أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الأول - السنة 23 - صـ 388

جلسة 13 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوى، وعضوية السادة المستشارين: محمود عطيفة، وابراهيم الديوانى، والدكتور محمد محمد حسنين، ومصطفى الأسيوطى.

(86)
الطعن رقم 95 لسنة 42 القضائية

(أ، ب، ج) اختلاس أموال أميرية. اشتراك. جريمة. "أركانها". مسئولية جنائية. "الإعفاء منها". قصد جنائى. اعتراف. إثبات "اعتراف". "قرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب. ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
( أ ) الاشتراك. ماهيته؟
صحة الاستدلال عليه من القرائن التى تقوم فى الدعوى. أو من فعل لاحق للجريمة يشهد به. مثال لتسبيب سائغ فى هذا الخصوص.
(ب) إقرار الطاعن بأن المتهم الأول كلفه بنقل الحديد المختلس من مخزن الشركة وأنه انصاع لأمره. وصف الحكم هذا الإقرار. خطأ. بأنه اعتراف باشتراكه فى جريمة الاختلاس التى دانه بها. لا يعيبه. ما دام لم يرتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف. وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود.
(ج) طاعة الرئيس. لا تمتد بحال إلى ارتكاب الجرائم.
1 - من المقرر أن الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه. وهذه النية أمر داخلى لا يقع تحت الحواس ولا تظهر بعلامات خارجية. وإذ كان القاضى الجنائى - فيما عدا الأحوال الاستثنائية التى قيده القانون فيها بنوع معين من الأدلة - حرا فى أن يستمد عقيدته من أى مصدر شاء، فإن له - إذا لم يقم على الإشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره - أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التى تقوم لديه كما له أن يستنتج حصوله من فعل لاحق للجريمة يشهد به. فمتى كان الحكم قد استدل على أن الطاعن كان على اتفاق سابق مع المتهم الأول على نقل الحديد المختلس بالسيارة قيادته من مخزن الشركة إلى مخزن المتهم الثالث، وإلى أنه نفاذا لهذا الاتفاق قام بنقل الحديد معه من مخازن الشركة رغم اعتراض خفير المخزن لهما وتم لهما نقلها إلى مخزن المتهم الثالث الذى لم يكن ضمن خط سير السيارة المصرح لها به وما أثبتته تحريات الشرطة من تصرفهما فى الحديد بالبيع إلى المتهم الثالث، وكان ما أورده الحكم سائغا فى المنطق ويتوفر به الاشتراك بطريقى الاتفاق والمساعدة فى جريمة الاختلاس على ما هو معرف به فى القانون، فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص يكون فى غير محله.
2 - إنه وإن كان إقرار الطاعن بأن المتهم الأول كلفه بنقل الحديد من مخزن الشركة وأنه انصاع لأمره وقام بنقله معه فى السيارة المملوكة للشركة إلى مخزن المتهم الثالث، لا يعد اعترافا بجريمة الاشتراك فى اختلاس الحديد التى دين بها كما هى معرفة به قانونا، إلا أنه يتضمن فى الوقت ذاته إقرارا بواقعة اتفاقه مع المتهم الأول على نقل الحديد موضوع الدعوى. ولا يقدح فى سلامة الحكم خطأ المحكمة فى تسمية هذا الإقرار اعترافا طالما أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود.
3 - من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأى حال إلى إرتكاب الجرائم وأنه ليس على مرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بإرتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه. ومتى كان فعل الاختلاس واشتراك الطاعن فيه الذى أسند إليه ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الإجرام فيه واضحة فلا يشفع للطاعن ما يدعيه من عدم مسئوليته طبقا لنص المادة 63 من قانون العقوبات.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم فى يوم 19 فبراير سنة 1969 بدائرة مركز نصر محافظة أسوان (أولا) المتهم الأول - بصفته مستخدما عموميا "مساعدا فنيا بالشركة العربية للأعمال المدنية إحدى شركات المؤسسة المصرية العامة لمقاولات الإنشاءات المدنية المملوكة للدولة" اختلس كمية الحديد المبينة الوصف والقيمة بالتحقيقات والمملوكة للدولة والمسلمة إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء عليها. المتهمين الثانى (الطاعن) والثالث اشتركا مع الأول فى إرتكاب الجريمة سالفة الذكر بطريقى الاتفاق والمساعدة وذلك بأن اتفقا معه على ارتكابها وساعداه فى نقل كمية الحديد المختلسة فتمت الجريمة نتيجة لهذا الاتفاق وتلك المساعدة. (ثالثا) المتهم الثانى (الطاعن) بصفته مستخدما عموميا (قائد سيارة بالشركة العربية للأعمال المدنية - سالفة الذكر) استولى بغير حق على كمية الحديد المبينة الوصف والقيمة بالتحقيقات والمملوكة للدولة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقا للمواد
111/ 6 و112/ 2 و113 و118 و119 و40/ 2 - 3 و41 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات أسوان قضت غيابيا للأول وحضوريا للباقين عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الثالث (أولا) بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثانى بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمهما خمسمائة جنيه وبعزلهما من وظيفتهما (ثانيا) ببراءة المتهم الثانى من التهمة الثانية المسندة إليه (ثالثا) ببراءة المتهم الثالث مما أسند إليه وذلك بلا مصروفات جنائية للجميع. فطعن المحكوم عليه الثانى فى هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن باشتراكه مع المتهم الأول فى جريمة اختلاس كمية من الحديد المملوكة للدولة قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال كما أخطأ فى الإسناد ذلك أن الحكم لم يورد الأدلة على قيام الطاعن بالاشتراك فى الجريمة مع المتهم الأول وما ساقه من أقوال الشهود كدليل قبل الطاعن لا يؤدى إلى القول بقيام اتفاق سابق بينهما على ارتكاب جريمة الاختلاس كما نسب الحكم إليه أنه اعترف فى حين أن أقواله قد خلت من الاعتراف الصريح باقتراف الجريمة كما أن الطاعن دفع بأنه قام بنقل الحديد فى السيارة قيادته نفاذا لرغبة رئيسه المتهم الأول والذى تجب عليه طاعته إلا أن الحكم قد عول فى رده على الدفع بأنه ليس مرءوسا له وما أورده الحكم عن ذلك يخالف الثابت بالأوراق مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "إن المتهم الأول يعمل ملاحظا فنيا بالشركة العربية لمقاولات الإنشاءات المدنية المملوكة للدولة والموكل إليه الإشراف على إنشاء مبانى المستعمرات بمنطقة الخريت العليا والخريت السفلى من أعمال مركز نصر اختلس فى يوم 19 فبراير سنة 1969 كمية من الحديد زنتها طن ونصف طن وعددها إحدى عشرة لفة وثمنها مائة وخمسة وثلاثون جنيها من ضمن كمية حديد تسلمها بسبب العمل والأمين عليها فى منطقة الخريت العليا وذلك بإتفاق ومساعدة المتهم الثانى - الطاعن - الذى يعمل بالشركة المذكورة قائدا لسيارة نقل مملوكة للشركة على نقل كمية الحديد المختلسة من منطقة الخريت العليا ودون أن يأبها لطلب خفير المنطقة تحرير إيصال بخروج كمية الحديد المختلسة وأنهما قد تصرفا فيها بالبيع للمتهم الثالث مقاول المبانى والذى يعمل من باطن الشركة فى بياض مستعمرات منطقة الطوبة وقام المتهم الأول والطاعن بنقل كمية الحديد المختلسة إلى المخزن المملوك للمتهم الثالث وبعد أن أبلغ الخفير المسئولين بالشركة بما فعله المتهم الأول والطاعن وأبلغت السلطات المختصة بالواقعة ضبط الحديد المختلس بين ثنايا حديد آخر فى مخزن المتهم الثالث وفى حضوره وبارشاد المتهم الأول والطاعن بعد أن أنكرا بداءة علمهما بشئ عن الحادث" وأورد الحكم الأدلة التى استخلص منها ثبوت العناصر القانونية لجريمة الاختلاس والاشتراك فيه التى دان الطاعن بها، لما كان ذلك، وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية أمر داخلى لا يقع تحت الحواس ولا تظهر بعلامات خارجية - وإذ كان القاضى الجنائى - فيما عدا الأحوال الاستثنائية التى قيده القانون فيها بنوع معين من الأدلة - حرا فى أن يستمد عقيدته من أى مصدر شاء فان له - إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره - أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التى تقوم لديه كما له أن يستنتج حصوله من فعل لاحق للجريمة يشهد به، وكان الحكم قد استدل على أن الطاعن كان على اتفاق سابق مع المتهم الأول على نقل الحديد المختلس بالسيارة قيادته من مخزن الشركة إلى مخزن المتهم الثالث وإلى أنه نفاذا لهذا الاتفاق قام بنقل الحديد معه من مخازن الشركة رغم اعتراض خفير المخزن لهما وتم لهما نقلها إلى مخزن المتهم الثالث الذى لم يكن ضمن خط سير السيارة المصرح لها به وما أثبتته تحريات الشرطة من تصرفهما فى الحديد بالبيع إلى المتهم الثالث، وكان ما أورده الحكم سائغا فى المنطق ويتوفر به الاشتراك بطريقى الاتفاق والمساعدة فى جريمة الاختلاس على ما هو معرف به فى القانون. لما كان ذلك، وكان إقرار الطاعن بأن المتهم الأول كلفه بنقل الحديد من مخزن الشركة وأنه انصاع لأمره وقام بنقله معه فى السيارة المملوكة للشركة إلى مخزن المتهم الثالث وإن كان لا يعد اعترافا بالجريمة التى دين بها كما هى معرفة به قانونا، إلا أنه يتضمن فى الوقت ذاته إقرارا بواقعة اتفاقه مع المتهم الأول على نقل الحديد موضوع الدعوى ولا يقدح فى سلامة الحكم خطأ المحكمة فى تسمية هذا الإقرار اعترافا طالما أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود. لما كان ذلك، وكان ما يقوله الطاعن خاصا بعدم مسئوليته عن جريمة الاختلاس طبقا لنص المادة 63 من قانون العقوبات لأنه انصاع لرغبة رئيسه المهم الأول فمردود بما هو مقرر من أن طاعة الرئيس لا تمتد بأى حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على مرؤوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه. وكان فعل الاختلاس واشتراك الطاعن فيه الذى أسند إليه ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الإجرام فيه واضحة بما لا يشفع للطاعن فيما يدعيه من عدم مسئوليته بل إن ارتكابه هذا الفعل يجعله أسوة بالمتهم الأول فى الجريمة. لما كان ذلك، فان الجدل فى حقيقة الصلة التى تربطه بالمتهم الأول - بصفة هذا الأخير رئيسا له - حتى بفرض صحة هذه الواقعة - لا يجدى لأنه لا يؤثر فيما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن. لما كان ما تقدم، فان الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعا.