مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1713

(175)
جلسة 12 من يوليه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 57 لسنة 4 القضائية

( أ ) سلك دبلوماسي وقنصلي - القانون رقم 166 لسنة 1954 - خضوع أعضاء السلكين لغاية سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية لنظام التقارير السنوية - التزام لجنة شئون السلكين، وهي بصدد تقدير كفاية أحد من هؤلاء، بالرجوع إلى رؤساء بعثات التمثيل الخارجي - لا إلزام عليها بالنسبة لمن عداهم.
(ب) سلك دبلوماسي وقنصلي - القانون رقم 166 لسنة 1954 - اختصاص لجنة شئون السلكين بالنظر في ترقية ونقل أعضاء السلكين لغاية مستشار من الدرجة الأولى - تقديرها لكفاية مستشار من الدرجة الثانية - لا تثريب عليها إن هي اعتمدت على معلومات أعضائها أو أطرحت تزكية من الرئيس المباشر.
1 - إن المادة 13 من القانون رقم 166 لسنة 1954 بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي تنص على أن "يقدم رؤساء بعثات التمثيل الدبلوماسي والقنصلي ومديرو الإدارات بوزارة الخارجية عن أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي الذين يعملون معهم تقارير دورية في شهر فبراير من كل سنة على أساس تقدير كفاية العضو بدرجات نهايتها القصوى مائة درجة، ويعتبر العضو ضعيفاًً إذا لم يحصل على 40 درجة على الأقل. وتكتب هذه التقارير على النموذج وبحسب الأوضاع التي يقررها وزير الخارجية بقرار يصدر منه. وتودع التقارير في ملفات سرية وتفحص اللجنة المنصوص عليها في المادة السابقة (لجنة شئون أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي) هذه التقارير في شهر مارس من كل عام، ولها أن تطلب ما تراه من البيانات في شأنها، وتسجل اللجنة التقدير إذا لم تؤثر البيانات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية، وإلا فيكون للجنة تقدير درجة الكفاية التي يستحقها العضو ويكون تقديرها نهائياً. ويخضع لنظام التقارير السنوية أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي لغاية من يشغل وظيفة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية". وليس في مفهوم هذا النص ما يلزم اللجنة بالرجوع إلى رأي رؤساء بعثات التمثيل الخارجي إلا بالنسبة لأعضاء هذين السلكين لغاية من يشغل منهم وظيفة سكرتير أول قنصل عام من الدرجة الثانية، أما الوظائف الخاصة بمستشار من الدرجة الثانية أو قنصل عام من الدرجة الأولى متدرجة إلى أعلى حتى وظيفة سفير فلا يلزم الرجوع فيها إلى رأي الرؤساء المباشرين. يؤكد هذا ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون؛ إذ جاء فيها "واستحدث المشروع لجنة دائمة تسمى لجنة شئون السلكين الدبلوماسي والقنصلي راعى في تشكيلها أن تكفل تحقيق أوفى الضمانات لأعضاء السلكين، فشكلها من وكيل وزارة الخارجية ومن أعلى ثلاثة من مديري الإدارات بوزارة الخارجية وظيفة، وناط بهذه اللجنة النظر في إعداد حركة الترقيات والتنقلات لأعضاء السلكين عدا السفراء والوزراء المفوضين فترك أمر ترقياتهم وتنقلاتهم إلى وزير الخارجية يبت فيها دون عرضها على اللجنة، وترفع اللجنة اقتراحاتها في هذا الشأن إلى وزير الخارجية، ونظم المشروع كيفية وضع التقارير الدورية وميعادها وتقدير درجة الكفاية عن كل عضو على غرار ما نص عليه القانون رقم 579 لسنة 1953 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وأخضع المشروع جميع أعضاء السلكين لنظام التقارير عدا السفراء والوزراء المفوضين والمستشارين والقناصل العامين من الدرجة الأولى". وثابت أن المدعي كان مستشاراً من الدرجة الثانية بسفارة موسكو عندما وضعت اللجنة تقديرها عنه في 24 من نوفمبر سنة 1954، فلم يكن ثمة إلزام عليها "بالرجوع إلى رأي الرئيس المباشر للمدعي وقتئذٍ" على حد تعبير الحكم المطعون فيه؛ ومن ثم فلا يقبل القول بإطراحه وعدم التعويل عليه، وإنما هو تصرف قانوني سليم تترتب عليه كافة الآثار القانونية التي استهدفها المشرع في قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي رقم 166 لسنة 1954.
2 - إن اللجنة الدائمة بوزارة الخارجية والمشكلة بالتطبيق لنص المادة 12 من القانون رقم 166 لسنة 1954 من وكيل وزارة الخارجية رئيساً وعضوية ثلاثة من مديري الإدارات الأعلى وظيفة بالوزارة، تختص بالنظر في ترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي لغاية من يشغل وظيفة مستشار من الدرجة الأولى، وترفع اللجنة اقتراحاتها في هذا الشأن إلى وزير الخارجية؛ ومن ثم فلا تثريب على هذه اللجنة - وهي بصدد تقدير كفاية مستشار من الدرجة الثانية، ولا يلزم القانون لتقديرها الرجوع إلى رأي رئيسه المباشر كما سلف البيان - أن تعتمد على المعلومات التي يبديها أعضاؤها ليتسنى لها إعمال ولايتها القانونية في مجال النقل أو الترقية، ولا جناح على هذه اللجنة إن هي أطرحت كتاب سفير مصر في موسكو إلى وزارة الخارجية في أول إبريل سنة 1954 والذي حرر بعد أن قدمت اللجنة تقديرها الأول في أول فبراير سنة 1954؛ لأنها وضعت معايير عامة تضبط على أساسها كفاية أعضاء السلكين السياسي والقنصلي وصلاحيتهم بما يتلاءم مع روح العهد الجديد مع كفالة الموازنة في الكفاية فيما بينهم على أساس شامل موحد. وغني عن القول أن هذه اللجنة، بما تجمع لديها من بيانات عن جميع الأعضاء من شتى المصادر فضلاً عن معلومات أعضائها الشخصية، هي الأقدر على تحديد درجة الكفاية وضبط الموازنة بالمعيار الموحد الشامل لهم جميعاً. ولا جناح على اللجنة كذلك إن هي أعرضت عن مثل تلك الرسائل الشخصية المقدمة من المدعي؛ إذ لا ضابط لها ولا سند من القانون ينظمها، وكلها بعيدة عن طابع التقارير السرية وخالية من مقوماتها القانونية، ولا تخرج في حقيقة أمرها عن خطابات استدرها المدعي من بعض رؤسائه السابقين في تواريخ لاحقة لتاريخ رفع الدعوى، تأييداً لدفاعه وأخذاً بناصره في مجال هذه المنازعة.


إجراءات الطعن

في 18 من ديسمبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة ثانية) بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 3645 لسنة 9 القضائية المرفوعة من الدكتور محمد عبد السلام حداية ضد رياسة مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، والذي قضى "بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء بتاريخ 20 من إبريل سنة 1955 بإحالة المدعي إلى المعاش، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات، ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 22 و29 من ديسمبر سنة 1957، وللخصم في 2 من يناير سنة 1958، وعين لنظره جلسة 8 من مارس سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3645 لسنة 9 القضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 14 من يوليه سنة 1955 طلب فيها الحكم: أولاً وبصفة أصلية، بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من مجلس الوزراء في 20 من إبريل سنة 1955 بإحالته إلى المعاش. ثانياً وعلى سبيل الاحتياط، الحكم بإلزام المدعى عليهما بصفتهما، بأن يدفعا له مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض، مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل الأتعاب، وقال شرحاً لدعواه إنه التحق بخدمة وزارة الخارجية في فبراير سنة 1934 بعد حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة لوزان سنة 1928 والدكتوراه من جامعة ليون سنة 1935، وتدرج في وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي حتى وصل بعد خدمة عشرين سنة بجده واجتهاد إلى وظيفة سكرتير أول في مارس سنة 1953 المعادلة لوظيفة مستشار من الدرجة الثانية وفقاً للقانون رقم 166 لسنة 1954. واضطلع خلال ذلك بأعباء ومسئوليات منصب قائم بالأعمال بالنيابة عدة مرات ولمدد طويلة في هولنده والبرازيل وموسكو، ولم تتخطه الوزارة في الحركات السابقة حيث كان موضع تقديرها، إلى أن ظهرت حركة فبراير/ إبريل سنة 1954، فتبين له أنه تخطى في الترقية لوظيفة مستشار من الدرجة الأولى، وأن أولى الأمر بالوزارة آثروا بهذه الترقية نفراً من دفعته ممن هم بعده في كشف الأقدمية أمثال السادة رءوف قلدس ومحمود شمس الدين عبد الغفار وجمال الدين صلاح وصالح خليل. فتظلم المدعي من هذا التخطي إلى رئيسه المباشر أولاً الفريق عزيز المصري سفير مصر المفوض في موسكو في 10 من مارس سنة 1954، ثم إلى المحكمة الإدارية لشئون وزارة الخارجية في 13 من مايو سنة 1954 طالباً إلغاء الأمر الجمهوري رقم 5 لسنة 1954 الصادر في 15 من فبراير والمنشور في أول مارس سنة 1954، وكذا المرسوم الجمهوري الصادر في 10 من إبريل والمنشور في 15 من إبريل سنة 1954 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية لوظيفة مستشار درجة أولى. ونظراً لعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الطلب طبقاً للقانون رقم 147 لسنة 1954، ولما كان رفع الدعوى إلى جهة غير مختصة يقطع المدة، فقد نزل المدعي عن دعواه أمام المحكمة الإدارية وتقدم بطلبه مجدداً إلى محكمة القضاء الإداري في 6 من يوليه سنة 1954 حيث قيد تحت رقم 9860 لسنة 8 القضائية. وبين المدعي في عريضة دعواه وفيما قدم من مستندات كيف أنه أقدم ممن تخطوه في الحركة المطعون فيها، وأنه وإن كانت الترقية إلى وظائف مستشارين من الدرجة الأولى هي بالاختيار، إلا أن لهذا الاختيار ضوابطه، ولم يجامل المدعي المسئولين في الوزارة الذين أجروا الحركة المطعون فيها، وانتقدها في عريضة دعواه مبيناً بالأدلة المنطقية ما قامت عليه من محاباة للبعض وتمييز مجحف بحقوق البعض الآخر - ومن بينهم المدعي - هذا الموقف من المدعي لم يرق في أعين المسئولين فتعمدوا تخطيه مرة أخرى في بحر عشرة شهور في حركة ديسمبر سنة 1954، رغم توكيد وكيل الوزارة للمدعي ومدير إدارة الشئون السياسية بها في يوليه سنة 1954 أن ما أصابه من تخط لن يتكرر، وأنه سيرقى في أول حركة قادمة. ولكن الوزارة رقت في حركة ديسمبر سنة 1954 اثنين من زملائه الذين يلونه في كشف الأقدمية ولا يمتازان عنه في شيء، وهما صالح محمود وإبراهيم صبري، وترتيب أولهما الثامن وترتيب الثاني هو التاسع عشر في كشف الأقدمية، بينما ترتيب المدعي هو السادس. فلم يسع المدعي إلا أن يسجل احتجاجه على هذا التخطي الجديد. ولكن حركة ديسمبر سنة 1954 ما لبثت أن أوقفت لكثرة الشكاوى التي قدمت إلى مجلس الوزراء في خصوصها. وأخيراً صدرت الحركة الجديدة محل هذه الدعوى، وذلك على إثر إقرارها من مجلس الوزراء في 20 من إبريل سنة 1955 بعد إدخال عدة تعديلات عليها، وكان من نصيب المدعي أن رقي فيها إلى وظيفة مستشار من الدرجة الأولى مع إحالته في الوقت نفسه إلى المعاش وضم سنتين إلى مدة خدمته، مع صرف الفرق بين الماهية والمعاش مشاهرة خلالهما. وتلقى المدعي في 4 من مايو سنة 1955 وهو يقوم بأعمال السفارة المصرية بموسكو كتاب الوزارة الذي يبلغه ذلك مع التنبيه عليه باتخاذ الإجراءات اللازمة لإخلاء طرفه بمجرد وصول البدل. وفزع المدعي من قرار فصله على هذا النحو، فتقدم إلى الوزارة متظلماً في 24 من مايو سنة 1955. وردت الوزارة على هذا التظلم برفضه مستندة في قرار رفضها في 13 من يونيه سنة 1955 إلى أن "قضاء محكمة القضاء الإداري قد استقر على أن القوانين واللوائح المعمول بها لا تضع قيوداً على الحكومة في فصل الموظفين قبل بلوغهم سن التقاعد عن الخدمة المقررة في القانون، كما أنها لم توجب عليها بيان أسباب الفصل في قرارات الإحالة إلى المعاش، وأن المفروض أن قرارات الإحالة إلى المعاش غير المسببة قد صدرت صحيحة وفي حدود الصالح العام. وعلى من يطلب إلغاءها لسبب إساءة استعمال السلطة أن يقيم الدليل القاطع على ذلك. وأن أحكام القانون المعمول بها تقضى، مراعاة لحسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد، منح الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء الحق في فصل من ترى فصله من الموظفين إذا ارتأت أنه غير محل لثقتها أو لغير ذلك من الأسباب التي تتصل بالصالح العام بغير حاجة إلى بيان الأسباب...". ويقول المدعي إنه لم يجد، منذ التحاقه بخدمة وزارة الخارجية في فبراير سنة 1934، ما يسئ إلى سمعته، بل وجد ما يشرفه دون وساطة أو محسوبية، ويشهد بذلك ملف خدمته وما احتواه من ثناء رؤسائه عليه وتقديرهم له في كتاباتهم وتقاريرهم إلى الوزارة أمثال السادة عبد الحميد منير عندما كان المدعي يعمل تحت إشرافه بجدة سنة 1942، واسكندر الوهابي عندما كان وزيراً مفوضاًً بلاهاي ورئيساً للمدعي سنة 1949، وأمين فؤاد المناسترلي وحسن محرم ومحمود ثابت وحسين شوقي الذي كان رئيساً له في عام 1952 بالبرازيل وغيرهم ممن كانوا رؤساء للبعثات الدبلوماسية في الخارج أو لإدارات الوزارة في الداخل. ولعل الرئيس الوحيد الذي لم يكن راضياً عنه هو الوزير المفوض السابق بلاهاي، وذلك بسبب امتعاض المدعي من السلوك الشخصي لهذا الرئيس، مما جعل هذا الأخير يلاحقه بنقمته حتى بعد أن نقل المدعي من لاهاي إلى البرازيل، ولم يكن المدعي ممن يفرطون في كرامتهم أو حقوقهم؛ لذلك لم يتوان عن المطالبة بحقوقه الوظيفية عندما تخطته الوزارة في فبراير سنة 1954 ثم في حركة ديسمبر سنة 1954، ولو أن المدعي كان خاملاً أو غير منتج أو ممن علقت بهم الشوائب، لما سكتت عنه الوزارة في حركة التطهير ولأخرج وقتذاك في زمرة من أخرجوا وهم كثرة من مختلف الرتب. ويضيف المدعي أنه وإن كانت القوانين واللوائح المعمول بها لم تضع قيوداً على الحكومة في فصل الموظفين قبل بلوغهم سن التقاعد، إلا أن هذا لا يعني أن سلطتها في ذلك تحكمية تصدر فيها عن الغرض والهوى، وإنما هي سلطة تقديرية تجد حدها الطبعي في العلة القانونية التي أملتها وهي المصلحة العامة. فإذا انحرفت الإدارة عن هذا الحد كان تصرفها مشوباً بسوء استعمال السلطة وحق عليه الإلغاء. وخلص المدعي من ذلك إلى القول بأن القرار المطعون فيه هو قرار تعسفي لا يمت إلى المصلحة العامة بسبب؛ ومن ثم يحق له أن يطالب بإلغائه. وقد ردت وزارة الخارجية على الدعوى بأن تقريري لجنة شئون الموظفين المودعين ضمن الملف السري الخاص بالمدعي بدوسيه القضية ثم وضعهما بوساطة لجنة شئون الموظفين بما لها من سلطة خولها إياها القانون بالنسبة للموظف. كما أن المدعي لم يقدم ما يؤيد دعواه من أن هذين التقريرين تم وضعهما بمعرفة اللجنة دون أخذ رأي رئيسه المباشر. وأضافت الوزارة إلى ذلك أن المدعي من مواليد سنة 1902، وأنه حاصل على ليسانس الحقوق من لوزان سنة 1928، ودبلوم في القانون العام من ليون سنة 1930، ودبلوم في الاقتصاد السياسي من ليون سنة 1931، ودكتوراه في الحقوق من ليون عام 1932، وأنه عين بوزارة الخارجية اعتباراً من 21 من إبريل سنة 1934، ثم التحق بالسلك السياسي اعتباراً من 10 من إبريل سنة 1937، وتدرج في مناصبه حتى وصل مستشاراً من الدرجة الثانية بسفارة مصر بموسكو في 20 من مارس سنة 1954، وأنه في 20 من إبريل سنة 1955 صدر قرار مجلس الوزراء بترقيته إلى وظيفة مستشار من الدرجة الأولى، وفي نفس اليوم صدر قرار من مجلس الوزراء بإحالته إلى المعاش مع ضم سنتين إلى مدة خدمته، وصرف الفرق بين الماهية والمعاش المستحق له. وقدم المدعي تظلماً إلى وزير الخارجية في 24 من مايو سنة 1955 وتقرر رفضه في 13 من يونيه سنة 1955، وقد قدمت الوزارة ملف خدمة المدعي وصورة من خطاب بتاريخ أول إبريل سنة 1954 مرسل من السفير السابق عزيز المصري إلى وزارة الخارجية موصياً بترقية المدعي، وجاء في هذا الخطاب "أن المدعي يقوم بعمله خير قيام وعلى أكمل وجه". وانتهت وزارة الخارجية إلى طلب الحكم برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات. وبجلسة 13 من نوفمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 20 من إبريل سنة 1955 بإحالة المدعي إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت قضاءها على أن الحكومة في قرارها بفصل المدعي لم تفصح عن الأسباب التي بنت عليها قرارها، كما لم تفصح عن هذه الأسباب في ردها على الدعوى. وإنه ولئن كانت الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في عدم تسبيب قرارات الفصل الصادرة منها إذ يقترض في الفصل غير المسبب أنه قام على سبب صحيح يبرره، فليس لها أن تتحصن وراء هذه القرينة لتغطية قرار غير مشروع، وإنما يكون للمحكمة أن تتحرى الأسباب الحقيقية التي حدت بها إلى اتخاذ هذا القرار لتتحقق من مدى صحتها ومطابقتها للقانون، ووسيلتها إلى ذلك الرجوع إلى ملف خدمة الموظف المفصول وسائر أوراق الدعوى، ومحكمة القضاء الإداري لم تتبين من هذه الأوراق سبباً معقولاً يصلح أساساً لقرار الفصل الذي يصير باطلاً لانعدام سببه، وقالت المحكمة إنها اطلعت على الملف السري للمدعي وعلى ما قدمه من شهادات صادرة من رؤساء البعثات السياسية السابقين والذين عمل المدعي تحت رياستهم في أوقات مختلفة، وقد بان من أوراق الملف السري أن التقارير التي وردت به شملت فترتين: الأولى من سنة 1946 إلى سنة 1949 والثانية عن سنة 1954. وقد قدم في هذه الفترة الأخيرة تقريران في فبراير ونوفمبر من تلك السنة. أما الشهادات المقدمة من المدعي والتقارير الخاصة بالفترة الأولى، وهي صادرة عن الرؤساء المباشرين الذين عمل المدعي تحت إشرافهم، فجميعها تشيد بكفايته في العمل ومثابرته ومواظبته عليه وتثنى على حسن سلوكه ومظهره. وأما التقريران الموضوعان بشأنه في سنة 1954 فظاهر أنهما من وضع لجنة شئون الموظفين بالوزارة، وليس للرئيس المباشر رأي فيها عن المدعي، وقد قدرت كفايته فيهما بدرجة ضعيف. وقالت المحكمة إنها - وهي بسبيل تقصي صحة السبب الذي يقترض أن الحكومة قد أقامت عليه قرارها بفصل المدعي - لا تعول على تقريري لجنة شئون الموظفين اللذين وضعا بشأن المدعي سنة 1954، ووصف فيهما المدعي بالضعف: أولاً لأن التقريرين قد وضعا دون الرجوع لرأي الرئيس المباشر للمدعي وقتئذٍ كما تقضي بذلك المادة 31 من قانون نظام موظفي الدولة والمادة 13 من القانون رقم 166 لسنة 1954 بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وهو الذي - بحكم اتصاله بالمدعي في العمل وإشرافه عليه - يستطيع أن يقدر مدى كفايته وصلاحيته. وثانياً لأن ما ورد في التقريرين بشأن المدعي يتعارض تعارضاً تاماً مع ما ثبت من الكتاب المؤرخ أول إبريل سنة 1954 الموجه من سفير مصر في موسكو، والذي كان يعمل المدعي تحت رياسته حينئذٍ، إلى وزير الخارجية، والذي ذكر فيه أن المدعي يقوم بعمله خير قيام وعلى أكمل وجه، كما يتعارض مع سائر التقارير السابقة والشهادات الصادرة من رؤساء المدعي السابقين. وما دامت المحكمة قد انتهت إلى عدم التعويل على التقريرين السالف ذكرهما، فإنه لا يبقى في ملف المدعي إلا ما ينطق بصلاحيته وكفايته وحسن سلوكه، مما ينعدم معه كل سبب معقول يوحي بإصدار قرار إحالة المدعي إلى المعاش؛ وبذلك يكون القرار المطعون فيه باطلاً لمخالفته للقانون متعيناً إلغاؤه. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتارية هذه المحكمة في 18 من ديسمبر سنة 1957، واستند في أسباب طعنه إلى أن علاقة الموظف بالحكومة ليست علاقة تعاقدية حتى تلتزم الحكومة بالإبقاء على الموظف في وظيفته ما بقي العقد، ولكن هذه العلاقة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، فمركز الموظف في ظلها هو مركز قانوني عام يجوز للحكومة تغييره في أي وقت، والوظيفة العامة تكليف للقائم بها، وهذا التكليف يقتضي من الموظف أن يكون قادراً على تحمله ضماناً لحسن سير الأداة الحكومية، فبقاؤه في الوظيفة رهين بهذا المناط، وهو استمرار صلاحيته للنهوض بأعبائها، وهو أمر يخضع أساساً لتقدير الحكومة القوامة على تسيير المرافق العامة فتفصل من تراه أصبح غير صالح لذلك. والمفروض في الحكومة، وهي تمارس هذا الحق الأصيل، أنها تمارسه معلولاً بعلته التي أملته وهي تحقيق المصلحة العامة. وفي الدعوى القائمة لم تستهدف الحكومة من قرار فصل المدعي غير ذلك، وقد استبان لها ضعفه، فرأت أنه غير أهل لتولي المناصب الدبلوماسية العليا، وهي مناصب ذات دقة وحساسية يجب فيمن يولاها ألا يساور الحكومة أدنى شك في مبلغ كفايته. وقد ثبت للحكومة بشهادة عمد وزارة الخارجية - وكيلها وأقدم أربعة من مديريها - أن المدعي موصوف بالضعف. والحكم المطعون فيه إذ استبعد تقرير اللجنة الدائمة عن شهر نوفمبر سنة 1954، وأقام قضاءه على فكرة إطراحه، يكون قد أخطأ شاكلة الصواب. ومتى كان قرار الفصل قد صدر مشروعاً مبرءاً من الخطأ فإنه لا محل لمساءلة الحكومة عنه بالتعويض، ولا يكون ثمة وجه للخوض في الطلبات الاحتياطية للمدعي وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلاً. وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أودع المطعون عليه مذكرة بملاحظاته بجلسة 10 من مايو سنة 1958 طلب فيها رفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه بحذافيره مع حفظ كافة الحقوق وملاحظة أن زملاءه الذين تخطوه في حركة إبريل سنة 1954 قد وصلوا الآن لدرجة سفير. وقال إن تقرير فبراير سنة 1954 الذي وصف فيه لأول مرة بالضعف قد صدر من لجنة شئون موظفي وزارة الخارجية قبل العمل بالقانون رقم 166 لسنة 1954؛ ومن ثم في ظل المرسوم بقانون الصادر في سنة 1925 بوظائف السلك السياسي والقنصلي والقانون رقم 210 لسنة 1951 بوصفه التشريع العام لموظفي الدولة، والمادة 31 من هذا التشريع الأخير تنص على أن يكون تقديم التقارير عن الموظفين من رؤسائهم المباشرين، ورئيس المدعي المباشر وقتذاك هو الفريق عزيز المصري سفير مصر في موسكو، حيث كان المدعي سكرتيراً أولا بها أي ما يعادل مستشاراً ثانياً فيما بعد، وقد احتج السفير في خطابه المؤرخ أول إبريل سنة 1954 على تخطي المدعي، ووصفه بأنه "يقوم بعمله خير قيام وعلى أكمل وجه"، وهذا يتعارض مع وصف لجنة شئون الموظفين له بالضعف. أما عن تقرير نوفمبر سنة 1954، وقد وصف المدعي بالضعف، فإنه قد جانب أيضاً الصواب، لأنه يتعارض مع ما سجلته الشهادات المختلفة الصادرة من رؤسائه السابقين، ولم يعرف عنهم الإسفاف في القول أو الميل مع الهوى، وفي مقدمتهم الدكتور عبد الحميد بدوي وزير الخارجية الأسبق والقاضي بمحكمة العدل الدولية بلاهاي حيث كان المدعي يعمل في السفارة المصرية هناك. وقد ذكر عنه السيد محمود ثابت مدير إدارة المراسيم والسفير السابق بأن المدعي "كان طوال مدة عمله مثال الجد والنشاط والكفاية الممتازة مع الأدب الجم والإخلاص في العمل". وكذلك شهد عنه السيد حسين شوقي عندما كان وزيراً مفوضاً بالبرازيل فقال في كتاب مرفق بأن المدعي "كان مرضياً للغاية ومحافظاً كل المحافظة على حسن المظهر والاختلاط بأحسن الطبقات". وانتهت مذكرة المطعون عليه بأنه إذا كانت لجنة شئون الموظفين - على حد قول تقرير الطعن - مؤلفة من عمد الوزارة، فإن أصحاب التقارير والشهادات التي قدمها على النحو السالف الإشارة إليه هم من أساطين وزارة الخارجية ووزرائها وسفرائها السابقين ومعظمهم كان في وقت ما رئيساً لأعضاء تلك اللجنة الوزارية التي استقلت بتقدير كفاية المدعي ووصفته مرتين بأنه ضعيف.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم، وبوحه خاص من ملف خدمة المدعي، أن لجنة شئون موظفي وزارة الخارجية اجتمعت في أول فبراير سنة 1954، وقررت وضع مقاييس لتقدير درجة كفاية موظفي السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجة الثانية، أي من وظيفة سكرتير أول، فما دونها، فيما يتعلق بمدى الاطلاع والإنتاج وكيفية معالجة الأمور وتقدير المسئولية والخلق والسلوك والسمعة الشخصية والمظهر، وذلك بالإضافة إلى الصلاحية الدبلوماسية التي تعتبر من أهم عناصر تقدير كفاية موظفي السلك الدبلوماسي والقنصلي الذين يجب أن تتوافر فيهم شروط قد لا تتطلب في غيرهم من موظفي الدولة، باعتبارهم ممثلين لها سواء في الداخل أو في الخارج، مما يوجب التدقيق الكلي في تقدير كفاية كل موظف في عمله الذي قد يؤثر الإخلال بأحد عناصره المذكورة آنفاً على مصالح البلاد العليا في حالات عدة وهو ما قد لا يشترط توافره في موظفي الدولة الآخرين، وأنها راعت في ذلك درجة كل موظف في السلك الدبلوماسي والقنصلي متدرجة في التدقيق في تقدير العناصر السابقة كلما ارتفع الموظف في درجته على ضوء المصلحة العامة لإعداد موظفين صالحين للعمل الدبلوماسي حتى يمكن لوطنهم الاعتماد عليهم عندما يتولون الوظائف الرئيسية ليقوموا بواجبهم خير قيام، وأبانت أن تقدير درجات الكفاية قد تم بعد الاطلاع على التقارير المودعة بملف خدمة كل موظف، وبعد الاطلاع على ما ورد من أعمالهم والتداول في شأن تقدير درجة الكفاية التي يستحقها كل منهم. وانتهت اللجنة فيما يختص بالمدعي إلى تقديره بدرجة ضعيف، وأرفقت بملف خدمته السري بياناً مفصلاً لحالته جاء به أن مدى اطلاعه محدود، وأن إنتاجه ضعيف، وفي معالجته للأمور وتقدير المسئولية ضعيف، ومن حيث الخلق والسلوك والسمعة متوسط، ومن حيث الشخصية ضعيف، ومن حيث المظهر متوسط، وعن صلاحيته الدبلوماسية متوسط، وحاصل تقرير أول فبراير سنة 1954 عن درجة الكفاية أنه ضعيف (المستند رقم 49 من ملف الخدمة السري للمدعي). وفي 24 من نوفمبر سنة 1954 اجتمعت بوزارة الخارجية لجنة شئون أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، برياسة وكيل وزارة الخارجية وعضوية ثلاثة من مديري الإدارات الأعلى وظيفة بالوزارة، للنظر في ترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي ووضعت تقديرها لكفاية المدعي بمقدار 56 درجة من مائة درجة وهي النهاية القصوى. وتفصيل ذلك أنه حصل في مادة العمل والإنتاج على 25 درجة من خمسين، وحصل في مادة التعاون والسلوك الشخصي على 21 درجة من ثلاثين، وحصل في مادة الصفات الذاتية على 10 درجات من عشرين. ورفعت اللجنة اقتراحها بذلك في شأن المدعي إلى وزير الخارجية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 166 لسنة 1954 بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي والصادر في 20 من مارس سنة 1954.
ومن حيث إن المادة 13 من القانون سالف الذكر تنص على أن يقدم رؤساء بعثات التمثيل الدبلوماسي والقنصلي ومديرو الإدارات بوزارة الخارجية عن أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي الذين يعملون معهم تقارير دورية في شهر فبراير من كل سنة على أساس تقدير كفاية العضو بدرجات نهايتها القصور مائة درجة، ويعتبر العضو ضعيفاًً إذا لم يحصل على 40 درجة على الأقل، وتكتب هذه التقارير على النموذج وبحسب الأوضاع التي يقررها وزير الخارجية بقرار يصدر منه. وتودع التقارير في ملفات سرية، وتفحص اللجنة المنصوص عليها في المادة السابقة (لجنة شئون أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي) هذه التقارير في شهر مارس من كل عام، ولها أن تطلب ما تراه لازماً من البيانات في شأنها. وتسجل اللجنة التقدير إذا لم تؤثر البيانات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية، وإلا فيكون للجنة تقدير درجة الكفاية التي يستحقها العضو ويكون تقديرها نهائياً. ويخضع لنظام التقارير السنوية أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي لغاية من يشغل وظيفة سكرتير أول قنصل عام من الدرجة الثانية. وليس في مفهوم هذا النص ما يلزم اللجنة بالرجوع إلى رأي رؤساء بعثات التمثيل الخارجي إلا بالنسبة لأعضاء هذين السلكين لغاية من يشغل منهم وظيفة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية. أما الوظائف الخاصة بمستشار من الدرجة الثانية أو قنصل عام من الدرجة الأولى متدرجة إلى أعلى حتى وظيفة سفير فلا يلزم الرجوع فيها إلى رأي الرؤساء المباشرين. يؤكد هذا ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون؛ إذ جاء فيها "واستحدث المشروع لجنة دائمة تسمى (لجنة شئون السلكين الدبلوماسي والقنصلي) راعى في تشكيلها أن تكفل تحقيق أوفى الضمانات لأعضاء السلكين، فشكلها من وكيل وزارة الخارجية ومن أعلى ثلاثة من مديري الإدارات بوزارة الخارجية وظيفة، وناط بهذه اللجنة النظر في إعداد حركة الترقيات والتنقلات لأعضاء السلكين، عدا السفراء والوزراء المفوضين، فترك أمر ترقياتهم وتنقلاتهم إلى وزير الخارجية يبت فيها دون عرضها على اللجنة، وترفع اللجنة اقتراحاتها في هذا الشأن إلى وزير الخارجية، ونظم المشروع كيفية وضع التقارير الدورية وميعادها وتقدير درجة الكفاية عن كل عضو على غرار ما نص عليه القانون رقم 579 لسنة 1953 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وأخضع المشروع جميع أعضاء السلكين لنظام التقارير عدا السفراء والوزراء المفوضين والمستشارين والقناصل العامين من الدرجة الأولى". وثابت أن المدعي كان مستشاراً من الدرجة الثانية بسفارة موسكو عندما وضعت اللجنة تقديرها عنه في 24 من نوفمبر سنة 1954، فلم يكن ثمة إلزام عليها "بالرجوع إلى رأي الرئيس المباشر المدعي وقتئذٍ "على حد تعبير الحكم المطعون فيه؛ ومن ثم فلا يقبل القول بإطراحه وعدم التعويل عنه، وإنما هو تصرف قانوني سليم تترتب عليه كافة الآثار القانونية التي استهدفها المشرع في قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي رقم 166 لسنة 1954.
ومن حيث إن اللجنة الدائمة بوزارة الخارجية، والمشكلة بالتطبيق لنص المادة 12 من القانون السالف الذكر من وكيل وزارة الخارجية رئيساً وعضوية ثلاثة من مديري الإدارات الأعلى وظيفة بالوزارة، تختص بالنظر في ترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي لغاية من يشغل وظيفة مستشار من الدرجة الأولى، وترفع اللجنة اقتراحاتها في هذا الشأن إلى وزير الخارجية؛ ومن ثم فلا تثريب على هذه اللجنة - وهي بصدد تقدير كفاية مستشار من الدرجة الثانية، ولا يلزم القانون لتقديره الرجوع إلى رأي رئيسه المباشر كما سلف البيان - أن تعتمد على المعلومات التي يبديها أعضاؤها ليتسنى لها إعمال ولايتها القانونية في مجال النقل أو الترقية. ولا جناح على هذه اللجنة إن هي أطرحت كتاب سفير مصر في موسكو إلى وزارة الخارجية في أول إبريل سنة 1954؛ لأنها وضعت معايير عامة تضبط على أساسها كفاية أعضاء السلكين السياسي والقنصلي وصلاحيتهم بما يتلاءم مع روح العهد الجديد مع كفالة الموازنة في الكفاية فيما بينهم، وقد قدمت تقريرها الأول عن المدعي في أول فبراير سنة 1954، أي قبل أن يحرر السفير كتابه بشهرين. كما لا جناح عليها إن هي أعرضت عن مثل تلك الرسائل الشخصية المقدمة من المدعي؛ إذ لا ضابط لها ولا سند من القانون ينظمها، وكلها بعيدة عن طابع التقارير السرية وخالية من مقوماتها القانونية، ولا تخرج في حقيقة أمرها عن خطابات استدرها المدعي من بعض رؤسائه السابقين في تواريخ لاحقة لتاريخ رفع الدعوى تأييداً لدفاعه وأخذاً بناصره في مجال هذه المنازعة. على أساس شامل موحد. وغني عن القول أن هذه اللجنة بما تجمع لديها من بيانات عن جميع الأعضاء من شتى المصادر فضلاً عن معلومات أعضائها الشخصية هي الأقدر على تحديد درجة الكفاية وضبط الموازنة بالمعيار الموحد الشامل لهم جميعاً.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن حق مجلس الوزراء في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو حق أصيل يستند في أساسه إلى الأوامر العالية والقوانين المتتابعة التي تناولت النص عليه، وقد رددته المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنص على أن من أسباب إنهاء خدمة الموظف العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي، وكذلك الفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء، وثبوت هذا الحق لمجلس الوزراء معناه تفرد الحكومة - وهي التي عينت الموظف - بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة والاستمرار في تولي عملها، بيد أن هذا الحق لا يكون مشروعاً إلا إذا وقع الفصل لاعتبارات أساسها المصلحة العامة، واستند إلى أسباب جدية قائمة بذات الموظف. ولما كان الموظفون هم عمال المرافق العامة، لزم أن تكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية خصوصاً لشغل المناصب الرئيسية الكبرى، وفصل من تراه منهم أصبح غير صالح لذلك، وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها، ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة فلم تستهدف سوى المصلحة العامة.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء بإحالة المدعي إلى المعاش مع ضم سنتين إلى مدة خدمته وصرف الفرق بين الماهية والمعاش المستحق له هو قرار فصل بغير الطريق التأديبي صدر بالاستناد إلى الفقرة السادسة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. ويبين مما سلف إيراده أنه قد قام على سببه المبرر له قانوناً، وهو ضعف المدعي وقصوره عن المستوى الذي يجعله صالحاً للبقاء في وظيفته. وقد استعملت الإدارة سلطتها في هذا الشأن بفصل المدعي، وإن عطفت عليه في الوقت ذاته وبمناسبة إحالته إلى المعاش، بترقيته ثم بضم سنتين إلى مدة خدمته وصرف الفرق إليه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون في محله، ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 20 من إبريل سنة 1955 بإحالة المدعي إلى المعاش، قد وقع مخالفاً للقانون، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات.