أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثانى - السنة 23 - صـ 848

جلسة 29 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود العمراوى، ومحمود عطيفه، وابراهيم الديوانى، وعبد الحميد الشربينى.

(192)
الطعن رقم 436 لسنة 42 القضائية

(أ، ب، جـ، د، هـ) نصب. جريمة: "أركان الجريمة". شروع. حكم: "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) الطرق الإحتيالية فى جريمة النصب. مثال لتسبيب سائغ على توافرها.
(ب) الطرق الاحتيالية. من العناصر الأساسية المكونة للركن المادى لجريمة النصب. استعمالها يعتبر من الأعمال التنفيذية.
(جـ) الشروع فى جريمة النصب. تحققه بمجرد بدء الجانى فى استعمال وسيلة الاحتيال قبل المجنى عليه. لا يؤثر فيه. كشف المجنى عليه أو تشككه فى أمره وامتناعه عن تسليمه المال.
(د) بيان الحكم مدى تأثير الطرق الاحتيالية على المجنى عليه بالذات وانخداعه بها. غير لازم. ما دامت الجريمة قد وقفت عند حد الشروع لسبب لا دخل لإرادة الجانى فيه. وما دام من شأن تلك الطرق الاحتيالية من شأنها أن تخدع الشخص المعتاد فى مثل ظروف المجنى عليه.
(هـ) إيراد الحكم أن استعمال الطرق الاحتيالية كان من شأنه الإيهام بمشروع كاذب. لا يعيبه. ما دامت الواقعة كما أثبتها - والتى لا ينازع فيها الطاعن - من شأنها الإيهام بواقعة مزورة.
(و، ز) محكمة الموضوع: "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض: "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم: "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(و) قيمة الدليل. تقدرها محكمة الموضوع. ولو حملته ورقة رسمية.
(ز) الجدل أمام محكمة النقض حول سلطة محكمة الموضوع فى تقدير الدليل. لا يجوز.
1 - متى كان الحكم قد أيقن بأن الطاعن لم يكن يبتغى منذ البداية الوفاء الكامل بالمبلغ الذى اتفق عليه مع المجنى عليه ثمنا لبيعه سيارة وأنه استعان بحقيبة أورى أنها ملأى بأوراق نقدية تعادل كامل الثمن بما يعتبر من قبيل المظاهر الخارجية التى تساعد على حمل المجنى عليه على تصديق تلك الإدعاءات والتى ترقى بالكذب إلى مرتبة الطرق الإحتيالية الواجب تحققها فى جريمة النصب، وقد تمكن بما استعمله من طرق إحتيالية من الحصول على توقيع المجنى عليه على عقد بيع السيارة أمام موثق الشهر العقارى بما تضمنه هذا العقد من أن المجنى عليه أقر بقبضه الثمن كاملا، وبعد أن حصل الطاعن على هذا العقد بهذه الصورة استمسك به قبل المجنى عليه وطالبه بتسليم السيارة. ولما كان حصول الطاعن على العقد قد جاء نتيجة ما اتخذه من طرق احتيالية وكان يرمى من الحصول عليه الإستيلاء على السيارة منه دون الوفاء بكامل ثمنها المتفق عليه - فإن ما يثيره الطاعن فى شأن عدم توافر الطرق الاحتيالية يكون غير سديد.
2 - من المقرر أن الطرق الاحتيالية من العناصر الأساسية الداخلة فى تكوين الركن المادى لجريمة النصب وأن استعمال الجانى إياها يعد من الأعمال التنفيذية.
3 - يتحقق الشروع فى جريمة النصب بمجرد بدء الجانى فى استعمال وسيلة الاحتيال قبل المجنى عليه حتى ولو فطن الأخير إلى إحتيال الجانى فكشفه أو داخلته الريبة فى صدق نواياه فامتنع عن تسليمه المال.
4 - المحكمة ليست ملزمة ببيان مدى تأثير الطرق الإحتيالية على المجنى عليه بالذات وانخداعه بها ما دام أن الجريمة قد وقفت عند حد الشروع وما دامت الطرق الإحتيالية التى استعملها الجانى من شأنها أن تخدع الشخص المعتاد فى مثل ظروف المجنى عليه وما دام أن الجريمة قد خاب أثرها - لسبب لا دخل لإرادة الجانى فيه.
5 - لا يقدح فى سلامة الحكم ما أورده من أن استعمال الطاعن الطرق الإحتيالية كان من شأنه الإيهام بوجود مشروع كاذب ما دام الطاعن لا ينازع فيما أورده الحكم فى مدوناته بيانا لواقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها، وجاءت مجادلته مقصورة على ما استخلصه الحكم منها، وما دامت الواقعة الثابتة بالمدونات من شأنها الإيهام بواقعة مزورة وهى إحدى الطرق الإحتيالية التى أوردتها المادة 336 من قانون العقوبات.
6 - من المقرر أن تقدير قيمة الدليل ولو حملته ورقة رسمية هو مما يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
7 - متى كان ما يثيره الطاعن ينحل إلى جدل موضوعى حول سلطة محكمة الموضوع من تقدير الأدلة القائمة فى الدعوى، فإنه لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يومى 17 و19 سبتمبر سنة 1968 بقسمى الدقى والمعادى محافظتى القاهرة والجيزة: شرع فى الإستيلاء على السيارة المبينة بالتحقيقات والمملوكة..... وكان ذلك بطريق الإحتيال. وطلبت عقابه بالمادة 336 من قانون العقوبات. وادعى...... مدنيا بمبلغ 51 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة حلوان الجزئية قضت حضوريا عملا بمادة الإتهام بتغريم المتهم عشرة جنيهات عن كل تهمة وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى تعويضا مؤقتا قدره 51 جنيه والمصاريف ومائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة فاستأنف المتهم هذا الحكم فى 16 مايو سنة 1970 واستأنفته النيابة فى 11 يونيه سنة 1970 وقيد إستئنافهما برقم 1071 سنة 1970. ومحكمة القاهرة الإبتدائية - بهيئة إستئنافية - قضت غيابيا بقبول إستئناف النيابة والمتهم شكلا وفى الموضوع وبإجماع الأراء بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به عن التهمة الأولى وحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة 20 جنيه لإيقاف التنفيذ وتأييده فى الدعوى المدنية وألزمته مصاريف إستئنافها وإلغاء الحكم فيما قضى به بالنسبة للتهمة الثانية وعدم إختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لهذه التهمة بلا مصاريف جنائية. عارض المتهم وقضى فى معارضته بقبولها شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه فيما قضى به من عقوبة الحبس والإكتفاء بتغريم المتهم عشرة جنيهات وتأييده فيما عدا ذلك وبلا مصاريف جنائية. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

بعد تلاوة التقرير وسماع المرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الشروع فى نصب قد شابه الفساد فى الاستدلال والخطأ فى تطبيق القانون ذلك بأن الطاعن بنى دفاعه على عدم توافر الطرق الاحتيالية وكان ما أورده الحكم للتدليل على توافرها لا يؤدى إلى ما رتبه الحكم عليه فلم يبين مدى تأثير حمل الطاعن حقيبة قيل بأن بها نقودا للمجنى عليه، هذا وقد بين القانون فى المادة 336 من قانون العقوبات الطرق الإحتيالية على سبيل الحصر وأدان الحكم الطاعن عن الاتهام بوجود مشروع كاذب مع أن واقعة الشراء المزعومة لا تعد كذلك فضلا عن أن ما صدر من الطاعن - بفرض وقوعه - لا يجاوز الأعمال التحضيرية التى لا ترقى إلى مرتبة الشروع، كما أن الحكم اعتبر خطأ أن ما أثبت فى عقد بيع السيارة الموثق من وفاء الطاعن الثمن ليس دليلا على ذلك قولا منه بأن هذا العقد لم يعد لإثبات قبض الثمن بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بقوله:
"وحيث إنه لما كان الثابت من أقوال المدعى المدنى التى تأيدت بأقوال صهره محمد على ثابت أن المتهم (الطاعن) بعد أن عاين السيارة واتفق معه على أن يشتريها بمبلغ 3250 ج حدد معه موعدا فى اليوم التالى بمحل استرا لاتخاذ إجراءات التوثيق وحضر المتهم وكان يحمل حافظة مكتظة بالأوراق المالية وعمد إلى إيهامه بأنها تحتوى كامل الثمن وأنهم توجهوا إزاء ذلك إلى مكتب التوثيق حيث تولى المتهم، اتخاذ إجراءات تحرير العقد تمهيدا للتوقيع عليه وأنه كلما طلب المدعى المدنى وصهره من المتهم سداد الثمن كان يتظاهر بالإنشغال فى اتخاذ الإجراءات خشية انتهاء يوم العمل الحكومى واهما إياه بوجود المبلغ بالحافظة وأثر ذلك قام المدعى المدنى صحبة المتهم وتم توثيق العقد ثم انصرفا مع صهر الأول متجهين إلى إدارة المرور لنقل الرخصة فطالب المدعى المدنى المتهم بالثمن فحاول استمهاله وعندما أصر أخرج له المتهم مبلغا من الحافظة تبين أنه عبارة عن مبلغ سبعمائة وخمسين جنيها فقط ولما استفسره عن سداد الباقى أفاده بأنه بمنزله وخشى إحضاره خوفا من فقده وإذ توجهوا إلى إدارة مرور مصر القديمة تبين أنها غير مختصة مما ترتب عليه تأجيل الإجراءات لليوم التالى وأثناء السير فى الطريق طلب المتهم استلام السيارة إلا أن المدعى المدنى رفض ذلك حتى يسلمه المتهم باقى الثمن فضرب له الأخير ميعادا للسداد فى منزل المدعى المدنى إلا أن المدعى المدنى داخله الشك فقام بإبلاغ الشرطة بالواقعة إلا أنه فوجئ بعد ذلك بادعاء المتهم سداد الثمن وقد نفى المدعى المدنى ما أثبت بالعقد من استلامه الثمن ولم تسفر التحقيقات عن نسبة التوقيع المذيل به عبارة أن الثمن دفع نقدا الواردة بالعقد لشخص معين" ثم أطرح الحكم ما تضمنه العقد الموثق عن الوفاء بالثمن كاملا - وهو ما اعتمد عليه الطاعن فى تأييد دفاعه - باعتبار أن المجنى عليه كان ضحية ما انخدع به من وجود كامل الثمن بالحقيبة التى يحملها الطاعن وأن إقرار المجنى عليه بتسلم الثمن - على فرض صحته - إنما جاء نتيجة الوسائل الاحتيالية التى استعملها الطاعن. واستطرد الحكم إلى القول بأن العقد الموثق - الذى يدور عليه دفاع الطاعن الجوهرى - لم يعد لإثبات واقعة دفع الثمن ذاتها وإنما أعد لإثبات صحة التوقيع وأنه قد استقر فى يقين المحكمة أن سلوك الطاعن الإجرامى استهدف تحقيق تلك النتيجة وهى التوقيع على العقد من جانب المدعى بالحقوق المدنية دون أداء كامل الثمن وأن الطاعن استعان لتأييد أقواله الكاذبة بأعمال خارجية هى حمله حقيبة تحوى نقودا زعم أنها عبارة عن كامل الثمن وما أن تحقق له توقيع المجنى عليه على عقد البيع أمام الموثق منخدعا بتلك المظاهر حتى تنكر له مدعيا أداء كامل الثمن. لما كان ذلك وكان ما استخلصه الحكم فيما سلف سائغ ويتوافر به جريمة الشروع فى نصب التى دان الطاعن بها، ذلك بأن الحكم قد أيقن بأن الطاعن لم يكن يبتغى منذ البداية الوفاء الكامل بالمبلغ الذى اتفق عليه مع المجنى عليه ثمنا لبيعه سيارته وأنه استعان بحقيبة أورى أنها ملأى بأوراق نقدية تعادل كامل الثمن بما يعتبر من قبيل المظاهر الخارجية التى تساعد على حمل المجنى عليه على تصديق تلك الادعاءات والتى ترقى بالكذب إلى مرتبة الطرق الاحتيالية الواجب تحققها فى جريمة النصب، وقد تمكن بما استعمله من طرق احتيالية من الحصول على توقيع المجنى عليه على عقد بيع السيارة أمام موثق الشهر العقارى بما تضمنه هذا العقد من أن المجنى عليه أقر بقبضه الثمن كاملا، وبعد أن حصل الطاعن على هذا العقد بهذه الصورة استمسك به قبل المجنى عليه وطالبه بتسليم السيارة ولما كان حصول الطاعن على العقد قد جاء نتيجة ما اتخذه من طرق احتيالية وكان يرمى من الحصول عليه الاستيلاء على السيارة منه دون الوفاء بكامل ثمنها المتفق عليه، وكان تقدير قيمة الدليل ولو حملته ورقة رسمية مما يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع فإذا كانت المحكمة فى صورة الدعوى قد استخلصت ما سلف وهو استخلاص سائغ فإنه لا يجوز مصادرتها فيه. لما كان ذلك، وكانت الطرق الاحتيالية من العناصر الأساسية الداخلة فى تكوين الركن المادى لجريمة النصب وكان استعمال الجانى إياها يعد من الأعمال التنفيذية وكان الشروع فى جريمة النصب يتحقق كما هى الحال فى هذه الدعوى بمجرد بدء الجانى فى استعمال وسيلة الاحتيال قبل المجنى عليه حتى ولو فطن الأخير إلى احتيال الجانى فكشفه أو داخلته الريبة فى صدق نواياه فامتنع عن تسليمه المال والمحكمة ليست ملزمة ببيان مدى تأثير الطرق الاحتيالية على المجنى عليه بالذات وانخداعه بها ما دام أن الجريمة قد وقفت عند حد الشروع وما دامت الطرق الاحتيالية التى استعملها الجانى من شأنها أن تخدع الشخص المعتاد فى مثل ظروف المجنى عليه وما دام أن الجريمة قد خاب أثرها لسبب لا دخل لإرادة الجانى فيه. لما كان ذلك، فإنه لا يقدح فى سلامة الحكم المطعون فيه ما أورده من أن استعمال الطاعن الطرق الاحتيالية كان من شأنه الايهام بوجود مشروع كاذب ما دام الطاعن لا ينازع فيما أورده الحكم فى مدوناته بيانا لواقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها، وجاءت مجادلته مقصورة على ما استخلصه الحكم منها، وما دامت الواقعة الثابتة بالمدونات من شأنها الإيهام بواقعة مزورة وهى إحدى الطرق الاحتيالية التى أوردتها المادة 336 من قانون العقوبات. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وكان جميع ما يثيره الطاعن ينحل إلى جدل موضوعى حول سلطة محكمة الموضوع فى تقدير الأدلة القائمة فى الدعوى مما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا مع مصادرة الكفالة عملا بالمادة 36 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.