مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 2003 إلى آخر سبتمبر سنة 2004) - صـ 741

(92)
جلسة 6 من يونيو سنة 2004م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكى عبد الرحمن اللمعى – نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمود إبراهيم محمود على عطا الله، ومنير صدقى يوسف خليل، ومصطفى سعيد مصطفى حنفى، وحسن سلامة أحمد محمود. - نواب رئيس مجلس الدولة.
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمود ميزار خليفة - مفوض الدولة
وحضور السيد/ محمود عويس عوض الله - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 4527 لسنة 46 قضائية. عليا:

عقد إدارى - تنفيذ العقد - حقوق المتعاقد مع الإدارة - زيادة الأسعار حال تغيير سعر السوق المادة (54/ 6) من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 الصادرة بقرار وزير المالية رقم 157 لسنة 1983.
حقوق المتعاقد تتحدد أصلاً طبقاً لنصوص العقد فيتعين تنفيذه وفقاً لما اشتمل عليه - الأسعار المتفق عليها تقيد طرفيه كأصل عام فلا يجوز للمقاول أن يطالب بزيادتها على أساس ما يطرأ عليها من زيادة - اقتران العطاء المقدم من المقاول بتحفظ مؤداه أن أى زيادة فى أسعار مواد البناء يحاسب عليها وقبلته جهة الإدارة فإن هذا التحفظ يندرج فى شروط العقد، ويعتبر جزءًا منه يلزم طرفيه، شأنه شأن الشروط الأخرى - أثر ذلك - أى زيادة فى أسعار مواد البناء يحاسب عليها سواء كان مصدر هذه الزيادة قرارات سيادية أو رفع الجهة المنتجة لسعر السلعة - تطبيق.


الإجراءات

فى يوم السبت الموافق الخامس والعشرين من مارس سنة 2000 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين بصفاتهم قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بأسيوط بجلسة 26/ 1/ 2000 فى الدعوى رقم 236 لسنة 7 ق المقامة من المطعون ضده على الطاعنين بصفاتهم والذى قضى بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم بأن يؤدوا للمدعى مبلغ (3048.208) جنيهاً - قيمة فروق أسعار الأسمنت، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
طلب الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداًً: ( أ ) بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمدعى عليهما الثانى والثالث بصفتيهما، (ب) برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتى التقاضى.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضده على الوجه الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً وفى الموضوع برفضه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 3/ 10/ 2001 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 3/ 7/ 2002 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) وعينت لنظره أمامها جلسة 31/ 12/ 2003 حيث نظرته المحكمة بهذه الجلسة وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 30/ 12/ 203 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة 6/ 4/ 2004 مع التصريح بتقديم مذكرات خلال شره حيث أودعت الجهة الإدارية مذكرة دفاع طلبت فيها الحكم بالطلبات الواردة بعريضة الطعن وبتلك الجلسة قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة 1/ 6/ 2004 تم لجلسة اليوم لإتمام المداولة. وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص فى أنه بتاريخ 22/ 11/ 1995 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 236/ 7 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بأسيوط مختصماً فيها كلاً من وزير الأوقاف ومحافظ سوهاج ووكيل وزارة الأوقاف بسوهاج بصفاتهم. وطلب فى ختامها الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا له مبلغ 3028.208 جنيهاً – مع إلزامهم بالمصروفات. وذكر المدعى شرحاً لدعواه أنه تعاقد مع المدعى عليه الأول بتاريخ 20/ 4/ 1993 لبناء مسجد رمضان أبو شريفة ببندر جرجا. وأنه سبق له أن ضمن عطاءه تحفظًا مؤداه أن ترد إليه الجهة الإدارية فروق الزيادة فى أسعار مواد البناء ووافقت تلك الجهة على هذا الشرط. وأنه أثناء التنفيذ اشترى الأسمنت بسعر يزيد عما كان عليه عند فتح المظاريف الخاصة بالعملية المشار إليها مما يحق له استرداد تلك الفروق، وإنه تقدم للجهة الإدارية بالفواتير التى تثبت أنه اشترى الأسمنت بأسعار أعلى وتم حسابها فى الختامى حيث بلغت قيمة هذه الفروق (208/ 3048) جنيهاً إلا أنه فوجئ بعد ذلك وقبل صرف مستحقاته برفض الجهة الإدارية صرف الفروق المشار إليها بمقولة إن الإسمنت وبقية مواد البناء أصبحت حرة التداول ولم تعد مسعرة جبرياً. وخلص المدعى إلى طلب بالحكم بطلباته سالفة البيان.
وبجلسة 26/ 1/ 2000 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها المطعون فيه.
وأقام قضاءها على أن ولئن كانت الفئات التى حددها مقدم العطاء بجدول الفئات تشمل وتغطى جميع المصروفات والالتزامات أياً كان نوعها والتى يتكبدها بالنسبة إلى كل بند من البنود. وكذلك تشمل القيام بإتمام جميع الأعمال وتسليمها إلى جهة الإدارة طبقاً لشروط العقد ويعمل الحساب الختامى بالتطبيق لهذه الفئات بصرف النظر عن تقلبات السوق والعملة والتعريفة الجمركية ورسوم الإنتاج وغيرها من الرسوم الأخرى على النحو الوارد بالمادة (54/ 6/ ) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 9/ 1983. إلا أنه إذا تضمن العقد المبرم بين جهة الإدارة والمقاول نصًا يلزم تلك الجهة بأن تؤدى للمقاول قيمة أى زيادة فى أسعار مواد البناء تطرأ خلال المدة المقررة للتنفيذ، وقبلت تلك الجهة هذا الشرط فإن يكون واجب التنفيذ إعمالاً لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين.
ورتبت المحكمة على ما تقدم أن العطاء المقدم من المدعى فى عملية هدم وإنشاء مسجد رمضان أبو شريفة تضمن فى البند (8) من التحفظات المتقرنة بهذا العطاء أن أى زيادة فى أسعار مواد البناء يتم محاسبته عليها، وقد وافقت الجهة الإدارية على هذا التحفظ، ومن ثم فإن هذا الشرط يكون واجب النفاذ، إذ ورد هذا النص عاماً دون تحديد لمصدر هذه الزيادة بكونها قرارات سيادية أو غير ذلك. وأن القاعدة الأصولية تقضى ببقاء العام على عمومه ما لم يرد ما يخصصه. وأضافت المحكمة أن المدعى قام بتنفيذ الأعمال المسندة إليه فى مواعيدها، وأن رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للأسمنت ومواد البناء (الشركة المنتجة لهذه السلعة) أصدر القرار رقم 15 بتاريخ 31/ 1/ 1993 متضمناً زيادة أسعار الأسمنت وعمل به اعتباراً من 1/ 2/ 1993، كما صدر قرار آخر من ذات الشركة برقم 27 متضمناً زيادة أسعار الأسمنت وتم العمل به اعتباراً من 18/ 11/ 1993. وأن الزيادة فى أسعرا الأسمنت المشار إليها بهذين القرارين حدثت بعد فتح المظاريف فى العملية محل الدعوى وخلال المدة المحددة لتنفيذ العقد. وقد تم عمل بيان حسابى من المهندس المختص بالعملية وموقع أصله من مدير الإدارة الهندسية المختص بحساب فروق الأسمنت، والتى بلغت (3048.208) جنيهاً، وهو ما لم تجحده الجهة الإدارية وبالتالى يكون طلب المدعى إلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا له المبلغ المشار إليه قائماً على سند من القانون والواقع وهو ما يتعين القضاء به.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه تأسيساً على:
أولاً: عدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمدعى عليهما الثانى والثالث بما كان يتعين معه الحكم بعدم قبولها بالنسبة لهما لرفعها على غير ذى صفة، ثانياً: عدم أحقية المطعون ضده فى استرداد المبلغ المقضى به على أساس أن الزيادة فى أسعار الأسمنت المطالب بها كانت نتيجة قرارات صدرت من رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمواد البناء، وهى الجهة البائعة له وأن قراراتها بتلك الزيادة لا تتوافر لها ذات عناصر التحديد أو التسعير الجبرى المشار إليه، سواء من حيث السلطة المختصة بإصداره أو سند هذا الإصدار وأسبابه وغايته أو خاصية الإلزام ولا يعدو أن يكون تحديداً لسعر البيع تجريه الجهة البائعة فى إطار أوضاع السوق وبالتالى فلا تندرج فى عداد القرارات السيادية التى يحق للمقاولين الاستناد إليها وفقاً لنصوص العقد لاسترداد فروق الأسعار الناجمة عن تطبيقها، ومن ثم فلا ينهض للمقاول المذكور الحق فى زيادة أسعار الأسمنت. ومما يدعم هذا النظر أن العقد موضوع النزاع تم إبرامه بعد صدور قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203/ 1991 وأن ذلك هو التفسير الصحيح للشرط التحفظى المقترن بعطاء المطعون ضده المذكور والذى مفاده أحقيته فى الزيادة فى الأسعار التى تصدر بقرارات سيادية دون غيرها. وبذلك تكون دعواه غير قائمة على سند من الواقع أو القانون.
ومن حيث إنه على الوجه الأول من الطعن والخاص بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليهما الثانى والثالث لرفعها على غير ذى صفة فإنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن البحث فى صفة رافع الدعوى أو المرفوعة عليه من النظام العام يجوز لصاحب الشأن أن يثيره فى أيه مرحلة كانت عليها الدعوى. كما تتعرض له المحكمة من تلقاء نفسها. ومتى كان ذلك، وكان الثابت أن عقد المقاولة موضوع النزاع مبرم بين وزارة الأوقاف التى يمثلها وزير الأوقاف بصفته (المدعى الأول) وبين المدعى (المطعون ضده) وأن وزير الأوقاف ممثل فى الدعوى ومن ثم تنتفى صفة كل من المدعى عليهما الثانى والثالث فى الدعوى ويكون الدفع المبدى بعدم قبولها لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة لكل منهما قائماً على سند من القانون مما يتعين معه قبوله.
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى من الطعن الخاص بعدم أحقية المطعون ضده فى فروق الأسمنت. فإن المادة (147) من القانون المدنى تنص على أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلاَّ باتفاق الطرفين أو للأسباب التى يقرها القانون.... وأنه من المبادئ المسلمة - أن العقود تخضع لأصل عام من أصول القانون يقضى بأن يكون تنفيذها بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية. وهذا الأصل ينطبق على العقود الإدارية شأنها فى ذلك شأن العقود المدنية كما أن حقوق المتعاقد مع الجهة الإدارية والتزاماته إنما تتحدد طبقاً لنصوص العقد الذى يربطه بتلك الجهة. وأنها متى قبلت ما أبداه المتعاقد معها من تحفظات فإنها تعتبر جزءاً من العقد واجبة التطبيق كحكم من أحكامه.
ومن حيث إنه متى استبان ما تقدم، وكانت المادة (54/ 6) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم/ 1983 الذى يحكم واقعة النزاع تنص على أن "الفئات التى حددها مقدم العطاء بجدول الفئات تشمل وتغطى جميع المصروفات والالتزامات أياً كان نوعها... ويعمل الحساب الختامى بالتطبيق لهذه الفئات بصرف النظر عن تقلبات السوق والعملة والتعريفة الجمركية ورسوم الإنتاج وغيرها من الرسوم الأخرى". بما مفاده أن حقوق المتعاقد تتحدد أصلاً طبقاً لنصوص العقد، فيتعين تنفيذه وفقاً لما اشتمل عليه وأن الأسعار المتفق عليها تقيد طرفيه كأصل عام فلا يجوز للمقاول أن يطالب بزيادتها على أساس ما يطرأ عليها من زيادة، إلا أنه مع ذلك فالثابت من الأوراق أن المطعون ضده قرن عطاءه المقدم منه فى المنازعة موضوع الطعن الماثل بتحفظ مؤداه أن أية زيادة فى مواد البناء يحاسب عليها وقد قبلت جهة الإدارية الطاعنة هذا التحفظ بعد أن تمسك به المطعون ضده فى الوقت الذى قبل فيه التنازل عن بقية تحفظاته، ومن ثم فإن هذا التحفظ يندرج فى شروط العقد ويعتبر جزءاً منه يلزم طرفيه، شأنه فى ذلك شأن الشروط الأخرى، وإذا كان هذا الشرط قد جاء عامًا فإن أية زيادة تطرأ على أسعار مواد البناء بعد فتح المظاريف - طالما كان لها سعر ملعوم قبل ذلك - يتعين محاسبة المقاول المذكور عليها. أيًا مصدر هذه الزيادة، يستوى فى ذلك أن يكون مصدرها صدور قرارات سيادية بذلك، أو أن يكون مصدر هذه الزيادة رفع الجهة المنتجة للسلعة هذا السعر، بحسبان أن تحفظ المقاولة وعلى ما سلف بيانه قد جاء عامًا - وأن القاعدة الأصولية تقضى بأن العام يؤخذ على عمومه ما لم يرد ما يخصصه والمطلق على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم إذ كان الثابت - وعلى ما استظهره الحكم المطعون فيه وبحق - أنه بعد تقديم العطاءات فى المناقصة التى أعلنت عنها الجهة الإدارية صدر قرار رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للأسمنت ومواد البناء رقم 15 بتاريخ 31/ 1/ 1993 بزيادة أسعار الأسمنت وعمل به اعتباراً من 1/ 2/ 1993. كما صدر قرار آخر بالزيادة برقم 27 وعلم به اعتباراً من 18/ 11/ 1993، وأن هذه الزيادات تمت خلال فترة تنفيذ العقد. ومن ثم فإن المطعون ضده يستحق صرف هذه الزيادت وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة وقضى بأحقيته فى صرف مبلغ (3048.21) جنيهاً قيمة فروق الأسمنت فإنه يكون قد صدر متفقًا وصحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه فى هذا الشق غير قائم على أساس من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب:
حكم المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمدعى عليهما الثانى والثالث بصفتيهما (الطاعنين الثانى والثالث بصفتيهما) وبقبولها شكلاً بالنسبة للمدعى عليه الأول بصفته (وزير الأوقاف بصفته) وبإلزامه بأن يؤدى للمدعى مبلغ 3048.21) جنيهاً (ثلاثة آلاف وثمانية وأربعين جنيهاً وواحداً وعشرين قرشًا) وألزمته المصروفات عن درجتى التقاضى.