أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الأول - السنة 23 - صـ 327

جلسة 6 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود العمراوى، ومحمود عطيفه، والدكتور محمد محمد حسنين، وحسن المغربى.

(75)
الطعن رقم 60 لسنة 42 القضائية

( أ ) محال عامة. مسئولية جنائية. قانون. جريمة.
مسئولية مستغل المحال العام ومديره والمشرف على أعمال فيه طبقا للمادة 38 من القانون رقم 371 لسنة 1956. مسئولية أقامها الشارع وافترض لها علمهم بما يقع من مخالفات ولو لم يكن أيهم موجودا بالمحل وقت وقوعها. لا يقبل الاعتذار بعدم علمه ما لم يثبت قيام ظروف قهرية تحول بينه وبين الإشراف على المحل ومنع إرتكاب الجريمة.
(ب) إثبات. "بوجه عام". شهادة مرضية. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". محال عامة.
الإثبات فى المواد الجنائية. الأصل فيه اقتناع القاضى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة. الشهادة المرضية دليل من أدلة الدعوى تخضع لتقدير محكمة الموضوع. تقدير توافر عذر الغياب من صميم اختصاص قاضى الموضوع.
(جـ) شهادة مرضية. محال عامة. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". مسئولية جنائية. دفوع.
دفع الطاعن بعدم المسئولية لغيابه عن مقهاه وقت وقوع الجريمة إستنادا إلى شهادة مرضية. التفات محكمة الموضوع عن هذا الدفاع استخلاصها أن غياب الطاعن عن مقهاه لم يكن من شأنه أن يحول دون إشرافه عليه وإدانتها الطاعن على أساس المسئولية المفترضة طبقا لنص المادة 38 من القانون 371 لسنة 1956. سائغ وصحيح فى القانون.
(د) اشتراك. قمار. محال عامة. حكم. "ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل".
الاشتراك بطريق المساعدة فى جريمة ممارسة القمار بمحل عام. تحققه بتقديم أوراق اللعب للاعبين. استطراد الحكم إلى حكم المادة 38 من القانون 371 سنة 1956 الخاصة بمساءلة مستغل المحل ومديره والمشرف على أعمال فيه - تزيد لم يكن الحكم فى حاجة إليه ولا أثر له فى النتيجة التى انتهى إليها.
(هـ، و) إثبات. "بوجه عام". "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
(هـ) حرية القاضى الجنائى فى أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه طالما لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق.
(و) محكمة الموضوع. حقها فى الأخذ بأقوال المتهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك.
1 - تنص المادة 38 من القانون 371 سنة 1956 فى شأن المحال العامة على أنه "يكون مستغل المحل ومديره والمشرف على أعمال فيه مسئولين معا عن أية مخالفة لأحكام هذا القانون". وواضح من صياغة هذه المادة أن مساءلة مستغل المحل ومديره والمشرف على أعمال فيه عن أية مخالفة لأحكامه هى مسئولية أقامها الشارع وافترض لها علم هؤلاء بما يقع من مخالفات حتى ولو لم يكن أيهم موجودا بالمحل وقت وقوعها فلا يقبل من أحد منهم أن يعتذر بعدم علمه ما لم يثبت قيام ظروف قهرية تحول بينه وبين الإشراف على المحل ومنع إرتكاب الجريمة.
2 - الأصل فى الإثبات فى المواد الجنائية هو باقتناع القاضى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه والشهادة المرضية لا تخرج عن كونها دليلا من أدلة الدعوى تخضع لتقدير محكمة الموضوع شأنها شأن سائر الأدلة. كما أن تقدير توافر عذر الغياب أو عدم توافره هو من صميم اختصاص قاضى الموضوع.
3 - إذا كان الطاعن قد دفع أمام محكمة ثانى درجة بعدم مسئوليته لغيابه عن المقهى وقت وقوع الجريمة استنادا إلى شهادة مرضية وكانت محكمة الموضوع قد التفتت عن هذا الدفاع ورأت من أدلة الدعوى أن غياب الطاعن عن مقهاه لم يكن من شأنه أن يحول دون إشرافه عليه وهو استخلاص سائغ لا يتنافر مع مقتضى العقل والمنطق، فإنه لا يقبل منه مصادرة المحكمة فى عقيدتها أو مجادلتها فى عناصر اطمئنانها ولا يكون الحكم المطعون فيه قد جانب حكم القانون الصحيح عندما دان ذلك الطاعن على أساس المسئولية المفترضة المستفادة من نص المادة 38 من القانون 371 سنة 1956 بعد أن اطمأن إلى ما جاء بمحضر الضبط وأقوال اللاعبين.
4 - إذا كانت النيابة العامة قد اتهمت الطاعن بالاشتراك بطريق المساعدة مع بعض الأشخاص فى ارتكاب الجريمة المسندة إليهم وهى ممارسة القمار بمحل عام. وكان البين من الحكم المطعون فيه أن هؤلاء الأشخاص كانوا يزاولون لعبة الكونكان بالمقهى مقابل ثمن المشروبات وهى اللعبة المحظور مزاولتها فى المحال العامة بمقتضى قرار وزير الداخلية 37 سنة 1957 وأن الطاعن قام بتقديم أوراق اللعب إليهم ووقعت الجريمة نتيجة لهذه المساعدة وكان الحكم قد استطرد إلى حكم المادة 38 من القانون 371 سنة 1956 التى نصت على مساءلة مستغل المحل ومديره والمشرف على أعمال فيه، فإن هذا الاستطراد منه لا يعدو أن يكون تزيدا فيما لم يكن فى حاجة إليه ولا أثر له فى النتيجة التى انتهى إليها.
5 - الأصل أن القاضى الجنائى حر فى أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق.
6 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال المتهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين مع آخرين بأنهم فى يوم 11 نوفمبر سنة 1964 بدائرة قسم محرم بك (أولا) المتهمون من الأول إلى الرابع لعبوا القمار فى المحل العام المبين بالمحضر (ثانيا) المتهم الخامس بصفته مستغلا للمحل المذكور سمح للمتهمين من الأول إلى الرابع بلعب القمار فى محله المبين بالمحضر (ثالثا) المتهم السادس اشترك مع المتهمين من الأول إلى الرابع بالمساعدة فى ارتكاب الجريمة المذكورة فوقعت الجريمة بناء على هذه المساعدة. وطلبت عقابهم بالمواد 19، 31، 34، 36، 37، 38، 40 من القانون رقم 311 لسنة 1956 المعدل بالقانون رقم 17 لسنة 1957 والقرار رقم 423 والمادتين 50 و41 من قانون العقوبات. ومحكمة محرم بك الجزئية قضت غيابيا عملا بمواد الاتهام (أولا) بحبس كل من المتهمين الأول والثانى والثالث والخامس والسادس شهرا واحدا مع الشغل وكفالة 200 قرش لإيقاف التنفيذ وتغريم كل منهم عشرة جنيهات (ثانيا) بحبس المتهم الرابع...... شهرا واحدا مع الشغل وكفالة 200 قرش لإيقاف التنفيذ وتغريمه عشرين جنيها (ثالثا) بالنسبة للمتهمين جميعا بمصادرة الأدوات والنقود المضبوطة (رابعا) بالنسبة للمتهمين الخامس والسادس بإغلاق المحل لمدة ثلاثة شهور على عاتقهما وأمرت بالنفاذ رغم الطعن فى الحكم بالمعارضة أو الاستئناف فعارضا، وقضى فى معارضتهما بإلغاء الحكم الغيابى وبراءتهما مما أسند إليهما. فاستأنف المتهم الأول كما استأنفته النيابة العامة. ومحكمة الاسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت فى الاستئنافين حضوريا بعدم قبول استئناف النيابة شكلا وفى الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وحبس كل منهم شهرا مع الشغل وبتغريمه عشرة جنيهات والمصادرة والغلق لمدة أسبوع واحد وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم. فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة اسكندرية الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. ومحكمة الاسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت فى الدعوى من جديد فى الموضوع وباجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبحبس كل منهم شهرا مع الشغل وتغريمه عشرة جنيهات والمصادرة والغلق لمدة أسبوع واحد وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة السماح بلعب القمار فى محله العام قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه فساد فى الاستدلال ذلك بأنه دفع بعدم مسئوليته لغيابه عن المحل وقت وقوع الجريمة بسبب المرض ورغم ذلك فقد أطرح الحكم هذا الدفاع ولم يحققه وقضى بادانته على أساس المسئولية المفترضة. كما أن الحكم نسب إلى اللاعبين أنهم أجمعوا على أن الطاعن قدم لهم أوراق اللعب مع أن بعضهم نفى ذلك ومع أن الطاعن الآخر قرر أن صاحب المقهى - الطاعن الأول - تركها له قبل حضور الضابط لمرضه ولم يكن به عندما مارس اللاعبون اللعب. أما الطاعن الآخر فانه ينعى على الحكم أنه إذ دانه بجريمة اشتراكه بالمساعدة فى ممارسته ألعاب القمار بمحل عام قد شابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب ذلك بأنه نسب إليه بأنه اعترف فى تحقيق النيابة العامة بتقديم أوراق اللعب إلى اللاعبين مع خلو التحقيق مما يشير إلى ذلك ومع أن ما قرره بمحضر الشرطة هو أن الطاعن الأول طلب إليه حراسة المقهى لحين عودته ولم يكن له شأن بما يجرى فيه كما أن الحكم اعتبره مسئولا عما يجرى بالمقهى على أساس ما تقضى به المادة 38 من القانون رقم 371 سنة 1956 مع أن مجرد تقديم أوراق اللعب إلى اللاعبين لا يعد إدارة للمقهى أو مباشرة لأعماله.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى فى أن ضابط مكتب الآداب ضبط أربعة أشخاص من رواد المقهى يلعبون بالورق (لعبة الكونكان) وقرروا للضابط أن الطاعن الأول - الذى لم يكن بها وقتئذ - قدم لهم أوراق اللعب ليراهنوا فيما بينهم نظير قرش صاغ عن كل دور يلعبون وأن يكسب الفائز ما بين قرش وخمسة قروش وأن الطاعن الآخر الذى كان بالمقهى وقتئذ قرر عند سؤاله أن صاحبه عهد إليه بملاحظته لحين عودته وأنه قدم أوراق اللعب لمن كانوا يلعبون بالمقهى، ثم عرض الحكم لدفاع الطاعنين وانتهى إلى إدانة أولهما بما ثبت بمحضر الضبط ومن أقوال اللاعبين - بوصف أنه وهو صاحب المقهى قد سمح للرواد بلعب القمار على أساس أن مسئوليته افتراضية وفقا لنص المادة 38 من القانون رقم 371 سنة 1956 خاصة وأنه لم يثبت لدى المحكمة قيام عذر قهرى منعه من وقوع الجريمة، كما انتهى الحكم إلى أن الطاعن الآخر قد ثبت اشتراكه فى ممارسة القمار فى المقهى من اعترافه أمام النيابة بأنه قدم أوراق اللعب للاعبين، ونفى الحكم قيام التعارض بين ما جاء بهذا الاعتراف وما قرره اللاعبون بمحضر الضبط من أن الطاعن الأول - صاحب المقهى هو الذى قدم إليهم أوراق اللعب. لما كان ذلك، وكانت المادة 38 من القانون رقم 371 سنة 1956 فى شأن المحال العامة تنص على "أنه يكون مستغل المحل ومديره والمشرف على أعمال فيه مسئولين معا عن أية مخالفة لأحكام هذا القانون" وواضح من صياغة هذه المادة أن مساءلة مستغل المحل ومديره والمشرف على أعمال فيه عن أية مخالفة لأحكامه هى مسئولية أقامها الشارع وافترض لها علم هؤلاء بما يقع من مخالفات حتى ولو لم يكن أيهم موجودا بالمحل وقت وقوعها فلا يقبل من أحد منهم أن يعتذر بعدم علمه ما لم يثبت قيام ظروف قهرية تحول بينه وبين الاشراف على المحل ومنع ارتكاب الجريمة. ولما كان الأصل فى الاثبات فى المواد الجنائية هو باقتناع القاضى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه، وكانت الشهادة المرضية لا تخرج عن كونها دليلا من أدلة الدعوى تخضع لتقدير محكمة الموضع شأنها شأن سائر الأدلة كما أن تقدير توافر عذر الغياب أو عدم توافره هو من صميم اختصاص قاضى محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة 2 ابريل سنة 1970 أمام محكمة ثانى درجة أن الطاعن الأول دفع بعدم مسئوليته لغيابه عن المقهى وقت وقوع الجريمة استنادا إلى شهادة مرضية، ولما كانت محكمة الموضوع التفتت عن هذا الدفاع ورأت من أدلة الدعوى أن غياب الطاعن عن مقهاه لم يكن من شأنه أن يحول دون اشرافه عليه، وهو استخلاص سائغ لا يتنافر مع مقتضى العقل والمنطق، فانه لا يقبل منه مصادرة المحكمة فى عقيدتها أو مجادلتها فى عناصر اطمئنانها ولا يكون الحكم المطعون فيه قد جانب حكم القانون الصحيح عندما دان ذلك الطاعن على أساس المسئولية المفترضة المستفادة من نص المادة 38 من القانون رقم 371 سنة 1956 بعد أن اطمأن إلى ما جاء بمحضر الضبط وأقوال اللاعبين. ومن ثم كان ما ينعاه الطاعن الأول فى هذا الخصوص فى غير محله. لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة المفردات المضمومة أن الطاعن الثانى قد قرر أمام النيابة أن صاحب المقهى طلب منه ملاحظة المقهى إلى أن يعود من مقابلة الطبيب وأن سائر المتهمين طلبوا منه مجموعة من أوراق اللعب ثم عادوا فطلبوا منه مجموعة أخرى منها وأخذوا يلعبون لعبة لا يعرف عنها شيئا وكان الأصل أن القاضى الجنائى حر فى أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن اليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إليها وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ باقرار الطاعن الثانى بعد أن اطمأن اليه وإلى أقوال اللاعبين فان ما يثيره هذا الطاعن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد اتهمت الطاعن الثانى بالاشتراك بطريق المساعدة مع اللاعبين الأربعة فى ارتكاب الجريمة المسندة إليهم وهى ممارسة القمار بمحل عام وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد دان الطاعن الثانى بهذه الجريمة بعد أن ثبت لدى المحكمة أن اللاعبين كانوا يزاولون لعبة "الكونكان" بالمقهى مقابل ثمن المشروبات، وهى اللعبة المحظور مزاولتها فى المحال العامة بمقتضى قرار وزير الداخلية رقم 37 سنة 1957، وأن الطاعن قام بتقديم أوراق اللعب اليهم ووقعت الجريمة نتيجة لهذه المساعدة، وكان الحكم قد استطرد إلى حكم المادة 38 من القانون رقم 371 سنة 1955، فان هذا الاستطراد منه لا يعدو أن يكون تزيدا فيما لم يكن فى حاجة اليه ولا أثر له فى النتيجة التى انتهى إليها، فان ما يثيره الطاعن الثانى فى هذا الصدد يكون لا محل له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.