أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثانى - السنة 23 - صـ 724

جلسة 15 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود العمراوى، ومحمود عطيفة، وابراهيم الديوانى، والدكتور محمد محمد حسنين.

(163)
الطعن رقم 338 لسنة 42 القضائية

(أ، ب) تجمهر. جريمة: "أركان الجريمة". قانون: "تفسيره". قصد جنائى. محكمة الموضوع: "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم: "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) شروط قيام جريمة التجمهر المؤثمة بالقانون رقم 10 لسنة 1914.
(ب) تقدير توافر قصد التجمهر. موضوعى. مثال لتسبيب سائغ فى نفى قيامه.
(جـ، د) قبض وحبس بدون وجه حق. جريمة: "أركان الجريمة". قصد جنائى. موظفون عموميون. مسئولية جنائية. حكم: "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قانون: "تفسيره". أسباب الإباحة وموانع العقاب.
(ج) الفقرة الثانية من المادة 63 عقوبات. نفيها المسئولية عن الموظف العام إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه.
(د) إثبات الحكم حسن نية المتهم بالحبس بدون وجه حق استنادا إلى أنه لم يصدر عن هوى فى نفسه وإنما كان يعتقد مشروعيته وأن إجراءه من اختصاصه بصفته قائما بأعمال نقطة الشرطة والمسئول عن الأمن فيها وأنه اضطر إلى ذلك لمنع وقوع جرائم أخرى. وتعليله إعتقاد المتهم بضرورة ما فعله بأسباب معقولة. وانتهاؤه إلى تبرئته من تهمة القبض. صحيح.
(هـ) دعوى مدنية. طعن: "الصفة فى الطعن". نقض: "الصفة فى الطعن". سرقة.
لا صفة للمدعى المدنى فى الطعن فى الحكم فيما قضى به بالنسبة لتهمة السرقة.
(و، ز، ح، ط، ى) محكمة الموضوع: "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". "سلطتها فى وزن أقوال الشهود". "سلطتها فى تجزئة أقوال الشهود". "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم: "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
(و) إستخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. من سلطة محكمة الموضوع.
(ز) وزن أقوال الشهود. موضوعى.
(ح) لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ بما ترتاح إليه منها والإعراض عما عداه. دون التزامها ببيان العلة.
(ط) عدول الشاهد عن أقواله السابقة. لا ينفى وجودها.
(ى) حق محكمة الموضوع فى الأخذ بقول الشاهد دون قول آخر له.
(ك، ل) محكمة الموضوع: "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم: "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل". دعوى مدنية. قتل عمد. نقض: "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(ك) تشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة. كفايته لتبرئة المتهم ورفض الدعوى المدنية. ما دامت المحكمة قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة. مجادلتها فى ذلك أمام النقض. لا تجوز.
(ل) مثال لاستطراد لا يعيب الحكم فى نفى تهمة القتل.
1 - يشترط لقيام جريمة التجمهر المؤثم بالقانون رقم 10 لسنة 1914 اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التى وقعت تنفيذا لهذا الغرض، وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم وأن تكون الجرائم التى ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامى من طبيعة واحدة ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدى إليها السير الطبيعى للأمور وقد وقعت جميعا حال التجمهر.
2 - متى كانت محكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية قد خلصت إلى عدم قيام الدليل على توافر قصد التجمهر لدى المطعون ضدهم الثمانية الأول إذ أثبتت أن وجودهم بمكان الحادث لم يحصل لأى غرض غير مشروع وعللته بأدلة سائغة، فلا يكون للطاعنين بعد ذلك أن يصادرا المحكمة فى معتقدها.
3 - تنفى الفقرة الثانية من المادة 63 عقوبات المسئولية عن الموظف العام إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجرائه من اختصاصه.
4 - متى كان الحكم قد أثبت حسن نية المطعون ضده التاسع مرتكب الحجز وقال عنه أنه لم يصدر عن هوى فى نفسه وإنما كان يعتقد مشروعيته وأن إجراءه من اختصاصه بصفته قائما بأعمال نقطة الشرطة والمسئول عن الأمن فيها وأنه اضطر إلى ذلك لمنع وقوع جرائم أخرى تتمثل فى أن يقتص الطاعن الثانى من قاتلى أخيه وكان المطعون ضده التاسع قد تثبت وتحرى عن ظروف الحادث من العمدة (المطعون ضده العاشر) وقد علل الحكم اعتقاد المطعون ضده التاسع بضرورة ما فعله من احتجازه الطاعن الثانى بديوان النقطة بأسباب معقولة هى أن للطاعن المذكور من العصبة والقوة ما يمكنه من الاعتداء على قاتلى أخيه - فإن الحكم إذ انتهى إلى القضاء ببراءة المطعون ضدهما التاسع والعاشر من التهمة المسندة إليهما يكون قد أصاب سديد القانون.
5 - لا صفة للطاعنين المدعيين بالحقوق المدنية فيما أثاراه بالنسبة إلى ما قضى به الحكم فى تهمة السرقة لأن ذلك خارج عن نطاق دعواهما المدنية.
6 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها دون أن تتقيد فى هذا الشأن بدليل بعينه وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغا ومستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
7 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على اقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه.
8 - لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشهود فتأخذ بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه دون أن تلتزم ببيان العلة فيما أعرضت عنه من أدلة الثبوت أو أخذت به من أقوال شهود النفى، ما دام لقضائها وجه مقبول.
9 - إن عدول الشاهد عن أقواله السابقة لا ينفى وجودها.
10 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بقول للشاهد دون قول آخر له ودون أن تبين العلة فى ذلك فمرده اطمئنان المحكمة واقتناعها.
11 - من المقرر أنه يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة للقضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية ما دام الظاهر من الحكم أن المحكمة قد أحاطت بالدعوى وألمت بظروفها عن بصر وبصيرة.
12 - إن استطراد المحكمة فى نفى تهمة القتل بمقولة وجود صلة قربى وثيقة تربط المطعون ضدهم بالقتيل لا يعدو أن يكون تزيدا لا يعيب الحكم بعد الذى أثبتته المحكمة من أنه قد داخلتها الريبة فى عناصر الإثبات.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم: المتهمون من الأول إلى التاسع - اشتركوا وآخرين مجهولين فى تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على المال والأشخاص مع علمهم بالغرض منه حالة كونهم مسلحين بعصى وفؤوس وآلات أخرى. بأن توجهوا إلى الزراعة المملوكة لـ...... حاملين الأسلحة آنفة الذكر وقد وقعت الجرائم الآتية تنفيذا للغرض المقصود من التجمهر: ( أ ) المتهمين الأول والثانى - قتلا عمدا........ بأن انتويا قتله فانهالا عليه بالكوريك وبعصا قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته (ب) المتهمين الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر - سرقوا البرسيم المملوك لـ...... (جـ) المتهم الثالث أحدث عمدا بـ...... الإصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما (د) المتهم الرابع - أحدث عمدا بـ..... الإصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما. (هـ) المتهمان العاشر والحادى عشر -حبسا..... بنقطة شرطة تمى الأمديد دون أمر من المختصين وفى غير الأحوال المصرح بها قانونا، وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر و234/ 1 و242/ 1 و280 و317/ 5 من قانون العقوبات. فقرر ذلك، وادعت أرملة القتيل عن نفسها وبصفتها وصية على أولاده القصر ضد المتهمين من الأول إلى التاسع بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه تعويضا عن فقد مورثهم. وادعى..... بمبلغ ألفين وخمسمائة جنيه ضد المتهمين العاشر والحادى عشر تعويضا عن الضرر الذى لحقه من حبسه دون وجه حق، متضامنين فى ذلك مع وزارة الداخلية بصفتها المسئولة عن الحقوق المدنية، كما ادعى....... قبل المتهمين جميعا بالحق المدنى طالبا الحكم بأن يدفعوا له مبلغ ألفين وخمسمائة جنيه تعويضا عن سرقة البرسيم وما ناله بسبب الدعوى من ضرر، ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضوريا بتاريخ 23 مارس سنة 1971 عملا بالمادة 242/ 1 من قانون العقوبات والمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. (أولا) بالنسبة للمتهم التاسع..... بانقضاء الدعوى الجنائية قبله بوفاته وإثبات ترك الخصومة فى الدعوى المدنية الموجهة إليه. (ثانيا) بإثبات تنازل المدعين بالحق المدنى عن مخاصمة وزارة الداخلية. (ثالثا) بتغريم كل من المتهمين الثالث والرابع مبلغ ثلاثة جنيهات عن تهمة الضرب مع براءتهما من تهمة التجمهر. (رابعا) ببراءة باقى المتهمين مما أسند إليهم. (خامسا) رفض الدعاوى المدنية الثلاثة وألزمت رافع كل دعوى مصاريف دعواه المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماه. (سادسا) أمرت بمحو العبارات الجارحة الواردة بمذكرات المدعى بالحق المدنى (الثالث) فطعن المدعيان بالحق المدنى الأولى والثانى فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم من تهمة الاشتراك فى التجمهر وتهمتى السرقة والقتل العمد والحبس بدون أمر من الحكام المختصين التى وقعت تنفيذا للغرض المقصود من التجمهر وبرفض دعوييهما المدنيتين قد شابه الفساد فى الاستدلال ومخالفة الثابت فى الأوراق والخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأنه استند إلى شهادة بعض الشهود الذين قال عنهم أنهم أجمعوا على أن الزراعة مملوكة للمطعون ضدهم الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر لا لمالك الأرض والتفت عن أقوال الجيران ومهندس الزراعة والمالك ووكيله وخفرائه مع أن أولئك المطعون ضدهم الثلاثة أجراء لدى المالك بموجب عقود عمل وليس صحيحا ما قاله الحكم من أن المالك دفع لهم مبلغا من النقود لينزلوا له عن الحيازة. كما أخطأ الحكم إذ انساق وراء البلاغ وأقوال الخفراء فى وصف الحادث بأنه مشاجرة مع أنهم لم يبلغوا مكانه إلا بعد وقوعه بأكثر من ساعتين. وأخطأ الحكم إذ جزأ شهادة...... وأخذ منها بما مفاده أن المطعون ضدهما الأول والثانى هما فحسب اللذان حضرا لمكان الحادث واحتدمت المناقشة بينهما وبين القتيل مع أن باقى أقوال هذا الشاهد تدل على حصول التجمهر ويؤيد ذلك اعتراف المطعون ضدهم الثالث والرابع والخامس بأنهم توجهوا للإستيلاء على الزراعة ومع ذلك فسرت المحكمة حضور المطعون ضدهم إلى الحقل فى الصباح بأنه إنما كان بغرض العمل وهو تصوير لا ترشح له الواقعة. كما أخطأ الحكم لأنه لم يأخذ بشهادة شهود الإثبات فى صدد التجمهر وإنما قال إن الثابت من أقوال مالك الأرض أن واقعة التجمهر مدسوسة لحصول الإبلاغ عنها من قبل وقوع أى اعتداء وغاب عن المحكمة أن مجرد التجمهر مؤثم فى القانون كما التفت الحكم عن أقوال شهود الإثبات فى تهمة القتل العمد بحجة اختلافهم فيمن أصيب أولا أهو القتيل أم غيره من المجنى عليهم وفى الآلة المستعملة وعدد الضربات وموقف الضاربين من المجنى عليه، مع أن اختلاف أقوال الشهود فى بعض التفاصيل لا يعيبها. كما أخطأ الحكم فى نفى تهمة القتل عن المطعون ضدهما الأول والثانى مع أن اشتراكهما فى الحادث ثابت من وجود إصابات بهما لم تفطن إليها المحكمة، كذلك لا محل للاستدلال على نفى هذه التهمة بمقولة أن ثمة صلة من القربى الوثيقة تربط المتهمين بالقتيل وأخيرا أخطأ الحكم حين برأ المتهمين بحبس الطاعن بدعوى انعدام سوء القصد مع أنه يكفى لقيام الجريمة المنصوص عليها فى المادة 280 عقوبات توافر القصد العام. كما استند الحكم فى تبرئة المطعون ضده الأخير إلى أن قرار التحكيم قد برأه من تهمة التحريض على الحبس مع أن هذا القول ليس له أصل فى قرار التحكيم ومن شأن ذلك كله أن يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أنه أورد أدلة سائغة ومقبولة لها أصل فى الأوراق لإثبات أن الثلاثة المتهمين بسرقة الزراعة هم الزارعون للأرض المتنازع عليها بطريق المزارعة مع المالك وبذلك قضى ببراءتهم من تلك التهمة، وفضلا عن ذلك فان الطاعنين المدعيين بالحقوق المدنية لا صفة لهما فيما أثاراه بالنسبة إلى ما قضى به الحكم فى تهمة السرقة لأن ذلك خارج عن نطاق دعواهما المدنية. أما ما ينعاه على الحكم من أنه أخذ بتصوير بعض الشهود دون بعض فمردود بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها دون أن تتقيد فى هذا الشأن بدليل بعينه وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغا ومستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وللمحكمة فى سبيل ذلك أن تجزئ أقوال الشهود فتأخذ بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه دون أن تلتزم ببيان العلة فيما أعرضت عنه من أدلة الثبوت أو أخذت به من أقوال شهود النفى ما دام لقضائها وجه مقبول وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه. وأما النعى على الحكم بأن مجرد التجمهر مؤثم فى القانون فإن ذلك مردود بأنه يشترط لقيام جريمة التجمهر المؤثم بالقانون رقم 10 لسنة 1914 إتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التى وقعت تنفيذا لهذا الغرض، وأن تكون نية الإعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم وأن تكون الجرائم التى ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامى من طبيعة واحدة ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدى إليها السير الطبيعى للأمور وقد وقعت جميعا حال التجمهر. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية قد خلصت إلى عدم قيام الدليل على توافر قصد التجمهر لدى المطعون ضدهم الثمانية الأول إذ أثبتت أن وجودهم بمكان الحادث لم يحصل لأى غرض غير مشروع وعللته بأدلة سائغة ومن ثم فلا يكون للطاعنين بعد ذلك أن يصادرا المحكمة فى معتقدها وبالتالى فإن ما يثار فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا. وأما عن جناية القتل العمد المسندة إلى المطعون ضدهما الأول والثانى فقد أورد الحكم أن الواقعة مشكوك فيها للتناقض بين أقوال شهود الاثبات الثلاثة فى تحديد من الذى أصيب أولا أهو القتيل أم غيره من المجنى عليهم الآخرين إذ إدعى شاهد الإثبات الأول أنه هو بالذات الذى أصيب أولا ثم أصيب بعده القتيل بينما اتفق الشاهدان الآخران فى أن القتيل هو الذى أصيب أولا. كما اختلفوا فى بيان الآلة التى استعملها الضاربان وعدد الضربات وموقفهما من المجنى عليه. وتنعى المدعية بالحق المدنى على الحكم أن اختلاف أقوال الشهود فى بعض التفاصيل لا يعيبها وأن شاهد الإثبات الأول بعد أن اختلف مع الشاهدين الآخرين فى تحقيق النيابة عاد وتطابق معهما. ولما كان ما حصله الحكم له أصله الثابت فى الأوراق وكان عدول الشاهد عن أقواله السابقة لا ينفى وجودها، فإن الحكم يكون صحيحا فيما أثبته من تناقض الشهود لأن له أن يأخذ بقول للشاهد دون قول آخر له ودون أن يبين العلة فى ذلك فمرده اطمئنان المحكمة واقتناعها كما أنها لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، ولأنه من المقرر أنه يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة للقضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية ما دام الظاهر من الحكم أن المحكمة قد أحاطت بالدعوى وألمت بظروفها عن بصر وبصيرة وتكون المنازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت لا تخرج عن كونها جدلا موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض أما عن استطراد المحكمة فى نفى تهمة القتل بمقولة وجود صلة قربى وثيقة تربط المطعون ضدهم بالقتيل فان ما أورده الحكم فى هذا الخصوص لا يعدو أن يكون تزيدا لا يعيبه بعد الذى أثبتته المحكمة من أنه قد داخلتها الريبة فى عناصر الإثبات وبخصوص تبرئة المطعون ضدهما التاسع والعاشر من تهمة القبض على الطاعن الثانى لانتفاء سوء القصد عنهما فإنه يبين من مدونات الحكم أنه قد أورد كافة شروط الفقرة الثانية من المادة 63 عقوبات التى تنفى المسئولية عن الموظف العام إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه، إذ أثبت الحكم حسن نية المطعون ضده التاسع مرتكب الحجز وقال عنه أنه لم يصدر عن هوى فى نفسه وإنما كان يعتقد مشروعيته وأن إجراءه من اختصاصه بصفته قائما بأعمال نقطة الشرطة والمسئول عن الأمن فيها وأنه اضطر إلى ذلك لمنع وقوع جرائم أخرى تتمثل فى أن يقتص الطاعن الثانى من قاتلى أخيه وكان المطعون ضده التاسع قد تثبت وتحرى عن ظروف الحادث من العمدة (المطعون ضده العاشر) وقد علل الحكم اعتقاد المطعون ضده التاسع بضرورة ما فعله من احتجازه الطاعن الثانى بديوان النقطة بأسباب معقولة هى أن للطاعن المذكور من العصبة والقوة ما يمكنه من الإعتداء على قاتلى أخيه. ولما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذا ما انتهى إلى القضاء ببراءة المطعون ضدهما المذكورين من التهمة المسندة إليهما يكون قد أصاب سديد القانون. وأخيرا عما يقوله الطاعن الثانى من أن الحكم استند فى تبرئة العمدة إلى ما ليس له أصل فى قرار التحكيم فانه بفرض أن هذا القرار لم يشر إلى تلك الواقعة فان ما أورده الحكم عنها لا يعدو أن يكون تزيدا لا يعيبه ولا يؤثر فى سلامة استدلاله ما دام أنه قد أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده المذكور على أسباب صحيحة كافية بذاتها فى قوله أنه لم تثبت سوء نيته وأنه يصدق عليه ما يصدق على المتهم السابق. ولما كان ما تقدم جميعه فان الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.