كما نصت المادة الثالثة على سريان هذا القانون على أمناء المحفوظات في المفوضيات والقنصليات، وأنه لم يرد بالقانون رقم 166 لسنة 1954، نص صريح على إلغاء القانون رقم 41 لسنة 1933، وأنه وإن كانت المادة 42 من القانون رقم 166 لسنة 1954 قد تناولت مسألة زواج أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي بغير مصرية، وهي ذات المسألة التي عالجتها المادتان الأولى والثانية من القانون رقم 41 لسنة 1933 إلا أن المادة الثالثة من القانون رقم 41 لسنة 1933 قد تناولت حكماً خاصاً بأمناء المحفوظات، وقضت بسريان حظر الزواج من غير مصريات عليهم، وهو حكم لم يتناوله القانون رقم 166 لسنة 1954 لا بالإلغاء الصريح ولا بالإلغاء الضمني، ولذلك يظل هذا الحكم قائماً غير منسوخ، وأنه لذلك يكون القانون رقم 41 لسنة 1933 المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 1941، قد ألغي إلغاء جزئياً بالقانون رقم 166 لسنة 1954 فيما يتعلق بأعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وظل قائماً غير منسوخ بالنسبة لأمناء المحفوظات وغيرهم ممن لم يتناولهم القانون رقم 166 لسنة 1954 بالذكر أو بإعادة التنظيم، وأن هذا الحظر لصيق بالوظيفة ولو كان قيام الموظف بها على سبيل الانتداب، وإنه لذلك يكون القرار المطعون فيه قد صادف سبباً قانونياً يقوم عليه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن النزاع الحالي يثير المسألتين الآتيتين: الأولى هل النص الوارد في المادة الثالثة من القانون رقم 41 لسنة 1933 الذي يحظر على أمناء المحفوظات التزويج من غير المصريات قد نسخه القانون رقم 166 لسنة 1954 أم ما زال قائماً ساري المفعول؟. والمسألة الثانية هل يسري هذا الحظر - على فرض قيامه - على من يندب أميناً للمحفوظات. أم أنه مقصور الأثر على من يقومون بهذه الوظيفة بصفة أصلية؟.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالمسألة الأولى، فإنه يبين من استقراء التشريعات الخاصة بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي أن المرسوم بقانون الصادر في 5 من أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي، والمرسوم بقانون الصادر في 20 من أكتوبر سنة 1925 بوضع نظام للوظائف السياسية لم يتضمنا حظر زواج رجال السلكين السياسي والقنصلي من أجنبيات، وإنما ورد هذا الحظر في تشريع خاص هو القانون رقم 41 لسنة 1933 الذي نص في المادة الأولى منه على أنه "لا يجوز للممثلين السياسيين أو القنصليين ولا لمأموري القنصليات التزوج من غير مصرية" ثم نصت المادة الثانية على أن "الموظف الذي يخالف الحكم المتقدم يعتبر مستقيلاً". ثم جاءت المادة الثالثة ونصت على أن "يسري هذا القانون على أمناء المحفوظات في المفوضيات والقنصليات وكذلك على التلاميذ الملحقين بالسلكين السياسي والقنصلي" ولما أعيد تنظيم السلكين الدبلوماسي والقنصلي بالقانون رقم 166 لسنة 1954، نص في المادة الأولى منه على أنه يلغى المرسوم بقانون الصادر في 5 من أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي، والمرسوم بقانون الصادر في 20 من أكتوبر سنة 1925 بوضع نظام للوظائف السياسية والقوانين المعدلة لهما، ويستعاض عنها بالقانون المرافق كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون عند العمل به". ويبين من مراجعة نصوص القانون المذكور أنه تضمن في الباب الأول أحكاماً لتنظيم السلك السياسي من السفراء حتى الملحقين كما تضمن أحكام السلك القنصلي من القناصل العامين حتى سكرتيري القنصليات، ثم تكلم في الباب الثاني عن الأحكام المشتركة بين أعضاء السلكين من تعيين وأقدمية وترقية ونقل وندب ومرتبات وإجازات وواجبات وتأديب، إلى أن جاء في الفصل الثامن الخاص بانتهاء الخدمة، فنص في المادة 42 على أن "يعتبر مستقيلاً من وظيفته من يتزوج من أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي بغير مصرية".
ومن حيث إن هذا النص هو ترديد لنص المادة الأولى من القانون رقم 41 لسنة 1933 وليس ملغياً له من حيث المبدأ، وغاية الأمر أن القانون الجديد قد ردده بمناسبة إعادة تنظيم أعضاء السلكين السياسي والقنصلي بتشريع شامل جامع للأحكام التي أراد تنظيم شئونهم بمقتضاها. ومن باب أولى لا يعتبر القانون الجديد رقم 166 لسنة 1954 ملغياً لا صراحة ولا ضمناً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 41 لسنة 1933، والتي تجعل حظر الزواج بغير مصرية منسحباً على أمناء المحفوظات، إذ فضلاً عما تقدم فإن القانون رقم 166 لسنة 1954 لم يتناول بالتنظيم سوى أعضاء السلكين السياسي والقنصلي دون أمناء المحفوظات فتظل التشريعات الخاصة بهم، ومنها نص المادة الثالثة من القانون رقم 41 لسنة 1933 سالف الذكر قائمة ونافذة في حقهم، وهي التي تنص على "أن يسري هذا القانون على أمناء المحفوظات في المفوضيات والقنصليات".
ومن حيث إن حظر الزواج من غير مصرية على أعضاء السلكين السياسي والقنصلي وعلى أمناء المحفوظات، واعتبار الموظف الذي يخالف ذلك مستقيلاً من وظيفته، قد قام على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العليا للدولة حماية لأمنها في الداخل والخارج، ومنعاً لتسرب أسرارها، فهو واجب لصيق بالوظيفة يقع على عاتق من يضطلع بها طالما كان قائماً بها، وأياً كان سبب اضطلاعه بأعبائها، يستوي في ذلك أن يكون ذلك بطريق التعيين فيها أو بطريق الندب لها لقيام العلة في الحالتين، ولأن المندوب يتحمل بأعباء الوظيفة جميعها وبهذا الواجب بالذات طوال مدة ندبه، شأنه في ذلك شأن المعين على حد سواء.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويكون القرار المطعون فيه سليماً لا مخالفة فيه للقانون، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.