مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو) - صـ 1304

(140)
جلسة 13 من مايو سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1674 لسنة 2 القضائية

( أ ) ملاحظو المنائر - القواعد التي كانت سارية على ملاحظي المنائر قبل العمل بقانون نظام موظفي الدولة - اشتمالها على بعض المزايا المادية والعينية، وبخاصة فيما يتعلق بالدرجة وبالمرتب اللذين يعينون به ابتداء - علة تقرير هذه المزايا حسبما بينها قرار مجلس الوزراء الصادر في شأنها في 23/ 8/ 1938 تقضي إسقاط هذه المزايا متى نقل الملاحظ إلى وظيفة أخرى - تقنين المبادئ المتقدمة بالقانون رقم 689 لسنة 1954 - القانون المذكور ليس له أثر رجعي.
(ب) ملاحظو المنائر - استثناء ملاحظي المنائر من الخضوع للقواعد السارية في شأن موظفي الدولة فيما يتعلق بشروط التعيين أو الدرجة أو المرتب وما إلى ذلك - نقلهم بحالاتهم في المصلحة من حيث الدرجة أو المرتب إلى سائر مصالح الحكومة وإداراتها - يعتبر بمثابة استثناء يجب لإقراره صدور قرار خاص بذلك من مجلس الوزراء بعد موافقة اللجنة المالية - لا محل لاستصدار مثل هذا القرار متى كانت حالة الموظف المنقول لا تتضمن أي استثناء من القواعد العامة - تمام النقل في حالة عدم صدور قرار مجلس الوزراء المذكور على أساس اعتبار الموظف المنقول معيناً في الدرجة والمرتب اللذين تقررهما القواعد العامة عند تعيينه في وظيفة ملاحظ منائر.
1 - إن اللجنة المالية رفعت إلى مجلس الوزراء في 9 من أغسطس سنة 1928 مذكرة جاء فيها "اقترحت وزارة المواصلات بكتاب تاريخه 8 من إبريل سنة 1928 رفع الماهية الأولية لحراس المنائر المصريين عند تعيينهم في الدرجة السابعة الفنية (96 – 258 ج) من 96 ج إلى 120 ج سنوياً، مع منح الموجودين منهم في الخدمة زيادة قدرها 24 ج وحفظ حقهم في علاواتهم القادمة في تواريخها، وتقول الوزارة المذكورة تبريراً
لاقتراحها هذا أن حراس المنائر المصريين يعانون صعوبات جمة في سبيل القيام بأعمالهم، إذ أنهم بحكم وظائفهم مضطرون لأن يعيشوا عيشة منعزلة بعيدة عن مناطق العمران والإقامة مدة طويلة في البحار على انفراد محرومين من التمتع بالمناخ المعتدل ومعرضين دائماً للجو الرطب وملزمين بتناول المأكولات المدخرة التي تؤثر كثيراً في صحتهم، كل ذلك مضاف إلى ما يترتب على انفصالهم عن عائلاتهم من الزيادة في المصاريف المنزلية؛ لذلك فهي ترى أن هذه الطائفة جديرة بكل تعضيد لا سيما إذا قارنت بين ماهيتهم المبدئية والماهية المبدئية التي يتمتع بها زملاؤهم الأجانب وقدرها 240 ج سنوياً. وقد بحثت اللجنة المالية هذا الاقتراح فرأت الموافقة عليه، على أن تسري الماهيات الجديدة من أول إبريل سنة 1928....". وبجلسة 23 من أغسطس سنة 1928 وافق مجلس الوزراء على رأي اللجنة المالية المبين في هذه المذكرة. وقد جرى العمل على معاملة ملاحظي المنائر طبقاً لنظام خاص يختلف عن الكادر العام وعن النظم المتبعة في شان سائر موظفي الدولة، وهذا النظام يقوم على عدم التقيد بالشروط والأوضاع المتطلبة في تعيين غيرهم من الموظفين بوزارات الحكومة ومصالحها وعلى منحهم مزايا لا تتحقق لسواهم من الموظفين؛ وذلك تعويضاً لهم عن المصاعب والمشقات التي يلاقونها، ومن هذه المزايا تعيينهم ابتداء في الدرجة السابعة الفنية بأول مربوطها وقدره عشرة جنيهات شهرياً، مع التجاوز عن شرط حصولهم على مؤهلات دراسية، فضلاً عن المزايا المادية والعينية الأخرى التي انفردوا بها؛ كمرتب الإقامة وبدل الغذاء والعلاج المجاني في المستشفيات الحكومية أو المستشفيات الخاصة أو لدى الأطباء الخصوصيين. وعلة منحهم هذه المزايا استثناء من أحكام الكادر العام هي ما كشفت عنه اللجنة المالية في مذكرتها التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره المتقدم ذكره، وهي علة مستمدة من طبيعة عملهم في المنائر ومرتبطة به، مردها إلى ما يتكبدونه من مشاق في سبيل تأدية واجبات وظائفهم؛ ومن أجل هذا جرت مصلحة المواني والمنائر على قاعدة مقتضاها إسقاط هذه المزايا الاستثنائية، ومن بينها الدرجة والمرتب، عن ملاحظ المنائر، متى زالت علة منحه إياها؛ بأن ترك وظيفته ونقل منها إلى وظيفة أخرى لا تتحقق فيها هذه العلة، وذلك باعتباره معيناً في الدرجة وبالمرتب المقررين للمؤهل الدراسي الذي كان يحمله عند تعيينه في وظيفة ملاحظ منائر، واعتبار أقدميته فيها من تاريخ تعيينه بهذه الوظيفة مع منحه المرتب الذي كان يصل إليه في تاريخ تعيينه لو أنه عين ابتداء في الدرجة وبالمرتب المقررين لمؤهله الدراسي، وهذا كله ابتغاء تحقيق العدالة والمساواة بين من عين ابتداء في وظيفة ملاحظ منائر ثم تركها إلى وظيفة أخرى، وبين زميله الحاصل على مثل مؤهله وعين ابتداء في غير وظيفة ملاحظ منائر؛ لكي لا يتخذ التعيين في وظائف ملاحظي المنائر وسيلة لتعيين الموظف بعد ذلك في وظيفة أخرى في درجة وبمرتب أعلى من الدرجة والمرتب المحددين للمؤهل الدراسي الذي يحمله، ولا يكون سبباً لإيجاد تفاوت لا مسوغ له بين موظفين تماثلت مراكزهم القانونية. وقد صدر بعد ذلك القانون رقم 689 لسنة 1954 بشأن مأموري وملاحظي المنائر مردداً لهذا المعنى في نصوصه وفي مذكرته الإيضاحية ومقنناً لما درجت عليه مصلحة المواني والمنائر وإن كان هذا القانون غير ذي أثر رجعي.
2 - يبين من استظهار نصوص الفصل الثاني الخاص بالمستخدمين من قانون المصلحة المالية أنها - بعد أن تحدثت عن ترتيب درجات المستخدمين والطوائف التي يجوز الاختيار منها وشروط التعيين في الوظائف والترقية إليها وغير ذلك من الشروط العامة - نصت في المادة 51 منها على أنه "لا تسري هذه اللائحة على الموظفين المعينين بأمر عال كذلك لا تسري أحكامها على خفراء فنارات البحر المتوسط والبحر الأحمر، فهؤلاء يعينهم ناظر المالية بناء على طلب مدير عموم الليمانات والفنارات"، كما نصت في المادة 53 على ما يأتي "مثمنو وكشافو ومخزنجية الجمارك المصريون وخفراء الفنارات وكتاب المحاكم الشرعية الذين دخلوا في الخدمة بعد 24 يونيه سنة 1901، لا يجوز نقلهم إلى مصالح وإدارات الحكومة السارية عليها هذه اللائحة إلا إذا كان ذلك بقرار خصوصي من مجلس النظار بعد أخذ رأي اللجنة المالية، ما لم تكن متوفرة فيهم جميع الشروط المقررة في هذه اللائحة"، كذلك نصت في المادة 55 على أن "أي تعيين مخالف للأحكام المدونة بهذه اللائحة يجب أخذ رأي اللجنة المالية عنه أولاً والتصديق عليه من مجلس النظار". ومفاد هذه النصوص هو أن خفراء الفنارات في كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لا تسري في حقهم أحكام اللائحة العامة المطبقة في شأن موظفي الحكومة الآخرين من حيث شروط التعيين أو الدرجة أو المرتب أو الترقية أو ما إلى ذلك، وأنه يجب - عند نقلهم إلى مصالح الحكومة وإداراتها التي تسري على موظفيها أحكام اللائحة المشار إليها - أن تتوافر فيهم جميع الشروط المقررة في هذه اللائحة، فإن تخلفت فيهم هذه الشروط كان نقلهم بحالتهم منطوياً على استثناء يقوم على مخالفة أحكام اللائحة المذكورة، ولزم لإقرار هذا الاستثناء أن يصدر بالموافقة عليه قرار من مجلس الوزراء بعد أخذ رأي اللجنة المالية. أما إن كان تعيينهم بجهة حكومية أخرى لا ينطوي على أي استثناء من الأحكام العامة، سواء من حيث شروط التعيين أو الدرجة والمرتب المقررين للمؤهل الدراسي الذي يحملونه، فلا يكون ثمة محل لأخذ رأي اللجنة المالية واستصدار قرار من مجلس الوزراء. وعليه فما لم يصدر قرار من مجلس الوزراء بإقرار حالة ملاحظ المنائر استثناء عند نقله إلى وظيفة أخرى تزيد في درجتها ومرتبها على ما هو مقرر لمؤهله الدراسي بحسب أحكام اللائحة العامة، وإن كانت مماثلة لوظيفته كملاحظ منائر - ما لم يصدر هذا القرار، فإنه يلزم أن يكون تعيينه في الدرجة وبالمرتب المتفقين مع أحكام هذه اللائحة بقطع النظر عن درجته الأعلى ومرتبها في وظيفة ملاحظ منائر، وهما اللذان كان حصوله عليهما رهيناً بوجوده في هذه الوظيفة بسبب ما يعانيه فيها من صعوبات وعزلة وحرمان، التي تزايله بانقطاع صلته بهذا العمل، ما لم تتوافر له شروط الإبقاء عليهما في وظيفته الجديدة، أي أن نقله ينبني عليه أن يرتد الأمر في شأنه إلى القواعد العامة. ولا توجد ثمة قاعدة تفرض على الإدارة تعيينه في هذه الحالة في درجة معينة خلاف تلك التي تتفق ومؤهله، أو تلزمها باستصدار قرار من مجلس الوزراء بالاحتفاظ له بدرجته ومرتبه اللذين كانا مزية استثنائية لصيقة بوظيفته كملاحظ منائر لاحقاً أصيلاً لشخصه.


إجراءات الطعن

في 22 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1674 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 22 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 223 لسنة 3 القضائية المقامة من ناثان إسرائيل شحاتة ضد مصلحة المواني والمنائر، القاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع باستحقاق المدعي للدرجة السابعة الكتابية بأول مربوطها اعتباراً من أول يونيه سنة 1945، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق من خمس سنوات سابقة على تقديم طلب المعافاة في 31 من أغسطس سنة 1955، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الجهة الإدارية في 13 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 19 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 5 من إبريل سنة 1958. وفي 8 من مارس سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات ومستندات خلال ثلاثين يوماً. وقد أودعت مصلحة المواني والمنائر مذكرة بملاحظاتها بعد حجز الطعن للحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن صحيفته أودعت سكرتيرية هذه المحكمة في 22 من يوليه سنة 1956، وأن 21 من يوليه سنة 1956 كان آخر يوم عطلة في عيد الأضحى.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 223 لسنة 3 القضائية ضد مصلحة المواني والمنائر والسلاح البحري أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 4 من يناير سنة 1956 ذكر فيها أنه نجح في سنة 1937 في امتحان مسابقة لشغل الوظائف الشاغرة بمصلحة المواني والمنائر، فعين اعتباراً من 8 من إبريل سنة 1937 في وظيفة ملاحظ منائر تحت التمرين. وفي 23 من سبتمبر سنة 1937 عين في وظيفة ملاحظ منائر بالدرجة السابعة الفنية بمرتب شهري قدره عشرة جنيهات. ولما تقدم وزملاؤه إلى المصلحة بطلب تحسين حالتهم نقلتهم المصلحة إلى وظائف كتابية بها بالدرجة الثامنة، وقد نقل إلى هذه الدرجة اعتباراً من 18 من يونيه سنة 1945، مع أنه كسب حقاً في الدرجة السابعة الفنية بمرتب شهري قدره عشرة جنيهات لا سبيل إلى المساس به إلا عن طريق قرار تأديبي أو قانون ينص صراحة على الأثر الرجعي. وإذا كان القانون رقم 689 لسنة 1954 بشأن مأموري وملاحظي المنائر متضمناً أحكاماً مغايرة لقرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من أغسطس سنة 1937 فإن هذا القانون لم يعمل به إلا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية. ولا جدوى في القول بأن شغله لوظيفة أخرى هو من قبيل التعيين الجديد في ظل كادر عادي لا شأن له بمزايا كسبها بحكم تعيين سابق في ظل الكادر الخاص بملاحظي المنائر – لا جدوى في ذلك، طالما أن خدمته كانت متصلة وأن شغله للوظيفة الأخرى إنما هو في حقيقته نقل لا تعيين جديد، وذلك على الرغم من الإقرار الذي قدمه إلى المصلحة بقبوله الوضع الشاذ الذي فرضته عليه والذي يجب اعتباره عديم الأثر؛ لأن مركز الموظف هو مركز لائحي، وحقوقه لا يمكن أن تكون محلاً للمساومة من جانب الإدارة، وخلص من هذا إلى طلب "الحكم بتسوية حالته على أساس اعتباره في الدرجة السابعة بمرتب شهري عشرة جنيهات منذ تعيينه في وظيفة ملاحظ منائر بتاريخ 23 من سبتمبر سنة 1927، واستمراره بهذه الدرجة والمرتب الذي كان يتقاضاه عند نقله لوظيفة أخرى، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقد ردت مصلحة المواني والمنائر على هذه الدعوى بأن المدعي حصل على شهادة البكالوريا سنة 1933 والتحق بخدمتها في 8 من إبريل سنة 1937 بوظيفة ملاحظ منارة تحت التمرين بمكافأة قدرها 500 م و3 ج شهرياً ثم بمكافأة قدرها 8 ج شهرياً اعتباراً من 13 من سبتمبر سنة 1957، وعين بوظيفة ملاحظ منارة دائمة في الدرجة السابعة الفنية بماهية قدرها 10 ج شهرياً اعتباراً من أول إبريل سنة 1938 ثم شطب اسمه بناء على طلبه من عداد ملاحظي المنائر لتعيينه بوظيفة كتابية باليومية من 3 من مايو سنة 1945 وعين بوظيفة كاتب بالدرجة الثامنة اعتباراً من أول يونيه سنة 1945 واعتبرت أقدميته فيها من تاريخ تعيينه الأول مع تدرج ماهيته طبقاً لمؤهله الدراسي. وقد صدر بتعيينه في الدرجة الثامنة الكتابية الأمر الإداري رقم 271 في 11 من يوليه سنة 1945، وذلك بناء على طلبه وبعد أخذ إقرار منه بقبوله الوضع الجديد. ولما كان هذا القرار صادراً قبل إنشاء مجلس الدولة فإن دعواه الحالية، التي تتضمن في حقيقتها طعناً بالإلغاء في هذا القرار، تكون غير مقبولة، وإن وصفها بأنها تسوية حالة؛ لأنها تتناول قراراً إدارياً صدر في سنة 1945 وأنتج أثره وحددت على مقتضاه حالته الوظيفية وأجره الفعلي المخصص للوظيفة التي عين فيها. وقد صدر القرار المذكور بما للإدارة من سلطة تقديرية واكتسب حصانة لا يجوز المساس بها، ومن المقرر أنه يشترط لقبول دعاوى المنازعات في المرتبات ألا يستوجب الفصل فيها المساس بكيان قرارات إدارية تمت قبل العمل بقانون إنشاء مجلس الدولة؛ إذ أن مثل هذه القرارات تظل منتجة لآثارها، ما لم تلغ طبقاً للقانون. أما عن الموضوع فإن كادر ملاحظي المنائر كادر خاص يختلف عن جميع الكادرات العامة وعن النظم المتبعة مع باقي موظفي الدولة، إذ أن ملاحظي المنائر يتمتعون بمزايا ليست لغيرهم من الموظفين؛ منها تعيينهم في الدرجة السابعة الفنية بأول مربوطها مع إعفائهم من شرط الحصول على المؤهلات الدراسية، فضلاً عن المزايا المادية والعينية الأخرى مثل مرتب المنائر بواقع 100% من المرتب وميزة العلاج المجاني وغير ذلك من المزايا الممنوحة لأفراد هذه الطائفة مقابل ما يعانونه من صعوبات في سبيل تأدية واجباتهم كما هو ظاهر من مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 23 من أغسطس سنة 1928، فإذا انتفت هذه الصعوبات؛ بأن ترك ملاحظ المنارة عمله وعين في عمل جديد وجب أن تزول الميزات التي كانت مقررة له مقابل الوظيفة ومن بينها الدرجة والمرتب، وقد جرت المصلحة على هذا لتحقيق المساواة بين من عينوا ابتداء بوظيفة ملاحظ منارة ثم رغبوا في التعيين بالوظائف الكتابية وبين زملائهم الذين عينوا ابتداء في هذه الوظائف الأخيرة؛ حتى لا يتخذ التعيين في وظائف ملاحظي المنائر وسيلة للتعيين في درجة أعلى من تلك المقررة للمؤهل الدراسي الذي يحمله الموظف. ويبين من استقراء نصوص المواد 51 و53 و55 من قانون المصلحة المالية أنه يجوز تعيين ملاحظ المنارة في الدرجة التي تتفق والمؤهل الدراسي الذي يحمله طبقاً للشروط العامة الواردة بالقانون المذكور، ولا يجوز إطلاقاً تعيينه في وظيفة أخرى بنفس درجته إلا بموافقة مجلس الوزراء. ولم تر المصلحة أن ثمة ما يدعو لاستثناء المدعي بعرض أمره على مجلس الوزراء. ولما كان حقه في الدرجة والمرتب رهيناً باستمراره في وظيفة ملاحظ منارة فإن هذا الحق ينقضي بانقطاع صلته بهذه الوظيفة. وقد أقر القانون رقم 689 لسنة 1954 هذه القاعدة صراحة مما يؤكد سلامة وقانونية تطبيقها في الماضي ولو أنه لم يصدر بأثر رجعي. ودفعت المصلحة من باب الاحتياط الكلي بسقوط حق المدعي والآثار المترتبة عليه بالتقادم الخمسي طبقاً المادة 375 من القانون المدني. وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً مؤرخاً 2 من إبريل سنة 1956 بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى أنه يرى "أولاً - قبول الدعوى شكلاً، ثانياً - وفي الموضوع اعتبار المدعي في الدرجة السابعة الفنية اعتباراً من أول إبريل سنة 1938 تاريخ تعيينه بصفة دائمة بوظيفة ملاحظ منارة واستمراره بهذه الدرجة، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق عن الفترة السابقة على رفع الدعوى بخمس سنوات، ورفض ما عدا ذلك من طلبات". واستند في قبول الدعوى إلى أن المدعي إنما يهدف إلى تسوية حالته بالتطبيق للقواعد التنظيمية التي أقرها مجلس الوزراء في شأنه وأمثاله، وأن حقه الذاتي في تلك التسوية المستمد من هذه القواعد لا يتأثر بمواعيد الطعن بالإلغاء، ولو صدرت في شأنه قرارات إدارية في تواريخ تجاوز هذه المواعيد. كما ذهب في الموضوع إلى أنه لا عبرة بالإقرار المأخوذ على المدعي من المصلحة بقبول وضعه الجديد بها؛ إذ أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة لائحية لا عقدية، وإلي أن المرتب الذي كان يتقاضاه المذكور في وظيفة ملاحظ منارة هو حق مكتسب وكذلك الدرجة المعين عليها، ولا يجوز المساس بهذا المركز أو ذاك الحق إلا بناء على نص في القانون أو على قرار تأديبي صادر من سلطة مختصة. ومن ثم فإنه ما كان يجوز نقل المدعي من الدرجة السابعة الفنية التي كان يشغلها إلى الدرجة الثامنة الكتابية، ويقع النقل الذي تم بهذا القرار باطلاً لمخالفته للقانون. وقد اقتضى الأمر لتصحيح مثل هذا النقل إصدار القانون رقم 689 لسنة 1954 بشأن مأموري وملاحظي المنائر، بيد أن هذا القانون لم ينص فيه على إعماله بأثر رجعي. وقد عقبت المصلحة على تقرير السيد مفوض الدولة بأن هذه الدعوى هي طلب إلغاء قرار إداري مهما كانت التسمية التي أسبغها عليها المدعي؛ وبهذه المثابة فإنها تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني، وبأن تعديل مركز المدعي إنما كان بناء على قانون المصلحة المالية؛ إذ أن منحه الدرجة والمرتب كان رهيناً باستمراره في وظيفة ملاحظ منارة، ومتى كان الأمر كذلك فلا محل للبحث في اكتسابه للحق الذي انقضى بتركه عمله في المنائر. وخلصت المصلحة من هذا إلى تمسكها بدفوعها وبطلب رفض الدعوى. وقد أحال المدعي في دفاعه إلى ما ورد في مذكرته السابق تقديمها في طلب الإعفاء رقم 1032 م لسنة 2 القضائية الذي رفضته لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة بجلسة 22 من ديسمبر سنة 1955. وبجلسة 22 من مايو سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع باستحقاق المدعي للدرجة السابعة الكتابية بأول مربوطها اعتباراً من أول يونيه سنة 1945، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق من خمس سنوات سابقة على تقديم طلب المعافاة في 31 من أغسطس سنة 1955، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت المحكمة قضاءها فيما يتعلق برفض الدفع بعدم قبول الدعوى على أن تعيين المدعي بوظيفة كتابية بعد أن كان يشغل وظيفة ملاحظ منارة مرده إلى تطبيق القاعدة التنظيمية الواردة بالمادة 53 فصل 2 من قانون اللائحة المالية، وليس لمصلحة المواني والمنائر في إعمال هذه القاعدة سلطة تقديرية؛ ومن ثم فإن القرار الصادر بتعيين المذكور في وظيفة كتابية يكون متصل بتطبيق هذه القاعدة، ويكون ما ينعاه على هذا القرار بمثابة طلب تسوية حالة وليس بمثابة طعن بالإلغاء، فلا يقبل الاحتجاج بعدم قبول هذا الطلب بمقولة إنه ينطوي على التعرض لقرار صدر قبل إنشاء مجلس الدولة. كما بنت المحكمة حكمها فيما يختص بالموضوع على أنه لم يكن ثمة مانع طبقاً للأحكام العامة من تعيين المدعي في الدرجة السابعة الكتابية بأول مربوطها في أول يونيه سنة 1945 على اعتبار أنه حاصل على شهادة البكالوريا في سنة 1933 ويستحق التعيين في الدرجة الثامنة الكتابية منذ التحاقه بالخدمة في سنة 1937، بل لم تكن هذه الأحكام تسمح بتعيينه في درجة أدنى من ذلك؛ لأنها لم تخول الجهة الإدارية سلطة تقديرية في ذلك، بل جعلت لها إجراء التعيين في درجة تقابل الدرجة التي كان يشغلها وهو ملاحظ منارة؛ وعلى هذا يكون المدعي قد استحق الدرجة السابعة الكتابية بأول مربوطها اعتباراً من أول يونيه سنة 1945 وما يترتب على ذلك من آثار، دون رد أقدميته في هذه الدرجة إلى 13 من سبتمبر سنة 1937 تاريخ تعيينه في وظيفة ملاحظ منارة؛ لأنه إذ عين بوظيفة كتابية فإن ذلك يعتبر تعييناً جديداً لاختلاف طبيعة الوظيفة في الحالين. أما القول باعتباره في الدرجة السابعة الكتابية من 23 من سبتمبر سنة 1937 فمردود بأن ذلك يجعل الشروط المقررة في قانون المصلحة المالية للتعيين في الدرجة السابعة الكتابية غير متوافرة في شأنه، بحيث يكون تعيينه دون موافقة مجلس الوزراء باطلاً؛ إذ لا تترخص الجهة الإدارية في إجراء التعيين بالمخالفة لهذه الأحكام، ولا يسقط حق المدعي في تسوية حالته على هذا الأساس بالتقادم الخمسي؛ لأنه من الحقوق العادية التي لا تسقط إلا بالتقادم الطويل، أما ما يسقط بالتقادم الخمسي فهو حقه في اقتضاء الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية لكونها من الحقوق الدورية المتجددة. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 22 من يوليه سنة 1956 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على نص البند 53 من قانون المصلحة المالية، مع أن هذا النص لم يأت بجديد في شأن الطوائف التي تناولها؛ إذ الأمر فيه لا يعدو أن يكون ترديداً للقواعد العامة، وذلك أن هذه الطوائف تنفرد بنظام خاص استثناء من تلك القواعد، ولا تتطلب في تعيين أفرادها الشروط الواجب توافرها عند التعيين في المصالح الأخرى. وقد أصدرت وزارة المالية تعليماتها التي تضمنها النص المشار إليه حتى لا يتسنى للإدارة في ظل القواعد الخاصة بالطوائف المذكورة مخالفة القانون بطريق تعيين غير المستوفين للشروط المقررة في إحدى تلك الوظائف في درجات لا تسمح بها مؤهلاتهم ثم نقلهم بعد ذلك إلى الدرجات المماثلة في الوظائف الأخرى، ولم يتضمن النص أية قاعدة تلزم الإدارة بتعيين هذه الطوائف في درجة ما إذا رأت تعيينهم في وظيفة أخرى؛ ومن ثم تترخص الإدارة في هذا التعيين كما هو الحال في شأن سائر المرشحين للتعيين في وظائف الحكومة، فلا جناح عليها إذا هي عينت واحداً منهم في وظيفة مغايرة للوظيفة التي يشغلها أياً كانت الدرجة التي ترى تعيينه فيها تبعاً لمؤهله وفي حدود الدرجات الخالية. وإذ كان الأمر كذلك فإنه لا سبيل للمدعي بعد إذ عين في وظيفة كتابية، إن كان له اعتراض على القرار الصادر في هذا الشأن، إلا الطعن بالإلغاء إن كان ثمة وجه لذلك، على أن هذا القرار قد أضحى حصيناً، وبالتالي فإن أي طلب من شأنه المساس بمركز المدعي الذي تحدد على مقتضاه يكون واجب الرفض؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وتكون قد قامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد أودعت مصلحة المواني والمنائر، بعد حجز الطعن للحكم، مذكرة بملاحظاتها رددت فيها دفعها السابق بعدم قبول الدعوى؛ بمقولة إنها خصومة عينية تقوم على اختصام قرار إداري صدر قبل إنشاء مجلس الدولة محدداً المركز القانوني للمدعي وليست طلب تسوية حالة، وحتى لو صح أنها منازعة في مرتب فإنها تكون جديرة بالرفض لأن الفصل فيها يستوجب المساس بكيان القرار الإداري المشار إليه الذي استقر به مركزه القانوني قبل نفاذ قانون مجلس الدولة منذ 11 من يوليه سنة 1945. ثم كررت ما سبق أن أبدته أمام المحكمة الإدارية من دفاع في الموضوع، وأضافت إليه أسانيد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة. وخلصت من هذا إلى أن "حكم المحكمة الإدارية بالإسكندرية إذ قضى باستحقاق المدعي للدرجة السابعة الكتابية بأول مربوطها من أول يونيه سنة 1945، يكون قد بني على خطأ في تطبيق القانون وفي تأويله وذلك من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، ويكون جديراً بالإلغاء وبرفض الدعوى".
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى، للأسباب التي استند إليها، ولتعلق موضوع المنازعة بطلب يستهدف في حقيقته تسوية حالة المدعي بالتطبيق لقواعد تنظيمية عامة لا تملك الإدارة حيالها سلطة تقديرية تترخص في إعمالها لو أن له وجه حق فيما يطلبه. وقد سكت طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة عن تناول الحكم المطعون فيه في هذا الشق منه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالموضوع فإن اللجنة المالية رفعت إلى مجلس الوزراء في 9 من أغسطس سنة 1928 مذكرة جاء فيها "اقترحت وزارة المواصلات بكتاب تاريخه 8 إبريل سنة 1928 رفع الماهية الأولية لحراس المنائر المصريين عند تعيينهم في الدرجة السابعة الفنية (96 – 258 ج) من 96 ج إلى 120 ج سنوياً، مع منح الموجودين منهم في الخدمة زيادة قدرها 34 ج وحفظ حقهم في علاواتهم القادمة في تواريخها - تقول الوزارة المذكورة تبريراً لاقتراحها هذا إن حراس المنائر المصريين يعانون صعوبات جمة في سبيل القيام بأعمالهم، إذ أنهم بحكم وظائفهم مضطرون لأن يعيشوا عيشة منعزلة بعيدة عن مناطق العمران والإقامة مدة طويلة في البحار على انفراد محرومين من التمتع بالمناخ المعتدل ومعرضين دائماً للجو الرطب وملزمين بتناول المأكولات المدخرة التي تؤثر كثيراً في صحتهم، كل ذلك مضاف إلى ما يترتب على انفصالهم عن عائلاتهم من الزيادة في المصاريف المنزلية؛ لذلك فهي ترى أن هذه الطائفة جديرة بكل تعضيد، لا سيما إذا قارنت بين ماهياتهم المبدئية والماهية المبدئية التي يتمتع بها زملاؤهم الأجانب وقدرها 240 ج سنوياً. وقد بحثت اللجنة المالية هذا الاقتراح فرأت الموافقة عليه، على أن تسري الماهيات الجديدة من أول إبريل سنة 1928....". وبجلسة 23 من أغسطس سنة 1928 وافق مجلس الوزراء على رأي اللجنة المالية المبين في هذه المذكرة. وقد جرى العمل على معاملة ملاحظي المنائر طبقاً لنظام خاص يختلف عن الكادر العام وعن النظم المتبعة في شأن سائر موظفي الدولة، وهذا النظام يقوم على عدم التقيد بالشروط والأوضاع المتطلبة في تعيين غيرهم من الموظفين بوزارات الحكومة ومصالحها وعلى منحهم مزايا لا تتحقق لسواهم من الموظفين، وذلك تعويضاً لهم عن المصاعب والمشقات التي يلاقونها، ومن هذه المزايا تعيينهم ابتداء في الدرجة السابعة الفنية بأول مربوطها وقدره عشرة جنيهات شهرياً، مع التجاوز عن شرط حصولهم على مؤهلات دراسية، فضلاً عن المزايا المادية والعينية الأخرى التي انفردوا بها، كمرتب الإقامة وبدل الغذاء والعلاج المجاني في المستشفيات الحكومية أو المستشفيات الخاصة أو لدى الأطباء الخصوصيين. وعلة منحهم هذه المزايا استثناء من أحكام الكادر العام هي ما كشفت عنه اللجنة المالية في مذكرتها التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره المتقدم ذكره، وهي علة مستمدة من طبيعة عملهم في المنائر ومرتبطة به، مردها إلى ما يتكبدونه من مشاق في سبيل تأدية واجبات وظائفهم؛ ومن أجل هذا جرت مصلحة المواني والمنائر على قاعدة مقتضاها إسقاط هذه المزايا الاستثنائية، ومن بينها الدرجة والمرتب، عن ملاحظ المنائر، متى زالت علة منحه إياها، بأن ترك وظيفته ونقل منها إلى وظيفة أخرى لا تتحقق فيها هذه العلة، وذلك باعتباره معيناً في الدرجة وبالمرتب المقررين للمؤهل الدراسي الذي كان يحمله عند تعيينه في وظيفة ملاحظ منائر، واعتبار أقدميته فيها من تاريخ تعيينه بهذه الوظيفة مع منحه المرتب الذي كان يصل إليه في تاريخ تعيينه لو أنه عين ابتداء في الدرجة وبالمرتب المقررين لمؤهله الدراسي، وهذا كله ابتغاء تحقيق العدالة والمساواة بين من عين ابتداء في وظيفة ملاحظ منائر ثم تركها إلى وظيفة أخرى، وبين زميله الحاصل على مثل مؤهله وعين ابتداء في غير وظيفة ملاحظ منائر، لكي لا يتخذ التعيين في وظائف ملاحظي المنائر وسيلة لتعيين الموظف بعد ذلك في وظيفة أخرى في درجة وبمرتب أعلى من الدرجة والمرتب المحددين للمؤهل الدراسي الذي يحمله، ولا يكون سبباً لإيجاد تفاوت لا مسوغ له بين موظفين تماثلت مراكزهم القانونية. وقد صدر بعد ذلك القانون رقم 689 لسنة 1954 بشأن مأموري وملاحظي المنائر مردداً لهذا المعنى في نصوصه وفي مذكرته الإيضاحية ومقنناً لما درجت عليه مصلحة المواني والمنائر وإن كان هذا القانون غير ذي أثر رجعي.
ومن حيث إنه يبين من استظهار نصوص الفصل الثاني الخاص بالمستخدمين من قانون المصلحة المالية أنها بعد أن تحدثت عن ترتيب درجات المستخدمين والطوائف التي يجوز الاختيار منها وشروط التعيين في الوظائف والترقية إليه وغير ذلك من الشروط العامة، نصت في المادة 51 منها على أنه "لا تسري هذه اللائحة على الموظفين المعينين بأمر عال. كذلك لا تسري أحكامها على خفراء فنارات البحر المتوسط والبحر الأحمر، فهؤلاء يعينهم ناظر المالية بناء على طلب مدير عموم الليمانات والفنارات" كما نصت في المادة 53 على ما يأتي "مثمنو وكشافو ومخزنجية الجمارك المصريون وخفراء الفنارات وكتاب المحاكم الشرعية الذين دخلوا في الخدمة بعد 24 يونيه سنة 1901 لا يجوز نقلهم إلى مصالح وإدارات الحكومة السارية عليها هذه اللائحة إلا إذا كان ذلك بقرار خصوصي من مجلس النظار بعد أخذ رأي اللجنة المالية ما لم تكن متوفرة فيهم جميع الشروط المقررة في هذه اللائحة" كذلك نصت في المادة 55 على أن "أي تعيين مخالف للأحكام المدونة بهذه اللائحة يجب أخذ رأي اللجنة المالية عنه أولاً والتصديق عليه من مجلس النظار". ومفاد هذه النصوص هو أن خفراء الفنارات في كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لا تسري في حقهم أحكام اللائحة العامة المطبقة في شأن موظفي الحكومة الآخرين من حيث شروط التعيين أو الدرجة أو المرتب أو الترقية أو ما إلى ذلك، وأنه يجب عند نقلهم إلى مصالح الحكومة وإداراتها التي تسري على موظفيها أحكام اللائحة المشار إليها أن تتوافر فيهم جميع الشروط المقررة في هذه اللائحة، فإن تخلفت فيهم هذه الشروط كان نقلهم بحالتهم منطوياً على استثناء يقوم على مخالفة اللائحة المذكورة ولزم لإقرار هذا الاستثناء أن يصدر بالموافقة عليه قرار من مجلس الوزراء بعد أخذ رأي اللجنة المالية. أما إن كان تعيينهم بجهة حكومية أخرى لا ينطوي على أي استثناء من الأحكام العامة، سواء من حيث التعيين أو الدرجة والمرتب المقررين للمؤهل الدراسي الذي يحملونه، فلا يكون ثمة محل لأخذ رأي اللجنة المالية واستصدار قرار من مجلس الوزراء. وعليه فما لم يصدر قرار من مجلس الوزراء بإقرار حالة ملاحظ المنائر استثناء عند نقله إلى وظيفة أخرى تزيد في درجتها ومرتبها على ما هو مقرر لمؤهله الدراسي بحسب أحكام اللائحة العامة، وإن كانت مماثلة لوظيفته كملاحظ منائر - ما لم يصدر هذا القرار، فإنه يلزم أن يكون تعيينه في الدرجة والمرتب المتفقين مع أحكام هذه اللائحة بقطع النظر عن درجته الأعلى ومرتبها في وظيفة ملاحظ منائر، وهما اللذان كان حصوله عليهما رهيناً بوجوده في هذه الوظيفة بسبب ما يعانيه فيها من صعوبات وعزلة وحرمان التي تزايله بانقطاع صلته بهذا العمل، ما لم تتوافر له شروط الإبقاء عليهما في وظيفته الجديدة، أي أن نقله ينبني عليه أن يرتد الأمر في شأنه إلى القواعد العامة. ولا توجد ثمة قاعدة تفرض على الإدارة تعيينه في هذه الحالة في درجة معينة بخلاف تلك التي تتفق ومؤهله، أو تلزمها باستصدار قرار من مجلس الوزراء بالاحتفاظ له بدرجته ومرتبه اللذين كانا مزية لصيقة بوظيفته كملاحظ منائر لاحقاً أصيلاً لشخصه، ولما كان المدعي حاصلاً على شهادة البكالوريا في سنة 1933، والتحق بخدمة مصلحة المواني والمنائر في 8 من إبريل سنة 1937 بوظيفة ملاحظ منارة تحت التمرين بمكافأة شهرية، وعين بعد ذلك بوظيفة ملاحظ منارة بالدرجة السابعة الفنية بمرتب شهري قدره عشرة جنيهات اعتباراً من أول إبريل سنة 1938. ثم عين بناء على طلبه في وظيفة كاتب بالدرجة الثامنة اعتباراً من أول يونيه سنة 1945 بالأمر الإداري رقم 271 الصادر في 11 من يوليه سنة 1945، مع اعتبار أقدميته فيها من تاريخ تعيينه الأول وتدرج ماهيته طبقاً لمؤهله الدراسي، فإن طلبه تسوية حالته على أساس اعتباره في الدرجة السابعة بمرتب شهري قدره عشرة جنيهات منذ تعيينه في وظيفة ملاحظ منارة، واستمراره بهذه الدرجة والمرتب الذي كان يتقاضاه عند نقله إلى الوظيفة الكتابية، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية - يكون في ذاته وبحالته هذه على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه، وذلك مع عدم الإخلال بما قد يستحقه من تسوية بالتطبيق لقواعد الإنصاف أو لقانون المعادلات الدراسية على أساس الوضع الذي عينته فيه المصلحة في الوظيفة الكتابية وبمراعاة مؤهله الدراسي إن كان له وجه حق في ذلك، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه في هذا الشق منه، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.