مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة – العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو) - صـ 1286

(137)
جلسة 24 من مايو سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 944 لسنة 3 القضائية

ميعاد الستين يوماً - بدؤه - العلم اليقيني يقوم مقام الإعلان أو النشر في احتساب بداية الميعاد - مثال.
إن الإعلان أو النشر هما أداة العلم بالقرار الإداري المطعون فيه، فإن ثبت علم المدعي علماً يقينياً نافياً للجهالة بالقرار المطعون قام ذلك مقام الإعلان أو النشر. ومن ثم، إذا ثبت أن الموظف المدعي أرسل خطاباً إلى جهة الإدارة يحوي علماً كافياً بماهية العقوبة الموقعة عليه وأنها الإنذار، وأسباب توقيعها، وتحديد أسباب المعارضة في القرار من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع، وقد سردها بكل تفصيل، فلا يقبل منه بعد ذلك القول بأنه لم يكن يعلم بالقرار علماً كافياً نافياً للجهالة.


إجراءات الطعن

في 24 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة صحيفة الطعن في الحكم الصادر في 26 من يونيه سنة 1957 من المحكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) في القضية رقم 1817 لسنة 10 ق المرفوعة من الدكتور حسين فؤاد نجاتي ضد وزارة التربية والتعليم وجامعة عين شمس والقاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 1817 لسنة 10 ق شكلاً وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء المطعون فيه، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد طلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى رقم 1817 لسنة 10 ق والقضاء بعدم قبول هذه الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي مصروفاتها. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 7 و11 من سبتمبر سنة 1957، وإلى الخصم في 7 من أكتوبر سنة 1957، وعين لنظره جلسة 29 من مارس سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات، وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الملاحظات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1817 لسنة 10 ق التي أودع صحيفتها محكمة القضاء الإداري في 14/ 8/ 1956 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير جامعة عين شمس بتوقيع عقوبة الإنذار عليه. وكان قد أقام بنفس الطلب الدعوى رقم 3515 سنة 9 ق وأودع صحيفتها في 5/ 7/ 1955 ولكنه قرر ترك الخصومة فيها، فقضت المحكمة بإثبات تركه للخصومة فيها. دفعت جامعة عين شمس بعدم قبول الدعوى رقم 1817 سنة 10 ق شكلاً لرفعها بعد الميعاد، لأن المدعي تقدم بتظلم مؤرخ 31/ 10/ 1954 أخطر بحفظه في ديسمبر سنة 1954، ولكنه لم يقم الدعوى رقم 3515 سنة 9 ق إلا في يوليه سنة 1955، وأعقبها بهذه الدعوى (رقم 1817 سنة 10 ق)، ولأن عودة المدعي إلى التظلم بعد ذلك لا تقطع ميعاد الطعن. ثم صدر الحكم المطعون فيه قاضياً "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 1817 سنة 10 ق شكلاً وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء المطعون فيه، وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". واستند الحكم في أسبابه - فيما يتعلق بقضائه برفض الدفع - إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون ما ترامى إلى سمع المدعي أثناء رحلته بالخارج من أن إنذاراً وجه إليه بسبب توجيهه ألفاظاً نابية إلى السيد علي النحاس المعيد بالكلية، فبعث بخطابه الأول المؤرخ 31/ 10/ 1954 مردداً ما سمعه معترضاً عليه، فلما أجابته الكلية بحفظ شكواه لم يزد الأمر وضوحاً في نظره. وهو لم يعلن بالقرار، فأعاد الشكوى في 19/ 2/ 1955 ملتمساً إبلاغه حقيقة الأمر وإعلانه - إذا صحت الواقعة - بالعقوبة وبأسبابها حتى يكون على بينة من أمره، فأجابته الجامعة في 5/ 6/ 1955 بأن العقوبة موضوع الشكوى أبلغت للكلية في 12/ 11/ 1953، وبأن السيد مدير الجامعة وافق على حفظ شكواه، ولم تطلعه الجامعة ولا الكلية على هذه العقوبة ولا على أسبابها إلا في 3/ 5/ 1956 حيث أطلعته على القرار المطعون فيه، فتظلم منه في 15/ 5/ 1956 إلى السيد مدير الجامعة وعميد الكلية، ومرت المواعيد المقررة دون البت في تظلمه فرفع دعواه (الدعوى رقم 1817 سنة 10 ق) في 14/ 8/ 1956، فتكون هذه الدعوى قد رفعت في الميعاد القانوني. وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم، مؤسساً طعنه على أن المدعي يعتبر عالماً علماً يقينياً شاملاً بمحتويات القرار المطعون فيه وأسبابه اعتباراً من 5/ 6/ 1955، فقد أوضح في صحيفة الدعوى رقم 3515 سنة 1 ق التي قرر ترك الخصومة فيها أن الكلية أبلغته في 5/ 6/ 1955 بأن الجامعة أخطرتها بأنها قررت حفظ شكواه نظراً لما تبين من فحصها أن العقوبة موضوع الشكوى قد أبلغت إلى الكلية التي يعمل بها في 12/ 11/ 1953، وأنه فهم من مضمون هذا الكتاب أن ثمة عقوبة إنذار قد وقعها عليه فعلاً مدير الجامعة أثناء غيابه عن مصر، وقد أوضح أيضاً في صحيفة الدعوى المذكورة أنه علم أن قرار الجزاء المشار إليه بني على ما اتهمه به معيد بكلية الطب من توجيهه ألفاظاً نابية إليه. وعلى هذا الأساس فقد كان يتعين على المدعي - تطبيقاً للمادتين 12 و19 من القانون رقم 165 سنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة - أن يتظلم من القرار المطعون فيه إدارياً خلال ستين يوماً من تاريخ علمه به علماً يقينياً شاملاً في 5/ 6/ 1955، وأن يرفع الدعوى خلال ستين يوماً من تاريخ إخطاره برفض تظلمه أو من تاريخ انقضاء ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة، ولكنه أقام الدعوى رقم 3515 سنة 9 ق بتاريخ 5/ 7/ 1955 قبل أن يتظلم إدارياً من ذلك القرار، ومن ثم كانت غير مقبولة شكلاً تطبيقاً للمادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955، فضلاً عن أن صحيفتها باطلة لعدم التوقيع عليها من محام مقبول أمام محاكم الاستئناف وذلك على التفصيل المبين في تقرير مفوض الدولة المودع في القضية رقم 3515 سنة 9 ق، ولم يتظلم من القرار المطعون فيه إدارياً إلا في 15/ 5/ 1956، ولم يقم هذه الدعوى رقم 1817 سنة 10 ق إلا في 14/ 8/ 1956؛ ومن ثم تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد. وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى رقم 1817 سنة 10 ق، والقضاء بعدم قبول هذه الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي مصروفاتها.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي أقام الدعوى رقم 3515 لسنة 9 ق بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 5 من يونيه سنة 1955، طالباً إلغاء قرار مدير جامعة عين شمس بتوقيع عقوبة الإنذار عليه، وفيها قررت المحكمة إيداع صورة القرار المطعون فيه، وبعد إيداعه طلب المدعي ضم الدعوى رقم 1817 لسنة 10 ق التي رفعها ضد الجامعة والوزارة طالباً إلغاء قرار الجزاء ذاته السابق طلب إلغائه في القضية رقم 3515 سنة 9 ق، وقال المدعي إن الجامعة أطلعته على القرار المطعون فيه في 3 من مايو سنة 1956 بعد صدور قرار المحكمة في الدعوى رقم 3515 لسنة 9 ق بإيداعه، وأنه إذ علم به وبمحتوياته اليوم علماً يقينياً فقد تظلم منه في 15 من مايو سنة 1956 إلى مدير الجامعة وعميد الكلية، ومرت المواعيد المقررة دون بحث فيه، فأقام الدعوى الثانية رقم 1817 سنة 10 ق، وقررت المحكمة في الدعوى رقم 3515 سنة 9 ق بجلسة 26 من سبتمبر سنة 1956 ضم القضية 1817 لسنة 10 ق إلى القضية المذكورة، وقد صدر الحكم بجلسة 26 من يونيه سنة 1957 "أولاً بإثبات ترك المدعي للخصومة في الدعوى رقم 3515 لسنة 9 ق وألزمته مصروفاتها، وثانياً برفض الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 1817 لسنة 10 ق شكلاً وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء المطعون فيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن حاصل أسباب رفض الدفع بعدم قبول الدعوى أن الجامعة إذ أخطرت المدعي في كتابها المؤرخ 5 من يونيه سنة 1955 بأن العقوبة قد أبلغت إلى الكلية في 12 من نوفمبر سنة 1953، لم تخطره بماهية العقوبة ولا بأسبابها، وكذلك رفع الدعوى 3515 سنة 9 ق لا يفيد العلم لأنها رفعت بناء على علم سماعي ظني لا يعتد به، والعبرة بالعلم اليقيني.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى أوراق الدعوى يتضح أن المدعي أرسل إلى السيد عميد كلية الطب لجامعة عين شمس خطاباً في 31 من أكتوبر سنة 1954 جاء به "علمت فوراً بأن إنذاراً وجه لي غيابياً أثناء وجودي بالمهمة العلمية بأمريكا، وسبب هذا الإنذار كما سمعت هو لأني وجهت ألفاظاً نابية للسيد علي النحاس المعيد بالقسم والذي كنت قد طلبت التحقيق معه لأمور أوردتها في خطاب حينئذ وحقق معه بخصوصها.. لهذا فإني أعارض في هذا القرار لسببين: الأول شكلي والثاني موضوعي. أولاً: اللجنة التي ألفت (مع احترامي لأعضائها ورئيسها) كانت للتحقيق مع المعيد وهو ليس عضواً في هيئة التدريس وهي غير اللجنة المعينة من مجلس الكلية والجامعة للتحقيق مع أعضاء هيئة التدريس. ثانياً: ليس من عادتي ولم أوجه أي ألفاظ نابية لأحد، ومن المعروف أن السيد علي النحاس أخطر أثناء التحقيق لذكر أشياء مثبتة في الأوراق لم تكن صحيحة بالمرة وذلك لكي يدافع عن نفسه. لذلك أرجو من سيادتكم التكرم بعمل اللازم لاطلاعي على أوراق التحقيق التي لم أرها مطلقاً، وإعادة النظر في هذا الموضوع بأسرع ما يمكن".
ومن حيث إنه واضح أن هذا الخطاب يحوي علماً كافياً بماهية العقوبة وأنها الإنذار، وأسباب توقيعها، وتحديد أسباب المعارضة في القرار من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع وقد سردها بكل تفصيل، فلا يقبل منه بعد ذلك القول بأنه لم يكن يعلم بالقرار علماً كافياً نافياً للجهالة - وأما ما أثاره المدعي من أن موعد التظلم والطعن في القرار لا يبدأ إلا من تاريخ إعلان القرار أو نشره فإن هذا الإعلان أو النشر هما أداة العلم، فإن ثبت علم المدعي علماً يقيناً نافياً للجهالة بالقرار المطعون فيه، ذلك العلم المستفاد من التظلم المقدم منه، كان هذا التظلم مبدأ لسريان المواعيد في حقه.
ومن حيث إنه يؤكد علم المدعي بالقرار المطعون فيه سبق رفع الدعوى رقم 3515 سنة 9 ق أمام محكمة القضاء الإداري وما جاء بها من أقوال، فقد أشار في صحيفتها المودعة في 5 من يوليه سنة 1955 إلى خطابه السابق والذي كتبه عقب عودته من الخارج، وأنه لما كان العميد لم يقم بإخطاره بحقيقة الأمر طالب مدير الجامعة بذلك فأبلغته الكلية في 5 من يونيه سنة 1955 أن الجامعة أخطرتها بالآتي: "نظراً لأنه تبين من فحص الشكوى التي تقدم بها الطالب للجامعة أن هذه العقوبة قد أبلغت إلى الكلية بتاريخ 12/ 11/ 1953 فقد وافق السيد مدير الجامعة على حفظ شكواه". ثم قال المدعي في العريضة المذكورة إنه لما كان قرار مدير الجامعة قد وقع مخالفاً للقانون متسماً بعيب إساءة استعمال السلطة فإن الطاعن يطعن فيه لسببين: أولهما الإخلال بحق الدفاع والثاني بطلان الإجراءات في توقيع العقوبة ويظهر من ذلك أن المدعي سبق أن رفع الدعوى رقم 3515 لسنة 9 ق طالباً إلغاء نفس القرار المطعون فيه ثم ترك الخصومة فيها بعد إذ تظلم من القرار بالتطبيق لأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة ورفع الدعوى رقم 1817 لسنة 10 ق المطعون في حكمها، وهذا قاطع الدلالة على العلم اليقيني الذي أعقبه بدعوى الإلغاء التي ترك الخصومة فيها مكتفياً بالدعوى الثانية التي رفعت بعد تقديم التظلم طبقاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المدعي قد علم بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً سابقاً على رفع دعواه الأولى، وذلك مستفاد من كتابه إلى عميد الكلية في 31 من أكتوبر سنة 1954، وتأكد علم المدعي بالقرار المذكور من كتاب الكلية إليه في 5 من يوليه سنة 1955 على التفصيل السابق إيراده، كما أنه رفع دعواه الأولى في 5 من يوليه سنة 1955 تأسيساً على علمه بالكتاب المتقدم؛ ومن كل ذلك يكون علم المدعي بالقرار علماً يقينياً نافياً للجهالة به ثابتاً في حقه من 22 من أكتوبر سنة 1954 على الأقل، وتكون الدعوى الثانية رقم 1817 لسنة 10 ق وقد رفعت في 14 من أغسطس سنة 1956 غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فيكون قد خالف القانون في تأويله وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه، وبعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.