مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو) - صـ 1292

(138)
جلسة 31 من مايو سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 577 لسنة 3 القضائية

حجز - استرداد الإدارة لما تستحقه من الموظف عن طريق الاستقطاع من ربع الراتب - عدم جوازه قبل العمل بالقانون رقم 324 لسنة 1956 - رفع الدعوى على الإدارة بطلب إلغاء القرار القاضي بالاستقطاع - صدور القانون سالف الذكر أثناء نظر الدعوى وإجازته للاستقطاع - صيرورة طلب المدعي غير منتج - إلزام الإدارة بمصاريف الدعوى.
ما كان يجوز للإدارة قبل نفاذ القانون رقم 324 لسنة 1956 أن تستقطع من ربع راتب الموظف ما هو مستحق لها على أساس استرداد المدفوع بدون حق، ولكن ذلك أصبح جائزاً طبقاً للقانون المذكور. وغني عن البيان أن الاستقطاع جائز - وفقاً لهذا القانون - سواء بالنسبة للمستحقات الحكومية الناشئة بعد نفاذه، أو مستحقاتها الناشئة قبله، ما دامت هذه المستحقات ما زالت قائمة في ذمة الموظف بعد نفاذه. فإذا ثبت أن الإدارة - قبل صدور القانون سالف الذكر - قد استقطعت المبالغ المستحقة لها على المدعي على أساس استرداد المدفوع بدون حق، فرفع هذا دعواه بطلب إلغاء القرار القاضي بالاستقطاع، وأثناء نظر الدعوى صدر القانون المشار إليه؛ فإنه لا يبقى ثمة وجه للتحدي بعدم جواز الاستقطاع، إذ أصبح التحدي بذلك الآن غير منتج، إلا أنه لما كانت الدعوى قد رفعت في ظل قانون ما كان يجيز - وقت إقامتها - الاستقطاع من ربع راتب الموظف، فترى المحكمة إلزام الحكومة بمصروفاتها.


إجراءات الطعن

في يوم 17 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 17 من يناير سنة 1957 في القضية رقم 9038 لسنة 2 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد عبد المنعم مصطفى ضد وزارة التربية والتعليم والقاضي "بأحقية المدعي في صرف مرتبه عن مدة الإيقاف وألزمت الوزارة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 4 من إبريل سنة 1957، وللمدعي في 25 منه، وعين لنظره جلسة 26 من إبريل سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 9038 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 11 من ديسمبر سنة 1954 قال فيها إنه كان يعمل ممرضاً بمستشفى القصر العيني ووقف عن العمل في 7 من إبريل سنة 1948 بسبب إضراب الممرضين، ولما اتضح عدم وجود أية شبهة جنائية أو إدارية ضده، أعيد إلى عمله في 13 من يوليه سنة 1948، وصرف إليه مرتبه عن مدة الوقف، إلا أن مصلحة المستشفيات عادت بعد ذلك وخصمت ما سبق أن صرفته له، وطلب الحكم بإلغاء القرار القاضي بهذا الاستقطاع وباستحقاقه لصرف راتبه عن مدة الوقف المشار إليها، وقد ردت الحكومة على ذلك بأن المدعي وقف عن عمله بسبب إضراب الممرضين في 7 من إبريل سنة 1948، وأعيد إلى عمله في 13 من يوليه سنة 1948، ولما كانت السلطة التي تملك تقرير صرف مرتبه عن مدة الوقف هي وكالة الوزارة التي تنفرد بالبت فيه وفقاً لمقتضيات الظروف، وقد قررت عدم صرف المرتب عن مدة الوقف ومن ثم فإن قرار الصرف الصادر من مدير المستشفى قد صدر ممن لا يملكه قانوناً، ولذلك قامت المصلحة بتحصيل هذا المبلغ من مرتبه على أقساط شهرية، ولذا فهي تطلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. وبجلسة 17 من يناير سنة 1957 حكمت المحكمة الإدارية باستحقاق المدعي لصرف مرتبه عن مدة الوقف وألزمت الحكومة بالمصروفات، وأسست قضاءها على أن وقف المدعي عن عمله لم يكن إجراء جزائياً عن جريمة اقترفها، ولم يكن إجراء احتياطياً ريثما ينتهي التحقيق في تهم نسبت إليه، بل كان إجراء احتياطياً في تهمة نسبت إلى غيره فقد جاءت الأوراق خلواً من تهمة بذاتها وجهت إليه، وقد أسفر الوضع ليس فقط عن عدم إدانته في جريمة جنائية أو جريمة إدارية بل أسفر عن عدم اتهامه في شيء، ومن ثم فهو يستحق صرف مرتبه كله عن مدة الوقف بطريقة تلقائية دون أن يكون للإدارة حرية المنع أو المنح، وبالتالي يكون ما أجرته جهة الإدارة من الخصم من المرتب على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن النقطة القانونية مثار النزاع هي فيما إذا كان صرف راتب العامل عن مدة الوقف في حالة ظهور براءته من التهمة التي اقتضت وقفه هو مما يستمد الحق فيه تلقائياً من القانون، أم إنه مما تترخص فيه الإدارة بلا معقب عليها ما دام قد خلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة. وأنه بالرجوع إلى النصوص القانونية التي تحكم هذا الموضوع التي استند إليها الحكم المطعون فيه مكملة بالنصوص التي تحكم الموظفين عموماً، سواء قبل القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة أو بعده، يبين أنها صريحة في أن الأمر بالصرف في جميع الحالات هو مما تختص به السلطة التأديبية التابع لها الموظف تستقل بالبت فيه بحسب ظروف كل حالة، فمن ثم فما دامت المصلحة قد رأت حرمان المدعي من مرتبه عن مدة الوقف فإن طلبه صرفه إليه يكون على غير أساس من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة المدعي أنه التحق بوظيفة ممرض بمستشفى القصر العيني، وهي من وظائف الخدمة الخارجين عن الهيئة، وفي 7 من إبريل سنة 1948 وقف عن عمله بمناسبة إضراب ممرضي هذه المستشفى، ثم أعيد إليه في 13 من يوليه سنة 1948، وصدر قرار من مدير المستشفى بصرف مرتبه عن مدة الوقف إليه، في حين أنه لا يملك ذلك، ولما رفع الأمر للسيد مدير عام مصلحة المستشفيات الجامعية وهو السلطة الرياسية بالنسبة للمدعي، قرر عدم صرف مرتبه عن مدة الوقف. وإذ كانت إدارة المستشفى، قد صرفت بالفعل إلى المدعي ماهيته عن هذه المدة تنفيذاً لقرار مدير المستشفى فقد بادرت باستقطاع هذا المبلغ عن طريق الخصم من ماهيته على أقساط شهرية اعتباراً من مرتب شهر ديسمبر سنة 1948 الذي يستحق صرفه في أول يناير سنة 1949 - فأقام المدعي هذه الدعوى طالباً رد ما استقطع منه، كما نعى بالبطلان على الإجراءات التي اتخذتها الوزارة في هذا الشأن، بمقولة إنه كان يجب عليها اتخاذ الإجراءات القانونية من الحصول على حكم ضده بإلزامه بدفع هذا المبلغ، ثم التنفيذ بهذا الحكم على أمواله الخاصة وليس على الجزء الجائز حجزه من مرتبه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القاعدة التي قررتها الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي الصادر في 10 من إبريل سنة 1883 وهي التي تمت الواقعة في ظلها، إذ نصت على أنه "يترتب على توقيف المستخدم عن العمل حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس الإدارة غير ذلك" قد جعلت الأصل هو الحرمان من المرتب مدة الوقف باعتباره مقابل العمل، وجعلت الاستثناء أن يكون صرفه كله أو بعضه أو عدم صرفه من الملاءمات التقديرية المنوطة بالسلطة التأديبية المختصة في كل حالة على حدتها وبظروفها، وأن السلطة التأديبية المختصة هي مجلس التأديب فيما يختص بالمستخدمين الداخلين في الهيئة، ورئيس المصلحة فيما يختص بالخدمة المؤقتين أو الخارجين عن الهيئة - وقد ردد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 هذه القواعد في المادة 95 بالنسبة للموظفين الداخلين في الهيئة، وفي المادة 129 بالنسبة للموظفين الخارجين عنها، وجعله لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة بحسب الأحوال، كما ردد كذلك أصل حرمان الموظف الذي يحبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم جنائي من مرتبه باعتباره مقابل العمل مع جواز صرفه استثناء ممن يملكه وبحسب تقديره، وذلك في المادة 96 من القانون المذكور بالنسبة للموظفين الداخلين في الهيئة، وفي المادة 117 التي أحالت إلى نص المادة 96 بالنسبة للموظفين الخارجين عن الهيئة - وكل أولئك قاطع في الدلالة على أن الأصل العام والاستثناء الوارد عليه سواء قبل قانون التوظف أو بعده هو ما تقدم، يستوي في ذلك أن يكون الموظف داخلاً في الهيئة أو خارجاً عنها - وبناء على ذلك، فلما كان مدير عام مصلحة المستشفيات الجامعية وهو السلطة التأديبية والرياسية في الوقت ذاته، باعتباره رئيس المصلحة دون مدير المستشفى الذي هو سلطة أدنى بالنسبة للمدعي، قد قرر الأول عدم صرف مرتبه عن مدة الوقف، فيكون قراره في هذا الشأن هو القرار الصحيح الصادر ممن يملكه قانوناً، ومن ثم يحق للوزارة استرداد ما صرفته إدارة المستشفى للمدعي بناء على قرار الثاني الذي لا يملكه.
ومن حيث إنه ولئن كان حق الوزارة في استرداد المدفوع للمدعي من مرتبه خلال مدة الوقف ثابتاً لا شبهة فيه، إلا أنه ما كان يجوز للوزارة قبل نفاذ القانون رقم 324 لسنة 1956 أن تستقطع من ربع راتب الموظف ما هو مستحق لها على أساس استرداد المدفوع بدون حق، ولكن قد أصبح ذلك جائزاً طبقاً للقانون المذكور الذي صدر خلال نظر الدعوى. وغني عن البيان أن الاستقطاع جائز وفقاً لهذا القانون، سواء بالنسبة للمستحقات الحكومية الناشئة بعد نفاذه، أو مستحقاتها الناشئة قبله، ما دامت هذه المستحقات ما زالت قائمة في ذمة الموظف بعد نفاذه؛ ومن ثم فلم يعد ثمة وجه للتحدي بعدم جواز الاستقطاع، إذ أصبح التحدي بذلك الآن غير منتج، فيتعين إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى، إلا أنه لما كانت قد رفعت في ظل القانون السابق الذي ما كان يجيز وقت إقامتها الاستقطاع من ربع راتب الموظف، فترى المحكمة إلزام الحكومة بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت الحكومة بالمصروفات.