مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو 1958) - صـ 1248

(133)
جلسة 17 من مايو سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 595 لسنة 3 القضائية

تظلم - القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين والمنصوص عليها في المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 - التظلم منها قبل رفع الدعوى بطلب إلغائها - لا يعتبر باطلاً إذا لم يقدم إلى الوزير المختص - الإجراءات المبينة في قرار مجلس الوزراء في 6/ 4/ 1955 بشأن التظلم - لا يترتب على مخالفتها البطلان - مثال.
متى كان الثابت أن المدعي تظلم إدارياً من القرار الصادر من مدير عام مصلحة السكك الحديدية بفصله من الخدمة، طالباً سحب هذا القرار، الذي تحقق علمه به في 10 من مارس سنة 1956، وذلك بعريضة مؤرخة 11 من مارس سنة 1956، قدمها، بإقراره في مذكرته المؤرخة 29 من نوفمبر سنة 1956 إلى السيد مدير عام الإيرادات والمصروفات بالمصلحة في التاريخ ذاته، وتأشر عليها من هذا الأخير في 12 منه بإحالتها إلى المستخدمين لعمل مذكرة للإدارة العامة وصورة للسيد مستشار قسم الفتوى، فإن هذا التظلم يكون قد قدم في الميعاد وتوافرت له مقومات التظلم الوجوبي الذي جعله الشارع شرطاً لقبول دعوى الإلغاء، والذي رتب عليه في الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 أثراً قاطعاً لسريان ميعاد رفع هذه الدعوى إلى المحكمة، كما أنه وجه إلى هيئة رئيسية بالنسبة إلى المتظلم، وبعد تقديمه إلى هذه الهيئة مضت في نظره وتحقيقه باستطلاع رأي كل من سكرتير عام المصلحة ومستشار الرأي بمجلس الدولة في شأنه تمهيداً للبت فيه على النحو الذي رسمه الشارع للغاية التي استهدفها من إيجابه. ولا يغير من طبيعة هذا التظلم أو من إنتاجه أثره كونه لم يقدم إلى الوزير المختص؛ لعدم ورود هذا القيد في المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 من جهة، ولأن الإجراءات التي نص عليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 على سبيل التوجيه والبيان في شأن تقديم التظلم وطريقة الفصل فيه لم يرتب المشرع على مخالفتها جزاء البطلان من جهة أخرى، ولا سيما أن الجهة الإدارية صاحبة الشأن لم تعترض على تقديم التظلم في الشكل الذي اتخذه، وأنه تحقق به الغرض الذي ابتغاه الشارع من استلزام هذا الإجراء قبل رفع الدعوى أمام القضاء الإداري. ولما كانت المادة 19 من القانون المشار إليه قد نصت في فقرتها الثانية على أنه "وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه. وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً، ويعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه، ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة"، فإن التظلم المقدم من المدعي إلى الجهة الإدارية في 11 من مارس سنة 1956 يكون قد أحدث أثره في قطع سريان ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء قرار فصله منذ ذلك التاريخ، ويبدأ من التاريخ ذاته جريان ميعاد الستين يوماً الذي يجب على الإدارة أن تبت في التظلم قبل مضيه.


إجراءات الطعن

في 23 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 595 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بجلسة 22 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 846 لسنة 3 القضائية المقامة من محمد كمال السباعي فرحات ضد مصلحة السكك الحديدية، القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً، وألزمت المدعي المصروفات"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول طلب الإلغاء والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع". وقد أعلن هذا الطعن إلى مصلحة السكك الحديدية في 16 من إبريل سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 24 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25 من يناير سنة 1958. وفي 28 من نوفمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها وفي جلسة 22 من مارس سنة 1958 التي أجل إليها نظر الطعن للاستعداد سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات في عشرين يوماً. وقد أودع المطعون لصالحه في 5 من مايو سنة 1958 مذكرة بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب "أن يقضي بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار الصادر بفصله من وظيفته اعتباراً من 10 من مارس سنة 1956، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي كان من عمال القنال والتحق بخدمة مصلحة السكك الحديدية بالإدارة العامة للإيرادات والمصروفات اعتباراً من 7 من نوفمبر سنة 1951 بوظيفة كاتب بحسابات مستخدمي الوابورات، وعلى أثر اكتشاف تزوير في سجل الاستحقاقات في تسوية أجرة اثنين من العمال واتهامه بتغيير الحقيقة في محرر رسمي هو كشف التسوية الخاص بهذين العاملين عن شهري يوليه وسبتمبر سنة 1954، وكذا في السجل الخاص بهما أجري معه تحقيق، ثم أحليت أوراقه إلى النيابة الإدارية التي اقترحت في نهاية تحقيقها مساءلته إدارياً وإبلاغ النيابة العامة بجريمة التزوير التي ارتكبها؛ وإزاء هذا قرر السيد المهندس مدير عام المصلحة فصله من الخدمة اعتباراً من 10 من مارس سنة 1956. وفي 11 من مارس سنة 1956 قدم إلى السيد مدير عام الإيرادات والمصروفات بالمصلحة تظلماً من القرار الصادر بفصله طلب فيه إعادة النظر في هذا القرار وسحبه وإحالة الأوراق إلى النيابة العامة ثم التصرف في أمره في ضوء ما تقرره هذه الأخيرة. وقد أحيل هذا التظلم بمذكرة في 13 من مارس سنة 1956 إلى سكرتير عام المصلحة، كما أرسلت صورة منه في 21 مارس سنة 1956 إلى إدارة الرأي لشئون السكك الحديدية بمجلس الدولة، وفي 8 من مايو سنة 1956 قدم تظلماً آخر إلى السيد وزير المواصلات التمس فيه سحب القرار المشار إليه لصدوره قبل أن تثبت أية مسئولية ضده، وقد أحيل هذا التظلم إلى السيد مفوض الدولة بالمصلحة، وفي 17 من يونيه سنة 1956 أجاب السيد مستشار الدولة بأن طلب المدعي إعادته إلى الخدمة حتى تبت النيابة العامة في التهمة المنسوبة إليه لا يقوم على أساس من القانون ما دام قرار فصله قد صدر صحيحاً مستنداً إلى وقائع ثابتة تستوجب مؤاخذته تأديبياً. وفي 10 من يوليه سنة 1956 أودع سكرتيرية لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية طلب الإعفاء رقم 767 لسنة 3 القضائية لإعفائه من رسوم الدعوى التي يرغب في رفعها بطلب إلغاء قرار فصله الصادر في 10 من مارس سنة 1956 مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 4 من سبتمبر سنة 1956 قررت اللجنة قبول طلبه. وبناء على هذا أقام الدعوى رقم 846 لسنة 3 القضائية ضد مصلحة السكك الحديدية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 5 من سبتمبر سنة 1956 طلب فيها "الحكم بإلغاء قرار فصل الطالب الصادر بتاريخ 10 من مارس سنة 1956. مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المصلحة بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إليه التوصية بالحكم بصفة أصلية بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد؛ مستنداً في ذلك إلى أن المدعي علم بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً في 10 من مارس سنة 1956، وأنه تظلم منه إلى الجهة الإدارية في 11 من مارس سنة 1956. ولما كان من شأن هذا التظلم قطع ميعاد الستين يوماً المقررة لرفع دعوى الإلغاء، وكان هذا الأثر القاطع يبقى قائماً إلى أن يبلغ مقدم التظلم بنتيجة البت فيه أو إلى أن تنقضي مدة الستين يوماً التي بانتهائها يعتبر التظلم بمثابة المرفوض قانوناً، أي الأجلين أقرب، فإن الأثر القاطع للتظلم المقدم من المدعي ينتهي في 11 من مايو سنة 1956، ويبدأ من هذا التاريخ ميعاد جديد لرفع دعوى الإلغاء غايته 10 من يوليه سنة 1956. ولما كان المدعي لم يقم دعواه إلا في 5 من سبتمبر سنة 1956 فإنه يكون قد رفعها بعد الميعاد القانوني، ولا عبرة بطلب المساعدة القضائية المقدم منه في 10 من يوليه سنة 1956؛ إذ أن هذا الطلب لا يقطع الميعاد ولا يعتبر رفعاً للدعوى، كما لا أثر للتظلم الثاني المقدم منه لوزير المواصلات في 8 من مايو سنة 1956 في قطع ميعاد رفع الدعوى؛ لأن الأثر القاطع للتقادم إنما هو منوط بالتظلم الأول؛ ومن ثم فإن دعواه تكون غير مقبولة شكلاً وقد عقب المدعي على تقرير السيد مفوض الدولة بمذكرة مؤرخة 29 من نوفمبر سنة 1956 قال فيها إنه تقدم في 11 من مارس سنة 1956 بتظلم إلى السيد المدير العام للإيرادات والمصروفات بالمصلحة، وهذا التظلم لا يعتد به، وإنما يبدأ جريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء من تاريخ التظلم المقدم منه في 8 من مايو سنة 1956 إلى السيد وزير المواصلات، وقد تم هذا التظلم في بحر ستين يوماً من تاريخ قرار الفصل المطعون فيه، وقدم طلب المساعدة القضائية ورفعت الدعوى بعد ذلك في 5 من سبتمبر سنة 1956 أي في الميعاد القانوني المقرر، وبجلسة 22 من يناير سنة 1957 قضت المحكمة الإدارية "بعدم قبول الدعوى شكلاً، وألزمت المدعي المصروفات"، وأقامت قضاءها على أن الإجراءات المرسومة في قرار مجلس الوزراء الصادر ببيان إجراءات التظلم الإداري وطريقة الفصل فيه بناء على التفويض الصادر له من المشرع في المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، هي من قبيل الإجراءات التنظيمية التي لم يرتب القرار المذكور أو القانون جزاء البطلان على مخالفتها، فأي تظلم يقدم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية ينتج أثره مهما اعتوره من عيوب شكلية ناتجة عن مخالفة قرار مجلس الوزراء المشار إليه، طالما أن الجهة الإدارية لم تعترض على تقديمه بهذه الصورة وسارت في البت فيه. والثابت أن الإدارة اعتدت بالتظلم المقدم من المدعي إلى السيد مدير عام الإيرادات والمصروفات في 11 من مارس سنة 1956 وسارت في تحقيقه والبت فيه على النحو المرسوم له، وبذلك تحققت له كل مقومات التظلم المنصوص عليه في المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بحيث ينتج أثره القاطع لميعاد رفع دعوى الإلغاء بوصفه التظلم الأول. ولا يجدي في قطع ميعاد رفع الدعوى بعد ذلك أي تظلم آخر يقدم من المدعي إلى أية هيئة رياسية كالتظلم المقدم منه إلى السيد وزير المواصلات في 8 من مايو سنة 1956، ولا ما يقوم مقامه كطلب المساعدة القضائية باعتبارها جميعاً تظلمات تالية للتظلم الأول. وتطبيقاً لذلك فإن ميعاد رفع هذه الدعوى يكون قد انقطع بالتظلم المقدم من المذكور في 11 من مارس سنة 1956، ولما كانت الإدارة لم تجب على هذا التظلم خلال الستين يوماً المقررة في المادة 19 آنفة الذكر فإن التظلم يعتبر مرفوضاً قانوناً طبقاً لها، وينتهي بانتهاء هذا الأجل الأثر القاطع ويبدأ منه ميعاد جديد لرفع الدعوى هو ستون يوماً، ولما كان المدعي لم يرفع دعواه بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة إلا في 5 من سبتمبر سنة 1956 فإنه يكون قد رفعها بعد الميعاد القانوني، ويتعين القضاء بعدم قبولها شكلاً. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 23 من مارس سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول طلب الإلغاء، والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع". واستند في أسباب طعنه إلى أن طلب المساعدة القضائية هو تظلم من نوع خاص ليس ثمة ما يمنع من أن تكون له أحكامه وآثاره التي تختلف عن أحكام التظلم الحقيقي وآثاره والتي يقررها القضاء الإداري بحكم طبيعة وظيفته؛ استكمالاً لما سكت قانون مجلس الدولة عن بيانه حتى يحقق الغرض الذي استهدفه المشرع من تقرير هذه الوسيلة كشرط يقوم مقام دفع الرسوم؛ إذ لا يسوغ أن يضار المتظلم من تأخير الفصل في الطلب بعد إذ أجاز له القانون اللجوء إلى لجنة المساعدة القضائية ما دام لا دخل لإرادته في هذا التأخير بعد إذ كشف عن نيته الواضحة في اختصام القرار الإداري المراد الطعن فيه مما يجعله قابلاً للسحب من جانب الإدارة دون تقيد بميعاد، ومن أجل هذا استقر القضاء على الاعتداد بطلب الإعفاء من الرسوم القضائية في قطع المواعيد كقاعدة إضافية تقوم إلى جانب النصوص القانونية. وإذ كان الثابت أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه في 11 من مارس سنة 1956، ولما لم يتلق إجابة عنه خلال شهرين تقدم في 9 من يوليه سنة 1956 بطلب إعفائه من رسوم الدعوى، وعلى أثر صدور القرار في الطلب المذكور في 4 من سبتمبر سنة 1956 سارع إلى إقامة دعواه في اليوم التالي مباشرة، فإن طلبه بهذه المثابة يكون مقبولاً شكلاً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه. وقد أودع المدعي مذكرة في 5 من مايو سنة 1958 استند فيها إلى أثر طلب المساعدة القضائية في قطع التقادم وقطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء.
ومن حيث إن المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة استحدثت في البند (2) من فقرتها الثانية قاعدة تقضي بعدم قبول الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية التي عينتها - يدخل في نطاقها القرار التأديبي المطعون فيه في هذا الدعوى والصادر من مدير عام مصلحة السكك الحديدية بفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 10 من مارس سنة 1956 - وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم الذي تبين إجراءاته وطريقة الفصل فيه بقرار من مجلس الوزراء، وقد صدر هذا القرار في 6 من إبريل سنة 1955، أي بعد نفاذ القانون المشار إليه. وثابت من الأوراق أن المدعي تظلم إدارياً من القرار الصادر بفصله من الخدمة طالباً سحب هذا القرار الذي تحقق علمه به في 10 من مارس سنة 1956، وذلك بعريضة مؤرخة 11 من مارس سنة 1956 قدمها، بإقراره في مذكرته المؤرخة 29 من نوفمبر سنة 1956، إلى السيد مدير عام الإيرادات والمصروفات بالمصلحة في التاريخ ذاته، وتأشر عليها من هذا الأخير في 12 منه بإحالتها إلى المستخدمين لعمل مذكرة للإدارة العامة وصورة للسيد مستشار قسم الفتوى؛ ومن ثم فإن هذا التظلم يكون قد قدم في الميعاد وتوافرت له مقومات التظلم الوجوبي الذي جعله الشارع شرطاً لقبول دعوى الإلغاء، والذي رتب عليه في الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 أثراً قاطعاً لسريان ميعاد رفع هذه الدعوى إلى المحكمة، كما أنه وجه إلى هيئة رئيسية بالنسبة إلى المتظلم، وبعد تقديمه إلى هذه الهيئة مضت في نظره وتحقيقه باستطلاع رأي كل من سكرتير عام المصلحة ومستشار الرأي بمجلس الدولة في شأنه تمهيداً للبت فيه على النحو الذي رسمه الشارع للغاية التي استهدفها من إيجابه. ولا يغير من طبيعة هذا التظلم أو من إنتاجه أثره كونه لم يقدم إلى الوزير المختص؛ لعدم ورود هذا القيد في المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 من جهة، ولأن الإجراءات التي نص عليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 على سبيل التوجيه والبيان في شأن تقديم التظلم وطريقة الفصل فيه لم يرتب المشرع على مخالفتها جزاء البطلان من جهة أخرى، ولا سيما أن الجهة الإدارية صاحبة الشأن لم تعترض على تقديم التظلم في الشكل الذي اتخذه، وأنه تحقق به الغرض الذي ابتغاه الشارع من استلزام هذا الإجراء قبل رفع الدعوى أمام القضاء الإداري. ولما كانت المادة 19 من القانون المشار إليه قد نصت في فقرتها الثانية على أنه "وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه. وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً. ويعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه، ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة"، فإن التظلم المقدم من المدعي إلى الجهة الإدارية في 11 من مارس سنة 1956 يكون قد أحدث أثره في قطع سريان ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء قرار فصله منذ ذلك التاريخ. ويبدأ من التاريخ ذاته جريان ميعاد الستين يوماً الذي يجب على الإدارة أن تبت في التظلم قبل مضيه، ولا يتجدد الأثر القاطع لميعاد رفع الدعوى كما لا يمتد الميعاد المقرر للبت في التظلم بأي تظلم لاحق مهما تعددت أو اختلفت الجهة التي وجه إليها. فلا يعتد بالتظلم الثاني المقدم من المدعي بعد ذلك في 8 من مايو 1956 للسيد وزير المواصلات ويظل أثر التظلم الأول قائماً إلى أن يخطر مقدمه بنتيجة البت فيه أو إلى أن ينقضي ميعاد الستين يوماً المقرر لهذا البت، وهو الميعاد الذي يجب أن ينتظر المتظلم مضيه قبل رفع الدعوى حتى تكون مقبولة، والذي يعتبر فواته دون أن تجيب السلطات المختصة عن التظلم بمثابة رفض لهذا التظلم؛ وعندئذ يكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة. وظاهر من الأوراق أن المدعي بعد أن قدم تظلمه في 11 من مارس سنة 1956 لبث متربصاً ستين يوماً دون أن تجيبه الإدارة عنه؛ إذ أن رأي السيد مستشار الدولة بأن هذا التظلم لا يقوم على أساس من القانون لم يبد للمصلحة إلا في 17 من يونيه سنة 1956، بيد أنه لم يتقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة - الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بطلب إعفائه من رسوم الدعوى الحالية - باعتبار أن هذا الطلب يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء على نحو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة إلا في 10 من يوليه سنة 1956، لا في 9 منه، كما ذهب إلى ذلك تقرير الطعن. وإذا كان الطلب المذكور يحمل هذا التاريخ الأخير فإن العبرة إنما هي بتاريخ وروده إيداعه سكرتيرية اللجنة وهو التاريخ الأول، وبمراعاة حكم الفقرة الأولى من المادة 20 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فيما يتعلق بحساب مدتي الستين يوماً المتعاقبتين المنصوص عليهما في الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 على أساس أن المدة الأولى هي انقطاع لسريان ميعاد يجري من تاريخ تقديم التظلم، وأن المدة الثانية هي ستون يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً الأولى، ذلك التاريخ المعتبر في نظر القانون أنه الواقعة المجرية للميعاد والذي لا يتطلب بدؤه حدوث إجراء معين، فإن آخر ميعاد لرفع الدعوى أو لتقديم طلب المساعدة القضائية يكون هو يوم 9 من يوليه سنة 1956 ولم يكن هذا اليوم عطلة رسمية. وإذ تقدم المدعي بطلب إعفائه من رسوم هذه الدعوى بعد ذلك التاريخ في 10 من يوليه سنة 1956، ثم أقام دعواه بعد ذلك في 5 من سبتمبر سنة 1956، فإنها تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني، ويكون الحكم المطعون فيه قد صادف الصواب في النتيجة التي انتهى إليها من عدم قبول الدعوى شكلاً؛ ومن ثم فإنه يتعين القضاء بقبول الطعن شكلاً. وبرفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.