مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 2003 إلى آخر سبتمبر سنة 2004) - صـ 155

(17)
جلسة 13 من ديسمبر سنة 2003م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، ويحيى خضرى نوبى محمد، ود. محمد ماجد محمود أحمد، ومحمد أحمد محمود محمد. - نواب رئيس مجلس الدولة.
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ حتة محمود حتة - مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 1832 لسنة 44 قضائية. عليا:

تجنيد - تأجيل أداء الخدمة العسكرية بسبب الدراسة - السلطة التقديرية لجهة الإدارة حدودها. المادتان (1)، (8) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980.
المشرع قد فرض الخدمة العسكرية على كل مصرى من الذكور أتم الثامنة عشرة من عمره وأجاز تأجيل أداء الخدمة وقت السِلم للطلبة النظاميين والمنتسبين المتفرغين للدراسة وذلك لحين حصولهم على المؤهل الدراسى الذى أُجّلت لهم الخدمة بسببه - حدد المشرع الطلبة الذين يتمتعون بهذه الرخصة، وناط بالوزير المختص بالاتفاق مع وزير الدفاع تحديد الكليات والمعاهد والمدارس ومراكز التدريب التى تعتبر معادلة للكليات والمعاهد والمدارس ومراكز التدريب المنصوص عليها - تأجيل الخدمة العسكرية للطلاب المشار إليهم هو أمر تترخص فيه جهة الإدارة حسبما تراه مناسباً لظروف الحال ومقتضيات المصلحة العامة، بيد أن هذه السلطة ليست طليقة من كل قيد وإنما هى مقيدة بعدم التعسف أو إساءة استعمال السلطة، فضلاً عن تقيدها بما ورد النص عليه بالنسبة لأنواع الكليات والمعاهد والمدارس التى يتمتع طلابها بهذه الرخصة، ومن جهة أخرى فإن نطاق السلطة التقديرية المخولة لجهة الإدارة فى هذا الصدد يقف عند إطار مبدأ الموافقة على التأجيل من عدمه، فإذا ما أعملت الإدارة هذه السلطة وجب عليها ألا تخل بالمساواة بين ذوى المراكز القانونية المتمثلة وإلا أضحى قرارها معيباً ومخالفاً للقانون - تطبيق.


الإجراءات

فى يوم الأربعاء الموافق 14 من يناير سنة 1998 أودع الأستاذ/ جمعة حسين سراج المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن - قيد برقم 1832 لسنة 44 القضائية عليا - فى الحكم المشار إليه بعاليه، والقاضى "بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعى المصروفات".
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بصفة عاجلة بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ القرار السلبى الصادر من وزير الدفاع بعدم إدراج معهد مدينة العلوم العصرية بجاردن سيتى بكشوف المعاهد التى يؤجل تجنيد طلابها للدراسة، وفى الموضوع بإلغاء هذا الحكم وما يترتب عليه من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات عن الدرجتين.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً برأيها القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه وإلزام الطاعن المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة الفحص جلسة 6/ 1/ 2003 وتدوول بجلسات المرافعة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 19/ 5/ 2003 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا/ الدائرة الأولى موضوع لنظره بجلسة 21/ 6/ 2003.
ونظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 11/ 10/ 2003 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 13/ 12/ 2003 وصرحت بتقديم مذكرات فى شهر، ومضى هذا الأجل دون أن يقدم أى من الطرفين شيئاً.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع النزاع قد بسطها الحكم المطعون فيه، ومن ثم تحيل إليه المحكمة فى هذا الصدد تفادياً للتكرار.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد شيد قضاءه بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة الطاعن فى طلب إلغاء القرار المطعون فيه - وهو قرار وزير الدفاع السلبى بإدراج معهد العلوم العصرية ضمن المعاهد التى يؤجل تجنيد طلابها - على أن المدعى (الطاعن) سبق أن أقام الدعوى رقم 2882 لسنة 49 بإلغاء قرار الجهة الإدارية بالامتناع عن تجديد ترخيص المعهد المذكور وقضت المحكمة برفض الدعوى، الأمر الذى لا يكون معه المدعى مصلحة فى الدعوى بعد أن امتنع الترخيص للمعهد.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل على الحكم سالف الذكر، أنه قد جعل السبب الأوحد لقضائه الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2882 لسنة 49 ق، علماً بأن هذا الحكم لم يكن مودعاً فى الدعوى ولم يحز قوة الأمر المقضى، حيث تم الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، كما أن النزاع الصادر فيه الحكم المذكور لم يكن بين ذات الخصوم، وهو ما يعيب الحكم ويبطله.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن قد أقام الطعن 879 لسنة 44 قضائية فى الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2882 لسنة 49 ق أمام المحكمة الإدارية العليا، وبجلسة 2/ 7/ 2002 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار رقم 97 لسنة 1994 فى شأن معاهد تعليم الاتصالات اللاسلكية المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، ومن ثم فإنه بإلغاء الحكم المذكور يكون السبب الذى أقام عليه الحكم المطعون فيه قضائه قد زال ولم يعد قائماً، الأمر الذى يضحى معه هذا الحكم معيباً ومخالفاً لأحكام القانون، مما يستوجب القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن الطعن مهيأٌ للفصل فى موضوعه.
ومن حيث إنه عن موضوع النزاع، فإنه بالرجوع إلى قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980، يبين أن المشرع قد فرض بموجب المادة (1) من هذا القانون الخدمة العسكرية على كل مصرى من الذكور أتم الثامنة عشرة من عمره، وأجاز فى المادة (8) منه تأجيل أداء هذه الخدمة وقت السِلم للطلبة النظاميين والمنتسبين المتفرغين للدراسة وذلك لحين حصولهم على المؤهل الدراسى الذى أُجّلت لهم الخدمة بسببه، وحدد المشرع الطلبة الذين يتمتعون بهذه الرخصة بأنهم طالبة المدارس الثانوية والمدارس المعادلة، وطلبة المعاهد الثانوية الأزهرية ومعاهد دور المعلمين الأزهرية, وطلبة المعاهد التى تكون مدة الدراسة بها سنتين بعد الثانوية العامة وما يعادلها وطلبة المعاهد والمدارس ومراكز التدريب التى تكون مدة الدراسة بها خمس سنوات بعد الإعدادية وما يعادلها، وطلبة الجامعات المصرية والمعاهد العليا......... إلخ وناط المشرع بالوزير المختص بالاتفاق مع وزير الدفاع تحديد الكليات والمعاهد والمدارس ومراكز التدريب التى تعتبر معادلة للكليات والمعاهد والمدارس ومراكز التدريب المنصوص عليها فى تلك المادة.
ومن ذلك يتضح أن المشرع فى قانون الخدمة العسكرية والوطنية سالف الذكر، حدد أنواع الكليات والمعاهد والمدارس ومراكز التدريب التى يجوز تأجيل الخدمة العسكرية لطلابها، وأورد من بينها المعاهد التى تكون مدة الدراسة بها سنتين بعد الثانوية العامة، وليس من شك فى أن تأجيل الخدمة العسكرية للطلاب المشار إليهم هو - وفقاً لصراحة النص - أمر تترخص فيه جهة الإدارة حسبما تراه مناسباً لظروف الحال ومقتضيات المصلحة العامة، بيد أن هذه السلطة ليست طليقة من كل قيد وإنما هى مقيدة - شأنها شأن أية سلطة تقديرية أخرى - بعدم التعسف أو إساءة استعمال السلطة، فضلاً عن تقيدها بما ورد النص عليه بالنسبة لأنواع الكليات والمعاهد والمدارس التى يتمتع طلابها بهذه الرخصة، ومن جهة أخرى فإن نطاق السلطة التقديرية المخولة لجهة الإدارة فى هذا الصدد يقف عند إطار مبدأ الموافقة على التأجيل من عدمه فإذا ما أعملت الإدارة هذه السلطة وجب عليها ألا تخل بالمساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة وإلا أضحى قرارها معيباً ومخالفاً للقانون بما من شأنه استدعاء الرقابة القضائية عليه.
ومن حيث إن وزير الدفاع والإنتاج الحربى قد أصدر عدة قرارات بإضافة بعض مراكز تدريب اللاسلكى بالقاهرة والإسكندرية إلى كشوف الكليات والمعاهد والمراكز التى يؤجل تجنيد طلابها طبقًا لأحكام المادة (8) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980، ومن ذلك القرار رقم 186 لسنة 1988، والقرار رقم 275 لسنة 1988 والقرار رقم 104 لسنة 1997.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق وما ذكره الطاعن ولم تعقب عليه جهة الإدارة، أن معهد مدينة العلوم العصرية الذى يرأس الطاعن مجلس إدارته - وهو أحد معاهد مدينة العلوم الأمريكية - قد رخص فى إنشائه عام 1994 من كل من وزارتى المواصلات والتربية والتعليم، وأن مدة الدراسة به سنتان بعد الثانوية العامة يحصل بعدها الطالب على شهادة الأهلية فى التلغراف والتليفون اللاسلكى وقد تقدم رئيس المعهد (الطاعن) بطلب مؤرخ فى 12/ 11/ 1994 إلى وزير الدفاع للموافقة على إدارج المعهد ضمن كشوف المعاهد التعليمية التى يؤجل تجنيد طلابها لحين إتمام الدراسة، فأرسل أمين عام وزارة الدفاع إلى رئيس المعهد الكتاب المؤرخ فى 18/ 11/ 1994 يطلب فيه إرسال الموضوع من خلال وزارة التربية والتعليم حتى يتسنى استيفاء الأوراق طبقاً لنص المادة (8) من القانون رقم 127 لسنة 1980، وبناءً على طلب المعهد أرسل وزير التعليم الكتاب رقم 500 بتاريخ 7/ 3/ 1995 إلى وزير الدفاع لإدراج اسم معهد العلوم العضوية ضمن المعاهد الفنية، ومراكز التدريب التى يؤجل تجنيد طلابها أسوةًً بزملائهم طلاب المعاهد الفنية، ومراكز تدريب اللاسلكى، إلا أن وزارة الدفاع لم تبت فى هذا الطلب بالقبول أو الرفض، إلى أن أقام الطاعن دعواه المطعون على حكمها، فأجابت وزارة الدفاع على الدعوى بأن المادة (8) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980 هى مادة جوازية وليست إلزامية وإنه بالتالى يكون للجهة المختصة حق المنح أو المنع حسبما يتراءى لها وفقاً للظروف والأوضاع المحيطة، وأضافت بأنه نظراً لأن هذه التأجيلات أدت إلى تسريب أعداد كبيرة من شباب التجنيد مما يؤثر على الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، وأن هناك بعض المعاهد والمدارس ومراكز التدريب المعادلة لتلك المنصوص عليها بالمادة (8) لا يلتحق بها الطلاب إلا لمجرد الحصول على تأجيل الخدمة العسكرية، فإن هناك بعض الضوابط والشروط التى يجب توافرها قبل منح التأجيل لطلبة هذه المعاهد والمدارس، وهى سند الإنشاء وتصديق وزير التعليم عليه، وصلاحية المبنى للقيام بدور المعهد الدراسى، وتوافر الأجهزة الفنية طبقاً لنوعية الدراسة، وجدية الدراسة ونظام الامتحانات وخضوعها لرقابة وزارة التعليم، والتقييم العلمى للشهادة الممنوحة ومدى احتياج المجتمع لها، وعدم تأثير أعداد الطلبة المقبولين على الوعاء التجنيدى.
ومن حيث إنه يبين مما سبق، أن مسلك جهة الإدارة (وزارة الدفاع) إزاء الطلب المقدم من معهد مدينة العلوم العصرية، لم يستقم على السند المبرر له قانوناً، إذ إنها استخدمت الرخصة المخولة لها فى المادة (8) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980 بتأجيل تجنيد طلاب معاهد ومراكز لاسلكية مماثلة للمعهد المذكور، بينما أحجمت عن إعمال هذه الرخصة فى حق المعهد بالمجافاة لمبدأ المساواة بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة وخروجاً على حدود السلطة التقديرية الممنوحة لها فى هذا المجال، وخاصة أن الطاعن قد أفاد فى دفاعه بأن المعهد مستوفٍ للشروط التى وضعتها الإدارة لمنح تأجيل التجنيد لطلابه ولم تقدم جهة الإدارة ما يدحض ذلك، بل على العكس طلبت وزارة التعليم من وزارة الدفاع إدراج اسم المعهد ضمن كشوف المعاهد والمراكز التى يؤجل تجنيد طلابها بسب الدراسة ومن ثم يكون امتناع وزارة الدفاع منطوياً على قرار سلبى مخالف لأحكام القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء القرار السلبى المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.