أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الأول - السنة 23 - صـ 340

جلسة 12 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حسين سامح، ونصر الدين عزام، وسعد الدين عطيه، وطه دنانه.

(78)
الطعن رقم 71 لسنة 42 القضائية

( أ ) قتل عمد. "نية القتل". قصد جنائى. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير توافر أركان الجريمة".
قصد القتل: أمر خفى يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره. استخلاصه. أمر موضوعى. مثال لإستخلاص سليم.
(ب) موانع العقاب. "الجنون والعاهة العقلية". ظروف مخففة. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير العذر". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الجنون والعاهة العقلية وحدهما هما مناط الإعفاء من المسئولية. وجود الجانى فى حالة من حالات الإثارة والاستفزاز. لا يتحقق بها العذر المعفى من العقاب. الدفع بها لا يعدو أن يكون مؤذنا بتوفر عذر قضائى مخفف. لمحكمة الموضوع مطلق تقدير إعماله أو إطراحه. لا يعيب الحكم عدم الرد على هذا الدفاع الظاهر البطلان.
1 - قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية. وإذ ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلا سائغا واضحا فى إثبات توافرها لدى الطاعن فى قوله "إنها متوافرة فى حقه من إستعمال آلة قاتلة (سكين) ذات حافة حادة أخذ يعملها على رقبة المجنى عليها قاصدا من ذلك قتلها فحدثت بها الإصابات الجسيمة التى أثبتها تقرير الصفة التشريحية ولم يتركها حتى فاضت روحها كل ذلك قاطع فى الدلالة على تعمده إزهاق روح المجنى عليها" - فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون غير سديد ولا محل له.
2 - مناط الإعفاء من العقاب لفقدان الجانى شعوره وإختياره فى عمله وقت إرتكاب الفعل هو أن يكون سبب هذه الحالة راجعا - على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات - لجنون أو عاهة فى العقل دون غيرهما. فمتى كان المستفاد من دفاع الطاعن أمام المحكمة هو أنه كان فى حالة من حالات الإثارة والاستفزاز تملكته وألجأته إلى فعلته دون أن يكون متمالكا إدراكه فإن ما دفع به على هذه الصورة من إنتفاء مسئوليته لا يتحقق به الجنون أو العاهة فى العقل - وهما مناط الإعفاء من المسئولية، ولا يعد فى صحيح القانون عذرا معفيا من العقاب، بل هو دفاع لا يعدو أن يكون مؤذنا بتوفر عذر قضائى مخفف يرجع مطلق الأمر فى إعماله أو إطراحه لتقدير محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض. ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم إذ هو دان الطاعن على سند من الأدلة السائغة التى أوردها دون أن يرد على هذا الدفاع على استقلال لظهور بطلانه.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 12 يونيه سنة 1970 بدائرة مركز بنى مزار محافظة المنيا: قتل..... عمدا بأن طرحها أرضا واضعا راحتيها تحت قدميه وأمسك بشعرها وأعمل سكينا حول عنقها قاصدا من ذلك قتلها فحدثت إصاباتها الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضوريا عملا بالمادتين 234/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد شابه القصور فى التسبيب وانطوى على الإخلال بحق الدفاع ذلك بأن ما أورده بيانا لنية القتل لا يكفى لاستظهارها والاستدلال على توافرها فى حقه، إذ عول فى ذلك على إستعمال الطاعن لسكين ذى حافة حادة وإعترافه بقتل ابنته المجنى عليها فى حين أن الحكم أورد أن تلك السكين وجدت فى يد الطاعن مصادفة مما يحتمل معه ألا يكون قد قصد قتل المجنى عليها، هذا إلى أن إعترافه بقتل ابنته لا يصح به الاستدلال على توفر تلك النية فى حقه لأنه لا يعدو أن يكون تقريرا بما حصل، هذا فضلا عن أنه على الرغم من أن دفاع الطاعن قام على أنه لم يكن فى كامل وعيه حال ارتكاب الجريمة بل كان فاقدا صوابه إثر علمه بسوء سلوك ابنته مما يجعله غير مسئولا عن أعماله، فإن المحكمة لم تتفطن لهذا الدفاع فتقسطه حقه بلوغا لغاية الأمر فيه، فلم تعرض له أو ترد عليه بما ينفيه وهذا كله مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "إنه بعد ظهر يوم 12/ 6/ 1970 ببندر بنى مزار محافظة المنيا، وإذ كان قد وصل إلى علم المتهم...... - الطاعن - فى نفس يوم الحادث وقبل وقوعه بقليل أن هناك بعض الشائعات التى تدمغ ابنته المجنى عليها........ التى لم يسبق لها الزواج لسوء السيرة فقد عمد فور علمه بذلك وإثر عودته إلى منزله إلى التحقق من مدى صدق هذه الشائعات فكان أن كلف زوجته....... والدة المجنى عليها بتحرى حقيقة الأمر من المجنى عليها شخصيا فاختلت بها ثم أخبرته بعدئذ بأن ابنته ثيب، فوقع هذا النبأ عليه وقع الصاعقة فثارت نفسه وعمد إلى قتلها بأن ذبحها بسكين تصادف وجودها وقتئذ بيده قاصدا من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات التى أودت بحياتها" وبعد أن دلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة وعرض إلى إعتراف الطاعن فى التحقيقات وبجلسة المحاكمة وحصله فى أنه بعد أن تحقق من أن بكارة ابنته قد أزيلت، أمسك بها وألقاها أرضا وأمسكها من شعرها بيده اليسرى واضعا راحتيها تحت قدميه وأخذ يجهز عليها بأن ذبحها بسكين كان يحملها حتى فاضت روحها، راح يستظهر نية القتل وتوافرها لدى الطاعن فى قوله "إنها متوافرة فى حقه من إستعماله آله قاتلة (سكين) ذات حافة حادة أخذ يعملها على رقبة المجنى عليها قاصدا من ذلك قتلها فحدثت بها الإصابات الجسيمة التى أثبتها تقرير الصفة التشريحية ولم يتركها حتى فاضت روحها كل ذلك قاطع فى الدلالة على تعمده إزهاق روح المجنى عليها". ولما كان قصد القتل أمرا خفيا لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية، وإذ ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلا سائغا واضحا فى إثبات توافرها لدى الطاعن على ما سلف بيانه - فإن ما يثيره فى هذا الصدد يكون غير سديد ولا محل له. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن فى طعنه من أن مساءلته عن الجريمة لا تصح لأنه لم يكن فى كامل وعيه حال إرتكابها وأن الحكم قصر فى الرد على هذا الدفاع مردودا بأنه لما كان مناط الإعفاء من العقاب لفقدان الجانى شعوره وإختياره فى عمله وقت ارتكاب الفعل هو أن يكون سبب هذه الحالة راجعا - على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات - لجنون أو عاهة فى العقل دون غيرهما، وكان المستفاد من دفاع الطاعن أمام المحكمة هو أنه كان فى حالة من حالات الإثارة والاستفزاز تملكته فألجأته إلى فعلته دون أن يكون متمالكا إدراكه فإن ما دفع به على هذه الصورة من إنتفاء مسئوليته لا يتحقق به الجنون أو العاهة فى العقل - وهما مناط الإعفاء من المسئولية، ولا يعد فى صحيح القانون عذرا معفيا من العقاب، بل هو دفاع لا يعدو أن يكون مؤذنا بتوفر عذر قضائى مخفف يرجع مطلق الأمر فى إعماله أو إطراحه لتقدير محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض. لما كان ذلك، فإنه لا يعيب الحكم إذ هو دان الطاعن على سند من الأدلة السائغة التى أوردها دون أن يرد على هذا الدفاع على استقلال لظهور بطلانه، وتكون دعوى الإخلال بحق الدفاع أو القصور فى التسبيب فى غير محلها. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.