مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1601

(167)
جلسة 12 من يوليه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 659 لسنة 3 القضائية

بوليس - العلاقة التي تربط من يتطوع للخدمة في البوليس بالحكومة - علاقة قانونية مؤقتة تحكمها القوانين واللوائح القائمة وقت بدء مدة التطوع أو أثنائها - الأسباب التي تنتهي بها هذه العلاقة - من بينها الاستغناء عن المتطوع خلال مدة التطوع - لا يمتنع على الإدارة أن تنهي علاقة المتطوع بها بالاستغناء لمجرد أن الأسباب التي استندت إليها في ذلك تنصل بأمور سبق أن جوزي المتطوع عنها تأديبياً - مثال.
إذا كان الثابت أن خدمة المدعي بالحكومة كانت بطريق التطوع بمقتضى إقرار نصه كالآتي: "أقر بأنني قابل للخدمة في البوليس بصفة متطوع اعتباراً من إبريل سنة 1937 لمدة خمس سنوات كاملة يستبعد منها المدد التي قد تفقد من خدمتي بمقتضى البند 28 بالباب الثاني من قانون البوليس، وإني أقبل الخضوع لكافة القوانين واللوائح العسكرية المعمول بها الآن والتي تصدر أثناء وجودي بالخدمة، وأن أحاكم أمام المجالس العسكرية عما يقع من الأمور المخالفة لتلك القوانين واللوائح وأتعهد أيضاً بعدم ترك الخدمة قبل خمس السنوات السابق ذكرها وإلا اعتبرت فاراً من الخدمة، وأعترف بأن لوزارة الداخلية الحق في رفتي من الخدمة في أي وقت كان متى تراءى لها أوفقية ذلك قبل انتهاء مدة خمس السنوات بدون أن يكون لي أدنى حق بطلب تعويضات أو خلافها من الحكومة، وقد وقعت على هذا التعهد للمعاملة به عند الاقتضاء" - إذا كان الثابت هو ما تقدم، فإن علاقة المدعي في خدمة البوليس على أساس التطوع هي علاقة قانونية مؤقتة تحكمها القوانين واللوائح القائمة وقت هذا التطوع وما يصدر من قوانين أو لوائح أخرى بعد ذلك في هذا الشأن، وأن إقرار التطوع الذي وقعه لا يعدو أن يكون في صيغته وأحكامه التي تضمنها أنموذجاً قررته تلك اللوائح، وأصبح بمثابة قاعدة تنظيمية عامة في خصوص هذه العلاقة. كما يبين كذلك من القوانين واللوائح النافذة وقت بدء خدمة المدعي والصادرة بعد ذلك أن خدمة المتطوع في البوليس تنتهي بأسباب عدة، من بينها انتهاء مدته أو عدم الرغبة في تجديدها من أي من الجانبين أو بالاستغناء عن المتطوع إذا قدرت الإدارة أوفقية ذلك خلال جريان مدة الخمس السنوات، دون أن يكون للمتطوع أي حق في المعارضة في ذلك أو المطالبة بتعويض عنه كما هو ظاهر من صيغة إقرار التطوع المشار إليه، كما أن من بينها كذلك إنهاء التطوع بقرار فصل تأديبي. وغني عن البيان أن تأديب المتطوع بما يحتمله أو يتسع له من جزاءات عددها هذا القانون، ومن بينها الخصم من المرتب أو الفصل - إن تأديب المتطوع هذا له مجاله المستقل عن مجال إنهاء العلاقة بأسباب وأدوات أخرى يجيزها القانون، كالاستغناء عن خدمة المتطوع إذا قدرت الإدارة أوفقية ذلك خلال جريان هذه المدة، حتى ولو كانت أقامت تقديرها عندما استغنت عنه على أسباب قد تتصل بموضوع التأديب من قريب أو بعيد؛ إذ لا يجوز تعطيل أداة يجيزها القانون للإدارة لإنهاء العلاقة حتى خلال جريانها لأسباب وكل تقديرها إليها، بل لكل أداة من تلك الأدوات مجالها الخاص بها في التطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم 10 من إبريل سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بوزارة الداخلية بجلسة 10 من فبراير سنة 1957 في القضية رقم 90 لسنة 3 القضائية المرفوعة من أحمد مرسي شعبان ضد وزارة الداخلية، القاضي "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وقد طلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 9 من مايو سنة 1957، وللمدعي في 31 منه، وعين لنظره جلسة 15 من مارس سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الإيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 90 لسنة 3 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية في 26 من نوفمبر سنة 1955 قال فيها إنه التحق بخدمة البوليس متطوعاً لمدة خمس سنوات اعتباراً من 19 من إبريل سنة 1937 قابلة للتجديد، وظل تطوعه يتجدد، وأخذ يرقى في الدرجات العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة الصول، ثم نسبت إليه أمور قدم من أجلها للمحاكمة أمام المجلس العسكري الذي أدانه في البعض منها وقرر خصم شهر من مرتبه وصدق مدير عام البوليس على هذا القرار وأعلنته الوزارة به، وعاد لعمله في 19 من يوليه سنة 1955، ثم تقرر فصله من خدمة البوليس في 20 من يوليه سنة 1955 بالاستغناء من تاريخ إخلاء طرفه، فقدم تظلماً للوزير في 31 من أغسطس فرفض وأخطر بالرفض في 28 من سبتمبر سنة 1955، ولما كان هذا القرار قد جانب الصواب لأنه تكرار للجزاء عن نفس الذنب الذي سبق أن جوزي من أجله فإنه يطلب الحكم بإلغائه وما ترتب عليه من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد طلبت الوزارة الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. وقالت إن الأحكام والقرارات الصادرة من المجالس العسكرية لا تسلب الوزارة حقها الأصيل في فصل الموظف؛ إذ يترتب على ذلك أن الذين يحاكمون أمام المحاكم العسكرية وتصدر ضدهم قرارات بالإدانة يكتسبون حصانة تمنع الوزارة من فصلهم، مع أن قرارات هذه المجالس الصادرة بالإدانة إنما هي في الواقع الأساس الذي تبنى عليه الوزارة تقديرها بعدم صلاحية رجل البوليس للخدمة، وقد قدرت الوزارة عدم صلاحية المدعي لخدمة البوليس بعد صدور هذا القرار مباشرة، فضلاً عن أنه قد نص صراحة في التعهد الذي أخذ على المدعي عند تطوعه على أن للوزارة الحق في رفته في أي وقت قبل انتهاء مدة التطوع متى تراءى لها أوفقية ذلك، وليس للمتطوع أي حق في المطالبة بتعويضات أو بغيرها. وبجلسة 10 من فبراير سنة 1957 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبأن تؤدي للمدعي مبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأسست قضاءها على أن قرار فصل المدعي من خدمة البوليس يجوز صدوره من وكيل الوزارة أو من المجلس العسكري ولكن ما دامت جهة الإدارة فضلت محاكمة المدعي تأديبياً أمام المجلس العسكري، وطرحت أمره عليه فعلاً وقرر المجلس إدانته في بعض التهم وأوقع عليه الجزاء المناسب في حدود الملاءمة التقديرية وصار هذا القرار نهائياً بالتصديق عليه من الجهة المختصة، فإن جهة الإدارة تكون - والحالة هذه - قد أسقطت السلطة التأديبية التي لوكيل الوزارة واستنفدت السلطة التأديبية المخولة لها بالنسبة للمخالفات الإدارية موضوع المحاكمة بمعرفة جهة الاختصاص التي حددها القانون، واكتسب القرار الإداري الصادر من المجلس العسكري حجية الشيء المقضى به التي تلزم جهة الإدارة عموماً بأجهزتها التأديبية كافة بما فيها وكيل الوزارة، ولا يسوغ لها بأية حال أو بأية صورة العودة إلى وزن الملاءمة التقديرية التي أجراها المجلس العسكري في حدود كامل سلطاته بين الجزاء الموقع والمخالفات المنسوبة إلى المدعي لما يتضمنه ذلك من مساس بحجية الشيء المقضى به في قرار المجلس وإخلال بأصول الإجراءات التأديبية التي وضعت لكفالة الضمانات اللازمة لطرفي المحاكمة التأديبية على غرار الضمانات المقررة للمحاكمة الجنائية، خصوصاً وأن المجالس العسكرية تعتبر في سلم الهيئات الرياسية التي تقصر عنها سلطة وكيل الوزارة، وقد ناطت بها المادة 110 من القانون رقم 234 لسنة 1955 توقيع الجزاءات على الصولات، وهي سلطة عليا لا يجوز لسلطة ما أن تتناول بالتعديل زيادة أو نقصاً قراراً صادراً منها. ولما كانت أسباب القرار المطعون فيه تفصح عن أنه إنما صدر لما رآه وكيل الوزارة من عدم ملاءمة الجزاء الموقع من المجلس العسكري على المدعي عن المخالفات المنسوبة إليه، فأراد بإصداره إعادة الموازنة بين الجزاء والمخالفات وقدر أنها لا تكون إلا بفصل المدعي من الخدمة، فإن وكيل الوزارة يكون قد جاوز حدود اختصاصه في إصدار القرار المطعون فيه، وتعدى على سلطة عليا هي المجلس العسكري، ونال بطريق غير مباشر حجية الشيء المقضى به المقرر لقرار المجلس العسكري، ولا يجوز له التحدي بأن فصل المدعي كان أصلاً من اختصاصه؛ إذ أنه وقد تنازل بداءة عن هذا الحق وألقى به إلى جهة أخرى مختصة قانوناً وأعلى منه في سلم درجات الاختصاص في توقيع الجزاءات وأوسع منه سلطاناً في فرضها، فلا يجوز له التربص بالقرار الصادر من هذه الجهة وأن ينصب نفسه رقيباًً عليه، بحيث إذا لم يعجبه أهدره وأصدر قراراً آخر يحل محله أو يكمل به وزن العقاب إلى الحد الذي يراه مناسباً، فلا سند له من القانون في ذلك. كما لا وجه لما تستند إليه الحكومة خاصاً بالتعهد الذي أخذ على المدعي عند تطوعه الذي أقر فيه بحق الوزارة في فصله في أي وقت متى تراءى لها أوفقية ذلك، فهذا الإقرار يعاد له إقرار آخر وارد في نفس التعهد، هو قبول المدعي محاكمته أمام المجالس العسكرية عما يقع منه من الأمور المخالفة للقوانين واللوائح، فإذا ما رأت الوزارة أن ما وقع من المدعي يجيز رفته، كما يجيز في نفس الوقت تقديمه للمجلس العسكري فاختارت الطريق الثاني، فإنها تكون بذلك قد أسقطت حقها الأول واحتكمت في مصير المدعي إلى المجلس العسكري الذي يقرر في شأنه ما يراه بقرار يكتسب حجية الشيء المقضى به قبل الوزارة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه قد أخذ على المدعي تعهد عند التحاقه بخدمة البوليس وعند كل تجديد لتطوعه، مفاده أن لرئيس المصلحة الحق في رفته في أي وقت متى تراءى له أوفقية ذلك ولو قبل انتهاء مدة التطوع، وأن ليس له أي حق في المطالبة بتعويضات أو خلافها، وأنه وإن كانت العلاقة بين المدعي وبين الحكومة هي علاقة لائحية إلا أنها لائحية من نوع خاص مفروض فيه انتهاء خدمة متطوع البوليس عندما تريد ذلك جهة الإدارة متى برئ قراراها في ذلك من إساءة استعمال السلطة وذلك للطبيعة الخاصة بهذه الوظيفة، وأن إدانة المدعي فيما نسب إليه لا تجعل مظنة لهذه الإساءة؛ ومن ثم يكون قرار الفصل سليماً ولا تثريب عليه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه في يوم 17 من يوليه سنة 1955 حوكم المدعي أمام مجلس عسكري مركزي عن التهم الآتية: (أولاً) في خلال شهر أغسطس سنة 1952 بدائرة محافظة مصر اشترك مع آخرين مجهولين من صولات وصف ضباط وعساكر البوليس في عقد اجتماع بمنزل أحدهم من درجة الباشجاويش، وتناقشوا في مطالب خاصة بتحسين حالة رجال البوليس ووزع على المجتمعين نشرات تتعلق بهذه المطالب. (ثانياً) وفي التاريخ والجهة المذكورين كان اشتراكه مع الآخرين في الاجتماع لإيهام فئة صف وعساكر البوليس بوجود اتحاد لهم، فحرروا وطبعوا منشورات مذيلة بتوقيع اتحاد صف وعساكر البوليس بالجمهورية المصرية للمطالبة بإنصافهم واستمروا في توزيعها بطريقة سرية وإرسالها تباعاً للجهات العليا رغم ما عمل لهذه الفئة من تحسينات. (ثالثاً) في 4 من يونيه سنة 1955 ضبط بصندوق مهمات الصول المذكور عند تفتيشه أربعة مظاريف جديدة معنونة بأسماء السادة رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ووكيلها ومدير مصلحة البوليس وبداخلها نشرات مذيلة بتوقيع الاتحاد المذكور، وقد اعترف أمام مجلس التحقيق بحيازته لهذه المضبوطات، كما قرر أنه استلمها باليد من الباشجاويش عبد اللطيف إسماعيل جبر. (رابعاً) في يوم 5 من يونيه عدل أمام هيئة المجلس عن هذا الاعتراف، فقرر أن تسليم المضبوطات لم يكن بصفة مباشرة من الباشجاويش المذكور بل عن طريق عسكري مجهول موفد من قبل الباشجاويش. وقد قرر المجلس العسكري أن المذكور مذنب في التهم الثلاث الأولى، وحكم عليه بخصم شهر من مرتبه، لأن هذه التهم تتضمن سلوكاً وعملاً مضرين بحسن النظام والضبط العسكري ولا تتفق مع النظم العسكرية، والقصد منها إيجاد حركة عير عادية واضطراب بين صفوف رجال البوليس، وقد صودق على هذا الحكم من السيد مدير عام مصلحة البوليس وأعلن المدعي به وعاد إلى عمله يوم 19 من يوليه سنة 1955. وفي 20 من يوليه - أي في اليوم التالي - أصدر وكيل وزارة الداخلية قراراً بفصل المدعي من خدمة البوليس بالاستغناء ونصه كالآتي: "نظراً لأن التهم التي أدين فيها بمعرفة المجلس العسكري تتضمن مخالفة لحسن الانتظام والضبط والربط العسكري، الأمر الذي لا يتفق مع بقائه بخدمة البوليس قرر ما هو آت: يفصل الصول أحمد مرسي شعبان من قوة بوليس مصر من خدمة البوليس بالاستغناء من تاريخ إخلاء طرفه".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مثار المنازعة هو ما إذا كان يجوز للوزارة أن تنهي خدمة المدعي بطريق الاستغناء عن تطوعه بناءً على ما قدرته من أن نشاطه الذي خالف فيه حسن الانتظام والضبط والربط العسكري أصبح غير متلائم مع بقائه في خدمة البوليس، وهل يجوز لها أن تنهي خدمته لهذا السبب وبتلك الأداة، بالرغم من أنه حوكم تأديبياً عن هذا النشاط ووقع عليه الجزاء بسبب ذلك بخصم شهر من مرتبه.
ومن حيث إن خدمة المدعي بالحكومة كانت بطريق التطوع بمقتضى إقرار ينص بالآتي: "أقر بأنني قابل للخدمة في البوليس بصفة متطوع اعتباراً من إبريل سنة 1937 لمدة خمس سنوات كاملة يستبعد منها المدد التي قد تفقد من خدمتي بمقتضى البند 28 بالباب الثاني من قانون البوليس، وأني أقبل الخضوع لكافة القوانين واللوائح العسكرية المعمول بها الآن والتي تصدر أثناء وجودي بالخدمة، وأن أحاكم أمام المجالس العسكرية عما يقع من الأمور المخالفة لتلك القوانين واللوائح، وأتعهد أيضاً بعدم ترك الخدمة قبل الخمس السنوات السابق ذكرها وإلا اعتبرت فاراً من الخدمة، وأعترف بأن لوزارة الداخلية الحق في رفتي من الخدمة في أي وقت كان متى تراءى لها أوفقية ذلك قبل انتهاء مدة الخمس السنوات بدون أن يكون لي أدنى حق بطلب تعويضات أو خلافها من الحكومة، وقد وقعت على هذا التعهد للمعاملة به عند الاقتضاء". وظاهر من ذلك أن علاقة المدعي في خدمة البوليس على أساس التطوع هي علاقة قانونية مؤقتة تحكمها القوانين واللوائح القائمة وقت هذا التطوع وما يصدر من قوانين أو لوائح أخرى بعد ذلك في هذا الشأن، وأن إقرار التطوع الذي وقعه لا يعدو أن يكون في صيغته وأحكامه التي تضمنها أنموذجاً قررته تلك اللوائح وأصبح بمثابة قاعدة تنظيمية عامة في خصوص هذه العلاقة. كما يبين كذلك من القوانين واللوائح النافذة وقت بدء خدمة المدعي والصادرة بعد ذلك أن خدمة المتطوع في البوليس تنتهي بأسباب عدة، من بينها انتهاء مدته أو عدم الرغبة في تجديدها من أي من الجانبين أو بالاستغناء عن المتطوع إذا قدرت الإدارة أوفقية ذلك خلال جريان مدة الخمس السنوات، دون أن يكون للمتطوع أي حق في المعارضة في ذلك أو المطالبة بتعويض عنه كما هو ظاهر من صيغة إقرار المتطوع المشار إليه، كما أن من بينها كذلك إنهاء التطوع بقرار فصل تأديبي. وغني عن البيان أن تأديب المتطوع بما يحتمله أو يتسع له من جزاءات عددها القانون، ومن بينها الخصم من المرتب أو الفصل - إن تأديب المتطوع هذا له مجاله المستقل عن مجال إنهاء العلاقة بأسباب وأدوات أخرى يجيزها القانون، كالاستغناء عن خدمة المتطوع إذا قدرت الإدارة أوفقية ذلك خلال جريان هذه المدة، حتى ولو كانت أقامت تقديرها عندما استغنت عنه على أسباب قد تتصل بموضوع التأديب من قريب أو بعيد؛ إذ لا يجوز تعطيل أداة يجيزها القانون للإدارة لإنهاء العلاقة حتى خلال جريانها لأسباب وكل تقديرها إليها، بل لكل أداة من تلك الأدوات مجالها الخاص بها في التطبيق؛ ومن ثم فإذا كان المدعي قد جوزي تأديبياً بخصم شهر من مرتبه بناءً على ما ثبت لمجلس التأديب العسكري من أنه قام بنشاط غير مشروع وأن هذا يعتبر ذنباً يستوجب عقابه، فإن هذا لا يمنع أن تستعمل الإدارة حقها في الاستغناء عن تطوعه، وهو كما سلف القول علاقة مؤقتة زمام إنهائها بهذه الأداة في يد الإدارة حسبما تقدره وتطمئن إليه، وواضح أن لذلك حكمته المتفقة مع الصالح العام، خصوصاً في أمر يتصل بالأمن الداخلي وأوفقية من يضطلع به بحسب تقدير الإدارة، ما دام القانون قد ترك لها سلطة الترخص في هذا الشأن.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.