مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1751

(178)
جلسة 12 من يوليه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد على الدمراوى والسيد إبراهيم الديوانى وعلى إبراهيم بغدادى والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 203 لسنة 4 القضائية

( أ ) بوليس - القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس - التفرقة بين الترقية من رتبة ملازم حتى رتبة أميرالاى وبين ما يعلو ذلك من رتب - جعل الترقية فى الأول بالأقدمية المطلقة وفى الثانية بالاختيار المطلق - حكمة هذه التفرقة.
(ب) بوليس - التخطى فى الترقية - سماع أقوال المراد تخطيه - مقصور على الترقية بالأقدمية وفقا للمادة 21 من القانون رقم 234 لسنة 1955 - لا وجه لإعمال هذا الحكم فى الترقية إلى رتبة اللواء.
(ج) بوليس - الترقية إلى رتبة اللواء وما يعلوها - الاستناد عند الاختيار على ملف خدمة الموظف وما يحويه من تقارير سابقة - غير كاف - لذوى الشأن الاعتماد على ما يستقونه من معلومات بأنفسهم أو بوساطة الأجهزة الرسمية للدولة.
(د) قرار إدارى - تسبيبه - المادة 7 من القانون رقم 234 لسنة 1955 - اشتراطها تسبيب القرارات الصادرة من مجلس البوليس الأعلى - لا يكون التسبيب إلا بالقدر الذى تحتمله طبيعة القرار أو تتسع له - تسبيب القرار بعدم اختيار ضابط للترقية إلى رتبة لواء وما يعلوها - حسب القرار الإشارة إلى أن الاختيار لم يقع عليه.
1 - إن القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس قد استحدث أحكاما جديدة فى شأن ترقية الضباط، ففرق بين الترقية من رتبة ملازم حتى رتبة أميرالاى وبين ما يعلو ذلك من رتب، فجعل الترقية بالأقدمية المطلقة فى الأولى وبالاختيار المطلق فى الثانية مع إحالة الضابط الذى لا يشمله الاختيار فى الترقية إلى رتبة لواء إلى المعاش مع ترقيته إلى هذه الرتبة. وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه عن الحكمة التشريعية التى قام عليها هذا الحكم المستحدث وهى تقوم على اعتبارين أساسيين، أولهما ترك الاختيار فيمن يتقلد المناصب الرئيسية لتقدير الإدارة المطلق بحسب ما تقدره وتطمئن إليه من حيث توافر عناصر الكفاية والصلاحية وقوة الشخصية، حتى يكون زمام جهاز الأمن فى يد أحسن العناصر بحسب تقديرها، وحتى ينفسح مجال الترقى أمام عدد كبير من الضباط من جميع الرتب التى تليهم - كل ذلك ابتغاء حسن سير مرفق الأمن العام على الوجه الذى ارتآه القانون.
2 - لا وجه للقول بأن التخطى فى الترقية إلى رتبة لواء لا يجوز عند حلول الدور إلا بعد سماع أقوال المزمع تخطيه أمام المجلس بالتطبيق للمادة 21 من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس؛ لأن مجال تطبيق هذه المادة إنما يكون فى الترقية حتى رتبة الأميرالاى التى جعل القانون أساس الترقية إليها بالأقدمية المطلقة، فكان من الطبعى ألا يتخطى الضابط إلا بعد سماع أقواله أمام مجلس البوليس الأعلى فى كل مرة يحصل فيها التخطي، فإذا استمر تخطيه مدة سنتين فعلى المجلس استدعاؤه ولفت نظره، فإذا انقضت سنة ثالثة وقرر المجلس استمرار تخطيه وجبت إحالته إلى المعاش. وهى قيود قانونية مجال إعمالها كما سلف القول فى الترقية حتى رتبة أميرالاي. أما فوق ذلك من رتب، فما دام القانون جعل أساس الترقية فيها الاختيار المطلق بدون قيد أو شرط فهى لا تتقيد بمثل تلك القيود التى لا تطبق إلا فى مجال آخر هو مجال الترقية بالأقدمية المطلقة ؛ ولهذا قامت الحكمة التشريعية للمادة 19 على اعتبار أساسى آخر يؤكد المعنى المشار إليه ويكفل التوازن بين الصالح العام وبين صالح الضباط أنفسهم؛ إذ عوضهم القانون عن تركهم فى الاختيار الذى يستتبع حتماً إحالتهم إلى المعاش بترقيتهم إلى رتبة اللواء مع تسوية معاشهم على أساس مربوط هذه الرتبة، وإضافة المدة الباقية لهم فى الخدمة فى حساب المعاش بشرط ألا تجاوز سنتين؛ حتى لا يبقى شيء من المرارة فى نفوسهم.
3 - لا وجه للاقتصار فى الاختيار عند الترقية إلى رتبة اللواء وما يعلوها على التقارير المقدمة فى حق الضباط خلال حياتهم الوظيفية السابقة؛ إذ هى قد قدمت حين كانوا يشغلون وظائف أدنى قد يصلحون للترقية إليها؛ وبهذه المثابة لا تحد تقدير الإدارة عند الترقية إلى المناصب الرئيسية من رتبة اللواء وما فوقها، ما دام القانون قد ترك ذلك لمطلق اختيارها، وفضلاً عن ذلك فإن ملف خدمة الموظف وما يحتويه من تقارير وإن كان فى الأصل هو الوعاء الطبعى لحياته الوظيفية، إلا أنه لا يشمل حتماً كل ما يتعلق بالموظف من معلومات وبيانات أو عناصر لها أثرها فى التقدير، وقد تغيب عن تلك التقارير ولكنها قد لا تغيب عن ذوى الشأن عن النظر فى تلك الترقيات إلى المناصب الرئيسية، بل يعتمدون إلى جانب التقارير السابقة على ما يستقونه من معلومات وبيانات، سواء بأنفسهم أو بوساطة الأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع مثل تلك البيانات والمعلومات، كما أشارت إلى ذلك الوزارة فى مذكرتها.
4 - لئن كانت المادة السابعة من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس تقضى بأن تكون القرارات الصادرة من المجلس الأعلى للبوليس مسببة، إلا أنه غنى عن القول أن التسبيب لا يكون إلا بالقدر الذى تحتمله طبيعة القرار أو تتسع له؛ وعلى هذا الأساس فإن التسبيب الذى قد يلزم لقرار بتخطى الضابط فى الترقية حينما تكون واجبة قانوناً بحكم أقدميته عند حلول دوره هو غير التسبيب الذى يلزم للقرار بعدم اختيار الضابط فى الترقية إلى المناصب العليا من رتبة لواء فما فوقها؛ ذلك أن القانون قيد سلطة الإدارة فى الحالة الأولى بقيود وضوابط يجب مراعاتها عند التخطى وبعد سماع أقوال الضابط، فيلزم عندئذ بيان الأسباب التى قام عليها هذا التخطي، وعدم الاعتداد بدفاع الضابط. أما إذا أطلق القانون للإدارة الاختيار فى الترقية، فإن قرارها - والحالة هذه - لا يحتمل من التسبيب، إن كان التسبيب فى مثل هذه الحالة لازما، إلا إلى الإشارة بأنه لم يقع الاختيار عليه لشغل تلك المناصب الرئيسية، وهذا هو المستفاد من قرار مجلس البوليس الأعلى فى جلسته المنعقدة فى 15 من مارس سنة 1956.


إجراءات الطعن

فى 15 من فبراير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة طعناً فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (الهيئة الثانية) بجلسة 29 من يناير سنة 1958 فى الدعوى رقم 1687 لسنة 10 ق المرفوعة من اللواء محمود محمد عبد الله ضد وزارة الداخلية، القاضى "بإلغاء قرار وزير الداخلية المطعون فيه القاضى بإحالة المدعى إلى المعاش، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التى استند إليها فى عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة وقبل الفصل فى الموضوع الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتا، وفى الموضوع القضاء بإلغائه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعى بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة فى 26 من فبراير سنة 1958، وللمدعى فى 23 منه، وعين لنظره جلسة أول مارس سنة 1958، ومنها أجلت لجلسة 15 من مارس سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل فى أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإدارى فى 14 من يوليه سنة 1956 أقام المدعى الدعوى رقم 1687 لسنة 10 ق ضد وزارة الداخلية، طالباً الحكم "بإلغاء القرار الصادر فى 15 من مارس سنة 1956 والمبلغ إليه فى 17 منه فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش، مع إلزام الحكومة بقرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت، مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال فى بيان ذلك إنه فى 17 من مارس سنة 1956 أعلن بقرار وزارة الداخلية الصادر فى 15 من مارس سنة 1956 والقاضى بترقيته من رتبة الأميرالاى إلى رتبة اللواء وإحالته إلى المعاش مع تسوية معاشه على أساس مربوط رتبة اللواء وإضافة سنتين لمدة خدمته طبقاً للفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس. وفى 5 من مايو سنة 1956 تظلم المدعى إلى السيد الوزير طالبا إلغاء هذا القرار فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش فلم يجب إلى تظلمه، وقد جاء هذا القرار مجافيا للقانون ومجانبا للصواب ومشوبا بسوء استعمال السلطة للأسباب الآتية: (أولاً) استند القرار المذكور إلى المادة 19 من القانون رقم 234 لسنه 1955 والتى جاء فى فقرتها الثانية أن تكون الترقية بالأقدمية المطلقة حتى رتبة أميرالاي، أما الترقية إلى رتبة لواء فتكون بالاختيار المطلق. وجاء فى المذكرة الإيضاحية للقانون أنه قصد بالاختيار المطلق وجوب توافر عناصر الكفاية والصلاحية وقوة الشخصية فيمن يختارون لشغل المناصب الرئيسية، فالاختيار المطلق إذن قد نيط به أن يكون هدفه الصالح العام واختيار عناصر الكفاية الصالحة مع قوة الشخصية، والسبيل الوحيد الذى يفصح عن كفاية الضابط وصلاحيته وقوة شخصيته هو ملف خدمته وما به من تقديرات وتقريرات، وملف خدمة المدعى يشهد له بالكفاية الممتازة والصلاحية التامة والشخصية القوية. وبعد أن ذكر المدعى فقرات من تقاريره السرية عن السنوات من 1933 إلى 1951 قال إن أبلغ ما فى هذه التقارير جميعا التقريران المقدمان عنه فى عام 1953 من السيد رئيس ديوان الموظفين ومن السيد رئيس وكيل وزارة الداخلية الدائم؛ إذ يقول عنه رئيس ديوان الموظفين فى تقريره أنه جيد جداً فى القدرة على العمل، وجيد جدا فى المواظبة عليه، وأنه ممتاز فى درجة الإنتاج، وأنه جيد جداً فى معاملته للجمهور وللرؤساء وللزملاء وللمرءوسين، وأنه ممتاز فى درجة الكفاية، ورأى السيد رئيس الديوان الموافقة على ترقيته للكفاية الممتازة، وجاء تقرير السيد الوكيل الدائم لوزارة الداخلية مطابقاً لتقرير السيد رئيس الديوان. وإذن فقد انعقد الإجماع على كفاية المدعى الممتازة وشخصيته القوية، وهذا هو الهدف الذى قصدت إليه المادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 من جعل الترقية إلى رتبة اللواء بالاختيار المطلق. فالمدعى فى مجموعه مثال فذ فى شخصيته وفى قوة خلقه وفى إنتاجه وفى كفايته الممتازة، ولا يمكن أن يتصور أن يتطلب القانون من شخص أن يكون على أكثر مما اتصف به المدعي، الأمر الذى يجعل قرار إحالته إلى المعاش مشوبا بإساءة استعمال السلطة؛ لأن السلطة فى الاختيار وإن كانت مطلقة على ما ورد بالمادة 19 سالفة الذكر إلا أن هذا الاختيار قد رسمت المذكرة الإيضاحية للقانون أهدافه ومراميه، فإذا ما حيد عن هذه الأهداف وإذا ما ابتعد عن هذه المرامى كان هذا الاختيار معيباً لأنه لم يتمش مع روح النص ولم يحقق الأهداف التى بنى عليها الاختيار المطلق. (ثانياً) أن النيابة العامة قد أثنت على المدعى ثناءً مشرفاً فى سنة 1929 وسنة 1946 وسنة 1948 على ما يبين من ملف الخدمة. (ثالثاً) أن الذين رقوا دون المدعى بالقرار المطعون فيه هم أقل منه كفاية، وإذا قورن ملف خدمته بملفاتهم استبان الفرق شاسعاً، وأن ترقيتهم لا تتمشى مع ما قصدت إليه المادة 19 المشار إليها؛ من أجل ذلك أقام المدعى هذه الدعوى طالباً إلغاء القرار المطعون فيه مع تعويض مؤقت عما ناله من ضرر أدبى ومادى يقدره بقرش صاغ واحد. وقد قدمت الحكومة مذكرة ردت بها على الدعوى عرضت فيها حالة المدعى منذ التحاقه فى 16 من مايو سنة 1926 إلى أن عين مديراً للمستخدمين بوزارة الداخلية من 29 من يناير سنة 1953، وترقيته إلى الدرجة الأولى من 29 من مارس سنة 1953، ثم نقله وكيلاً عاماً لمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية من 29 من إبريل سنة 1954 ومنحه رتبة الأميرالاى شرف المعادلة لدرجته المدنية بمقتضى القانون رقم 234 لسنة 1955، ثم ورد بالمذكرة بعد ذلك أنه "بناء على قرار المجلس الأعلى للبوليس فى 15 من مارس سنة 1956 وعلى المادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس صدر قرار وزارى رقم 75 لسنة 1956 بترقيته إلى رتبة اللواء شرف بماهية قدرها 1200 ج سنوياً اعتبار من 15 من مارس سنة 1956 ورفع اسمه من عداد موظفى الوزارة اعتباراً من التاريخ المذكور، مع إضافة المدة الباقية له فى الخدمة فى حساب المعاش بشرط ألا تجاوز سنتين". وبجلسة 29 من يناير سنة 1958 حكمت المحكمة "بإلغاء قرار وزير الداخلية المطعون فيه القاضى بإحالة المدعى إلى المعاش، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت المحكمة قضاءها على أن المستفاد من نص الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 "أن الإحالة إلى المعاش تترتب بقوة القانون على تخطى الضابط فى الترقية بالاختيار إلى رتبة لواء، ولذلك فإنه لكى تكون هذه الإحالة إلى المعاش سليمة وبريئة من العيب ينبغى أن يكون السبب الذى بنيت عليه، وهو التخطى فى الترقية إلى تلك الرتبة، صحيحاً ومطابقاً للقانون"، وأن "أحكام المادة 7 فقرة 6 من القانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس تنص على أن مداولات المجلس الأعلى للبوليس سرية وقراراته مسببة"؛ ومن ثم "فإن هذا التسبيب يعد بياناً جوهرياً يبطل بدونه القرار؛ إذ قصد بالتسبيب رعاية المصلحة العامة بحث المجلس على عدم إصدار قرارات إلا وهو على بينة وبصيرة وبعد تحرى الأسباب التى بنيت عليها، وبذلك تتوافر إحدى الضمانات الجوهرية للضباط تحقيقا للعدالة الإدارية، وحتى لا يؤخذوا بقرارات تمسهم فى مصلحة أو حق دون علم بالأسباب التى بنيت عليها؛ ليتبينوا مدى الصحة التى أصابتها هذه القرارات، وحتى تستطيع المحكمة إذا ما عرضت عليها هذه القرارات من رقابتها من حيث قيامها على أسباب صحيحة مطابقة للقانون...."، وأنه "بالرجوع إلى المستخرج الذى أودعته الوزارة من محضر اجتماع المجلس الأعلى للبوليس بجلسة 15 من مارس سنة 1956 تبين أنه أثبت فيه الآتي: والمجلس بعد أن ناقش المادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 واستعرض حالة الذين حل عليهم الدور فى الترقية إلى رتبة لواء وملفاتهم والوظائف التى سبق أن قلدوها، أصدر القرار الآتي: أولاً - يرقى إلى رتبة لواء كل من السادة الأميرالايات الموضحة بالكشف المرافق وعددهم 16"، وأن "إحالة القرار إلى القانون وإلى الملفات والوظائف التى تقلدها المرشحون للترقية لا تفيد فى قيام القرار مسببا، وإنما يقوم التسبيب فى مجال الترقية بالاختيار بذكر الأسباب التى دعت المجلس إلى تفضيل من رقوا وترجيحهم على من تخطوا فى الترقية، أو بالقليل بذكر الأسباب التى حملته على تخطى من تخطاه فى الترقية، وأن تكون هذه الأسباب أو تلك واردة فى صلب القرار ومتنه حتى يخرج القرار حاملاً بذاته كل أسبابه directement motivé، أما الإحالة إلى أوراق أو وثائق أخرى فلا تكفى لقيام التسبيب"، وأنه "وقد افتقد القرار بيان أسبابه حال كون هذا البيان لازما قانونا، فإنه يكون قد صدر باطلا ويتعين إلغاؤه"، وأنه "متى كان الأمر كذلك فإن فى إلغاء القرار المطعون فيه ما يجبر كل الأضرار التى تسببت عن صدوره، مما لا محل معه للقضاء بأى تعويض آخر".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ اعتبر أن هناك تخطيا فى الترقية إلى رتبة اللواء، ويظهر هذا الخطأ بمجرد مطالعة نص المادة 21 من القانون رقم 234 لسنة 1955 التى تقضى بأنه لا يجوز تخطى الضابط فى الترقية عند حلول دوره إلا بقرار مسبب من المجلس الأعلى للبوليس بعد سماع أقواله أمام المجلس، وذلك فى كل مرة يحصل فيها تخطي، فإذا استمر التخطى مدة سنتين فعلى المجلس استدعاؤه ولفت نظره، فإذا انقضت سنة ثالثة وقرر المجلس تخطيه وجبت إحالته إلى المعاش. وهذا النص صريح فى أن القانون قصد بالتخطى الرتب من ملازم إلى أميرالاى التى تجرى فيها الترقية بالأقدمية المطلقة؛ ذلك لأن الترقية من أميرالاى إلى رتبة لواء لا تتضمن أى تخط؛ لأن من لا يشمله الاختيار يرقى إلى هذه الرتبة فى نفس التاريخ الذى يرقى فيه من وقع عليه الاختيار، كما أخطأ الحكم المطعون فيه إذ نعى على قرار مجلس البوليس الأعلى أنه غير مسبب، فى حين أنه ورد بالمحضر أن "المجلس بعد أن ناقش المادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 واستعرض حالة الذين حق عليهم الدور فى الترقية إلى رتبة لواء وملفاتهم والوظائف التى تقلدوها أصدر القرار الآتي..."، ولا نزاع فى أن الإحالة إلى الملفات تسبيب كاف فى هذا المجال بالذات؛ لأن تسبيب قرار المجلس الأعلى للبوليس قصد به إقناع الوزير صاحب الرأى النهائى بوجهة نظر المجلس، وقد اقتنع الوزير بهذا التسبيب بالإحالة إلى الملفات والوظائف التى تقلدوها اقتناعاً حمله على اعتماد قرار المجلس. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد بنى على مخالفة للقانون، وعلى خطأ فى تطبيق أحكام قانون هيئة البوليس وتأويلها. ثم أشارت هيئة المفوضين بعد ذلك إلى أنه لما كان الطعن فى الحكم لا يترتب عليه وقف تنفيذ الحكم إلا إذا أمرت المحكمة بذلك، وكان تنفيذ الحكم المطعون فيه يؤدى إلى نتائج يتعذر تداركها، وطلبت ضم طلباتها وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً. وقد قدم المدعى بعد ذلك مذكرة مسببة فصل فيها دفاعه على النحو الوارد بها، وطلب فى ختامها الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إنه يبين من استظهار ملف خدمة المدعى أنه حصل على ليسانس الحقوق سنة 1926، والتحق بخدمة وزارة الداخلية فى 16 من مايو سنة 1926 فى وظيفة معاون إدارة، وقد تقلب فى مختلف الوظائف بالوزارة إلى أن عين فى 31 من أغسطس سنة 1952 وكيلاً لمديرية أسوان، وفى ديسمبر سنة 1952 رشحه ديوان الموظفين للنقل إليه، فوافقت وزارة الداخلية على ذلك، وعين المدعى مديراً للمستخدمين بوزارة الداخلية اعتباراً من 29 من يناير سنة 1953 ورقى إلى الدرجة الأولى فى 29 من مارس سنة 1953، وبالقرار الوزارى رقم 301 الصادر فى 22 من إبريل سنة 1954 نقل المدعى وكيلاً لإدارة الهجرة والجوازات والجنسية بدرجته وماهيته الحاليتين اعتباراً من 29 من إبريل سنة 1954 ومنح رتبة الأميرالاى شرف المعادلة لدرجته المدنية، وبجلسة 15 من مارس سنة 1956 أصدر المجلس الأعلى للبوليس القرار الآتى "أولاً: يرقى إلى رتبة لواء كل من السادة الأميرالايات الموضحة بالكشف المرافق وعددهم 16"، وقد تضمن الكشف المذكور أسماء 19 أميرالايا أولهم المدعي، وظاهر من الكشف أن المعنى بالترقية إلى رتبة اللواء 16 ليس من بينهم المدعى وزميلان آخران، وفى 17 من مارس سنة 1956 أصدر السيد وكيل وزارة الداخلية الدائم القرار رقم 75 الذى قرر فيه بعد اطلاعه على قرارات المجلس الأعلى للبوليس الصادرة بجلسة 15 من مارس سنة 1956 وعلى المادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس. ترقية السادة المذكورين بعد إلى رتبة اللواء بماهية قدرها 1200 ج سنوياً اعتباراً من 15 من مارس سنة 1956 ويرفع اسم كل منهم من عداد موظفى الوزارة اعتباراً من التاريخ المذكور مع إضافة المدة الباقية له فى الخدمة فى حساب المعاش بشرط ألا تجاوز السنتين"، وقد ورد اسم المدعى بأول هذا الكشف.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن القرار المطعون قد صدر بالتطبيق للمادة 19 من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس، وهى مادة مستحدثة بالقانون المذكور، فيجب تقصى هذا الاستحداث التشريعى وتحديد مدلوله ومداه فى ضوء المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه، مع المقابلة فى هذا الشأن بين أحكام تلك المادة وأحكام الترقية طبقاً للقانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بهيئات البوليس.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذى بدء إلى أنه طبقاً للقانون رقم 140 لسنة 1944 كان يرقى الضابط من رتبة ملازم ثانِ إلى رتبة ملازم أول ترقية حتمية بعد انقضاء سنتين عليه فى الرتبة الأولى، أما الترقية بعد ذلك أيا كانت الرتبة المرقى إليها فتكون على أساس الأقدمية، كما نصت على ذلك المادتان العاشرة والحادية عشرة وبالقيود الواردة فى هاتين المادتين.
ومن حيث إن المادة العاشرة كان يجرى نصها بالآتى "يجب فى الترقية ابتداءً من رتبة الملازم الأول أن تكون الترقية من رتبة إلى الرتبة التى تليها مباشرة بحسب الأقدمية، وتعتبر الأقدمية فى الرتبة من تاريخ منحها، على أن من يعين من ضباط البوليس فى أية وظيفة تدخل ضمن وظائف هيئات البوليس يحتفظ له بالأقدمية فى سلك ضباط البوليس، ويختص المجلس الأعلى للبوليس بالفصل فى الشكاوى الخاصة بالأقدمية ويكون قراره فيها قاطعا". كما كان يجرى نص المادة الحادية عشرة بالآتى "لا يجوز تخطى الضابط فى الترقية عند حلول دوره إلا بقرار من وزير الداخلية بعد موافقة المجلس الأعلى للبوليس وبعد سماع أقوال الضابط أمام المجلس". وظاهر من ذلك أنه ما كان يجوز تخطى الضابط فى الترقية إلى أية رتبة عند حلول دوره إلا بقرار من وزير الداخلية بعد موافقة المجلس الأعلى للبوليس وبعد سماع أقوال الضابط أمام المجلس، ولكن القانون رقم 234 لسنة 1955 استحدث أحكاماً جديدة فى هذا الشأن، ففرق بين الترقية من رتبة ملازم حتى رتبة الأميرالاى وبين ما يعلو ذلك من رتب، فجعل الترقية بالأقدمية المطلقة فى الأولى، وبالاختيار المطلق فى الثانية مع إحالة الضابط الذى لا يشمله الاختيار فى الترقية إلى رتبة لواء إلى المعاش مع ترقيته إلى هذه الرتبة، وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه عن الحكمة التشريعية التى قام عليها هذا الحكم المستحدث، فقالت "وقد قصد بذلك وجوب توافر عناصر الكفاية والصلاحية وقوة الشخصية فى من يختارون لشغل المناصب الرئيسية، فإن لم تتوافر هذه العناصر جميعها فيمن يحل عليه الدور للترقية فقد روعى أن يعوض عن تركه فى الاختيار بترقيته إلى رتبة لواء وإحالته إلى المعاش على الوجه المتقدم، حتى لا يبقى شيء من المرارة فى نفوس كبار الضباط بعد طول مدة خدمتهم وبلوغهم المناصب العالية، وفى الوقت نفسه ينفسح مجال الترقى أمام عدد كبير من الضباط من جميع الرتب التى تليها. وبذلك يتوافر التوازن بين الصالح العام حيث يمكن الحكومة من اختيار أحسن العناصر التى تشرف على جهاز الأمن العام، وبين صالح الضباط أنفسهم الذين يتركون الخدمة بعد بلوغهم هذه المرحلة الطويلة فى خدمة الأمن"؛ ومن ثم فإن الحكمة التشريعية تقوم على اعتبارين أساسيين، أولهما: ترك الاختيار فيمن يتقلد المناصب الرئيسية لتقدير الإدارة المطلق بحسب ما تقدره وتطمئن إليه من حيث توافر عناصر الكفاية والصلاحية وقوة الشخصية؛ حتى يكون زمام جهاز الأمن فى يد أحسن العناصر بحسب تقديرها، وحتى ينفسح مجال الترقى أمام عدد كبير من الضباط من جميع الرتب التى تليهم، كل ذلك ابتغاء حسن سير مرفق الأمن العام على الوجه الذى ارتآه القانون. وغنى عن البيان أن القانون حيثما يطلق التقدير للإدارة فلا معقب على تقديرها ما دام خلا من عيب إساءة استعمال السلطة؛ ومن هنا يبين أنه لا وجه لما يتحدى به المدعى من أن تخطيه فى الترقية إلى رتبة لواء لا يجوز عند حلول دوره إلا بعد سماع أقواله أمام المجلس بالتطبيق للمادة 21 من القانون المذكور؛ لأن مجال تطبيق هذه المادة إنما يكون فى الترقية حتى رتبة الأميرالاى التى جعل القانون أساس الترقية إليها بالأقدمية المطلقة، فكان من الطبعى ألا يتخطى الضابط إلا بعد سماع أقواله أمام مجلس البوليس الأعلى فى كل مرة يحصل فيها التخطي، فإذا استمر تخطيه مدة سنتين فعلى المجلس استدعاؤه ولفت نظره، فإذا انقضت سنة ثالثة وقرر المجلس استمرار تخطيه وجبت إحالته إلى المعاش، وهى قيود قانونية مجال إعمالها كما سلف القول فى الترقية حتى رتبة أميرالاي، أما ما فوق ذلك من رتب فما دام القانون جعل أساس الترقية فيها الاختيار المطلق بدون قيد أو شرط، فهى لا تتقيد بمثل تلك القيود التى لا تطبق إلا فى مجال آخر هو مجال الترقية بالأقدمية المطلقة؛ ولهذا قامت الحكمة التشريعية للمادة 19 على اعتبار أساسى آخر يؤكد المعنى المشار إليه ويكفل التوازن بين الصالح العام وبين صالح الضباط أنفسهم؛ إذ عوضهم القانون عن تركهم فى الاختيار الذى يستتبع حتما إحالتهم إلى المعاش بترقيتهم إلى رتبة اللواء مع تسوية معاشهم على أساس مربوط هذه الرتبة، وإضافة المدة الباقية لهم فى الخدمة فى حساب المعاش بشرط ألا تجاوز سنتين حتى لا يبقى شيء من المرارة فى نفوسهم. كما لا وجه للتحدى بالاقتصار عند الاختيار على التقارير المقدمة فى حقهم خلال حياتهم الوظيفية السابقة؛ إذ فضلاً عن أن مثل هذه التقارير قد قدمت حين كانوا يشغلون وظائف أدنى قد يصلحون للترقية إليها؛ وبهذه المثابة لا تحد تقدير الإدارة عند الترقية إلى المناصب الرئيسية من رتبة اللواء وما فوقها، ما دام القانون قد ترك ذلك لمطلق اختيارها للاعتبارات السالف إيرادها - فضلا عن ذلك فإن ملف خدمة الموظف وما يحتويه من تقارير وإن كان فى الأصل هو الوعاء الطبعى لحياته الوظيفية، إلا أنه لا يشمل حتما كل ما يتعلق بالموظف من معلومات وبيانات أو عناصر لها أثرها فى التقدير، وقد تغيب عن تلك التقارير ولكنها قد لا تغيب عن ذوى الشأن عند النظر فى تلك الترقيات إلى المناصب الرئيسية، بل يعتمدون إلى جانب التقارير السابقة على ما يستقونه من معلومات وبيانات سواء بأنفسهم أو بوساطة الأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع مثل تلك البيانات والمعلومات، كما أشارت إلى ذلك الوزارة فى مذكرتها الأخيرة. وأخيرا فلا وجه كذلك لما ينعاه المدعى على قرار مجلس البوليس الأعلى من أنه صدر غير مسبب؛ وذلك أنه ولئن كانت المادة السابعة من القانون رقم 234 لسنة 1955 تقضى بأن تكون القرارات الصادرة من المجلس الأعلى للبوليس مسببة، إلا أنه غنى عن القول أن التسبيب لا يكون إلا بالقدر الذى تحتمله طبيعة القرار أو تتسع له؛ وعلى هذا الأساس فإن التسبيب الذى قد يلزم لقرار تخطى الضابط فى الترقية حينما تكون واجبة قانوناً بحكم أقدميته عند حلول دوره هو غير التسبيب الذى يلزم للقرار بعدم اختيار الضابط فى الترقية إلى المناصب العليا من رتبة لواء فما فوقها؛ ذلك أن القانون قيد سلطة الإدارة فى الحالة الأولى بقيود وضوابط يجب مراعاتها عند التخطى وبعد سماع أقوال الضابط، فيلزم عندئذٍ بيان الأسباب التى قام عليها هذا التخطى وعدم الاعتداد بدفاع الضابط، أما إذا أطلق القانون للإدارة الاختيار فى الترقية، فإن قرارها - والحالة هذه - لا يحتمل من التسبيب، إن كان التسبيب فى مثل هذه الحالة لازماً، إلا إلى الإشارة بأنه لم يقع الاختيار عليه لشغل تلك المناصب الرئيسية، وهذا هو المستفاد من قرار مجلس البوليس الأعلى فى جلسته المنعقدة فى 15 من مارس سنة 1956.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين الحكم بإلغائه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعى بالمصروفات.