مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو 1958) - صـ 1258

(134)
جلسة 17 من مايو سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 148 لسنة 4 القضائية

( أ ) فوائد قانونية - المادة 226 مدني - تطبيقها في مجال الروابط العقدية الإدارية باعتبارها من الأصول العامة في الالتزامات.
(ب) عقد إداري - التزام موظف بأن يتم دراسته في الخارج وأن يخدم الوزارة التي هو تابع لها لمدة معينة، وأن يرد في حالة إخلاله بالتزامه جميع ما أنفقته الوزارة عليه - ثمة التزام أصلي هو التزام بعمل - في حالة إخلاله به يترتب في ذمته التزام آخر محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب - استحقاق فوائد التأخير على هذا المبلغ من تاريخ المطالبة الرسمية.
(ج) فوائد تأخيرية - المادة 228 مدني - افتراض الضرر بحكم القانون - لا وجه للقول بعدم جواز الجميع بينها وبين تعويض عن عدم التنفيذ.
1 - إن المادة 226 من القانون المدني تنص على أنه "إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها. وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره". ولئن كانت هذه المادة قد وردت في التقنين المدني، إلا أن المحكمة ترى تطبيق أحكامها في نطاق الروابط العقدية الإدارية، باعتبار هذه الأحكام من الأصول العامة في الالتزامات.
2 - إذا كان الثابت أن المدعى عليه الأول وقع في 5 من يونيه سنة 1949 تعهداً بأن يتم دراسته في بعثة هندسة استخراج البترول التابعة لوزارة التجارة في المدة المقررة لها، وأن يخدم الوزارة التي هو تابع لها بالبعثة أو في أية وظيفة أخرى في الحكومة تعرض عليه بالاتفاق مع تلك الوزارة سبع سنوات من تاريخ عودته لمصر عقب انتهاء الدراسة، وأن يرد جميع ما تصرفه الحكومة عليه بصفته عضواً في البعثة إذا تركها من تلقاء نفسه، أو لم يقم بخدمة الحكومة المدة المقررة في التعهد، أو فصل منها لأسباب تأديبية، أو تزوج أثناء وجوده بالبعثة بدون إذن سابق من اللجنة الوزارية الاستشارية للبعثات، كما وقع والده مورث باقي المدعى عليهم إقراراً بتعهده بطريق التضامن والتكافل معه برد جميع ما تنفقه الحكومة عليه بصفته عضواً ببعثة التعليم المصرية إذا تركها من تلقاء نفسه، أو لم يقم بخدمة الحكومة المدة المقررة في التعهد، أو فصل منها لأسباب تأديبية أو لزواجه في أثناء مدة بعثته بدون إذن سابق من لجنة البعثات – إذا كان الثابت هو ما تقدم، فإن مقتضى هذا التعهد أن ثمة التزاماً أصلياً من جانب المدعى عليه الأول هو التزام بعمل، محله خدمة الوزارة التي هو تابع لها بالبعثة أو خدمة الحكومة في أية وظيفة أخرى تعرض عليه بالاتفاق مع تلك الوزارة مدة سبع سنوات من تاريخ عودته إلى مصر عقب انتهاء دراسته بالبعثة التي يتعهد بإتمامها في المدة المقررة لها، وأنه في حالة إخلاله بهذا الالتزام أو بأحد الالتزامات الأخرى التي تضمنها تعهده - وبمراعاة أن التنفيذ العيني قهراً غير منتج أو غير ممكن - يترتب في ذمته بضمانة ضامنة، وهو مورثه ومورث باقي المدعى عليهم، وكأثر احتياطي لعدم الوفاء، التزام آخر محله رد جميع ما أنفقته عليه الحكومة بصفته عضواً في البعثة، أي أداء مبلغ من النقود. ولما كان محل الالتزام الثاني هو دفع مبلغ من النقود معلوم المقدار ينحصر في قيمة المصروفات التي أنفقتها الحكومة عليه بصفته عضواً في بعثة هندسة استخراج البترول بأمريكا، وكان الثابت أن المذكور وضامنه قد تأخرا عن الوفاء بقيمة هذه النفقات التي بلغت 126م و4405 ج، حسبما يبين من أوراق ملف البعثة، على الرغم من مطالبة الحكومة إياهما به، فإنه تستحق على هذا المبلغ الذي قضى به الحكم المطعون فيه فوائد تأخيرية لصالح الحكومة بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية.
3 - متى كانت الفوائد المطلوبة هي فوائد تأخيرية عن مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به، فيستحق الدائن الفوائد القانونية بالتطبيق للمادة 226 من القانون المدني من تاريخ المطالبة القضائية بها، والضرر مفترض في هذه الحالة بحكم القانون وفقاً للمادة 228 من القانون المدني التي تنص على أنه "لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضرراً لحقه من هذا التأخير"؛ ومن ثم فلا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون بأن الفوائد لا تخرج عن كونها تعويضاً، وأن المبلغ المطالب به لا يخرج هو أيضاً عن كونه تعويضاً، وأنه لا يجوز الجمع بين تعويض وآخر، وأنه يكفي لجبر الضرر الحكم على الوزارة بالمبلغ.


إجراءات الطعن

في 30 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 148 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) بجلسة أول ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 1313 لسنة 10 القضائية المقامة من وزارة التربية والتعليم ضد (1) عبد الستار محمد المكاوي (2) ورثة المرحوم محمد محمد المكاوي وهم: "أ" السيدة زينب دسوقي حرم المرحوم محمد محمد المكاوي و"ب" محمد المكاوي، و"جـ" عبد الوهاب المكاوي، القاضي "أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة، وباختصاصها بنظرها. ثانياً - بإلزام المدعى عليه الأول شخصياً وإلزامه مع باقي المدعى عليهم باعتبارهم ورثة المرحوم الشيخ محمد محمد المكاوي بأن يدفعوا للوزارة المدعية بالتضامن من مال مورثهم مبلغ 126 م و4405 ج أربعة آلاف وأربعمائة وخمسة جنيهات ومائة وستة وعشرين مليماً والمصاريف". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب الحكم بالفوائد، والقضاء بهذا الطلب". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 9 من فبراير سنة 1958، وإلى المطعون عليهم في 23 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 22 من مارس سنة 1958. وفي 20 من فبراير سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال عشرين يوماً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن وزارة التربية والتعليم أقامت الدعوى رقم 1313 لسنة 10 القضائية ضد المدعى عليهم أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 25 من إبريل سنة 1956، قالت فيها إن المدعى عليه الأول أوفد في بعثة علمية عملية من وزارة التجارة والصناعة إلى أمريكا في 26 من ديسمبر سنة 1949، وتعهد عند الموافقة على إيفاده في البعثة أن يخدم الحكومة المصرية لمدة سبع سنوات على الأقل وإلا التزم برد ما صرف عليه من نفقات البعثة كاملة وضمنه في ذلك والده مورث باقي المدعى عليهم. وفي 29 من يوليه سنة 1953 عاد المدعى عليه الأول من البعثة وتسلم عمله في الحكومة المصرية في أول أغسطس سنة 1953 مهندساً للبترول بمصلحة الثروة المعدنية بوزارة التجارة والصناعة. إلا أنه قدم استقالته من خدمة الحكومة اعتباراً من أول يناير سنة 1955، متظلماً من تأخير ترقيته ورفض الوزارة إعارته إلى بعض الشركات. ولكن الوزارة رفضت قبول هذه الاستقالة لقيامها على أسباب غير ملزمة للحكومة، بل المرد فيها إلى القواعد التنظيمية والمصلحة العامة غير مقيدة في ذلك بميعاد معين بالنسبة للترقية أو لرغبة الموظف في الإعارة، هذا فضلاً عن أن الاستقالة المشار إليها تنطوي على إخلال من جانب المدعى عليه الأول بالتزامه العمل بالحكومة المصرية سبع سنوات على الأقل من تاريخ إيفاده في البعثة. وفي أول يناير سنة 1955 انقطع المذكور عن العمل على الرغم من اتصال المصلحة المتكرر به، فعد مفصولاً اعتباراً من تاريخ انقطاعه عن العمل وصدر بذلك قرار وزاري. ولما كان المرحوم والده قد التزم بضمانه في أداء كل ما يترتب للوزارة قبله من حقوق نتيجة إخلاله بأحد تعهداته، وقد ثبت هذا الإخلال فعلاً، فإن الورثة يسألون في مال مورثهم بناء على هذا الضمان. ولما كان المدعى عليه الأول قد باشر عمله من أول أغسطس سنة 1953 حتى أول يناير سنة 1955 ثم انقطع عنه فترتب على انقطاعه تقرير اعتباره مفصولاً طبقاً للقانون وبذلك يكون قد أخل بشروط التعهد، وكان ما أنفق عليه في البعثة إلى أمريكا قد بلغ في جملته 126 م و4405 ج طبقاً للثابت من البيانات المقدمة من إدارة الشئون القانونية ومن أوراق ملف البعثة، فإن الوزارة تطلب "الحكم بإلزام المدعى عليه الأول بأن يدفع إلى المدعي بصفته مبلغ 126 م و4405 ج بضمان باقي المدعى عليهم من مال مورثهم المرحوم الشيخ محمد محمد المكاوي ومصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية". وقد أجاب المدعى عليهم عن هذه الدعوى بمذكرتين دفعوا فيهما بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى بمقولة إن اختصاص هذا القضاء وارد على سبيل الحصر ولا يتناول سوى المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية وما جاء حصراً لا يتوسع في تفسيره، وأن العقد المبرم بين الطرفين هو عقد مدني وليس من قبيل العقود الإدارية؛ وبهذه المثابة فإن كل نزاع يثور بشأنه يخضع لقضاء المحاكم المدنية صاحبة الاختصاص العام، ويخرج من ولاية القضاء الإداري. وفي الموضوع قالوا إن فصل المدعى عليه الأول كان نتيجة لتعسف الحكومة معه الأمر الذي دفعه إلى ترك العمل بها، والقاعدة أن التعسف لا يولد حقاً بل يرتب مسئولية؛ ومن ثم فلا يسوغ للحكومة أن تحتج بتعسفها للحصول على ما تدعي أنه حق لها، بل إن تعسفها مع المذكور يسقط كل حق لها قبله. ويتمثل هذا التعسف في رفض وزارة التجارة والصناعة بعد عودته من بعثته في أمريكا واشتغاله بها تسوية حالته على أسس عادلة، ورفضها أيضاً الموافقة على إعارته إلى الشركة الأهلية للبترول، ثم تخطيها إياه في الترقية. هذا إلى أنه إنما خرج من خدمة الحكومة والتحق بالشركة الأهلية المصرية للبترول، وهي شركة تساهم فيها الحكومة، فلا محل للقول بعدم انتفاع الحكومة بخدماته. وعلي أية حال فإن العقد المبرم بينه وبين الحكومة هو أقرب ما يكون إلى الإذعان منه إلى التعاقد القائم على التكافؤ بين الطرفين، ومتى كان هذا شأنه فإنه يتعين مراعاة جانب الطرف المذعن عند تطبيقه. وخلص المدعى عليهم من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى موضوعاً، مع إلزام الحكومة بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة في كلتا الحالتين. وقد قدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى أنه يرى "الحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص، وفي الموضوع بإلزام المدعى عليه الأول بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 126 م و4405 ج، وذلك بالتضامن مع باقي المدعى عليهم من مال مورثهم المرحوم الشيخ محمد محمد المكاوي ومصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة". واستند في ذلك فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص إلى أن العلاقة القائمة بين الوزارة المدعية وبين المدعى عليه الأول ومورث باقي المدعى عليهم هي علاقة عقد إداري مما يختص القضاء الإداري بنظر المنازعات التي تقوم بشأنه طبقاً لنص المادة العاشرة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وفيما يختص بالموضوع إلى أن المدعى عليه الأول أخل بالتزامه الثابت في تعهده للوزارة إخلالاً يوجب مسئوليته عن رد ما أنفقته الحكومة عليه بصفته عضواً في البعثة؛ إذ أن استقالته لم تستند إلى عذر مقبول، وذلك بالتضامن مع باقي المدعى عليهم. أما الفوائد القانونية فلا حق للوزارة في اقتضائها إذ أن المبلغ المطالب به هو بمثابة تعويض فلا تستحق عنه فوائد؛ لأن الفوائد هي نوع من التعويض إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود. وبجلسة أول ديسمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) "أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها. ثانياً - بإلزام المدعى عليه الأول شخصياً وإلزامه مع باقي المدعى عليهم باعتبارهم ورثة المرحوم الشيخ محمد محمد المكاوي بأن يدفعوا للوزارة المدعية بالتضامن من مال مورثهم مبلغ 126 م و4405 ج أربعة آلاف وأربعمائة وخمسة جنيهات ومائة وستة وعشرين مليماً والمصاريف". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص على أن التعهد الذي يوقعه أعضاء البعثات الحكومية قبل إيفادهم والذي يتعهدون بمقتضاه بالخدمة في الحكومة مدة معينة بعد انتهاء بعثتهم وبرد ما أنفقته الحكومة عليهم إذا امتنعوا عن الخدمة في الحكومة الفترة المحددة أو استقالوا أو فصلوا لأسباب تأديبية، إنما هو من قبيل العقود الإدارية؛ إذ أن الإدارة حين تحصل على مثل هذا التعهد ممن يوفدون إلى البعثات إنما تفعل ذلك مقابل إنفاقها عليهم لتحصل على موظفين يؤدون خدمات أوفى للمصالح أو المرافق العامة، ولهذا العقد خصائص العقود الإدارية من حيث شروطه والغرض منه وسلطة جهة الإدارة نحوه؛ ومن ثم فإن المنازعات الناشئة عنه تعتبر منازعات متعلقة بعقد إداري مما يدخل في ولاية القضاء الإداري، ويكون الدفع بعدم الاختصاص في غير محله متعيناً رفضه، وفيما يختص بالموضوع قالت المحكمة إن المدعى عليه الأول أخل بتعهده المؤرخ من 5 يونيه سنة 1949 بعد عودته من البعثة بتقديم استقالته وانقطاعه عن العمل اعتباراً من أول يناير سنة 1955، وأن هذا التعهد ليس عقداً من عقود الإذعان بالمعنى المفهوم في نطاق القانون الخاص، وأن ما يتذرع به المذكور لتبرير تقديم استقالته وانقطاعه عن العمل من عدم قيام الوزارة بتسوية حالته وعدم ترقيته ورفضها الموافقة على طلب إعارته للشركة الأهلية المصرية للبترول - كل ذلك لا ينهض عذراً مقبولاً يعفيه من تنفيذ ما التزم به في تعهده للوزارة؛ لأن اختيار الوقت المناسب لإجراء الترقية هو من إطلاقات الإدارة ما دام لا يوجد نص قانوني يوجب عليها إجراءها في وقت معين، وقد رسم القانون الطريق الذي يسلكه الموظف في حالة تظلمه من تخطيه في الترقية، أما الإعارة فجوازية لجهة الإدارة، وهي تتم بقرار من الوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية والاقتصاد. وإذا كانت الحكومة تساهم في رأس مال الشركة الأهلية المصرية للبترول، فإن هذه المساهمة لا تجعل هذه الشركة فرعاً من الحكومة التي تعهد المدعى عليه الأول بالخدمة فيها لمدة سبع سنوات بعد عودته من البعثة مباشرة؛ ومن ثم فإنه يكون مسئولاً بالتضامن مع باقي المدعى عليهم عن رد قيمة ما أنفقته عليه الوزارة في البعثة وجملته 126 م و4405 ج. أما فوائد هذا المبلغ فلا ترى المحكمة محلاً للحكم بها لأنها لا تخرج عن كونها تعويضاً، ولما كان المبلغ المطالب به في الدعوى لا يخرج هو أيضاً عن كونه تعويضاً فإنه لا يجوز الجمع بين تعويض وآخر إذ يكفي لجبر الضرر الحكم للوزارة بالمبلغ المذكور دون فوائده. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 30 من يناير سنة 1958 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب الحكم بالفوائد والقضاء بهذا الطلب". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يتضح من سياق نصوص الاتفاق المبرم بين الوزارة والمبعوث، والذي بمقتضاه تحددت التزامات وحقوق الطرفين، أن للمبعوث الخيار عند عودته من البعثة بين أن يعمل لدى الحكومة المدة المتفق عليها أو أن يدفع إليها قيمة ما أنفق عليه فيها. وعلى هذا فإذا رفض تنفيذ التزامه بالعمل لدى الحكومة اعتبر بمجرد الامتناع عن تنفيذ هذا الالتزام ملتزماً بدفع هذه النفقات، فينقلب محل الالتزام بذلك من التزام بعمل إلى التزام بدفع مبلغ من المال، وهذا هو محل الدعوى الحالية، مما كان يتعين معه الحكم للوزارة بالفوائد القانونية المقررة، بل لو فرض أن الالتزام الأصلي في هذا الاتفاق هو القيام بعمل وأن النص على دفع النفقات هو اتفاق على التعويض عند الإخلال بهذا الالتزام، فإنه باعتباره تعويضاً متفقاً عليه ليس للمحكمة أن تقضي بأكثر أو بأقل منه؛ إذ أن هذا من شأنه أن يحول الالتزام الأصلي عند تحقق واقعة الإخلال به إلى الالتزام بدفع مبلغ من المال معين المقدار مستحق بالتالي للفوائد القانونية؛ ومن ثم فإن الوزارة تكون على أية صورة محقة في طلب الحكم بالفوائد، ويكون الحكم المطعون فيه إذ رفض الحكم بها قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة اقتصر على ما قضى به الحكم المطعون فيه من رفض طلب الحكم بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية، دون ما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها، وما قضى به في موضوع الحق المطالب به ذاته، وهما ما صادف الحكم فيهما الصواب.
ومن حيث إن المادة 226 من القانون المدني تنص على أنه "إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها. وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره".
ومن حيث إنه ولئن كانت هذه المادة قد وردت في التقنين المدني إلا أن المحكمة ترى تطبيقها في نطاق الروابط العقدية الإدارية باعتبار هذه الأحكام من الأصول العامة في الالتزامات.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى عليه الأول وقع في 5 من يونيه سنة 1949 تعهداً بأن يتم دراسته في بعثة هندسة استخراج البترول التابعة لوزارة التجارة في المدة المقررة لها، وأن يخدم الوزارة التي هو تابع لها بالبعثة أو في أية وظيفة أخرى في الحكومة تعرض عليه بالاتفاق مع تلك الوزارة مدة سبع سنوات من تاريخ عودته لمصر عقب انتهاء الدراسة، وأن يرد جميع ما تصرفه الحكومة عليه بصفته عضواً في البعثة إذا تركها من تلقاء نفسه أو لم يقم بخدمة الحكومة المدة المقررة في التعهد أو فصل منها لأسباب تأديبية أو تزوج أثناء وجوده بالبعثة بدون إذن سابق من اللجنة الوزارية الاستشارية للبعثات، كما وقع والده مورث باقي المدعى عليهم إقراراً بتعهده بطريق التضامن والتكافل معه برد جميع ما تنفقه الحكومة عليه بصفته عضواً ببعثة التعليم المصرية إذا تركها من تلقاء نفسه، أو لم يقم بخدمة الحكومة المدة المقررة في التعهد، أو فصل منها لأسباب تأديبية أو لزواجه في أثناء مدة بعثته بدون إذن سابق من لجنة البعثات، ومقتضى هذا التعهد أن ثمة التزاماً أصلياً من جانب المدعى عليه الأول هو التزام بعمل محله خدمة الوزارة التي هو تابع لها بالبعثة أو خدمة الحكومة في أية وظيفة أخرى تعرض عليه بالاتفاق مع تلك الوزارة مدة سبع سنوات من تاريخ عودته إلى مصر عقب انتهاء دراسته بالبعثة التي يتعهد بإتمامها في المدة المقررة لها، وأنه في حالة إخلاله بهذا الالتزام أو بأحد الالتزامات الأخرى التي تضمنها تعهده - وبمراعاة أن التنفيذ العيني قهراً غير منتج أو غير ممكن يترتب في ذمته بضمانة ضامنه، وهو مورثه ومورث باقي المدعى عليهم، وكأثر احتياطي لعدم الوفاء، التزام آخر محله رد جميع ما أنفقته عليه الحكومة بصفته عضواً في البعثة، أي أداء مبلغ من النقود، ولما كان محل الالتزام الثاني هو دفع مبلغ من النقود معلوم المقدار ينحصر في قيمة المصروفات التي أنفقتها الحكومة عليه بصفته عضواً في بعثة هندسة استخراج البترول بأمريكا، وكان الثابت أن المذكور وضامنه قد تأخرا عن الوفاء بقيمة هذه النفقات التي بلغت 126 م و4405 ج، حسبما يبين من أوراق ملف البعثة، على الرغم من مطالبة الحكومة إياهما به، فإنه تستحق على هذا المبلغ الذي قضى به الحكم المطعون فيه فوائد تأخيرية لصالح الحكومة بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الفوائد لا تخرج عن كونها تعويضاً وأن المبلغ المطالب به لا يخرج هو أيضاً عن كونه تعويضاً، وأنه لا يجوز الجمع بين تعويض وآخر؛ إذ يكفي لجبر الضرر الحكم للوزارة بالمبلغ - لا وجه لذلك؛ لأن الفوائد المطلوبة هي فوائد تأخيرية عن مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به حسبما سلف الإيضاح، فيستحق الدائن الفوائد القانونية بالتطبيق للمادة 226 من القانون المدني من تاريخ المطالبة القضائية بها، والضرر مفترض في هذه الحالة بحكم القانون وفقاً للمادة 228 من القانون المدني التي تنص على أنه "لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضرراً لحقه من هذا التأخير".
ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض هذه الفوائد قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين إلغاؤه في هذا الشق منه، والقضاء بإلزام المدعى عليه الأول بصفته الشخصية وإلزامه بالتضامن مع باقي المدعى عليهم بهذه الصفة وباعتباره وإياهم ورثة المرحوم الشيخ محمد محمد المكاوي بأن يدفعوا لوزارة التربية والتعليم المدعية من ماله الخاص ومن مال مورثهم الفوائد القانونية عن مبلغ 126 م و4405 ج المحكوم عليهم به بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 25 من إبريل سنة 1956 مع المصروفات الخاصة بهذا الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب الفوائد، وبإلزام المدعى عليهم الأول بصفته الشخصية وبطريق التضامن مع ورثة المرحوم الشيخ محمد محمد المكاوي ومنهم المدعى عليه الأول بأن يدفعوا - الأول من ماله الخاص والجميع من تركة مورثهم المذكور - الفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً عن مبلغ 126 م و4405 ج من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 25 من إبريل سنة 1956 لغاية تمام الوفاء، مع المصروفات الخاصة بهذا الطلب.