مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1323

(141)
جلسة 7 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1787 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف. ميزانية. وظائف النساخين بمحكمة النقض - كانت جميعها وظائف مؤقتة ثم نقلت الدرجات السابعة والثامنة منها من سلك الدرجات المؤقتة إلى سلك الدرجات الدائمة في ميزانية سنة 1948/ 1949 - نقل شاغلي الدرجات المذكورة إلى الدائمة - شروطه - امتناع نقل من لا يتوافر فيه أحدها - مثال.
(ب) محاكم. موظف. الشروط الواجب توافرها فيمن يعين كاتباً بالمحاكم - الأمر العالي الصادر في 14/ 6/ 1883 والقانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء - عدم اشتراط مثل هذه الشروط بالنسبة للنساخين - مجرد نقل درجات النساخين من سلك الدرجات المؤقتة إلى سلك الدرجات الدائمة - لا يترتب عليه بذاته نقل النساخين من وظائف النسخ إلى وظائف الكتاب - استقلال وظائف كل من الطائفتين عن وظائف أخرى.
1 - يبين من الاطلاع على ميزانيات الدولة أن وظائف النساخين بمحكمة النقض كانت تدرج تحت عنوان "درجات مؤقتة" إلى سنة 1947، حيث نقلت إلى الوظائف الدائمة اعتباراً من السنة المالية 1948 - 1949؛ فقد تضمنت ميزانية محكمة النقض عن السنة المالية 1947 - 1948 تحت عنوان "قلم الكتاب" درجات دائمة وأخرى مؤقتة ابتداءً من الدرجة التاسعة إلى الدرجة السابعة حسب البيان التالي: "الدرجات الدائمة": 6 درجات سابعة لمستخدمين، و9 درجات ثامنة لمستخدمين، ثم "الدرجات المؤقتة": درجتان سابعة لنساخين، و12 درجة ثامنة لنساخين، و14 درجة تاسعة لنساخين، وتضمنت ميزانية محكمة النقض عن السنة المالية التالية (1948 - 1949) تحت عنوان "الدرجات الدائمة قلم الكتاب" ما يأتي: 6 درجات سابعة لمستخدمين، و4 درجات سابعة لنساخين، و7 درجات ثامنة لمستخدمين، و10 درجات ثامنة لنساخين، ثم ورد تحت عنوان "الدرجات المؤقتة": 14 درجة تاسعة لنساخين. ومفاد ذلك أنه بعد أن كانت وظائف النسخ جميعاً درجات مؤقتة نقلت الدرجات السابعة والثامنة منها من سلك الدرجات المؤقتة إلى سلك الدرجات الدائمة، وبقيت الدرجات التاسعة على حالتها لأنها بطبيعتها مؤقتة حسبما نص على ذلك صراحة في كادر سنة 1939، وقد استتبع هذا النقل ضرورة إحالة شاغلي الدرجات السابعة والثامنة (نسخ) إلى القومسيون الطبي لتقرير لياقتهم الطبية، حتى إذا ثبتت لياقتهم وضعوا على الدرجات الدائمة الجديدة؛ فقد نصت المادة الثامنة من دكريتو 24 من يونيه سنة 1901 على أن: "المترشحون الذين يدخلون لأول مرة في خدمة الحكومة وأرباب المعاشات والمرفوتون الذين يعادون إلى الخدمة يجب عليهم أن يقدموا: (1) شهادة دالة على حسن سيرتهم وأخلاقهم. (2) شهادة دالة على جنسيتهم. (3) شهادة من القومسيون الطبي بمصر أو بالإسكندرية دالة على صحة بنيتهم..."، كما بينت المادة الأولى من البند العاشر من لائحة القومسيونات الطبية طبعة سنة 1929، شروط اللياقة الطبية للمرشحين للوظائف الدائمة. ولما كان قد ثبت عدم لياقة المدعي طبياً، كما لم يصدر قرار من السيد الوزير بإعفائه من شروط اللياقة الطبية، فإنه لم يكن يجوز نقله إلى درجات النسخ الدائمة الجديدة؛ ومن ثم ظل على درجته السابعة المؤقتة.
2 - يبين من الاطلاع على لائحة ترتيب المحاكم الأهلية الصادر بها أمر عال في 14 من يونيه سنة 1883 أنه نص في المادة 43 منها على أنه "يشترط فيمن يعين بوظيفة كاتب أول أن يكون اشتغل في وظيفة كاتب ثان مدة سنة على الأقل ويشترط فيمن يعين بوظيفة كاتب ثان أن يقدم شهادة من رئيس قلم النائب العمومي باشتغاله بالكتابة في أحد مكاتب المحاكم مدة ستة شهور، وأن يكون أحسن الإجابة في امتحان اختبر فيه كتابة وشفاهاً عن مسائل المرافعات وترتيب المحاكم على وجه العموم..."، كما نصت المادة 36 من لائحة الإجراءات الداخلية للمحاكم الأهلية الصادرة في 14 من فبراير سنة 1884 على أن "الامتحان المقرر إجراؤه في المادة 43 من لائحة ترتيب المحاكم يكون كتابة وشفاهاً في المسائل المتعلقة بقانون المرافعات وقانون تحقيق الجنايات وفي الأعمال المختصة بقلم الكتاب، ويعافى من الامتحان من سبقت له خدمة في محكمة ابتدائية بوظيفة كاتب أول أو كاتب ثانِ وطلب تعيينه بهذه الوظيفة بمحكمة أخرى ابتدائية أو استئنافية"، ونصت المادة 37 على كيفية تشكيل لجنة الامتحان، ونصت المادة 50 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بإصدار قانون نظام القضاء على أنه "يشترط فيمن يعين كاتباً الشروط الواجب توافرها وفقاً للأحكام العامة للتوظف في الحكومة عدا شرط امتحان المسابقة المقرر لشغل الوظيفة"، كما نصت المادة 53 على أنه "لا تجوز ترقية من عين كاتباً من الدرجة التي عين فيها للدرجة التي تليها إلا إذا حسنت الشهادة في حقه ونجح في امتحان يختبر فيه كتابة وشفاهاً، ويعفى حملة الشهادات العليا من شرط الامتحان"، وبنيت المواد من 54 إلى 57 مكان الامتحان والمواد القانونية التي سيجرى الامتحان فيها ونظام الامتحان، واشترطت المادة 61 من القانون المشار إليه فيمن يعين محضراً للتنفيذ أن ينجح في امتحان يختبر فيه تحريرياً وشفوياً، كما اشترطت المادة 76 الشرط عينه بالنسبة للمترجمين، ونصت المادة 70 بعد ذلك على أن "يحلف الكتاب والمحضرون والمترجمون أمام هيئة المحكمة التابعين لها في جلسة علنية يميناً بأن يؤدوا أعمال وظائفهم بالذمة والعدل". هذا ولم تستلزم جميع هذه التشريعات شيئاً من ذلك بالنسبة للنساخين، فلا يمتحنون عند تعيينهم، ولا عند ترقيتهم، ولا يؤدون اليمين قبل مباشرة عملهم. ومفاد ذلك أن وظائف الكتاب تختلف عن وظائف الناسخين في طبيعتها في شروط التعيين فيها، بل وفي شروط الترقية من أولى الدرجات إلى الدرجة التي تليها؛ ومن ثم فلا يعتبر مجرد نقل درجات النساخين من سلك الدرجات المؤقتة إلى سلك الدرجات الدائمة نقلاً للنساخين أنفسهم من وظائف النسخ إلى وظائف الكتاب، وما كان هذا النقل ليغير من وضعهم القانوني - حيث اعتبارهم نساخين - شيئاً؛ إذ لا زال وضعهم في الميزانية على النحو الذي كان عليه قبل نقلهم إلى سلك الدرجات الدائمة، فلم تدمج وظائف النسخ في وظائف الكتاب، ولا زالت وظائفهم مخصصة لهم في الميزانية كما كانت قبل النقل تماماً.


إجراءات الطعن

في 22 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة العدل بجلسة 24 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 635 سنة 2 ق المرفوعة من عبد الجواد علي الحناوي ضد وزارة العدل، القاضي "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري رقم 4203 الصادر من السيد رئيس محكمة النقض بتاريخ 22 من يوليه 1954 فيما تضمنه من ترقية السيدين سعد الدين الحلابي ومحمد خالد إلى الدرجة السادسة الكتابية متخطياً بذلك المدعي، وما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ماعدا ذلك من طلبات، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار الإداري رقم 4203 الصادر في 22 من يوليه سنة 1954 على النحو الوارد في الحكم، والقضاء برفض الدعوى في هذا النطاق...،. وقد أعلن الطعن للحكومة في 3 من سبتمبر سنة 1956، وللمدعي في 4 من سبتمبر سنة 1956، وعين لنظره جلسة 2 من نوفمبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 13 من سبتمبر سنة 1954 أقام المدعي الدعوى رقم 13973 سنة 8 ق ضد السيد وزير العدل والسيد رئيس محكمة النقض طالباً الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 4203 الصادر من المعلن إليه الثاني في 22 من يوليه سنة 1954 فيما تضمنه من ترقية من شملهم إلى الدرجة السادسة وتخطي المدعي في الترقية إليها، واستحقاقه الترقية إلى هذه الدرجة من تاريخ صدور القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار. وقال في بيان ذلك إنه حصل على شهادة الكفاءة سنة 1931، وعين كاتباً بمحكمة النقض في 8 من نوفمبر سنة 1933، واعتبر في الدرجة الثامنة منذ ذلك التاريخ بالتطبيق لقواعد الإنصاف، ثم رقي إلى الدرجة السابعة في أول مايو سنة 1946، وفي 22 من يوليه سنة 1954 أصدر السيد رئيس محكمة النقض القرار المطعون فيه متضمناً ترقية كل من السادة عبد الحميد عمر وإبراهيم سعد الدين الحلابي ومحمد خالد إلى الدرجة الساسة، وهم أحدث منه في الخدمة وفي أقدمية الدرجتين الثامنة والسابعة على النحو الذي فصله في صحيفة الدعوى؛ ومن ثم كان القرار مخالفاً للقانون مشوباً بإساءة استعمال السلطة، ولا يقدح في صحة هذا القول ما تذرعت به محكمة النقض من أن المدعي يتبع قلم النسخ، وأن المطعون ضدهم في قلم الكتاب؛ إذ لا محل لهذه التفرقة التي تقول بها المحكمة؛ ذلك أن موظفي النسخ ينقلون إلى قلم الكتاب دون مراعاة أي مؤهل أو أية أقدمية، وإنما الأمر مرده إلى رغبة كبير كتاب المحكمة، والقول بعدم منح موظفي قلم النسخ درجاتهم التي يستحقونها أسوة بقلم الكتاب فيه إهدار لحقهم وحكم عليهم بأن يظلوا أبداً في الدرجة السابعة، والدليل القاطع على أنه لا فرق بين موظفي قلم النسخ وزملائهم موظفي قلم الكتاب أن محاكم الاستئناف لا تفرق بينهم، فهم يدخلون الامتحان معاً عند الترقية من الدرجة الثامنة إلى الدرجة السابعة، وقد نقل كثير من موظفي قلم النسخ إلى أقلام كتاب المحاكم وسلكوا طريقهم الطبعي في أقلام الكتاب شأنهم شأن زملائهم في هذه الأقلام، هذا إلى أن وزارة العدل تعتبر جميع الدرجات الدائمة من نسخ وكتابى وحدة واحدة تنتظمها أقدمية واحدة، وأخيراً فإن محكمة النقض لا تفرق بين قلم النسخ وقلم الكتاب في العمل؛ إذ العمل واحد في القلمين، وكثيراً ما يقوم موظفو أحد القلمين أو يندبون للعمل بالقلم الآخر لمدد طويلة. وقد قدمت الوزارة مذكرات عدة ردت بها على الدعوى، حاصلها أن القاعدة المتبعة في ترشيح النساخين للنقل إلى وظائف الكتاب هي اختيار من أظهر منهم كفاية في العمل وحسنت الشهادة في حقه، ويكون في درجه موازية لأولى درجات التعيين في وظائف كتاب المحكمة، وهي الدرجة الثامنة الدائمة، وبعد أن توافق لجنة شئون الموظفين علي هذا الاختيار يصدر بالنقل قرار وزاري، ثم أشارت إلى أن المدعي وقت أن كان في الدرجة المؤقتة (نسخ) بصفة شخصية أحيل إلى القومسيون الطبي لتقرير لياقته للنقل إلى درجة دائمة، فتبين أنه غير لائق صحياً، فكان ذلك مانعاً من نقله إلى الدرجة الثامنة الدائمة (نسخ)، ولما صدر قانون تنسيق الدرجات رقي المدعي إلى الدرجة السابعة المؤقتة تنسيقاً، فالمدعي لم ينقل إلى درجة سابعة دائمة بسبب عدم لياقته طبياً، وإن كانت ماهيته تصرف إليه خصماً على ربط درجة سابعة دائمة (نسخ) منذ تغيير صفة درجات النسخ السابعة والثامنة من مؤقتة إلى دائمة في ميزانية سنة 1948. وهذه الأسباب بطبيعتها مانعة من اختيار المدعي للنقل إلى وظائف كتاب المحكمة. فضلاً عن أن عنصر الكفاية المؤهل لهذا النقل غير متوافر في حق المدعي؛ إذ كان تقديره بدرجة متوسط، ثم ناقشت الحكومة الدعوى من الناحية القانونية، وخلصت من كل ذلك إلى طلب رفض الدعوى. وقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة العدل للاختصاص بالتطبيق لحكم المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة. وبجلسة 24 من يونيه 1956 حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري رقم 4203 الصادر من السيد رئيس محكمة النقض في 22 من يوليه سنة 1954 فيما تضمنه ترقية السيدين سعد الدين الحلابي ومحمد خالد إلى الدرجة السادسة الكتابية متخطياً بذلك المدعي، وما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ماعدا ذلك من طلبات، وإلزام الحكومة بالمصروفات. ويتحصل ما أقامت المحكمة عليه قضاءها في أن "درجات النساخين بالمحاكم ظلت في الميزانية تحت عنوان "وظائف مؤقتة" إلى أن نقلت في سنة 1948 إلى وظائف دائمة، وجعلت هي والوظائف الكتابية وحدة واحدة في جدول الميزانية. ومنذ ذلك التاريخ والميزانيات مطردة على هذا الوضع؛ وبذلك تغير مركز النساخين من موظفين مؤقتين إلى موظفين دائمين، وأصبحت درجاتهم تدرج مع درجات الكتاب في وحدة واحدة بعد أن كانت منفصلة عنها..."، وأنه يبين من الاطلاع على القانون رقم 147 لسنة 1949 بإصدار قانون نظام القضاء وأعماله التحضيرية أن "المشرع لم يشأ التفرقة بين الكتاب والنساخين ممن يشغلون درجات دائمة في الميزانية وتتدرج وظائفهم في وحدة واحدة، فألغى التفرقة بينهم، وجعل وظائف النساخين بوضعها الذي تقول به محكمة النقض قاصرة على الوظائف المؤقتة أو الخارجة عن الهيئة"، وأن هذا الرأي هو الذي قالت به المراقبة العامة للمستخدمين بوزارة العدل في مذكرتها المرسلة إلى محكمة النقض في 2 من مايو سنة 1955؛ إذ اعتبرت جميع الموظفين من الدرجة الثامنة في الكادر الكتابي وتنتظمهم أقدمية موحدة، وأضافت المراقبة إلى ذلك "أن تسمية الوظائف المدرجة بالميزانية ما هي إلا تسمية نوعية للأعمال المختلفة التي تؤدى بكل فرع من فروعها وليس تخصيصاً مميزاً للوظائف، وأن المقصود منه هو التدرج الهرمي التنسيقي للدرجات المخصصة لكل نوع؛ ليوضح مسئولية شاغل الوظيفة والأعمال التي يقوم بها الموظف وأنواعها المختلفة حسب حاجة المصلحة، ويترتب عليه أن تتم الترقيات حسب الوضع المشار إليه طبقاً للأقدمية العامة الواردة في الفصل الثالث من قانون موظفي الدولة... وأن تنفيذ هذا الوضع بمحكمة النقض أسوة بمحاكم الاستئناف ليس فيه أية مخالفة لقانون نظام القضاء وقانون موظفي الدولة، ويضاف إلى ذلك أن الكاتب يكلف بأداء جميع الأعمال الكتابية المختلفة بأقلام الكتاب ومن بينها النسخ، ولا يجوز للكاتب أن يمتنع عن أداء أي عمل يكلف به...". ثم تقول مراقبة المستخدمين بوزارة العدل أيضاً "إنه يؤخذ من نص المادة 48 من قانون نظام القضاء على وجه التحديد أن النساخ هو الذي يعين في الدرجة التاسعة أو على اعتماد، أما من يعين في الدرجة الثامنة فيعتبر شاغلاً لوظيفة كتابية بإحدى الأقلام المختلفة بالمحاكم، وعلى ذلك تعتبر وظائف النسخ من الدرجة التاسعة فقط، أما ما عدا ذلك فتعتبر وظائف كتابية". ثم قالت المحكمة إنه "على هدي هذا التفسير الواضح لقانون نظام القضاء صدر في 28 من مارس سنة 1955 قرار وزارة العدل رقم 437 لسنة 1955 باعتبار موظفي الدرجتين السابعة والثامنة بمحاكم الاستئناف في وظائف كتابية مع اعتبار أقدميتهم في الدرجتين السابعة والثامنة من تاريخ حصول كل منهم على درجة النسخ"، وأن "ما ذهبت إليه محكمة النقض من أن هناك فرقاً واضحاً بين وظيفة الكاتب ووظيفة النساخ لا ظل له من الحقيقة؛ إذ أن أعمال النسخ معتبرة - كما يبين من التعليمات التي تصدرها وزارة المالية لمراعاتها عند تحضير التقديرات الخاصة بالميزانية - من الوظائف الكتابية"، وأن "محكمة النقض - وهي بصدد الإجابة عن استفسار المحكمة الخاص ببيان القواعد المتبعة في ترشيح النساخين بالنقض إلى وظائف الكتاب - لم تورد أية قاعدة تنظيمية تجرى مراعاتها عند إجراء هذا النقل، مما يحمل على الاعتقاد بأن النقل من وظيفة النساخ إلى وظيفة الكتاب يتم دون ضابط، وهذا أمر طبعي؛ لأنه لا خلاف يذكر بين الوظيفتين، وهو ما يجرى عليه العمل فعلاً عند نقل النساخين في المحاكم المختلفة من أقلام النسخ إلى أقلام الكتاب، وهو ما استظهرته المحكمة أيضاً عند اطلاعها على ملفات المطعون في ترقيتهم؛ إذ تبينت أنهم كانوا جميعاً بقلم النسخ ويشغلون وظائف نساخين ثم نقلوا إلى وظائف الكتاب دون أي اعتبار من مؤهل أو أقدمية".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته مما يقتضي بحسب تخصيص الميزانية له تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن، ومنها ما ليس متميزاً بطبيعته هذا التمييز الخاص، مما لا مندوحة معه من مراعاة هذا الفارق الطبعي عند إجراء الترقية، حتى بالنسبة لما يجب أن يتم منها بالأقدمية المطلقة بالتطبيق للمواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951؛ ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون إلا في النوع الثاني من الوظائف، أما بالنسبة إلى النوع الأول فلا يمكن إعمال الأقدمية على إطلاقها، وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجه المصلحة العامة التي قصدت إليه الميزانية من هذا التخصيص، بل تجد الأقدمية حدها الطبعي في إعمال أثرها بين المرشحين الذين يتوافر فيهم التأهيل الخاص والصلاحية المعينة اللذان يتطلبهما في تخصيص الميزانية للوظيفة، وأنه يستفاد من نصوص المواد 48 و50 و52 و53 و70 من القانون رقم 147 لسنة 1949 أن وظيفة الكاتب تقتضي فيمن يشغلها تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة، وهذا التأهيل وهذه الصلاحية لا يشترطان فيمن يعين نساخاً كما لا يشترطان في ترقيته إلى الدرجة التالية الدرجة التي عين فيها، وأن تدرج الوظائف الكتابية وتدرج الدرجات للكتاب والنساخين، على ما يبين من ميزانية وزارة العدل للسنة المالية 1954 - 1955، يؤكد أن وظائف الكتبة متميزة عن وظائف النساخين التي تقف عند حد الدرجة السابعة، ولما كان قرار التخطي المطعون فيه قد تضمن الترقية إلى الدرجة السادسة، واقتصر على ثلاثة من الكتبة، فليس هناك - والحالة هذه - وجه للقول بإعمال الأقدمية في الدرجة السابعة؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه حصل على شهادة الدراسة الثانوية قسم أول سنة 1931، وعين نساخاً بمحكمة النقض في 8 من نوفمبر سنة 1933 بمرتب 500 م و3 ج شهرياً، وعين في الدرجة التاسعة في أول مايو سنة 1943 بمرتب 60 ج سنوياً، وقد سويت حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف فاعتبر في الدرجة الثامنة الشخصية منذ بدء تعيينه بمرتب 6 ج شهرياً، وبمناسبة ترشيحه لشغل إحدى الدرجات الثامنة الدائمة أحيل إلى القومسيون الطبي لتقرير لياقته للتعيين، فكشف عليه في 24 من فبراير سنة 1937، فوجده عنده زلال بكثرة وارتشاحات مع تكهف صغير تحت الترقوة اليمنى وغير لائق بكشف مخفف، ثم أعيد الكشف عليه في 7 من إبريل سنة 1947 ثم في 17 من مايو سنة 1947 فوجد غير لائق للأسباب سالفة الذكر، وقد رقي إلى الدرجة السابعة تنسيقاً من أول مايو سنة 1946. ويبين من الاطلاع على ملف خدمة السيد إبراهيم سعد الدين الحلابي - أحد المطعون في ترقيتهم - أنه حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية (القسم الثاني) سنة 1936، وعين نساخاً بمحكمة الاستئناف على اعتماد الطوارئ في 16 من ديسمبر سنة 1942، ثم نقل اعتباراً من 16 من إبريل سنة 1944 نساخاً بمحكمة النقض في الدرجة التاسعة بمرتب 4 ج شهرياً، وقد سويت حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف، فاعتبر في الدرجة الثامنة الشخصية من بدء تعيينه بمرتب 500 م و7 ج شهرياً، ثم نقل إلى درجة ثامنة دائمة اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1947، ورقي إلى الدرجة السابعة اعتباراً من 5 من نوفمبر سنة 1949، وفي 22 من يوليه سنة 1954 صدر القرار الوزاري رقم 4203 بترقيته إلى الدرجة السادسة الكتابية بالأقدمية. كما يبين من الاطلاع على ملف خدمة السيد محمد خالد - أحد المطعون في ترقيتهم أيضاً - أنه حصل على الشهادة الابتدائية في سنة 1925، وعين نساخاً بمحكمة استئناف مصر في 11 من نوفمبر سنة 1925 بمرتب 500 م و5 ج، ثم نقل نساخاً بمحكمة النقض من أول يونيه سنة 1931، وعين في الدرجة الثامنة المؤقتة من أول مايو سنة 1943، وقد سويت حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف، فاعتبر في الدرجة التاسعة من بدء تعيينه، ثم وضع على الدرجة الثامنة الدائمة من 2 من سبتمبر سنة 1948 بعد أن كشف عليه طبياً ووجد لائقاً في 28 من يونيه سنة 1948، ثم رقي للدرجة السابعة اعتباراً من 26 من يناير سنة 1950، وللسادسة بالكادر الكتابي بالأقدمية اعتباراً من أول أغسطس سنة 1954، وذلك بمقتضى القرار الوزاري رقم 4203 الصادر في 22 من يوليه سنة 1954. ويبين أيضاً من الاطلاع على ملف خدمة السيد/ عبد الحميد عمر - ثالث المطعون في ترقيتهم - أنه غير حاصل على مؤهلات دراسية، وقد عين في 6 من يوليه سنة 1929 نساخاً بمحكمة الاستئناف بأجر شهري قدره 500 م و6 ج، ثم نقل نساخاً بمحكمة النقض من أول يونيه سنة 1931 وعين في الدرجة الثامنة المؤقتة اعتباراً من أول مايو سنة 1943، ووضع على درجة ثامنة دائمة من أول فبراير سنة 1944، ورقي إلى الدرجة السابعة اعتباراً من 31 من يوليه سنة 1947، وإلى الدرجة السادسة اعتباراً من 30 من سبتمبر سنة 1953 بموجب القرار الوزاري رقم 606 في 30 من سبتمبر سنة 1953، ثم صدر القرار الوزاري رقم 904 في 26 من نوفمبر سنة 1953 بوقف القرار رقم 606 إلى أن يبت نهائياً في الموضوع، وبمقتضى القرار رقم 4203 الصادر في 22 من يوليه سنة 1954 رقي إلى الدرجة السادسة، وفي 28 من يونيه سنة 1955 صدر القرار الوزاري رقم 1017 باعتبار القرار الوزاري رقم 606 الصادر في 30 من سبتمبر سنة 1953 بترقيته إلى الدرجة السادسة قائماً ونافذاً واعتبار أقدميته في هذه الدرجة راجعة إلى تاريخ صدوره مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك تنفيذاً لحكم المحكمة الإدارية لوزارة العدل الصادر في 16 من فبراير سنة 1955.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ميزانيات الدولة أن وظائف النساخين كانت تدرج تحت عنوان "درجات مؤقتة" إلى سنة 1947، حيث نقلت إلى الوظائف الدائمة اعتباراً من السنة المالية 1948 - 1949؛ فقد تضمنت ميزانية محكمة النقض عن السنة المالية 1947 - 1948 تحت عنوان "قلم الكتاب"، درجات دائمة وأخرى مؤقتة ابتداءً من الدرجة التاسعة إلى الدرجة السابعة حسب البيان التالي: "الدرجات الدائمة": 6 درجات سابعة لمستخدمين، و9 درجات ثامنة لمستخدمين، ثم "الدرجات المؤقتة": درجتان سابعة لنساخين، و12 درجة ثامنة لنساخين، و14 درجة تاسعة لنساخين، وتضمنت ميزانية محكمة النقض عن السنة المالية التالية (1948 - 1949) تحت عنوان "الدرجات الدائمة فلم الكتاب" ما يأتي: 6 درجات سابعة لمستخدمين، و4 درجات سابعة لنساخين، و7 درجات ثامنة لمستخدمين، و10 درجات ثامنة لنساخين، ثم ورد تحت عنوان "الدرجات المؤقتة" 14 درجة تاسعة لنساخين. ومفاد ذلك أنه بعد أن كانت وظائف النسخ جميعاً درجات مؤقتة نقلت الدرجات السابعة والثامنة منها من سلك الدرجات المؤقتة إلى سلك الدرجات الدائمة، وبقيت الدرجات التاسعة علي حالتها؛ لأنها بطبيعتها مؤقتة حسبما نص على ذلك صراحة في كادر سنة 1939، وقد استتبع هذا النقل ضرورة إحالة شاغلي الدرجات السابعة والثامنة (نسخ) إلى القومسيون الطبي لتقرير لياقتهم الطبية، حتى إذا ثبتت لياقتهم وضعوا على الدرجات الدائمة الجديدة؛ فقد نصت المادة الثامنة من دكريتو 24 من يونيه سنة 1901 على أن: "المترشحون الذين يدخلون لأول مرة في خدمة الحكومة وأرباب المعاشات والمرفوتون الذين يعادون إلى الخدمة يجب عليهم أن يقدموا: (1) شهادة دالة على حسن سيرتهم وأخلاقهم. (2) شهادة دالة على جنسيتهم. (3) شهادة من القومسيون الطبي بمصر أو بالإسكندرية دالة على صحة بنيتهم...". كما بينت المادة الأولى من البند العاشر من لائحة القومسيونات الطبية طبعة سنة 1929 شروط اللياقة الطبية للمرشحين للوظائف الدائمة، ولما كان قد ثبت عدم لياقة المدعي طبياً، كما لم يصدر قرار من السيد الوزير بإعفائه من شروط اللياقة الطبية، فلم يمكن نقله إلى درجات النسخ الدائمة الجديدة، وظل على درجته السابعة المؤقتة.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على لائحة ترتيب المحاكم الأهلية الصادر بها أمر عالٍ في 14 من يونيه سنة 1883 أنه نص في المادة 43 منها على أنه "يشترط فيمن يعين بوظيفة كاتب أول أن يكون اشتغل بوظيفة كاتب ثانِ مدة سنة على الأقل، ويشترط فيمن يعين بوظيفة كاتب ثانِ أن يقدم شهادة من رئيس قلم النائب العمومي باشتغاله بالكتابة في أحد مكاتب المحاكم مدة ستة شهور وأن يكون أحسن الإجابة في امتحان اختبر فيه كتابة وشفاهاً عن مسائل المرافعات وترتيب المحاكم على وجه العموم...". كما نصت المادة 36 من لائحة الإجراءات الداخلية للمحاكم الأهلية الصادرة في 14 من فبراير سنة 1884 على أن "الامتحان المقرر إجراؤه في المادة 43 من لائحة ترتيب المحاكم يكون كتابة وشفاهاً في المسائل المتعلقة بقانون المرافعات وقانون تحقيق الجنايات وفي الأعمال المختصة بقلم الكتاب ويعافى من الامتحان من سبقت له خدمة في محكمة ابتدائية بوظيفة كاتب أول أو كاتب ثانِ وطلب تعيينه بهذه الوظيفة بمحكمة أخرى ابتدائية أو استئنافية"، ونصت المادة 37 على كيفية تشكيل لجنة الامتحان، ونصت المادة 50 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بإصدار قانون نظام القضاء على أنه "يشترط فيمن يعين كاتباً الشروط الواجب توافرها وفقاً للأحكام العامة للتوظف في الحكومة عدا شرط امتحان المسابقة المقرر لشغل الوظيفة"، كما نصت المادة 53 على أنه "لا تجوز ترقية من عين كاتباً من الدرجة التي عين فيها للدرجة التي تليها إلا إذا حسنت الشهادة في حقه ونجح في امتحان يختبر فيه كتابة وشفاهاً ويعفى حملة الشهادات العليا من شرط الامتحان". وبنيت المواد من 54 إلى 57 مكان الامتحان والمواد القانونية التي سيجرى الامتحان فيها ونظام الامتحان، واشترطت المادة 61 من القانون المشار إليه فيمن يعين محضراً للتنفيذ أن ينجح في امتحان يختبر فيه تحريرياً وشفوياً، كما اشترطت المادة 68 الشرط عينه بالنسبة للمترجمين، ونصت المادة 70 بعد ذلك على أن "يحلف الكتاب والمحضرون والمترجمون أمام هيئة المحكمة التابعين لها في جلسة علنية يميناً بأن يؤدوا أعمال وظائفهم بالذمة والعدل". هذا ولم تستلزم جميع هذه التشريعات شيئاً من ذلك بالنسبة للناسخين فلا يمتحنون عند تعيينهم ولا عند ترقيهم ولا يؤدون اليمين قبل مباشرة عملهم؛ ومفاد ذلك أن وظائف الكتاب تختلف عن وظائف النساخين في طبيعتها وفي شروط التعيين فيها، بل وفي شروط الترقية من أولى الدرجات إلى الدرجة التي تليها؛ ومن ثم فلا يعتبر مجرد نقل درجات النساخين من سلك الدرجات المؤقتة إلى سلك الدرجات الدائمة نقلاً للنساخين أنفسهم من وظائف النسخ إلى وظائف الكتاب، وما كان هذا النقل ليغير من وضعهم القانوني - حيث اعتبارهم نساخين - شيئاً؛ إذ لا زال وضعهم في الميزانية على النحو الذي كان عليه من قبل نقلهم إلى سلك الدرجات الدائمة، فلم تدمج وظائف النسخ في وظائف الكتاب، ولا زالت وظائفهم مخصصة لهم في الميزانية كما كانت قبل النقل تماماً.
ومن حيث إنه يتضح مما سبق بيانه أن التعيين في وظائف الكتاب منوط بتوافر شروط معينة، أولها النجاح في الامتحان المنصوص عليه في المادة 43 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية الصادر بها الأمر العالي في 14 من يونيه سنة 1883 والمادة 50 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بإصدار نظام القضاء، وثبوت اللياقة الطبية للتعيين في الوظائف الدائمة، أو صدور قرار من السيد الوزير بالإعفاء من شرط اللياقة الطبية، وأخيراً أن يصدر قرار بالتعيين ممن يملك ذلك قانوناً.
ومن حيث إنه لم يتحقق شيء من ذلك في حق المدعي، فلا زال على وظيفته المؤقتة بسبب تقرير عدم لياقته الطبية، ولم يصدر قرار من الوزير بإعفائه من شرط اللياقة الطبية، كما لم يصدر قرار بتعيينه ممن يملك ذلك قانوناً؛ ومن ثم تكون دعواه على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون؛ ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات.