مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1439

(153)
جلسة 21 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 725 لسنة 3 القضائية

( أ ) ترخيص - القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة - الحظر الوارد به مقصور على التعامل بالجملة في مكان غير السوق المحدد - لا حظر على الوزير في الترخيص في شغل محل بالسوق لغرض مكمل للتعامل بالجملة أو فيما هو من مستلزماته - أساس ذلك انتفاء النص على الحظر، وتبعية الفرع للأصل، وأن حسن سير المرفق يقتضيه - أمثلة.
(ب) ترخيص - قرار وزير التجارة رقم 353 لسنة 1947 - وجوب مسايرته لأحكام قانون تنظيم تجارة الجملة المنفذ له - النص في القرار على عدم جواز استعمال الأماكن المرخص في شغلها إلا لعرض الخضر والفاكهة للبيع - المقصود منه عدم جواز تغيير التخصيص في الترخيص لغرض آخر.
1 - يبين من الرجوع إلى المواد 1 و2 و3 من القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة، أن الذي حظره القانون هو إنشاء أو استغلال حوانيت أو أسواق أو حلقات أو غير ذلك للتعامل بالجملة في الأصناف المبينة بالجداول في غير الأماكن التي يعينها وزير التجارة والصناعة لهذا الغرض، أو مخالفة الأحكام والشروط الخاصة بشغل تلك الأماكن على الوجه الذي يعينه وزير التجارة والصناعة، وأن المخالفة لتلك الأحكام قد تبلغ حد الجريمة التي تستوجب العقاب، كما لا يخل ذلك بالطرق الإدارية كإغلاق المحل أو إزالة أسباب المخالفة أو إلغاء الترخيص في التعامل بحسب الأحوال، على أن يعرض ذلك وجوباً على المحكمة للفصل فيه. ولكن لم يحظر القانون على الوزير أن يرخص في شغل محل في السوق قد يرى الترخيص بإشغاله لغرض مكمل للتعامل بالجملة في الأصناف المبينة بالجداول، أو فيما هو من مستلزمات هذا التعامل، أو ما يتصل به اتصالاً يقدره الوزير عند الترخيص، بل إن تقدير هذه الملاءمات جميعاً عند الترخيص أمر تقتضيه طبائع الأشياء وحسن سير المرفق ذاته، على أساس أن الفرع أو الملحقات يتبع الأصل. فإذا قدرت الإدارة عند الترخيص أن من صالح الاتجار في الخضر والفاكهة بالجملة في السوق المحدد لذلك أن ترخص في شغل محل فيه لتأجير ثلاجات عامة يحفظ فيها تجار الجملة الخضر والفاكهة، أو إذا قدرت كذلك أن من صالح الاتجار في الخضر والفاكهة الترخيص في شغل مكان في السوق لبيع بذور الخضر والفاكهة والمبيدات الحشرية التي تلزم لعلاج الخضر والفاكهة، تيسيراً للمتعاملين في الخضر والفاكهة من زراع وغيرهم، ووقاية للمزروعات أو لثمار الخضر والفاكهة المعروضة بعد ذلك، أو إذا قدرت أن ترخص في شغل مكان لإمداد ذوي الشأن بالعبوات اللازمة لما يشترى من خضر أو فاكهة بالجملة، أو شغل مكان بالسوق كمقصف يمد الناس فيه بما يلزمهم من مرطبات وما إليها - إذا قدرت الإدارة كل هذا، لما كان فيه مخالفة للحظر الذي انصب عليه حكم القانون والقرارات المنفذة له؛ لأن الحظر كما سلف القول إنما يرد على التعامل في الجملة في مكان غير السوق المحدد لذلك، ولم يحظر القانون أن تشغل محال في السوق لأغراض مكملة أو متصلة أو من مستلزمات التعامل في هذا السوق، أو تعتبرها الإدارة عند الترخيص من مستلزمات هذا التعامل أو مكملاته حسبما سلف إيضاحه.
2 - لا حجة في القول بأن القرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947 المنفذ لأحكام القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة قد حظر الترخيص بشغل مكان في سوق الجملة لغرض مكمل للتعامل بالجملة أو متصل به أو من مستلزماته؛ إذ فضلاً عن أن الحظر لا يمكن أن يرد - طبقاً لمفهوم القانون رقم 68 لسنة 1949 - إلا على التعامل بالجملة خارج السوق، والمفروض في القرار الوزاري المنفذ له ألا يضيف في حكم التشريع وإنما يساير أحكام القانون في تنفيذها - فضلاً عن ذلك، فإنه ليس في نصوص القرار المشار إليه أي حكم يخالف ما تقدم؛ ذلك أن المادة الأولى في القرار سالف الذكر، إذ نصت على أن "خصص للتعامل بالجملة في الخضر والفاكهة بمحافظة القاهرة سوقاً روض الفرج وأثر النبي المبينة حدودهما على الخرائط المرافقة لهذا القرار"، إنما عنت تحديد الأمكنة التي لا يجوز التعامل بالجملة في غيرها في تلك الأصناف على وجه التخصيص، أي التحديد لهذه الأمكنة، وذلك تطبيقاً للمادة الأولى من القانون، فالمقصود بالتخصيص في تلك المادة الأولى من القرار المشار إليه هو تعيين المكان كسوق للتعامل وليس المقصود به حظر شغل أماكن أو محال إذا رؤي لصالح التعامل بالجملة شغلها للأغراض المكملة واللازمة لهذا التعامل. وغني عن البيان أن المادة 18 من القرار الوزاري المشار إليه، إذ تنص على أنه "لا يجوز استعمال الأماكن المرخص في شغلها إلا لعرض الخضر والفاكهة للبيع"، إنما تعني أنه إذا رخص في شغل مكان لهذا الغرض بالذات فلا يجوز تغيير التخصيص في الترخيص لغرض آخر غير ما ذكر فيه، ولكن هذا لا يمنع أن ترخص الإدارة ابتداءً في شغل مكان لغرض مكمل أو لازم للتعامل بالجملة حسبما سلف إيضاحه إذا قدرت لصالح المرفق ذلك.


إجراءات الطعن

في 4 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها تحت رقم 725 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 12 من مارس سنة 1957 في الدعوى رقم 1572 لسنة 10 القضائية المقامة من السيد/ إسماعيل أبو شادي ضد السيدين وزير التجارة ووكيل وزارة التجارة، القاضي "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 14 من فبراير سنة 1956 من وزارة التجارة بإلغاء رخصة المحل رقم 152 بسوق الجملة للخضر والفاكهة بروض الفرج واعتباره كأن لم يكن، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد أعلنت الوزارة بالطعن في 13 من مايو سنة 1957، وأعلن به المطعون عليه في 21 من الشهر ذاته، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 10 من مايو سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1572 لسنة 10 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 21 من يونيه سنة 1956 طلب فيها "أولاً - الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه حتى يفصل في طلب إلغائه. وثانياً - الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر بإلغاء رخصة المحل رقم 152 بسوق الجملة للخضر والفاكهة بروض الفرج الصادرة للمدعي، واعتبار هذا القرار عديم الأثر وما ترتب عليه من إجراءات، مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال بياناً لدعواه "إنه كان له شقيق هو المرحوم إبراهيم أبو شادي، وكان مستأجراً للمحل رقم 62 بقسم الخضر والفاكهة بسوق روض الفرج منذ إنشاء هذا السوق في سنة 1947، وفي منتصف سنة 1951 طلب استئجار نصف المحل رقم 152 بقسم الفاكهة على سبيل التجربة فصرح له بذلك وترك النصف الثاني خالياً. وفي سنة 1952 طلبت وزارة التجارة إلى المستأجر استئجار المحل جميعه أو ترك النصف الذي استأجره فقبل وأعطى تصريحاً بذلك وفي يوليه سنة 1952 توفي المرحوم إبراهيم أبو شادي، وحل ورثته محله في العلاقة القائمة بينه وبين وزارة التجارة. وفي إبريل سنة 1953 كتب المدعي إلى الوزارة باعتباره أحد الورثة طالباً نقل المحل رقم 62 من اسم المتوفى إلى اسمه هو، كما طلب تخصيص المحل رقم 152 لتجارة البذور والمبيدات الحشرية، وهي من مستلزمات زراعية الخضر التي يحتاج إليها الزرَّاع المترددون على السوق، وطلب إجراء تعديلات في المحل ليكون صالحاً للغرض الجديد، وبتاريخ 18 من يونيه سنة 1953 أفادت إدارة المطافي بأنها عاينت المحل وتبين أنه صالح لتخزين مادة الكبريت الزراعي بعد إتمام اشتراطات معينة حددتها في كتابها، وقد أخطرت بمضمونه وزارة الأوقاف وإدارة السوق. وقال إنه أتم الاشتراطات التي طلبتها إدارة المطافي ووافقت عليها وزارتا الأوقاف والتجارة. وكتبت إدارة المطافي إلى وزارة التجارة بأنه أتم الاشتراطات جميعها بالنسبة إلى المواد الملتهبة، أما فيما يختص بالمبيدات الحشرية فقد طلبت صحة مدينة القاهرة من وزارة التجارة في 17 من أغسطس سنة 1953 مستفهمة ومتسائلة عما إذا كان قانون إنشاء سوق روض الفرج يجيز الترخيص بمحال غير محال الخضر، حتى تستطيع النظر في الترخيص للطالب في الاتجار في مواد الجدول الرابع الملحق بالقانون رقم 5 لسنة 1941، مع الإفادة عن رأيها في الترخيص من عدمه. وفي 12 من سبتمبر سنة 1953 كتبت وزارة التجارة إلى صحة البلدية بأن إدارة المطافي قد وافقت على الترخيص للمدعي. وكتبت مرة أخرى لصحة البلدية في 11 من أكتوبر سنة 1953 بأنه ما دام شاغل المحل قد قام بعمل الاحتياطات التي اشترطتها إدارة المطافي فإنها لا ترى مانعاً من تخصيص المحل للغرض المطلوب إذا كان هذا لا يتعارض مع الشروط الصحية، وبناءً على هذا صدر من صحة البلدية ترخيص للمدعي بالاتجار في المبيدات الحشرية في المحل المشار إليه. وبعدما تقدم عرض الأمر على لجنة شئون التجار فوافقت عليه، ثم عرض قرار اللجنة على السيد مدير عام مصلحة التجارة فأقره، وأعطت الوزارة الترخيص بعد ذلك. وقال إنه ظل يمارس عمله وأدى خدمات جليلة لجمهور المزارعين، حتى فوجئ بالقرار رقم 160 لسنة 1956 الصادر من وكيل وزارة التجارة في 14 من مارس سنة 1956 بإلغاء ترخيص المحل رقم 152 السابق منحه له اعتباراً من أول إبريل سنة 1956، وتكليفه إخلاء المحل وتسليمه للوزارة، وإلا أخلى بالطريق الإداري، ولم يجد تظلم المدعي من هذا القرار نفعاً. ثم قال المدعي إن هذا القرار صدر باطلاً، مستدلاً بأن المادة 18 في القرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947 الخاص بأسواق الجملة للخضر والفاكهة بمحافظة القاهرة قد نصت على أنه لا يجوز استعمال الأماكن المرخص في شغلها بالسوق إلا لعرض الخضر والفاكهة للبيع، ولم ينص القرار المذكور على حق الوزارة في إلغاء الترخيص إدارياً إذا ما خولفت هذه المادة، وإنما قصرت الإلغاء على مخالفة المادتين 19 و26 من القرار المذكور في حالة ارتكاب أكثر من مخالفة، والمادة الأولى خاصة باستخدام الدلالين والخفراء والخدم بغير ترخيص من مصلحة التجارة، والمادة الثانية تحظر مزاولة حرفة الشيالة داخل السوق إلا على الحاصلين على رخصة من السلطة المختصة وإذن من مصلحة التجارة، وحالته بعيدة كل البعد عن أحكام هاتين المادتين. ثم قال إنه استغل المحل الذي ألغى الترخيص به بعد إجراءات وبعد ترخيص من الجهات المسئولة وبموافقة وزارة التجارة والصناعة، وبهذا يكون القرار المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون وفاقداً سبب وجوده، وطلب الحكم له بإلغائه كما طلب إلى جانب ذلك الحكم له بصفة مستعجلة بوقف تنفيذه؛ لأن بقاءه قائماً حتى يفصل في طلب الإلغاء يلحق به أضراراً لا يمكن تدارك نتائجها. وبجلسة 10 من يوليه سنة 1956 قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. واستندت المحكمة إلى أن الإلغاء بالطريق الإداري يستلزم وقوع مخالفة من شاغل المحل، ولم يقع من المدعي أية مخالفة للترخيص الممنوح له". وقد دفعت الحكومة الدعوى في الموضوع بأن ما ذهبت إليه صحيفة الدعوى مخالف لأحكام القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة ولأحكام القرارات الصادرة تنفيذاً له. واستندت في تأييد ذلك إلى جملة أسانيد منها أن الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة تقضي بأن يعين وزير التجارة والصناعة بقرار منه الأحكام والشروط الخاصة بشغل المساحات بالأماكن المشار إليها في المادة السابقة، ومنها أسواق التعامل بالجملة التي يعين أماكنها وزير التجارة، وهي الأسواق التي يتعامل فيها بالجملة في الأصناف المبينة بالجداول الملحقة بالقانون المشار إليه ومن بينها الخضر والفاكهة، ثم قالت إن المادة الثالثة من القانون رقم 68 لسنة 1949 المشار إليه تنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر وبغرامة من مائة قرش إلى خمسمائة قرش أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام هذا القانون أو القرارات التي تصدر تنفيذاً له. ويجوز بغير إخلال بالمحاكمة الجنائية إغلاق المحل أو إزالة أسباب المخالفة بالطرق الإدارية أو إلغاء الترخيص في التعامل بحسب الأحوال على أن يكون ذلك بقرار مسبب يصدره وزير التجارة والصناعة". وأوضحت أن القرار رقم 199 لسنة 1950 صدر مستنداً إلى أحكام القانون رقم 68 لسنة 1949، وناصاً في مادته الثانية على استمرار العمل بلائحة السوق الصادر بها القرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947، وأن المادة الثامنة عشرة من القرار الأخير تصرح بأن "لا يجوز استعمال الأماكن المرخص في شغلها إلا لعرض الخضر والفاكهة للبيع". ويتضح من استعراض هذه الأحكام - كما تقول الحكومة - أن السيد/ إسماعيل أبو شادي قد خالف - باستعماله المحل رقم 152 بسوق الجملة للخضر والفاكهة في تجارة البذور والمبيدات الحشرية - أحكام المادة الثامنة عشرة من القرار رقم 353 لسنة 1947، المعمول به بالقرار رقم 199 لسنة 1950، لأنها تقصر استعمال الأماكن المرخص في شغلها على عرض الخضر والفاكهة، ويقتضي الحال استصدار قرار وزاري مسبب من وزير التجارة والصناعة بإلغاء الترخيص استناداً إلى حكم المادة الثالثة من القانون رقم 68 لسنة 1949، وهو ما تم مراعاته بالقرار المطعون فيه أخذاً بما أفتت به إدارة الفتوى والتشريع المختصة بفتواها الصادرة في 27 من أكتوبر سنة 1955. وبجلسة 12 من مارس سنة 1957 حكمت محكمة القضاء الإداري في موضوع الدعوى "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 14 من فبراير سنة 1956 من وزارة التجارة بإلغاء رخصة المحل رقم 152 بسوق الجملة للخضر والفاكهة بروض الفرج، واعتباره كأن لم يكن، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن "الوزارة ذهبت إلى أن من حقها إلغاء الرخصة استناداً إلى المادة 18 من القرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947 التي تحظر استعمال الأماكن المرخص في استعمالها بسوق الجملة للخضر والفاكهة إلا لعرض الخضر والفاكهة للبيع"، وعلى "أن الحظر المشار إليه في المادة المذكورة ليس قيداً على سلطة الوزارة في الترخيص لشغل الأماكن الموجودة بالسوق، وإنما هو قيد على الشاغلين لها، فلا يجوز لهم استعمالها في غير الغرض الذي صرفت من أجله الرخصة" وعلى أنه "إذا كانت الوزارة هي التي رخصت في شغل المكان لتجارة أخرى خلاف الخضر والفاكهة، فإن قرارها في ذلك يكون صادراً في حدود سلطتها التقديرية ولا مخالفة فيه للقانون؛ ومن ثم فلا مبرر قانوناً لإلغاء الرخصة الصادرة بذلك، هذا فضلاً عن أن الإلغاء بالطريق الإداري يستلزم وقوع مخالفة من شاغل المحل، ولم يقع من المدعي أية مخالفة للترخيص الممنوح له".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن أحكام القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة والقرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947 بشأن أسواق الجملة للخضر والفاكهة بمحافظة القاهرة، يستفاد منها أن المشرع خصص أسواقاً معينة لتجارة الخضر والفاكهة، وهذا التخصيص اقتضى أن تتقيد سلطة الإدارة في منح التراخيص باستعمال المحال الكائنة بتلك الأسواق من حيث الغرض الذي تستعمل فيه؛ ومن ثم لم يجز للإدارة أن تمنح التراخيص إلا لمزاولة التجارة في هذا النوع من السلع دون غيرها، كما لم يجز لشاغلى تلك المحال استعمالها في غير هذا الغرض، فالحظر المشار إليه فيما تقدم ليس حظراً على شاغلي تلك المحال، وإنما هو قيد أيضاً على سلطة الإدارة في الترخيص باستعمال تلك المحال بحيث لا يجوز لها الخروج على هذا القيد، وإذا خالفته كان قرارها مخالفاً للقانون ويجوز تصحيحه في أي وقت متى استبان لها وجه المخالفة. كما تأسس على أن القرار رقم 353 لسنة 1947 قد أوجب أن يكون الغرض هو استعمال المحال في تجارة الخضر والفاكهة دون غيرها من أنواع السلع؛ ولذلك كان القرار الصادر بالترخيص للمطعون عليه في أن يستعمل المحل رقم 152 في تجارة البذور والمبيدات الحشرية قراراً باطلاً، خرجت به الإدارة عن الإدارة عن القيود التي قيدها بها القانون ويجوز تصحيحه في أي وقت متى استبان للإدارة وجه المخالفة، ويكون القرار المطعون فيه مطابقاً للقانون. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا غير هذا المذهب فإنه يقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن القرار المطعون فيه، إذ انتهى إلى إلغاء الترخيص، قد قام على مخالفته لحكم المادة 18 من القرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947 بشأن أسواق الجملة للخضر والفاكهة بمحافظة القاهرة؛ على أساس أن الترخيص في شغل أي محل كائن بسوق روض الفرج لا يجوز أن يكون إلا لغرض عرض الفاكهة والخضر دون التعامل في شيء آخر.
ومن حيث إن وزير التجارة والصناعة قد أصدر قراره رقم 199 لسنة 1950 باستمرار العمل بالقرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947 الصادر في 28 من يوليه سنة 1947، وذلك تنفيذاً لحكم المادة السابعة من القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة.
ومن حيث إن القانون رقم 68 لسنة 1949 آنف الذكر قد نص في المادة الأولى منه على أنه "لا يجوز إنشاء أو استغلال حوانيت أو أسواق أو حلقات أو غير ذلك للتعامل بالجملة في الأصناف المبينة بالجداول الملحقة بهذا القانون في غير الأماكن التي يعينها وزير التجارة والصناعة لهذا الغرض بقرار يصدره بعد أخذ رأي وزارتي الداخلية والصحة العمومية. ويجوز لوزير التجارة والصناعة بقرار منه إضافة جداول أخرى أو تعديل مشتملات الجداول، كما نصت المادة الثانية منه فيما نصت عليه على أن "يعين وزير التجارة والصناعة بقرار منه (1) الأحكام والشروط الخاصة بشغل المساحات في الأماكن المشار إليها في المادة السابقة..."، ونصت المادة الثالثة منه على عقاب "كل من خالف أحكام هذا القانون أو القرارات التي تصدر تنفيذاً له، ويجوز بغير إخلال بالمحاكمة الجنائية إغلاق المحل أو إزالة أسباب المخالفة بالطرق الإدارية أو إلغاء الترخيص في التعامل بحسب الأحوال على أن يكون ذلك بقرار مسبب يصدره وزير التجارة والصناعة، ويجب في هذه الحالة عرض الأمر على المحكمة عند نظر موضوع المخالفة للفصل فيه".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الذي حظره القانون هو إنشاء أو استغلال حوانيت أو أسواق أو حلقات أو غير ذلك للتعامل بالجملة في الأصناف المبينة بالجداول في غير الأماكن التي يعينها وزير التجارة والصناعة لهذا الغرض، أو مخالفة الأحكام والشروط الخاصة بشغل تلك الأماكن على الوجه الذي يعينه وزير التجارة والصناعة، وأن المخالفة لتلك الأحكام قد تبلغ حد الجريمة التي تستوجب العقاب، كما لا يخل ذلك بالطرق الإدارية كإغلاق المحل أو إزالة أسباب المخالفة أو إلغاء الترخيص في التعامل بحسب الأحوال على أن يعرض ذلك وجوباً على المحكمة للفصل فيه، ولكن لم يحظر القانون على الوزير أن يرخص في شغل محل في السوق قد يرى الترخيص بإشغاله لغرض مكمل للتعامل بالجملة في الأصناف المبينة بالجداول أو فيما هو من مستلزمات هذا التعامل أو ما يتصل به اتصالاً يقدره الوزير عند الترخيص، بل إن تقدير هذه الملاءمات جميعاًً عند الترخيص أمر تقتضيه طبائع الأشياء وحسن سير المرفق ذاته، على أساس أن الفرع أو الملحقات يتبع الأصل، فإذا قدرت الإدارة عند الترخيص أن من صالح الاتجار في الخضر والفاكهة بالجملة في السوق المحدد لذلك أن ترخص في شغل محل فيه لتأجير ثلاجات عامة يحفظ فيها تجار الجملة الخضر والفاكهة، أو إذا قدرت كذلك أن من صالح الاتجار في الخضر والفاكهة الترخيص في شغل مكان في السوق لبيع بذور الخضر والفاكهة والمبيدات الحشرية التي تلزم لعلاج الخضر والفاكهة، تيسيراً للمتعاملين في الخضر والفواكه من زراع وغيرهم، ووقاية للمزروعات أو لثمار الخضر والفاكهة المعروضة بعد ذلك، أو إذا قدرت أن ترخص في شغل مكان لإمداد ذوي الشأن بالعبوات اللازمة لما يشترى من خضر أو فاكهة بالجملة، أو شغل مكان بالسوق كمقصف يمد الناس فيه بما يلزمهم من مرطبات وما إليها، لما كان في ذلك مخالفة للحظر الذي انصب عليه حكم القانون والقرارات المنفذة له؛ لأن الحظر كما سلف القول إنما يرد على التعامل في الجملة في مكان غير السوق المحدد لذلك، ولم يحظر القانون أن تشغل محال في السوق لأغراض مكملة أو متصلة أو من مستلزمات التعامل في هذا السوق؛ أو تعتبرها الإدارة عند الترخيص من مستلزمات هذا التعامل أو مكملاته حسبما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه لا حجة في القول بأن القرار الوزاري المنفذ للقانون قد حظر الترخيص بشغل مكان في سوق الجملة لغرض من الأغراض المتقدمة؛ إذ فضلاً عن أن الحظر لا يمكن أن يرد طبقاً لمفهوم القانون رقم 68 لسنة 1949 إلا على التعامل بالجملة خارج السوق، والمفروض في القرار الوزاري المنفذ له ألا يضيف في حكم التشريع وإنما يساير أحكام القانون في تنفيذها - فضلاً عن ذلك، فإنه ليس في نصوص القرار المشار إليه أي حكم يخالف ما تقدم؛ ذلك أن المادة الأولى من القرار رقم 353 لسنة 1947 - إذ نصت على أن "خصص للتعامل بالجملة في الخضر والفاكهة بمحافظة القاهرة سوقاً روض الفرج وأثر النبي المبينة حدودهما على الخرائط المرافقة لهذا القرار" - إنما عنت تحديد الأمكنة التي لا يجوز التعامل بالجملة في غيرها في تلك الأصناف على وجه التخصيص، أي التحديد لهذه الأمكنة، وذلك تطبيقاً للمادة الأولى من القانون، فالمقصود بالتخصيص في تلك المادة الأولى من القرار المشار إليه هو تعيين المكان كسوق للتعامل، وليس المقصود به حظر شغل أماكن أو محال إذا رؤي لصالح التعامل بالجملة شغلها للأغراض المكملة واللازمة لهذا التعامل. وغني عن البيان أن المادة 18 من القرار الوزاري المشار إليه - إذ تنص على أنه "لا يجوز استعمال الأماكن المرخص في شغلها إلا لغرض الخضر والفاكهة للبيع" - إنما تعني أنه إذا رخص في شغل مكان لهذا الغرض بالذات فلا يجوز تغيير التخصيص في الترخيص لغرض آخر غير ما ذكر فيه، ولكن هذا لا يمنع أن ترخص الإدارة ابتداءً في شغل مكان لغرض مكمل أو لازم للتعامل بالجملة حسبما سلف إيضاحه إذا قدرت لصالح المرفق ذلك.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي كان قد استحصل على الترخيص الصادر إليه في سبتمبر سنة 1953 لبيع بذور الخضر والمبيدات الحشرية بعد إجراءات تمت وفقاً للقانون، وكانت الإدارة تعلم بهذا الغرض ورخصت فيه بعد أن قدرت أنه مكمل ومتصل بالتعامل بالجملة في الأصناف المذكورة، وليس في ذلك أية مخالفة للقانون كما سلف الإيضاح، كما لم يثبت أن المدعي خالف أغراض التخصيص في الرخصة باستعمال المحل في غرض آخر حتى ينسب إليه مخالفة المادة 18 من القرار الوزاري رقم 353 لسنة 1947؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه - إذ انتهى إلى إلغاء ترخيص المدعي - قد وقع مخالفاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه - والحالة هذه - قد صادف الصواب، ويتعين من ثم رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.