مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 2003 إلى آخر سبتمبر سنة 2004) - صـ 886

(112)
جلسة 4 من يوليو سنة 2004 م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، ويحيى خضرى نوبى محمد، ود. محمد ماجد محمود أحمد، وأحمد عبد الحميد حسن عبود - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ رضا محمد عثمان - مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 5953 لسنة 47 قضائية. عليا

مهنة التخليص الجمركى. تنظيم شروط الترخيص. حكم استثناء فئة معينة من الشروط المقررة للحصول على الترخيص.
المادة (49) من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963.
المادة الثانية من قرار وزير الخزانة رقم 47 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام القرار رقم 40 لسنة 1963 بتنظيم مهنة التخليص على البضائع.
المركز القانونى للمخلص الجمركى هو مركز تنظيمى عام تملك إزاءه السلطة المختصة تعديل الشروط والضوابط المتطلبة للترخيص بمزاولة هذه المهنة كلما دعت الضرورة إلى ذلك بغير معقب عليها من القضاء طالما خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة أو استهداف غير وجه الصالح العام - المشرع فى قانون الجمارك قد عَهِدَ إلى وزير الخزانة موضوع تنظيم شروط الترخيص الجمركى، ومن ثَمَّ فإنه يجب على السلطة المفوضة مراعاة مبدأ التدرج التشريعى فى شأن القواعد التى تصدرها فى هذا الخصوص وفى قمتها الدستور، بحيث لا تخالف أو تنال أو تنقص من المبادئ والحقوق والحريات العامة التى كفلها الدستور - لئن كان رئيس مصلحة الجمارك فى حدود السلطة التقديرية المخولة له - بناءً على التفويض الصادر إليه بتنظيم مهنة التخليص الجمركى بموجب قرار وزير الخزانة رقم 116 لسنة 1976 - أن يعدل من الشروط الواجب توافرها فيمن يزاول مهنة التخليص الجمركى - ومنها شرط التأهيل العلمى المناسب حسب طبيعة هذه المهنة التى لم يشترط فى شاغلها تأهيلاً علميًا تخصيصًا بذاته - إلا أنه يجب أن يجىء هذا التعديل والاستثناء من هذا الشرط فى حدود الإطار الموضوعى لتنظيم هذه المهنة وفى صورة قاعدة موحدة فى مجال شغل هذه الوظيفة - تأشيرة رئيس مصلحة الجمارك المؤرخة 30/ 11/ 1990 والمقررة مستوى التأهيل العلمى لمن يزاول مهنة التخليص الجمركى على الرسائل التجارية وهو الحصول على مؤهل متوسط على الأقل ترقى إلى مرتبة القرار الإدارى الناسخ لقراره رقم 99 لسنة 1981 فيما تضمَّنه من اشتراط فيمن يزاول مهنة التخليص الجمركى أن يكون حاصلاً على مؤهل عالٍ - لا يجوز حمل تلك التأشيرة على أنها تقرر استثناء فئتين من شرط الحصول على مؤهل عال وهما: الذين سبق لهم الاشتراك فى حرب أكتوبر سنة 1973 من المرخص لهم ومندوبو المؤسسات العامة والشركات ومكاتب التخليص الجمركى دون غيرهم ممن سبق الترخيص لهم من غير الحاصلين على مؤهلات عليا لمزاولة هذه المهنة بصفة حرة، حيث إن هذا الاستثناء أو التمييز لا يستند إلى أسس موضوعية تقتضيه - أثر ذلك تقرير ذات الحق لمن سبق له الحصول على ترخيص جمركى فى أن يعامل بذات القرار عند تجديد ترخيصه طالما توافرت فى شأنه باقى الشروط المقررة لمزاولة هذه المهنة - تطبيق.


الإجراءات

فى يوم الإثنين الموافق 25/ 3/ 2001 أودع الأستاذ/ عبد الله سعد شريف المستشار بهيئة قضايا الدولة نائباً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها العمومى تحت رقم 5953 لسنة 47 قضائية عليا فى الحكم الصادر فى الدعوى رقم 447 لسنة 54 ق بجلسة 25/ 1/ 2001 والقاضى منطوقه "بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية مصروفات الطلب المستعجل وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأى القانونى فى الموضوع".
وطلب الطاعنون - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغائه والقضاء مجدداً.
أصلياً: بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى.
واحتياطياً: برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفى الحالتين بإلزام المطعون ضده بالمصروفات عن الدرجتين.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 5/ 5/ 2003 وبجلسة 15/ 12/ 2003 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى - موضوع) وحددت لنظره أمامها بجلسة 10/ 1/ 2004.
وتدوول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 8/ 5/ 2004 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 4/ 7/ 2004 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء فى شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - فى أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 447 لسنة 54 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 24/ 10/ 1999 بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إدارة شئون المستخلصين بمصلحة الجمارك بالامتناع عن تجديد الترخيص الممنوح له بمزاولة مهنة التخليص الجمركى وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن الوقائع سبق بيانها بالحكم المطعون فيه، وهو ما تحيل إليها المحكمة وتعتبره مكملاً لقضائها، تفادياً للتكرار فيما عدا ما يقتضيه حكمها من بيان موجز حاصله أنه تقدم بطلب للحصول على رخصة مزاولة مهنة التخليص الجمركى، حيث إنه حاصل على دبلوم الفندقة البحرية من الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى فمنح الترخيص رقم 2001404 بتاريخ 16/ 2/ 1997 ثَمَّ تقدم فى أوائل عام 1998 بطلب لتجديده فمُنح هذا التجديد حتى نهاية عام 1998 ثَمَّ تقدم بطلب للتجديد فوافقت جهة الإدارة على تجديد المدة حتى 31/ 8/ 1999 أو لحين انتهاء عمل لجنة مراجعة أوراق المستخلصين، وإذ انتهت اللجنة من عملها دون توجيه أى ملاحظات على أوراق كما انقضت المدة المدونة على تجديد الترخيص فتقدم على إثر ذلك لتجديد ترخيصه إلا أن المطعون ضده الثالث قد امتنع عن منحة التجديد بدعوى أن مؤهله لا يعد مؤهلاً عالياً.
وبجلسة 25/ 1/ 2001 أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية "الدائرة الأولى" حكمها المطعون فيه وشيدت المحكمة قضاءها - بعد استعراض نص المادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 40 لسنة 1963 معدلاً بالقرار رقم 47 لسنة 1970 وقرار رئيس مصلحة الجمارك رقم 99 لسنة 1981 بشأن قواعد تنظيم مزاولة مهنة التخليص على البضائع ونص المادة الثانية من هذا القرار قبل تعديلها بقرار رئيس مصلحة الجمارك بتاريخ 3/ 11/ 1990 - على أساس أن المدعى حصل على دبلوم الفندقة البحرية من الأكاديمية العربية للنقل البحرى فى 2/ 10/ 1995 واجتاز دورة تدريبية على أعمال التخليص الجمركى لدى مصلحة الجمارك فى الفترة من 3/ 3/ 1996 حتى 16/ 4/ 1996 ثَمَّ تقدم بطلب للحصول على ترخيص مزاولة مهنة التخليص الجمركى فى ظل قرار رئيس مصلحة الجمارك المشار إليه وصدر له الترخيص رقم 2001404 بتاريخ 29/ 12/ 1997 حتى 31/ 12/ 1998 فمن ثَمَّ يكون هذا الترخيص قد صدر بحسب ما ظهر من الأوراق متفقًا مع قواعد تنظيم مزاولة المهنة بعد تعديلها بتاريخ 3/ 11/ 1990 ويضحى امتناع الجهة عن تجديد الترخيص غير قائم بحسب الظاهر على أسباب صحيحة ووقع مخالفًا للقانون وهو ما يجعل القرار المطعون فيه مرجح الإلغاء عند الفصل فى الموضوع وبذلك يتوافر ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذه فضلاً عن توافر ركن الاستعجال لأن حجب الترخيص عن المدعى أو تجديده له من شأنه أن يحرمه من مصدر رزقه وهى أمور يخشى عليها من فوات الوقت وعلى ذلك فقد استقام طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه على ركنيه اللازمين لقبوله.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله للسببين التاليين:
أولاً: عدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى محلها بدعوى أن منح الترخيص المطالب به متروك لتقدير جهة الإدارة وعلى ذلك فإن امتناعها عن إصداره لا يشكل قراراً سلبياً مما يقبل الطعن عليه بدعوى الإلغاء، حيث إن هذا الأمر يحكمه ويحدد ضوابطه قرار وزير المالية رقم 40 لسنة 1963 المعدل بالقرار رقم 47 لسنة 1970 بشأن قواعد تنظيم مزاولة مهنة التخليص على البضائع فإذا لم تتوافر الشروط المنصوص عليها فى ذلك القرار ومنها شرط الحصول على مؤهل عالٍ فإنه لا إلزام على الإدارة فى إصدار ذلك الترخيص. ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده غير حاصل على مؤهل عالٍ، الأمر الذى يكون معه رفض جهة الإدارة منحه هذا الترخيص موافقاً لصحيح القانون ولا يشكل بالتالى ثمة قرار سلبى بالامتناع وبذلك تكون دعواه غير مقبولة شكلاً لانتفاء القرار الإدارى.
ثانيًا: إن الحكم الطعين شَابَه القصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال وفى بيان ذلك ذكرت الجهة الطاعنة أن الحكم أخطأ فى تعيين القواعد واجبة التطبيق والإعمال فى مجال تنظيم مزاولة مهنة التخليص الجمركى إذ التفت عن تطبيق قرار وزير المالية رقم 40 لسنة 1963 معدلاً بقراره رقم 47 لسنة 1970 الواجبة التطبيق فى هذا المجال وإعمال قواعد واردة بأداة تشريعية أدنى صادر بها قرار رئيس مصلحة الجمارك، كما التفت الحكم عن تحقيق دفاع جهة الإدارة المبدى بمذكرة دفاعها المودعة أمام محكمة أول درجة بجلسة 9/ 3/ 2000 من أن الثابت بملف الترخيص الحاصل عليه المطعون ضده أنه أقر فى طلب الحصول على الترخيص أنه حصل على بكالوريوس فندقة بحرية إلا أنه لم يقدم دليلاً على ذلك وبذلك تخلف فى شأنه شرط جوهرى لازم توافره لمنحه الترخيص المذكور إلا أن الحكم الطعين لم يحقق هذا الدفاع فإنه يكون قد شَابَه قصور يبطله فضلاً عن إهداره حق الدفاع.
ومن حيث إن طلب وقف القرار المطعون فيه يقوم على ركنين: الأول يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب فى هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية، والثانى قيام الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة 49 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 تنص على أنه: "يعتبر مخلصاً جمركياً كل شخص طبيعى أو معنوى يقوم بإعداد البيان الجمركى وتوقيعه وتقديمه للجمارك وإتمام الإجراءات بالنسبة إلى البضائع لحساب الغير، ولا يجوز له مزاولة أعمال التخليص إلا بعد الحصول على ترخيص من مصلحة الجمارك، ويحدد وزير الخزانة شروط الترخيص والنظام الخاص بالمخلصين والهيئة التأديبية التى تختص بالنظر فيما يرتكبونه من مخالفات والجزاءات التى توقع عليهم". ومقتضى هذا النص أن المشرع حظر ممارسة مهنة مخلص جمركى إلا بعد الحصول على ترخيص من مصلحة الجمارك ومنح وزير الخزانة (المالية) اختصاصاً قانونياً أصيلاً فى تنظيم هذه المهنة ويتمتع فى ممارسته بسلطة تقديرية واسعة فى شأن تحديد الشروط اللازمة للترخيص بمزاولة أعمال التخليص وفى وضع قواعد وأسس النظام الخاص بالمخلصين طالما أن القانون لم يفرض شروطاً محددة، ولم يتضمن ضوابط معينة يتعين الالتزام بها فى هذا الخصوص ومن ثَمَّ تظل للجهة الإدارية سلطتها التقديرية التى تمارسها فى إطار الضابط العام الذى يتعين مراعاته والالتزام به عند تحديد القواعد والشروط الخاصة بتنظيم مهنة التخليص، وكلها مستمدة من طبيعة أعمال المخلصين الجمركيين ذاتها، وفى حدود ما تمليه مصالح الدولة المالية وحقوق أصحاب البضائع موضوع التخليص ضماناً لتحقيق الصالح العام، ومن ثَمَّ تنحصر رقابة القضاء الإدارى على سلطة الإدارة فى تنظيم هذه المهنة وفى وزن قرارها بميزان المشروعية دون أن تحل نفسها محل الجهة الإدارية فيما هو متروك لتقديرها ووزنها للأمور فى النطاق الذى حدده لها القانون على الوجه المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه نفاذًا لنص المادة 49 من القانون رقم 66 لسنة 1963 سالف الذكر صدر قرار وزير الخزانة رقم 47 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام القرار رقم 40 لسنة 1963 بتنظيم مهنة التخليص على البضائع ناصاً فى مادته الثانية على أنه: "يستبدل نص المادة 2 من القرار رقم 40 لسنة 1963 المشار إليه النص الآتى: مادة (2) يشترط فيمن يزاول أعمال التخليص ما يأتى: (1)........ (2).......... (3) أن يكون من خريجى المعهد الجمركى أو حاصلاً على شهادة التجارة الثانوية أو شهادة الثانوية العامة أو أية شهادة أخرى معادلة.
(4).............
8 - أن يجتاز بنجاح امتحان المسابقة الذى تنظمه مصلحة الجمارك لاختيار المخلصين".
ثَمَّ صدر قرار رئيس مصلحة الجمارك رقم 99 لسنة 1981 بناءً على السلطة التفويضية المخولة له بموجب قرار وزير الخزانة رقم 116 لسنة 1977 بشأن تحديد الشروط الخاصة بالترخيص بمزاولة مهنة التخليص الجمركى متضمنًا تعديل المادة الثانية من القرار الوزارى رقم 40 لسنة 1963 المعدل بالقرار رقم 47 لسنة 1970 سالف الذكر بحيث صار نصها كالآتى: "يشترط فيمن يزاول مهنة التخليص الجمركى على الرسائل التجارية وفقًا لحكم المادة الأولى ما يأتى: (1)........ (2)....... (3)....... أن يكون حاصلاً على مؤهل عالٍ (4)....... (9) أن يحضر الدورات التدريبية التى تعدها المصلحة وأن يجتاز بنجاح فى نهايتها امتحان الصلاحية لمزاولة المهنة ويعفى العاملون السابقون بمصلحة الجمارك الحاصلون على مؤهلات عليا من شرط الامتحان (10).......".
ومن حيث إنه لما كان المقرر أن المركز القانونى للمخلص الجمركى هو مركز تنظيمى عام تملك إزاءه السلطة المختصة تعديل الشروط والضوابط المتطلبة للترخيص بمزاولة هذه المهنة كلما دعت الضرورة إلى ذلك بغير معقب عليها من القضاء طالما خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة أو استهداف غير وجه الصالح العام.
ومن حيث إنه متى ثبت أن المشرع فى قانون الجمارك سالف الذكر قد عهد على إلى وزير الخزانة موضوع تنظيم شروط الترخيص الجمركى، ومن ثَمَّ فإنه يجب على السلطة المفوضة مراعاة مبدأ التدرج التشريعى فى شأن القواعد التى تصدرها فى هذا الخصوص وفى قمتها الدستور بحيث لا تخالف أو تنال أو تنتقص من المبادئ والحقوق والحريات العامة التى كفلها الدستور.
ومن حيث إنه - ولئن كان لرئيس مصلحة الجمارك فى حدود السلطة التقديرية المخولة له - بناءً على التفويض الصادر إليه بتنظيم مهنة التخليص الجمركى بموجب قرار وزير الخزانة رقم 116 لسنة 1976 - أن يعدل من الشروط الواجب توافرها فيمن يزاول مهنة التخليص الجمركى - ومنها شرط التأهيل العلمى المناسب حسب طبيعة هذه المهنة والتى لم يشترط فى شاغلها تأهيلاً علمياً تخصصياً بذاته إلا أنه يجب أن يجىء هذا التعديل والاستثناء من هذا الشرط فى حدود الإطار الموضوعى لتنظيم هذه المهنة وفى صورة قاعدة موحدة فى مجال شغل هذه الوظيفة.
وإذ استبان من الأوراق أن مستشار مصلحة الجمارك أعد مذكرة للعرض على رئيس مصلحة الجمارك بشأن ما أثاره أعضاء الغرفة التجارية وجمعية رجال الأعمال عن حاجتهم إلى استخدام عمال تابعين لهم فى إنهاء الإجراءات الجمركية على البضائع الواردة برسم جهاتهم، وكذا أثار أصحاب مكاتب التخليص الجمركى والاستيراد والتصدير نفس المشكلة واقترحوا أن تقوم كل مؤسسة أو شركة أو مكتب تخليص جمركى بترشيح عدد مناسب من بين العاملين فيها بشرط أن يكونوا من الحاصلين على مؤهل متوسط على الأقل مع مدة عمل فى مجال يتصل بالجمارك داخل المؤسسة لا يقل عن سنتين..... ومنحهم ترخيصاً خاصاً بالتخليص الجمركى على البضائع، وذلك بعد اجتياز دورة تدريبية تعدها المصلحة فى ذلك الشأن - فأشر رئيس مصلحة الجمارك على هذه المذكرة بتاريخ 30/ 11/ 1990 بالآتى: (لا مانع - على ألا يتجاوز عدد العاملين فى هذا المجال بمؤهل متوسط شخصًا واحدًا فقط للمؤسسة أو الشركة أو المكتب).
كما استثنت مصلحة الجمارك عدد 35 من المرخص لهم من شرط الحصول على مؤهل عالٍ، وذلك لاشتراكهم فى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 - وهو ما لم تنكره جهة الإدارة فى ردها على الدعوى موضوع الطعن الماثل.
(حافظتا مستندات المطعون ضده المودعة أولاهما أمام محكمة أول درجة بجلسة 25/ 11/ 1999 - والأخرى أمام هذه المحكمة بجلسة 5/ 5/ 2003).
ومن حث إنه متى كان الأمر كذلك، وكان البادى من الأوراق أن تأشيرة رئيس مصلحة الجمارك المؤرخة 30/ 11/ 1990 سالفة الذكر والمقررة مستوى التأهيل العلمى لمن يزاول مهنة التخليص الجمركى على الرسائل التجارية وهو الحصول على مؤهل متوسط على الأقل - ترقى إلى مرتبة القرار الإدارى الناسخ لقراره رقم 99 لسنة 1981 سالف الذكر فيما تضمنه من اشتراط فيمن يزاول مهنة التخليص الجمركى أن يكون حاصلاً على مؤهل عالٍ.
ومن ثَمَّ فإنه لا يجوز حمل تلك التأشيرة على أنها تقرر استثناء فئتين من شرط الحصول على مؤهل عال - وهما الذين سبق لهم الاشتراك فى حرب أكتوبر سنة 1973 من المرخص لهم ومندوبو المؤسسات العامة والشركات ومكاتب التخليص الجمركى دون غيرهم ممن سبق الترخيص لهم من غير الحاصلين على مؤهلات عليا لمزاولة هذه المهنة بصفة حرة - حيث إن هذا الاستثناء أو التمييز لا يستند إلى أسس موضوعية تقتضيه ومخالف لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور والذى يأبى أى صورة من صور التمييز بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة ومن ثَمَّ لا يجوز قصر حكم القرار سالف الذكر الصادر بتاريخ 30/ 11/ 1990 على الفئتين المذكورتين بينما يحرم غيرهم منه بدون مقتضى، وعلى ذلك فقد بات حتماً تقرير ذات الحق لم سبق له الحصول على ترخيص جمركى فى أن يعامل بذات القرار عند تجديد ترخيصه طالما توافرت فى شأنه باقى الشروط المقررة لمزاولة هذه المهنة.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم على واقعات النزاع الماثل فإنه لما كان البادى من ظاهر الأوراق أن المطعون ضده حاصل على دبلوم الفندقة البحرية من الأكاديمية العربية للنقل البحرى فى 2/ 10/ 1995 واجتاز بنجاح برنامج الدورة التدريبية فى أعمال التخليص الجمركى خلال الفترة من 30/ 3/ 1996 إلى 16/ 4/ 1996 ومنحته مصلحة الجمارك ترخيصًا عامًا بمزاولة مهنة التخليص الجمركى برقم 2001404 بتاريخ 29/ 12/ 1997 وصالح حتى 31/ 12/ 1998، وإذ تقدم المطعون ضده إلى جهة الإدارة بطلب لتجديد هذا الترخيص حال انتهاء مدته إلا أن جهة الإدارة قد امتنعت عن إجراء هذا التجديد رغم الثابت من ظاهر الأوراق استيفاؤه الشروط الواجب توافرها فيمن يزاول مهنة التخليص الجمركى بعد تعديلها بقرار رئيس مصلحة الجمارك الصادر فى 30/ 11/ 1990 سالف الذكر ومن ثَمَّ يكون القرار السلبى المطعون فيه بامتناع جهة الإدارة عن تجديد ترخيص المطعون ضده مخالفًا للقانون، إذ لا يستساغ تمييز فئة على حساب فئة أخرى من أصحاب المراكز القانونية المتماثلة بحيث يقتصر التجديد على الفئتين المذكورتين سلفًا وقصر الاستثناء من شرط التأهيل العلمى عليهم بينما يحرم المطعون ضده رغم الحصول على ذات مستوى التأهيل العلمى طبقًا لما سلف بيانه مما يرجح إلغاء القرار المطعون فيه عند الفصل فى طلب الإلغاء، الأمر الذى يتوافر معه ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ، فضلاً عن توافر ركن الاستعجال نظرًا لما يترتب على الاستمرار فى تنفيذ القرار الطعين من حرمان المطعون ضده من مصدر رزقه مما يتسبب فى أضرار يتعذر تداركها ويتعين تبعًا لتوافر الركنين القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام جهة الإدارة بتجديد الترخيص مثار النزاع لمدد أخرى إعمالاً للقواعد السارية بشأن تنظيم مهنة التخليص الجمركى.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذه النتيجة، وعلى ذلك فإن الطعن الماثل يكون فى غير محله، خليقًا بالرفض مع إلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات عملاً بالمادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.