مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1705

(174)
جلسة 12 من يوليه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 5 لسنة 4 القضائية

( أ ) عقوبة - وقف تنفيذ العقوبة - المادة 55 وما بعدها من قانون العقوبات - المقصود بوقف تنفيذ الآثار الجنائية المترتبة على الحكم - هو العقوبات التبعية والآثار الجنائية دون الآثار الأخرى المدنية والإدارية كإنهاء خدمة الموظف وفقاً المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة.
(ب) موظف - عزله - وجوب التفرقة بين العزل كعقوبة جنائية تبعية أو تكميلية، سواء أكان عزلاً نهائياً أم مؤقتاً، وبين العزل التأديبي أو الإداري - تلاقيهما في بعض الصور من حيث تحقيق الأثر - عدم تلاقيهما في حالات أخرى - عدم جواز تعطيل أحكام قانون نظام موظفي الدولة في هذه الحالات - بيان ذلك.
1 - إن وقف تنفيذ الآثار المترتبة على الأحكام الجنائية بالتطبيق للمادة 55 من قانون العقوبات وما بعدها لا يشمل إلا العقوبة التبعية والآثار الجنائية المترتبة على الحكم فلا يتعداها إلى الآثار الأخرى، سواء أكانت هذه الآثار من روابط القانون الخاص أو من روابط القانون العام، أي سواء كانت مدنية أم إدارية.
2 - تجب التفرقة بين العزل كعقوبة جنائية تبعية أو تكميلية، سواء أكان عزلاً نهائياً أم عزلاً لمدة مؤقتة، تقع بالتطبيق لقانون العقوبات، وبين إنهاء خدمة الموظف بقطع رابطة التوظف نهائياً، سواء بالتطبيق للفقرة الرابعة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة، أي كجزاء تأديبي بعد محاكمة تأديبية، أو بطريق العزل الإداري، أي بقرار جمهوري بالتطبيق للفقرة السادسة، أو بقوة القانون ونتيجة للحكم على الموظف في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف وفقاً للفقرة الثامنة من تلك المادة، فكل أولئك أسباب قانونية لإنهاء خدمة الموظف يطبق كل منها في مجاله متى قام موجبه واستوفى أوضاعه وشرائطه. ولئن كان انتهاء خدمة الموظف بالعزل نهائياً كعقوبة جنائية قد يتلاقى من حيث تحقيق الأثر مع إنهائها بالتطبيق للفقرة الثامنة من المادة 107، بمعنى أن تطبيق تلك الفقرة الأخيرة يصبح غير ذي موضوع إذا كان قد تحقق انتهاء تلك الخدمة بعقوبة العزل النهائي، إلا أنهما قد يفترقان ولا يتلاقيان في تحقيق هذا الأثر، فلا يجوز عندئذٍ تعطيل أحكام قانون نظام موظفي الدولة في إنهاء الخدمة بأي سبب من الأسباب المشار إليها متى توافرت الشروط القانونية، وآية ذلك أن عقوبة العزل التبعية التي تنهي الخدمة لا تترتب طبقاً للمادة 25 من قانون العقوبات إلا على حكم بعقوبة جناية، بينما تنتهي الخدمة طبقاً للفقرة الثامنة من المادة 107 المشار إليها بالحكم على الموظف في جناية ولو كان الحكم في الجناية بعقوبة الحبس، كما أن العزل كعقوبة جنائية تبعية لا يترتب على حكم في جنحة مخلة بالشرف، بينما إنهاء الخدمة بموجب المادة المشار إليها يتحقق موجبه بارتكاب الموظف أية جريمة مخلة بالشرف جناية كانت أو جنحة. يقطع في هذا كله ما يظهر من مراجعة الأعمال التحضيرية لقانون موظفي الدولة؛ إذ كان المشروع الأول المعروض على مجلس النواب في جلسة أول أغسطس سنة 1949 مفاده أن تنتهي خدمة الموظف بالحكم بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية مخلة بشرفه، وبعد المناقشة عدل النص بالصيغة الواردة في القانون رقم 210 لسنة 1951 التي مفادها انتهاء الخدمة بالحكم في جناية أو جريمة مخلة بالشرف. كما يؤكد أن العزل الذي تنتهي به الخدمة نهائياً كعقوبة جنائية لا يترتب إلا على حكم بعقوبة جناية ما نصت عليه المادة 27 من قانون العقوبات من أن كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه. وظاهر من ذلك أن العزل كعقوبة جنائية على نوعين: فهو إما عزل نهائي، وهو لا يترتب إلا على حكم بعقوبة جناية، وعزل مؤقت لمدة محددة تحكم به المحكمة إذا حكمت بعقوبة الحبس في جناية أو جنحة من تلك الجنايات أو الجنح التي حددها القانون. وغني عن القول أن هذا الحكم الأخير هو استثناء من الأصل الأول، وأن هذا العزل المؤقت هو عقوبة جنائية تكميلية من نوع خاص ليس لها مثيل في الأوضاع الإدارية.


إجراءات الطعن

في يوم 31 من أكتوبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 3 من سبتمبر سنة 1957 في القضية رقم 170 لسنة 4 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد محمد علي الجنيدي ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات. وقد طلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي، مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 7 من نوفمبر سنة 1957، وإلى المدعي في ذات اليوم، وعين لنظره جلسة 8 من فبراير سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجأت النطق بالحكم لجلسة 29 من مارس سنة 1958 ورخصت في تقديم مذكرات، ثم أرجئ لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 170 لسنة 4 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية المختصة في 14 من يناير سنة 1957 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزارة التربية والتعليم بفصله من الخدمة وبصفة مؤقتة الحكم باستمرار صرف راتبه، وقال شرحاً لدعواه إن نزاعاً شجر بينه وبين أخيه وابن أخيه على منزل كائن بناحية روينة مركز كفر الشيخ، وكان المدعي قد استصدر حكماً لصالحه بملكيته لهذا المنزل، وحدث بعد ذلك أن شرع أخوه وابنه في إقامة جدار بداخل هذا المنزل من شأنه أن يغير معالمه ويقلل من انتفاعه بملكه، مما حدا به إلى التعرض لهما ومنعهما من إقامة هذا الجدار، فاعتديا عليه بالضرب وأحدثا به إصابات، فاضطر إلى الدفاع عن نفسه وكان يحمل مسدساً مرخصاً له به، فخشى أن تمتد إليه يد ابن أخيه فأمسك به، وفي خلال تجاذبهما المسدس انطلق منه مقذوف أصاب ابنة عمه خطأ إصابة طفيفة في أسفل الساق الأيسر، وكانت تعمل عرضاً في بناء الجدار، وقد قضت محكمة جنايات كفر الشيخ بجلسة 25 من إبريل سنة 1955 حضورياً بمعاقبته بالحبس مع الشغل سنة واحدة، وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صدور الحكم، على أن يشمل الإيقاف جميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم، ونفت المحكمة ظرف سبق الإصرار، وقالت إنها تستعمل الرأفة لصلة القربى التي تربط بينه وبين المجني عليها ولحصول الصلح بينهما، ولظروف المدعي وخلو ماضيه من السوابق. وخلص المدعي إلى أن من أثر وقف تنفيذ العقوبات عدم عزله من الوظيفة. وقد ردت الوزارة على ذلك بأنها أصدرت القرار المطعون فيه استناداً إلى الحكم المنصوص عليه في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة الذي يقضي بانتهاء خدمة الموظف عند الحكم عليه في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف. وقد ردت الوزارة على ذلك بأنه على إثر صدور حكم محكمة الجنايات السالف الذكر استفتت إدارة الرأي والتشريع بمجلس الدولة في شأن ما يتبع إزاء المدعي فأشارت إلى أنه يعتبر مفصولاً من الخدمة بحكم القانون رقم 210 لسنة 1951، وأنه لا أثر لوقف تنفيذ القانون والآثار الجنائية على إنهاء خدمة الموظف في مفهوم هذا القانون. وعلى إثر ذلك أصدرت قراراً في 14 من أكتوبر سنة 1956 بفصله من الخدمة استناداً إلى المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة، وطلبت الحكم برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات. وبجلسة 3 من سبتمبر سنة 1957 قضت المحكمة برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصرفات. وأسست قضاءها على أن الشارع قد نظم من جديد في المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة ما سبق أن نظمه في قانون العقوبات بالنسبة إلى عزل الموظف العام، فأورد حكماً مغايراً يعتبر ناسخاً للحكم المنصوص عليه في المادة 27 عقوبات، ومن مقتضى هذا التنظيم في قانون نظام موظفي الدولة تنتهي بقوة القانون خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة إذا حكم عليه في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف؛ ومن ثم فإن القرار المطعون فيه قد صدر سليماً، الأمر الذي يتعين معه رفض دعوى المدعي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه إذا كان قانون نظام موظفي الدولة قد نص في المادة 107 منه على انتهاء خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة بالحكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، فلا يمكن القول بأن هذا الحكم منبت الصلة بالأحكام الواردة في قانون العقوبات في هذا الشأن، وتنص المادة 55 من قانون العقوبات على أنه "يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجب أن يبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ، ويجوز أن يجعل الإيقاف شاملاً لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار المترتبة على الحكم"، كما لا يمكن القول بوقوع النسخ إلا فيما تعارض فيه الحكمان، وبذلك ينسخ اللاحق السابق منهما، وإذ كان التنظيم الجديد قد جعل الحكم في جناية أو جناية أو في جنحة مخلة بالشرف سبباً من أسباب انتهاء الخدمة في الوظيفة العامة، فإن المسبب وهو العزل يدور مع السبب وجوداً وعدماً، وترتيباً على ذلك يرد على المسبب ما يرد على السبب من حكم. ولما كانت المحكمة قد قضت بمعاقبة المدعي في جناية وأمرت بوقف تنفيذ الحكم، فإن الوقف في هذه الحالة يمتد إلى أثر هذا الحكم، وهو الأثر المنصوص عليه في القانون رقم 210 لسنة 1951 فيوقف إعماله، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فيكون قد خالف القانون وتعين الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي قدم إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لاتهامه في القضية رقم 2026 كفر الشيخ سنة 1952: (أولاً) بالشروع في قتل محمد عبد الحميد الجندي عمداً بأن أطلق عليه مقذوفات نارية من مسدسه المرخص له بحمله بقصد قتله وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه وهو عدم إحكامه التصويب، وكان ذلك مع سبق الإصرار. (ثانياً) شرع أيضاً في قتل أسما محمد علي الجنيدي عمداً وذلك بأن أطلق مقذوفاً نارياً من ذات المسدس بقصد قتل المجني عليه محمد عبد الحميد الجنيدي سالف الذكر فأخطأ وأصاب المجني عليها فأحدث بها الإصابات المبينة بالتقرير الطبي، وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه هو مداركة المجني عليها بالعلاج، وكان ذلك مع سبق الإصرار، وقد حكمت محكمة جنايات كفر الشيخ بجلسة 25 من إبريل سنة 1955 بمعاقبة المدعي بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة ومصادرة السلاح المضبوط، وأمرت بوقف التنفيذ لعقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم الحكم على أن يشمل الإيقاف جميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم وذلك بالتطبيق لنص المادتين 55 و56 من قانون العقوبات. وبعد صدور هذا الحكم أصدرت الوزارة قراراً في 14 من أكتوبر سنة 1956 بفصله من الخدمة استناداً إلى المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة، وذلك بعد أن استطلعت رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة بمجلس الدولة. فأقام المدعي هذه الدعوى طالباً إلغاء القرار المذكور؛ بمقولة إن أمر المحكمة في الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات على أن يشمل الإيقاف جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم، يمنع الوزارة من فصله من الخدمة استناداً إلى المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع هي ما إذا كان الحكم الصادر من محكمة جنايات كفر الشيخ بمعاقبة المدعي في جنايتي الشروع في القتل اللتين اتهم فيهما بالحبس مع الشغل سنة واحدة مع وقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صدور الحكم على أن يشمل الإيقاف جميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم - ما إذا كان وقف تنفيذ هذا الحكم يمنع الإدارة من إنهاء خدمة المدعي بالتطبيق للفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة أم لا.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن وقف تنفيذ الآثار المترتبة على الأحكام الجنائية بالتطبيق للمادة 55 من قانون العقوبات وما بعدها لا يشمل إلا العقوبة التبعية والآثار الجنائية المترتبة على الحكم فلا يتعداها إلى الآثار الأخرى، سواء أكانت هذه الآثار من روابط القانون الخاص أم من روابط القانون العام، أي سواء أكانت مدنية أو إدارية. كما أنه يجب التفرقة بين العزل كعقوبة جنائية تبعية أو تكميلية، أي سواء أكان عزلاً نهائياً أم عزلاً لمدة مؤقتة، تقع بالتطبيق لقانون العقوبات، وبين إنهاء خدمة الموظف وقطع رابطة التوظف نهائياً، سواء بالتطبيق للفقرة الرابعة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة، أي كجزاء تأديبي بعد محاكمة تأديبية، أو بطريق العزل الإداري، أي بقرار جمهوري بالتطبيق للفقرة السادسة، أو بقوة القانون ونتيجة للحكم على الموظف في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف وفقاً للفقرة الثامنة من تلك المادة، فكل أولئك أسباب قانونية لإنهاء خدمة الموظف يطبق كل منها في مجاله متى قام موجبه واستوفى أوضاعه وشرائطه.
ومن حيث إنه ولئن كان انتهاء خدمة الموظف بالعزل نهائياً كعقوبة جنائية تبعية قد يتلاقى من حيث تحقيق الأثر مع إنهائها بالتطبيق للفقرة الثامنة من المادة 107، بمعنى أن تطبيق تلك الفقرة الأخيرة يصبح غير ذي موضوع إذا كان قد تحقق انتهاء تلك الخدمة بعقوبة العزل النهائي، إلا أنهما قد يفترقان ولا يتلاقيان في تحقيق هذا الأثر، فلا يجوز عندئذٍ تعطيل أحكام قانون نظام موظفي الدولة في إنهاء الخدمة بأي سبب من الأسباب المشار إليها متى توافرت الشروط القانونية؛ وآية ذلك أن عقوبة العزل التبعية التي تنهي الخدمة لا تترتب طبقاً للمادة 25 من قانون العقوبات إلا على حكم بعقوبة جناية، بينما تنتهي الخدمة طبقاً للفقرة الثامنة من المادة 107 المشار إليها بالحكم على الموظف في جناية ولو كان الحكم في الجناية بعقوبة الحبس، كما أن العزل كعقوبة جنائية تبعية لا يترتب على حكم في جنحة مخلة بالشرف، بينما إنهاء الخدمة بموجب المادة المشار إليها يتحقق موجبه بارتكاب الموظف أية جريمة مخلة بالشرف جناية كانت أو جنحة، يقطع في هذا كله ما يظهر من مراجعة الأعمال التحضيرية لقانون موظفي الدولة؛ إذ كان المشروع الأول المعروض على مجلس النواب في جلسة أول أغسطس سنة 1949 مفاده أن تنتهي خدمة الموظف بالحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية مخلة بشرفه، وبعد المناقشة عدل النص بالصيغة الواردة في القانون رقم 210 لسنة 1951 التي مفادها انتهاء الخدمة بالحكم في جناية أو جريمة مخلة بالشرف. كما يؤكد أن العزل الذي تنتهي به الخدمة نهائياً كعقوبة جنائية لا يترتب إلا على حكم بعقوبة جناية ما نصت عليه المادة 27 من قانون العقوبات من أن كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه، وظاهر من ذلك أن العزل كعقوبة جنائية على نوعين، فهو إما عزل نهائي وهو لا يترتب إلا على حكم بعقوبة جناية، وعزل مؤقت لمدة محددة تحكم به المحكمة إذا حكمت بعقوبة الحبس في جناية أو جنحة من تلك الجنايات أو الجنح التي حددها القانون، وغني عن القول أن هذا الحكم الأخير هو استثناءً من الأصل الأول، وأن هذا العزل المؤقت هو عقوبة جنائية تكميلية من نوع خاص ليس لها مثيل في الأوضاع الإدارية.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن لكل من العزل كعقوبة جنائية بالتطبيق لأحكام قانون العقوبات والعزل تأديبياً كان أم إدارياً بالتطبيق لأحكام قانون موظفي الدولة، لكل مجاله وأوضاعه وشروطه وأحكامه الخاصة به في التطبيق، وأنه ليس ثمة تلازم بينهما في كل الأحوال، وإن كان قد يقع التلاقي في تحقيق الأثر في بعض الأحوال، فلا يجوز إذاً تعطيل أحكام قانون التوظف في مجال تطبيقهاً متى قام موجبها واستوفت أوضاعها وشروطها.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في قضائه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.