مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1629

(170)
جلسة 12 من يوليه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 785 لسنة 3 القضائية

( أ ) اختصاص - الدعوى بطلب إلغاء قرار صادر من مصلحة التنظيم بالترخيص لآخر في إقامة مبانِ بالمخالفة لمرسوم التقسيم - اختصاص القضاء الإداري بنظرها بالتطبيق للمادة 8/ 6 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955.
(ب) تقسيم - القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي - الأحكام والشروط والقيود التي تضمنها - تعلقها بالمصلحة العامة - التزام السلطة القائمة على أعمال التنظيم بمراعاتها عند الترخيص في البناء - تعارض شروط الترخيص في البناء مع شروط مرسوم التقسيم - ذلك يصم القرار بعيب مخالفة القانون.
1 - متى كانت المنازعة تنصب على اختصام القرار الإداري الصادر من مصلحة التنظيم ببلدية القاهرة في 3 من مايو سنة 1956 رقم 981/ 1955 "بالترخيص للسيد المقاول أحمد علي عبد العظيم في بناء اثني عشر دوراًًًًًًًًًًً فوق الأرض المبينة بالكروكي المسطر بالترخيص..."، وقد طلبت المدعية في هذه المنازعة إلغاءه وبصفة مستعجلة وقف تنفيذه استناداً إلى أن القرار المذكور وقع مخالفاً للقانون لخروجه على أحكام مرسوم التقسيم، فإن الدعوى - والحالة هذه - مما يدخل في اختصاص القضاء الإداري بالتطبيق للفقرة السادسة من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، التي جعلت من اختصاصه "الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية"، ولا يغير من الأمر شيئاً أن تكون المدعية قد أشارت إلى حقوق الارتفاق المتعلقة بارتفاع البناء ومساحته التي يرتبها القانون على أرض بحكم مرسوم التقسيم؛ ذلك أنها إنما تستند إلى ذلك في صدد بيان مصلحتها في طلب الإلغاء وفي صدد مخالفة القرار الإداري للقانون، باعتبار أن الإدارة كان يتعين عليها مراعاة ما رتبه مرسوم التقسيم من هذه الارتفاقات عند إصدار الترخيص، وأنها إذا أغفلتها فقد خالفت القانون، كما أن مؤدى الحكم بإلغاء القرار الإداري أن يعتبر باطلاًًًًًًًً منذ صدوره، معدوماً قانوناً، ولكن الحكم لا ينصب إلا على القرار الإداري وحده وما يترتب عليه، أما حقوق ذوي الشأن من الجيران الذين لهم أن يفيدوا من هذا الارتفاقات فيما بين بعضهم البعض، سواء بطلب الإزالة أو بالتعويض، إن كان لهذا أو ذاك وجه قانوني، فهذه منازعة أخرى من اختصاص القضاء المدني.
2 - إن القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي فرض أحكاماً عامة ملزمة فيما يتعلق بالتقسيم والبناء على تلك الأراضي، كما حظر إنشاء أو تعديل أو تقسيم إلا بعد الحصول على موافقة سابقة من السلطة القائمة على أعمال التنظيم على المشروع الذي وضع له، وذلك وفقاًًًًً للشروط المقررة بموجب القانون المذكور واللوائح المنفذة له. وغني عن القول أن هذه الأحكام والشروط والقيود إنما تتعلق بالمصلحة العامة لارتباطها الوثيق بمرفق التنظيم وبمرفق التعمير وتحسين رونق المدنية وجمالها؛ وهي بهذه المثابة أحكام ملزمة للكافة. فتلتزم السلطة القائمة على أعمال التنظيم مراعاتها عند الموافقة على التقسيم، وبعد ذلك عند الترخيص في البناء على القطع المقسمة، بحيث لا تتعارض شروط الترخيص في البناء مع شروط مرسوم التقسيم، فإن خالفت ذلك كان تصرفها مخالفاً للقانون، كما يلتزم بمراعاتها كذلك ذوو الشأن، سواء المقسمون أو من تملك منهم رأساً أو من آلت إليهم الملكية بعد ذلك، كل فيما يخصه في الحدود وبالقيود التي تقع على عاتقه قانوناً، وإلا استهدف للجزاء، جنائياً كان أم مدنياً أو كليهما معاً، بحسب الظروف والأحوال. وما دامت قطعة الأرض محل الترخيص المطعون فيه هي من أراضي التقسيم، فكان يتعين - والحالة هذه - على مصلحة التنظيم أن تراعي تلك الشروط والأحكام عند إصدار الترخيص المطعون فيه في 3 من مايو سنة 1956، فلا تصدره إلا بالمطابقة للشروط والقيود المبينة في مرسوم التقسيم الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944، ولكنها خالفتها، فوقع قرارها مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.


إجراءات الطعن

في 29 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 785 لسنة 3 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 23 من إبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 1627 لسنة 10 ق المقامة من السيدة فاطمة فتحي حرم الدكتور محمود دياب ضد السيد وزير الشئون البلدية والقروية والسيد وزير الأوقاف والسيد/ أحمد علي عبد العظيم، والذي يقضي "برفض الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم القبول، وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء قرار مصلحة التنظيم الصادر في 3 من مايو سنة 1956 بمنح أحمد علي عبد العظيم رخصة بناء على القطعة رقم 11 من المنطقة (م) المرموز لها باللون البني في خريطة مدينة الأوقاف، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وإلزام المدعية بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 4 من يونيه سنة 1957، وإلى وزارة الأوقاف وإلى أحمد علي عبد العظيم وإلى المطعون عليها في 5 من يونيه سنة 1957. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة أول فبراير سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما أرت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وقدمت المطعون عليها أربع مذكرات انتهت فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن، كما قدمت وزارة الأوقاف ثلاث مذكرات خلصت أيضاًً إلى طلب الحكم برفض الطعن، وقدم الخصم الثالث أحمد علي عبد العظيم مذكرة طلب فيها الحكم بقبول الطعن، وانقضت المواعيد القانونية دون أن تقدم وزارة الشئون البلدية والقروية مذكرة بوجهة نظرها في الطعن، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 1627 لسنة 10 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية تلك المحكمة في أول يوليه سنة 1956 طالبة "الحكم: ( أ ) بوقف تنفيذ قرار مصلحة التنظيم الصادر في 3 من مايو سنة 1956 بمنح السيد/ أحمد علي عبد العظيم رخصة بناء على القطعة رقم 11 من المنطقة (1) المرموز لها باللون البني في خريطة أراضي مدينة الأوقاف. (2) إلغاء قرار مصلحة التنظيم سالف الذكر نظراًًًًًًًًًًً لمخالفته لأحكام المرسوم الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944 الخاص بتقسيم أراضي مدينة الأوقاف مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك مع إلزام المعلن إليهم جميعاًً بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقالت - شرحاً لدعواها - إنها اشترت من وزارة الأوقاف قطعة أرض من تقسيم مدينة الأوقاف في المنطقة المرموز لها بالحرف (م) والملونة باللون البني في خريطة تقسيم المدينة والمرقومة برقم 12، وبنت عليها داراً راعت فيها الشروط المقررة مراعاة تامة. ثم اشترى الدكتور محمد أحمد شعبان القطعة المجاورة لقطعة السيدة المدعية، وقطعة الدكتور شعبان هي المرقومة برقم 11، ثم آلت هذه القطعة بعد ذلك إلى السيد/ محمد مصطفى الصيرفي، ومن بعده آلت إلى السيد/ أحمد علي عبد العظيم الذي تقدم لمصلحة التنظيم بطلب ترخيص له بالبناء على هذه القطعة رقم 11، متجاوزاً فيه شروط البناء المقررة لهذه المنطقة من مدينة الأوقاف بمقتضى المرسوم الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944. وتفصيل ذلك أنه طلب بناء عدد عديد من الأدوار ويشغل من الأرض غالبيتها العظمى وهو 95% من مساحتها، وفعلاً أجيب إلى طلبه، وأعطيت له الرخصة من مصلحة التنظيم في 3 من مايو سنة 1956، ولما كانت شروط البيع في المدينة قد نصت في البند التاسع منها على أن القطع الملونة باللون البني على الخريطة مخصصة لإنشاء العمارات الاستغلالية للسكن فقط، ويشترط فيما يقام عليها من الأبنية ألا تشغل المباني المقفلة أكثر من نصف المساحة إذا كان الارتفاع الكلي للمبنى لا يزيد على 15 و1/2 متر، ولا أكثر من ثلث المساحة إذا زاد الارتفاع الكلي على 15 و1/ 2 متر. ولما كان الترخيص الذي أعطى للسيد عبد العظيم يتضمن مخالفات عدة لشروط البيع والبناء في هذا التقسيم، وهي: (1) أنه ترخيص لعمارة استغلالية غير مخصصة للسكن فقط لأنها تحتوي على دكاكين. (2) أنه ترخيص بإقامة عمارة تشغل مبانيها الغالبية العظمى من مساحة الأرض حالة أنه لا يجوز أن تشغل أكثر من ثلث المساحة أو نصفها حسب الأبعاد والبيانات المقررة بالبند (9) من شروط البيع والبناء الخاصة بهذا التقسيم. ولما كانت هذه الشروط قد صدر بها مرسوم في 30 من أكتوبر سنة 1944 (خاص بمدينة الأوقاف وشروط التقسيم والبيع والبناء)، وهذا المرسوم إنما يقرر أحكاماً تنظيمية تسري على جميع ملاك الأراضي الداخلة في خريطة التقسيم، فإن مصلحة التنظيم مكلفة - من تلقاء نفسها - بأن تراعي أحكام المرسوم الخاص بإنشاء المدينة عند إعطاء تراخيص البناء على الأرض الداخلة في منطقة التقسيم المذكورة. أما وأنها قد خالفت المرسوم ولم تراع شروطه، وأصدرت الرخصة بالمخالفة لأحكامه، فإن قرارها هذا يكون مشوباً بعيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، مما يستدعى إلغاءه بالتطبيق لنص المادة الثامنة من قانون مجلس الدولة ولما كانت مصلحة المدعية في طلب إلغاء قرار التنظيم بإعطاء هذه الرخصة واضحة قائمة في أن بناء عمارة مخالفة لشروط التقسيم والبناء وسط باقي العمارات التي راعت هذه الشروط المفروضة بمقتضى القانون، مما يضر بهذه العمارات من حيث حجب النور والهواء والقضاء على رونق المنطقة وجمالها، وهو القصد من تقرير هذه القيود على البناء، كما أن هذه القيود ما هي إلا حقوق ارتفاقية لمصلحة كل عقار في المنطقة على باقي العقارات (المادة 1018 مدني)؛ فمن ثم تتوافر مصلحة الطالبة في طلب إلغاء الترخيص بالبناء. ولما كان تنفيذ هذا القرار الصادر من مصلحة التنظيم بإعطاء السيد/ أحمد علي عبد العظيم رخصة بناء مخالفة للشروط المفروضة بمقتضى القانون يترتب عليه ضرر بالغ بالمدعية، من حيث إنه قد يصعب إزالة الضرر بإزالة البناء فيما لو قضي بإلغاء الرخصة، مما سيكون معه هذا الحكم - فيما لو قضى به - عندئذٍ غير ذي موضوع لا يمكن تنفيذه؛ لذلك فإنه يهم المدعية أن تتقدم بطلب وقف تنفيذ القرار الصادر من مصلحة التنظيم بإعطاء السيد/ أحمد علي عبد العظيم رخصة مخالفة للقانون. ولما كانت محكمة القضاء الإداري تختص بهذه الطلبات التي تطلبها المدعية وفقاً لنص المادتين 8/ 6 و18/ 1 من قانون مجلس الدولة، والرخصة محل الطعن بالإلغاء هي قرار مصلحة التنظيم الصادر في 3 من مايو سنة 1956 وهو ما تطلب المدعية الحكم أولاً بوقف تنفيذه ثم القضاء بإلغائه. وفي 4 من يوليه سنة 1956 أودعت المدعية مذكرة شارحة وحافظة بمستنداتها من بينها: (1) صورة رسمية من حجة البدل الشرعية المحررة بجلسة التصرفات في 25 من أكتوبر سنة 1944. وقد أثبتت المحكمة فيها ما يأتي: "بمحكمة مصر الابتدائية الشرعية في يوم الأربعاء 8 من ذي القعدة سنة 1362 الموافق 25 من أكتوبر سنة 1944 بجلسة التصرفات حضر لإجراء ما يأتي مندوب وزارة الأوقاف نائباً عنها وحضر الدكتور محمد أحمد شعبان حكيمباشي مستشفى الرمد بطنطا مشترياً ما يأتي: وتبين من مادة التصرفات (850/ 43/ 1944) أنه ورد إلى هذه المحكمة كتاب وزارة الأوقاف في 25 من مارس سنة 1944 رقم 573 المتضمن أن مجلس الأوقاف الأعلى وافق بقراره الصادر في بحر الأيام من 22 إلى 27 من يونيه سنة 1943 على إبدال حوالي ستة أفدنة تابعة لوقف محمد سعيد باشا على جامع القلعة وسنان باشا الخيري بالدقي، على أساس جنيه ونصف للمتر فقسمت إلى 37 قطعة يتخللها شوارع وحملت القطع ثمن الشوارع، وقد شهرت القطعة رقم 6 تقسيم من هذه الأراضي في المزاد ومساحتها 576 متراً بثمن أساسي 1498 ج ورسا مزادها بجلسة 10 من يناير سنة 1944 على السيد/ سامي محمد أحمد شعبان بمبلغ ألف وخمسمائة جنيه، ثم تنازل عنها لوالده الدكتور محمد أحمد شعبان بموجب الإقرار المدون على قائمة المزاد، وقام السيد الدكتور محمد أحمد شعبان بسداد كامل الثمن لوزارة الأوقاف، وطلبت الوزارة توقيع صيغة الإبدال الشرعية للدكتور المذكور على أن تنص في الحجة أن الاستبدال تم طبقاً لشروط قائمة المزاد المؤرخة 23 من ديسمبر سنة 1943، وموقع عليها من الراسي عليه المزاد في 10 من يناير سنة 1944، ومن حضرة المتنازل إليه في 23 من مارس سنة 1944. وبجلسة 21 من يونيه سنة 1944 قررت المحكمة الموافقة على هذا الاستبدال، ومضت المدة المقررة لاستئناف قرار الموافقة هذا ولم يتبين استئنافه وبعد أن تمت الإجراءات اللازمة لهذه المادة وقعت الصيغة الشرعية بين هيئة المحكمة عن جهة هذين الوقفين بائعة، وبين السيد الدكتور محمد أحمد شعبان مشترياً، فأبدلت إليه هذه الهيئة واستبدل هو منها لنفسه بما له جميع قطعة الأرض (6) من تقسيم أطيان وقفي سنان وسعيد على جامع القلعة بالدقي الكائنة بناحية الدقي والجيزة بحوض داير الناحية (21 و24 و6 تقسيم)، ومساحتها 7 س 3 ط تعادل 576 متراً مربعاً. (2) صورة رسمية من صحيفة الدعوى رقم 379 لسنة 1955 كلي الجيزة المرفوعة من السيد/ أحمد علي عبد العظيم ضد السيد/ مصطفى الصيرفي، ومعلنة في 26 من يونيه سنة 1955، يقول فيها المدعي عبد العظيم "إنه اشترى من الصيرفي في 23 من إبريل سنة 1955 قطعة أرض فضاء معدة كلها للبناء، وقد آلت للصيرفي بحجة استبدال شرعية صادرة في 26 من أكتوبر سنة 1944، وأنه لما طلب استخراج رخصة بالبناء على كل المساحة رفضت المصلحة، وأفهمه المختصون أن تلك القطعة تخضع في بنائها لأحكام مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف، وأنه سبق أن أنذر الصيرفي في 9 من مايو و8 من يونيه سنة 1955، عارضاً عليه فسخ العقد أو تخفيف الثمن نظير الأرض الممنوع بناؤها طبقاً للمرسوم المذكور، وتحدد للقضية جلسة 23 من إبريل سنة 1955". وقد عين لنظر طلب وقف التنفيذ جلسة 10 يوليه سنة 1956، وتداول الطلب بالجلسات، ورخصت المحكمة لوزارة الأوقاف بإدخال السيد/ أحمد علي عبد العظيم خصماًً ثالثاًً في الدعوى. وقد أودع أطراف الخصومة مستندات ومذكرات، وأودعت وزارة الشئون البلدية ملف المادة ومذكرة من الإدارة الهندسية في 2 من أغسطس سنة 1956 جاء فيها أن السيد/ أحمد علي عبد العظيم تقدم بطلب رخصة لبناء عمارة سكنية على قطعة الأرض المملوكة له رقم 28 شارع الدقي، وذلك في 19 من مايو سنة 1955، وعند المعاينة على الطبيعة اتضح أن موقع الأرض موضوع الطلب يدخل ضمن تقسيم مدينة الأوقاف حسب خريطة تقسيم المدينة، وتحمل القطعة الرقم 11 منطقة (م)، ثم أخطر مقدم الطلب في 29 من مايو سنة 1955 بأن الأرض موضوع طلبه خاضعة لتقسيم مدينة الأوقاف، وأنه يتعين عليه تعديل الرسومات طبقاً للاشتراطات. رد عبد العظيم بخطاب في 30 من مايو سنة 1955 أرفق به صورة شمسية للحجة الشرعية التي ثبت فيها أن وزارة الأوقاف قامت في يونيه سنة 1943 باستبدال حوالي ستة أفدنة تابعة لوقف سعيد وسنان الخيري بالدقي، وقسمتها إلى 37 قطعة، وقد شهرت مزادها في 10 من يونيه سنة 1944، وتم البيع نهائياً بموافقة المحكمة الشرعية في 21 من يونيه سنة 1944، أي قبل صدور مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف بثلاثة أشهر تقريباً. ثم أعادت المصلحة التحرير للطالب في 26 من سبتمبر سنة 1955 بإفادته ثانية بأن قطعة الأرض التي يطلب الترخيص عنها هي واقعة ضمن تقسيم مدينة الأوقاف منطقة (م) وينطبق عليها الاشتراطات. وقد أفاد مجلس الدولة في 28 من مارس سنة 1956 بعدم انطباق مرسوم المدينة على القطعة المذكورة، ويتحتم صرف الترخيص المطلوب بدون اشتراطات مفروضة على أرض مدينة الأوقاف. وانتهت المصلحة بصرف الرخصة المطلوبة في 3 من مايو سنة 1956، كما قدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بالدفاع عن وزارة الشئون البلدية والقروية، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء صفة المدعية ومصلحتها؛ إذ أنها لم تكن طرفاً في القرار المطعون فيه، ولم يصدر ضدها أو لصالحها. وقد أوعت وزارة الأوقاف ضمن مستنداتها المودعة في 31 من يوليه سنة 1956: (1) صورة من شروط قائمة بيع أرض مدينة الأوقاف. (2) صورة من مرسوم التقسيم الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944. (3) صورة من حجة البدل في 25 من أكتوبر 1944. (4) صورة من فتوى شعبة الشئون الموجهة إلى وزارة الأوقاف في 28 من يوليه سنة 1953، وتنطوي على وجوب سريان أحكام مرسوم التقسيم على القطعة رقم 11 موضوع المنازعة، وفي هذه الفتوى ما ينهي عن الترخيص بإقامة بناء عليها يخالف أحكام المرسوم. (5) صورة كتاب الأوقاف لمصلحة التنظيم المبلغ في 8 من أغسطس سنة 1953 عن شكوى السيدة المدعية من شروع صاحب القطعة رقم 11 في استخراج رخصة بناء يخالف أحكام مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف، وأنه لما كان المرسوم يسري على جميع المباني التي تقام في هذه المنطقة، حتى ولو لم تشتر طبقاً لشروط المرسوم ما دام لم يقم بالبناء قبل صدور المرسوم، ويرجو عدم الترخيص بالبناء المخالف مع الإفادة عما يتم. وكذلك أودعت وزارة الأوقاف: (6) صورة كتاب مدير البيوع بالأوقاف إلى مدير هندسة التنظيم في 6 من مايو سنة 1956 يتضمن شكوى المشترين للقطعتين رقمي 10 و12 من تقسيم مدينة الأوقاف من قيام المشتري للقطعة رقم 11 ببناء يخالف أحكام مرسوم التقسيم، وأنه يستند إلى فتوى أسست على أن القطعة رقم 11 استبدلت في 25 من أكتوبر سنة 1944 ولذا يسري عليها المرسوم المذكور، ويتحتم الرجوع إلى فتوى شعبة الشئون الاجتماعية والثقافية الصادرة في 28 من يوليه سنة 1953، ويرجو إعادة درس الموضوع وعدم إعطاء الرخصة بالبناء مخالفاً لأحكام المرسوم. (7) وصورة من كتاب قسم قضايا الأوقاف في 6 من يونيه سنة 1956 إلى مدير هندسة التنظيم بإرفاق شكوى الدكتور دياب مع صورة من فتوى الشعبة ورأي مستشار الأوقاف؛ وذلك لإعادة عرض الموضوع على مستشار وزارة الشئون لتقرير ما يراه على ضوء البيانات الواردة بالأوراق. وأودعت وزارة الأوقاف أيضاً في 2 من أكتوبر سنة 1956 كتاب وزير الشئون البلدية إلى وزير الأوقاف في 5 من نوفمبر سنة 1953، متضمناً أن البلدية تقوم بتنفيذ مرسوم تخطيط مدينة الأوقاف في حدود الالتزامات والاشتراطات المشار إليها في هذا المرسوم. وذكرت وزارة الأوقاف في مذكرتها أن مالكين للقطعتين رقمي 10 و12 قد أنذرا الوزارة عن إقامة مالك القطعة 11 بناء مخالفاً لأحكام مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف، وأنه بعرض الأمر على شعبة الرأي أفتت أن القطعة رقم 11 دخلت في التقسيم، فتسري عليها أحكام مرسوم التقسيم؛ لأنه يقرر أحكاماً تنظيمية تسري على أراضي التقسيم. وبناءً على هذه الفتوى كتبت الوزارة لمصلحة التنظيم بوجوب مراعاة أحكام المرسوم بالنسبة للقطعة رقم 11. ولما تكررت الشكاوى عن هذه القطعة كتبت الوزارة لإدارة التخطيط والإدارة الهندسية بعدم إعطاء رخصة تخالف أحكام المرسوم. وطلبت وزارة الأوقاف إخراجها من الدعوى؛ لأن المختص بإعطاء الرخص هو وزارة الشئون البلدية، وهي وحدها المسئولة عن تنفيذ أحكام المرسوم. وبجلسة 9 من أكتوبر سنة 1956 حكمت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) "بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه". وأقامت قضاءها على أن الذي لا نزاع فيه هو أن قطعة الأرض الصادر الترخيص في البناء عليها واقعة في تقسيم مدينة الأوقاف، وأن الترخيص قد صدر بالمخالفة لأحكام المرسوم الصادر بتقسيم تلك المدينة، وإن كان مالكها يزعم بأنها استبدلت للبائع له من قبل صدور مرسوم التقسيم؛ ومن ثم فلا تخضع القطعة رقم 11 للقيود الواردة في المرسوم. وقالت المحكمة إن نقل الملكية لا يتم إلا بتسجيل العقد الناقل لها طبقاً لقواعد القانون المدني، ولما كان إشهاد الاستبدال الصادر للمشتري أولاً، وهو البائع للمدعى عليه الثاني، ولم توقع صيغته، ولم يسجل إلا في 25 أكتوبر سنة 1944، أي بعد صدور المرسوم بتقسيم أرض مدينة الأوقاف؛ ومن ثم تكون الملكية قد انتقلت إليه محملة بالقيود الواردة في ذلك المرسوم، وبالتالي تكون مخالفتها من جانب مصلحة التنظيم مخالفة قانونية تعيب قرارها المطعون، مما يجعل طعن المدعية على القرار الذي يطالب بوقف تنفيذه قائماً على أسباب جدية. وما دامت نتائج تنفيذ ذلك القرار مما يتعذر تداركها إذا تم البناء فعلاً على وجه مخالف للقيود الواردة في المرسوم سالف الذكر؛ لذلك ترى المحكمة أن طلب وقف التنفيذ في محله متعيناً إجابة المدعية إليه. ثم عين لنظر دعوى الإلغاء جلسة 5 من فبراير سنة 1957، وفيها حضر السيد/ أحمد علي عبد العظيم المقاول وطلب قبوله خصماً ثالثاً في الدعوى، فقررت المحكمة قبوله، وأجلت الدعوى لجلسة 5 من مارس سنة 1957 لتقديم مذكرة مع مستندات. وقد أودعت السيدة المدعية مذكرة وحافظة جديدة بمستندات، كما أودعت وزارة الشئون البلدية والقروية بجلسة 16 من إبريل سنة 1957 مذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة، بمقولة إن المنازعة تدور حول أصول تحكمها قواعد القانون المدني؛ ذلك أن الخصم الثالث لم يحترم حقوق الارتفاق الخاصة بعقار السيدة المدعية. وشارك وزارة الشئون البلدية في دفاعها هذا الخصم الثالث في المذكرة المقدمة بدفاعه أمام محكمة الموضوع، وأضاف على دفعه بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري دفعاً آخر بعدم قبول الدعوى، زاعماً أن القرار المطعون فيه ليس بقرار نهائي؛ لأن المدعية لم تتظلم منه ولم تعرضه على اللجنة المشار إليها في القانون رقم 656 لسنة 1954، كما زعمت مذكرة الخصم الثالث انتفاء مصلحة المدعية في رفع مثل هذه الدعوى بإلغاء قرار مصلحة التنظيم بالترخيص له بالبناء في 3 من مايو سنة 1956. وبجلسة 23 من إبريل سنة 1957 حكمت محكمة الموضوع في دعوى الإلغاء "برفض الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم القبول، وقضت باختصاصها بنظر الدعوى وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء قرار مصلحة التنظيم الصادر في 3 من مايو 1956 بمنح السيد/ أحمد علي عبد العظيم رخصة بناء على القطعة رقم 11 من المنطقة (م) المرموز لها باللون البني من خريطة مدينة الأوقاف، وألزمت الحكومة بالمصرفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت المحكمة قضاءها على أنه تبين لها من طلبات السيدة المدعية ومن مساق دفاعها أنها إنما تخاصم القرار الإداري الصادر من مصلحة التنظيم في 3 من مايو سنة 1956 بالترخيص في إقامة عمارة على القطعة رقم 11 من مدينة الأوقاف، استناداً إلى أن هذا القرار قد خالف أحكام مرسوم التقسيم، وهي أحكام يتعين على مصلحة التنظيم أن تراعيها من تلقاء نفسها. ولا جدال في اختصاص القضاء الإداري بالطعون الموجهة للقرارات الإدارية؛ ومن ثم يكون الدفع المقدم من وزارة الشئون البلدية والخصم الثالث بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري على غير أساس، ويتعين رفضه. أما عن الدفع الثاني من جانب الخصمين المذكورين بعدم قبول الدعوى لعدم توافر الصفة والمصلحة للمدعية في طلب إلغاء القرار المطعون فيه، وبمقولة إنها لم تكن طرفاً فيه ولا يمس القرار حقاً لها، كما أضاف الخصم الثالث إلى أسانيد هذا الدفع سنداً آخر هو أن القرار المذكور ليس نهائياً، حيث لم تتظلم منه المدعية إلى اللجنة المنوه عنها في المادة 11 من القانون رقم 656 لسنة 1954، قبل أن تقدم على رفع دعواها - ففي ذلك قالت المحكمة إن مصلحة المدعية واضحة وجدية في طلب إلغاء القرار الذي أضر بها، فرخص في مجاوزة المساحة المقرر إشغالها بالبناء على أرض التقسيم، وفي زيادة الارتفاعات المحددة للبناء، وفي فتح دكاكين فيه، مما يعود على المدعية وعلى مسكنها المجاور بأضرار، تتمثل في حجب الهواء والنور عنها، وفي كثرة الضوضاء والمضايقات، فضلاً عن القضاء على جمال المنطقة ورونقها. ولا يؤثر في ذلك قول الخصم الثالث بأن حكم الإلغاء لن ينفع المدعية في شيء بعد أن تم البناء فعلاً؛ ذلك أنه إذا لم يكن لحكم الإلغاء أثره العملي في وقف أعمال البناء بعد إذ تمت بالفعل، فإنه على كل حال يصلح سنداً للمدعية في المطالبة بالتعويض مستقبلاً، مما يجعل مصلحتها في الدعوى قائمة على وجه اليقين. أما عن قول الخصم الثالث بأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً، فهو قول مردود بأن القرار الصادر من سلطة ذات اختصاص نهائي في إصداره ولا تحتاج للتصديق عليه من سلطة أعلى منها، والتظلم منه قبل رفع الدعوى أمر جوازي، فلا إلزام على المتضرر منه في أن يسلك سبيل التظلم الإداري قبل رفع الدعوى، وأن كل ما أراده المشرع بالمادة 11 من القانون رقم 656 لسنة 1954 هو تنظيم فحص التظلم الإداري إذا شاء المتضرر أن يلجأ إليه قبل رفع دعواه، وأن النص على أن يكون قرار الهيئة التي تنظره نهائياً إنما تقرر لمنع الالتجاء إلى هذا النوع من التظلم مرة أخرى؛ ومن ثم ينتفي كل أساس لهذا الدفع أيضاً ويتعين كذلك القضاء برفضه. أما عن موضوع الدعوى فإن مقطع النزاع يتحصل فيما إذا كان مرسوم التقسيم لمدينة الأوقاف يطبق على القطعة المرخص ببنائها وتسري عليها أحكامه، فإذا خالف قرار الترخيص تلك الأحكام لحقه البطلان، أم أن ذلك المرسوم لا يطبق على تلك القطعة، فيكون قرار مصلحة التنظيم بالترخيص للبناء سليماً. فإذا كانت وزارة الشئون البلدية والقروية قد استندت في إصدار قرار الترخيص المطعون فيه إلى سببين، أولهما: أن قطعة الأرض المرخص ببنائها قد آلت إلى الدكتور شعبان بطريق الاستبدال من وزارة الأوقاف في 21 من يونيه سنة 1944، أي في تاريخ سابق على صدور مرسوم التقسيم في 3 من أكتوبر سنة 1944؛ ومن ثم لا تسري عليه أحكامه، وثانيهما: أن مرسوم التقسيم أوجب النص في قائمة شروط البيع على خضوع المشترين لأحكامه وهو ما لم يظهر في قائمة شروط بيع الأوقاف للدكتور محمد أحمد شعبان الذي آلت منه الملكية أخيراً إلى الخصم الثالث السيد/ أحمد علي عبد العظيم، وقد أيد هذا الخصم وزارة الشئون البلدية في دفاعها هذا عن القرار المطعون فيه. فأما عن السبب الأول فقد تبينت المحكمة من حجة الاستبدال الشرعية المحررة في 25 من أكتوبر سنة 1944 أنه قد أجريت صيغة البدل وتم التوقيع عليها بين هيئة المحكمة الشرعية بصفتها بائعة عن جهة الوقف وبين الدكتور محمد أحمد شعبان بصفته مشترياً؛ إذ أبدلت إليه الهيئة واستبدل هو منها القطعة موضوع الترخيص بإيجاب وقبول، وصارت هذه القطعة جارية في ملكه يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه. وقد سجلت تلك الحجة بعد ذلك في مصلحة الشهر العقاري والتوثيق بمكتب القاهرة (المستند رقم 1 من حافظة الخصم الثالث). ولا يتم البدل بالموافقة المبدئية من هيئة التصرفات على البدل، وإنما يتم فقط بإجراء صيغته والتوقيع عليها. وقد نص مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944 على قيود خاصة بالبناء في أرض التقسيم، وقد أدخلت فيه الأرض موضوع الترخيص وأخذت الرقم 11، أي قبل استبدالها للدكتور محمد أحمد شعبان؛ ومن ثم وجب أن تسري عليها جميع القيود الواردة في ذلك المرسوم. ويلتزم من آلت إليه ملكيتها (ومنهم الخصم الثالث) باحترام تلك القيود. كما ينبغي على مصلحة التنظيم أن تراعي أحكام وقيود هذا المرسوم في كل ما تصدره من تراخيص بالبناء على أرض التقسيم؛ لأنها هي السلطة التي ناط بها القانون أمر الموافقة على تقسيم الأراضي وجعل لمهندسيها صفة رجال الضبطية القضائية فيما يختص بتطبيق أحكام القانون، وجعل لهم حق الدخول في أراضي التقسيم وفي المباني وفي مكان العمل للتثبت من مراعاة شروطه، علاوة على أن القيود التي اشتمل عليها مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف إنما تهدف إلى تحقيق أغراض تتعلق بالصحة والراحة والأمن، وهي أمور من أهم ما ينبغي أن ترعاه مصلحة التنظيم فيما تضطلع به من أعمال؛ ومن ثم يكون الترخيص بما يخالف تلك القيود غير جائز قانوناً. وأما عن السبب الثاني، فقد قالت المحكمة إنه على الرغم من أن عدم النص في قائمة شروط البيع على مراعاة مرسوم التقسيم لا يمنع سريان أحكام ذلك المرسوم على قطعة الأرض المباعة؛ لأن قانون التقسيم يحظر البيع قبل صدور مرسوم بالتقسيم؛ ومن ثم لا يجوز لشخص أن يشتري قطعة من التقسيم دون أن يتحقق من صدور المرسوم، وحينئذٍ يتحقق له العلم بشروطه؛ ومن ثم فلا بد من أن يكون الدكتور شعبان قد علم بمرسوم التقسيم قبل أن يشتري القطعة رقم 11 في 25 من أكتوبر سنة 1944. وترتيباً على ما تقدم يكون قرار الترخيص المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة في 29 من مايو سنة 1957، وطلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وإلزام المدعية بالمصروفات" وأقام طعنه على أن جوهر النزاع هو تمسك السيدة المدعية بما يرتبه لها مرسوم التقسيم من حقوق ارتفاق تتعلق بارتفاع رقعة البناء في أرض الجار. وقد نصت المادة الثانية من القانون رقم 656 لسنة 1954 في شأن تنظيم المباني على أنه "يصرف الترخيص متى ثبت أن مشروع البناء أو الأعمال المطلوب إقامتها أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها مطابق للشروط المنصوص عليها في هذا الشأن والقرارات المنفذة له...."؛ فمصلحة التنظيم إذن حين تصرف الرخصة إنما تقصر بحثها على أحكام القانون المذكور دون غيره، وبالتالي يكون الادعاء بوجود حق ارتفاق ليس مجاله إعطاء رخصة البناء، بل مجاله التداعي لدى القضاء المدني. وكان يتعين - تأسيساً على ما تقدم - الحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر هذه الدعوى، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد خالف القانون متعيناً الطعن فيه بالإلغاء. وبجلسات المرافعة في 22 من مارس و17 من مايو و7 من يونيه سنة 1958 قدمت السيدة المطعون عليها مذكرات بملاحظاتها على صحيفة الطعن، وفندت الأقوال الواردة في مذكرات الخصوم، وخلصت إلى طلب الحكم برفض الطعن وتأييد حكم محكمة القضاء الإداري. كما قدمت وزارة الأوقاف أربع مذكرات بملاحظاتها كذلك على طعن هيئة مفوضي الدولة، وانتهت إلى طلب الحكم برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه. وقالت وزارة الأوقاف إنها - تنفيذاً من جانبها لقرار هذه المحكمة بجلسة 17 من مايو سنة 1958 - قامت بإيداع ملف الطعن قائمة استبدال (بيع) قطعة الأرض موضوع المنازعة المؤرخة 23 من ديسمبر سنة 1943 الموقع عليها من الدكتور أحمد شعبان. وأضافت وزارة الأوقاف إلى ذلك أنها تقرر أن المادة 13 من هذه القائمة التي كلفتها المحكمة بإيداعها تنص على ما يأتي "والاستبدال لا يتم إلا إذا وافقت المحكمة الشرعية وصدرت به الصيغة الشرعية فعلاً، وما دام أن هذه الصيغة لم تحصل فلا يكون البدل قد تم"، وتقول وزارة الأوقاف إن من المتفق عليه أن المحكمة الشرعية هي صاحبة الرأي الأخير في مسألة البدل بالرفض أو القبول أو بما تراه من الإجراءات في هذا الشأن، والوزارة ليست مسئولة عن نتيجة ما تقرره المحكمة الشرعية في هذا الشأن ولا عن تأخير الفصل في ذلك، وتخلص وزارة الأوقاف إلى "أن صلتها لم تنقطع بهذه القطعة من الأرض رقم 11 حتى تاريخ توقيع الصيغة الشرعية لعقد البيع في 25 من أكتوبر سنة 1944 الذي تم بعد صدور مرسوم التقسيم في 3 من أكتوبر سنة 1944. وعلى ذلك فإن القواعد التنظيمية الآمرة التي نص عليها هذا المرسوم تسري على القطعة موضوع النزاع ولو لم ينص عليها في قائمة الاستبدال" وبجلستي 22 من مارس و7 من يونيه سنة 1958 قدم السيد المقاول أحمد علي عبد العظيم مذكرتين بملاحظاته على هذا الطعن، وطلب في ختامهما الحكم أصلياً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى؛ لأن جوهر النزاع المثار فيها نزاع مدني بحت، ومن باب الاحتياط برفضها مع إلزام السيدة المطعون عليها في أي الحالين بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال إن القضاء المدعي هو المختص بالقول بوجود حقوق ارتفاق على القطعة رقم 11 موضوع الدعوى من عدمه، على أن الخلاف كان محتدماًًً قبل صدور القانون المدني الجديد فيما إذا كانت قيود البناء تعتبر حقوق ارتفاق عينية أم التزامات شخصية وإذا كانت المادة 1018 من القانون المدني الجديد قد تناولت هذه المسألة، فإن هذا لا يغير من الأمر شيئاً؛ لأن رسو المزاد في القطعة موضوع الدعوى كان في يناير سنة 1944، ومرسوم التقسيم في أكتوبر سنة 1944، بينما القانون المدني الجديد لم يعمل به إلا من أكتوبر سنة 1949؛ ولهذا فإن تعرض محكمة القضاء الإداري لحقوق الارتفاق يعتبر تعدياً على اختصاص القضاء المدني، وقد جرى على ذلك القضاء الإداري الفرنسي. وفي الموضوع قال الخصم الثالث بأن قائمة شروط المزاد المؤرخة 23 من ديسمبر سنة 1943 لم تنص على أية اشتراطات أو التزامات أو حقوق ارتفاق. وبجلسة المزاد التي عقدت في 10 من يناير سنة 1944 رسا مزاد القطعة رقم 6 - موضوع المنازعة - على السيد/ سامي محمد أحمد شعبان، تم تنازل عنها لوالده الدكتور محمد أحمد شعبان في 23 من مارس سنة 1944. وبجلسة 21 من يونيه سنة 1944 قررت المحكمة الشرعية الموافقة على البدل، وأصبح قرارها نهائياً، ولم يرد في حجة البدل أية إشارة إلى أية اشتراطات؛ لأن قائمة المزاد المؤرخة 23 من ديسمبر سنة 1943 لا تتضمن شيئاً من ذلك. ثم باع ورثة شعبان قطعة الأرض المذكورة إلى السيد مصطفى كامل الصيرفي، وهو الذي باعها بدوره إلى المقاول أحمد علي عبد العظيم (الخصم الثالث)، ولكن في أكتوبر سنة 1944 قامت وزارة الأوقاف بتقسيم أرض أخرى مجاورة للأرض المشار إليها إلى قطع للبناء، وأطلقت عليها مدينة الأوقاف، وقد أدخلت الوزارة بطريق الخطأ القطع السابقة ضمن خريطة تقسيم المدينة وأعطتها أرقاماً جديدة تتسلسل مع ترقيم المدينة فأصبحت القطعة موضع الدعوى رقم 11 بدلاً من القطعة رقم 6، وتقدم المقاول عبد العظيم إلى مصلحة التنظيم بطلب رخصة بالبناء على القطعة موضوع الدعوى بارتفاع سبعة أدوار، ولكن بعض المالكين لقطع الأرض المجاورة اعترضوا على ذلك، فعرضت مصلحة التنظيم الأمر على إدارة الرأي لوزارة الشئون البلدية والقروية، فأفتت بأحقية عبد العظيم في أخذ الرخصة المطلوبة. فأعطته مصلحة التنظيم إياها. ويقول الخصم الثالث (المقاول عبد العظيم) إذ القطعة موضوع الدعوى لا تخضع لشروط مدينة الأوقاف؛ لأن العقد الصادر من وزارة الأوقاف إلى الدكتور شعبان البائع للبائع السيد/ عبد العظيم جاء خلواًً من أية إشارة إلى مرسوم تقسيم المدينة. أما ما استند إليه الحكم المطعون فيه من أن مرسوم صدر في 3 من أكتوبر سنة 1944، بينما حجة البدل الخاصة بالقطعة موضوع الدعوى صدرت في 25 من أكتوبر سنة 1944؛ وبذلك يسري مرسوم التقسيم على القطعة موضوع الدعوى، فهو قول غير سديد؛ لأن حجة البدل ترجع إلى قائمة مزاد مؤرخة 13 من ديسمبر سنة 1943 خالية من أية اشتراطات، كما أن حجة البدل ذاتها خالية من أية اشتراطات. وقال السيد/ أحمد علي عبد العظيم أخيراً إنه قد أتم البناء حسب الرخصة، بل أجره فعلاً، فليس للمدعية - المطعون عليها - مصلحة في طلب إلغاء الرخصة، وانتهى إلى التصميم على طلباته. وفي 3 من يوليه سنة 1958 أودعت وزارة الشئون البلدية والقروية مذكرة بملاحظاتها على صحيفة الطعن، فأيدت الاتجاه الذي انصرفت إليه، وطلبت إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء أصلياً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر هذه المنازعة؛ لما لها في حقيقة جوهرها من طابع مدني نام، واحتياطياً برفض دعوى المطعون عليها، مع إلزامها بالمصروفات.
( أ ) عن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن المنازعة تتمحض في جوهرها نزاعاً مدنياً يدور حول حقوق الارتفاق المتعلقة بارتفاع البناء ومساحته التي يرتبها مرسوم التقسيم على أرض الجار، وأن الفصل في ذلك مرده إلى أحكام القانون المدني؛ وبهذه المثابة يخرج عن ولاية القضاء الإداري.
ومن حيث إن هذه المنازعة تنصب على اختصام القرار الإداري الصادر من مصلحة التنظيم ببلدية القاهرة في 3 من مايو سنة 1956 رقم 981/ 1955 "بالترخيص للسيد المقاول أحمد علي عبد العظيم في البناء اثني عشر دوراً فوق الأرض المبينة بالكروكي المسطر بالترخيص، وهي قطعة الأرض رقم 11 الواقعة على شارعي الدقي وآخر، وذلك بناءً على الطلب المقدم منه في 19 من مايو سنة 1955"، وتطلب المدعية في هذه المنازعة إلغاءه، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذه. وتستند في ذلك إلى أن القرار المذكور وقع مخالفاً للقانون؛ فالدعوى، والحالة هذه، مما يدخل في اختصاص القضاء الإداري بالتطبيق للفقرة السادسة من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة التي جعلت من اختصاصه "الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية"، ولا يغير من الأمر شيئاً أن تكون المدعية قد أشارت إلى حقوق الارتفاق المتعلقة بارتفاع البناء ومساحته التي يرتبها القانون على أرض بحكم مرسوم التقسيم؛ ذلك أنها إنما تستند إلى ذلك في صدد بيان مصلحتها في طلب الإلغاء وفي صدد مخالفة القرار الإداري للقانون، باعتبار أن الإدارة كان يتعين عليها مراعاة ما رتبه مرسوم التقسيم من هذه الارتفاقات عند إصدار الترخيص، وأنه إذ أغفلها فقد خالف القانون، كما أن مؤدى الحكم بإلغاء القرار الإداري أن يعتبر باطلاً منذ صدوره، معدوماً قانوناً، ولكن الحكم لا ينصب إلا على القرار الإداري وحده وما يترتب عليه، أما حقوق ذوي الشأن من الجيران الذي لهم أن يفيدوا من هذه الارتفاقات فيما بين بعضهم البعض سواء بطلب الإزالة أو بالتعويض إن كان لهذا أو ذاك وجه قانوني، فهذه منازعة أخرى من اختصاص القضاء المدني.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الدفع في غير محله متعيناً رفضه.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة موضوعاً ينحصر في النقطتين الآتيتين:
1 - هل قطعة الأرض موضوع الترخيص محل الطعن تدخل في خريطة التقسيم التي صدر بشأنها المرسوم المؤرخ 3 من أكتوبر سنة 1944 أم لا؟ 2 - هل مصلحة التنظيم ببلدية القاهرة ملزمة بمراعاة شروط هذا المرسوم وأحكامه عند الترخيص بالبناء على أي قطعة من الأراضي موضوع التقسيم وإلا وقع الترخيص مخالفاً للقانون أم لا؟
ومن حيث إنه فيما يختص بالنقطة الأولى، فإنه يبين من المستندات المقدمة من وزارة الأوقاف أن مجلس الأوقاف الأعلى وافق بقراره الصادر خلال المدة من 22 إلى 27 من يونيه سنة 1943 على اعتماد استبدال حوالي ستة أفدنة تابعة لوقف محمد سعيد على جامع القلعة وسنان الخيري بالدقي، بسعر أساسي 500 و1 ج للمتر، فقسمت إلى 37 قطعة يتخللها شوارع، وحمل القطع ثمن الشوارع. وقد شهرت القطعة رقم 6 تقسيم من هذه الأراضي في المزاد ومساحتها 576 متراً بثمن أساسي قدره 1498 ج، ورسا مزادها بجلسة 10 من يناير سنة 1944 على السيد/ سامي محمد أحمد شعبان بمبلغ ألف وخمسمائة جنيه. ويبين من أصل قائمة استبدال هذه القطعة من الأرض أن البند الثالث عشر ينص على أنه "بعد أن يدفع المستبدل باقي الثمن أو الجزاء المعجل منه كما تقدم، تعرض الوزارة مسألة البدل على المحكمة الشرعية للنظر في أمر البدل وتقرير ما تراه، وتخطر الوزارة الراسي عليه المزاد بعرض الأمر على المحكمة الشرعية بخطاب موصى عليه. والاستبدال لا يتم إلا إذا وافقت المحكمة الشرعية وصدرت به الصيغة الشرعية فعلاً، وما دام أن هذه الصيغة لم تحصل فلا يكون البدل قد تم. ومن المتفق عليه أن المحكمة الشرعية هي صاحبة الرأي الأخير في مسألة البدل بالرفض أو بالقبول أو بما تراه من الإجراءات في هذا الشأن، والوزارة ليست مسئولة عن نتيجة ما تقرره المحكمة الشرعية في هذا الشأن ولا عن تأخير الفصل في ذلك". ونص البند 14 من قائمة هذا الاستبدال على أنه "بعد قبول المحكمة الشرعية إجراء البدل يجب على الراسي عليه التزايد أن يحضر للمحكمة الشرعية في اليوم الذي يحدد لتوقيع صيغة البدل الشرعية". وفي 23 من فبراير سنة 1944 تنازل الراسي عليه المزاد (سامي) لوالده الدكتور محمد أحمد شعبان بموجب الإقرار المدون في ظهر قائمة الاستبدال. وقام الدكتور شعبان بسداد كامل الثمن لوزارة الأوقاف التي طلبت منه توقيع صيغة الإبدال الشرعية، على أن ينص في الحجة أن الاستبدال تم طبقاً لشروط قائمة المزاد المؤرخة 23 من ديسمبر سنة 1943، وموقع عليها من الراسي عليه المزاد في 10 من يناير سنة 1944 ومن السيد المتنازل إليه في 23 من فبراير سنة 1944. حدث بعد ذلك أن تقدم وزير الأشغال العمومية - وكان منوطاً به وقتذاك اختصاصات وزير الشئون البلدية والقروية والتنظيم - بمذكرة أقرها مجلس الوزارة في 13 من يونيه سنة 1944 بشأن مشروع تقسيم أرض وقف سنان ومحمد سعيد التابعة لوزارة الأوقاف الواقعة بالبر الغربي لمدينة القاهرة. وقد أشارت إلى هذه المذكرة التي صدر بها قرار مجلس الوزراء المشار إليه ديباجة مرسوم تقسيم أرض مدينة الأوقاف الذي صدر ونشر بعد ذلك في 3 من أكتوبر سنة 1944. وبجلسة 21 من يونيه سنة 1944، أي بعد قرار مجلس الوزارة بأسبوع، قررت المحكمة الموافقة على الاستبدال الذي أجري مع الدكتور شعبان، ومضت المدة المقررة لاستئناف قرار الموافقة ولم يتبين استئنافه. وبعد أن تمت الإجراءات اللازمة لهذه المادة وقعت الصيغة الشرعية بين هيئة المحكمة الشرعية عن جهة هذين الوقفين بائعة وبين الدكتور محمد أحمد شعبان مشترياً، فأبدلت إليه هيئة المحكمة واستبدل هو منها لنفسه وبماله جميع قطعة الأرض رقم 6 من تقسيم أطيان وقفي سنان وسعيد على جامع القلعة بالدقي الكائنة بناحية الدقي والجيزة بحوض داير الناحية (21 و24 و6) تقسيم ومساحتها 7 سهم و3 قيراط تعادل 576 متراً مربعاً فقط. وحد ذلك البحري شارع مستجد رقم عرض (12 متراً) الوقف، والشرقي شارع، والقبلي القطعة 11 تقسيم و27 ملك الوقف، والغربي القطعة 7 تقسيم 25 كدستر الوقف، وراجعت المساحة البيانات. وقد صارت قطعة الأرض رقم 6 من تقسيم أطيان الوقفين المذكورين السالف ذكرهما جارية في ملك الدكتور محمد أحمد شعبان وحيازته بالطريق الشرعي، يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه منذ تصديق محكمة مصر الابتدائية الشرعية على عقد الاستبدال في يوم الأربعاء 8 من ذي القعدة سنة 1363 الموافق 25 من أكتوبر سنة 1944 بجلسة التصرفات. وصارت تلك القطعة فيما بعد تحمل الرقم 11 من المنطقة (م) الملونة باللون البني في خريطة التقسيم، ومنذ ذلك التاريخ حق لمالكها الدكتور شعبان أن يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه. ثم آلت ملكية هذه القطعة بعد وفاة مالكها الدكتور شعبان إلى السيد مصطفى كامل الصيرفي بموجب عقد بيع رسمي مؤرخ 16 من يناير سنة 1952 ومشهر بمكتب الشهر العقاري بالقاهرة في 26 من يناير سنة 1952 تحت رقم 832 جيزة والمالك أصلاً بموجب إشهار حق إرث وبيع عن تركة المرحوم الدكتور محمد أحمد شعبان المشهر في 8 من أكتوبر سنة 1950 تحت رقم 9086 القاهرة، والمالك أصلاً بموجب حجة استبدال رقم 308 متتابعة صادرة من محكمة مصر الابتدائية الشرعية في 25 من أكتوبر سنة 1944 عقود 1943/ 1944 مؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1944. ثابت في بيان العقار المبيع موضوع عقد بيع ورثة شعبان إلى الصيرفي: "أن العقار هو قطعة أرض فضاء صالحة للبناء رقم 11 من تقسيم مدينة الأوقاف، ومعطى لها رقم 28 على شارع الدقي حسب العوايد بحوض مدينة الأوقاف وتبلغ جملة مساحتها 7 س و3 ط تعادل 576 متراً مربعاً". وفي 7 من يناير سنة 1956 آلت ملكية هذه القطعة بذاتها إلى المقاول أحمد علي عبد العظيم (الخصم الثالث) بعقد البيع المسجل برقم 205 بمكتب توثيق القاهرة. ونص البند الأول من هذا العقد المسجل على أن "العقار المبيع هو قطعة فضاء صالحة للبناء كائنة بزمام ناحية بولاق الدكرور مركز الجيزة والبالغ جملة مسطحها 576 متراً مربعاً تعادل 7 س و3 ط بحوض مدينة الأوقاف، وسابقاً بحوض داير الناحية، والقطعة رقم 11 تقسيم مدينة الأوقاف سنة 1944 بحوض 21 جيزة أصبحت رقم 11 بتقسيم حوض مدينة الأوقاف، ونص في العقد المسجل على الملحوظة الآتية: القطعة رقم 6 تقسيم وزارة الأوقاف سنة 1944 بحوض 21 جيزة أصبحت رقم 11 تقسيم حوض مدينة الأوقاف والواردة في تكليف أرض فضاء حسب المعاينة والعقد المسجل سند الملكية". ويخلص من هذا أن قطعة الأرض رقم 11 من المنطقة (م)، والتي آلت ملكيتها بموجب عقد البيع المسجل في 7 من يناير سنة 1956، هي ذات القطعة رقم 6 ومساحتها 576 متراً مربعاً، والتي كانت موضوع قائمة الاستبدال التي أشهر مزادها في 23 من ديسمبر سنة 1943، وتعاقد عليها السيد سامي ابن الدكتور شعبان. وهذا كله يدحض ما يزعمه الخصم الثالث في مذكرته المقدمة بجلسة 22 من مارس سنة 1958 من أن وزارة الأوقاف قامت بتقسيم أرض أخرى مجاورة للأرض المشار إليها إلى قطع للبناء وأطلقت عليها مدينة الأوقاف، وقد أدخلتها الوزارة بطريق الخطأ ضمن خريطة تقسيم المدينة.
ومن حيث إنه فيما يختص بالنقطة الثانية، فكان قد صدر ونشر قبل ذلك في 3 من أكتوبر سنة 1944 المرسوم الخاص بتقسيم أرض وقف سنان وسعيد التابعة لوزارة الأوقاف، وجاء في ديباجته: "بعد الاطلاع على المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بتقسيم الأراضي المعدة للبناء. وعلى مذكرة وزير الأشغال العمومية التي أقرها مجلس الوزراء في 13 من يونيه سنة 1944 الخاص بمشروع تقسيم أرض وقف سنان وسعيد التابعة لوزارة الأوقاف والواقعة بالبر الغربي لمدينة القاهرة، وبناءً على ما عرضه وزير الأشغال العمومية وموافقة رأي مجلس الوزارة". ونصت المادة الأولى منه على أن يكون إنشاء الأحياء والمباني على اختلاف أنواعها في جميع منطقة تقسيم وزارة الأوقاف الواقعة في البر الغربي للنيل تجاه مدينة القاهرة والمبينة على الرسومات المرافقة لهذا المرسوم طبقاً للأوضاع والاشتراطات الآتية: "م 2 - لإنشاء وتنفيذ التقسيم المشار إليه في المادة الأولى يتبع الرسم التخطيطي الذي وضع بالاتفاق بين وزارتي الأشغال العمومية والأوقاف، وأرفق بهذا المرسوم صورة منه موقع عليها من الوزارتين المذكورتين". ونصت المادة الثالثة على أنه "يجب أن يراعى في البناء في هذه المناطق الأوضاع الآتية: ( أ ) تكون المنطقة رقم 1 مخصصة لإنشاء المساكن الخاصة (فيلات). (ب) تكون المنطقة رقم 2 - وفيها القطعة رقم 12 المملوكة للسيدة المدعية - مخصصة بجانب ما خصصت له المنطقة رقم 1 لإنشاء عمارات استغلالية للسكنى فقط. ولا يسمح في هذه المنطقة بفتح محلات تجارية أو صناعية". ونصت المادة 16 من المرسوم على أنه "يشترط فيما يقام من الأبنية على قطع التقسيم ما يأتي: ثانياً - في المنطقة رقم 2 (وهي التي فيها القطعتان: 12 المملوكة للمدعية و11 التي آلت ملكتيها للسيد المقاول عبد العظيم) لا يجوز أن تشغل المباني المقفلة أكثر من نصف مساحة القطعة التي تقام عليها، إذا كان الارتفاق الكلي للمبنى لا يزيد على خمسة عشر متراً ونصف، ولا أكثر من ثلث مساحة القطعة إذا زاد الارتفاع الكلي عن خمسة عشر متراً ونصف". ونصت المادة 19 من المرسوم على أنه "على وزارة الأوقاف أن تنص في قائمة شروط بيع أو تأجير قطع التقسيم على أن المشترين أو المستأجرين منها خاضعون للأحكام المقررة بهذا المرسوم، وعليها أيضاً أن تنص فيها على أن الشروط والقيود الواردة في قائمة شروط البيع أو التأجير المتعلقة بالعين تعتبر حقوق ارتفاق إيجابية أو سلبية يجوز للمشترين أو المستأجرين أو المنتفعين بالحكر أن يتمسكوا بها قبل البعض الآخر". وقد أودعت وزارة الأوقاف ملف الدعوى صوراً من إعلاناتها عن بيع قطع تقسيم مدينة الأوقاف الجديدة وشروط البيع والبناء، وجاء في المادة الثانية منها "سيكون البيع بالمزاد العلني على أساس شروط قائمة البيع الموجودة بالوزارة، وعلى أساس الأحكام المنصوص عنها بالمرسوم الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944 الخاص بتقسيم أرض المدينة". وجاء بالمادة 9 من هذا الإعلان "القطع الملونة باللون البني على الخريطة مخصصة لإنشاء العمارات الاستغلالية للسكنى فقط. ويشترط فيما يقام من الأبنية عليها ألا تشغل المباني المقفلة أكثر من نصف مساحة القطعة إذا كان الارتفاع الكلي للمبنى لا يزيد عن خمسة عشر متراً ونصف، ولا أكثر من ثلث المساحة إذا زاد الارتفاع الكلي على خمسة عشر متراً ونصف". وجاء في النسخة المطبوعة من شروط قائمة المزاد من تخطيط مدينة الأوقاف أن وزارة الأوقاف تشهر بصفتها نائباً عن الناظر الشرعي على وقفي سعيد وسنان بيع العقار الآتي بيانه بعد بشروط هذه القائمة وعلى أساس الأحكام المفروضة على المشترين أو المستأجرين أو المنتفعين بالحكر الذي اشتمل عليها المرسوم الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944 بتقسيم أرض سنان وسعيد. وجاء في المادة الثالثة من شروط البيع "إن المشتري خاضع للأحكام المقررة بهذا المرسوم ويقرر قبوله لهذه الأحكام وخضوعه لها، ويقرر أيضاً بأن الشروط والقيود الواردة في قائمة شروط البيع والالتزامات التي يفرضها عليه هذا المرسوم تعتبر حقوق ارتفاق إيجابية أو سلبية يجوز للمشترين أن يتمسكوا بها قبل البعض الآخر". ومن هذا يبين أن وزارة الأوقاف درجت على ذكر مرسوم التقسيم في جميع إعلاناتها وقائمة شروطها المتعلقة بتصرفاتها في قطع تخطيط مدينة الأوقاف، وذلك منذ صدور ونشر مرسوم التقسيم في 3 من أكتوبر سنة 1944.
ومن حيث إن المادة 20 من مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف تنص على أنه "تطبق على هذا التقسيم أحكام القوانين واللوائح الخاصة بالمباني والتنظيم كما تظل سارية عليه أحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاصة بتقسيم الأراضي المعدة للبناء فيما لا يتعارض مع نصوص هذا المرسوم". وقانون تقسيم الأراضي صدر في 16 من يونيه سنة 1940، وفي ظل أحكامه ونصوصه جرى تعاقد البدل على قطعة الأرض موضوع الترخيص بين وزارة الأوقاف والسيد/ سامي محمد أحمد شعبان في 10 من يناير سنة 1944، وهو التشريع الأساسي الذي ينظم تقسيم الأراضي المعدة للبناء في إقليم الجمهورية منذ صدروه إلى اليوم، وذلك فيما عدا بعض تعديلات محدودة أدخلت على القليل من أحكامه بمقتضى القانونين رقمي 2 و222 الصادرين على التعاقب في 7 من يناير سنة 1952 و7 من مايو سنة 1953، وجاء في المذكرة الإيضاحية لقانون تقسيم الأراضي المعدة للبناء ما يأتي "إن عملية تقسيم المساحات الكبيرة من الأراضي إلى أنصبة مختلفة تعد لإقامة مساكن عليها كانت تعتبر فيما مضى داخلة في نطاق استعمال حق الملكية، بحيث لا يجوز أن تكون محلاً لقيود خاصة، على أن ما جد في السنين الأخيرة من اتساع المدن بسبب زيادة السكان وتعدد وسائل الانتقال وارتفاع أثمان الأراضي قد ترتب عليه تحول الأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن إلى أراض صالحة لإقامة مساكن عليها، وقد أسفر ذلك عن تقدم محسوس في تقسيم الأراضي المعدة للبناء. والأصل في عملية تقسيم الأراضي المعدة للبناء أنها تعتبر من العمليات المحمودة الجديرة بكل تشجيع، فهي تؤدي إلى اتساع المدن وإلى تخفيف الضغط عن مناطق الوسط المزدحمة بالسكان، كما أنها تهيئ لجانب من أهل المدن الإقامة في الضواحي والاستمتاع بأسباب المعيشة الصحيحة. على أن تحويل أرض زراعية إلى حي معد للسكنى ليقتضي إجراء أعمال لتهيئة الأرض لهذا الغرض، فيجب على وجه الخصوص إنشاء طرق للمواصلات، وتزويد السكان بماء الشرب، وإعداد وسائل تصريف المواد، وإنارة الأرض موضوع التقسيم. وإذا ترك المقسم وشأنه فقد يخشى، بسبب عدم خبرته بشئون العمران، أن يضع رسوماً للتقسيم لا تتفق وما تتطلبه قواعد العمران ولا تتمشى مع المشروع الموضوع لتوسيع المدينة. وقد يكون النظام الذي قرره لطرق المواصلات في التقسيم لا يجعل هذه الطرق متمشية مع الطرق العامة القائمة أو التي يزمع إنشاؤها. وعلاوة على ذلك فقد تدفع المقسم الرغبة في ضغط نفقات المرفق بقدر الإمكان إلى الاقتصار على إجراء مرافق ناقصة أو قاصرة. وأخيراً فقد يكون الغرض من إجراء التقسيم في بعض الأحوال هو الحصول على أكبر ربح ممكن، فلا يكون للمقسم رائد في هذه الحالة غير بيع الأقسام في أقرب وقت وبأحسن سعر، من غير أن يكلف نفسه عناء إنشاء المرافق الضرورية للتقسيم. وقد تخدع الوعود الكاذبة المشترين وهم عادة من طبقة متوسطة، فلا يمكنهم بسبب عدم توفر المرافق العامة الضرورية استعمال الأرض لبناء المساكن إلا وهي في أسوأ حال، وبذلك تنشأ مجموعة من المساكن لا تتوفر فيها المجاري العمومية ولا الإنارة، طرقها متعرجة ضيقة، يعيش فيها السكان غير مستمتعين بأسباب المعيشة الصحية، بينما كان من المتيسر لو فرض على المقسم بعض الالتزامات من أول الأمر اتقاء هذه المساوئ وإنشاء حي حديث صحي. وقد دعت هذه الأسباب المختلفة إلى تدخل الشارع في كثير من البلاد لتنظيم التقسيم. بل وقد ذهبوا في بعض البلاد، كما هو الحال في فرنسا مثلاً، إلى معالجة أخطاء الماضي وإصلاح التقسيمات المعيبة القائمة بقوانين خاصة، وأن هذه الأسباب عينها هي التي تسوغ في مصر تدخل الشارع لتنظيم مسألة التقسيم، وهذا هو الغرض من مشروع هذا القانون". وقد نصت المادة الثانية من القانون رقم 52 لسنة 1940 على أنه "لا يجوز إنشاء أو تعديل تقسيم إلا بعد الحصول على موافقة سابقة من السلطة القائمة على أعمال التنظيم على المشروع الذي وضع له، وذلك وفقاً للشروط المقررة بموجب هذا القانون واللوائح الخاصة بتنفيذه". وتنص المواد التالية على الاشتراطات الأساسية التي يجب على المقسم اتباعها في جميع الأحوال لكي يكون المشروع المقدم منه محلاً للقبول من السلطة المختصة. ويجب على المقسم أن يخصص على الأقل ثلث كامل مساحة قطعة الأرض المعدة للبناء لإنشاء الطرق والميادين والحدائق والمنتزهات العامة وما يماثلها من المساحات الخالية. وتقرر المادة السادسة من القانون على جزء من مساحة القطع حق ارتفاق بعدم البناء، فتقضي بأنه لا يجوز أن تشغل المباني مساحة تزيد على 60% من مساحة القطعة التي تقام عليها مع إقرار بعض التجاوز في حدود معينة. وقد حرص القانون في مادته التاسعة على أن يوجب على المقسم، لكي يحصل على الإذن الخاص بإنشاء تقسيم أو تعديله، أن يقدم مشروعه للسلطة المختصة، ويجب أن يتضمن هذا المشروع رسوم التقسيم، وبرنامجاً يحدد كيفية تنفيذ المرافق فيه، وتقدير تكاليف الأعمال، وأخيراً قائمة يبين فيها الشروط العامة أو الخاصة التي يرى المقسم فرضها على المشترين. ويجوز للسلطة المختصة تعديل هذا المشروع، وتكون موافقتها بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية. وقد عدلت المادة التاسعة من القانون رقم 52 لسنة 1940 بالقانون رقم 222 لسنة 1953، فاستبدلوا بالمرسوم مجرد صدور قرار من وزير الشئون البلدية والقروية. ومن أكبر المساوئ التي أسفرت عنها عمليات التقسيم ما يعمد إليه المقسم من تحايل على ابتزاز المال، فهو بعد أن يضع مشروعاًً كاملاً لتخطيط التقسيم وبعد أن يتفنن في الإعلان عنه يجعل في بيع القطع قبل تنفيذ الأعمال التي وعد بإجرائها، ثم ينفض يده من العملية كلية، دون أن يعبأ بمصير التقسيم؛ لذلك تضمن القانون الفرنسي الخاص بعمليات التقسيم نصاً يحظر بيع أراضي التقسيم قبل إتمام وتزويد التقسيم أو شطر منه بالمرافق الخاصة به، ولقد توخى القانون رقم 52 لسنة 1940 لمنع أعمال المضاربة وراعى في نفس الوقت ألا يحتم على المقسم القيام بدفع التكاليف التي تقتضيها مرافق التقسيم قبل أن يكون قد عقد عملية واحدة من عمليات بيع أراضي التقسيم أو تأجيرها؛ لذلك نص في المواد من العاشرة إلى 18 على نظام يجيز للمقسم أو لمن حل محله - لقاء بعض الضمانات - بيع أراضي التقسيم أو إنشاء مساكن فيها قبل إتمام العمليات الخاصة بالمرافق وقد نصت المادة العاشرة من القانون رقم 52 لسنة 1940، بعد تعديلها بالقانون رقم 222 لسنة 1953، على أنه "يحظر بيع الأراضي المقسمة أو تأجيرها أو تحكيرها قبل صدور القرار المشار إليه في المادة السابقة (9) وقبل إيداع قلم الرهون صورة مصدقاً عليها من هذا القرار ومن قائمة الشروط المشار إليها في المادة السابعة. ويحظر أيضاً إقامة مبانِ أو تنفيذ أعمال على الأراضي المقسمة قبل صدور القرار المذكور". ويبين من استقراء النص التشريعي قبل التعديل أنه كان ينص على مرسوم بدل قرار، وفي ذلك قالت المذكرة الإيضاحية "وقد حظر المشروع على المقسم حظراً عاماً بيع أراضي التقسيم أو تأجيرها أو تحكيرها أو البناء فيها أو تخصيص أعمال فيها قبل نشر المرسوم الخاص بالموافقة على التقسيم، وإيداع صورته وصورة من قائمة الشروط الموقع عليها من السلطة المختصة بقلم الرهون". واستطردت المذكرة في بيان ذلك تقول "ويجوز للمقسم، بعد نشر المرسوم والإيداع على الوجه المذكور، أن يبيع أراضي التقسيم أو يؤجرها أو يحكرها، بشرط أن يتضمن العقد إشارة إلى المرسوم وإلى قائمة الشروط، وأن ينص فيه على أن المتعاقد ملتزم بالشروط والالتزامات الواردة في القائمة المذكورة. ويترتب على إغفال هذا الشرط بطلان العقد، ويجوز للمتعاقد أن يتمسك بهذا البطلان قبل المقسم، ومن الميسور على المتعاقد أن يطلع على المستندات المودعة بقلم الرهون فيتحقق من صحة ما يدعيه المقسم ويتبين الشروط والقيود المتعلقة بأرض التقسيم موضوع العقد وبالتقسيم في مجموعه".
ومن حيث إنه يظهر من الاستطراد المتقدم أن القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي فرض أحكاماً عامة ملزمة فيما يتعلق بالتقسيم وبالبناء على تلك الأراضي، كما حظر إنشاء أو تعديل أو تقسيم إلا بعد الحصول على موافقة سابقة من السلطة القائمة على أعمال التنظيم على المشروع الذي وضع له، وذلك وفقاًًًًً للشروط المقررة بموجب القانون المذكور واللوائح المنفذة له. وغني عن القول أن هذه الأحكام والشروط والقيود إنما تتعلق بالمصلحة العامة لارتباطها الوثيق بمرفق التنظيم وبمرفق التعمير وبحسن رونق المدينة وجمالها؛ وبهذه المثابة هي أحكام ملزمة للكافة، فتلتزم السلطة القائمة على أعمال التنظيم مراعاتها عند الموافقة على التقسيم وبعد ذلك عند الترخيص في البناء على القطع المقسمة بحيث لا تتعارض شروط الترخيص في البناء مع شروط مرسوم التقسيم، فإن خالفت ذلك كان تصرفها مخالفاً للقانون، كما يلتزم بمراعاتها كذلك ذوو الشأن سواء المقسمون أو من تملك منهم رأساً أو من آلت إليهم الملكية بعد ذلك، كل فيما يخصه في الحدود وبالقيود التي تقع على عاتقه قانوناً، وإلا استهدف للجزاء جنائياً كان أم مدنياً أم كليهما معاًًً، بحسب الظروف والأحوال.
ومن حيث إنه ما دامت قطعة الأرض محل الترخيص المطعون فيه هي من أراض التقسيم، فكان يتعين - والحالة هذه - على مصلحة التنظيم أن تراعي تلك الشروط والأحكام عند إصدار الترخيص المطعون فيه في 3 من مايو سنة 1956، فلا تصدره إلا بالمطابقة للشروط والقيود المبينة في مرسوم التقسيم الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1944، ولكنها خالفتها، إذ رخصت للمقاول أحمد علي عبد العظيم في بناء 95% من مساحة القطعة رقم 11 من منطقة التقسيم وإقامة 12 دوراً عليها وبدكاكين في الدور الأرضي، كل ذلك على الرغم من أن وزارة الأوقاف نبهتها إلى وجوب مراعاة ذلك عند الترخيص في البناء بكتابها المؤرخ 12 من فبراير سنة 1953 الذي أرفقت به خريطة تخطيط مدينة الأوقاف الصادر بها المرسوم المذكور، وجاء بهذا الكتاب أن مستبدلة القطعة رقم 12 بالمنطقة م (وهي السيدة المدعية) أنذرت الوزارة بأنها علمت أن مستبدل القطعة رقم 11 بالمنطقة م المجاور لها، شرع في استخراج رخصة بناء عمارة على قطعة الأرض التي اشتراها متجاوزاً الرسم المقدم من شروط المرسوم ومخالفاً لما جاء فيه على اعتبار أن الذي يسري عليه هو قانون تنظيم المباني فقط ولا علاقة له بشروط مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف، بحجة أنه اشترى قبل صدوره، واستطردت الوزارة في كتابها إلى أن المرسوم يسري على جميع المباني التي تقام في المنطقة ما دام البناء لم يقم قبل صدور المرسوم، وطلبت الوزارة إلى مصلحة التنظيم مراعاة ذلك عند إصدار الترخيص. كما أنذرها السيد إبراهيم محمد عسكر المالك للقطعة رقم 10 المجاورة، ولكن المصلحة لم تأبه لهذا كله وأصدرت الترخيص بالبناء على الوجه المخالف لشروط مرسوم التقسيم.
ومن حيث إنه لا جدوى في هذا المقام من التحدي بأنه حين رسا المزاد على السيد/ سامي محمد أحمد شعبان في 10 من يناير سنة 1944 ما كان مرسوم التقسيم قد صدر، والذي تضمن في المادة 19 منه النص على أن "على وزارة الأوقاف أن تنص في قائمة شروط البيع أو تأجير قطع التقسيم على أن المشترين أو المستأجرين منها خاضعون للأحكام المقررة بهذا المرسوم، وعليها أن تنص فيها على أن الشروط والقيود الواردة في قائمة شروط البيع أو التأجير المتعلقة بالعين تعتبر حقوق ارتفاق إيجابية أو سلبية يجوز للمشترين أو المستأجرين أو المنتفعين بالحكر أن يتمسكوا بها قبل البعض الآخر". وأنه ما دامت شروط الاستبدال الخاصة بالقطعة موضوع النزاع لم تتضمن مثل هذا النص، فل يسري مشروع التقسيم بشروطه وقيوده على مستبدل تلك القطعة ولا على من آلت إليه ملكيتها - لا جدوى من التحدي بذلك في هذا المقام، وهو مقام الترخيص في البناء؛ إذ فضلاً عن أن هذا المرسوم قد صدر في 3 من أكتوبر سنة 1944 قبل توقيع الصيغة الشرعية التي لم تتم إلا في 25 منه، والاستبدال لا يتم شرعاً إلا من هذا التاريخ، كما رددت ذلك قائمة المزاد، وفضلاً عما كان معلوماً من أن هذه القطعة هي في ضمن مشروع أرض مدينة الأوقاف التي لا بد من صدور مرسوم بتقسيمها طبقاً للقانون - فضلاً عن هذا كله، فإن نص المادة 19 من المرسوم هو ترديد لنص المادة 11 من القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بتقسيم الأراضي، والجزاء على إغفال ذكره في قائمة شروط البيع طبقاً لهذا القانون هو أن يكون العقد باطلاً إذا طلب ذلك المشترون والمستأجرون والمنتفعون بالحكر، وحكمة ذلك ظاهرة؛ لأنه لا مناص - كما سلف القول - من التزام ذوي الشأن جميعاً بأحكام قانون التقسيم وشروط المرسوم الصادر به؛ لأنها أحكام عامة ملزمة لارتباطها بالمصلحة العامة؛ ولهذا أجاز القانون للمشتري الذي لم يذكر ذلك في قائمة شروط البيع الخاصة به أن يطلب إبطال العقد على أساس الافتراض بأنه ما كان يقبل الشراء بمثل هذه القيود والشروط لو أنه كان يعلمها، أما إذا لم يطلب الإبطال وآثر الإبقاء على العقد فلا مندوحة من التزامه مراعاة تلك الشروط العامة الملزمة، كما لا مندوحة أيضاً من مراعاة السلطة القائمة على أعمال التنظيم إياها عند الترخيص في البناء؛ لأن عدم ذكر نص المادة 19 في قائمة الشروط لا يبرر مخالفة تلك الأحكام.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون قرار مصلحة التنظيم الصادر في 3 من مايو سنة 1956، بالترخيص للسيد المقاول أحمد علي عبد العظيم في بناء اثني عشر دوراً ودكاكين على القطعة رقم 11 من المنطقة (م) المرموز لها باللون البني من أراضي مدينة الأوقاف على مسطح مقداره 95% منها، قد وقع مخالفاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون فيتعين رفضه، أما فيما يتعلق بإزالة أو عدم إزالة البناء الذي أقيم على وجه يخالف أحكام قانون التقسيم والمرسوم الصادر به أو الاكتفاء بالتعويض طبقاً لأحكام المادة 1018 من القانون المدني، فهذه علاقة أخرى، وهي علاقة مدنية متروك أمر تقديرها للمحكمة المختصة بالفصل في ذلك إذا ما طرح عليها النزاع. أما هذه المنازعة فهي منازعة إدارية تقوم على اختصاص القرار الإداري بالترخيص في البناء من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.