مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة – العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو) - صـ 1269

(135)
جلسة 24 من مايو سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 871 لسنة 2 القضائية

سن الموظف - النص في كادر سنة 1939 على أن سن الموظف لا يجوز أن تقل عن 18 سنة - تعيين موظف قبل بلوغه السن بعدة أشهر - حق الإدارة في سحب هذا القرار - عدم سحبها للقرار وبقاء الموظف بالخدمة حتى بلوغه السن - تصحيح الوضع الفعلي للتعيين واعتباره في خدمة الحكومة من تاريخ التعيين - ثبوت أن هذا التاريخ سابق على 9/ 12/ 1944 - دخول هذا الموظف في نطاق الأشخاص الذين تسري عليهم قواعد الإنصاف عند توافر باقي شروط هذه القواعد - عدم إفادته من آثار قواعد الإنصاف إلا من تاريخ بلوغه الثامنة عشرة - دليل ذلك.
إن كادر سنة 1939 الصادر به منشور وزارة المالية رقم 4 لسنة 1939 ينص في الفقرة الأولى من المادة الأولى في باب (التعيين) على أنه "لا يجوز أن تقل سن أي مرشح لوظيفة حكومية وقت التعيين لأول مرة عن 18 سنة ميلادية ولا تزيد عن 24 للتعيين في الدرجة التاسعة، ولا على 30 في الدرجات الثامنة والسابعة والسادسة...". وفي الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أن "الحد الأدنى للسن وهي 18 سنة يجرى على التعيين في الوظائف الدائمة والمؤقتة والخارجة عن هيئة العمال". فإذا كانت سن المدعية حين عينت فعلاً في خدمة الحكومة في 21 من نوفمبر سنة 1944 تنقص أربعة أشهر عن السن المقررة، وكان للإدارة أن تسحب قراراها لمخالفته للقانون قبل فوات هذه الأربعة الأشهر ثم تعيد تعيينها لو شاءت عند بلوغ السن القانونية إلا أن فواتها دون سحب القرار قبل ذلك، ثم بلوغ المدعية بالتالي السن القانونية وهي ما زالت في الخدمة فعلاً، أمر قد صحح الوضع الفعلي للتعيين قانوناً وغطاه، فإن المدعية تعتبر، والحالة هذه - من حيث التعيين - في خدمة الحكومة من 21 من نوفمبر سنة 1944، ولما كانت قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 تسري من حيث الأشخاص على من كان في خدمة الحكومة فعلاً لغاية 9 من ديسمبر سنة 1944، فتدخل المدعية بهذه المثابة في نطاق هؤلاء الأشخاص الذين تسري عليهم هذه القواعد، أما من حيث الآثار فلا تفيد المدعية من مزايا تلك القواعد إلا من تاريخ بلوغها سن الثامنة عشرة، أي في 22 من مارس سنة 1945، وهي سن الصلاحية للتعيين في الدرجة التاسعة المقررة لمثل مؤهلها بمقتضى القواعد المذكورة؛ لأن الإفادة من المزايا المشار إليها إنما تترتب على المركز القانوني الصحيح في الوظيفة أو من اليوم الذي يصبح فيه هذا الوضع صحيحاً وهي قد صحح بفوات الأربعة الأشهر دون سحب.


إجراءات الطعن

في يوم 21 من مارس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 23 من يناير سنة 1956 في القضية رقم 561 لسنة 8 القضائية المرفوعة من وزارة الصحة ضد الآنسة ثريا حسن مرعي، والقاضي "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت الحكومة المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وتأييد قرار اللجنة القضائية فيما قضى به من أحقية المدعى عليها من الإفادة من قواعد الإنصاف، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في أول يوليه سنة 1956، وللمدعية في 12 منه، وعين لنظره جلسة 29 من مارس سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعية قدمت في 5 من يوليه سنة 1953 تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة الصحة قيد بجدولها برقم 2768 لسنة 1 القضائية قالت فيه، إنها حصلت على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية وعينت بمصلحة الصحة القروية في وظيفة مساعدة مولدة وطبقت عليها قواعد الإنصاف، ومنحت مرتباً شهرياً قدره خمسة جنيهات في الدرجة التاسعة الشخصية، ثم فوجئت في شهر إبريل سنة 1948 بجعل ماهيتها أربعة جنيهات شهرياً بمقولة إنها لم تبلغ سن الثامنة عشرة إلا في هذا التاريخ ويعتبر بدءاً لتعيينها، وهو لاحق لتاريخ 9 من ديسمبر سنة 1944 آخر موعد للعمل بقواعد الإنصاف. وطلبت أن تقرر اللجنة استحقاقها لتطبيق قواعد الإنصاف على حالتها وما يترتب على ذلك من آثار مالية وفروق. وقد ردت الوزارة على ذلك بأن المدعية حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1940 وعينت في 21 من نوفمبر سنة 1944 ثم طبقت عليها قواعد الإنصاف واعتبرت في الدرجة التاسعة الشخصية بمرتب قدره 5 ج شهرياً من تاريخ تعيينها. ولما تبين أن تاريخ ميلادها هو 22 من مارس سنة 1927 وأنها عينت قبل بلوغ سن الثامنة عشرة وأنها تبلغ هذه السن في 22 من مارس سنة 1945 وهو تاريخ لاحق ليوم 9 من ديسمبر سنة 1944 فقد اعتبرتها الوزارة في الدرجة الأولى بماهية قدرها 4 ج شهرياً المقررة لوظيفة مساعدة مولدة. وبجلسة 15 من أكتوبر سنة 1953 قررت اللجنة استحقاق المدعية للدرجة التاسعة الشخصية اعتباراً من 21 من مارس سنة 1945 تاريخ بلوغها سن الثامنة عشرة، بالتطبيق لقواعد الإنصاف التي وردت بصيغة الإطلاق والعموم فيجب تطبيقها على جميع طوائف الموظفين بغض النظر عن الهيئة التي ينتمون إليها، وآياً كان العمل الذي يقومون به حتى ولو كان تعيينهم أو حصولهم على المؤهلات لاحقاً لصدور قواعد الإنصاف، كما قررت استحقاقها لما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. وقد قامت الوزارة بالطعن في هذا القرار فيما قضى به من صرف الفروق المستحقة للمدعية نتيجة لتسوية حالتها طبقاً لقواعد الإنصاف اعتباراً من تاريخ بلوغها سن الثامنة عشرة بمقولة أن الفروق المذكورة قد سقطت بمضي خمس سنوات على تاريخ استحقاقها طبقاً لنص المادة 275 من القانون المدني، وبجلسة 23 من يناير سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وألزمت الحكومة بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن دعوى الحكومة فيما يتعلق بسقوط حق المدعية في الفروق المالية بالتقادم غير قائمة على أساس سليم من القانون؛ إذ تبين من الملف أن المدعية ظلت في الدرجة التاسعة الشخصية وتصرف مرتبها على هذا الأساس حتى مارس سنة 1948 تاريخ إعادة تسوية حالتها، كما تبين للمحكمة أيضاً أن المدعية تقدمت بطلب في 25 من ديسمبر سنة 1950 شرحت فيها حالتها وتظلمت من تخفيض راتبها الشهري، ومن ثم تكون الفترة من إبريل سنة 1948 لغاية 5 من يوليه سنة 1953 تاريخ تقديم تظلمها للجنة القضائية لم يلحقها السقوط. ولكن لما كان قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 قد ألغى قواعد الإنصاف التي طبقتها اللجنة على حالتها اعتباراً من تاريخ بلوغها سن الثامنة عشر فإن هذا القانون هو الذي كان يطبق عليها لولا أن القانون رقم 151 لسنة 1955 يقصر تطبيقه على الموظفين الدائمين المعينين على وظائف دائمة، وهو شرط غير متوفر في المدعية؛ ومن ثم كان قرار اللجنة القضائية مخالفاً للقانون، ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 لم يلغ قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 و23 و11 من ديسمبر سنة 1944؛ ومن ثم فإنها تظل قائمة نافذة ومنتجة آثارها في مجال تطبيقها. ولما كان الثابت أن المدعية عينت في 21 من نوفمبر سنة 1944 ولا سبيل إلى إرجاع هذا التاريخ إلى يوم بلوغها سن الثامنة عشرة في إبريل سنة 1945 ما دام قرار التعيين قد أصبح حصيناً من الإلغاء منتجاً آثاره القانونية لفوات ميعاد السحب القانوني؛ ولذلك فهي تفيد من قواعد الإنصاف سالفة الذكر باعتبارها معينة قبل 9 من ديسمبر سنة 1944. ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك قد خالف القانون وقامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعية حصلت على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية عام 1940 وألحقت بخدمة وزارة الصحة بوظيفة مساعدة مولدة بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً بتاريخ 21 من نوفمبر سنة 1944 في الدرجة الأولى نساء، وفي عام 1946 طبقت عليها قواعد الإنصاف فمنحت مرتباً قدره خمسة جنيهات في الدرجة التاسعة، ولما تبين للوزارة أن سنها عند التعيين كان يقل عن 18 سنة إذ أنها مولودة في 22 من مارس سنة 1927، وعلى إثر مكاتبات بين الوزارة وديوان الموظفين، أعيدت تسوية حالتها في عام 1948 فاعتبرت في الدرجة الأولى خارج الهيئة مع عدم تحصيل الفروق التي صرفت إليها حتى مارس سنة 1948، فتقدمت بشكوى للوزارة في 25 من ديسمبر سنة 1950 تطلب فيها صرف مرتبها إليها بواقع 5 ج شهرياً لأنها حاصلة على الشهادة الابتدائية وتستحق هذا المرتب بمقتضى قواعد الإنصاف وأنها سبق أن قدمت عدة شكاوى مماثلة ثم قدمت تظلمها إلى اللجنة القضائية في 5 من يوليه سنة 1953.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد ألغى قرارات معينة بذاتها، وهي قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951، أما القرارات الأخرى التي أغفل النص على إلغائها ومنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 بإنصاف حملة المؤهلات العلمية من الموظفين الذين كانوا في خدمة الحكومة وقت صدوره ثم مد أثره إلى 9 من ديسمبر سنة 1944، فهي قرارات تنظيمية عامة تتضمن مزايا علمية وأدبية للموظفين وقد تحققت لهم في ظلها مراكز قانونية ومالية ذاتية فلا يمكن إهدارها بأثر رجعي من وقت صدور القرارات التنظيمية العامة التي تحققت في ظلها تلك المراكز القانونية إلا بنص خاص في قانون يقرر ذلك، ولما كان القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد خلا من مثل هذا النص الخاص على إلغاء تلك القرارات فإنها تظل قائمة نافذة منتجة آثارها في مجال تطبيقها.
ومن حيث إنه ولئن كان كادر سنة 1939 الصادر به منشور وزارة المالية رقم 4 لسنة 1939 ينص في الفقرة الأولى من المادة الأولى في باب (التعيين) على أنه، "لا يجوز أن تقل سن أي مرشح لوظيفة حكومية وقت التعيين لأول مرة عن 18 سنة ولا تزيد عن 24 للتعيين في الدرجة التاسعة، ولا على 30 في الدرجات الثامنة والسابعة والسادسة...". وفي الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أن "الحد الأدنى للسن وهي 18 سنة يجرى على التعيين في الوظائف الدائمة والمؤقتة والخارجة عن هيئة العمال"، - وكانت سن المدعية حين عينت فعلاً في خدمة الحكومة في 21 من نوفمبر سنة 1944 تنقص أربعة أشهر عن السن المقررة، وكان للإدارة أن تسحب قرارها لمخالفته للقانون قبل فوات هذه الأربعة الأشهر ثم تعيد تعيينها لو شاءت عند بلوغ السن القانونية، إلا أن فواتها دون سحب القرار قبل ذلك، ثم بلوغ المدعية بالتالي السن القانونية وهي ما زالت في الخدمة فعلاً، أمر قد صحح الوضع الفعلي للتعيين قانوناً وغطاه، فتعتبر المدعية والحالة هذه - من حيث التعيين - في خدمة الحكومة من 21 من نوفمبر سنة 1944، ولما كانت قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 تسري من حيث الأشخاص على من كان في خدمة الحكومة فعلاً لغاية 9 من ديسمبر سنة 1944، فتدخل المدعية بهذه المثابة في نطاق هؤلاء الأشخاص الذين تسري عليهم هذه القواعد، أما من حيث الآثار فلا تفيد المدعية من مزايا تلك القواعد إلا من تاريخ بلوغها سن الثامنة عشرة أي في 22 من مارس سنة 1945، وهي سن الصلاحية للتعيين في الدرجة التاسعة المقررة لمثل مؤهلها بمقتضى القواعد المذكورة، لأن الإفادة من المزايا المشار إليها إنما تترتب على المركز القانوني الصحيح في الوظيفة أو من اليوم الذي يصبح فيه هذا الوضع صحيحاً، وهو قد صحح بفوات الأربعة الأشهر دون سحب قبل ذلك كما سلف البيان.
ومن حيث إنه لا وجه للتحدي بالتقادم، لأنه منذ أن ألغيت تسوية المدعية الأولى التي كانت تمت طبقاً لقواعد الإنصاف وهى دائبة التظلم من ذلك. وهذا يقطع سريان المدة في حقها كما أنها قد رفعت الدعوى قبل فوات المدة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه فتعين إلغاؤه والقضاء للمدعية بما هو مبين بالمنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباستحقاق المدعية تسوية حالتها بالتطبيق لقواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وذلك اعتباراً من تاريخ بلوغها سن الثامنة عشرة وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات.