مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1431

(152)
جلسة 21 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 642 لسنة 3 القضائية

تفتيش. تفتيش مسكن المدرسات الملحق بإحدى مدارس البنات بقصد ضبط أوراق متعلقة بإحداهن - المجادلة في صحته إذا تولته النيابة الإدارية - لا محل لها متى كانت صاحبة الشأن قد رضيت به رضاءً صحيحاً.
ما دامت المدعية قد سمحت للنيابة الإدارية بتفتيش مسكن المدرسات بالمدرسة التي كانت تعمل وتقيم بها وبضبط ما عساه أن يسفر عنه من أوراق ومكاتبات خاصة، وما دام لم يثبت أن رضاء المدعية كان مشوباً بعيب من العيوب المفسدة للرضاء، فإن المجادلة في صحة هذا التفتيش تصبح غير ذات موضوع؛ إذ الرضاء الصحيح بهذا التفتيش بقطع تلك المجادلة لو صح أن لها في الأصل وجهاً قانونياً.


إجراءات الطعن

في 4 من إبريل سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها تحت رقم 642 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بجلسة 14 من فبراير سنة 1957 في الدعوى رقم 271 لسنة 3 القضائية المقامة من الآنسة فاطمة حسين محمد ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الصادر في 10 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي القاضي بعزل المدعية من وظيفتها، وإلزام الوزارة المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من إلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الصادر في 10 من مارس سنة 1956، والحكم برفض الدعوى، وإلزام المدعية المصروفات". وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم بهذا الطعن في 14 من إبريل سنة 1957، وأعلنت به المطعون عليها في 18 من الشهر ذاته، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 3 من مايو سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجات النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 271 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي طالبة الحكم "بإلغاء القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لوزارة التربية والتعليم الصادر بجلسة 10 من مارس سنة 1956، والذي قضى بتأييد القرار الابتدائي الصادر بجلسة 13 من أكتوبر سنة 1955 واعتبارهما كأن لم يكونا، وما ترتب عليهما من إجراءات، وكذلك ما سبقهما من إجراءات وقف الطالبة عن مزاولة عملها، مع إلزام المعلن إليه بالمصاريف والأتعاب". وقالت بياناً لدعواها إنها كانت تعمل مدرسة بمعهد المعلمات بالمنصورة، وحدث في 16 من إبريل سنة 1955 أن حضر للمدرسة السيد وكيل النيابة الإدارية لتحقيق شكوى أبلغت إلى الوزارة، وقد أجرى تفتيش دولاب المدعية وعثر على "مفكرة" خاصة، وأن الوزارة أحالتها إلى مجلس التأديب الابتدائي، بناءً على ما ثبت بالأجندة المذكورة موجهة إليها التهم الآتية: "1 - أتت أفعالاً تتعارض مع حسن السيرة التي تتطلبها الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ إذ أنشأت علاقات غير مشروعة مع بعض الشبان وأثبتت ذلك بأجندتها الخاصة التي وجدت بدولابها الخاص، وقد اعترفت بذلك في التحقيق الذي أجرته معها النيابة الإدارية، كما اعترفت بملكيتها للأجندة المضبوطة والمثبت بها هذه العلاقات. 2 - تأخره خارج المدرسة إلى وقت متأخر من الليل مخالفة بذلك التعليمات التي وضعتها الوزارة للمدرسات اللاتي يقمن بالقسم الداخلي للمدرسة، الأمر الذي لا يليق صدوره من آنسة تحافظ على كرامتها وسمعتها". وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1955 قضى مجلس التأديب الابتدائي بعزلها من وظيفتها مع حفظ حقها في المكافأة، فأقامت الطالبة استئنافاً نظره المجلس الاستئنافي، ثم قضى في 10 من مارس سنة 1956 برفض الاستئناف وتأييد القرار الابتدائي. وعقبت على ذلك بأن ما قضى به مجلس التأديب ينطوي على مخالفة واضحة للقانون وخطأ في تطبيقه وتأويله، هذا عدا إساءة استعمال السلطة؛ ومن ثم فإنها تطعن في قراره للأسباب الآتية: أنها أثارت دفعاً ببطلان التفتيش الذي قام به وكيل النيابة الإدارية، وهو من مأموري الضبطية القضائية طبقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 480 لسنة 1954، ولكن المجلس لم يأبه لهذا الدفع، اعتماداً على أن سلطة التحقيق الإدارية تملك تعقب أوجه التقصير الإداري غير مقيدة بالقواعد المرسومة في قانون الإجراءات الجنائية؛ لاختلاف طبيعة القضاءين الإداري والجنائي، إلى غير ذلك من أقوال لا سند لها من القانون. وقالت إنه لا يجوز الاستناد إلى ما ورد في هذه المفكرة؛ لأن القانون يجعلها متعلقة بشخصها، وما تدونه فيها مقصود به تمثيل خطرات نفسها ومشاعرها الخاصة، ولا يتعدى إلى إثبات الواقع أو تسجيل ما تسهم به من أفعال، فلا يؤخذ دليلاً عليها. ثم قالت إن عدم الملاءمة بين الفعل والجزاء واضح من استعراض الملابسات ومن قرار المجلس التأديبي مع غير الطالبة في ذات الدعوى.
ومن حيث إن الوزارة قد دفعت الدعوى بأن ما أثير من ناحية اعتبار المكان الذي كانت تقيم فيه المدعية مسكناً خاصاً، مردود بأن الإقامة في الأقسام الداخلية بمساكن المدرسات التي تهيئها وزارة التربية والتعليم لموظفاتها تخضع لإشراف دائم ورقابة يقظة ممن وكل إليهم أمر هذه الرقابة والإشراف، وذلك طبقاً لتعليمات الوزارة؛ ومن ثم فلا يعتبر مقام المدعية مسكناً خاصاً بالمدلول القانوني الدقيق، ويترتب على هذا التكييف أن التفتيش الذي تم طبقاً للتعليمات الإدارية قد وقع صحيحاً ما دام حاصلاً برضاء ذي الشأن؛ إذ ثبت من الأوراق أن المدعية قبلت من بادئ الأمر تفتيش دولابها، بل لقد قدمت بيديها مشتملات دولابها، ومن بينها المفكرة التي أثبتت قيام علاقة غير مشروعة بينها وبين شاب معين، ورضاؤها بالتفتيش على هذا النحو يسقط حقها في التمسك ببطلانه كما جرى على ذلك قضاء محكمة النقض المصرية. وفرقت الوزارة بين صفتين تقررتا للنيابة الإدارية بموجب القانون رقم 480 لسنة 1954: الأولى اختصاصها بإجراء تحقيق إداري مع موظفي الدولة في الشكاوى التي تحال إليها من الجهات الإدارية أو تلقاها من ذوي الشأن، والثانية ما يلحق رجال النيابة الإدارية من صفة الضبط القضائي عند ضبط وتفتيش الموظفين فيما إذا كان منسوباً إليهم مقارفة جريمة من الجرائم العامة، أو تكشف التحقيق الذي يجرونه عن مثل هذه الجريمة، ونوهت الوزارة بأن عضو النيابة الإدارية يلتزم في الحالة الثانية باتباع ما أوجبه الدستور وقانون الإجراءات الجنائية من استئذان النيابة أو قاضي التحقيق في الأحوال التي يقضي القانون فيها بهذا الاستئذان، وهي مقصورة على الجرائم العامة، دون الجرائم الإدارية التي منحهم القانون رقم 480 لسنة 1954 في شأنها سلطة التحقيق طبقاً لمادته الرابعة. ومن أجل هذا جاز أن يكون لعضو النيابة الإدارية كامل السلطة في تحقيق المخالفات الإدارية وتقصي الأدلة التي تفيد في إثباتها بالوسائل التي خولها القانون أعضاء النيابة العامة وقاضي التحقيق في مجال الجرائم العامة. ومع ذلك فإن المدعية قد رضيت بالتفتيش وقدمت بنفسها المفكرة، وهذا وذاك من شأنهما أن يزيلا عنها السرية، لو صح التمسك باعتبارها من قبيل المراسلات التي لا يصح الاطلاع عليها إلا بإذن قاضي التحقيق طبقاً للمادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية. وختمت الوزارة دفاعها بأن المدعية قد مكنت من الدفاع عن نفسها سواء في التحقيقات أو أمام مجلس التأديب، وأن جزاء الفصل من الخدمة قد أوقع بها في حدود السلطة المخولة لمجلس التأديب الاستئنافي، وهو مستخلص استخلاصاً سليماً من عناصر ثابتة بالأوراق.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية قد قضت بجلستها المنعقدة في 14 من فبراير سنة 1957 "بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الصادر في 10 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي القاضي بعزل المدعية من وظيفتها، وإلزام الوزارة المصروفات"؛ مؤسسة قضاءها على "أن عضو النيابة الإدارية لا يعدو أن يكون واحداً من رجال الضبطية القضائية، فاختصاصه بهذه المثابة مقيد بالحدود التي يلتزم بها رجل الضبطية، فلا يرقى بحال إلى اختصاص قاضي التحقيق أو عضو النيابة العامة؛ ومن ثم فهو لا يملك إجراء التفتيش إلا في حالة التلبس أو إذا ندبه لذلك قاضي التحقيق أو عضو النيابة العامة أو إذا أمحى وضع التفتيش كتفتيش فأضحى معاينة عادية برضاء صاحب الشأن"، وعلى أنه "لا يجوز في هذا المجال الاحتكام إلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون إنشاء النيابة الإدارية، وإسباغ اختصاص النيابة العامة لأعضاء النيابة الإدارية؛ ذلك أن المذكرة لم تقصد وليس لها أن تقصد هذا المعنى، فهي لم تقصده لأنها لم تقل ما قالته إلا في مقام تفسير تسمية الهيئة الجديدة بالنيابة الإدارية، فأوضحت بأن هذه الهيئة تقوم بالنسبة إلى الموظفين بمثل ما تقوم به النيابة العامة لكافة المواطنين، وأن في هذه التسمية ما يدل على ما يراد لهذه الهيئة في المستقبل عندما تستقر أوضاعها ويتضح دورها... ولا تملك المذكرة الإيضاحية أن تضيف من لدنها حكماً جديداً يخرجها من دائرة التفسير المحض إلى دائرة الإنشاء"، وعلى "أن المدعية لم تقم بها حالة من حالات التلبس، كما لم تتقدم عن طواعية لقبول التفتيش"، وعلى "أن المادة 14 من الدستور الملغى أشارت إلى حرية التفكير والإعراب عن الرأي حين نصت على أن حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون، وبهذا المعنى أخذت المادة 44 من دستور الجمهورية المصرية...؛ ومن ثم فإنه إذا خلت المدعية إلى نفسها وأعملت تفكيرها وظلت تخاطب ذاتيتها وتناجيها في مفكرة خاصة، وتخففت من القيود في التعبير عن خطواتها كفتاة في سن ما قبل الزواج، وتبسطت في هذا الحديث الذي يلجأ إليه المرء في العادة كلما خلا إلى نفسه، فاستهدفت أن تنفس عن نفسها أو تحاسبها دون أن تستهدف رصد الحقيقة، ثم استودعت هذه المفكرة مكمن سرها فإنه لا تثريب عليها في خلوتها هذه، ما دامت لم تتخذ من المظاهر الخارجية ما يمد إليها يد القانون، وبالتالي لا يتأتى للمحقق أن يتصيد الدليل من مستودعات الأسرار، أو يحل لنفسه التسلل إلى الهواجس البشرية المكنونة في مخبئاتها؛ إذ هي بطبعها تتأبى أن تكون مصادر الأدلة القانونية، وأما عن الأمر الثاني وهو علاقة المدعية بأحد أفراد الجنس الآخر فإن قيام مثل هذه العلاقة لا يفيد بذاته سوء السلوك الوظيفي، فالجريمة الإدارية بحسب وضعها وبحسب الأصول التي تقوم عليها هي جريمة وظيفية تتكون أصلاً من واقعة إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً وظيفياً من الأعمال المحرمة عليه، أو عملاً شخصياً مهيناً يؤدي إلى تحقير شأنه كموظف، وبمعنى أعم إتيانه فعلاً تتعرض له الوظيفة العامة بمساس مباشر أو غير مباشر، فنطاق الجريمة الإدارية إذن هو نطاق الوظيفة العامة، وهي تجد حدودها الطبعية في دائرة الوظيفة وما يتعلق بها من أمور.... وليس مطلوباً من المدعية كموظفة عامة أن تتجرد من أحاسيسها وتترهب في محرابها، فكل ما للوظيفة عليها من حقوق أن تخلص في عملها وألا تجنح في عواطفها فتتهاوى إلى التبذل والامتهان وتخل بسمعتها الوظيفية، ومثل هذا الجنوح والإخلال لم يقم عليه دليل واحد من الأوراق".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الدعوى التأديبية تفارق الدعوى الجنائية من حيث السبب والموضوع ونوع العقوبة التي قد تؤدي إليها كل من الدعويين، وعلى أن حق وكيل النيابة الإدارية في التفتيش الذي يستلزمه إثبات المخالفة الإدارية لا يتقيد بالقيود التي ترد على سلطة رجل الضبط القضائي بمناسبة جريمة عادية، وعلى أن التفتيش الذي تم في الدعوى الحالية هو تفتيش صحيح صدر ممن يملكه، ولا سيما وأنه لم يرد على مسكن خاص بل على قسم داخلي يخضع لإشراف وزارة التربية والتعليم، فضلاً عن أنه تم بموافقة ذات الشأن، وعلى أن التفتيش كشف القناع عن علاقة غير مشروعة عقدتها المطعون عليها واعترفت بها في مفكرتها الخاصة، وواضح مما ورد في هذه المفكرة أن مسلكها قد انعكس على حياتها الوظيفية، إذ أفضى بها إلى شرود في الذهن وانصراف عن واجباتها، فخالفت من ثم البند الثاني من المادة السادسة من القانون رقم 210 لسنة 1951، والفقرة الأولى من المادة 73 من القانون المذكور التي تنص على أنه "على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به وأن يؤديه بدقة وأمانة وعليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته". وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن القرار التأديبي الصادر في حق المدعية قد قام على أساس ما نسب إليها من أنها "1 - أتت أفعالاً تتعارض مع حسن السيرة التي تتطلبها الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ إذ أنشأت علاقات غير مشروعة مع بعض الشبان، وأثبتت ذلك بأجندتها الخاصة التي وجدت بدولابها الخاص، وقد اعترفت بذلك في التحقيق الذي أجرته معها النيابة الإدارية، كما اعترفت بملكيتها للأجندة المضبوطة والمثبت بها هذه العلاقات. 2 - تأخره خارج المدرسة إلى وقت متأخر من الليل، مخالفة بذلك التعليمات التي وضعتها الوزارة للمدرسات اللاتي يقمن بالقسم الداخلي للمدرسة، الأمر الذي لا يليق صدوره من آنسة تحافظ على كرامتها وسمعتها". وأنه استند في إدانته المدعية فيما يتعلق بالتهمة الأولى إلى ما ورد في المفكرة، وفيما يتعلق بالتهمة الثانية إلى ما ثبت في الدفتر الخاص بمواعيد خروج وعودة المدرسات من تأخرها في العودة مساءً إلى مسكن المعلمات، وأن الحكم المطعون فيه استند في إلغاء القرار المطعون فيه إلى عيب شكلي استبعد معه ما نتج عن هذا التفتيش من أدلة، وذهب إلى أنه بفرض التسليم جدلاً بصحة التفتيش وبما تمخض عنه من دليل، فإنه غير منتج في إدانة المدعية فيما نسب إليها للأسباب التي فصلها الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه بقطع النظر عما أثير من مجادلة حول صحة التفتيش الإداري، تلك المجادلة التي أصبحت غير ذات موضوع، ما دامت المدعية قد سمحت بهذا التفتيش، وبضبط ما عساه أن يسفر عنه من أوراق ومكاتبات خاصة، وما دام لم يثبت أن رضاء المدعية كان مشوباً بعيب من العيوب المفسدة للرضاء؛ إذ الرضاء الصحيح لهذا التفتيش يقطع تلك المجادلة، لو صح أن لها في الأصل وجهاً قانونياً - بقطع النظر عن هذا كله، فقد بان لهذه المحكمة أن ما تمخض عنه التحقيق والتفتيش والضبط من دليل لا يخرج عما سجلته المدعية في مفكرتها الخاصة من خواطر كانت تنتابها وهي بين يدي نفسها، وفي وقت لم تقدر فيه أن مثل هذه المفكرة الخاصة ستكون في يوم من الأيام في يد الغير، ومع ذلك فإنه يبين مما سجلته المدعية من مشاعر وأحاسيس في تلك المفكرة الخاصة أنها قد انتابتها عاطفة نحو الشخص الذي أشارت إليه فيها، وأنها تنازعتها في الليالي والأيام نوازع نفسية كانت ترجو أن تنتهي إلى علاقة شريفة كما تطمع أية فتاة، وأنها كانت تسجل أولاً بأول سلوك هذا الشخص حيالها، وأنها كانت تحلل وتحكم على سلامة هذا المسلك أو عدم سلامته نحوها، وشرف هذا المسلك أو عدم شرفه قبلها أولاً بأول، وأنها كانت تعاني في نفسها آلاما شديدة وهي تصطرع فيها نوازع شتى، حتى إذ تبين لها أن قصده غير برئ وأنه أخلف ظنها فيه لفظته لفظاً نهائياً على الرغم مما كانت تعانيه نفسانياً بسبب ذلك. وإن دلَّ هذا على شيء فلا يدل إلا على متانة خلق فتاة، في مثل سنها وتجاربها، كانت تأمل كما تأمل كل فتاة في أن تتزوج من فتى يليق بها، فلما تبين لها عكس ذلك تغلبت على عاطفتها وسلكت السبيل السوي الذي هداها إليه عقلها وإيمانها، ولا ريب في أن هذا المسلك من جانب المدعية - حسبما يستفاد من الدليل الوحيد الذي تمخضت عنه التحقيقات - لا يكون بحال أركان التهمة الإدارية المنسوبة إليها، بل هو مسلك يشرفها ولا يعيبها، ويكون القرار التأديبي - والحالة هذه - قد انتزع الإدانة انتزاعاً من عنصر لا يحتمل تلك الإدانة، بل يؤدي إلى العكس من ذلك، خصوصاً في وضع دقيق حساس يتصل بالأعراض وبمستقبل فتاة بان مما تقدم أن مسلكها لم يكن عليه أي غبار في الوقت الذي برأ فيه مجلس التأديب زميلة لها ضبطت لها خطابات عدة مرفقة بالملف واغتفر لها مسلكها؛ لأن علاقتها انتهت بالزواج.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالتهمة الثانية التي سلف بيانها فقد تبين من الأوراق أن المدعية لم تتأخر في الرجوع مساءً سوى مرة واحدة، وقد نبه عليها بعدم العودة إلى ذلك، واكتفى بهذا التنبيه وقتذاك.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم، حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.