مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1681

(172)
جلسة 12 من يوليه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 909 لسنة 3 القضائية

موظف - المادة 47/ 2 من قانون نظام موظفي الدولة - نقل الموظف من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى - عدم جواز النظر في ترقية الموظف المنقول إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله - ذلك لا ينصرف إلى نقل الموظف تبعاً لنقل درجته من ميزانية الوزارة أو المصلحة إلى ميزانية وزارة أو مصلحة أخرى، أو نتيجة إنشاء درجة جديدة في ميزانية المصلحة المنقول إليها متى كان نقله إليها ضرورة اقتضتها المصلحة العامة.
إن المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص في فقرتها الثانية على ما يأتي "ومع ذلك لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً". وهذا القيد هو استثناءً من الأصل العام الذي يجيز النقل كما يجيز ترقية الموظف المنقول طبقاً للقواعد العامة، فلزم - والحالة هذه - تفسيره تفسيراً ضيقاً في حدود الحكمة التشريعية التي قام عليها وهي منع التحايل عن طريق النقل لإيثار الموظف المنقول بترقيته في الجهة المنقول إليها في نسبة الأقدمية. ومن ثم فإن النقل الذي يرد عليه القيد الاستثنائي المعني بهذا النص، وهو عدم جواز ترقية الموظف المنقول قبل مضي سنة على الأقل، لا ينصرف إلا إلى نقل الموظف مجرداً عن الدرجة التي يشغلها، أما إذا كان نقله قد ترتب بحكم اللزوم على نقل الدرجة التي يشغلها من ميزانية الوزارة أو المصلحة المنقول منها إلى ميزانية الوزارة أو المصلحة المنقول إليها، أو أنشئت درجة جديدة في ميزانية المصلحة وكان نقله عليها ضرورة اقتضتها المصلحة العامة تنظيماً للأوضاع المصلحية، فلا محل لإعمال هذا الاستثناء لانتفاء حكمته، ولأن نقل الموظف في هذه الحالة كان أمراً اقتضاه تنظيم الأوضاع حسب مقتضيات الصالح العام بغير دخل لإرادة الموظف في ذلك، فلا يجوز أن يضار بمثل هذا النقل الذي اقتضته المصلحة العامة، وهو لا دخل لإرادته فيه، بتفويت دوره في الترقية في نسبة الأقدمية.


إجراءات الطعن

في يوم 11 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 13 من يونيه سنة 1957 المرفوعة من السيد/ بديع نسيم فهمي ضد وزارة المالية والاقتصاد، والقاضي "باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الثانية راجعة إلى التاريخ المحدد بالقرار المطعون فيه الصادر في 28 من فبراير سنة 1955، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للمدعي في 15 من أغسطس سنة 1957، وللحكومة في 18 منه، وعين لنظره جلسة أول فبراير سنة 1958، وفيها سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ الحكم لجلسة 15 من مارس سنة 1958، ثم أعيدت الدعوى للمرافعة لجلسة 10 من مايو سنة 1958 للأسباب المبينة بقرار المحكمة، وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم، ورخصت في تقديم مذكرات تكميلية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 9 من أغسطس سنة 1955 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير المالية في 28 من فبراير سنة 1955 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثانية في الكادر الإداري العالي بالديوان العام، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إن وزير المالية أصدر في 28 من فبراير سنة 1957 قراراً بالترقية إلى الدرجة الثانية بالكادر الإداري العالي بالديوان العام، وشمل هذا القرار ترقية السيد/ عبد اللطيف محمد شيحا إلى هذه الدرجة بالأقدمية، وترقية ثلاثة آخرين في النسبة المخصصة بالاختيار للكفاية. ولما كان المدعي هو الأول في ترتيب الأقدمية بين موظفي الدرجة الثالثة بالديوان العام، فقد فوجئ عندما نشر هذا القرار في 10 من مارس سنة 1955 بترقية السيد/ عبد اللطيف محمد شيحا إلى الدرجة الثانية المخصصة للأقدمية، مع أنه نقل من هيئة التدريس بالجامعة إلى الديوان العام بالوزارة في 16 من ديسمبر سنة 1954، وبذلك تكون هذه الترقية قد تمت بالمخالفة لأحكام المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة؛ إذ أن ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى قبل مضي سنة على النقل غير جائزة في نسبة الأقدمية بالتطبيق لحكم هذه المادة التي تضع قيوداً على الترقية في هذه الحالة، وهي: (أولاً) أن يمضي على نقل الموظف سنة على الأقل. (ثانياً) إذا تمت الترقية بالاختيار فهي جائزة، باعتبار أن الترقية متروك تقديرها للجهة الإدارية وتخضع لرقابة القضاء. (ثالثاً) أما في درجات المصالح المنشأة حديثاً فالترقية جائزة فيها؛ ومن ثم فما كان يجوز ترقية السيد/ عبد اللطيف شيحا لعدم مضي سنة على نقله من هيئة التدريس بالجامعة إلى الديوان العام بالوزارة؛ لمخالفة ذلك للقانون. ولما كان المدعي هو الأول في ترتيب الأقدمية وتوافرت فيه شروطها، فإن الوزارة إذ رقت السيد/ عبد اللطيف شيحا قد خالفت القانون، ويكون قرارها حقيقياً بالإلغاء. ثم استطرد فقال إنه ما كان يجوز للوزارة أيضاً أن تتخطاه في الترقية بالاختيار للكفاية؛ لأن ملف خدمته به الكثير من عناصر الكفاية وتوصيات الرؤساء مما يجعله دائماً في مركز ممتاز؛ ومن ثم تكون الوزارة قد أساءت استعمال سلطتها، ويكون قرارها في هذه الناحية أيضاً مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه. وقد تظلم المدعي من هذا القرار في 10 من إبريل سنة 1955، ومضت ستون يوماً دون أن تجيب الجهة الإدارية على تظلمه، فأقام هذه الدعوى في 6 من أغسطس سنة 1955. وقد ردت الوزارة عليها بأن عدد الدرجات التي تمت الترقية إليها في الحركة المطعون فيها أربع درجات، منها درجة واحدة من نصيب الأقدمية وثلاث من نصيب الاختيار، وأن السيد/ عبد اللطيف شيحا قد نقل إلى الديوان العام بالوزارة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من سبتمبر سنة 1954 الذي وافق فيه على نقل بعض أعضاء هيئة التدريس بجامعة عين شمس إلى وزارة التربية والتعليم توطئة لنقلهم إلى الوزارات الأخرى، على أن تقوم الوزارة بإنشاء درجة له في ميزانية 1955 - 1956، ورأت الوزارة أن تنشئ وظائف لهؤلاء المدرسين في الجهات التي نقلوا إليها، وعلى هذا الأساس أدرج اعتماد إضافي في ميزانية الوزارة في المدة الباقية من السنة المالية 1954 - 1955، مما ينطوي على أن السيد/ عبد اللطيف شيحا قد نقل بدرجته إلى الوزارة، فلم يكن هذا النقل برغبة منه، بل قامت به جهة الإدارة؛ لأن المصلحة العامة اقتضته، مما حدا بمجلس الوزراء إلى إصدار قرار بهذا النقل. وقد كان أقدم موظفي الدرجة الثالثة عند إجراء حركة الترقيات المطعون فيها، إذ كانت أقدميته في هذه الدرجة من 30 من يونيه سنة 1951، بينما أقدمية المدعي فيها راجعة إلى 30 من إبريل سنة 1953، فقد رقي إلى الدرجة الثانية المخصصة للترقية بالأقدمية، وكان رائد الوزارة في ترقيته أمرين: أولهما تنفيذ قرار مجلس الوزراء بنقله الذي اقتضته المصلحة العامة، والثاني عدم إلحاق الضرر به بتأخير ترقيته مدة سنة بالرغم من أن دوره في الترقية قد حل، وكان يسبق المدعي في أقدمية الدرجة الثالثة بما يقرب من سنتين؛ ولذلك فإن ترقيته غير متعارضة مع مفهوم حكم المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة. أما عن الترقية في الدرجات المخصصة للاختيار في الحركة المطعون فيها، فقالت الوزارة إن الذين رقوا إلى هذه الدرجات وهم: بنيامين لوقا وشفيق مرقص لطيف وحسين خالد حمدي، ويقع ترتيبهم في أقدمية الدرجة الثالثة الرابع والسابع والتاسع على التوالي، ويرجع اختيار لجنة شئون الموظفين لهم أنهم حصلوا دون غيرهم حسب ترتيب الأقدمية على النهاية العظمى في التقدير السنوي، إذ حصل كل منهم على مائة درجة ولم يحصل المدعي على هذا التقدير؛ ومن ثم فلا محل للقول بإساءة استعمال السلطة لمجرد عدم التزامها بالأقدمية، ما دامت قد اختارت من لا مطعن على كفايتهم. وانتهت الوزارة إلى أن القرار المطعون فيه قد صدر سليماً، وطلبت رفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات، وقد رقي المدعي بعد ذلك إلى الدرجة الثانية في 28 من يوليه سنة 1955، وعدل طلباته إلى طلب اعتبار أقدميته في الدرجة الثانية راجعة إلى 28 من فبراير سنة 1955 وإلزام الحكومة بالمصروفات. وبجلسة 13 من يونيه سنة 1957 قضت المحكمة "باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الثانية راجعة إلى التاريخ المحدد بالقرار المطعون فيه الصادر في 28 من فبراير سنة 1955، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأسست قضاءها على أنه ما كان يجوز ترقية السيد/ عبد اللطيف شيحا بالأقدمية؛ إذ لم يمض على نقله لوزارة المالية حتى صدور القرار المطعون فيه ميعاد السنة المنصوص عليه في المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي لا تجيز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً، ولما كان المدعي هو الأول في ترتيب الأقدمية قبل إجراء هذا النقل، ولا يوجد في ملف خدمته ما يحول دون ترقيته بمقتضى هذا القرار إلى الدرجة الثانية بالكادر الإداري بالديوان العام بالوزارة، فإن القرار المذكور يكون قد صدر معيباً فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى هذه الدرجة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي لم يكن الأول في ترتيب الأقدمية بالدرجة الثالثة، وذلك على خلاف ما أثبته الحكم، ولذلك فإن كان من مصلحته إلغاء القرار المطعون فيه للعيب الذي شابه، إلا أن الإلغاء في هذه الحالة يجب أن يكون إلغاءً مجرداً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير ذلك، فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين من كتاب وزارة المالية للسيد رئيس هيئة المفوضين المؤرخ 10 من أغسطس سنة 1957 أن الأول في ترتيب أقدمية الدرجة الثالثة في الحركة المطعون فيها هو السيد/ سعد حسين البدوي ويليه السيد/ عبد اللطيف شيحا ثم المدعي، وأن تاريخ ترقيتهم إلى الدرجة الثالثة هو أول سبتمبر سنة 1946 و30 من يناير سنة 1951 و30 من إبريل سنة 1953 على التوالي.
ومن حيث إن السيد/ سعد حسين البدوي قد صدر لصالحه حكم من محكمة القضاء الإداري في 20 من ديسمبر سنة 1956 في القضية رقم 124 لسنة 9 القضائية التي أقامها ضد وزارة المالية يطلب فيها إلغاء القرار الصادر في 20 من إبريل سنة 1953 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثانية بالأقدمية، ولما كان قد رقي أثناء نظر الدعوى إلى الدرجة الثانية في الحركة التي صدر بها القرار الوزاري في 28 من يوليه سنة 1955، فقد قضت المحكمة باعتبار أقدميته في الدرجة الثانية راجعة إلى 20 من إبريل سنة 1953، وقد حاز هذا الحكم قوة الشيء المقضى به؛ فمن ثم يكون السيد/ عبد اللطيف شيحا قد أصبح الأول في ترتيب الأقدمية يليه المدعي الذي أصبح الثاني، وذلك وفق ما أوضحته وزارة المالية في كتابها للسيد رئيس هيئة المفوضين السابق الإشارة إليه، فلا يبقى بعد ذلك إلا البحث فيما إذا كان حظر ترقية الموظف المنقول قبل مضي سنة من تاريخ نقله يلحق الأول أم لا.
ومن حيث إن المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص في فقرتها الأولى على أنه "يجوز نقل الموظف من إدارة إلى أخرى ويجوز نقله من مصلحة أو وزارة إلى مصلحة أو وزارة أخرى إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناءً على طلبه". وتنص في فقرتها الثانية على ما يأتي "ومع ذلك لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً". وظاهر من ذلك أن الفقرة الأولى من تلك المادة، وإن رددت الأصل العام في جواز نقل الموظف من جهة إلى أخرى حسب مقتضيات العمل، إلا أنها قيدت ذلك بقيد روعي فيه عدم الإضرار بالموظف المنقول إذا كان النقل يفوت عليه دوره في الترقية، إلا إذا كان النقل بناءً على طلب الموظف المنقول نفسه، فعندئذٍ يصح النقل ولو كان من شأنه تفويت الدور عليه في الترقية ما دام الموظف المنقول قد وازن مصلحته وآثر النقل على الرغم من ذلك. ومؤدى ذلك أن النقل الذي يتم بغير مراعاة القيد المذكور يقع مخالفاً للقانون، إذ هو بمثابة حرمان الموظف من دوره في الترقية بالأقدمية، ويجوز للموظف المنقول أن يطلب إلغاءه حتى لا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية، ويكون من حقه لو أنه ترك في هذه الترقية في الجهة المنقول منها أن يطعن في القرار المتضمن تخطيه فيها، أما إذا تم النقل صحيحاً بأن كان بناءً على طلب الموظف حتى ولو فوت عليه دوره في الترقية في الجهة المنقول منها أو كان بغير طلبه ولكن لم يترتب عليه تفويت دوره في الترقية هناك فإن النقل يقع صحيحاً مطابقاً للقانون، ولكن في مثل هذه الحالة تتقيد ترقية الموظف المنقول بقيد نصت عليه الفقرة الثانية من تلك المادة، وهو أنه لا يجوز النظر في ترقيته إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً، وهذا القيد هو استثناءً من الأصل العام الذي يجيز النقل كما يجيز ترقية الموظف المنقول طبقاً للقواعد العامة، فلزم - والحالة هذه - تفسيره تفسيراً ضيقاً في حدود الحكمة التشريعية التي قام عليها. ويبين من تقصي الأعمال التحضيرية لقانون التوظف في هذا الشأن أن المشروع الأصلي لم يتضمن لا القيد المنصوص عليه في الفقرة الأولى ولا الاستثناء المنصوص عليه في الفقرة الثانية، وإنما أدخلا باقتراح في البرلمان، وأشار تقرير لجنة المالية بمجلس الشيوخ إلى ذلك بقوله: "وقد نص في المشروع على جواز نقل الموظف من إدارة إلى أخرى ومن وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى وقد خشيت اللجنة أن يكون الدافع إلى نقل الموظف من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى مرجعه محاولة تفويت الدور عليه في الترقية أو في الأقدمية، فعدلت النص باتفاقها مع زميلتها بمجلس النواب، بحيث لا يجوز النقل إذا كان مقصوداً به تحقيق هذا الغرض، اللهم إلا إذا كان النقل بناءً على طلب الموظف نفسه. وحتى لا يكون الغرض من نقل الموظف إلى وزارة أو مصلحة أخرى مقصوداً به محاولة ترقيته نص في المشروع على أن تلك الترقية لا تجوز إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله؛ ولذلك فإنه لا محل لتطبيق هذا القيد الاستثنائي إذا انعدمت علته، كما إذا كان النقل في درجات المصالح المنشأة حديثاً". وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 94 لسنة 1953 الذي عدلت هذه المادة بمقتضاه إلى نصها الحالي "أنه قد قصد بنص تلك المادة عدم التحايل بنقل الموظفين من وزاراتهم أو مصالحهم لترقيتهم في وزارات أو مصالح أخرى. ولكن هذه الحكمة تنتفي في الوزارات والمصالح الجديدة؛ إذ تحتاج الحكومة لموظفين لشغل الوظائف بتلك الوزارات أو المصالح فتنقل إليها موظفين من الوزارات أو المصالح المختلفة، وعلى ذلك يجب ألا يحرم هؤلاء الموظفون من الترقيات؛ إذ أن جميع الموظفين بها منقولون إليها أو معينون ابتداءً على وظائفها". والواقع من الأمر أن ما رددته المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور هو تأكيد للمعنى السالف إيضاحه من أن هذا القيد الاستثنائي لا ينبغي إعماله إلا في المجال المعني به، وهو منع التحايل عن طريق النقل لإيثار الموظف المنقول بترقيته في الجهة المنقول إليها في نسبة الأقدمية؛ ومن ثم فإن النقل الذي يرد عليه القيد الاستثنائي المعني بهذا النص، وهو عدم جواز ترقية الموظف المنقول قبل مضي سنة على الأقل، لا ينصرف إلا إلى نقل الموظف مجرداً عن الدرجة التي يشغلها، أما إذا كان نقله قد ترتب بحكم اللزوم على نقل الدرجة التي يشغلها من ميزانية الوزارة أو المصلحة المنقول منها إلى ميزانية الوزارة أو المصلحة المنقول إليها، أو أنشئت درجة جديدة في ميزانية المصلحة، وكان نقله عليها ضرورة اقتضتها المصلحة العامة تنظيماً للأوضاع المصلحية، فلا محل لإعمال هذا الاستثناء لانتفاء حكمته، ولأن نقل الموظف في هذه الحالة كان أمراً اقتضاه تنظيم الأوضاع حسب مقتضيات الصالح العام بغير دخل لإرادة الموظف في ذلك، فلا يجوز أن يضار بمثل هذا النقل التي اقتضته المصلحة العامة وهو لا دخل لإرادته فيه، بتفويت دوره في الترقية في نسبة الأقدمية.
ومن حيث إن نقل السيد/ عبد اللطيف شيحا من هيئة التدريس بجامعة عين شمس كان تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من سبتمبر سنة 1954 بنقل بعض أعضاء هيئة التدريس بجامعة عين شمس إلى وزارة التربية والتعليم توطئة لنقلهم إلى الوزارات الأخرى، وذلك لدواع اقتضاها الصالح العام من إعادة تنظيم الجامعة وهيئة التدريس بها؛ وبناءً على ذلك نقل السيد/ عبد اللطيف شيحا إلى وزارة المالية والاقتصاد، على أن تقوم الوزارة بإنشاء درجة له بميزانية تلك الوزارة في 1955 - 1956، وعلى هذا الأساس أدرجت الوزارة اعتماداً إضافياً في ميزانيتها في المدة الباقية من السنة المالية 1954 - 1955 لدرجة مالية مماثلة للدرجة التي كان بها في جامعة عين شمس، وهي الدرجة الثالثة، وأدمجت في ميزانية الديوان العام، فكان النقل - والحالة هذه - على درجة منشأة لضرورة اقتضاها تصحيح الأوضاع الإدارية وإعادة تنظيمها بناءً على ما قرره مجلس الوزراء في هذا الشأن، فلم يكن النقل - والحالة هذه - مقصوداً به التحايل لترقية المدعي حتى يرد على ترقيته في الجهة الأخيرة الحظر الاستثنائي المشار إليه بالمعنى وفي الحدود السالف إيضاحها.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن السيد/ عبد اللطيف شيحا حصل على الدرجة الثالثة في 30 من يونيه سنة 1951، بينما كانت أقدمية المدعي فيها من 30 من إبريل سنة 1953؛ وبهذه المثابة يكون السيد/ عبد اللطيف شيحا هو الأول في ترتيب الأقدمية، ويكون من حقه الترقية إلى الدرجة المخصصة للترقية بالأقدمية محل المنازعة.
ومن حيث إن ما ينعاه المدعي، على ترقية كل من السادة بنيامين لوقا وشفيق مرقص لطيف وحسين خالد حمدي إلى الدرجة الثانية في نسبة الاختيار للكفاية بدعوى أنه يسبقهم في ترتيب الأقدمية وأن ملفه زاخر بالتقارير والتوصيات التي تشهد بكفايته وامتيازه، مردود بما هو ثابت في محضر لجنة شئون الموظفين الذي صدرت على أساسه الحركة المطعون فيها من أن اختيارها عند المفاضلة قد وقع على الموظفين المشار إليهم دون المدعي أو غيره لحصولهم على مائة درجة في التقرير السري السنوي، وهي النهاية القصوى، بينما لم يحصل المدعي على هذه الدرجة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت ورثة المدعي بصفاتهم بالمصروفات.