مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 1103

(119)
جلسة 12 من إبريل سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 608 سنة 3 القضائية

( أ ) مرافق عامة - تنظيم المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة يدخل أصلاً في صميم اختصاص الدولة بحسبانها قوامة على المرافق العامة - تخليها عن هذا لأعضاء المهنة أنفسهم وتخويلهم نصيباً من السلطة العامة لتأدية رسالتهم تحت إشرافها - عدم تغيير ذلك للتكييف القانوني لهذه المهن بوصفها مرافق عامة.
(ب) قرار إداري - نقابة المهن الطبية - القرارات التي تصدر من مجلس النقابة أو من الهيئات المختصة بها هي قرارات إدارية - حجة ذلك.
(ج) قرار إداري - نهائيته - مردها إلى أحكام القانون في هذا الشأن - قرار مجلس نقابة المهن الطبية بإحالة أحد أعضاء النقابة إلى مجلس التأديب هو قرار إداري نهائي - جواز الطعن فيه بالإلغاء مستقلاً عن الحكم التأديبي النهائي.
(د) قرار إداري - مجلس نقابة المهن الطبية وهيئات التأديب كافة تعتبر هيئات إدارية - قراراتها في شأن التأديب هي قرارات إدارية لا قضائية - تعريف القرار القضائي.
(هـ) اختصاص - صدور قرار مجلس نقابة المهن الطبية بإحالة أحد أعضاء النقابة إلى مجلس التأديب - اعتباره من القرارات الإدارية الصادرة ضد الأفراد لا من قرارات تأديب الموظفين - خضوعه لحكم الفقرة السادسة من المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة رقم 9 لسنة 1949، دون الفقرة الثالثة من تلك المادة - عدم اعتباره من قرارات الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي المنصوص عليها بالمادة السادسة من ذلك القانون.
(و) حكم - الحكم الذي يصدر في طلب وقف التنفيذ عملاً بالمادة 10 من قانون مجلس الدولة رقم 9 لسنة 1949 - عدم مساسه بأصل طلب الإلغاء كون المحكمة لا تتقيد به عند نظر أصل طلب الإلغاء موضوعاًً - لا ينفي أنه حكم قطعي له مقومات الأحكام وخصائصها ويحوز حجية الأحكام في خصوص ذلك الطلب ولو أنه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف - إذا فصلت المحكمة عند نظر طلب وقف التنفيذ في دفع بعدم الاختصاص النوعي أو المتعلق بالوظيفة أو دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً فهذا الحكم يقيدها عند نظر طلب الإلغاء.
1 - إن تنظيم المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة (وهي مرافق عامة) مما يدخل أصلاً في صميم اختصاص الدولة بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة، فإذا رأت الدولة أن تتخلى عن هذا الأمر لأعضاء المهنة أنفسهم لأنهم أقدر عليه مع تخويلهم نصيباً من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم مع الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقاً للصالح العام، فإن ذلك لا يغير من التكييف القانوني لهذه المهن بوصفها مرافق عامة.
2 - يخلص من استقراء نصوص القانون رقم 62 لسنة 1949 بإنشاء نقابات المهن الطبية أنه قد أضفى على النقابة شخصية معنوية مستقلة، وخولها حقوقاً من نوع ما تختص به الهيئات الإدارية العامة، فخولها حق احتكار المهنة وهي مرفق عام وقصرها على أعضائها دون سواهم، كما خولها حق فرض رسوم مالية على صورة اشتراكات جبرية تحصل في مواعيد دورية، ثم سلطة إصدار قرارات واجبة التنفيذ في شئون الأطباء وسلطة تأديب أعضائها، وسلطة تشريع بوضع اللائحة الداخلية ولائحة تقاليد المهنة، كما يدل على أنها قد جمعت بين مقومات المؤسسات العامة وعناصرها من شخصية مستقلة ومرفق عام تقوم عليه مستعينة في ذلك بسلطات عامة شأنها في ذلك شأن كافة هيئات التمثيل المهني؛ ومن ثم فهي شخص إداري من أشخاص القانون العام وقراراتها سواء صدرت في موضوع التأديب من هيئاتها المختصة (وهي هيئات إدارية لا قضائية) أو صدرت من مجلس النقابة في مسائل القيد بالسجلات أو في غير ذلك من الأغراض، هي قرارات إدارية قابلة للطعن فيها بدعوى الإلغاء أمام محكمة القضاء الإداري.
3 - أن يكون القرار نهائياً أو غير نهائي في أمر معين مرده إلى أحكام القانون في هذا الشأن، ويبين من استقراء نصوص القانون رقم 62 لسنة 1949 بإنشاء نقابات واتحادات نقابات المهن الطبية أن قرار مجلس النقابة بإحالة أعضائها إلى هيئة التأديب هو قرار إداري نهائي تنفيذي في خصوص تلك الحالة؛ ذلك لأن المجلس المذكور هو المختص دون سواه بالنظر في هذا الأمر وليس ثمة سلطة أعلى تملك التعقيب عليه في موضوع الإحالة إلى مجلس التأديب، فهو قرار نهائي في التدرج الرياسي كما أن مجلس النقابة إذ يصدره يستنفد سلطته فلا يملك الرجوع فيه أو العدول عنه، وللقرار فضلاً عن ذلك أثره القانوني بالنسبة إلى المحالين للمحاكمة التأديبية وبالنسبة إلى الهيئة المختصة بمحاكمتهم تأديبياً، ذلك أن الدعوى تنتقل بمجرد صدوره من مرحلة التحقيق إلى مرحلة المحاكمة، كما ينبعث اختصاص الهيئة التأديبية فيتعين عليها السير في المحاكمة وهذا وجه النهائية في القرار المطعون فيه، ويترتب على ذلك جواز الطعن فيه بدعوى الإلغاء مستقلاً عن الحكم التأديبي النهائي إذا كان القرار مخالفاً للقانون في موضوع الإحالة إلى التأديب في ذاتها أو شاب القرار عيب عدم الاختصاص أو عيب في الشكل أو في الإجراءات ويظل لهيئة التأديب اختصاصها بنظر الموضوع، فلا تحول رقابة القضاء الإداري على إجراءات التأديب التي تسبق المحاكمة على النحو وفي الحدود السابقة دون مزاولة هيئة التأديب ولايتها في تأديب أعضاء النقابة عما ينسب إليهم من مخالفات.
4 - إن مجلس نقابة المهن الطبية وكذلك هيئات التأديب كافة تعتبر هيئات إدارية في تشكليها وفي اختصاصها، إذ خولها القانون حق إصدار قرارات في مسائل التأديب بمقتضى سلطتها العامة، وهذه القرارات إدارية لا قضائية لأن القرار القضائي هو الذي تصدره المحكمة بمقتضى ولايتها القضائية ويحسم - على أساس قاعدة قانونية - خصومة قضائية تقوم بين خصمين وتتعلق بمركز قانوني خاص أو عام، ولا ينشئ هذا القرار مركزاً قانونياً جديداً، وإنما يكشف أو يقرر قيام حق أو عدم قيامه، وظاهر أن القرارات التأديبية لا تحمل أية سمة من هذه السمات.
5 - متى ثبت أن القرار المطعون فيه قد صدر بإحالة المدعين، باعتبارهم أفراد لا موظفين إلى المحاكمة التأديبية أمام مجلس تأديب نقابة الأطباء، فلا تنطبق عليهم الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة رقم 9 لسنة 1949 الخاصة بقرارات تأديب الموظفين، كما لا ينطبق عليهم المادة السادسة الخاصة بالقرارات الصادرة من جهات إدارية ذات اختصاص قضائي، وإنما يعتبر قراراً إدارياً نهائياً صادراً ضد أفراد مما ينطبق على الفقرة السادسة من المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة.
6 - إن المادة 10 من القانون رقم 9 لسنة 1949 إذ نصت على أنه لا يترتب على رفع الطلب إلى محكمة القضاء الإداري وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه وعلى أنه يحوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر مؤقتاً إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها.. وهي عين ما رددته المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة - إنما عنت بذلك أن الحكم الذي يصدر في موضوع الطلب سواء بوقف التنفيذ أو عدمه على حسب الظاهر الذي تبدو به الدعوى، لا يمس أصل طلب الإلغاء فلا يقيد المحكمة عند نظر أصل هذا الطلب موضوعاً، ومع ذلك يظل الحكم لصادر في طلب وقف التنفيذ حكماً قطعياً له مقومات الأحكام وخصائصها، وينبني على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام في خصوص موضوع الطلب ذاته ولو أنه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب، كالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري أصلاً بنظر الدعوى لسبب متعلق بالوظيفة، أو بعدم اختصاص المحكمة أصلاً بنظرها بحسب موضوعها، أو بعدم قبولها أصلاً لرفعها بعد الميعاد، أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً؛ إذ قضاء المحكمة في هذا كله ليس قطعياً فحسب بل هو نهائي وليس مؤقتاً، فيقيدها عند نظر طلب إلغائه. فما كان يجوز لمحكمة القضاء الإداري - والحالة هذه - بعد إذ فصلت بحكمها الصادر في 3 من مايو سنة 1953 برفض الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم قبول الدعوى وبوقف تنفيذ القرار، أن تعود عند نظر طلب الإلغاء فتفصل في هذين الدفعين من جديد، لأن حكمها الأول كان قضاء نهائياً وحاز حجية الأحكام ثم قوة الشيء المحكوم به، ولو أنها قضت على خلاف ما قضت به أولاً لكان حكمها معيباً لمخالفته لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به.


إجراءات الطعن

في 27 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 29 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 399 سنة 7 ق المرفوعة من الدكتور نجيب محفوظ وآخرين ضد رئيس مجلس نقابة المهن الطبية للأطباء البشريين وآخر القاضي أولاً: برفض الدفع بعدم جواز نظر الدفعين بعدم الاختصاص وعدم القبول لسابقة الفصل فيها وبجواز نظرهما: ثانياً: برفض هذين الدفعين وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبقبولها: ثالثاً: في موضوع الدعوى بإلغاء القرار الصادر من مجلس نقابة الأطباء البشريين بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1952 بإحالة المدعين إلى هيئة التأديب من الدرجة الأولى واعتبار هذا القرار كأن لم يكن وإلزام نقابة الأطباء بمصروفات الدعوى وبمبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى، ثم القضاء بقبول هذا الدفع وبعدم قبول الدعوى وإلزام المدعين بالمصروفات. وقد أعلن الطعن للمدعين في 5 من مايو سنة 1957 وللنقابة والخصم الثالث في 28 من إبريل سنة 1957 و12 من يونيه سنة 1957 وعين لنظره جلسة 15 من فبراير سنة 1958.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من ديسمبر سنة 1952 أقام المدعون الدعوى رقم 399 سنة 7 ق ضد رئيس مجلس نقابة المهن الطبية للأطباء البشريين طالبين الحكم - أولاً: وعلى وجه عاجل بوقف تنفيذ القرار الصادر من مجلس نقابة الطبية للأطباء البشريين في 23 من ديسمبر سنة 1952 بإحالة المدعين إلى المحاكمة التأديبية. ثانياً: بإلغاء هذا القرار واعتباره كأن لم يكن مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالوا بياناً لذلك إنه في مارس سنة 1952، وقع خلاف بين الدكتور يحيى عبد العزيز تقاوي وزوجه السيدة إيفون صبحي بعد زوجية دامت نحواً من سنتين، ورأي والد الزوجة أن يعرض كريمته على كبار أطباء مصر المتخصصين في أمراض النساء ليتحقق مما إذا كانت بكارتها قد فضت بالإصبع أو بالمواقعة الطبيعية وهل تدل أعضاؤها التناسلية على مخالطة جنسية أم لا. وقد فحص المدعون الأربعة الأول السيدة إيفون وأصدر كان منهم شهادة سجل فيها ما شاهده وشفع ذلك بالإجابة على السؤالين السابقين، والشهادات الأربع إن اختلفت في تفصيل المشاهدة فقد اتفقت في جوهرها كما اتفقت فيما خلص إليه الأطباء من أن ظاهر غشاء البكارة يفيد أنها فضت بالإصبع لا بغيره، وأن ضيق فتحة المهبل تفيد أن السيدة لم تواقع مواقعة جنسية، كما فحص المدعي الخامس الزوجة وأجاب على السؤالين سالفي الذكر في تقرير وافق فيه زملاءه الأربعة في مجمل ما شاهدوه كما وافقهم في النتيجة التي انتهوا إليها، قدم والد الزوجة شهادات الأطباء هؤلاء إلى المجلس الملي في دعوى طلاق كانت مقامة من الزوجة على زوجها ومضى الزوج يلتمس مخرجاً، وما هي إلا أيام حتى قدم تقريراً مضاداً من الدكتور محمود ماهر وطبيبين شرعيين آخرين معه، وكان كل الذي في هذا التقرير هو أن العلامات التي سجلها الأطباء المدعون من واقع ما شاهدوه لا تؤدي بصفة حتمية إلى النتائج التي استخلصوها. ولم يفت المجلس الملي أن يلاحظ أن التقرير المضاد قد صدر من أطباء لم يفحصوا الزوجة وأنه لا ينفي دلالة شهادات المدعين كما لم يفته أن يضع موضع الاعتبار ما وراء كل طبيب منهم خبرة طويلة تقي الزلل وسمعة عاطرة تستوجب الثقة، وعلى هذا أخذ بشهاداتهم وأسس عليها حكمه بالفرقة وأشار إلى كل ذلك في أسباب حكمه. استأنف الزوج حكم الطلاق فرفض استئنافه وأصبح الحكم نهائياً حائزاً لقوة الشيء المقضى به، وهذه القوة تتناول منطوق الحكم كما تتناول الأسباب التي انبنى عليها التي تكون معه وحدة متماسكة لا تقبل التجزئة ومن هذه الأسباب شهادة الأطباء المدعين والدلالة المستفاد منها. لم يذعن الزوج أو يستسلم نزولاً على حكم، ولكنه راح يعد أسئلة معينة عن حالة زوجه حسبما سبقت الإشارة إليها وأخذ يرسلها إلى عشرات الأطباء، وطبيعي أن يختلف الرأي في الإجابة فتكون إجابات موافقة وأخرى مضادة وأخذ الزوج يجمع الإجابات المضادة لشهادات المدعين وتقدم إلى نقابة الأطباء شاكياً زملاءه المدعين، مدعياً عليهم أنهم أصدروا ضده شهادات لا تطابق الواقع وأنهم من أجل ذلك مسئولون أمامه مدنياً عن الأضرار التي أصابته، ولما كان البند الحادي عشر من المادة الخامسة والأربعين من قانون نقابات المهن الطبية قد جعل من اختصاص مجلس النقابة الوساطة بين الأعضاء أنفسهم لحسم كل نزاع ينشأ بينهم بسبب مهنتهم، فقد اعتمد الزوج في شكواه على هذا النص وطلب من مجلس النقابة إجراء تحقيق في شكواه، وقد فات مجلس النقابة أن يفهم القانون على وجهه الصحيح وأن محل تطبيق البند المذكور هو أن يقع نزاع بين الأطباء بسبب مهنتهم - ولا نزاع بين المدعين والزوج بسبب المهنة فقط - لذلك أصدر قراراً بتشكيل لجنة ناط بها التحقيق مع المدعين، فأبى ثلاثة منهم النزول على هذا القرار معتمدين على صحيح حكم القانون وحضر الآخران أمام اللجنة وكشفا لها عن الوضع الصحيح للمسألة، ومضت اللجنة في طريقها وهو ذات الطريق الذي مهده الشاكي وأعده، فإذا بها تأخذ بالإجابات التي جمعها الزوج وإذا بها تعتنق الآراء التي وردت بها، في حين أنها تعلم أن طبيباً واحداً من أصحاب هذه الإجابات والفتاوى لم يفحص السيدة التي فحصها المدعون، وهي إلى ذلك تعلم أو كان يلزمها أن تعلم أن بعض ذوي الضمائر ممن استفتاهم الزوج لم يفتهم أن يشيروا إلى أن الفحص أمر لا بد منه - الدكتور سيدني سميث - كما لم يفتهم أن يشيروا إلى أن العامل الشخصي عند الطبيب وقت الفحص أمر له أهميته التي يجب أن تدخل في الاعتبار - الدكتور عماره - وقد افترضت لجنة التحقيق أن الشهادات التي أصدرها المدعون تقرر قواعد مطلقة مجردة، وعلى أساس هذا الفرض الخاطئ نعت اللجنة في تقريرها على المدعين أنهم أطلقوا قاعدة في حين أن الإطلاق لم يقل به أحد، وعلى هذا رمت اللجنة المدعين - وهم من أئمة الطب المصري وأعلامه - بأنهم أساءوا في أداء مهنتهم، إذ أصدروا شهادات طبية لا تستند إلى أساس علمي وهو زعم فاسد؛ ذلك أن المدعين لم يقرروا قاعدة علمية معينة وإنما أبدوا رأيهم في حالة بذاتها رأوها بأعينهم وفحصوها بأيديهم، وأنه لما يدعو للعجب والأسف أن يعتمد مجلس النقابة هذا التقرير بأغلبية ثمانية أصوات ضد ثلاثة. وعلى أساسه أصدر في 23 من ديسمبر سنة 1952 قراراً يقضي بإحالة المدعين على المحاكمة التأديبية، وقد هال هذا القرار رئيس المجلس وروعه فما وسعه إلا أن يستقيل غداة صدوره لأنه على حد قوله لم يجد بدأ من الاستقالة حتى لا يحمل مسئولية المساهمة في تنفيذ قرار يرى هو أنه هادم للحرية المهنية، ولما كان هذا القرار هو بمثابة قرار إداري إذ النقابة في عين القانون سلطة إدارية فإن المدعين يطعنون فيه بالبطلان لوقوعه مخالفاً للقانون من أوجه منها: (أولاً) أن المجلس الذي أصدر القرار كان يضم اثنين من أعضاء لجنة التحقيق وهما الدكتور توفيق حلمي والدكتور محمود النبوي المهندس وصوت كلاهما في المجلس الذي قرر المحاكمة، في حين أن المادة 48 من القانون تنص على أنه لا يجوز لأكثر من عضو واحد من أعضاء لجنة التحقيق أن يعطي صوته، وعلى هذا يكون المجلس حين أصدر القرار المطعون فيه مشكلاً تشكيلاً مخالفاً للقانون. (ثانياً) إنه ناقص حجية الشيء المقضى به - تلك الحجية التي حازها حكم الطلاق والتي يترتب عليها في حكم القانون أن الشهادات التي انبنى عليها الحكم المذكور تصبح حصينة من الطعن أو التجريح، (ثالثاً) إن مبناه شكوى الزوج الطبيب وهو يؤسسها على البند الحادي عشر من المادة الخامسة والأربعين من قانون المهن الطبية وهذا البند لا يجعل لمجلس النقابة اختصاصها بنظر الشكوى فكان خطأ أن يقبلها المجلس وكان خطأ من باب أولى أن يحيلها على التحقيق. (رابعاً) إن قرار لجنة التحقيق قد شابه خطأ في الإسناد من وجهين: أما الأول فهو إن القرار أسند للمدعين إن كلاً منهم قد قرر في شهادته قاعدة مطلقة حتمية في حين أن الأمر على نقيض ذلك لأن الطبيب إذ يرى رأياً مبناه مشاهدة حالة بذاتها إنما يبدي رأيه فيما استفاده من المشاهدة في هذه الحالة بعينها ولا يقرر قاعدة مطلقة ملزمة. وأما الثاني فهو أن القرار زعم أن شهادات المدعين لا تستند إلى أساس علمي وهو زعم فاسد لأن الذي رآه المدعون يتفق مع الأسس العلمية المتفق عليها. (خامساً) لأن الحرية المهنية تمنع مساءلة الطبيب عما يراه في غير حالة الجهل البين بأصول المهنة، وشهادات المدعين ليست إلا آراء لهم مبناها ما شاهدوه متفرقين وهم لا يسألون عن هذه الآراء ولا يجوز أن يتهموا بسببها إلا في حالة الجهل البين وهو ما لم يقل به أحد في حقهم. ومتى كان الأمر كذلك فإن اتهامهم يقوم على عدم فهم مقومات الاتهام، وبالتالي ينطوي على خطأ في تكييف القانون. وقد ردت النقابة على الدعوى فدفعت بعدم اختصاص القضاء الإداري بالنظر في طلب إلغاء القرارات الصادرة من نقابة الأطباء بصفة عامة والقرارات المتعلقة بالتأديب بصفة خاصة، وبعدم قبول الدعوى لأن قرار الإحالة على المحاكمة التأديبية قرار تحضيري وليس قراراً نهائياً، ورد المدعون على هذين الدفعين بمذكرة مؤرخة في 21 من فبراير سنة 1953، ثم تقدمت النقابة بمذكرة تتضمن دفاعها في الموضوع ردت فيها على أوجه البطلان التي أقام المدعون عليها دعواهم - فقالت عن الوجه الأول إنه لا تعارض بين التصرف في التحقيق بالإحالة أو الحفظ وبين مباشرة التحقيق نفسه بل الأصل أن يجتمع الأمران في اليد التي تتولى التحقيق. فاشتراك عضوي لجنة التحقيق - وهما من أعضاء مجلس النقابة - في مداولات المجلس الخاصة بالتصرف في هذا التحقيق واشتراكهما في إصدار القرار بالإحالة على مجلس التأديب لا تثريب عليه؛ لأنه يجرى مع الأصل العام ويسايره ولا يجوز حرمانها من هذا الاشتراك إلا بنص ولا نص على ذلك، أما القول بأن المادة 48 من القانون رقم 62 لسنة 1949 تحظر هذا الاشتراك فغير صحيح؛ إذ أن المادة المذكورة وردت في خصوص لجنة فحص الشكاوى التي يشكلها المجلس من بين أعضائه ولم ترد مثل هذا القيد فيما يتعلق بلجنة التحقيق المنصوص عليها في المادة 21 من القانون فلا محل لأعماله من طريق القياس، وإذا قيل بأن هذا القيد يمتد إلى لجنة التحقيق فإن أثره لا يتجاوز حساب عدد الأصوات ولا يستتبع إلا إسقاط صوتين من الأصوات التي أعطيت ضد المدعين مقابل العضوين اللذين اشتركا في لجنة التحقيق، وهذا لا يمكن أن يؤثر على صحة القرار الذي صدر - كما يقول المدعي - بأغلبية ثمانية أصوات ضد ثلاثة، وإنما يؤثر على مقدار الأغلبية فينزل بها من ثمانية إلى ستة والمادة 21 لا تشترط أغلبية خاصة لقرار الإحالة على مجلس التأديب. أما فيما يتعلق بالوجه الثاني، فإن حجية الحكم الصادر من المجلس الملي في دعوى التطليق بين الدكتور تقاوي وزوجته لا يتجاوز نطاقها الخصوم الذين صدر بينهم والموضوع الذي صدر فيه والسبب الذي على أساسه أقيمت الدعوى، ولم يكن المدعون طرفاً في تلك الدعوى أو ممثلين فيها كما أن موضوع الدعوى التأديبية وسببها يختلف عن موضوع وسبب الدعوى التي صدر فيها ذلك الحكم وإذا كانت الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية توصف أحياناً بأنها تصدر في مواجهة الكفاية، فإنها لا تزيد في ذلك عن الأحكام الجنائية ولا تشذ عن بقية الأحكام المدنية والجنائية في قابليتها للالتماس رغم نهائيتها، ومن المسلم أن صدور الحكم النهائي في الدعوى المدنية أو الدعوى الجنائية لا يحول دون محاكمة الشاهد أو الخبير الذي على أساس شهادته أو تقريره صدر الحكم عن كذبه أو غشه أو خطئه، بل إن إدانة الشاهد أو الخبير يجعلها القانون سبباً لإعادة النظر في الحكم النهائي أو إبطال حجيته. ولم تتناول النقابة الرد على الوجه الثالث وأجملت الرد على الوجه الرابع في أن القرار المطعون فيه هو قرار مجلس النقابة لا قرار لجنة التحقيق. وقالت عن الوجه الخامس إن الأمر لم يكن أمر مناقشة رأي أو تعريض لحرية وإنما الأمر - كما ورد في قرار الإحالة على المحاكمة التأديبية - أمر إساءة للمهنة وإهمال شأنها وقد كان ذلك بارزاً في التحقيق الذي أجرته اللجنة وسمعت فيه أقوال اثنين من المدعين، فقد قال كلاهما أن الرأي الذي أثبته في الشهادة التي أعطاها لم يكن رأياً مقطوعاً به وهناك احتمال آخر هو أن يكون فض البكارة نتيجة لاختلاط جنسي، وقد أخفى كلامها هذا الاحتمال ولم يذكره في الشهادة التي أعطاها رغم علمه أنها ستقدم لمحكمة. وقدم الخصم الثالث مذكرة تحدث فيها عن ولاية القضاء الإداري على إجراءات سلطات التأديب ونفي ولاية هذا القضاء على تلك الإجراءات، ثم قال إنه على فرض التسليم بذلك فيجب أن تتحدد ولاية المحكمة بالأسباب الواردة بالمادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949، وهي عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأوليها أو إساءة السلطة، أما الموضوع ذاته أو الواقعة التي ينسبها قرار الإحالة إلى المدعين وثبوتها في حقهم والدليل عليها وكفاية هذا الدليل فهذا كله من اختصاص هيئة التأديب. ثم تكلم عن مسئولية الطبيب وواقعة الدعوى على ما فصله في مذكراته. وبجلسة 3 من مايو سنة 1953، حكمت المحكمة برفض الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم قبول الدعوى وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وقد تبادل المدعون والنقابة والخصم الثالث المذكرات في موضوع الدعوى وتمساك الحاضر عن النقابة بالدفعين بعدم الاختصاص وبعدم القبول السابق إبداؤهما عند نظر طلب وقف التنفيذ وتمسك المدعون بالحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ والقاضي برفض هذين الدفعين، ودفعوا بعدم جواز نظرهما لسابقة الفصل فيهما بحكم قطعي نهائي له حجيته لا يجوز معه إثارتهما من جديد عند نظر الموضوع. وبجلسة 29 من يناير سنة 1957 حكمت المحكمة "أولاً برفض الدفع بعدم جواز نظر الدفعين بعدم الاختصاص وعدم القبول لسابقة الفصل فيهما وبجواز نظرهما. ثانياً - برفض هذين الدفعين وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبقبولها. ثالثاً - في موضوع الدعوى بإلغاء القرار الصادر من مجلس نقابة الأطباء البشريين بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1952 بإحالة المدعين إلى هيئة التأديب من الدرجة الأولى واعتبار هذا القرار كأن لم يكن وألزمت نقابة الأطباء بمصروفات الدعوى وبمبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة". وقد أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم جواز نظر الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم القبول لسابقة الفصل فيهما على أن "قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الحكم الذي تصدره محكمة وقف التنفيذ هو حكم قطعي له مقومات الأحكام وخصائصها ويحوز قوة الشيء المقضى به بالنسبة للوجه المستعجل للنزاع ويقيد المحكمة بوصفها محكمة الجانب المستعجل للنزاع بحيث لا يحوز لها العدول عنه كما لا يحوز لأصحاب الشأن إثارة النزاع أمامها من جديد طالما أن الظروف الملابسة له لم تتغير، ولكنه لا يقيد المحكمة عندما تقضي في موضوع طلب الإلغاء لأن حكمها الأول حكم وقتي يتناول الوجه المستعجل للنزاع فقط دون المساس بأصل الموضوع؛ ومن ثم يجوز للمحكمة عند نظر موضوع دعوى الإلغاء العدول عنه كلياً أو جزئياً بما في ذلك ما تكون المحكمة قد فصلت فيه من دفوع أبديت أمامها من الخصوم بقصد التدليل على عدم جدية طلب وقف التنفيذ؛ لأنه إذا كان من المسلم أن الدفوع بصدد أية دعوى تعتبر من المسائل المتفرعة عنها وكانت القاعدة أن الفرع يتبع الأصل ويأخذ حكمه فلا يستساغ أن يكون للحكم الصادر من محكمة وقف التنفيذ في الدفوع التي تثار أمامها قوة تفوق الحكم الصادر منها في موضوع طلب وقف التنفيذ ذاته؛ ومن ثم يكون الدفع بعدم جواز إعادة النظر في الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم القبول على غير أساس من القانون متعيناً رفضه والبحث في صحتهما من جديد". وبالنسبة لرفض الدفع بعدم الاختصاص الذي دفع به أمامها على أنه "يجب بادئ ذي بدء التقرير طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن نقابة المهن الطبية هي من أشخاص القانون العام؛ ذلك أنها تجمع بين مقومات هذه الأشخاص؛ فإنشاؤها يتم بقانون أو بأداة تشريعية أدنى من ذلك، وأغراضها وأهدافها ذات نفع عام. ولها على أعضائها سلطة تأديبية، ولهؤلاء الأعضاء دون غيرهم حق احتكار مهنهم فلا يجوز لغيرهم مزاولتها، واشتراك الأعضاء في النقابة أمر حتمي، ولها حق تحصيل رسوم الاشتراك في مواعيد دورية منتظمة، هذا فضلاً عن أن القانون رقم 62 لسنة 1949 قد أضفى على النقابة شخصية معنوية مستقلة، وخولها حقوقاً من نوع ما تختص به الهيئات الإدارية العامة مما يدل على أنها جمعت بين مقومات المؤسسات العامة وعناصرها من شخصية مستقلة ومرفق عام تقوم عليه مستعينة في ذلك بسلطات عامة شأنها في ذلك شأن كافة هيئات التمثيل المهني؛ ومن ثم فهي شخص إداري من أشخاص القانون العام. وقراراتها سواء صدرت في موضوع التأديب من هيئاتها المختصة أم صدرت من مجلس النقابة في مسائل القيد بالسجلات أو في غير ذلك من الأغراض هي قرارات إدارية تجوز المطالبة بإلغائها، ولا يؤثر في ذلك دخول عناصر قضائية في تشكيل بعض هذه الهيئات؛ لأن العبرة في تكييف القرار إن كان قضائياً أم إدارياً إنما يكون بحسب المجال الذي تعمل فيه الهيئة وفقاً للسلطة المخولة لها قانوناً؛ فإذا كان المجال إدارياً اعتبر القرار الصادر منها إدارياً. ولما كانت السلطة التأديبية معدودة من الوسائل الإدارية في تقويم سير المرافق العامة، فإن كافة ما يصدر من قرارات من الهيئات القوامة عليها يعتبر قرارات إدارية؛ ومن ثم فلا حجة بعد ذلك في قول النقابة إن المشرع أراد أن ينأى بالقرارات التأديبية الصادرة في حق الأطباء من هيئات التأديب المبينة بقانون النقابة من اختصاص محكمة القضاء الإداري بعد إذ نص على تشكيل هذه الهيئات من عناصر لم يدخل فيها أحد من رجال مجلس الدولة وبعد إذ جعل الدرجة النهائية لمجلس التأديب لأعلى هيئة قضائية - هي إحدى دوائر محكمة النقض - لا حجة في ذلك ما دام هذا التنظيم متعلقاً بتشكيل مجلس التأديب بهيئاته المختلفة. ولا يؤثر في طبيعة القرارات التي تصدرها تلك الهيئات من أنها قرارات إدارية صادرة في مسائل من صميم أعمال السلطة الإدارية؛ إذ يعد التأديب عملاً إدارياً بطبيعته؛ ومن ثم تجوز المطالبة بإلغاء القرارات الصادرة في هذا الشأن أياً كانت الهيئة التي صدرت منها باعتبار أنها قرارات إدارية لا سبيل إلى منع المطالبة بإلغائها إلا بنص صريح في القانون، وقد خلا قانون النقابة وكذلك قانون مجلس الدولة من مثل هذا النص". وفي صدد الدفع بعدم قبول الدعوى استعرضت المحكمة نصوص المواد 19 و20 و21 من القانون رقم 62 لسنة 1949، وهي الخاصة بتأديب الأطباء غير الموظفين، وخلصت من ذلك إلى أنه "يبين من هذه النصوص أن المشرع زيادة في الضمان قد أقام نظام المحاكمة التأديبية للأطباء على أساس الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم، فجعل سلطة الاتهام بيد مجلس النقابة بينما جعل سلطة الحكم في الدعوى التأديبية لمجالس التأديب بهيئاتها الثلاثة؛ ومن ثم كان لكل من السلطتين مجالها الإداري الذي تعمل فيه على استقلال؛ فبينما يختص مجلس النقابة إما بتحريك الدعوى التأديبية متى رجح لديه من الأدلة والقرائن ثبوت الفعل المنسوب إلى المتهم وكان يكوّن جريمة تأديبية أو بحفظ التهمة إذا لم يثبت له شيء من ذلك، يقوم مجلس التأديب - باعتباره سلطة الحكم - بالفصل في موضوع التهمة بالإدانة أو البراءة. وسلطة الاتهام إذ تحرك التهمة لا تقضي بثبوتها على وجه قاطع ولا توقع جزاء بل تترك ذلك لمجلس التأديب ليقضي فيها حسبما يراه، وقرارها في ذلك قاطع ولا يخضع لتصديق سلطة أعلى، ويلزم مجلس التأديب بالفصل في موضوع التهمة إما بالإدانة أو بالبراءة؛ ومن ثم ينشأ عن قرار الاتهام الذي يصدره ذلك المجلس مركز قانوني من حيث إنه يجعل الطبيب متهماً بعد أن كان بريئاً، ويوجب عليه أن يدافع عن نفسه ويخضعه لسلطان مجلس التأديب. كما أنه ينقل الدعوى التأديبية للمجلس المذكور ويجعله مختصاً بنظرها ويلزمه الفصل في موضوع التهمة؛ ومن ثم فهو قرار إداري نهائي ذو أثر تنفيذي. ولا يؤثر في صحة هذا النظر أن قرار الإحالة قرار موقوت بطبيعته على أساس أنه لا يحدد مركز المتهم تحديداً نهائياً لأن هذا التحديد لا يتأتى إلا بعد تمام المحاكمة التأديبية وصدور قرار مجلس التأديب؛ إذ يجب التفرقة في هذه الحالة بين القرار الإداري في حد ذاته وبين الآثار المترتبة عليه، فقد تكون هذه الآثار موقوتة بطبيعتها أو زائلة بعد حين دون أن يؤثر ذلك في نهائية القرار، لأن العبرة في النهائية إنما تكون بصدور القرار من سلطة مختصة دون أن يحتاج نفاذه إلى تصديق سلطة أعلى. أما الآثار المترتبة عليه فهي نتيجة له وقد تبقى أو تزول بعد حين حسب طبيعة القرار والغاية المقصودة منه"، وأنه "لا محل لما تستند إليه النقابة والخصم الثالث من القياس على حالة الموظفين العموميين الذين لا يجوز لهم الطعن إلا على القرارات النهائية للسلطات التأديبية؛ ذلك أن الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 قيدت من اختصاص المحكمة في هذا الشأن وجعلته مقصوراً على الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية؛ وعلى ذلك قضت المحكمة بعدم اختصاصها بالنسبة لطلب إلغاء قرار بإحالة أحد الموظفين على مجلس التأديب أو بوقفه عن العمل تمهيداً لمحاكمته تأديبياً، لا على أساس أنها قرارات تحضيرية غير نهائية بل على أساس نصوص القانون المانعة من المطالبة بإلغائها، ولم يرد مثل هذا القيد بالنسبة للأفراد من غير الموظفين العموميين؛ وعلى ذلك يكون من حقهم الطعن على كافة القرارات الإدارية النهائية بالتطبيق للفقرة السادسة من المادة الثالثة سالفة الذكر". وخلصت المحكمة من ذلك إلى رفض الدفع بعدم القبول وبأن للمحكمة الرقابة على القرار المطعون فيه. وأما عن موضوع الدعوى فقد أشارت المحكمة أولاً إلى أنه "يجب التقرير مبدئياً بأن رقابة هذه المحكمة على قرار الاتهام المطعون فيه من حيث مطابقته للقانون تقوم على أمرين: (الأول) استناد الاتهام إلى وقائع ثابتة في التحقيق، (الثاني) أن هذه الوقائع تكون جريمة تأديبية بحسب مدلولها في القانون أو في عرف المهنة. ولا يؤثر في ذلك ما ذهب إليه النقابة من أنه يكفي مجرد الشبهة لا ثبوت التهمة لصحة قرار الإحالة على المحاكمة التأديبية وإلا قطعت دعوى الإلغاء السبيل على مجلس التأديب في أداء مهمته ويصبح وجودها لغواً لا يقبله العقل ولا القانون، ما دامت رقابة المحكمة في دعوى الإلغاء لا تتعدى التحقق من قيام دلائل قوية على ثبوت الفعل المنسوب إلى التهم ومن أن الفعل في ذاته بفرض صحته يكون جريمة تأديبية وذلك للحد من الإسراف في الاتهام وهي علة إجازة الطعن بالإلغاء في قرار الإحالة على مجلس التأديب بالقياس إلى ما هو مخول في القضاء الجنائي لقاضي الإحالة قديماً وقاضي التحقيق أخيراً من الرقابة على قرار الاتهام الصادر من النيابة في جناية أو جنحة؛ ومن ثم ترى المحكمة البحث أولاً في الوجهين الرابع والخامس من وجوه الطعن". وبعد أن استعرضت مراحل النزاع بين الخصم الثالث وزوجته، ورفع والد الزوجة بصفته ولياً عليها دعوى الطلاق أمام المجلس الملي الفرعي، واستصحابه كريمته إلى المدعين لفحصها وتقرير حالتها، والشهادات التي كتبها المدعون بعد فحص الزوجة، ثم التقارير الطبية الاستشارية التي قدمها الزوج أمام المحكمة الملية رداً على تقارير المدعين، وما قضى به المجلس الملي الفرعي في 2 من مايو سنة 1952 بالفصل بين الزوجين والتصريح لهما بالزواج للأسباب التي أقام عليها حكمه، ثم ما قضى به المجلس الملي العام بجلسة 13 من يونيه سنة 1952 من تأييد حكم المجلس الملي الفرعي والأسباب التي أسس عليها حكمه، وإلى شكوى الخصم الثالث للنقابة ضد المدعين، وما قرره المجلس من إحالة الشكوى إلى لجنة تحقيق، وما انتهت إليه لجنة التحقيق من إحالة المدعين إلى الهيئة التأديبية من الدرجة الأولى بتهمة أنهم "أساءوا في أداء مهنتهم بتحرير شهادات طبية لا تستند إلى أي أساس علمي وذلك تطبيقاً للمادة 19 من القانون رقم 62 لسنة 1949"، ثم موافقة مجلس النقابة في جلسته المنعقدة 23 من ديسمبر سنة 1952 على إحالة المدعين على المحاكمة التأديبية، ثم استقالة رئيس مجلس النقابة استقالة مسببة لعدم موافقته على ذلك القرار، ومما جاء بها ما يأتي "كان لا يداخلني شك في أن حضرات أعضاء مجلس النقابة سيغلبون الصالح العام... ولكن الذي بدا لي مع الأسف الشديد هو غير ذلك..."، وما تقدم به عدد كبير من الأطباء من مختلف فروع المهنة من احتجاج على قرار مجلس النقابة ومن بينهم بعض من استشهد بهم الخصم الثالث، وما تقدم به فريق من أطباء أمراض النساء والولادة، ومن بينهم هذا البعض ممن سبق أن استشهد بهم الخصم الثالث، إلى نقيب الأطباء طعناً في التقارير المقدمة من الخصم الثالث على أساس أن "هذه الأقوال والشهادات صدرت عنهم بصفة أجوبة على أسئلة نظرية بحتة وجهها إليهم حضرته بالصيغة التي ارتآها وأنهم يقررون أنه لا يمكن إبداء أي رأي في حالة خاصة إلا بعد فحص الحالة طبياً لأن الرأي المبني على غير ذلك لا يمكن الأخذ به في تشخيص أو تكييف حالة بذاتها - بعد أن استعرضت المحكمة كل ذلك خلصت إلى ما يأتي "أولاً - أن الثابت من الشهادات والتقارير الطبية المقدمة من الزوجة أن الأطباء الخمسة المدعين حرر كل منهم الشهادة الصادرة منه بعد فحص حالة الزوجة على انفراد وفي أوقات مختلفة وجاءت تقاريرهم جميعاً مطابقة في الواقع لمشاهدتهم الطبية. وأن كلاً منهم قد أثبت في تقريره وصفاً فنياً دقيقاً لهذه المشاهدة بعد فحص وكشف كاملين، واستخلص كل منهم النتيجة التي رآها بحسب مشاهدته وتقديره للحالة وحسب خبرته وتجاربه التي اكتسبها طول مدة اشتغاله بالطب. ثانياً - أن التقارير المضادة المقدمة من الزوج وكذلك شهادة بعض الأطباء الذين استند إليهم الزوج ولجنة التحقيق كلها محررة من أطباء لم يقم واحد منهم بفحص الزوجة ومشاهدتها. ثالثاً - أن الثابت من التقارير المضادة التي حررها الأطباء الشرعيون الدكاترة محمود ماهر ومحمد عمارة ويحيى شريف والسابق الإشارة إليها أنهم اشترطوا صراحة في أكثر من موضع من كل من التقريرين المؤرخين في أول و27 من مايو سنة 1952 ضرورة الكشف على الزوجة للبت في الموضوع بصفة انتهائية قاطعة. رابعاً - أن تقرير الدكتور سيدني سميث المقدم من الخصم الثالث قاطع في الدلالة على استحالة إبداء الرأي دون فحص الزوجة، بل إنه قال أكثر من ذلك عندما صرح بما يفيد أنه إذا كانت تقارير أطباء أمراض النساء والولادة (أي المدعين) تطابق الحقيقة وأن فتحة المهبل لا تتسع إلا لإصبع واحدة وأنه لا يوجد ما يدل على حصول رتق في غشاء البكارة فإنه عندئذ يكون من رأيه أنه لم يحصل جماع. خامساً - أن المجلس الملي الفرعي والمجلس الملي العام أخذا في حكمهما بتقديرات المدعين على أساس أنهم قاموا بمشاهدة الزوجة وفحصها طبياً. سادساً - أن الأطباء الآخرين الذين التجأ الزوج إليهم واستمعت لجنة التحقيق إلى أقواهم كانت أقوالهم قد صدرت عنهم بصفة أجوبة على أسئلة نظرية بحتة وجهت إليهم بالصيغة التي ارتآها الزوج أو لجنة التحقيق دون أن يشاهدوا الحالة موضوع النزاع أو يفحصوها حتى يمكنهم إبداء رأي صحيح فيها؛ ذلك أن كل رأي غير مبني على المشاهدة لا يعدو أن يكون رأياً نظرياً لا يعتمد عليه في تكييف حالة خاصة بذاتها بدليل ما جاء في تقريري الأطباء الشرعيين المقدمين من الزوج وما جاء في تقرير سيدني سميث من ضرورة الفحص والمشاهدة للوصول إلى رأي صحيح وقاطع في النزاع، وبدليل ما شهد به الدكتور محمد عمارة في لجنة التحقيق من أن العامل الشخصي للطبيب وقت الكشف له أهميته عند الفحص ولا يتبين في الشهادة نفسها. سابعاً - أن أحد لم يقل إن ما أثبته الأطباء المدعون من أوصاف لحالة الزوجة لا تطابق الواقع؛ ومن ثم فلا حجية فيما جاء في التقارير المضادة المقدمة من الزوج والمحررة من حضرات الأطباء الشرعيين وغيرهم من الأطباء السابق الإشارة إليهم فيما تضمنته من إثارة الشك في هذه الأوصاف طالما أنهم لم يشاهدوا الزوجة ويفحصوها، فضلاً عن أنه لم يجئ في هذه التقارير ما ينفي أو ينقض أو يتعارض مع النتيجة التي انتهى إليها كل من الأطباء الخمسة المدعين؛ ذلك أنه لم يجيء في هذه التقارير الطبية الشرعية إلا ما قد يحمل على الظن في أن الظواهر والأوصاف التي أثبتها الأطباء المدعون قد توجد في نساء من نوع خاص ولا تصدق في شأنهن النتيجة التي وصل إليها المدعون إلى غير ذلك من فرض فروض لا يحتملها الواقع ولا يصح أن تكون محلاً للجدال طالما أن الأمر يتعلق بحالة معينة بذاتها لم يشاهدوها ولم يفحصوها في الوقت الذي يسلمون فيه بضرورة الفحص والمشاهدة للوصول إلى رأي قاطع وصحيح. ثامناً - أنه لا يوجد ما يمنع من الوجهة العلمية أو الفنية من الوصول إلى رأي قاطع في خصوصية هذا النزاع بدليل ما جاء في أكثر من موضع في تقرير الأطباء الشرعيين المؤرخ 27 من مايو سنة 1952 والمقدم من الزوج وما انتهى إليه بقوله (فإنا نرى أنه لدحض الموضوع بصفة قاطعة فإن المستلزم توقيع الكشف على السيدة...) فما دام في إمكان الأطباء الشرعيين مقدمي هذا التقرير الوصول إلى رأي قاطع بعد توقيع الكشف الطبي فلا يتأتى أن يعاب على المدعين أنهم قطعوا برأي في مسألة لا يستطاع القطع فيها بعد أن قاموا بمشاهدة الزوجة وفحصها". ثم ذكرت المحكمة ما جاء بقرار لجنة التحقيق المؤرخ 14 من ديسمبر سنة 1952 وما استندت إليه في إصدار قرارها، ويتحصل فيما ورد بتقرير الأطباء الشرعيين محمود ماهر ومحمد عمارة ويحيى شريف، وما أجاب به عدد كبير من أطباء أمراض النساء رداً على أسئلة وجهها إليهم الزوج، وما ورد بتقرير الدكتور سيدني سميث، وما قدمه إليها الزوج من مراجع علمية، وردت على ذلك بأنه "فيما يتعلق بتقرير الأطباء الشرعيين المذكورين فإن الثابت مما تقدم شرحه أنهم علقوا وصولهم إلى رأي قاطع في النزاع على ضرورة مشاهدة الزوجة وفحصها وأنه بالتعمق في دراسة التقريرين المقدمين منهم يبين بجلاء أنهم لم ينفوا أو ينقضوا النتيجة التي وصل إليها المدعون في الشهادات موضوع التحقيق وكل أوردوه هو مجرد فروض واحتمالات خارجة عن الحالة المعروضة والخاصة بالزوجة التي لم يشاهدوها طبياً ولم يفحصوها، وكذلك الحال في أقوال وتقارير الأطباء الآخرين فيهم لم يشاهدوا الحالة ولم يفحصوها مع ضرورة ذلك بإقرار الأطباء الشرعيين؛ ومن ثم فإن أقوالهم وشهادتهم لا تعدو أن تكون مجرد جدل نظري بحيث لا يعتمد عليه ولا يعتد به، وهذا ما قال به أخيراً بعض الأطباء الذين نجح الزوج في استدراجهم إلى إبداء رأيهم على أساس الأسئلة التي وجهها إليهم بالطريقة التي ترضيه وهم الدكاترة علي حسين شعبان وصادق فودة وغيرهما"، وأنه "فيما يتعلق بتقرير سيدني سميث فالثابت من النص الإنجليزي في النسخة المؤرخة في 2 من يونيه سنة 1952 والمقدمة بحافظة مستندات الخصم الثالث ما يفيد أنه إذا ما كانت تقارير المدعين تطابق الواقع في الأوصاف السابق الإشارة إليها فإنه يكون من رأيه أن الجماع لم يحصل والنص الأصلي لهذه العبارة جاء كالآتي (then I would be of the opinion that no intercourse has occured) فليس صحيحاً إذن ما ذهبت إليه لجنة التحقيق بترجمة هذه العبارات القاطعة في دلالتها إلى ما يفقدها قيمتها في هذه الدلالة؛ ومن ثم فإن ما انتهى إليه السير سيدني سميث في هذا الخصوص يقطع بفساد استناد لجنة التحقيق إلى هذا التقرير في قرارها الذي صدر على أساسه قرار الإحالة المطعون فيه وكذلك الحال فيما سمته اللجنة بالمراجع العلمية السابق الإشارة إليها والتي لا تعدوا أن تكون مجرد بحوث نظرية أساسها فروض مختلفة قد تتحقق في حالة ولا تتحقق في أخرى؛ ومن ثم لا تصلح قياساً للحكم على حالة معينة بذاتها إذ لا يكون الحكم عليها إلا على أساس نتيجة الفحص والمشاهدة" وأنه "لما كان الأطباء المدعون قد استندوا في تقرير النتيجة التي انتهوا إليها في الشهادات الصادرة منهم، من أن الزوج لم يتصل بزوجته جنسياً طوال مدة حياتهما الزوجية وإلى أن غشاء البكارة قد فض بالإصبع، قد استندوا في ذلك إلى أمور ثلاث: أولاً - عدم وجود تمزق بغشاء البكارة. ثانياً - وجود أثر التحام في هذا الغشاء. ثالثاً - ضيق فتحة المهبل بحيث لا تسمح إلا بمرور إصبع واحدة"، ثم قالت المحكمة إنه "لا نزاع من الناحية العلمية في أن واحدة من هذه الظواهر الثلاث لا تكفي وحدها وبذاتها للقطع بعدم حدوث اتصال جنسي تام بين الزوجين، ولكن لا شك أيضاً بحسب المستفاد من آراء الأطباء السابق الإشارة إليهم، وعلى الخصوص الدكتور سيدني سميث والمراجع العلمية التي قدمها محامي المدعين، أن اجتماع هذه الظواهر الثلاث ومشاهدتها في الزوجة بعد الكشف عليها يسمح بالقطع برأي في هذا الخصوص، ولا يؤثر في ذلك ما أثبته العلم من وجود حالات شاذة؛ لأن هذا الشذوذ يكون مقترناً عادة بظواهر تفسره وتبرره ولم يثبت في أي من هذه الشهادات وجود شذوذ في أعضاء الزوجة، كما أن النقابة أو الخصم الثالث لم يقدموا دليلاً على وجود شيء من ذلك؛ ومن ثم لا يكون صحيحاً ما ذهبت إليه النقابة في قرارها من أن الشهادات الصادرة من الأطباء المدعين لا تستند إلى أساس علمي، وبالتالي يكون القول بأنهم قد أساءوا إلى مهنتهم بإعطاء هذه الشهادات قول لا سند له من القانون؛ لأن الإساءة إلى المهنة لا تتحقق إلا بفعل يحط من قدر المهنة واعتبارها لدى الناس، وليس في إبداء الطبيب لرأيه في حالة معينة بذاتها بعد الفحص والتدقيق وعلى قدر اجتهاده وما حصله من علم وخبرة ما يستوجب المساءلة من أي نوع كانت جنائية أو مدنية أم تأديبية؛ لأن إبداء الرأي هو حق للطبيب بحكم مهنته، بل هو واجب عليه أيضاً؛ ومن ثم لا يصلح أن يتولد عن ممارسته هذا الحق أو أداء ذلك الواجب أية مسئولية طالما أنه يلتزم في ذلك الأصول العلمية الصحيحة، ولا يحيد عن الحق فيما يشاهده ويثبته من وقائع". وأنه "لما تقدم لا يحوز لمجلس النقابة أن ينزل هذا الفعل المباح منزلة الجريمة التأديبية إلا بعد أن يثبت أن الأطباء المدعين قد خرجوا على الأصول العلمية المسلم بها أو تناسوها فاتسم عملهم بالجهل البيّن، أو أنهم زيفوا فيما شاهدوه من وقائع ولكنه لم يثبت شيئاً من ذلك، إذ أن شهاداتهم الخمس كانت مطابقة في جملتها لبعضها فيما شاهدوه من ظواهر في الزوجية وما انتهوا إليه من رأي في شأنها، مما يدل على أنها قد صدرت عن حقيقة واضحة يصعب الإجماع عليها إن لم تكن الحقيقة بعينها؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر عن غير جريمة تأديبية، وبالتالي قد انعدم سببه وخالف القانون، ويتعين إجابة المدعين إلى طلب إلغائه، وذلك دون حاجة إلى مناقشة ما بقي من أوجه الطعن التي استندوا إليها".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار الإداري هو إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة، وقرار إحالة المدعين إلى المحاكمة التأديبية ليس إلا إجراء؛ لأن أثره القانوني لا يعدو سير الدعوى التأديبية بنقلها من مرحلة التحقيق إلى مرحلة المحاكمة؛ فهو بهذه المثابة لا يتضمن أي مساس بالمراكز القانونية للمدعين التي كانت لهم قبل صدوره. ولم تتضمن نصوص القانون رقم 62 لسنة 1949 الخاص بإنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن الطبية أي تعديل للمركز القانوني لمن يحال إلى المحاكمة التأديبية، إذ يتمتع من يحال إلى المحاكمة التأديبية بما يتمتع به غيره وما كان يتمتع به هو نفسه قبل إحالته من حقوق وضمانات، ولا يتحدد المركز القانوني - في خصوص الدعوى التأديبية - لمن يحال إلى المحاكمة التأديبية إلا بصدور قرار مجلس التأديب؛ ومن ثم فلا يصح اعتبار قرار الإحالة قراراً إدارياً بالمعنى القانوني الذي سلف ذكره، وغني عن البيان أن من شأن قبول الطعن بالإلغاء في قرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية مصادرة اختصاص مجلس التأديب، إذ يصبح الطعن استئنافاً للنظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى سلطة الاتهام من دلائل وبيانات وقرائن سواء في الإثبات أو في النفي؛ وبذلك يجاوز القضاء الإداري حد المراقبة القانونية لأنه يحل نفسه محل مجلس التأديب فيما هو متروك لفهمه أو وزنه أو تقديره، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه عند نظر طلب وقف تنفيذ القرار محل الطعن أمام محكمة القضاء الإداري دفع الحاضر عن النقابة بعدم اختصاص القضاء الإداري بطلب إلغاء القرارات الصادرة من نقابة الأطباء بصفة عامة والقرارات المتعلقة بالتأديب بصفة خاصة، وبعدم قبول الدعوى لأن قرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية قرار تحضيري وليس قراراً نهائياً. وقد ترافع الحاضرون عن المدعين وعن النقابة وعن الخصم الثالث في هذين الدفعين ثم في طلب وقف التنفيذ. وبجلسة 3 من مايو سنة 1953 حكمت المحكمة "برفض الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم قبول الدعوى وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه" وفيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص فإن المحكمة بعد أن أشارت إلى أن "تنظيم المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة (وهي مرافق عامة) مما يدخل أصلاً في صميم اختصاص الدولة بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة، فإذا رأت الدولة أن تتخلى عن هذا الأمر لأعضاء المهنة أنفسهم لأنهم أقدر عليه تخوليهم نصيباً من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم مع الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقاً للصالح العام. فإن ذلك لا يغير من التكييف القانوني لهذه المهن بوصفها مرافق عامة"، استظهرت المحكمة بعد ذلك نصوص القانون رقم 62 لسنة 1949 بإنشاء نقابات المهن الطبية، وانتهت إلى أنه "يخلص من مجموع هذه الأحكام أن القانون قد أضفى على النقابة شخصية معنوية مستقلة وخولها حقوقاً من نوع ما تختص به الهيئات الإدارية العامة، فخولها حق احتكار المهنة وهي مرفق عام وقصرها على أعضائها دون سواهم، كما خولها حق فرض رسوم مالية على صورة اشتراكات جبرية تحصل في مواعيد دورية، ثم سلطة إصدار قرارات واجبة التنفيذ في شئون الأطباء، وسلطة تأديب أعضائها، وسلطة تشريع بوضع اللائحة الداخلية ولائحة تقاليد المهنة كما يدل على أنها قد جمعت بين مقومات المؤسسات العامة وعناصرها من شخصية مستقلة ومرفق عام تقوم عليه مستعينة في ذلك بسلطات عامة شأنها في ذلك شأن كافة هيئات التمثيل المهني؛ ومن ثم فهي شخص إداري من أشخاص القانون العام وقراراتها سواء صدرت في موضوع التأديب من هيئاتها المختصة (وهي هيئات إدارية لا قضائية) أو صدرت من مجلس النقابة في مسائل القيد بالسجلات أو في غير ذلك من الأغراض، هي قرارات إدارية قابلة للطعن فيها بدعوى الإلغاء أمام هذه المحكمة، ويكون الدفع بعدم الاختصاص غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك رفضه". وفيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى فقد قالت المحكمة "إن الخلاف بين طرفي الخصومة في هذا الدفع يدور حول التكييف القانوني للقرار المطعون فيه، وهل هو قرار إداري نهائي على ما يرى المدعون، أم أنه قرار تحضيري على ما ترى النقابة والخصم الثالث، كما يدور حول التكييف القانوني للهيئة التي أصدرته وللهيئات التأديبية عامة، وهل هي سلطة إدارية مختصة بإصدار قرارات إدارية عامة مما تختص المحكمة بنظرها وفقاً للفقرة السادسة من المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة على ما يرى المدعون، أم أنها هيئات إدارية ذات اختصاص قضائي مما أشار إليه قانون مجلس الدولة في مادته السادسة على ما ترى النقابة أو الفقرة الرابعة من المادة الثالثة كما يرى الخصم الثالث"، وأنه "عن الوجه الأول فإن كون القرار نهائياً أو غير نهائي في أمر معين فمرده إلى أحكام القانون في هذا الشأن. ويبين من استقراء نصوص القانون رقم 62 لسنة 1949 بإنشاء نقابات واتحادات نقابات المهن الطبية أن قرار مجلس النقابة بإحالة أعضائها إلى هيئة التأديب هو قرار إداري نهائي تنفيذي في خصوص تلك الحالة؛ ذلك لأن المجلس المذكور هو المختص دون سواه بالنظر في هذا الأمر، وليس ثمة سلطة أعلى تملك التعقيب عليه في موضوع الإحالة إلى مجلس التأديب، فهو قرار نهائي في التدرج الرئاسي، كما أن مجلس النقابة إذ يصدره يستنفد سلطته فلا يملك الرجوع فيه أو العدول عنه، وللقرار فضلاً عن ذلك أثره القانوني بالنسبة إلى المدعين وبالنسبة إلى الهيئة المختصة بمحاكمتهم تأديبياً؛ ذلك أن الدعوى تنتقل بمجرد صدوره من مرحلة التحقيق إلى مرحلة المحاكمة كما ينبعث اختصاص لهيئة التأديبية فيتعين عليها السير في المحاكمة، وهذا وجه النهائية في القرار المطعون فيه وفي الخصوص المتقدم؛ ويترتب على ذلك جواز الطعن فيه بدعوى الإلغاء مستقلاً عن الحكم التأديبي النهائي إذا كان القرار مخالفاً للقانون في موضوع الإحالة إلى التأديب في ذاتها أو شاب القرار عيب عدم الاختصاص أو عيب في الشكل أو في الإجراءات ويظل لهيئة التأديب اختصاصها بنظر الموضوع فلا تحول رقابة القضاء الإداري على إجراءات التأديب التي تسبق المحاكمة على النحو وفي الحدود السابقة دون مزاولة هيئة التأديب ولايتها في تأديب أعضاء النقابة عما ينسب إليهم من مخالفات"، وأنه "بالنسبة إلى الوجه الثاني فإن مجلس النقابة الذي أصدر القرار المطعون فيه وكذلك هيئات التأديب كافة تعتبر هيئات إدارية في تشكيلها وفي اختصاصها؛ إذ خولها القانون حق إصدار قرارات في مسائل التأديب بمقتضى سلطتها العامة، وهذه القرارات إدارية لا قضائية لأن القرار القضائي هو الذي تصدره المحكمة بمقتضى ولايتها القضائية ويحسم على أساس قاعدة قانونية خصومة قضائية تقوم بين خصمين وتتعلق بمركز قانوني خاص أو عام ولا ينشئ هذا القرار مركزاً قانونياً جديداً وإنما يكشف أو يقرر قيام حق أو عدم قيامه. وظاهر أن القرارات التأديبية لا تحمل أية سمة من هذه السمات"، وأن "القرار المطعون فيه قد صدر بإحالة المدعين باعتبارهم أفراداً لا موظفين إلى المحاكمة التأديبية، فلا تنطبق عليهم الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة الخاصة بقرارات تأديب الموظفين، كما لا تنطبق عليهم المادة السادسة الخاصة بالقرارات الصادرة من جهات إدارية ذات اختصاص قضائي، وإنما يعتبر قراراً إدارياً نهائياً صادراً ضد أفراد مما ينطبق على الفقرة السادسة من المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة؛ ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه".
ومن حيث إن المادة 10 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي رفعت الدعوى في ظله - إذ نصت على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى محكمة القضاء الإداري وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر مؤقتاً إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها.." وهو عين ما رددته المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة - إنما عنت بذلك أن الحكم الذي يصدر في موضوع الطلب سواء بوقف التنفيذ أو عدمه على حسب الظاهر الذي تبدو به الدعوى لا يمس أصل طلب الإلغاء، فلا يقيد المحكمة عند نظر أصل هذا الطلب موضوعاً، ومع ذلك يظل الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ حكماً قطعياً له مقومات الأحكام وخصائصها. وينبني على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام في خصوص موضوع الطلب ذاته، ولو أنه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب كالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري أصلاً بنظر الدعوى لسب متعلق بالوظيفة أو بعدم اختصاص المحكمة أصلاً بنظرها بحسب موضوعها أو بعدم قبولها أصلاً لرفعها بعد الميعاد أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً؛ إذ قضاء المحكمة في هذا كله ليس قطعياً فحسب بل هو نهائي، وليس مؤقتاً فيقيدها عند نظر طلب إلغائه، فما كان يجوز لمحكمة القضاء الإداري - والحالة هذه، بعد إذ فصلت بحكمها الصادر في 3 من مايو سنة 1953 برفض الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم قبول الدعوى وبوقف تنفيذ القرار - أن تعود عند نظر طلب الإلغاء فتفصل في هذين الدفعين من جديد؛ لأن حكمها الأول كان قضاء نهائياً وحاز حجية الأحكام ثم قوة الشيء المحكوم به، ولو أنها قضت على خلاف ما قضت به أولاً لكان حكمها معيباً لمخالفته لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به وكان واجباً إلغاؤه بالتطبيق للفقرة 3 من المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، أما وقد انتهت المحكمة في هذين الدفعين إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها حكمها الأول فإن الحكم المطعون فيه يتمخض في هذا الخصوص نافلة وتزيداً ولم يكن له لزوم؛ وإذا هو سليم فيما انتهى إليه من رفض طلب الإلغاء للأسباب التي استند إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة فإنه يتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.