مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 2003 إلى آخر سبتمبر سنة 2004) - صـ 51

(5)
جلسة 7 من فبراير سنة 2004م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة.
وعضوية السادة الأستاذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، ويحيى خضرى نوبى محمد، ود. محمد ماجد محمود أحمد، وأحمد عبد الحميد حسن عبود - نواب رئيس مجلس الدولة.
وبحضور السادة الأساتذة الشخصيات العامة: أ. د/ حامد طاهر حسانين فؤاد، وأ. د/ محمد أمين المفتى، وأ. د/ صالح على بسيونى بدير، ود/ هانى محمد عز الدين الناظر، والسفير/ رخا أحمد حسن.
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو - نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 1785 لسنة 46 قضائية عليا:

أ) أحزاب سياسية - الدفع بعدم دستورية قانون الأحزاب السياسية بأكمله - الرد على الدفع.
الدفع المبدى من الطاعن بعدم دستورية القانون الخاص بنظام الأحزاب السياسية بأكمله مردود عليه بأنه لم يأتِ بجديد يساند إدعاءه يمكن إجابته إليه وجاء دفعه مجهلاً، فضلاً عن مخالفته لحكم المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1971 والذى مفاده أنه ينبغى أن تكون هناك نصوص بعينها يحددها الدفع بعدم الدستورية وأوجه هذه المخالفة بالنسبة لكل نص على حدة - أثر ذلك - إذا كان الطاعن يبغى من دفعه عدم دستورية نصوص قانون الأحزاب جميعها فقد كان يتعين عليه أن يبين وجه المخالفة بالنسبة لكل نص على حدة، فإذا لم يقم بهذا الالتزام كان دفعه غير متسم بالجدية مما يتعين معه رفض طلبه - لا وجه لما ذهب إليه الطاعن من وجود نصوص فى القانون المذكور تمثل قيودًا شديدة على حرية تكوين الأحزاب. ذلك أن تلك الحرية شأنها شأن أى حرية أخرى كفلها الدستور ليست مطلقة ولا تستعصى على التنظيم الذى يقتضيه صالح المجتمع، حيث إنه يجوز تنظيمها على أسس موضوعية بما لا يحد منها أو يهدر كيانها أو يضيق نطاقها تقديرًا بأن الأصل هو إطلاقها إلا إذا قيدها الدستور بضوابط تحد منها، إلا أن لازم ذلك امتناع تقييد حرية تكوين الأحزاب إلا وفق القانون وفى الحدود التى تقبلها النظم الديمقراطية وترتضيها القيم التى تدعو إليها.
ب) أحزاب سياسة - الدفع بعد دستورية المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية فيما تضمنته من شرط التميز - الرد على الدفع.
الدفع بعدم دستورية نص المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية فيما تضمنته من شرط التميز والذى اعتبره الطاعن عقبة تحول دون تكوين الأحزاب ومن ثم يكون مخالفًا للدستور، مردود عليه بما قضت به المحكمة الدستورية العليا بأن هذا الشرط دستورى بحسبانه ضمانًا للحرية وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده، وأن يكون وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسى ببرنامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطنى ودعمًا للممارسة الديمقراطية تبعًا لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها لها، الأمر الذى يجعل الدفع المبدى فى هذا الشأن حقيقًا بالرفض.
ج) أحزاب سياسية - الدفع بعدم دستورية تشكيل لجنة الأحزاب السياسية - الرد على الدفع.
الدفع بعد دستورية لجنة الأحزاب السياسية المنصوص على تشكيلها بالمادة الثامنة من القانون الخاص بنظام الأحزاب السياسية، فإن مردود عليها بأن القانون آنف الذكر لم يرد فيه نص صريح بشأن عدم انتماء رئيس لجنة الأحزاب أو الأعضاء المحددين بصفاتهم الوظيفية إلى أى حزب سياسى قائم أو أنه يتعين عليه أو على الأعضاء التنحى عن صفتهم الحزبية عند تشكيل اللجنة، وذلك أمر لم يكن المشرع غافلاً عنه بدليل وضعه هذا القيد بالنسبة لأعضاء اللجنة من رؤساء الهيئات القضائية السابقين. كما أن اللجنة - بحسب تكوينها واختصاصاتها وسلطاتها فى البحث والتقصى - هى فى حقيقتها لجنة إدارية وما يصدر عنها من قرارات بالاعتراض على تأسيس الحزب لا يعدو فى حقيقة تكييفه الصحيح أن يكون قرارًا إداريًا شكلاً وموضوعًا خاضعًا للرقابة القضائية بالطعن عليه أمام المحكمة المختصة - أثر ذلك - لا يسرى بشأن أعضاء هذه اللجنة ما هو مقرر بشأن القضاة من شروط تتعلق بالحيدة والتنحى والمنع فى إصدار القرار باعتبار أن من أسباب الطعن على القرار الإدارى عامة الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها.
د) أحزاب سياسية - الدفع بعدم دستورية تشكيل دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا - الرد على الدفع.
الدفع بعدم دستورية المادة 8 من قانون الأحزاب السياسية التى نصت على انضمام غير القضاة من الشخصيات العامة لتشكيل الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا والتى أناط بها المشرع الفصل فى الطعن بالإلغاء على قرار الاعتراض على تأسيس الحزب مردود عليه بأن المادة 170 من الدستور تنص على أن يساهم الشعب فى إقامة العدالة وفى الحدود المبينة فى القانون - وإذ أجاز القانون انضمام عدد مساوٍ من الشخصيات العامة لتشكيل الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا والتى يرأسها رئيس مجلس الدولة وهؤلاء بحكم عدم انتمائهم السياسى يتم اختيارهم من المشهود لهم بالكفاءة وحسن السمعة، لذا تطلب القانون أداءهم اليمين القانونية ضمانًا لحيدتهم وجعلهم شأن القضاة غير قابلين للعزل حتى لا يكونوا تحت مؤثرات معينة ويسرى فى شأنهم الأحكام الأخرى كالرد والمخاصمة وكل ما يتحقق به حياد القاضى كما تطبق أمامهم جميع إجراءات التقاضى ولهم مساهمة فعلية فى تكوين عقيدة المحكمة، الأمر الذى لا يخرج فى مضمونه عن عمل القاضى الطبيعى ولا يخل بالمبدأ الأصلى من لجوء المواطن لقاضيه المختص مما يجعل الدفع المبدى فى هذا الشأن لا يقوم على سند من القانون ويتعين لذلك رفضه.
هـ) أحزاب سياسية - تأسيس الأحزاب - اختصاص لجنة شئون الأحزاب - شرط تميز برنامج الحزب
 المواد 4 و7 و8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 فى شأن الأحزاب السياسية.
نظم القانون الأحكام الخاصة بشروط تأسيس الأحزاب واستمرارها وحلها وطريقة وصولها كحزب سياسى إلى الساحة السياسية، وذلك بعد تحديد الأسس والمبادئ الأساسية لتنظيم الأحزاب التى تبناها المشرع - المشرع أناط بلجنة شئون الأحزاب السياسية الاختصاص بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب بحيث تكون مهمة اللجنة وسلطاتها إزاء تأسيس الأحزاب تتحدد فى ضوء المبادئ الدستورية والقانونية سالفة الذكر فلها أن تتأكد من مدى توافر الشروط التى حددها الدستور ووردت تفاصيلها فى القانون ولها أن تعترض على قيام الحزب قانونًا إذا ما تخلف فى حقه شرط أو أكثر من الشروط - وفى هذه الحالة عليها أن تصدر قرارًا مسببًا بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوى الشأن - ويخضع ما تقرره اللجنة للرقابة القضائية من هذه المحكمة التى شكَّلها المشرع بتشكيل خاص يكفل لها إعمال هذه الرقابة - من بين الشروط والضوابط التى أوردها القانون تميز برنامج الحزب وسياساته وأساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزًا ظاهرًا عن الأحزاب القائمة - أساس ذلك - يتعين توافر هذه الشروط فى كل حزب ضمانًا للجدية التى تمثل مبدأ أساسيًا من النظام العام السياسى والدستورى فى تطبيق مبدأ تعدد الأحزاب وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية للعمل السياسى تضفى إثراءً للعمل ودعمًا للممارسة الديمقراطية - الهدف من التميز المطلوب قانونًا لا يمكن أن يكون المقصود به الانفصال التام فى برامج الحزب وأساليبه وسياساته عن برامج وأساليب الأحزاب الأخرى جميعها، وإنما يكمن هذا التميز - صدقًا وعدلاً - فى تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى ترد فى برنامج الحزب وأساليبه وسياساته التى ارتضاها لتكوين ملامح حزبية متميزة تعبر عن توجه فكرى معين فى مواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لها من بين البدائل المتعددة، بحيث يعرف بها الحزب بحيث لا يكون نسخة ثانية مقلدة من البرامج والسياسات التى يتبناها حزب قائم فعلاً - تطبيق.


الإجراءات

فى يوم الأربعاء الموافق 5/ 1/ 2000 أودع الأستاذ الدكتور/ محمد عصفور المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العمومى تحت رقم 1785 لسنة 46 ق. عليا فى القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بتاريخ 7/ 12/ 1999 بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بتأسيس حزب سياسى جديد باسم "حزب الشريعة".
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس حزب الشريعة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهم المصروفات والأتعاب.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو الثابت بالأوراق.
وجرى تحضير الطعن بهيئة مفوضى الدولة لدى هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر جلسات التحضير، حيث أودع محامى الدولة حافظة مستندات طويت على قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون فيها والبرنامج السياسى للحزب ولائحته الداخلية ومحضر لجنة شئون الأحزاب السياسية يوم الأربعاء الموافق 1/ 12/ 1999م وكشف بأسماء المؤسسين للحزب (24 فئات 31 عمالاً وفلاحين).
كما أودع محامى الدولة مذكرة بدفاع المطعون ضدهم بصفاتهم اختتمت بطلب الحكم:
أولاً: برفض الدفع بعدم دستورية قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته.
ثانيًا: بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذى صفة بالنسبة للمطعون ضدهم من الثانى للأخير.
ثالثًا: برفض الطعن موضوعًا، مع إلزام الطاعن بصفته المصروفات. وقد قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا مسببًا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم:
أولاً: بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذى صفة بالنسبة للمطعون ضدهم من الثانى حتى الأخير.
ثانيًا: بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه، مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام هذه المحكمة على النحو الموضح بمحضر الجلسات، حيث قدم محامى الدولة مذكرة تكميلية بدفاع المطعون ضدهم وبجلسة 8/ 11/ 2003 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 7/ 2/ 2004 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء فى شهر، ومضى الأجل المصرح به دون إيداع أية مذكرات.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماح الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن البين من الأوراق أن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون فيه صدر بتاريخ 7/ 12/ 1999، وأودع تقرير الطعن فيه قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا فى 5/ 1/ 2000، أى خلال الميعاد المنصوص عليه فى المادة 8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، وإذا استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية الأخرى فمن ثَمَّ يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن، فإن الثابت من الأوراق أن الطاعن تقدم بتاريخ 3/ 10/ 1999 بصفته وكيلاً عن المؤسسين لحزب الشريعة بطلب إلى المطعون ضده الأول للموافقة على تأسيس حزب جديد هو "حزب الشريعة" فأرفق بطلبه برنامج الحزب وتوكيلات عن المؤسسين بلغت 65 توكيلاً منها 24 للفئات، و31 للعمال والفلاحين، وقد عرض هذا الطلب على لجنة شئون الأحزاب السياسية والتى أصدرت بجلستها المنعقدة فى 5/ 12/ 1999 قرارها المطعون فيه بالاعتراض على تأسيس الحزب بعد ذكر الأسباب التى أقامت عليها قرارها بداءة من المبادئ العامة التى ينطبق منها الحزب وهى:
1 - الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للنهضة والتشريع.
2 - الإيمان بالتعددية السياسية وبحق التعبير.
3 - إعادة الاعتبار لدور الأمانة وللوحدة الوطنية بين عناصرها.
وكذا ما جاء فى برنامج الحزب من قضايا المجتمع المصرى الاقتصادية والاجتماعية وموقف الحزب بالنسبة للأزمة الاقتصادية، وكذا علاج العنف السياسى والاجتماعى والعمل الثقافى والتعليم والثقافة والإعلام والسياحة والأسرة والشباب والزراعة، وكذا رؤية الحزب فى العلاقات الخارجية وفى مواجهة قضية الصراع العربى الإسرائيلى، على أساس أن برنامج حزب الشريعة "تحت التأسيس" لم يتضمن أى جديد يكسبه ملامح الشخصية الحزبية المتميزة والتى تشكل إضافة جادة للعمل السياسى وتميزه تميزًا ظاهرًا عن برامج الأحزاب القائمة، حيث جاء هذا البرنامج فى جملته ترديدًا لبرامج وخطط وسياسات قائمة أو يجرى تنفيذها فعلاً وتناول مجالات لا جديد فيها مطروحة سلفًا على الساحة أو تعرضت لها برامج الأحزاب القائمة، فضلاً عن أن الأغلب العام من الموضوعات التى وردت بالبرنامج جاءت فى عبارات عامة مرسلة لا تحمل أى سياسة واضحة ومحدودة، وحيث إنه ترتيبًا على ذلك فإن الحزب المطلوب تأسيسه يكون غير جدير بالانضمام إلى حلبة النضال السياسى مع باقى الأحزاب القائمة بحسبان أنه لا تتوافر فيه الشروط التى يتطلبها البند ثانيًا من المادة الرابعة من القانون 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، الأمر الذى يتعين معه عدم إجازة عمله فى الساحة السياسية وبالتالى الاعتراض على تأسيسه.
وإذا لم يلق القرار المشار إلى قبولاً من الطاعن، فقد أودع تقرير طعنه المبنى على الأسباب الآتية:
1 - إن برنامج الحزب يتميز تميزًا واضحًا عن برامج الأحزاب القائمة بما فيها برنامج الحزب الحاكم إلا أن لجنة الأحزاب لجأت إلى العبارات الإنشائية فى نفى هذا التميز ولجأت إلى أسلوب المصادرة فى الإشارة إلى أحزاب قائمة تثبت واحدًا من الموضوعات الأساسية فى فهم جدية وأسلوب جديد وكأن التميز فى نظر هذه اللجنة يعنى ابتكار أو ابتداع موضوعات برنامج خيالى منقطع الصلة بواقع المشكلات العامة المثارة فى الحياة السياسية العامة.
2 - إنه ينازع فى الشرعية الدستورية لقانون الأحزاب بأكمله وإن طعنه ينصرف إلى جوهر القانون نفسه من وجهين: الوجه الأول: أن القانون يستهدف إلغاء حرية تكوين الأحزاب والوجه الثانى: أنه جعل قيام الأحزاب رهنًا بإرادة لجنة حكومية، غير أنه يطعن بعدم دستورية نصوص محددة، وهى نصوص تمثل قيودًا شديدة على حرية تكوين الأحزاب، منها شرط التميز المنصوص عليه بالمادة الرابعة الذى استندت لجنة شئون الأحزاب إلى تخلفه بالنسبة لحزبه مما يعتبر عقبة تحول دون تكوين الأحزاب، ووجه عدم الدستورية أنه يعهد على لجنة إدارية أو حكومية بأن تتحكم بسلطة تقديرية مطلقة فيما إذا كان التميز موجودًا أو متخلفًا وليس هناك أى معيار منضبط.
3 - إن الجانب الإجرائى فى قانون الأحزاب هو الأخطر من حيث عدم الدستورية وعد الشرعية، لأن هذا القانون نص على تشكيل لجنة حكومية حزبية، حيث إن رئيسها وأعضاءها يمثلون القيادة السياسية فى الحزب الحاكم وهذه اللجنة تتحكم فى قيام الحزب أو رفضه، فضلاً عن أن الطعن فى قرار اللجنة يكون أمام المحكمة الإدارية العليا بتشكيلها القضائى الذى ينضم إليه عدد من غير القضاة من الشخصيات العامة الذين تتحكم وزارة العدل فى اختيارهم، ويكفى أن يستقطب هؤلاء أحد المستشارين لتكون معهم الأغلبية التى تصدر الحكم.
ومن حيث إنه بالنسبة للدفع الذى أثاره الطاعن بعدم دستورية القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية على النحو الوارد بتقرير طعنه وأشار فيه إلى أنه ينازع فى الشرعية الدستورية لقانون الأحزاب بأكمله وأنه غير مقتنع برد هذه المحكمة على هذا الدفع بحكمها الصادر فى الطعن رقم 2583 لسنة 42 ق. عليا بجلسة 6/ 2/ 1999، فإنه مردود عليه، ذلك أنه لم يأتِ بجديد يساند ادعاءه يمكن إجابته إليه وجاء دفعه مجهلاً، فضلاً عن مخالفته لحكم المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والتى تنص على أنه: (يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقًا لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة).
ومؤدى هذا النص ومفاده أنه ينبغى أن تكون هناك نصوص بعينها يحددها الدفع بعدم الدستورية وأوجه هذه المخالفة بالنسبة لكل نص على حدة وعلى ذلك فإذا كان الطاعن يبغى من دفعه عدم دستورية نصوص قانون الأحزاب جميعها فقد كان يتعين عليه أن يبين وجه المخالفة بالنسبة لكل نص على حدة، فإذا لم يقم بهذا الالتزام كان دفعه غير متسم بالجدية مما يتعين معه رفض طلبه، كما أنه لا وجه لما ذهب إليه الطاعن من وجود نصوص فى القانون المذكور تمثل قيودًا شديدة على حرية تكوين الأحزاب فبداءةً أن تلك الحرية شأنها شأن أى حرية أخرى كفلها الدستور ليست مطلقة ولا يستعصى على التنظيم الذى يقتضيه صالح المجتمع، حث إنه يجوز تنظيمها على أسس موضوعية بما لا يحد منها أو يهدر كيانها أو يضيق نطاقها تقديرًا بأن الأصل هو إطلاقها إلا إذا قيدها الدستور بضوابط تحد منها، إلا أن لازم ذلك امتناع تقييد حرية تكوين الأحزاب إلا وفق القانون وفى الحدود التى تقبلها النظم الديمقراطية وترتضيها القيم التى تدعو إليها.
ومن حيث إن الطاعن بدفعه بعدم دستورية نصوص محددة ذكرها فى تقرير طعنه أولها نص المادة الرابعة من قانون سالف الذكر فيما تضمنته من شرط التميز والذى اعتبره الطاعن عقبة تحول دون تكوين الأحزاب ومن ثَمَّ يكون مخالفًا للدستور فإن مردود عليه بما قضت به المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 44 لسنة 7 ق دستورية بجلسة 7/ 5/ 1988 بأن هذا الشرط دستورى بحسبانه ضمانًا للحرية وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده، وأن يكون وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسى ببرنامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطنى ودعمًا للممارسة الديمقراطية تبعًا لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعةً لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها لها، الأمر الذى يجعل الدفع المبدى فى هذا الشأن حقيقًا بالرفض.
وكذلك الحال بالنسبة لما دفع به الطاعن بعدم دستورية لجنة الأحزاب السياسية المنصوص على تشكيلها بالمادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، فإنه لا وجه لهذا الدفع ذلك أنه سبق أن قضت هذه المحكمة بأن القانون رقم 40 لسنة 1977 آنف الذكر لم يرد فيه نص صريح بشأن عدم انتماء رئيس لجنة الأحزاب أو الأعضاء المحددين بصفاتهم الوظيفية إلى أى حزب سياسى قائم أو أنه يتعين عليه أو على الأعضاء التنحى عن صفتهم الحزبية عند تشكيل اللجنة، وذلك أمر لم يكن المشرع غافلاً عنه بدليل وضعه هذا القيد بالنسبة لأعضاء اللجنة من رؤساء الهيئات القضائية السابقين - كما أن اللجنة بحسب تكوينها واختصاصاتها وسلطاتها فى البحث والتقصى - هى فى حقيقتها لجنة إدارية وما يصدر عنها من قرارات بالاعتراض على تأسيس الحزب لا يعدو فى حقيقة تكييفه الصحيح أن يكون قرارًا إداريًا شكلاً وموضوعًا خاضع للرقابة القضائية بالطعن عليها أمام المحكمة المختصة ومن ثَمَّ لا يسرى بشأن أعضاء هذه اللجنة ما هو مقرر بشأن القضاة من شروط تتعلق بالحيدة والتنحى والمنع فى إصدار القرار باعتبار أن من أسباب الطعن على القرار الإدارى عامة الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها.
ومن حيث إنه بالنسبة للدفع بعدم دستورية المادة 8 من قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 التى نصت على انضمام غير القضاة من الشخصيات العامة لتشكيل الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا والتى أناط بها المشرع الفصل فى الطعن بالإلغاء على قرار الاعتراض على تأسيس الحزب، فأن المادة 170 من الدستور تنص على أن يساهم الشعب فى إقامة العدالة وفى الحدود المبينة فى القانون - وإذ أجاز القانون انضمام عدد مساوٍ من الشخصيات العامة لتشكيل الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا والتى يرأسها رئيس مجلس الدولة وهؤلاء بحكم عدم انتمائهم السياسى يتم اختيارهم من المشهود لهم بالكفاءة وحسن السمعة، لذا تطلب القانون أداءهم اليمين القانونية ضمانًا لحيدتهم وجعلهم شأن القضاة غير قابلين للعزل حتى لا يكونوا تحت مؤثرات معينة ويسرى فى شأنهم الأحكام الأخرى كالرد والمخاصمة وكل ما يتحقق به حياد القاضى كما تطبق أمامه جميع إجراءات التقاضى ولهم مساهمة فعلية فى تكوين عقيدة المحكمة، الأمر الذى لا يخرج فى مضمونه عن عمل القاضى الطبيعى ولا يخل بالمبدأ الأصلى من لجوء المواطن لقاضيه المختص مما يجعل الدفع المبدى فى هذا الشأن لا يقوم على سند من القانون ويتعين لذلك رفضه.
ومن حيث إن القانون رقم 40 لسنة 1977 فى شأن نظام الأحزاب السياسية قد نظم الأحكام الخاصة بشروط تأسيس الأحزاب واستمرارها وحلها وطريقة وصولها كحزب سياسى إلى الساحة السياسية، وذلك بعد تحديد الأسس والمبادئ الأساسية لتنظيم الأحزاب السياسية التى تبناها المشرع ونصت عليها المواد 4 و7 و8 من القانون المذكور وحيث إنه بمقتضى هذه النصوص فإن المشرع أناط بلجنة شئون الأحزاب السياسية الاختصاص بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب طبقًا لأحكام ذلك القانون بحيث تكون مهمة اللجنة وسلطاتها إزاء تأسيس الأحزاب تتحدد فى ضوء المبادئ الدستورية والقانونية سالفة الذكر، فلها أن تتأكد من مدى توافر الشروط التى حددها الدستور ووردت تفاصيلها فى القانون ولها أن تعترض على قيام الحزب قانونًا إذا ما تخلف فى حقه شرط أو أكثر من الشروط - وفى هذه الحالة عليها أن تصدر قرارًا مسببًا بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوى الشأن - ويخضع ما تقرره اللجنة للرقابة القضائية من هذه المحكمة التى شكَّلها المشرع بتشكيل خاص يكفل لها إعمال هذه الرقابة.
ولما كان من بين الشروط والضوابط التى أوردها القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه ما ورد فى البند (ثانيًا) من المادة الرابعة... تميز برنامج الحزب وسياساته وأساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزًا ظاهرًا عن الأحزاب، وفى هذا جرى قضاء هذه المحكمة على أنه يتعين توافر هذا الشرط فى كل حزب ضمانًا للجدية التى تمثل مبدأ أساسيًا من النظام العام السياسى والدستورى فى تطبيق مبدأ تعدد الأحزاب وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية للعمل السياسى تضفى إثراءً للعمل ودعمًا للممارسة الديمقراطية وأن الهدف من التميز المطلوب قانونًا فى حكم الفقرة الثانية من المادة الرابعة المشار إليها لا يمكن أن يكون المقصود به الانفصال التام فى برامج الحزب وأساليبه وسياساته عن برامج وأساليب الأحزاب الأخرى جميعها، فليس فى عبارة النص أو دلالته ما يوحى بذلك الاختلاف أو التباين الكامل حتى يكون للحزب تميزه - وإنما يكمن هذا التميز - صدقًا وعدلاً - فى تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى ترد فى برنامج الحزب وأساليبه وسياساته التى ارتضاها لتكوين ملامح حزبية متميزة تعبر عن توجه فكرى معين فى مواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لها من بين البدائل المتعددة، بحيث يُعرف بها الحزب ولا يكون نسخة ثانية مقلدة من البرامج والسياسات التى يتبناها حزب قائم فعلاً.
ومن حيث إنه بالاطلاع على برنامج الحزب تحت التأسيس تبين تضمّنه أربعة أقسام، خُصّص القسم الأول منها لبيان المبادئ العامة لبرنامج الحزب وحصرها فى الآتى:
1 - الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للنهضة والتشريع. 2 - الإيمان بالتعددية السياسية وبحق التعبير. 3 - إعادة الاعتبار لدور الأمة وللوحدة الوطنية بين عناصرها.
كما تضمَّن القسم الثانى قضايا المجتمع المصرى ورؤية الحزب بشأنه وهى حسبما وردت فى برنامجه:
1 - الأزمة الاقتصادية - دور انتشار الفساد المالى والاقتصادى. 2 - العنف السياسى والاجتماعى. 3 - العمل النقابى. 4 - التعليم 5 - الثقافة والإعلام. 6 - السياحة. 7 - الأسرة. 8 - الشباب 9 - الزراعة.
واشتمل برنامج الحزب فى القسم الثالث منه على رؤيته فى العلاقات الخارجية. كما تناول فى القسم الرابع منه رؤيته فى مواجهة قضية الصراع العربى الإسرائيلى.
ومن حيث إن برنامج الحزب تحت التأسيس طبقًا لما هو مبين سلفًا وطبقًا لما هو وارد بمحضر اجتماع لجنة شئون الأحزاب السياسية بتاريخ 1/ 12/ 1999 للاستماع إلى إيضاحات وكيل طالبى تأسيس حزب الشريعة مثار النزاع الماثل والتى اعتبرها عناصر مميزة لحزبه لم تطرح فكرًا جديدًا يُكسبه ملامح الشخصية الحزبية المتميزة والتى من شأنها أن تشكل إضافة جادة للعمل السياسى أو تميزه تميزًا ظاهرًا عن برامج الأحزاب القائمة، حيث إن ما يدعو إليه هذا الحزب ليس إلاّ ترديدًا لما ورد فى برامج الأحزاب القائمة أو ما هو منظم وفقًا لأحكام الدستور والقوانين واللوائح أو ما يجرى تطبيقه فعلاً بموجب السياسات التى تنتهجها الحكومة القائمة مما لا يعد جديدًا ويكشف عن منهاج حزبى متباين ومختلف ومنفرد عن أى حزب قائم ويتوفر به طابع الجدية فى شأن البرنامج أو أهدافه أو أساليبه ومن ثم يكون ما انتهت إليه لجنة شئون الأحزاب السياسية من افتقاد برنامج الحزب لشرط التميز المنصوص عليه فى البند ثانيًا من المادة الرابعة من قانون نظام الأحزاب السياسية واعتراضها بالتالى على الطلب المقدم من الطاعن وكيل مؤسس حزب الشريعة للأسباب الواردة تفصيلاً بقرارها الطعين قائمًا على سبب صحيح ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من القانون خليقًا بالرفض.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الطاعن فى تقرير طعنه من تميز برنامج حزبه تميزًا واضحًا عن برامج الأحزاب الأخرى وأن التميز فى نظر لجنة شئون الأحزاب السياسية يعنى ابتكار أو ابتداع موضوعات برنامج خيالى منقطع الصلة بواقع المشكلات العامة المثارة فى الحياة السياسية العامة، ذلك أن ما رده الطاعن فى هذا الخصوص مجرد أقوال مرسلة غير مؤيدة بأى دليل يساندها، فضلاً عن أن الطاعن لم ينازع تلك اللجنة فيما قررته فى اعتراضها على تأسيس حزب الشريعة بعد أن استعرضت برنامجه وأساليبه تفصيليًا ومقارنته فى نطاق برامج الأحزاب السياسية الأخرى القائمة على الساحة السياسية وقد استبان لها أن برنامج الحزب لم يأتِ بجديد وأن ذات الأفكار والأهداف والمبادئ والأساليب التى يدعو إليها هذا الحزب قد وردت فى برامج الأحزاب السياسية القائمة وفقًا لبيان أرقام الصفحات التى أشارت إليها، حيث خلا تقرير الطعن من أى أوجه نعى على القرار الطعين فى أى منحى من مناحيه، كما لم يقدم مذكرة بالدفاع يتناول فيها عناصر التميز التى ينفرد بها حزبه رغم تداول الطعن بالعديد من الجلسات سواء أثناء تحضيره أمام هيئة مفوضى الدولة لدى هذه المحكمة أو أمامها، وبالتالى لا يوجد فى البرنامج الخاص بهذا الحزب سمة أو بصمة أو كينونة ذاتية مستقلة ينفرد بها عن الأحزاب القائمة على الساحة السياسية للبلاد وليس له تعبير عن توجه محدد الملامح فى مواجهة المشاكل فى الداخل والخارج بكافة العناصر والمقومات واختيار الحلول والبدائل الممكنة للتغلب عليها ومواجهتها بحيث يعرف بها الحزب ولا يعتبر نسخة مكررة بل مشوهة من برامج وسياسات قائمة فعلاً وتعمل من أجلها أو تدعو لها الأحزاب القائمة.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة

أولاً: بقبول الطعن شكلاً. ثانيًا: برفض الدفع بعدم دستورية قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 على نحو مطلق وكذا بعدم دستورية المادتين (4) و(8) من القانون المذكور وذلك على النحو المبين بالأسباب. ثالثًا: برفض الطعن موضوعًا وألزمت الطاعن المصروفات.