مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1609

(168)
جلسة 12 من يوليه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 671 لسنة 3 القضائية

( أ ) ميزانية - ترتيب الدرجات بوزارة أو مصلحة في أقسام قائمة بذاتها - مؤداه عدم جواز استعمال وظيفة في قسم لتعيين أو ترقية من يشغل وظيفة في القسم الآخر.
(ب) ديوان الموظفين - تقسيم وظائفه في الميزانيات المتعاقبة إلى قسمين في وحدتين مستقلتين هما وظائف الديوان العام ووظائف مراقبي ورؤساء ووكلاء المستخدمين - استقلال كل من الوحدتين بوظائفه ودرجاته - لا يتزاحم عند الترقية موظفو قسم منها مع موظفي القسم الآخر.
1 - متى كان ترتيب الدرجات في وزارة أو مصلحة مقسماً في الميزانية إلى أقسام قائمة بذاتها، فلا يجوز استعمال وظيفة في قسم ما لتعيين مرشح فيها يشغل وظيفة في قسم آخر أو لترقية موظف في قسم آخر.
2 - إن ميزانية ديوان الموظفين، بحسب أوضاعها التي استقرت عليها منذ السنة المالية 1953 - 1954، انتظمت طائفتين من الموظفين، تكون كل منهما وحدة قائمة بذاتها مستقلة ومنفصلة عن الأخرى: أولاهما، وحدة موظفي الديوان العام. والثانية، وحدة مراقبي ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح. ومقتضى هذا التقسيم، الذي يقوم أساساً على اختلاف نوع وطبيعة العمل، هو استقلال كل من الوحدتين المشار إليهما بوظائفه ودرجاته وأقدميات الموظفين الذين ينتمون إليه. ومتى كان الأمر كذلك فإن وحدة من هاتين الوحدتين تنفرد - عند إجراء حركة الترقية - بدرجاتها ووظائفها التي لا يزاحم أفراد الوحدة الأخرى موظفيها في الترقية إلى الدرجات الشاغرة بها. فإذا خلت درجة في إحدى الوحدتين فليس لموظفي الوحدة الأخرى أي حق في الترقية إليها أو الأمل فيها؛ إذ يقتصر حقهم المشروع على الترقية إلى الدرجات التي تخلو بالوحدة التي يتبعونها، فلا امتزاج ولا إدماج بين درجات الوحدتين عند الترقية.


إجراءات الطعن

في 13 من إبريل سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 671 لسنة 3 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 14 من فبراير سنة 1957 في الدعوى رقم 724 لسنة 9 ق المقامة من محمد إسماعيل جادو ضد ديوان الموظفين، والذي يقضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار ديوان الموظفين رقم 85 لسنة 1954 في أول مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الثالثة الإدارية، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى ديوان الموظفين في 3 من أغسطس سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 12 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 5 من إبريل سنة 1958. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 8 من مارس سنة 1958 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة، وفيه سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وقدم المطعون لصالحه مذكرة بملاحظاته بجلسة 31 من مايو سنة 1958، انتهى فيها إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار ديوان الموظفين رقم 85 لسنة 1954 الصادر في أول مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المطعون لصالحه في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الثالثة الإدارية من 29 من إبريل سنة 1954، واعتبار أقدميته فيها راجعة إلى 29 من إبريل سنة 1954 بدلاً من 3 من فبراير سنة 1956 التاريخ الذي رقي منه المطعون لصالحه خلال نظر الدعوى، مع ما يترتب على ذلك من أثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 724 لسنة 9 ق بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 21 من ديسمبر سنة 1954 طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 85 لسنة 1954 الصادر من ديوان الموظفين، وبأحقيته في الترقية للدرجة الثالثة من 29 من إبريل سنة 1954 تاريخ ترقية زملائه المطعون في ترقيتهم. وقال شرحاً لدعواه إنه يشغل وظيفة من الدرجة الرابعة الإدارية اعتباراً من 29 من فبراير سنة 1952 ويشهد ملف خدمته بكفايته الممتازة. وقد نما إلى علمه أن ديوان الموظفين أصدر قراراً رقم 85 في أول مايو سنة 1954 بترقية السادة محمد رفعت وعلي زين الدين عبد الحافظ الببلاوي ومحمد أمين عبد الرحمن وأمين محمد الصيفي، الموظفين بالديوان بالدرجة الرابعة الإدارية، إلى الدرجة الثالثة الإدارية بالأقدمية المطلقة اعتباراً من 29 من إبريل سنة 1954. ونظراً لأنهم يلونه في ترتيب الأقدمية في الدرجة الرابعة الإدارية؛ إذ أن المدعي حاصل عليها من 29 من فبراير سنة 1952 بينما هم حاصلون عليها من 19 من مارس سنة 1953، وأن الترقيات إلى درجات الكادر الإداري العالي تكون بالأقدمية في الدرجة، وتجوز بالاختيار في نسبة معينة طبقاً للمادة 38 من قانون التوظف، فضلاً عن أسبقية المدعي في أقدمية مدة الخدمة وأقدمية الدرجة الرابعة وقيامه بعمله على أحسن وجه؛ لهذا فقد تظلم المدعي من هذا القرار فور علمه في 23 من يونيه سنة 1954، واعترض فيه على مسلك الديوان وطالب بإلغاء القرار الآنف الذكر وترقيته للدرجة الثالثة الإدارية من 29 من إبريل سنة 1954 لأقدميته عنهم جميعاً. وذهب المدعي إلى أن القول بأن الديوان لم ينصفه حتى الآن، وأن قراره الآنف الذكر لا يتفق مع القانون. كما قرر المدعي بأنه لا يجدي الديوان بأن المدعي يشغل وظيفة مدير مستخدمين، وأن وظائف مديري المستخدمين وردت في الميزانية تحت عنوان واحد؛ لأن باقي إدارات الديوان وردت أيضاً كل منها تحت عنوان مستقل، كما لا يجدي القول بأن قانون الميزانية هو الذي اقتضى هذا الوضع. واستطرد المدعي يقول بأن قانون الديوان ينص على أنه هيئة واحدة، ومنحه القانون بهذه الصفة شخصيته المعنوية، وتصرف الديوان يؤدي إلى جعله هيئتين، وما دام قانون التوظيف هو وحده الذي يحكم شئون الموظفين من أول يوليه سنة 1952، ولم يرد به نص يؤيد مسلك الديوان حيال المدعي، فإنه يطلب الحكم له بطلباته. وفي مارس سنة 1956 رد ديوان الموظفين بمذكرة تتضمن دفاعه في الدعوى، فقال إن حالة المدعي تتلخص في أنه حاصل على شهادة الدراسة الثانوية للمدرسة التجهيزية لدار العلوم قسم أول سنة 1930، ثم شهادة الدراسة الثانوية للمدرسة التجهيزية لدار العلوم قسم ثانِ سنة 1932، ثم ليسانس عادية في الآداب قسم اللغة العربية سنة 1943، وأنه التحق بالخدمة في 14 من مارس سنة 1933 خارج الهيئة. ومن أول مايو سنة 1940 مؤقت، وأن تاريخ تتبعه للديوان هو اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 بحكم المادة الثالثة من القانون رقم 210 لسنة 1951، الخاص بموظفي الدولة، وهو في الدرجة الرابعة الإدارية من 29 من فبراير سنة 1952 وأن ترتيب أقدميته بكادر الوزارات والمصالح عند رفع الدعوى هو الثامن. ويرد الديوان على أسانيد المدعي بقوله إن مقطع النزاع ينحصر في تحديد ما إذا كان رؤساء ووكلاء المستخدمين بالوزارات والمصالح التابعون للديوان يربطهم مع موظفي الديوان العام كشف أقدمية واحد، أم تستقل كل طائفة منهما بأقدمية خاصة. والذي يبين من الاطلاع على ميزانية الديوان أنها قائمة أصلاً على أساس الفصل بين درجات كادر الديوان العام ودرجات رؤساء المستخدمين ووكلائهم، وذلك لعلة أساسية هي اختلاف طبيعة العمل بين كل من الكادرين؛ ومن أجل ذلك يتعين القول بأن لموظفي الديوان العام أقدمية خاصة مستقلة عن أقدمية رؤساء المستخدمين ووكلائهم، وانتهى الديوان إلى أن دعوى المدعي غير قائمة على سند سليم من القانون، خليقة بالرفض، مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي آخر مذكرته نبه الديوان إلى أن المدعي قد رقي إلى الدرجة الثالثة بكادرات الوزارات والمصالح اعتباراً من 3 من فبراير سنة 1956. وبجلسة 14 من فبراير سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أنه ولئن كان الأصل أن أقسام الميزانية ذات الكيان المستقل، أي المعتبرة وحدات قائمة بذاتها من حيث الأقدمية والترقية، هي الفروع دون الأقسام الداخلية لهذه الفروع، بحيث تعتبر جميع الوظائف المدرجة في الفرع الواحد وإن تعددت أقسامه وحدة واحدة لا تتجزأ، إلا أنه إذا أفرد لأحد الأقسام داخل الفرع الواحد عدد معين من الوظائف والدرجات منسقة في ترتيب تصاعدي مرسوم بحيث يقوم له بها كيان مستقل، فإنه يعتبر وحدة قائمة بذاتها غير مندمجة في باقي أقسام الفرع.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار الذي صدر بالترقيات المطعون فيها قد وقع مخالفاً للقانون وجاء على أساس قاعدة خاطئة مفادها أن ديوان الموظفين مقسم إلى وحدتين ماليتين منفصلتين هما الديوان العام من جهة ومراقبو ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح من جهة أخرى. ولئن كانت ميزانية ديوان الموظفين - الواردة تحت قسم (7) من ميزانية الدولة لسنة 1953 - 1954 التي صدر قرار الترقية في ظلها - قد أفردت قسمين للديوان العام ولمستخدمي الوزارات والمصالح، إلا أن هذا التقسيم لا يعدو أن يكون تقسيماً داخلياً فقط، وإنما الوحدة المالية هي للديوان جميعه؛ ومن ثم يجب أن يشمل جميع موظفيه كشف أقدمية واحد تجرى على أساسها الترقيات. ولا يحاج بأن المادة 3 من المرسوم بقانون رقم 158 لسنة 1952 في شأن ديوان الموظفين قد نصت على أن "يؤلف الديوان من إدارات يحدد عددها واختصاص كل منها بقرار يصدر من وزير المالية والاقتصاد بموافقة رئيس الديوان"؛ لأن الوحدات والتقسيمات الإدارية شيء والوحدات المالية شيء آخر. ومرد الأخيرة منها إلى الميزانية دون غيرها، أو إلى قانون يصدر بهذا التخصيص المالي. كما لا حجية لما ذهب إليه ديوان الموظفين، تبريراً لرأيه، من اختلاف طبيعة العمل بين كل من القسمين؛ لأن اختلاف الطبيعة هذه لا أساس لها، سواء في القانون رقم 158 لسنة 1952 أو في الميزانية التي أجريت الحركة في ظلها. ولا حجية أيضاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن التقسيمات الداخلية بكل فرع قد أوردت الوظائف منسقة كل منها تنسيقاً تصاعدياً يدل على قصد واضع الميزانية من إيجاد تخصيص لهذا القسم وإيثاره بوحدة قائمة بذاتها - لا حجية لكل ذلك؛ لأن التخصيص لا يقوم على مجرد الاستنتاج، إنما يجب أن يستند إلى دليل قاطع به كنص خاص أو كاختلاف طبيعة العمل إذا تطلبت الوظائف تأهيلاً خاصاً أو صلاحية معينة في قسم من الأقسام الداخلة في الوحدة المالية. وإذا كان ديوان الموظفين قد رأى لاعتبارات عملية أن يجرى على التقسيم بين وظائف الديوان العام ومستخدمي الوزارات والمصالح، فإن هذا التقسيم لا يمكن أن ينهض بالمخالفة للقانون. وحسب الديوان نسبة الاختيار حيث يمكن استعمالها كاملة في ترقية أكفأ الموظفين لشغل الدرجات الأعلى. وتأسيساً على ما تقدم يكون ديوان الموظفين وحدة مالية واحدة، وما دام المدعي أسبق في الأقدمية من الذين رقوا في القرار المطعون فيه بالأقدمية إلى الدرجة الثالثة الإدارية، فإن تخطيه بهذه الترقية يكون قد جاء مخالفاً للقانون. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً لما تقدم من نظر تعين الطعن فيه والمطالبة بإلغائه، والقضاء بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه.
ومن حيث إن هذه المنازعة تدور حول ما إذا كانت وظائف ديوان الموظفين تعتبر وحدة واحدة في الأقدمية والترقية تنتظم موظفيها جميعاً أقدمية واحدة، أم أنها مقسمة إلى قسمين في وحدتين مستقلتين في الأقدمية والترقية، وهما وظائف الديوان العام من جهة، ووظائف مراقبي رؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح من جهة أخرى، فيكون لكل قسم منهما كشف أقدمية مستقل بموظفيه قائم بذاته، بحيث لا يتزاحم عند الترقية موظفو قسم منهما مع موظفي القسم الآخر، ولا يجوز إقحام موظف من أي من القسمين عند الترقية إلى درجة خلت بالقسم المقابل. وقد اعتصم بوجهة النظر الأولى كل من المطعون لصالحه وتقرير الطعن، واستند في دفاعه إلى وجهة النظر الثانية ديوان الموظفين تؤيده أسباب الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن مرد الفصل في هذا الخلاف هو إلى نصوص القانون واللوائح والتعليمات المالية وأوضاع ميزانية الدولة وما تنطوي عليه من تقسيم وظائف الديوان إلى وحدتين مستقلة كل منهما عن الأخرى؛ فقد نصت المادة الثالثة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة على أنه "يكون مراقبو ومديرو ورؤساء المستخدمين ووكلاؤهم بالوزارات والمصالح ما عدا ديوان المحاسبة تابعين لديوان الموظفين وتدرج وظائفهم بميزانيته". فأصبحت هذه الطائفة المعينة من موظفي الدولة منذ أول يوليه سنة 1952 تكون وحدة مستقلة لها كيانها القائم بذاته تضمهم وتميزهم عن باقي موظفي الوزارات والمصالح التي يباشرون ولايتهم الإدارية فيها، وتفصلهم عنهم بعد إذ ألحقهم قانون موظفي الدولة بديوان الموظفين وأتبعهم إليه، بحيث لا يجوز شغل أية درجة من الدرجات المخصصة لديوان الموظفين بوساطة الوزارة أو المصلحة التي يعملون فيها، وإنما صاحب الحق وحده في شغلها هو الديوان. وليس معنى إلحاقهم بديوان الموظفين أنهم قد أصبحوا مندمجين في وحدة واحدة مع سائر موظفي الديوان التي تضم سائر وظائفه بغير تفصيل أو تقسيم يقوم أساساً على اختلاف طبيعة العمل في وظائف كل كادر بالديوان؛ ذلك أن المرسوم بقانون رقم 158 لسنة 1952 الصادر في 18 من أغسطس سنة 1952 في شأن ديوان الموظفين - بعد إذ نص في مادته الأولى على أن الديوان هيئة مستقلة تلحق بوزارة المالية، وفي مادته الثانية على اختصاصات الديوان - نص في المادة الثالثة منه على أنه "يؤلف ديوان الموظفين من إدارات يحدد عددها واختصاص كل منهما بقرار يصدر من وزير المالية والاقتصاد بموافقة رئيس الديوان"، وفي 23 من أغسطس سنة 1952 صدر القرار المذكور رقم 6 بتحديد الاختصاصات بالإدارات العامة والمراقبة العامة بديوان الموظفين، وجاء في المادة الأولى من هذا القرار "يؤلف ديوان الموظفين من الإدارات الآتية: الإدارة العامة لشئون الموظفين - الإدارة العامة لترتيب الوظائف - الإدارة العامة للتشريع والبحوث - الإدارة العامة للاختبار والتمرين - مراقبة الإدارة العامة"، وحدد القرار بالتفصيل اختصاص كل من هذه الإدارات على النحو الأتي: (1) تختص الإدارة العامة لشئون الموظفين بالإشراف على تنفيذ قانون موظفي الدولة في الوزارات والمصالح العامة، وما يتبع ذلك من إصدار التعليمات والمنشورات والإفتاء فيما يستشكل على الوزارات والمصالح في تطبيق القوانين والتعليمات الخاصة بالموظفين. (2) وتختص الإدارة العامة لترتيب الوظائف بالنظر في تحديد عدد الموظفين ودرجاتهم في الوزارة والمصالح العامة بقدر ما تقضي به ضرورة العمل، ومراجعة مقترحات ميزانيات الوزارات والمصالح العامة والاعتمادات الأخرى فيما يختص بالوظائف عدداً أو درجة، وما يتبع ذلك من تعديل في نظم العمل بالحكومة، كما تختص بجميع البيانات الإحصائية الخاصة بالموظفين والوظائف واستخلاص النتائج منها. (3) وتختص الإدارة العامة للتشريع والبحوث ببحث التشريعات والتعليمات القائمة فعلاً واقتراح تعديلها، وصياغة المنشورات والتعليمات الخاصة بالموظفين، وبحث قضايا الموظفين التي ترد للديوان من إدارة قضايا الحكومة وأقسام الرأي بمجلس الدولة، والنظر في الشكاوى التي يقدمها الموظفون عن طريق الوزارات والمصالح التابعين لها، والرد عليها، وتطبيق المبادئ التي يستقر عليها القضاء الإداري فيما يتعلق بشئون الموظفين وإعدادها في صيغة منشور أو كتاب دوري للعمل به في سائر الوزارات والمصالح. (4) وتختص الإدارة العامة للاختبار والتمرين بوضع نظم الامتحانات للتعيين في وظائف الحكومة، وإجراء هذه الامتحانات وتمرين الموظفين على الأعمال الحكومية المختلفة، وتزويد الوزارات والمصالح بما يلزمها من الموظفين، وتتلقى هذه الإدارة طلبات المرشحين للوظائف وطلبات الوزارات والمصالح على الوظائف الخالية وتبويبها. (5) وتختص مراقبة الإدارة العامة بجميع الأعمال الإدارية والكتابية الخاصة بالديوان من مستخدمين وسكرتارية وحسابات ومحفوظات ومخازن. وقد نصت المادة الثانية من القرار الوزاري على أن يعمل به من تاريخ صدوره في 23 من أغسطس سنة 1952.
ومن حيث إن المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 158 لسنة 1952 السالف الإشارة إليه تنص على أنه "يضع رئيس الديوان مشروع ميزانيته ويرسله إلى وزير المالية والاقتصاد قبل بدء السنة المالية بأربعة أشهر على الأقل ليتولى تقديمه إلى البرلمان تحت قسم خاص في مشروع ميزانية الدولة العامة. ويدرج وزير المالية والاقتصاد المشروع كما أعده رئيس الديوان... ويكون لرئيس الديوان السلطة المخولة للوزير فيما يتعلق باستخدام الاعتمادات المقررة بميزانية الديوان وفي تنظيمه وفي الإشراف على أعماله العامة والإدارية، وبوجه خاص في تعيين موظفي الديوان ومنحهم العلاوات والترقيات والإجازات وفي الجزاءات التأديبية، ويعامل موظفو الديوان فيما يتعلق بالتعيينات والترقيات والإجازات والتأديب بالقواعد الموضوعة لسائر موظفي الدولة، على أنه لا يجوز نقل أحدهم إلى وزارة أو مصلحة أخرى أو ندبه للقيام بعمل أية وظيفة عامة أخرى إلا بموافقة رئيس الديوان". والذي يبين من استقراء ميزانية ديوان الموظفين - وهو ملحق بحكم القانون بوزارة المالية - عن السنة المالية 1953 - 1954 التي تمت في غضونها حركة الترقيات المطعون فيها بالإلغاء، أنها جاءت تحت القسم (7) ديوان الموظفين (صفحة 171 من مجلد ميزانية الدولة)، ونص فيها تحت البند (1) المتعلق بماهيات وأجر ومرتبات ( أ ) الدرجات الدائمة: الوظائف العليا؛ رئيس ديوان الموظفين ووكيل الديوان ومدير عام شئون الموظفين وثلاث وظائف (مديرون عامون) في درجة مدير عام (ب) بمرتب 1200 جنيه سنوياً لكل منها. ثم قسمت الميزانية بعد ذكر هذه الوظائف العليا وظائف ديوان الموظفين إلى قسمين رئيسيين مستقلين تماماً كل منهما عن الآخر؛ فذكرت تحت (1): القسم الأول، الديوان العام، الوظائف العالية الإدارية، وجاء تحتها التفصيل الأتي: الإدارة العامة لشئون الموظفين، الإدارة العامة لترتيب الوظائف، الإدارة العامة للتشريع والبحوث، الإدارة العامة للاختبار والتمرين، مراقبة الإدارة العامة وفيها تقسيم إلى مكتب رئيس الديوان ثم مكتب وكيل الديوان. وبعد ذلك يأتي بند الوظائف الكتابية المتعلقة بكل إدارة من الإدارات المذكورة تحت الوظائف العالية؛ وبذلك ينتهي هذا القسم المستقل المنفصل بوظائفه ودرجاته واختصاصاته على النحو الذي فصلها القرار الوزاري رقم (6) السالف الإشارة إليه. ثم يبدأ القسم الثاني تحت رقم (2): مراقبو ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمو الوزارات والمصالح. ويبدأ تفصيل هذا القسم على غرار تفصيل القسم الأول السالف الذكر بالوظائف العالية الإدارية، وتتميز هذه الوظائف المذكورة بالقسم الثاني عن مثيلتها الواردة بالقسم الأول بأنها جاءت مرسلة دون تقسيم فرعي إلى إدارات، وكل ما جاء بها هو عدد (4) وظائف مراقب عام في الدرجة الأولى، و(12) وظيفة مراقب في الدرجة الثانية، و(20) وظيفة وكيل مراقب في الدرجة الثالثة، و(33) وظيفة مديري ووكلاء مستخدمين في الدرجة الرابعة، و(51) وظيفة رؤساء ووكلاء مستخدمين في الدرجة الخامسة، و(42) وظيفة وكلاء مستخدمين في الدرجة السادسة؛ وبذلك تنتهي طائفة الوظائف العالية الإدارية بهذا القسم الثاني الخاص بمراقبي ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح، يبدأ البند المتعلق بالوظائف الكتابية المخصصة لهذا القسم الثاني؛ وبذلك ينتهي البند (1) الخاص بماهيات وأجر ومرتبات ديوان الموظفين. وظاهر من هذا التفصيل الوارد بميزانية القسم الثاني من البند (1) ديوان الموظفين أن وظائف ودرجات هذا القسم قد وضعت في شكل هرمي مستقل يبدأ أعلاه بأربع وظائف مراقب عام في الدرجة المالية الأولى، وينتهي تدريجياً إلى قاعدته باثنين وأربعين وظيفة وكلاء مستخدمين في الدرجة المالية السادسة، وعدد درجات الوظائف العالية الإدارية فيه قد بلغ مجموعها 162 درجة، وعدد درجات الوظائف الكتابية فيه قد بلغ 26 درجة تتدرج مبتدئة من الرابعة إلى الثامنة. وهذا هو ما أطلق عليه ديوان الموظفين تجوزاً: كادر مراقبي ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح، فهو وحدة قائمة بذاتها مستقلة عن كادر القسم الأول وهو الديوان العام، الذي يقوم أيضاً على شكل هرمي كبير مستقل عن الآخر، ولكنه يتفرع في ذاته إلى الإدارات العامة الخمس التي حدد اختصاصات كل منها القرار الوزاري رقم 6، وفي كل منها تدرج هرمي لعدد وظائفها ودرجاتها، ويبدأ هرم الإدارة العامة لشئون الموظفين بوظيفة واحدة لوكيل مدير عام في الدرجة المالية الأولى، ثم وظيفتين لمراقبين كل منهما في الدرجة المالية الثانية، ثم أربع وظائف: وكيل مراقب ومديرو إدارات في الدرجة المالية الثالثة، ثم ثماني وظائف لمديري إدارات في الدرجة المالية الرابعة، ثم 11 وظيفة: وكلاء إدارات ورؤساء أقسام في الدرجة المالية الخامسة، ثم 14 وظيفة لموظفين بغير لقب، وكل منها في الدرجة المالية السادسة؛ وبذلك ينتهي أول هرم تدريجي في الإدارة العامة لشئون الموظفين، وهي على رأس الإدارات الداخلة في القسم الأول (الديوان العام)، ثم يبدأ التدرج الهرمي (للإدارة العامة لترتيب الوظائف)، ومن بعده التدرج الهرمي (للإدارة العامة للتشريع والبحوث)، ثم (للإدارة العامة للاختبار والتمرين)، ثم (لمراقبة الإدارة العامة)، ثم يبدأ بند الوظائف الكتابية لقسم الديوان العام، وبه ينتهي القسم الأول الخاص بالديوان العام والذي يطلق عليه ديوان الموظفين تجاوزاً عبارة كادر الديوان العام بالمقابلة لما أطلق عليه كذلك كادر مستخدمي الوزارات والمصالح على النحو السالف تفصيله من واقع مجلد ميزانية الدولة للسنة المالية 1953 - 1954 قسم (7) ديوان الموظفين (ص 174). يؤكد هذا الاتجاه في توخي الفصل التام بديوان الموظفين، بين وظائف الديوان العام من جهة، وبين وظائف مستخدمي الوزارات والمصالح من جهة أخرى، إصرار واضعو ميزانية الديوان على التقسيم السالف تفصيله، في كل ميزانية جديدة لديوان الموظفين أعقبت تلك الميزانية. ويظهر ذلك جلياً من مراجعة مجلد ميزانية الدولة لسنة 1956 - 1957، في الصفحات من 148 إلى 151 عن قسم (7) ديوان الموظفين، فقد نصت أيضاً على تقسيم بند (1) ماهيات وأجر ومرتبات إلى: (1) الديوان العام (2) مراقبو ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح.
ومن حيث إنه يبين من استقراء محضر لجنة شئون الموظفين عن الجلستين المنعقدتين في 24 و28 من إبريل سنة 1954 - تمهيداً لاستصدار القرار رقم 85 لسنة 1954، وهو القرار المطعون فيه بالإلغاء لتخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية بالأقدمية المطلقة - أن اللجنة المذكورة انعقدت برياسة السيد وكيل الديوان ونظرت في مسائل معينة جاء في مقدمتها: "الجزء الخاص بالترقية إلى الدرجة الثالثة بكادر الديوان العام"، وجاء في محضر اللجنة "أن نسبة الاختيار في هذه الدرجة هو الثلث. وحيث إنه سبق الترقية إلى عدد 12 درجة في 30 من سبتمبر سنة 1953 بالأقدمية المطلقة واحتفظ بنسبة الاختيار، فتكون الترقية إلى الدرجات الخمسة الحالية جميعها من نصيب الاختيار. وحيث إنه لا يوجد سوى موظف واحد أكمل المدة القانونية لجواز الترقية بالاختيار، وباقي المرشحين جميعهم لم يكملوا المدة القانونية؛ إذ أن أقدميتهم من 19 من فبراير سنة 1953، فقد رأت اللجنة بإجماع الآراء إجراء الترقية في درجة واحدة بالاختيار، ثم استعمال الأربع درجات الباقية للترقية بالأقدمية المطلقة، والاحتفاظ بنسبة الاختيار لحركة مقبلة. وبعد أن استعرضت اللجنة حالة المرشحين للترقية واطلعت على تقاريرهم السرية، وافقت بإجماع الآراء على الترقية الآتية أسماؤهم بالأقدمية المطلقة، فيما عدا الأول منهم (محمد أحمد نصر) فقد رأت اللجنة ترقيته بالاختيار؛ فيرقى (محمد رفعت، وعلي زين الدين، وأمين عبد الرحمن، وأمين الصيفي). وقد تخطت اللجنة في الترقية (محمود حمدي راضي)؛ إذ يقع ترتيبه الثاني في الأقدمية، ولكنه لم ينقل للديوان إلا اعتباراً من أول إبريل سنة 1954، ويسري في شأن ترقيته بالأقدمية قيد السنة، وترقيته بالاختيار غير جائزة لعدم قضائه المدة المقررة قانوناً". وقد اعتمد محضر هذه اللجنة في 29/ 4/ 1954 السيد رئيس ديوان الموظفين، وفي أول مايو سنة 1954 صدر ونشر القرار رقم 85 لسنة 1954، وجاء في ديباجته "بعد الاطلاع على ملفات وأوراق مدة خدمة السادة موظفي الديوان العام الآتية أسماءهم بعد، وبعد الاطلاع على محضر لجنة شئون الموظفين بجلستيها المنعقدتين في 24 و28 من إبريل سنة 1954، وعلى ميزانية الديوان للسنة المالية 1953 – 1954، قرر أولاً: ترقية السادة موظفي الديوان العام الآتية أسماؤهم بعد اعتباراً من 29 من إبريل سنة 1954.. وإلى الدرجة الثالثة (المطعون في ترقيتهم) "ونص القرار على ترقيتهم جميعاً بالأقدمية المطلقة فيما عدا الأول (نصر) فتكون ترقيته بالاختيار، وواضح من عبارات القرار المطعون فيه ومن محضر لجنة شئون الموظفين التي مهدت لصدور القرار أن حركة هذه الترقيات إنما صدرت مقصورة على وظائف الديوان العام كوحدة قائمة بذاتها، دون النظر أو التعرض لوظائف القسم الثاني من ميزانية الديوان، وهو قسم مراقبي ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح الذين من بينهم المدعي.
ومن حيث إنه يتضح من كل ما تقدم أن ميزانية ديوان الموظفين - بحسب أوضاعها التي استقرت عليها منذ السنة المالية 1953 - 1954 - انتظمت طائفتين من الموظفين، تكون كل منهما وحده قائمة بذاتها مستقلة ومنفصلة عن الأخرى: أولاهما، وحدة موظفي الديوان العام، والثانية وحدة مراقبي ورؤساء ووكلاء أقسام مستخدمي الوزارات والمصالح. ومقتضى هذا التقسيم الذي يقوم أساساً على اختلاف نوع وطبيعة العمل على التفصيل المتقدم، وهو استقلال كل من الوحدتين المشار إليهما بوظائفه ودرجاته، وأقدميات الموظفين الذين ينتمون إليه، ومتى كان الأمر كذلك، فإن كل وحدة من هاتين الوحدتين تنفرد - عند إجراء حركة الترقية - بدرجاتها ووظائفها التي لا يزاحم أفراد الوحدة الأخرى موظفيها في الترقية إلى الدرجات الشاغرة بها. فإذا خلت درجة في إحدى الوحدتين فليس لموظفي الوحدة الأخرى أي حق في الترقية إليها أو الأمل فيها؛ إذ يقتصر حقهم المشروع على الترقية إلى الدرجات التي تخلو بالوحدة التي يتبعونها، فلا امتزاج ولا إدماج بين درجات الوحدتين عند الترقية. وغني عن البيان أن الأصول المالية توصي بذلك، وتقضي بأنه متى كان ترتيب الدرجات في وزارة أو مصلحة مقسماً في الميزانية إلى أقسام قائمة بذاتها، فلا يجوز استعمال وظيفة في قسم ما لتعيين مرشح فيها يشغل وظيفة في قسم آخر، أو لترقية موظف في قسم آخر.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه بالإلغاء، إذ صدر بالتطبيق للمبدأ السليم المتقدم، يكون قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون، وتكون الدعوى التي يستهدف بها المطعون لصالحه إلغاء هذا القرار غير قائمة على سند من القانون سليم. وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في غير محله، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.