مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1508

(159)
جلسة 21 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 732 لسنة 3 القضائية

( أ ) معاشات - القانون رقم 29 لسنة 1957 - شروط حساب مدد الخدمة التي قضيت على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات دائمة أو شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش بالتطبيق لأحكامه.
(ب) معاشات - القانون رقم 29 لسنة 1957 - مدة الخدمة السابقة بديوان الأوقاف الخصوصية - عدم جواز حسابها في المعاش بالتطبيق لأحكامه - لا محل للقياس في هذا الخصوص على الأحكام الواردة في القانون رقم 394 لسنة 1956 - حساب مدة الخدمة في ديوان الأوقاف الخصوصية طبقاً لأحكام القانون الأخير مستحدث بالتعديل الذي أدخل عليه بالقرار بقانون رقم 160 لسنة 1957 والقانون رقم 8 لسنة 1958.
1 - إن القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 في شأن حساب مدد الخدمة التي قضيت على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش قد نص في المادة الأولى منه على أنه "يجوز للموظفين الموجودين في خدمة الحكومة وقت العمل بهذا القانون والمثبتين طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 المشار إليه حساب مدد الخدمة التي قضيت على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش إذا قدموا طلباً بذلك كتابة إلى الجهة التابع لها الموظف خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون وقاموا بأداء احتياطي المعاش دفعة واحدة أو على أقساط شهرية بالكيفية المنصوص عليها في المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 86 لسنة 1951....". ومفاد هذا النص أنه يتعين للإفادة من حكمه توافر شروط عدة هي أن تكون المدد التي يجوز حسابها في المعاش قد قضيت في خدمة الحكومة على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات، مما لا وجود له إلا في الميزانية العامة للدولة أو في الميزانيات الملحقة بها أو في الميزانيات المستقلة كميزانية الجامعات، وأن يكون الموظف موجوداً في خدمة الحكومة وقت العمل بهذا القانون، وأن يكون مثبتاً طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية، وأن يقدم طلباً بذلك كتابة إلى الجهة التابع لها، وأن يتم تقديم هذا الطلب خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 29 لسنة 1957، وأن يقوم بأداء احتياطي المعاش بالكيفية التي نص عليها هذا القانون.
2 - إن ديوان الأوقاف الخصوصية كان يتمتع بذاتية مستقلة، وينحصر نشاطه في تولي إدارة الأوقاف الخيرية المختلفة المصادر الواقعة تحت نظارة الخديوي ومن خلفوه من بعده، وكان ينفرد بميزانية خاصة مستقلة لا صلة لها بميزانية الدولة العامة؛ وبهذه المثابة كان يرعى مصالح خاصة معينة، ولم يتوافر له من المقومات والخصائص ما يجعله فرعاً من الحكومة أو مصلحة تابعة لها أو مؤسسة من المؤسسات العامة. ولا يغير من طبيعته القانونية هذه صدور أوامر أو لوائح تقضي بأن تطبق على موظفيه ومستخدميه النظم والقواعد المتبعة في بعض مصالح الحكومة في شأن موظفي الدولة ومستخدميها، ولا يجوز مجاوزة القصد منها بالخروج من مجالها المحدد نطاقه إلى اعتبار الديوان هيئة حكومية؛ ومن ثم فإن الشرط الأول لجواز الإفادة من أحكام القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 - وهو أن تكون المدد الجائز ضمها في حساب المعاش قد قضيت في خدمة الحكومة - يكون غير متحقق في حالة المدعي بالنسبة إلى مدة خدمته التي قضاها بالديوان المذكور، وإذا كان القرار بقانون المشار إليه قد نوه في مذكرته الإيضاحية بأن القانون رقم 394 لسنة 1956 بإنشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفي الدولة المدنيين وآخر لموظفي الهيئات ذات الميزانيات المستقلة قد أجاز للموظف حساب مدد الخدمة التي قضيت على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش، وأنه رؤي "تحقيقاً لما تستهدفه الحكومة من إصلاح شئون الموظفين وتعميماً لمبدأ المساواة إصدار القرار بقانون الجديد لفئة الموظفين المثبتين طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929"، فإن هذا لا يبرر إعمال القياس بين القانونين؛ لعدم اتحاد وجه هذا القياس؛ ولاختلاف الوضع والأعباء والمزايا والموازنات المالية في كل منهما. على أن القرار بقانون رقم 394 لسنة 1956 لم يكن يتضمن وقتذاك نصاً على ضم مدد الخدمة السابقة التي قضيت في الأوقاف الخصوصية الملكية السابقة، وإنما استحدث هذا النص في التعديل اللاحق الذي أدخل على هذا القانون بكل من القرار بقانون رقم 160 1957 والقانون رقم 8 لسنة 1958 اللذين أنشآ للمعاملين بأحكامهما حقاً في حساب المدد المذكورة في المعاش لم يكن قائماً ولا مقرراً لهم من قبل والمدعي ليس منهم؛ وآية ذلك أن الأمر اقتضى إصدار تشريع لإمكان حساب هذه المدد، ومعنى هذا التشريع أنها لم تكن لتحسب لولا صدوره، وأن الحق المستحدث في حسابها إنما هو مستمد منه، ولم يورد المشرع مثل هذا النص في القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 أو يدخله عليه.


إجراءات الطعن

في 9 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 732 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") بجلسة 11 من مارس سنة 1957 في الدعوى رقم 3081 لسنة 9 القضائية المقامة من أحمد سعيد ثابت ضد وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة ووزارة المالية (إدارة المعاشات) ووزارة الأوقاف، القاضي "باستحقاق المدعي لضم مدة خدمته المؤقتة من 16 من نوفمبر سنة 1929 إلى 5 من يناير سنة 1936 في حساب المعاش بالتطبيق لأحكام القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957، وإلزام المدعي بالمصروفات"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم فيما قضى به من ضم مدة خدمة المدعي بالأوقاف الخصوصية الملكية في حساب المعاش، والقضاء برفض هذا الطلب، مع إلزام المطعون ضده المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من وزارتي العدل والمالية في 28 من مايو سنة 1957، وإلى إدارة قضايا الحكومة في 3 من يونيه سنة 1957، وإلى وزارة الأوقاف في 5 منه، وإلى المطعون عليه في 10 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 3 من مايو سنة 1958، وفي 17 من مارس سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال عشرة أيام. وقد أودعت وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة بعد حجز الطعن للحكم مذكرة بملاحظاتهما انتهيتا فيها إلى طلب "إلغاء الحكم المطعون فيما قضى به من ضم مدة خدمة المدعي بالأوقاف الخصوصية الملكية والمحصورة بين 11 من نوفمبر سنة 1930 و30 من سبتمبر سنة 1931 إلى مدة الخدمة التي يجوز حسابها في المعاش، مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، كما أودع المطعون عليه مذكرة بملاحظاته طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المطعون فيه".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي قدم إلى اللجنة القضائية لرياسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة ووزارات الداخلية والخارجية والعدل التظلم رقم 1752 لسنة 2 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 24 من فبراير سنة 1954 ذكر فيها أنه التحق بخدمة الدولة في 16 من نوفمبر سنة 1929 وتقلب في عدة وظائف حتى حصل على شهادة الليسانس في الحقوق عام 1942، ثم عين محامياً بإدارة قضايا الحكومة في 12 من مارس سنة 1946، وثبت في وظيفته بصفة نهائية في سبتمبر سنة 1947، وفي 22 من أكتوبر سنة 1947، أي خلال الميعاد القانوني، قدم طلباً إلى إدارة القضايا لحساب مدد خدمته السابقة في المعاش، إلا أن الإدارة جزأت هذه المدد إلى قسمين: (الأول) المدة من 16 من نوفمبر سنة 1929 إلى 5 من يناير سنة 1936، وهذه لم تحسبها في المعاش. و(الثاني) المدة من 6 من يناير سنة 1936 إلى 12 من مارس سنة 1946 وهذه ضمتها إلى معاشه، ولما كانت الإدارة لم تخطره بالأسباب التي دعتها إلى عدم حساب المدة الأولى في معاشه، مع أن نصوص قانون المعاشات الملكية الصادر في سنة 1929 تمنحه الحق في حسابها، فإنه يلتمس "الحكم بأحقيته في احتساب المدة من 16 من نوفمبر سنة 1929 إلى 5 من يناير سنة 1936 في المعاش". وقد ردت إدارة قضايا الحكومة على هذا التظلم بمذكرتها المؤرخة 14 من مارس سنة 1954 بأن المتظلم حصل على شهادة كفاءة التعليم الأولي في سنة 1928، وعلى شهادة الدراسة الثانوية قسم (ثانِ) في سنة 1933، وعلى ليسانس الحقوق في سنة 1942، وأنه عين لأول مرة في وظيفة معلم إلزامي خارج الهيئة في الدرجة (4 - 5 ج) بلجنة التعليم الإلزامي بالشرقية اعتباراً من 16 من نوفمبر سنة 1929، وظل يتنقل في مثل وظيفته إلى ديوان الأوقاف الخصوصية معلماً بمدرسة نذير أغا الأولية بعقد، ثم إلى التعليم الإلزامي ثانية خارج الهيئة، وكان يتقاضى ماهية قدرها 4 جنيهات شهرياً أثناء قيامه بعمله هذا إلى أن عين كاتباً بعقد بمدرسة أسيوط الصناعية اعتباراً من 6 من يناير سنة 1936، وظل يعمل بالوظيفة الكتابية إلى أن حصل على ليسانس الحقوق في سنة 1942، فعين بأقسام قضايا الحكومة في 12 من مارس سنة 1946 مندوباً فمحامياً من الدرجة الثالثة على سبيل الاختبار، وتدرج في الوظائف الفنية إلى أن عين محامياً من الدرجة الأولى بإدارة القضايا اعتباراً من 12 من يناير سنة 1953، وبلغ مرتبه 500 م و48 ج من 2 من أكتوبر سنة 1953 بعلاوة دورية، وهو معامل بقانون معاشات سنة 1929، وحساب مدد خدمته المؤقتة في المعاش ينطوي تحت أحكام المادة الثانية من القانون رقم 37 لسنة 1929، التي تنص على أنه يجوز أن تدخل في حساب المعاش المدد التي كانت في أثنائها ماهية الموظف أو المستخدم محسوبة على وظيفة دائمة. ولا جدال في أن المدد التي يطلب حسابها في تظلمه قضيت على وظيفة خارج الهيئة بالتعليم الإلزامي والأولي، فهي لم تكن على وظيفة دائمة؛ ولذلك فإنه لا يجوز حسابها ضمن المدد المحسوبة في المعاش. وقد سبق أن تقدم للإدارة في سنة 1948 بطلب حساب هذه المدة، ولما كانت إدارة المعاشات بوزارة المالية هي الجهة المختصة بنظر مثل هذا الطلب فقد أبلغ إليها وجاء ردها بكتابها المؤرخ أول مايو سنة 1949 باستبعاد المدة التي لم تقض على ربط وظيفة دائمة، وبذا حسب له باقي المدة التي قضيت على ربط وظيفة دائمة فقط، وأخطر بذلك فسدد قسط متأخر الاحتياطي عن المدة المحسوبة؛ ومن ثم فإن تظلمه يكون في غير محله. وقد حلت المحكمة الإدارية لرياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بعد ذلك محل اللجنة القضائية، وتبادل الطرفان مذكرات، فدفعت الحكومة: أصلياً - بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى، واحتياطياً - بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد. وطلبت في الموضوع الحكم برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأقامت دفعها بعدم الاختصاص على أن طلبات المدعي مؤسسة على خطأ قرار وزير المعارف العمومية الصادر في سنة 1931 والقاضي بتعيينه بالوزارة على درجة خارج الهيئة نقلاً من ديوان الأوقاف الخصوصية، وهي درجة تغاير تلك التي كان عليها بالديوان المذكور، في حين أن القرار المشار إليه قد صدر قبل العمل بقانون مجلس الدولة واكتسب حصانة تعصمه من الإلغاء. كما أسست دفعها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد على أن المدعي علم منذ سنة 1950 بقرار الضم الجزئي لمدة خدمته السابقة التي قضيت على درجة دائمة، وقبل هذا القرار بطلبه تقسيط متأخر احتياطي المعاش على أقساط شهرية، ولم يتظلم منه أو يطعن عليه بالإلغاء في حينه؛ ومن ثم فإنه يكون قد أصبح نهائياً في حقه، ولا يقبل منه الطعن فيه بالإلغاء لفوات الميعاد القانوني. وقالت عن الموضوع إنه يبين من مطالعة نص المادتين الأولى والثانية من المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 الخاص بوضع قواعد لدفع احتياطي المتأخر على الموظفين الذين رخص لهم بحساب مدة خدمتهم في المعاش، وهو الواجب التطبيق على حالة المدعي، أنه يشترط لحساب مدة الخدمة في المعاش أن يكون الموظف شاغلاً وظيفة دائمة مدرجة بهذه الصفة في الميزانية، والحال أن المدعي كان معيناً في الفترة من 16 من نوفمبر سنة 1929 إلى 10 من نوفمبر سنة 1930 على وظيفة خارج الهيئة، وفي الفترة من 11 من نوفمبر سنة 1930 إلى 31 من أغسطس سنة 1931 على وظيفة بالخاصة الملكية درجتها ثامنة مخفضة، والثابت أن ديوان الخاصة الملكية في ذلك الوقت ما كان يعرف نظام الدرجات الحكومية ووظائفها، وإنما كان العمل به يجرى بدون ضابط بدليل عدم وجود درجة ثامنة مخفضة في كادر الحكومة العام، وأخيراً كان المذكور في الفترة من أول سبتمبر سنة 1931 حتى 4 من يناير سنة 1936 معيناً في وظيفة مدرس على درجة خارج الهيئة، ولا اعتداد بقوله إنه كان يصرف مرتبه على اعتماد التعليم الإلزامي والأولي، كما لا حجة في دعواه أنه كان بديوان الأوقاف الخصوصية يشغل درجة ثامنة عادية بمرتب مخفض؛ إذ الواقع أنه كان بالديوان المذكور في الدرجة الثامنة المخفضة التي تختلف كلية عن الدرجة الثامنة العادية. ولما كان الآن خاضعاً لأحكام كادر رجال القضاء، فلا وجه لاستناده إلى قواعد الإنصاف أو إلى قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 لاعتباره في الدرجة الثامنة منذ 16 من نوفمبر سنة 1929؛ إذ أن هذا القانون لا ينطبق على حالته، وعلى فرض انطباقه فإنه يعطيه الحق فقط في الدرجة السادسة من تاريخ حصوله على ليسانس الحقوق في سنة 1942، ولا يجوز بأية حال تسوية حالته بتدريجه وفقاً للشهادات الحاصل عليها؛ لأن القانون المذكور لم ينص فيه على هذا التدرج. أما استناده إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 والخاص بقواعد نقل موظفي ديوان الأوقاف الخصوصية الملكية إلى وزارات الحكومة ومصالحها، فمردود بأن هذا القرار لم ينظم قواعد حساب مدد الخدمة في المعاش، وإنما اقتصر على تنظيم نقل هؤلاء الموظفين في خصوص حساب مدد الخدمة السابقة في الأقدمية وتحديد الماهية. هذا إلى أن المدعي لم ينقل من ديوان الأوقاف الخصوصية وإنما عين تعييناً جديداً بوزارة المعارف العمومية في سنة 1931، بعد أن تقرر فصله من الديوان المذكور بمناسبة إلغاء مدرسة نذير أغا الأولية التي كان يعمل بها؛ ومن ثم فإن دعواه تكون على غير أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض. وقد رد المدعي في مذكراته على الدفع بعدم الاختصاص بأن هذا الدفع في غير محله؛ إذ أنه لا يهدف بدعواه إلى طلب إلغاء قرار صدر من وزير المعارف العمومية بتعيينه في وظيفة مؤقتة ابتداءً من أول سبتمبر سنة 1931، مخالفاً بذلك نص التعاقد الذي كان بينه وبين ديوان الأوقاف الخصوصية حيث كان معيناً على وظيفة دائمة في الدرجة الثامنة؛ لأن مثل هذا القرار لم يصدر ولا وجود له بملف خدمته، وإنما هو يطالب بأحقيته في حساب مدة خدمته في المعاش بدعوى تسوية لا تخضع للمواعيد، فضلاً عن أن حقه في حساب هذه المدة لا يبدأ إلا من تاريخ تثبيته في وظيفته نهائياً في أول سبتمبر سنة 1947، أي في ظل قانون مجلس الدولة. هذا إلى أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 قد وضع قاعدة عامة لتسوية حالة الموظفين المنقولين من ديوان الأوقاف الخصوصية إلى وزارات الحكومة ومصالحها؛ ولا شك أنه قد اكتسب حقاً في تسوية حالته على أساس ما جاء بهذا القرار الذي صدر في ظل قانون مجلس الدولة؛ ومن ثم فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون جديراً بالرفض. كما رد على الدفع بعدم قبول الدعوى بأن هذا الدفع على غير أساس؛ لأن دعواه ليست دعوى إلغاء حتى تخضع لميعاد الستين يوماً، وإنما هي دعوى تسوية يستمد الحق فيها من القوانين واللوائح، ولا أهمية لأي قرار يصدر مخالفاً لهذه القوانين واللوائح؛ لأن حساب مدة الخدمة السابقة في المعاش أو عدم حسابها ليس من إطلاقات الإدارة التي تترخص في منحها أو منعها بمحض تقديرها حتى تكون للقرار الإداري الصادر في ذلك أية حجية، هذا فضلاً على أنه احتفظ بحقه في ضم مدة خدمته السابقة جميعها في معاشه، وأن طلبه هذا لم يبت فيه بصفة نهائية بقرار ما؛ ومن ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى بحجة رفعها بعد الميعاد القانوني يكون هو أيضاً واجب الرفض. وقال عن الموضوع إنه حصل على شهادة الكفاءة للتعليم الأولي للمعلمين في سنة 1928، والتحق بوظيفة مدرس بمدارس وزارة المعارف الإلزامية التي كان يشرف عليها مجلس مديرية الشرقية في 16 من نوفمبر سنة 1929 على اعتماد التعليم الإلزامي بمرتب شهري قدره أربعة جنيهات على وظيفة خارج الهيئة، وظل يشغل هذه الوظيفة حتى يوم 10 من نوفمبر سنة 1930، وابتداءً من 11 من نوفمبر سنة 1930 عين مدرساً بمدارس الأوقاف الخصوصية الملكية في الدرجة الثامنة المخفضة بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً، بعقد تنتهي مدته في 31 من أغسطس سنة 1931، تجدد لمدة سنة أخرى تنتهي في 31 من أغسطس سنة 1932، وفي أول سبتمبر سنة 1931، أي خلال سريان مدة العقد المجدد، ضمت مدارس الأوقاف الخصوصية الملكية إلى وزارة المعارف العمومية، وترتب على ذلك أن نقل ثانية إلى وزارة المعارف مدرساً بها، وقبلته الوزارة بنفس وضعه القائم حينذاك ونفس مرتبه على وظيفة خارج الهيئة ظل يشغلها حتى 5 من يناير سنة 1936، وابتداءً من 6 من يناير سنة 1936 عين كاتباً بوزارة المعارف في الدرجة الثامنة بمرتب قدره ستة جنيهات شهرياً، حيث كان قد حصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في سنة 1929، وعلى شهادة الدراسة الثانوية قسم أول (الكفاءة) في سنة 1931، وعلى شهادة الدراسة الثانوية قسم ثانِ (البكالوريا) في سنة 1933، وظل يشغل وظيفته الكتابية في الدرجة الثامنة حتى حصل على ليسانس الحقوق في سنة 1942. ولما صدرت قواعد الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 منح الدرجة السادسة بأثر رجعي منذ حصوله على الليسانس. وفي 12 من مارس سنة 1946 عين محامياً بإدارة قضايا الحكومة، وفي أول سبتمبر سنة 1947، صدر قرار وزير العدل بتثبيته في وظيفته بصفة نهائية، وعلى إثر ذلك بادر في 22 من أكتوبر سنة 1947 بتقديم طلب في الميعاد القانوني لحساب مدة خدمته السابقة جميعها في المعاش، حيث إنها مدة متصلة لم يتخللها أي انقطاع، وذلك طبقاً لأحكام القانونين رقمي 37 و39 لسنة 1929 والقانون رقم 18 لسنة 1932، وقد انتهت إدارة المعاشات إلى استبعاد المدة التي لم تقض على ربط وظيفة دائمة وحساب باقي المدة في المعاش. وبناءً على ذلك قامت إدارة القضايا بحساب المدة من 6 من يناير سنة 1936 حتى 11 من مارس سنة 1946 في المعاش، وهي التي كان المدعي يشغل فيها وظيفة كتابية في الدرجة الثامنة، ولم تحسب المدة من 16 من نوفمبر سنة 1929 حتى 5 من يناير سنة 1936 بحجة أنها لم تقض على وظيفة دائمة. وبمراجعة نصوص قوانين المعاشات يبين من استقرائها أن المدد التي تدخل في حساب المعاش يشترط فيها أن تكون قضيت في وظيفة دائمة، وألا يكون الموظف أو المستخدم من العمال المعينين في الجدول حرف ( أ ) المرفق بالقانون رقم 37 لسنة 1929، وألا تكون هذه المدد قد قضيت بصفة خدمة خارجين عن هيئة العمال، وأن تكون قد قضيت بعد سن الثامنة عشرة، وأن يتعهد الموظف بتسديد متأخر الاحتياطي عن الماهيات الفعلية التي استولى عليها. وهذه الشروط متحققة جميعها في حق المدعي، ومنها شرط قضاء المدة في وظيفة دائمة. والوظيفة الدائمة، طبقاً لما استقر عليه الرأي، هي التي لها صفة الدوام والاستقرار، أي التي تربط الموظف بالدولة فيها علاقة دائمة أو قصد منها أن تكون كذلك، بغض النظر عن الصفة التي تلحقها الإدارة بها أو التفسير الذي تطلقه عليها، أما الوظيفة المؤقتة فهي الوظيفة الموسمية التي يعين الموظف فيها لفترة وجيزة. وتنقسم مدد الخدمة التي يطلب المدعي حسابها في معاشه إلى ثلاث فترات: (الأولى) من 16 من نوفمبر سنة 1929 حتى 10 من نوفمبر سنة 1930، وهي التي كان يشغل فيها وظيفة مدرس بوزارة المعارف، وطبقاً لقواعد الإنصاف الصادرة في يناير سنة 1944 يحق له - بحسب مؤهله الدراسي وقتذاك - أن يعتبر في الدرجة الثامنة الشخصية منذ دخوله خدمة الحكومة، وبالتالي حساب هذه المدة في معاشه. و(الثانية) من 11 من نوفمبر سنة 1930 حتى 31 من أغسطس سنة 1931، وهي التي كان يشغل فيها وظيفة مدرس بمدارس الأوقاف الخصوصية الملكية في الدرجة الثامنة المخفضة بعقد، وقد كانت درجة فعلية على وظيفة دائمة مدرجة بميزانية الأوقاف المذكورة، ويحق له - طبقاً للقانون رقم 18 لسنة 1932 الذي أجاز حساب مدد الخدمة في الأوقاف الخصوصية الملكية للموظفين الذين ينقلون منها إلى الحكومة أو العكس - حسابها في المعاش. و(الثالثة) من أول سبتمبر سنة 1931 حتى 5 من يناير سنة 1936، وقد كان يشغل فيها وظيفة مدرس بوزارة المعارف على وظيفة خارج الهيئة، وطبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 يعتبر في نفس الدرجة التي كان عليها بديوان الأوقاف الخصوصية الملكية؛ ومن ثم يحق له حسابها في المعاش أسوة بالمدتين السابقتين لأنها قضيت جميعاً في وظائف دائمة على اعتماد التعليم الإلزامي والأولي، وهو اعتماد دائم في الميزانية، ولا يتصور أن يكون مؤقتاً؛ لأن من وظائف الدولة الأساسية نشر التعليم، وقد نص الدستور على أنه إجباري. أما قول الحكومة بأنه لم ينقل من ديوان الأوقاف الخصوصية إلى وزارة المعارف، بل فصل من الديوان بسبب إلغاء المدرسة التي كان يعمل بها وعين بعد ذلك بالوزارة تعييناً جديداً، فلا يطابق الواقع الثابت بملف خدمته؛ إذ أنه نقل إلى الوزارة بسبب إدماج مدرسة نذير أغا التابعة لديوان الأوقاف الخصوصية والتي كان يباشر التدريس بها في مدارس الوزارة، كما هو ظاهر من أمر النقل. هذا إلى أنه لم يصدر قرار بتعيينه في خدمة الوزارة، ولم يكشف عليه طبياً. وقد كان الوضع السليم يقتضي نقله إلى الوزارة في ذات الدرجة التي كان يشغلها بديوان الأوقاف الخصوصية، احتراماً لحقوقه المكتسبة ولمركزه القانوني في الدرجة الثامنة الذي لا يجوز إنزاله منه إلى وظيفة مؤقتة على اعتماد إلا بحكم تأديبي. ولما كان قد دخل خدمة الحكومة قبل 21 من مارس سنة 1935 فإنه لا ينطبق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في سنة 1935 بوقف التثبيت، ولا القانون رقم 30 لسنة 1935 الذي قضى بإلغاء العمل بالمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929. وقد صدر قرار من مجلس الوزراء في 31 من يوليه سنة 1938 أجاز للموظفين الذين دخلوا الخدمة قبل سنة 1935 الانتفاع بأثر رجعي بالقانونين رقمي 22 لسنة 1922 و39 لسنة 1936، وأخيراً صدر القانون رقم 29 لسنة 1957 الذي أجاز حساب جميع مدد الخدمة السابقة في المعاش، سواء أكانت دائمة أم مؤقتة على درجة شخصية أم على اعتماد "الباب الثالث" المقسم إلى درجات، بشرط تقديم طلب كتابي بذلك خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به، وقد قدم المدعي طلباً لإدارة القضايا للانتفاع بأحكام هذا القانون. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "أصلياً: الحكم بأحقيته في احتساب مدة خدمته السابقة والتي تبدأ من 16 من نوفمبر سنة 1929 حتى 5 من يناير سنة 1936 في المعاش طبقاً لأحكام القانونين رقمي 39 لسنة 1929 و18 لسنة 1932. احتياطياً: الحكم بأحقية المدعي في احتساب مدة خدمته السابقة والتي تبدأ من 16 من نوفمبر سنة 1929 حتى 5 من يناير سنة 1936 في المعاش طبقاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1957".
ومن حيث إنه في 30 من إبريل سنة 1955 قررت المحكمة الإدارية إحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص بالتطبيق لأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، حيث قيدت برقم 3081 لسنة 9 القضائية. وبجلسة 11 من مارس سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") "باستحقاق المدعي لضم مدة خدمته المؤقتة من 16 من نوفمبر سنة 1929 إلى 5 من يناير سنة 1936 في حساب المعاش بالتطبيق لأحكام القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957، وإلزام المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن مدة خدمة المدعي التي يطالب بضمها لم يجر على ماهيتها أي استقطاع، كما أنه ليست من ضمن مدد الخدمة المستثناة من عدم حسابها في المعاش بمقتضى أحكام المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، وقد ألغي المرسوم بقانون رقم 22 لسنة 1922 الذي أجاز للموظف الدائم ضم مدة خدمته المؤقتة في المعاش بالمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 الذي ألغي بدوره بالقانون رقم 30 لسنة 1935، وبذلك صار من غير الجائز حساب مدد الخدمة المؤقتة في المعاش فيما عدا مدة الاختبار والمدد التي تقضى في البعثات. هذا إلى أن المدعي لا يفيد من قرارات مجلس الوزراء الصادرة في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 حتى 21 من مايو سنة 1951، والتي اعتبرها القانون رقم 86 لسنة 1951 في حكم الصحيحة، ذلك أنه لا يفيد من هذه القرارات إلا من صدر له قرار فردي بضم مدة خدمته المؤقتة إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش، ولم يصدر للمدعي مثل هذا القرار. على أنه قد صدر أثناء نظر الدعوى القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 الذي أجاز للموظفين الموجودين في خدمة الحكومة وقت العمل به والمثبتين طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 حساب مدد الخدمة التي قضوها على وظائف دائمة أو مؤقتة، أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش إذا قدموا طلباً بذلك كتابة إلى الجهة التابع لها الموظف خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به وقاموا بأداء احتياطي المعاش دفعة واحدة أو على أقساط بالكيفية المنصوص عليها في المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 86 لسنة 1951. ولما كان المدعي قد قدم طلباً بضم المدة المذكورة إعمالاً لنص القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 فإن دعواه تكون مقبولة، ويتعين ضم المدة من 16 من نوفمبر سنة 1929 إلى 5 من يناير سنة 1936 إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش، وإذا كان حقه في ضم مدة خدمته المؤقتة إلى حساب معاشه قد استحدثه القرار بقانون المشار إليه، فإنه يتعين لذلك إلزامه بمصروفات الدعوى.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 9 من مايو سنة 1957 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من ضم مدة خدمة المدعي بالأوقاف الخصوصية الملكية في حساب المعاش، والقضاء برفض هذا الطلب، مع إلزام المطعون ضده المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه لا خلاف في أن المدعي يفيد من أحكام القانون رقم 29 لسنة 1957 ما دامت قد توافرت فيه شروطه وقدم الطلب في الميعاد القانوني، ولكن مناط الخلاف ينحصر في المدة التي قضاها المذكور معلماً بمدارس الأوقاف الخصوصية الملكية، والتي بدأت في 11 من نوفمبر سنة 1930 وانتهت في 30 من سبتمبر سنة 1931، فقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 29 لسنة 1957 على أنه يجوز للموظفين الموجودين في خدمة الحكومة وقت العمل به والمثبتين طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 حساب مدد الخدمة التي قضيت في وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسم إلى درجات في المعاش. ومفاد هذا النص أن المدد التي يجوز ضمها هي التي قضيت في خدمة الحكومة، ولما كانت الخدمة بالأوقاف الخصوصية الملكية لا تعد خدمة حكومية. فإنها تخرج من هذا الحكم ولا يجوز ضمها؛ وإذ قضى الحكم المطعون فيه بخلاف ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة أودعتا بعد حجز الطعن للحكم مذكرة بملاحظاتهما، قالتا فيها إنه يبين من نص المادة الأولى من القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 أن المدد التي يجوز ضمها إلى المعاش بمقتضى هذه المادة هي التي تكون قد قضيت في خدمة الحكومة؛ وإذ كان الثابت أن من بين المدد التي قضى الحكم المطعون فيه بضمها مدة الخدمة التي قضاها المدعي معلماً بمدارس ديوان الأوقاف الخصوصية الملكية، فإن الحكم المذكور يكون قد خالف القانون في هذا الخصوص؛ ذلك أن الديوان المذكور كان ينفرد بميزانية خاصة مستقلة لا صلة لها بميزانية الدولة العامة؛ وهو بهذه المثابة كان يرعى مصالح خاصة معينة، ولم تتوافر له المقومات والخصائص التي تجعله فرعاً من الحكومة أو مصلحة تابعة لها أو مؤسسة من المؤسسات العامة، وإذ كان هذا هو التكييف القانوني لوضع ديوان الأوقاف الخصوصية الملكية، فإن المدد التي يقضيها موظفو هذا الديوان في خدمته لا تعد خدمة حكومية بما ينأى بها تماماً عن نطاق تطبيق القانون رقم 29 لسنة 1957. وانتهت الحكومة من هذا إلى طلب "إلغاء الحكم المطعون فيما قضى به من ضم مدة خدمة المدعي بالأوقاف الخصوصية الملكية والمحصورة بين 11 من نوفمبر سنة 1930 و30 من سبتمبر سنة 1931 إلى مدة الخدمة التي يجوز حسابها في المعاش، مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن المدعي أودع كذلك مذكرة بملاحظاته ردد فيها دفاعه السابق إبداؤه في مذكراته المقدمة إلى محكمة القضاء الإداري، وقال إن الحكومة ارتضت - كما هو - الحكم الصادر من هذه المحكمة ولكن وزارة الأوقاف طلبت إلى هيئة مفوضي الدولة الطعن في هذا الحكم، بحجة أن مدة الخدمة التي قضاها بديوان الأوقاف الخصوصية الملكية لا تعتبر مدة خدمة حكومية؛ ومن ثم لا يجوز ضمها في المعاش. وأضاف أنه يحق له ضم هذه المدة في معاشه استناداً إلى أساسين: (الأول) مستمد من القوانين وقرارات مجلس الوزراء التي كان معمولاً بها قبل صدور القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957، وذلك بناءً على المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 18 لسنة 1932؛ إذ أنه كان يشغل وظيفة دائمة داخل هيئة العمال، وعلى قرارات الوزراء الصادرة في 27 من يونيه سنة 1944 و5 من مارس سنة 1945 و6 من يناير سنة 1952، وعلى المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 والقانون رقم 86 لسنة 1951 وقرارات مجلس الوزراء المبينة بالكشف المرافق له. و(الثاني) مستند إلى القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 الذي طبقه الحكم المطعون فيه، وقد اشترط هذا القانون للإفادة من أحكامه أن يكون الموظف موجوداً في خدمة الحكومة وقت العمل به، وأن يكون مثبتاً طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929، وأن يقدم طلباً خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به لحساب مدة خدمته السابقة في المعاش، وقد استوفى المدعي هذه الشروط الثلاثة، ولا عبرة بالقول بأن مدة الخدمة بديوان الأوقاف الخصوصية لا يجوز حسابها لأنها مدة غير حكومية؛ إذ يجب عدم الخلط بين مدة الخدمة الحكومية ومدة الخدمة الجائز حسابها في المعاش، فثمة مدد خدمة في الحكومة لا يجوز حسابها في المعاش وأخرى قضيت خارج الحكومة، كمدة الاشتغال بالمحاماة، ومع ذلك أجاز الشارع ضمها إلى المدة المحسوبة في المعاش. ومما يؤيد هذا النظر أن المشرع نص صراحة في القانونين رقمي 160 لسنة 1957 و8 لسنة 1958 على أن تحسب في المعاش بالنسبة للمنتفعين بأحكامهما مدد الخدمة التي قضيت في الأوقاف الخصوصية الملكية السابقة، فجميع قوانين المعاشات تعتبر موظفي ديوان الأوقاف الخصوصية كموظفي الحكومة من حيث حساب مدة خدمتهم بالديوان في المعاش. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن النزاع أصبح منحصراً فيما إذا كان للمدعي الحق أم لا في أن تحسب في معاشه مدة خدمته التي قضاها معلماً بمدرسة نذير أغا الأولية التابعة لديوان الأوقاف الخصوصية الملكية، والتي يبين من ملف خدمته أنه كان خلالها مستخدماً مؤقتاً في الديوان المشار إليه بعقد "لتعيين مستخدم مؤقت لمدة تقل عن سنة" نص فيه على أن يعين المذكور "مستخدماً مؤقتاً" في ديوان الأوقاف الملكية لمدة تبتدئ من 11 من نوفمبر سنة 1930 وتنتهي في 31 من أغسطس سنة 1931 بماهية شهرية قدرها أربعة جنيهات في الدرجة الثامنة المخفضة، كما نص في البند الثالث منه على أنه "لا يكون له الحق في أي معاش أو مكافأة أو تعويض ما حين الاستغناء عن خدمته"، إلى أن صدر قرار مدير الأوقاف الملكية رقم 319 في 19 من أغسطس سنة 1931 بفصله من خدمة الديوان اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1931 نقلاً إلى وزارة المعارف العمومية، نظراً لإلغاء مدرسة نذير أغا الأولية بضمها إلى الوزارة، كما صدر أمر وزارة المعارف رقم 4 في 25 من أغسطس سنة 1931 بنقله إليها اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1931 في وظيفة معلم إلزامي بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً على وظيفة خارج الهيئة، وذلك خلافاً لما تذهب إليه الحكومة والطعن من أن هذه المدة بدأت في 11 من نوفمبر سنة 1930 وانتهت في 30 من سبتمبر سنة 1931.
ومن حيث إن استناد المدعي إلى القوانين وقرارات مجلس الوزراء السابقة على صدور القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 في طلب ضم مدة خدمته سالفة الذكر التي قضاها بديوان الأوقاف الخصوصية الملكية إلى مدة الخدمة المحسوبة في معاشه، مردود بما هو ظاهر من الأوراق من أنه لم يكن وقتذاك مقيداً بصفة دائمة أو شاغلاً لوظيفة حكومية دائمة مدرجة بهذه الصفة في ميزانية الدولة، ولم يكن يجرى على راتبه وقتها حكم استقطاع احتياطي المعاش، كما أن مدة خدمته في الديوان المذكور لم تكن من المدد الجائز حسابها في المعاش على سبيل الاستثناء، وذلك طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية والمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 الخاص بوضع قواعد لدفع احتياطي المعاش المتأخر على الموظفين الذين رخص لهم بحسبان مدة خدمتهم المؤقتة في المعاش، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن قوانين المعاشات الملكية تقيم التفرقة - بحسب مصطلحاتها ومفهوماتها - بين الموظف أو المستخدم الدائم أو المقيد بصفة دائمة وبين الموظف أو المستخدم غير الدائم أو المؤقت، على أساس جريان حكم استقطاع احتياطي المعاش على رواتبهم أو عدم جريانه، فالموظف أو المستخدم الدائم - بحسب تلك القوانين - هو المقيد على وظيفة مدرجة في سلك الوظائف الدائمة، إذا جرى على راتبه حكم الاستقطاع، أي كان الموظف الدائم في مفهومها من كان مثبتاً، والموظف غير الدائم من كان غير مثبت، وهو الذي لا يستقطع منه المعاش، وقد كان القانون رقم 22 لسنة 1922 يجيز للموظفين والمستخدمين المدنيين في الحكومة المقيدين في سلك المستخدمين الدائمين والذين يجرى على ماهياتهم حكم استقطاع الاحتياطي للمعاش أن يدخلوا في حساب معاشهم مدد خدماتهم المؤقتة السابقة، إلا أن هذا القانون ألغي بالمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 الذي ضيق من نطاق تطبيق أحكامه؛ إذ نص في مادته الثانية على أن "تدخل فقط في حساب المعاش المدد التي في أثنائها كانت ماهية الموظف أو المستخدم محسوبة على وظيفة دائمة"، ثم صدر بعد ذلك المرسوم بقانون رقم 30 لسنة 1935 مبطلاً العمل بالمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 سالف الذكر. أما القانون رقم 18 لسنة 1932 الخاص بتسوية المعاشات والمكافآت للموظفين والمستخدمين الذين لهم مدد خدمة دائمة في الحكومة وفي ديوان الأوقاف الملكية فلا ينطبق حكمه في خصوصية هذه الدعوى؛ لاستلزامه أن تكون الوظيفة دائمة، وتخلف هذا الشرط لدى لمدعي، كما لا تصدق على المذكور قرارات مجلس الوزراء التي يستند إليها لافتقاره الشرائط الموضوعية والزمنية المتطلبة فيها لإمكان انطباقها على حالته وأخصها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 الخاص بنقل موظفي ومستخدمي ديوان الأوقاف الخصوصية الملكية إلى وزارات الحكومة ومصالحها؛ إذ أن هذا القرار إنما صدر لحكمة معينة وفي مجال محدد نطاقه بالغاية من هذه الحكمة، وتضمن قواعد نقل هؤلاء الموظفين والمستخدمين من حيث الدرجة والمرتب والأقدمية ومواعيد العلاوة وحالة التثبيت وضم مدة الخدمة السابقة في الأقدمية وتحديد الماهية، ولم ينظم قواعد حساب مدد خدمتهم السابقة في المعاش. ولما كان المدعي لم يصدر له قرار فردي بضم مدة خدمته المؤقتة موضوع النزاع إلى مدة خدمته المحسوبة في معاشه، فإنه لا يفيد من أحكام القانون رقم 86 لسنة 1951 الذي قضى بأن تعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929، إلى تاريخ العمل به، وكذلك القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش، سواء أكان ذلك بالاستثناء من أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 أم المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أم من أحكام القانون رقم 22 لسنة 1922 أم المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب المدعي ضم مدة خدمته بديوان الأوقاف الخصوصية الملكية إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش بالاستناد إلى القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 في شأن حساب مدد الخدمة التي قضيت على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش، فإن هذا القانون قد نص في المادة الأولى منه على أنه "يجوز للموظفين الموجودين في خدمة الحكومة وقت العمل بهذا القانون والمثبتين طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 المشار إليه حساب مدد الخدمة التي قضيت على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش إذا قدموا طلباً بذلك كتابة إلى الجهة التابع لها الموظف خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون وقاموا بأداء احتياطي المعاش دفعة واحدة أو على أقساط بالكيفية المنصوص عليها في المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 86 لسنة 1951....". ومفاد هذا النص أنه يتعين للإفادة من حكمه توافر شروط عدة، هي أن تكون المدد التي يجوز حسابها في المعاش قد قضيت في خدمة الحكومة على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات مما لا وجود له إلا في الميزانية العامة للدولة أو في الميزانيات الملحقة بها أو في الميزانيات المستقلة كميزانية الجامعات، وأن يكون الموظف موجوداً في خدمة الحكومة وقت العمل بهذا القانون، وأن يكون مثبتاً طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية، وأن يقدم طلباً بذلك كتابة إلى الجهة التابع لها، وأن يتم تقديم هذا الطلب خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 29 لسنة 1957، وأن يقوم بأداء احتياطي المعاش بالكيفية التي نص عليها هذا القانون.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن ديوان الأوقاف الخصوصية كان يتمتع بذاتية مستقلة، وينحصر نشاطه في تولي إدارة الأوقاف الخيرية المختلفة المصادر الواقعة تحت نظارة الخديوي ومن خلفوه من بعده، وأنه كان ينفرد بميزانية خاصة مستقلة لا صلة لها بميزانية الدولة العامة؛ وبهذه المثابة كان يرعى مصالح خاصة معينة، ولم يتوافر له من المقومات والخصائص ما يجعله فرعاً من الحكومة أو مصلحة تابعة لها أو مؤسسة من المؤسسات العامة. وأنه لا يغير من طبيعته القانونية هذه صدور أوامر أو لوائح تقضي بأن تطبق على موظفيه ومستخدميه النظم والقواعد المتبعة في بعض مصالح الحكومة في شأن موظفي الدولة ومستخدميها، ولا يجوز مجاوزة القصد منها بالخروج من مجالها المحدد نطاقه إلى اعتبار الديون هيئة حكومية؛ ومن ثم فإن الشرط الأول لجواز الإفادة من أحكام القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957، وهو أن تكون المدد الجائز ضمها في حساب المعاش قد قضيت في خدمة الحكومة، يكون غير متحقق في حالة المدعي بالنسبة إلى مدة خدمته التي قضاها بالديوان المذكور، وإذا كان القرار بقانون المشار إليه قد نوه في مذكرته الإيضاحية بأن القانون رقم 394 لسنة 1956 بإنشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفي الدولة المدنيين وآخر لموظفي الهيئات ذات الميزانيات المستقلة قد أجاز للموظف حساب مدد الخدمة التي قضيت على وظائف دائمة أو مؤقتة أو على درجات شخصية يخصم بها على وظائف خارج الهيئة أو على اعتمادات الباب الثالث المقسمة إلى درجات في المعاش، وأنه رؤي "تحقيقاً لما تستهدفه الحكومة من إصلاح شئون الموظفين وتعميماً لمبدأ المساواة...." إصدار القرار بقانون الجديد لفئة الموظفين المثبتين طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929، فإن هذا لا يبرر إعمال القياس بين القانونين، لعدم اتحاد وجه هذا القياس؛ ولاختلاف الوضع والأعباء والمزايا والموازنات المالية في كل منهما. على أن القرار بقانون رقم 394 لسنة 1956 لم يكن يتضمن وقتذاك نصاً على ضم مدد الخدمة السابقة التي قضيت في الأوقاف الخصوصية الملكية السابقة، وإنما استحدث هذا النص في التعديل اللاحق الذي أدخل على هذا القانون بكل من القرار بقانون رقم 160 لسنة 1957 والقانون رقم 8 لسنة 1958، اللذين أنشآ حقاً للمعاملين بأحكامهما في حساب المدد المذكورة في المعاش لم يكن قائماً ولا مقرراً لهم من قبل، والمدعي ليس منهم؛ وآية لذلك أن الأمر اقتضى إصدار تشريع لإمكان حساب هذه المدد، ومعنى هذا التشريع أنها لم تكن لتحسب لولا صدوره، وأن الحق المستحدث في حسابها إنما هو مستمد منه، ولم يورد المشرع مثل هذا النص في القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 أو يدخله عليه.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون في محله، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيما قضى به من استحقاق المدعي ضم مدة خدمته المؤقتة بالأوقاف الخصوصية الملكية السابقة في حساب معاشه، ويتعين القضاء بإلغائه في هذا الشق منه، وبرفض هذا الطلب، مع إلزام المدعي بمصروفات الدعوى كاملة لما أثبته الحكم المذكور من أن حق المدعي في ضم المدد الأخرى التي قضي له بها قد استحدثه القرار بقانون رقم 29 لسنة 1957 بعد إقامة الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من ضم مدة خدمة المدعي في الأوقاف الخصوصية الملكية في حساب معاشه، وبرفض هذا الطلب، وألزمت المدعي بكامل مصروفات الدعوى.