مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1463

(156)
جلسة 21 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 825 لسنة 3 القضائية

( أ ) استئناف - ميعاده - انقطاع ميعاد الاستئناف في الدعاوى الإدارية بطلب المساعدة القضائية.
(ب) موظف - تعيينه تحت الاختبار - امتناع ترقيته إلى الدرجة التالية قبل قضاء فترة الاختبار بنجاح.
(ج) موظف - تعيينه تحت الاختبار - ضم مدة خدمة سابقه له وتعديل أقدميته بالتبع - إعمال أثر هذا الضم في الترقية بالأقدمية أو الاختيار - لا يكون إلا بعد قضائه فترة الاختبار على ما يرام وثبوت صلاحيته فيها.
1 - إن ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - من حيث ما لطلب المساعدة القضائية من أثر قاطع لميعاد رفع دعوى الإلغاء، أو بالأحرى حافظ له ومنسحب لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض - يصدق كذلك بالنسبة إلى ميعاد رفع الاستئناف للمحكمة ذاتها؛ لاتحاد طبيعة كل من الميعادين؛ من حيث وجوب مباشرة إجراء رفع الدعوى أو الاستئناف قبل انقضائهما، والأثر القانوني المترتب على مراعاة المدة المحددة فيهما أو تفويتها من حيث قبول الدعوى أو الاستئناف أو سقوط الحق فيهما، وبالتالي إمكان طلب إلغاء القرار الإداري أو الحكم المستأنف أو امتناع ذلك على صاحب الشأن المتخلف.
2 - إن موقف الموظف المعين تحت الاختبار هو موقف وظيفي معلق أثناء فترة الاختبار؛ إذ لا يستقر وضعه القانوني في وظيفة إلا بعد قضاء فترة التعليق وانحسام الموقف بقرار من الجهة الإدارية من حيث الصلاحية للبقاء فيها أو عدمها. ومتى كان الأمر معلقاً على هذا النحو، وكان قضاء فترة الاختبار على ما يرام شرطاً لازماً للبقاء في الوظيفة، فإن الترقية إلى الدرجة التالية قبل قضاء هذه الفترة واستقرار وضع الموظف بصفة نهائية باجتيازه إياها بنجاح تكون ممتنعة؛ إذ يترتب عليها إخراج الموظف من أدنى الدرجات وإعفاؤه من فترة الاختبار التي لا تكون إلا في هذه الدرجة الدنيا والإقرار له بالكفاية وبصلاحية قبل الأوان لم تكتمل له أسبابها وأخصها عنصر الخدمة الفعلية وعامل الزمن وغل يد الإدارة عن ممارسة حقها المقرر لها بمقتضى المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة في فصله من وظيفته لعدم الصلاحية إذا ما ثبت لها أنه لم يمض فترة الاختبار على وجه مرض يسمح باستمراره في الخدمة.
3 - إذا ضمت مدة خدمة سابقة إلى موظف معين تحت الاختبار تطبيقاً للمادة 24 من قانون نظام موظفي الدولة فإن إعمال أثر هذا الضم في الترقية إلى الدرجة التالية بالنسبة إليه لا يكون إلا بعد ثبوت صلاحيته أولاًً للبقاء في الوظيفة بعد قضائه فترة الاختبار على ما يرام، وليس من شأن التسوية التي تتم في هذه الحالة أن يتعدى أثرها هذا النطاق إلى تعطيل الحكمة التي قامت عليها المادة 19 من القانون، أو تغيير الشروط أو القواعد المقررة للترقية، أو إنشاء قرينة قاطعة في صالح الموظف على اكتسابه في العمل السابق غير الحكومي خبرة ومراناً في عمله الجديد الحكومي ولو على خلاف الواقع. وجملة القول إن نظام الاختبار له مجاله الواجب إعماله فيه، ولضم مدد الخدمة السابقة مجاله الواجب إعماله فيه كذلك، كما أن التسويات التي تتم بناءً على هذا الضم دون نظر إلى التقارير السنوية إن هي إلا تسويات فرضية، ولا تعارض بين المجالين، وغاية الأمر أن إعمال المجال الثاني بالنسبة إلى الموظف المعين تحت الاختبار فيما يتعلق بالترقية إلى الدرجة التالية لا ينتج أثره إلا بعد انحسام الوضع في المجال الأول وثبوت صلاحيته للبقاء في الوظيفة. وعلى مقتضى ما تقدم فليس للموظف الذي ما زال في فترة الاختبار أن يتحدى بأقدميته في الدرجة بضم مدة خدمة سابقة له ليتوصل بذلك إلى وجوب ترقيته على أساس أقدميته بعد هذا الضم؛ ذلك أنه خلال الفترة المذكورة لا يعتبر صالحاً للترشيح للترقية سواء بالأقدمية أو بالاختيار قبل قضائه تلك الفترة على ما يرام وثبوت صلاحيته فيها؛ إذ أن بقاءه في الوظيفة موقوف على ثبوت هذه الصلاحية، كما أن المفروض في المرشحين للترقية من الدرجة السادسة في الكادرين الفني العالي والإداري (وهي التي تخضع ابتداءً لنظام الاختبار) إلى الدرجة التالية أن يكونوا جميعاً في مركز متساوٍ من ناحية استقرار بقائهم فيها، وهذا لا يتأتى إلا بعد انحسام الموقف المعلق وثبوت صلاحيتهم جميعاً بعد قضاء فترة الاختبار حسبما تقدم.


إجراءات الطعن

في 13 من يونيه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 825 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 18 من إبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 1783 لسنة 2 القضائية المقامة من محمد السعيد محمود قناوي ضد ديوان الموظفين، القاضي "برفض الدعوى، وبإلزام المدعي المصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء (أولاً) بعدم قبول الدعوى الاستئنافية لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي مصروفاتها. و(ثانياً) بإلغاء القرار رقم 104 الصادر من ديوان الموظفين اعتباراً من 26 من مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة، وإلزام الحكومة المصروفات الخاصة به". وقد أعلن هذا الطعن إلى ديوان الموظفين في 14 من أكتوبر سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 2 من نوفمبر سنة 1957، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 17 من مايو سنة 1958، وفي 18 من مارس سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وقدم المدعي مذكرة بملاحظاته طلب فيها: "أولاً - القضاء بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري رقم 1783 لسنة 2 قضائية الصادر بجلسة 18 من إبريل سنة 1957 فيما قضى به من قبول الدعوى الاستئنافية شكلاً وإلغائه فيما قضى به عدا ذلك. ثانياً - أن تقضي المحكمة: (أصلياً) بإلغاء القرار رقم 172 لسنة 1953 الصادر من ديوان الموظفين في 3 من نوفمبر سنة 1953 وذلك فيما تضمنه من تخطى الطالب في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 30 من سبتمبر سنة 1953، وبالتالي رد أقدميته في الدرجة الخامسة الإدارية التي رقي إليها في 19 من يناير سنة 1955 إلى 30 من سبتمبر سنة 1953، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. و(احتياطياً) في حالة عدم القضاء بذلك إلغاء القرار رقم 104 لسنة 1954 الصادر من ديوان الموظفين بحركة الترقيات النافذة اعتباراً من 26 من مايو سنة 1954، وذلك فيما تضمنه من تخطي الطالب في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة، وبالتالي رد أقدميته في هذه الدرجة إلى 26 من مايو سنة 1954، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. ثالثاً - إلزام ديوان الموظفين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول الدعوى الاستئنافية:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن المدعي أقام الدعوى رقم 843 لسنة 2 القضائية ضد ديوان الموظفين أمام المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين التي حلت محل اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد بعريضة أودعها سكرتيرية هذه الأخيرة في 28 من يناير سنة 1954 طلب فيها إلغاء حركة الترقيات التي أصدرها الديوان في 30 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنته من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة، واستحقاقه للترقية إلى هذه الدرجة من تاريخ إجراء الحركة المذكورة، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1954 قضت المحكمة الإدارية "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وفي الموضوع برفضها، وإلزام رافعها بالرسوم المقررة". وقد أعلن هذا الحكم إلى المدعي في 19 من ديسمبر سنة 1954، فلجأ إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري، واستصدر منها بجلسة 7 من فبراير سنة 1955 قراراً في طلب الإعفاء رقم 294 لسنة 9 القضائية بإعفائه من رسوم استئناف حكم المحكمة الإدارية المشار إليه مع الطعن في قرار ديوان الموظفين رقم 104 لسنة 1953، وبناءً على قرار لجنة المساعدة القضائية هذا أقام الدعوى رقم 1783 لسنة 2 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 30 من مارس سنة 1955 طلب فيها الحكم "بقبول استئناف حكم المحكمة الإدارية لوزارة المالية والاقتصاد رقم 843 لسنة 2 القضائية الصادر بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1954 شكلاً، وفي الموضوع بإلغائه، وإلغاء قرار الديوان رقم 104 لسنة 1954 الصادر بحركة الترقيات التي أجراها اعتباراً من 26 من مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي الطالب في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالأقدمية، وذلك في حالة عدم الحكم بإلغاء حكم المحكمة الإدارية سالف الذكر، مع إلزام الديوان بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وبجلسة 18 من إبريل سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بقبول الاستئناف شكلاً لأنه قدم مستوفياً أوضاعه القانونية، و"برفض الدعوى، وبإلزام المدعي المصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 13 من يونيه سنة 1957 طالباً "قبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء (أولاً) بعدم قبول الدعوى الاستئنافية لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي مصروفاتها، و(ثانياً) بإلغاء القرار رقم 104 الصادر من ديوان الموظفين اعتباراً من 26 من مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة، وإلزام الحكومة المصروفات الخاصة به". وأسس طعنه فيما يتعلق بعدم قبول الدعوى الاستئنافية على أن ميعاد استئناف حكم المحكمة الإدارية - طبقاً لنص المادتين 9 و13 من القانون رقم 147 لسنة 1954 الصادر في 20 من مارس سنة 1954 بإنشاء وتنظيم المحاكم الإدارية - هو ستون يوماً من تاريخ إبلاغه للمدعي في 19 من ديسمبر سنة 1954، فهو ميعاد يسقط في 7 من فبراير سنة 1955؛ وإذ رفع المذكور استئنافه في 30 من مارس سنة 1955 فإنه يكون قد رفعه بعد الميعاد، وكان يتعين على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الاستئناف لرفعه بعد الميعاد، لتعلق هذا الميعاد بالنظام العام، ولا وجه للمحاجة بأن المدعي كان قد لجأ إلى لجنة المساعدة القضائية واستصدر منها في 7 من فبراير سنة 1955 قراراً بإعفائه من رسوم هذا الاستئناف؛ إذ الدعوى لا تكون مرفوعة إلا بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة، والعبرة في قبولها بتاريخ رفعها، أما طلب المساعدة القضائية فليس إجراءً قضائياً، ولا يعتبر دعوى بالمعنى القانوني لاقتصار الأمر فيه على طلب الإعفاء من الرسوم حتى يتسنى رفع الدعوى بعد ذلك. وشأن هذا الطلب شأن قرار لجنة المساعدة القضائية الصادر بالإعفاء من الرسوم؛ إذ لا يعدو أن يكون ترخيصاً لطالب الإعفاء في رفع دعواه مع إرجاء تحصيل الرسم المقرر عليها إلى ما بعد الفصل فيها، كما أن ميعاد الطعن على الحكم بالاستئناف هو ميعاد سقوط لا يقبل وقفاً ولا انقطاعاً، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وقد نصت المادة 381 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه "يترتب على عدم مراعاة مواعيد الطعن في الأحكام سقوط الحق في الطعن. وتقضي المحكمة بالسقوط من تلقاء نفسها"؛ وعلى ذلك فإن ميعاد الطعن في حكم المحكمة الإدارية هو ميعاد حتمي يترتب على فواته سقوط الحق في الطعن بقوة القانون لتعلقه بالنظام العام؛ ومن ثم فإن طلب المدعي إعفاءه من الرسوم القضائية وصدور قرار لجنة المساعدة القضائية بهذا الإعفاء لا يقطع ميعاد السقوط، ويكون الاستئناف المرفوع من المدعي في 30 من مارس سنة 1955 عن حكم المحكمة الإدارية المبلغ إليه في 19 من ديسمبر سنة 1954 غير مقبول شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وكان يتعين على محكمة القضاء الإداري، والحالة هذه، القضاء بعدم قبوله من تلقاء نفسها. وقد عقب المدعي على طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في خصوص هذا الدفع بأنه يترتب على طلب المساعدة القضائية قطع التقادم وقطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء، ويظل التقادم أو الميعاد موقوفاً لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض، فإذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية. وهذا المبدأ واحد بالنسبة إلى ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء القرار الإداري المتظلم منه أو بالنسبة إلى ميعاد الاستئناف؛ إذ فضلاً عن تشابههما من حيث مدة الستين يوماً فإنهما متماثلان أيضاً من حيث الأثر القانوني المترتب على مباشرة الحق قبل انقضائهما أو بعده؛ ومن ثم فما دام المدعي قد تقدم بطلب الإعفاء إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري قبل انقضاء الميعاد القانوني لرفع الاستئناف، ثم رفع الاستئناف بعد حصوله على قرار الإعفاء خلال ستين يوماً من تاريخ صدوره، فإن استئنافه يكون مقبولاً شكلاً، ويتعين القضاء بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قضى به من قبول الدعوى الاستئنافية شكلاً.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن مقتضيات النظام الإداري قد مالت بالقضاء الإداري إلى تقرير قاعدة أكثر تيسيراً في علاقة الحكومة بموظفيها، بمراعاة طبيعة هذه العلاقة، فقرر أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه؛ وليس من شك في أن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أبلغ في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه، وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو في الحق يجمع بين طبيعة التظلم الإداري من حيث الإفصاح بالشكوى من التصرف الإداري وبين طبيعة التظلم القضائي من حيث الاتجاه إلى القضاء طلباً للانتصاف؛ إذ لم يمنعه عن إقامة الدعوى رأساً سوى عجزه عن أداء الرسوم التي يطلب إعفاءه منها، وسوى عجزه عن توكيل محامٍ. فلا أقل - والحالة هذه - من أن يترتب على طلب المساعدة القضائية ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. وغني عن البيان أن الأثر المترتب على طلب المساعدة القضائية من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد دعوى الإلغاء يظل قائماً، ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب تحضيراً له حتى يصبح مهيأ للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد؛ إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية. وهذا الذي قضت به المحكمة - من حيث ما لطلب المساعدة القضائية من أثر قاطع لميعاد رفع دعوى الإلغاء، أو بالأحرى حافظ له ومنسحب لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض - يصدق كذلك بالنسبة إلى ميعاد رفع الاستئناف للمحكمة ذاتها؛ لاتحاد طبيعة كل من الميعادين؛ من حيث وجوب مباشرة إجراء رفع الدعوى أو الاستئناف قبل انقضائهما، والأثر القانوني المترتب على مراعاة المدة المحددة فيهما أو تفويتها من حيث قبول الدعوى أو الاستئناف أو سقوط الحق فيهما، وبالتالي إمكان طلب إلغاء القرار الإداري أو الحكم المستأنف أو امتناع ذلك على صاحب الشأن المتخلف. أما ما قضت به هذه المحكمة في شأن عدم اعتبار طلب المساعدة القضائية في ذاته دعوى بالمعنى القانوني مجرداً عن الدعوى الموضوعية، فلا وجه للتحدي به في هذه الحالة لاختلاف وجه القياس؛ ذلك أن الأمر في تلك الخصوصية لم يكن متعلقاً بأثر هذا الطلب في حفظ الميعاد، بل بمسألة اختصاص. وبالإجراءات المتطلبة لرفع الدعوى أمام المحكمة التي أصبحت مختصة بنظر النزاع بناءً على قانون صدر معدلاً للاختصاص بعد تقديم طلب المساعدة القضائية وصدور قرار فيه من المحكمة التي زال اختصاصها.
ومن حيث إنه ظاهر من الأوراق أن حكم المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين الصادر بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1954 في الدعوى رقم 843 لسنة 2 القضائية أعلن إلى المدعي في 19 من ديسمبر سنة 1954، فلجأ إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري بطلب إعفائه من رسوم استئناف هذا الحكم بطلب الإعفاء رقم 294 لسنة 9 القضائية، وصدر قرار اللجنة بجلسة 7 من فبراير سنة 1955 في هذا الطلب بقبوله. وبناءً عليه رفع استئنافاً عن الحكم المشار إليه أمام محكمة القضاء الإداري قيد تحت رقم 1783 لسنة 2 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 30 من مارس سنة 1955؛ ومن ثم فإن هذا الاستئناف يكون مقبولاً شكلاً لرفعه في الميعاد القانوني، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الشق منه في غير محله، متعيناً رفضه.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي طلب في دعواه رقم 843 لسنة 2 القضائية المقامة منه ضد ديوان الموظفين أمام المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين إلغاء حركة الترقيات التي أصدرها الديوان في 30 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنته من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة واستحقاقه للترقية إلى هذه الدرجة منذ تاريخ إجراء الحركة المذكورة مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. وقال شرحاً لدعواه إنه في 30 من يوليه سنة 1953 صدر قرار من رئيس ديوان الموظفين بتعيينه موظفاً بالديوان في الدرجة السادسة الإدارية، وكان قد أثبت في مسوغات تعيينه أن له مدة خدمة سابقة في المحاماة أمام المحاكم الوطنية من 23 من نوفمبر سنة 1948 حتى تاريخ تسلمه العمل بالديوان في 8 من أغسطس سنة 1953. وفي 30 من سبتمبر سنة 1953 أصدر الديوان حركة ترقيات بين موظفي الكادر العالي الإداري تضمنت ترقية بعض زملائه من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة الإدارية ممن هم أحدث منه في أقدمية الدرجة السادسة فيما لو كانت قد ضمت إليه مدة اشتغاله بالمحاماة قبل إجراء الحركة المذكورة، وفي 30 من نوفمبر سنة 1953 أصدر الديوان القرار رقم 187 لسنة 1953 بضم مدة مقدارها 7 يوم و4 شهر و2 سنة إلى مدة خدمته به واعتبار تاريخ تعيينه الفرضي في خدمة الحكومة من أول إبريل سنة 1951، وتسوية حالته على هذا الأساس. ووفقاً لأقدميته هذه بالدرجة السادسة كان أحق بالترقية إلى الدرجة الخامسة من بعض من رقوا إليها ممن هم أحدث منه في أقدمية هذه الدرجة. وقد دفع ديوان الموظفين بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد فوات الميعاد القانوني وهو ستون يوماً من تاريخ إعلان القرار الصادر بحركة الترقيات المطعون فيها طبقاً للمادة 138 من القانون رقم 120 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة وعلمه بهذا القرار، الذي اكتسب بذلك حصانة نهائية ضد الإلغاء أو التعديل، وذكر الديوان عن الموضوع أن المدعي عين في الدرجة السادسة الإدارية التي هي أدنى درجات الكادر الإداري، وهذا التعيين يخضع للقيود التي أوردتها المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة، وهي التي تقضي بأن يكون التعيين في هذه الدرجة تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، فإن لم يتم الموظف المدة المذكورة على ما يرام فصل من وظيفته. والتقرير بالصلاحية التي هي أساس الترقية أو بعدم الصلاحية التي تؤدي إلى الفصل لا يكون إلا بعد نهاية فترة الاختبار المشار إليها، ولم يكن المدعي قد أمضى بالخدمة أكثر من شهرين ولم يقدم عنه تقرير عن درجة كفايته. هذا إلى أن مناط الترقية هو التقارير السرية التي تقدم عن الموظف في شهر مارس من كل سنة في حين أن المذكور عين في شهر يوليه سنة 1953، وتمت الترقيات التي يطعن فيها في شهر سبتمبر من السنة ذاتها. أما ترقيته في مدة الاختبار فتعوق جهة الإدارة عن ممارسة حقها المقرر بمقتضى المادة 19 سالفة الذكر في فصله لعدم الصلاحية إذا ثبت أنه لم يمض فترة الاختبار على وجه مرض يسمح باستمراره في الخدمة. وخلص الديوان من هذا إلى طلب رفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها. وقد أودع المدعي مذكرتين الأولى مؤرخة 6 من يونيه سنة 1954 قال فيها إن الديوان أصدر حركة ترقيات أخرى في 26 من مايو سنة 1954 تخطاه فيها للمرة الثانية بترقية من هم أحدث منه أقدمية وذلك على أساس التخطي الأول، وأن تظلمه الأول ينطوي على التظلم من كل قرار لاحق للقرار المطعون فيه يتضمن تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة. والثانية مؤرخة 5 من أغسطس سنة 1954 رد فيها على الدفع بعدم قبول الدعوى بأنه لا يقوم مقام النشر أو إعلان القرار الإداري إلى صاحب الشأن سوى علمه به علماً يقينياً يشمل منطوقه وأسبابه، ولما كان القرار المطعون فيه لم يعلن إليه، كما أنه لم يوقع على النشرة التي يذكر الديوان أنه أصدرها، ولم يعلم بالقرار علماً يقينياً، فإن الدعوى تكون قد رفعت في الميعاد. هذا فضلاً عن أنه عند صدور القرار المشار إليه لم يكن الديوان قد سوى حالته بضم المدة الواجب ضمها من مدة اشتغاله بالمحاماة ولم يكن في استطاعته معرفة أقدميته بالنسبة إلى المرقين؛ ومن ثم فلا يبدأ سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء بالنسبة إليه إلا من تاريخ صدور قرار ضم مدة اشتغاله بالمحاماة إلى مدة خدمته بالديوان. وقال في الموضوع إنه ليس في نصوص القانون ما يمنع من ترقية الموظف المعين تحت الاختبار أثناء تلك الفترة إذا ما حل عليه الدور للترقية بالأقدمية؛ ذلك أن الحظر لا يكون إلا بنص القانون ولا يمكن القياس عليه، كما أن الترقية من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة في نسبة الأقدمية غير مقيدة بقيد زمني بحسب أحكام قانون التوظف التي جاءت عامة ومطلقة في هذا الخصوص، وليس ثمة تعارض بين ترقية الموظف تحت الاختبار وبين فصله من الوظيفة إذا لم يتم فترة الاختبار على ما يرام؛ إذ أن شروط الصلاحية للترقية تختلف عن شروط الصلاحية للبقاء في الخدمة، وقواعد الترقية لا تجيز تخطي من حل عليه الدور في الترقية بالأقدمية إلا إذا كان قد قدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف، بينما الحصول على تقرير واحد بدرجة ضعيف كافٍ للدلالة على أن الموظف تحت الاختبار لم يمضِ فترة الاختبار على ما يرام، هذا إلى أن عدم ترقية الموظف تحت الاختبار أثناء تلك الفترة يعتبر تأجيلاً للترقية، مع أن حالات تأجيل للترقية منصوص عليها في قانون التوظف على سبيل الحصر، بل إن قواعد ضم مدد الخدمة السابقة تؤكد أن المشرع لم يقصد بتحديد فترة يكون فيها الموظف الجديد تحت الاختبار إلى حرمانه من الترقية أثناء هذه الفترة. على أنه بعد صدور قرار ضم مدة اشتغال المدعي بالمحاماة لم يعد المذكور معتبراً تحت الاختبار من تاريخ تعيينه، إذ أن القرار رقم 187 الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1953 بضم نصف تلك المدة قد وجب بأثر رجعي القرار الصادر بتعيينه فيما يختص بكونه معيناً تحت الاختبار؛ وبذا زالت عنه هذه الصفة من تاريخ تعيينه بالديوان. وليس من شك في أن في الاشتغال بالمحاماة خبرة كافية في عرف المادة 23 من قانون نظام موظفي الدولة، وقد جاوزت المدة المضمومة عن الاشتغال بالمحاماة الحد الأقصى للفترة المقررة للاختبار. وهذا الضم قد ترتب عليه منحه علاوة دورية يعتبر منحها إياه اعترافاً ضمنياً أكيداً بكفايته طبقاً للمادة 42 من القانون المشار إليه، ولو أنه لم تقدم عنه تقارير سنوية، ودليلاً على أن المدة المضمومة اعتبرت كأنها مدة خدمة محترمة. وقد أصدر الديوان حركة ترقيات أخرى خلاف الحركة المطعون فيها وذلك بالقرار رقم 104 لسنة 1954 الصادر في 26 من مايو سنة 1954، وتخطاه فيها للمرة الثانية لذات الأسباب التي تخطاه من أجلها في المرة الأولى، ولذا فهو يطلب إلغاء هذا القرار أيضاً لأن طعنه في القرار الأول يعتبر طعناً كذلك في كل قرار لاحق لا يرد إليه حقه، وانتهى المدعي من هذا في مذكرته إلى طلب "إلغاء قراري الديوان رقم 172 لسنة 1953 المؤرخ 3 من نوفمبر سنة 1953 بخصوص حركة الترقيات النافذة اعتباراً من 30 من سبتمبر سنة 1953، ورقم 104 لسنة 1954 المؤرخ 30 من مايو سنة 1954 بخصوص حركة الترقيات النافذة اعتباراً من تاريخ 26 مايو سنة 1954، وذلك فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة وترقيته إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من تاريخ 30 من سبتمبر سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية". وقد عقب ديوان الموظفين على ذلك بكتاب مؤرخ 4 من أكتوبر سنة 1954 ردد فيه أسانيد دفعه بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد مضي أكثر من ستين يوماً على صدور الحركة المطعون فيها وعلم المدعى بها. وأضاف أنه غير صحيح ما يذهب إليه هذا الأخير من أن ميعاد الطعن في القرار الصادر بحركة الترقيات المذكورة لا يبدأ جريانه بالنسبة إليه إلا من تاريخ صدور قرار ضم نصف مدة اشتغاله بالمحاماة؛ ذلك أن أقدميته ثابتة ويمكنه الوقوف عليها بالطريق الرسمي، وأن حقه في ضم تلك المدة كان قائماً وقت صدور حركة الترقيات المطعون فيها، ولا عبرة بتاريخ صدور قرار الضم؛ لأن هذا القرار ليس منشئاً لحقه حتى تتولد له من تاريخ صدوره مصلحة في الطعن، وإنما هو كاشف للحق الثابت له والمستمد من القواعد التنظيمية الخاصة بضم مدد الخدمة السابقة، ومع تمسك الديوان بهذا الدفع فإنه يبدى أن نص المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة يقضي بأن يظل الموظف في مدة الاختبار بأدنى الدرجات، ومعنى هذا أنه لا تجوز ترقيته إلا بعد نهاية هذه المدة. هذا فضلاً عن أن القانون المشار إليه لم يرد به نص يبين الأساس الذي يمكن بمقتضاه ترقية الموظفين المعينين لأول مرة بخدمة الحكومة في فترة الاختبار مما يقطع بعدم أحقيتهم في الترقية في الفترة المذكورة. وقد نصت المادة 40 منه على كيفية ترقية الموظفين الذين لهم مدد خدمة أكثر من سنة على أساس التقارير المقدمة عنهم. ولا يعتبر عدم ترقية الموظف الذي تحت الاختبار تأجيلاً للترقية؛ لأن حالات التأجيل منصوص عليها في المادتين 103 و106 من القانون سالف الذكر، وهي خاصة بتأديب الموظفين المعينين على وظائف دائمة، ولا تتناول حالة الموظف المعين تحت الاختبار، وهو الذي يخضع لنظام يقوم على تعليق أمر تعيينه وكافة الآثار المترتبة عليه على شرط إتمامه مدة الاختبار على ما يرام، أما قواعد ضم مدد الخدمة السابقة فيختلف مجال تطبيقها عن مجال تطبيق المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة، ولا يمكن أن تتعارض معه لأنه أقوى منها مرتبة. وإذا كانت المدد التي ضمت للمدعي تجاوز السنتين فإن هذا لا يمنع من تعيينه تحت الاختبار؛ لأن التعيين الذي يستند فيه إلى ضم هذه المدد هو تعيين فرضي يخرج عن دائرة التعيين الواقعي الذي يقوم على ممارسة عمل الوظيفة بالفعل، كما أن منحه علاوة ليس حجة في صلاحيته للترقية؛ لاختلاف الأساس في كل من الحالتين. وقد كانت درجة كفايته وقت إجراء حركة الترقيات المطعون فيه لم تقرر بعد؛ لحصول هذه الحركة بعد تعيينه بشهرين مما لم يكن من الجائز معه النظر في أمر ترقيته دون صدور تقرير عن كفايته، والمعول عليه هو تقدير لجنة شئون الموظفين عن عمله الحكومي حيث إن مدة العمل الحر تضم دون حاجة إلى بيان صلاحية الموظف وقت قيامه به. وفي 31 من أكتوبر سنة 1954 تقدم المدعي بكتاب ضمنه بعض ملاحظات خاصة بعدم علمه بالقرار المطعون فيه في تاريخ يجاوز الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء. وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1954 قضت المحكمة الإدارية "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وفي الموضوع برفضها، وإلزام رافعها بالرسوم المقررة". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى على أن إعلان القرار للإدارة التي يعمل فيها المدعي لا يفيد لزوماً علمه به علماً يقينياً شاملاً لمحتوياته، وأن الديوان لم يقم بإثبات حصول هذا العلم في تاريخ معين يمكن حساب المدة منه والتأكد من انقضائه فعلاً، وأنه قد ثبت للمحكمة أن النشرة الرسمية الخاصة بإعلان القرار المطعون فيه لم تعلق في المكان المعد لذلك بديوان الموظفين إلا من 6 من ديسمبر سنة 1953، ولما كان المدعي قد أقام دعواه في 28 من يناير سنة 1954، أي خلال الستين يوماً التالية لهذا الإعلان، فإن الدفع بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد يكون في غير محله متعيناً رفضه. وبنت حكمها في الموضوع على أنه يبين من صريح نص الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أن الموظف المعين لأول مرة في خدمة الحكومة يظل في أدنى الدرجات مدة الاختبار، وتبعاً لذلك لا يجوز النظر في ترقيته خلال مدة الاختبار؛ ذلك أن مناط الترقية بالأقدمية ليس هو ترتيب الموظف في كشف الأقدمية بل كونه على درجة من الكفاية تؤهله للترقية بأن يكون حاصلاً على درجة جيد أو متوسط في التقرير السنوي المقدم عنه، كما نصت على ذلك الفقرة الأولى من المادة 40 من القانون المشار إليه. فإذا قامت جهة الإدارة بترقية موظف بالأقدمية فإن هذا يتضمن اعترافها بصلاحيته للترقية ويهدر حقها الذي خولها إياه القانون في الفقرة الثانية من المادة 19 سالفة الذكر، فلا تملك فصل الموظف إذ لم تثبت صلاحيته في نهاية مدة الاختبار. ولا اعتداد بقواعد ضم مدد الخدمة السابقة، لأن هذه التسوية تتم وفقاً لأحكام المادتين 23 و24 من قانون نظام موظفي الدولة ولقرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 في المجال الخاص بذلك، كما لا حجة في القول بأن المدعي لا يعتبر موظفاً تحت الاختبار منذ صدور قرار ضم مدة اشتغاله بالمحاماة وإرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى تاريخ يجاوز مدة الاختبار؛ ذلك أن المقصود بفترة الاختبار هو مدة الخدمة الحكومية التي تتلو تعيين الموظف في خدمة الحكومة لأول مرة؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون على غير أساس سليم من القانون واجبة الرفض. وقد استأنف المدعي هذا الحكم أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 1783 لسنة 2 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 30 من مارس سنة 1955 طلب فيها الحكم "بقبول استئناف حكم المحكمة الإدارية لوزارة المالية والاقتصاد رقم 843 لسنة 2 القضائية الصادر بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1954 شكلاً، وفي الموضوع بإلغائه، وإلغاء قرار الديوان رقم 104 سنة 1954 الصادر بحركة الترقيات التي أجراها اعتباراً من 26 من مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي الطالب في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالأقدمية، وذلك في حالة عدم الحكم بإلغاء حكم المحكمة الإدارية سالف الذكر، مع إلزام الديوان بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وردد في صحيفة استئنافه دفاعه السابق إبداؤه أمام المحكمة الإدارية، كما أضاف تعقيباً على حكم هذه الأخيرة أن قصد الشارع في المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة واضح في عدم الاعتداد بالكفاية كعنصر من عناصر الترقية في نسبة الأقدمية، وبالتالي فإن الترقية طبقاً لنص هذه المادة الذي كان سارياً وقت إجراء حركة الترقيات المطعون فيها لا يتضمن معنى الاعتراف بالكفاية. كذلك لم يكن ذهن الشارع عند وضعه للمادة 19 من القانون منصرفاً سوى إلى طائفة الموظفين الذين يعينون لأول مرة في خدمة الحكومة دون أن تكون لهم مدد خدمة سابقة في أعمال حرة تضاف إلى مدة خدمتهم الحكومية. وقد قصد بهذه المادة إعطاء الإدارة سلطة تقديرية لم تكن لها من قبل تستعملها في غير الحالات التأديبية وتخولها حق فصل الموظف في نهاية مدة الاختبار إذا رأت عدم صلاحيته للبقاء في الخدمة لإخفاقه في مدة الاختبار هذه، وليس معنى هذا وجوب بقائه طوال تلك المدة دون ترقية. وقد أصدر مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 قراراً بالقواعد التي تتبع لضم مدد الخدمة السابقة، مفادها أن الموظف إذا عين لأول مرة بخدمة الحكومة في الدرجة السادسة تحت الاختبار ثم ضمت له مدة خمس سنوات عن اشتغاله بأعمال حرة فإنه تفترض له ترقية ويتعين إصدار قرار باعتباره في الدرجة الخامسة من تاريخ صدور القرار الأول بتعيينه في الدرجة السادسة فإن كانت المدة المضمومة إلى أقدميته في الدرجة السادسة تقل عن خمس سنوات فإن حالته تتأثر أيضاً بهذا الضم ولكن بقدر، ولا سيما أن مدة الخدمة في الأعمال الحرة تفترض توافره على خبرة ودراية تشبه الخبرة في الأعمال الحكومية؛ ومن ثم فلا يجوز تخطيه في الترقية وترقية من هو أحدث منه أقدمية، وبخاصة إذا كان قد منح علاوة من تاريخ تعيينه اعترافاً بكفايته. على أنه في حالة القضاء بإلغاء حكم المحكمة الإدارية الخاص بقرار الديوان رقم 172 لسنة 1953 فإن المدعي لا تكون له مصلحة في إلغاء القرار رقم 104 لسنة 1954 ما دامت أقدميته في الدرجة الخامسة التي رقي إليها في 19 من يناير سنة 1955 سترد إلى 30 من سبتمبر سنة 1953. وقد رد ديوان الموظفين على هذا الاستئناف بمذكرة مؤرخة 26 من يونيه سنة 1955 ردد فيها ما سبق أن أبداه من دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ومن دفاع في الموضوع أمام المحكمة الإدارية، وذكر أن المدعي رقي إلى الدرجة الخامسة في يناير سنة 1955 وذلك بعد إتمامه فترة الاختبار على ما يرام وطبقاً للتقريرين المقدمين عنه في عامي 1953 و1954 حسبما تقضي به أحكام المادة 136 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وانتهى من ذلك إلى طلب رفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها. وقد عقب هذا الأخير على الديوان بمذكرة مؤرخة 9 من أغسطس سنة 1955 أحال فيها إلى أسباب حكم المحكمة الإدارية فيها قضت به من رفض الدفع الشكلي بعدم قبول الدعوى، ولم يخرج فيما تناوله من أسانيد دفاعه في الموضوع عن مضمون ما سبق له إيراده أمام المحكمة الإدارية في هذا الخصوص. وصمم على طلباته المبينة بصحيفة استئنافه. وبجلسة 18 من إبريل سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") "برفض الدعوى، وبإلزام المدعي المصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن مفاد المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة هو أنه إذا ما عين الموظف في الوظيفة المقرر لها أدنى الدرجات في الكادرين الفني العالي والإداري فقد لزم بقاؤه في هذه الوظيفة فترة زمنية فعلية حدها الأدنى سنة والأقصى سنتان، ويظل خلال هذه الفترة محل اختبار الإدارة حتى يتكشف مدى صلاحيته للقيام بأعباء الخدمة الحكومية وهي بطبيعتها متميزة عن غيرها من الوظائف الخاصة في الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة التي لا تغني الخدمة فيها مهما استطالت عن هذا التأهيل الخاص، ولا تعدو أن تكون خدمة اعتبارية عند ضمها إلى مدة الخدمة في الحكومة. ولما كان عنصرا الترقية هما الأقدمية والكفاية مع تخطي الضعيف حتى في الجزء المخصص للترقية بالأقدمية، فإنه ما كان يجوز النظر في ترقية المدعي ولم يمضِ على تعيينه شهران، أو خلال العام الأول من تعيينه الذي كان فيه تحت الاختبار، ما دامت درجة كفايته لم تتكشف بعد. أما ضم مدة الخدمة السابقة إعمالاً للقاعدة التنظيمية التي قررها الشارع في المادة 24 من قانون نظام موظفي الدولة فيجرى في مقام التسوية التي تتم بقوة القانون، ولا يتعدى أثره هذا النطاق إلى تغيير الشروط والقواعد المقررة للترقية، كما لا ينهض دليلاً على اكتساب الموظف خبرة ودراية في عمله السابق تشبه الخبرة الحكومية، ولا يغير شيئاً مما فرضه الشارع خاصاً بفترة الاختبار، وهي المقررة بالنسبة للتعيين في الوظائف المشار إليها في المادة 19 من القانون دون غيرها، والتي لا محل لقيامها في غير أدنى درجات الكادر. ومتى تقرر هذا فإن في ترقية الموظف قبل قضائه فترة الاختبار المذكورة كاملة على ما يرام ما يقطع على جهة الإدارة سبيل فصله بعد ذلك، ويهدر الحق المقرر لها في هذا الشأن؛ ومن ثم فإن حكم المحكمة الإدارية المستأنف يكون قد أصاب الحق في قضائه برفض الدعوى تأسيساً على عدم جواز ترقية المدعي وهو لا يزال في فترة الاختبار. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 13 من يونيه سنة 1957 طلب فيها فيما يتعلق بالموضوع "القضاء... ثانياً: بإلغاء القرار رقم 104 الصادر من ديوان الموظفين اعتباراً من 26 من مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة، وإلزام الحكومة المصروفات الخاصة به". واستند في ذلك إلى أن المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة تضيف شرطاً للتعيين المبتدأ في الوظيفة هو شرط عملي، وهو قضاء الموظف فترة أقلها سنة وأقصاها سنتان تحت الاختبار للتأكد من صلاحيته العملية بعد استيفائه الصلاحية النظرية، وهذا يعني أن تعيينه لا يكون نهائياً إلا بعد انقضاء هذه الفترة بنجاح، أي أنه يكون في مجال تنظيمات التعيين التي لم تكتمل لها بعد نهائيتها، ولا يبلغ مقومات التعيين الذي يصبح في مجال الترقية. والقول بجواز حصول الترقية - والموظف لم يستكمل بعد شرائط التعيين النهائي - ينطوي على تعارض بين طبيعة الوضع المؤقت الذي يكون فيه الموظف تحت الاختبار والعلاقة الدائمة التي تؤدي الترقية إليها حتماً؛ إذ يخرج الموظف من أدنى الدرجات ويفلت من نطاق حكم المادة 19 المتقدم ذكرها، وهي التي تربط بين هذا الوضع المؤقت وبين التعيين في الدرجات الدنيا، حتى ولو كان هذا التعيين على وظيفة دائمة، ما دام غير نهائي؛ وعلى مقتضى هذا فإن الموظف المعين تحت الاختبار لا يكون في هذه الفترة من طائفة الموظفين محل الترقيات، فلا يمكن النظر في ترقيته إلا بعد أن يستقر وضعه بصفة نهائية في وظيفته باجتيازه فترة الاختبار بنجاح، بيد أن الأمر في شأن المدعي هو أنه ضمت إلى أقدميته في الدرجة السادسة التي عين فيها تحت الاختبار نصف مدة اشتغاله في المحاماة، وبذلك أصبحت أقدميته في الدرجة المذكورة في الكادر الإداري راجعة إلى أول إبريل سنة 1951، بينما صدرت حركة الترقيات إلى الدرجة الخامسة المطعون فيها في 26 من مايو سنة 1954، وقد رتب المشرع في المادة 24 من قانون نظام موظفي الدولة وفي قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 أثراً قانونياً على ضم مدد الخدمة السابقة في تقدير الدرجة التي يوضع عليها الموظف عند التعيين، بخلاف ما نصت عليه المادة 19 من القانون المشار إليه من أن يكون هذا التعيين في أدنى الدرجات، والنتيجة اللازمة لهذا هي اعتباره قد خرج من نطاق الاختبار؛ لأنه قد افترضت له أقدمية تزيد على السنتين، فأصبح وضعه بالتالي مستقراً، شأنه في ذلك شأن من تساوى معهم في ترتيب الأقدمية. وحكمة ذلك أن هذا الموظف يكون قد اكتسب خبرة ومراناً في عمل اعتبر متفقاً مع عمله الحكومي في طبيعته، وقد منح المدعي فضلاً عن ذلك علاوة لا تمنح في الحالة العادية إلا لمن يقوم بعمله بكفاية بناءً على رأي لجنة شئون الموظفين المختصة على أساس من التقارير السنوية. وعلى ذلك يكون المذكور قد اجتاز فترة الاختبار، وأصبح فرضاً وبحكم القانون معيناً بصفة نهائية، وإذ تخطاه القرار الصادر في 26 من مايو سنة 1954 في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة، فإنه يكون في هذه الجزئية قد خالف القانون، ويتعين القضاء بإلغائه فيما تضمنه من تخط؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد عقب المدعي على هذا الطعن بمذكرة انضم فيها إلى الأسانيد التي بني عليها وأضاف أن هذه الأسانيد عينها تنسحب أيضاً إلى القرار الأول المطعون فيه رقم 172 لسنة 1953 الصادر من ديوان الموظفين في 3 من نوفمبر سنة 1953، وقال إنه رقي إلى الدرجة الخامسة في 19 من يناير سنة 1955 بقرار الديوان رقم 12 لسنة 1955؛ ومن ثم فإن الأمر سيقتصر على إرجاع أقدميته في هذه الدرجة إلى تاريخ القرار الذي سيقضى بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار؛ ولذا فإنه يطلب "أولاً - القضاء بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري رقم 1783 لسنة 2 قضائية الصادر بجلسة 18 من إبريل سنة 1957 فيما قضى به من قبول الدعوى الاستئنافية شكلاً وإلغائه فيما قضى به عدا ذلك. ثانياً - أن تقضي المحكمة: (أصلياً) إلغاء القرار رقم 172 لسنة 1953 الصادر من ديوان الموظفين في 3 من نوفمبر سنة 1953، وذلك فيما تضمنه من تخطي للطالب في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 30 من سبتمبر سنة 1953، وبالتالي رد أقدميته في الدرجة الخامسة الإدارية التي رقي إليها في 19 من يناير سنة 1955 إلى 30 من سبتمبر سنة 1953، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. و(احتياطياً) في حالة عدم القضاء بذلك إلغاء القرار رقم 104 لسنة 1954 الصادر من ديوان الموظفين بحركة الترقيات النافذة اعتباراً من 26 من مايو سنة 1954، وذلك فيما تضمنه من تخطي الطالب في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة، وبالتالي برد أقدميته في هذه الدرجة إلى 26 من مايو سنة 1954، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. ثالثاً: إلزام ديوان الموظفين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن الدفع بعدم قبول الدعوى مردود بما أوردته المحكمة الإدارية في حكمها من أسباب تقرها هذه المحكمة.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر فيما إذا كان يجوز ترقية الموظف المعين لأول مرة تحت الاختبار في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية خلال مدة الاختبار أم لا، وما إذا كان يترتب على ضم مدة خدمة سابقة له في الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة وعلى تعديل أقدميته بناءً على ذلك في الدرجة المعين فيها تحت الاختبار بإرجاعها إلى تاريخ سابق فرضي يجاوز الحد الأقصى للمدة المقررة للاختبار، استمرار بقائه تحت الاختبار أم اعتباره خارجاً عن نطاقه.
ومن حيث إن المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة نصت على أن "يكون التعيين لأول مرة في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري، ويكون التعيين في وظائف الكادر الفني المتوسط في الدرجتين السابعة أو الثامنة حسب الوظيفة المطلوب التعيين فيها، ويكون التعيين في وظائف الكادر الكتابي في وظائف الدرجتين الثامنة والتاسعة، وذلك مع عدم الإخلال بما جاء بالفقرة الأخيرة من المادة 40، ويكون التعيين في الوظائف المشار إليها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر. فإن لم يتم الموظف مدة الاختبار على ما يرام فصل من وظيفته"، كما نصت المادة 24 من القانون المشار إليه على أنه "إذا كان للمعينين في الخدمة مدد عمل في الهيئات أو المؤسسات المشار إليها في المادة السابقة حسبت لهم هذه المدد كلها أو بعضها في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة وفقاً للشروط والأوضاع التي يعينها مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين، وذلك بمراعاة حكم الفقرة الأخيرة من المادة السابقة"، وذلك قبل تعديلها بالقرار بقانون رقم 383 لسنة 1956. وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 17 من ديسمبر سنة 1952 على الأحكام التي اقترحها ديوان الموظفين لحساب مدد الخدمة السابقة.
ومن حيث إن مفاد هذه النصوص أن تعيين الموظف لأول مرة في خدمة الحكومة يكون في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري. وأن تعيينه في هذه الوظائف يكون تحت الاختبار لمدة حدها الأدنى سنة وحدها الأقصى سنتان، وهي فترة زمنية فعلية أراد الشارع أن يظل الموظف خلالها تحت رقابة الحكومة وإشرافها المباشر لإمكان الحكم على مدى صلاحيته للقيام بالعمل الحكومي المسند إليه بما يستتبعه من مسئوليات وما يتطلبه من استعداد وتأهيل خاصين لاتصاله بالمرافق العامة ومغايرته - من هذه الوجهة - للعمل في الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة وإن اتفق معه في طبيعته. ومن ثم فلا تغني عن قضاء فترة الاختبار هذه في تقدير الصلاحية العملية للموظف المعين ابتداءً في هذا الوضع أية مدة خدمة في تلك الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة مهما استطالت. ويؤكد ضرورة قضاء هذه المدة بصفة فعلية تحت رقابة الحكومة ما نصت عليه المادة 11 من المرسوم الصادر في 12 من يناير سنة 1953 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من أن "يدون الرئيس المباشر ملاحظاته شهرياً على عمل الموظف المعين تحت الاختبار وذلك على النموذج الذي يعده ديوان الموظفين. وتعرض هذه الملاحظات على الرئيس الأعلى للرئيس المباشر في نهاية مدة الاختبار ليضع تقريراً على النموذج سالف الذكر موضحاً به رأيه وأسانيده". ومقتضى هذا أن تعيين الموظف في هذه الحالة لا يكون نهائياً باتاً، بل إن بقاءه في الوظيفة بعد تعيينه فيها يكون منوطاً بقضائه فترة الاختبار على ما يرام، وتقدير ذلك من الملاءمات المتروكة للإدارة حسبما تقدره من عمله خلال تلك الفترة في الخدمة الفعلية منذ تعيينه، وجزاؤه فصل الموظف من وظيفته إن تبين لها عدم صلاحيته بحسب ما تراه. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت(1) بأن اللياقة للنهوض بأعباء الوظيفة العامة هي شرط الصلاحية للبقاء فيها، وهو شرط مقرر للمصلحة العامة يجرى إعماله طوال فترة الاختبار، وأن مصير الموظف يكون رهيناً بتحقق هذا الشرط، فإذا اتضح عدم لياقته قبل انقضاء هذه الفترة ساغ فصله، ويقع الفصل في هذه الحالة نتيجة لتخلف شرط من الشروط المعلق عليها مصير التعيين. ولما كانت صلاحية الموظف تتخصص بالزمان وبنوع العمل المسند إليه، فإن المرجع في تقدير هذه الصلاحية هو إلى الوقت الذي يتم فيه وزنها والحكم عليها، دون اعتداد بما قد يكون من أمرها في الماضي؛ لأن الصلاحية ليست صفة لازمة بل قد تزايل صاحبها، وقد تختلف باختلاف نوع العمل المنظور إلى الصلاحية فيه. وواضح مما تقدم أن موقف الموظف المعين تحت الاختبار هو موقف وظيفي معلق أثناء تلك الفترة؛ إذ لا يستقر وضعه القانوني في الوظيفة إلا بعد قضاء فترة التعليق وانحسام الموظف بقرار من الجهة الإدارية من حيث الصلاحية للبقاء فيها أو عدمها. ومتى كان الأمر معلقاً على هذا النحو، وكان قضاء فترة الاختبار على ما يرام شرطاً لازماً للبقاء في الوظيفة، فإن الترقية إلى الدرجة التالية قبل قضاء هذه الفترة واستقرار وضع الموظف بصفة نهائية باجتيازه إياها بنجاح تكون ممتنعة؛ إذ يترتب عليها إخراج الموظف من أدنى الدرجات وإعفاؤه من فترة الاختبار التي لا تكون إلا في هذه الدرجة الدنيا والإقرار له بالكفاية وبصلاحية قبل الأوان لم تكتمل له أسبابها وأخصها عنصر الخدمة الفعلية وعامل الزمن، وغل يد الإدارة عن ممارسة حقها المقرر لها بمقتضى المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة في فصله من وظيفته لعدم الصلاحية إذا ما ثبت لها أنه لم يمضِ فترة الاختبار على وجه مرض يسمح باستمراره في الخدمة. ولا يغير من هذا النظر ما نصت عليه المادة 24 من القانون المذكور من حساب مدد العمل السابق في الهيئات أو المؤسسات للموظف كلها أو بعضها في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة؛ ذلك أن إعمال أثر هذا الضم في الترقية إلى الدرجة التالية بالنسبة إلى الموظف المعين تحت الاختبار لا يكون إلا بعد ثبوت صلاحيته أولاً للبقاء في الوظيفة بعد قضائه فترة الاختبار على ما يرام، وليس من شأن التسوية التي تتم في هذه الحالة أن يتعدى أثرها هذا النطاق إلى تعطيل الحكمة التي قامت عليها المادة 19 من القانون، أو تغيير الشروط أو القواعد المقررة للترقية أو إنشاء قرينة قاطعة في صالح الموظف على اكتسابه في العمل السابق غير الحكومي خبرة ومراناً في عمله الجديد الحكومي ولو على خلاف الواقع. وجملة القول إن نظام الاختبار له مجاله الواجب إعماله فيه، ولضم مدد الخدمة السابقة مجاله الواجب إعماله فيه كذلك، كما أن التسويات التي تتم بناءً على هذا الضم دون نظر إلى التقارير السنوية إن هي إلا تسويات فرضية، ولا تعارض بين المجالين. وغاية الأمر أن إعمال المجال الثاني بالنسبة إلى الموظف المعين تحت الاختبار فيما يتعلق بالترقية إلى الدرجة التالية لا ينتج أثره إلا بعد انحسام الوضع في المجال الأول وثبوت صلاحيته للبقاء في الوظيفة. وعلى مقتضى ما تقدم فليس للموظف الذي ما زال في فترة الاختبار أن يتحدى بأقدميته في الدرجة بضم مدة خدمة سابقة له ليتوصل بذلك إلى وجوب ترقيته على أساس أقدميته بعد هذا الضم؛ ذلك أنه خلال الفترة المذكورة لا يعتبر صالحاً للترشيح للترقية سواء بالأقدمية أو بالاختيار قبل قضائه تلك الفترة على ما يرام وثبوت صلاحيته فيها؛ إذ أن بقاءه في الوظيفة موقوف على ثبوت هذه الصلاحية كما سلف القول، كما أن المفروض في المرشحين للترقية من الدرجة السادسة في الكادرين الفني العالي والإداري وهي التي تخضع ابتداءً لنظام الاختبار إلى الدرجة التالية أن يكونوا جميعاً في مركز متساو من ناحية استقرار بقائهم فيها، وهذا لا يتأتى إلا بعد انحسام الموقف المعلق وثبوت صلاحيتهم جميعاً بعد قضاء فترة الاختبار حسبما تقدم.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أنه صدر قرار رقم 113 بتعيين المدعي بديوان الموظفين في 30 من يوليه سنة 1953 في وظيفة من الدرجة السادسة الإدارية تحت الاختبار. وأنه تسلم عمله بالديوان في 8 من أغسطس سنة 1953، وأنه صدر قرار الديوان رقم 187 في 30 من نوفمبر سنة 1953 بضم نصف مدة اشتغاله بالمحاماة التي بلغت 7 يوم و4 شهر و2 سنة إلى مدة خدمته بالديوان، واعتبار تاريخ تعيينه الفرضي في خدمة الحكومة راجعاً إلى أول إبريل سنة 1951، وأن قراري الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة المطعون فيهما رقمي 172 لسنة 1953 و104 لسنة 1954 قد صدرا من الديوان في 3 من نوفمبر سنة 1953 و30 من مايو سنة 1954 اعتباراً من 3 من سبتمبر سنة 1953 و26 من مايو سنة 1954، أي قبل انقضاء السنة الأولى من فترة الاختبار، وهي الحد الأدنى، وأنه رقي بعد تمام الفترة المذكورة إلى الدرجة الخامسة بقرار الديوان رقم 12 لسنة 1955 الصادر في 26 من يناير سنة 1955، وذلك اعتباراً من 19 من يناير سنة 1955 على أساس التقريرين المقدمين عنه عن عامي 1953 و1954؛ ومن ثم فإن دعواه بطلب إلغاء القرارين آنفي الذكر أصلياً واحتياطياً تكون على غير أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض، كما قضى بذلك بحق كل من حكم المحكمة الإدارية وحكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه. ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الشق منه أيضاً في غير محله متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً. وبرفضه موضوعاً.


(1) المحكمة الإدارية العليا، السنة الثانية س 924، بند 96.