أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
السنة 53 - الجزء 1 - صـ 266

جلسة 10 من فبراير سنة 2002

برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم الطويلة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فؤاد شلبى، حامد مكى، فتحى حنضل نواب رئيس المحكمة ومجدى مصطفى.

(49)
الطعن رقم 1669 لسنة 71 القضائية

(1-10) قضاة "مخاصمة القضاة". تعويض. مسئولية. محاماة. وكالة. دعوى. نقض.
(1) إناطة المشرع بالجمعية العامة لكل محكمة ترتيب وتأليف دوائرها. إلزامه رئيس محكمة الاستئناف بعرض دعوى المخاصمة على إحدى هذه الدوائر. اقتصار التزامه على مجرد الاحالة على دائرة قائمة من تلك التى مارست الجمعية العامة للمحكمة اختصاصها فى إنشاءها وتشكيلها. ممارسته فى ذلك عملاً تنظيمياً فرضه القانون وليس عملاً قضائياً. مؤداه. عدم مخالفته قواعد التقاضى أو الاخلال بها. المواد 30 من القرار بقانون رقم 46 لسنة 1973 بشأن السلطة القضائية، 495، 499 مرافعات.
(2) ولاية القضاء. عدم استقامتها لصاحبها إلا أن يأمن جور الناس وتدخل السلطان. تحقق ذلك باستقلاله فيما يعرض عليه من دعاوى عن أى تدخل تفرضه جماعة أو فرد يوحى به رأى يؤثر فى وجدانه أو ينحرف بحيدته عن جادة الصواب. مؤداه. وجوب احاطته بسياج من القواعد والأحكام التى تفرض على ان ابتغى مخاصمته سلوكها. علة ذلك.
(3) مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة. اقتصارها على الحالات المنصوص عليها حصراً بالمواد 494 حتى 500 مرافعات. عدم تقيدها بالقواعد العامة لإجراءات التقاضى سواء بالنسبة لتشكيل المحكمة التى تنظرها ودرجة التقاضى المقررة لها أو الطلبات الجائز للخصوم إبداؤها وما يجوز للمحكمة التعرض له من تلقاء نفسها. نطاقها. اقتصاره على الأعمال القضائية التى يقوم بها القاضى دون غيرها. علة ذلك. ألا تكون المخاصمة سبيلاً لحصار القاضى فى كل ما يتصل بتصرفاته.
(4) إقامة الطاعن دعوى المخاصمة ضد المطعون ضدهم عدا الأخير على سند من استعمالهم سلطة وظيفتهم باعتبارهم رئيس وأعضاء اللجنة المؤقتة للنقابة العامة للمحامين فى وقف والامتناع عمداً والتأخير عن تنفيذ الحكم الاستئنافى بإلغاء القرار السلبى للجنة قبول المحامين بالنقابة العامة للمحامين برفض قيده. خروج هذا الفعل عن نطاق الأعمال القضائية. أثره. عدم جواز قبول دعوى المخاصمة. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح. النعى عليه بتوافر حالات المخاصمة وإغفاله بحث مستندات الطاعن وأوجه دفاعه. غير منتج.
(5) مباشرة المحامى للدعوى بتكليف من ذوى الشأن قبل صدور توكيل له منهم. عدم تأثيره على سلامة الإجراءات التى يتخذها فيها. الاستثناء. انكار صاحب الشأن توكيله للمحامى.
(6) إبداء المحامى الحاضر عن المخاصم الأول شفاهة طلباً عارضاً بإلزام الطاعن بالتعويض فى حضور الأخير. عدم إنكار المطعون ضده الأول على المحامى ذلك. تعويل المحكمة على هذا الطلب وقضاؤها فى موضوعه. صحيح.
(7) نعى الطاعن على الحكم بدفاع لا صفة له فى إبدائه. غير مقبول.
(8) نعى الطاعن قصر الحكم قضاءه بالتعويض على المطعون ضده الأول دون باقى المطعون ضدهم. انتفاء صفته فى إبدائه. أثره. عدم قبوله.
(9) تخصيص المشرع القضاة وأعضاء النيابة بإجراءات حددها لمخاصمتهم ضمنها قانون المرافعات. عدم خروجه فيما رخصه للمخاصم من حق فى التعويض عن القواعد المقررة لجبر الضرر عن الانحراف فى استعمال حق التقاضى والدفاع. التعويض فى هذه الحالة. شرطه. أن ينأى الخصم باستعمال حق التقاضى والدفاع. التعويض فى هذه الحالة. شرطه. أن ينأى الخصم باستعمال هذا الحق عن كونه سبيلاً لدرء خطر أو تحقيقاً لمصلحة مشروعة إلى ابتغاء الإضرار بخصمه. علة ذلك.
(10) طلب المخاصم الأول الحكم له بالتعويض عن إساءة استعمال حق التقاضى. بحث الحكم المطعون فيه هذا الطلب مبيناً عناصر التعويض التى ساءل الطاعن عنها كاشفاً عن انحرافه عن الحق المباح ابتغاء الإضرار بالمخاصم مستنداً إلى أسباب لها معينها بالأوراق وتؤدى لما انتهى إليه. النعى عليه بالفساد فى الاستدلال. نعى على غير أساس.


1- إن النص فى المادة 30 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية على "تجتمع محكمة النقض وكل محكمة استئناف أو محكمة ابتدائية بهيئة جمعية عامة للنظر فيما يلى: - أ - ترتيب وتأليف الدوائر وتشكيل الهيئات....." وفى المادة 495 من قانون المرافعات على أن "ترفع دعوى المخاصمة بتقرير فى قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضى أو عضو النيابة..... وتعرض الدعوى على إحدى دوائر محكمة الاستئناف بأمر من رئيسها...." وفى المادة 499 من ذات القانون على أن "يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى من تاريخ الحكم بجواز قبول المخاصمة" يدل على أن المشرع ناط بالجمعية العامة لكل محكمة ترتيب وتأليف دوائرها وأوجب على رئيس محكمة الاستئناف عرض دعوى المخاصمة على إحدى هذه الدوائر لنظرها. وهو فى ذلك لا ينشئ دائرة خاصة لنظر الدعوى أو يغير من تشكيلها الذى كانت عليه وإنما يقتصر التزامه على مجرد الإحالة على دائرة قائمة من تلك التى مارست الجمعية العامة للمحكمة اختصاصها فى إنشائها وتشكيلها، وهو فى ذلك إنما يمارس عملاً تنظيميا فرضه القانون عليه وليس عملاً قضائياً لا يحول دون صلاحية القاضى له - إن صح - إلا صدور الحكم بجواز قبول المخاصمة. ومن ثم يكون أمر رئيس محكمة الاستئناف بعرض دعوى الطاعن على إحدى دوائر المحكمة أمراً تنظيمياً استوجبه القانون وليس فيه ما يخالف قواعد التقاضى أو يخل بها.
2 - إن القضاء ولاية لا تستقيم لصاحبها إلا أن يأمن جور الناس وتدخل السلطان ولا يتحقق له ذلك بغير استقلاله فيما يعرض عليه من دعاوى عند أى تدخل تفرضه جماعة أو فرد أو يوحى به رأى يؤثر فى وجدانه أو ينحرف بحيدته عن جادة الصواب، ولا يكون له هذا الاستقلال إلا أن يحاط بسياج من القواعد والأحكام التى تفرض على من ابتغى مخاصمته أن يسلكها حتى تتحطم معها سهام الجور وسوء القصد وعلى ذلك ورد النص فى الدستور على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون.
3- فرض المشرع فيما تضمنه الباب الثانى من الكتاب الثالث من قانون المرافعات أحكام مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة فى المواد من 494 حتى 500 مستوجباً أن تكون المخاصمة قاصرة على الحالات التى حددها على سبيل الحصر وأن يتم التقرير بها ونظر دعواها طبقاً لإجراءات فرضها وضمانات ارتآها وقواعد سنها لا تتقيد فى الكثير منها مع القواعد العامة لإجراءات التقاضى سواء من حيث تشكيل المحكمة التى تنظر الدعوى أو درجة التقاضى المقررة لها أو الطلبات الجائز للخصوم إبداؤها وما يجوز للمحكمة أن تتعرض له من تلقاء نفسها. وفرض المخاصمة على تعلق سببها بما يقوم به القاضى من أعمال قضائية فلا يتسع نطاقها لغير ذلك مما يباشرة خارج هذا النطاق وإلا كانت المخاصمة سبيلاً لحصار القاضى فى كل ما يتصل بتصرفاته وينقلب القصد من الحماية إلى الاستباحة فيضيع الأمان وينمحى الاستقلال.
4- إذ كان يبين من الأوراق أن الطاعن أقام دعوى المخاصمة ضد المطعون ضدهم لما نسبه لخمستهم الأول أنهم باعتبارهم رئيس وأعضاء فى اللجنة المؤقتة للنقابة العامة للمحامين استعملوا سلطة وظيفتهم فى وقف تنفيذ والامتناع عمداً والتأخير عن تنفيذ الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 25/ 5/ 1988 فى الدعوى.... لسنة..... ق بإلغاء القرار السلبى الصادر من اللجنة قبول المحامى بالنقابة العامة للمحامين برفض قيده وهو فعل - إن صح - يخرج عن نطاق الأعمال القضائية التى حصر المشرع فيها نطاق المخاصمة موازنة بين ضمانات القاضى وبين طمأنة التقاضى فلا يجوز للطاعن أن يسلك سبيلها فى غير ما شرعت له فإن هو فعل كان لزاماً القضاء فى دعواه بعدم جواز قبولها وإن التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعى بتوافر حالات المخاصمة وإغفال الحكم بحث مستندات قدمها الطاعن وأوجه دفاع تؤيد دعواه - أيا كان وجه الرأى فيه - غير منتج.
5 - إن المقرر فى قضاءه هذه المحكمة أن مباشرة المحامى للدعوى بتكليف من ذوى الشأن قل صدور توكيل له منهم بذلك لا يؤثر فى سلامة الإجراءات التى يتخذها فيها إلا إذا أنكر صاحب الشأن توكيله لذلك المحامى.
6 - إذ كان الثابت من مطالعة محضر جلسة 5/ 6/ 2000 أن المحامى الحاضر عن المخاصم الأول أبدى شفاهة بصفته هذه طلباً عارضاً بإلزام الطاعن بالتعويض فى حضور الأخير طبقاً للإجراءات التى رسمها القانون وهو ما لم ينكره عليه المطعون ضده الأول ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هى عولت على هذا الطلب وقضت فى موضوعه.
7 - إذ كان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبل النعى على الحكم بدفاع لا صفة للطاعن فى إبدائه.
8 - أن نعى الطاعن قصر الحكم قضاءه بالتعويض على المطعون ضده الأول دون الباقين وقد انتفت صفته فيه يكون غير مقبول.
9 - إن كان المشرع قد خص القضاة وأعضاء النيابة بإجراءات حددها لمخاصمتهم ضمنها مواد الباب الثانى من الكتاب الثالث من قانون المرافعات ونص فى المادة 494/ 1 منها على أنه "إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكمت على الطالب بغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على ألفى جنيه ومصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجه...." إلا أنه لم يخرج فيما رخصه للمخاصم من حق فى التعويض عن تلك القواعد التى قررها لجبر الضرر الذى يلحق بمن كانت مقاضاته انحرافاً من خصمه فى استعمال حق التقاضى والدفاع فينأى به عن كونه سبيلاً لدرء خطر أو تحقيقاً لمصلحة مشروعة إلى تسخيره حقاً يراد به باطل وسهما يرمى به خصيمه فيصيب منه بقدر ما غنم به من حق أو يكشف به عن لدد فى خصومته ابتغاء الإضرار به، فتهون النفس بقدر ما يلحقها من مهانة, وتعيا الهمة بقدر ما يصيبها من وهن، ويكون التعويض على من حقت مساءلته عنه فرجة كرب لمن استحق إبداءه إليه، حتى لنفسه يقينها فى أن الباطل لا محالة زاهق، وأن الحق مرهون بساعته يسعى إلى صاحبه بقدر سعى صاحبه إليه، وأن كانت أقدار الناس تتعالى بقدر ما تضفيه الأمة على بنيها من إجلال وتقدير وما يفرضه الشارع لها من مهابة وتعظيم، فإن القاضى وهو سبيل الناس لترسيخ العدل بينهم وتوكيد الحقوق لأصحابها ورفع الظلم عمن حاق به جور الكائدين لهو أحق الناس فى أن يصان من غبن الناس وأكثرهم حاجة لأن تبقى صفحاته بيضاء ناصعة لا يشوبها لمم ولا تلوكها ألسنة ولا يحجبه لدد الكيد وسوء القصد.
10 - إذ كان الحكم المطعون فيه وهو بصدد بحث طلب المخاصم الأول الحكم له بالتعويض عن إساءة الطاعن استعمال حق التقاضى تناول ما نعته به الأخير فى سطور تقرير مخاصمته من صفات وما رماه من إساءات ثم عرج على بيان وجه الضرر الذى ألم به وعناصر التعويض التى ساءل الطاعن عنها كاشفاً عن انحرافه عن الحق المباح ابتغاء الأضرار بالمخاصم مستنداً فى ذلك إلى أسباب سائغة لها معينها فى الأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن واقعات الطعن تخلص حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق فى أن الطاعن خاصم المطعون ضدهم - عدا الأخير- بتقرير أودعه قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة فى 1/ 4/ 2000 - وقيد برقم.... لسنة 117 ق طالباً الحكم بقبول الدعوى وتعلق أوجه المخاصمة بها وبإلزام المتخاصمين ووزير العدل بتعويض عن كل يوم اعتباراً من 8/ 11/ 1999 مقداره 500 جنيه وحتى تاريخ صدور الحكم مع فائدة 4% حتى السداد بخلاف ما استحق ويستحق عن إيقافه والامتناع عن تنفيذ رفع الإيقاف منذ إعلان السند التنفيذى فى 25/ 7/ 1998 - وفرض غرامة تهديدية- على سند من أن المستشارين المخاصمين بصفاتهم رئيس وأعضاء اللجنة المؤقتة للنقابة العامة للمحامين المتولين اختصاصات النقيب ومجلس النقابة طبقاً للقانون 100 لسنة 1993 استعملوا سلطة وظيفتهم فى وقف تنفيذ والامتناع عمداً والتأخير فى تنفيذ الحكم الصادر له بتاريخ 25/ 5/ 1998 من محكمة استئناف القاهرة فى الدعوى.... لسنة 112 ق والذى قضى بإلغاء القرار السلبى الصادر من لجنة قبول المحامين بالنقابة العامة للمحامين برفض قيد الطاعن رغم أنه أنذرهم مراراً آخرها فى 1/ 3/ 2000 بوجوب التنفيذ، مما ترتب عليه الإضرار به وأسرته مادياً وأدبياً.
أدعى المخاصم ضده الأول فرعياً طالباً الحكم على المخاصم بمبلغ 5000 جنيه تعويضاً عن الضرر الناجم عن إساءة الطاعن لحق التقاضى والدفاع وحكمت المحكمة بتاريخ 14/ 2/ 2001 بعدم جواز قبول دعوى المخاصمة وتغريم المخاصم 1000 جنيه وبإلزامه بأن يؤدى للمطعون ضده الأول عشرة آلاف جنيه. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الر أى بنقض الحكم نقضاً جزئياً - فيما قضى به من إلزام الطاعن بالتعويض - عرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه البطلان وفى بيان ذلك يقول إن المطعون ضده الأول بصفته رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة أحال تقرير المخاصمة بأمر منه على الدائرة التى أصدرت الحكم المطعون فيه مختاراً بذلك قاضيه وهو ما يبطل الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعى بهذا السبب غير سديد، ذلك أن النص فى المادة 30 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية على أن "تجتمع محكمة النقض وكل محكمة استئناف أو محكمة ابتدائية بهيئة جمعية عامة للنظر فيما يلى: - أ - ترتيب وتأليف الدوائر وتشكيل الهيئات.....". وفى المادة 495 من قانون المرافعات على أن "ترفع دعوى المخاصمة بتقرير فى قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضى أو عضو النيابة..... وتعرض الدعوى على إحدى دوائر محكمة الاستئناف بأمر من رئيسها...." وفى المادة 499 من ذات القانون على أن "يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى من تاريخ الحكم بجواز قبول المخاصمة" يدل على أن المشرع ناط بالجمعية العامة لكل محكمة ترتيب وتأليف دوائرها وأوجب على رئيس محكمة الاستئناف عرض دعوى المخاصمة على إحدى هذه الدوائر لنظرها. وهو فى ذلك لا ينشئ دائرة خاصة لنظر الدعوى أو يغير من تشكيلها الذى كانت عليه وإنما يقتصر التزامه على مجرد الإحالة على دوائر قائمة من تلك التى مارست الجمعية العامة للمحكمة اختصاصها فى إنشائها وتشكيلها، وهو فى ذلك إنما يمارس عملاً تنظيميا فرضه القانون عليه وليس عملاً قضائياً لا يحول دون صلاحية القاضى له - إن صح - إلا صدور الحكم بجواز قبول المخاصمة. ومن ثم يكون أمر رئيس محكمة الاستئناف بعرض دعوى الطاعن على إحدى دوائر المحكمة أمراً تنظيمياً استوجبه القانون وليس فيه ما يخالف قواعد التقاضى أو يخل بها على نحو ما سلف بيانه ويكون النعى بذلك قائماً على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وفى بيان ذلك يقول إن الحكم أسس قضاءه بعدم جواز قبول المخاصمة على المهام التى أسندها القانون 100 لسنة 93 للمطعون ضدهم عدا الأخير ليست مهاماً قضائية حال أن المخاصمة نظام تتقرر به مسئولية القاضى إذا انحرف عن واجبات وظيفته دون تخصيص أو تقييد، كما خلا الحكم من بيان ودلالة حكم المهام الموكولة له للمخاصمين بموجب ذلك القانون عدا وصفه لها "بمهام مهنية" أو موجبات اعتبارها مهاماً غير قضائية، ورغم أن معيار جواز قبول المخاصمة هو شخص المختصم وليس مهامه فقد أغفل الحكم أثر ما قدمه من مستندات تكشف عن خطأ المطعون ضده الأول فى تعمده إيقاف تنفيذ الحكم النهائى الصادر لصالحه ضد نقابة المحامين والذى أقر المطعون ضده الثانى بأن تأشير المخاصم الأول بتنفيذ هذا الحكم معلق على توافر شرائط القيد بما يعد إقراراً بالتعرض لحجية الحكم غير جائز قانوناً وتتوافر به أولى أوجه المخاصمة طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 494 مرافعات فضلا عن إنكار المتخاصمين للعدالة وتحقق مسئوليتهم عن أفعالهم تلك طبقاً للقانون بما يتوافر به أوجه المخاصمة للعدالة وتحقق مسئوليتهم عن أفعالهم تلك طبقاً للقانون بما يتوافر به أوجه المخاصمة التى أوردتها المادة سالفة الذكر وأعرضت المحكمة عن بحث آخر حالاتها مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله ذلك أنه لما كان القضاء ولاية لا تستقيم لصاحبها إلا أن يأمن جور الناس وتدخل السلطان ولا يتحقق له ذلك بغير استقلاله فيما يعرض عليه من دعاوى عند أى تدخل تفرضه جماعة أو فرد أو يوحى به رأى يؤثر فى وجدانه أو ينحرف بحيدته عن جادة الصواب، ولا يكون له هذا الاستقلال إلا أن يحاط بسياج من القواعد والأحكام التى تفرض على من ابتغى مخاصمته أن يسلكها حتى تتحطم معها كل سهام الجور وسوء القصد وعلى ذلك ورد النص فى الدستور على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون وفرض المشرع فيما تضمنه الباب الثانى من الكتاب الثالث من قانون المرافعات أحكام مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة فى المواد من 494 حتى 500 مستوجباً أن تكون المخاصمة قاصرة على الحالات التى حددها على سبيل الحصر وأن يتم التقرير بها ونظر دعواها طبقاً لإجراءات فرضها وضمانات ارتآها وقواعد سنها لا تتقيد فى الكثير منها مع القواعد العامة لإجراءات التقاضى سواء من حيث تشكيل المحكمة التى تنظر الدعوى أو درجة التقاضى المقررة لها أو الطلبات الجائز للخصوم إبداؤها وما يجوز للمحكمة أن تتعرض له من تلقاء نفسها. وفرض المخاصمة على تعلق سببها بما يقوم به القاضى من أعمال قضائية فلا يتسع نطاقها لغير ذلك مما يباشرة خارج هذا النطاق وإلا كانت المخاصمة سبيلاً لحصار القاضى فى كل ما يتصل بتصرفاته وينقلب القصد من الحماية إلى الاستباحة فيضيع الأمان وينمحى الاستقلال، لما كان ما تقدم وكان يبين من الأوراق أن الطاعن أقام دعوى المخاصمة ضد المطعون ضدهم لما نسبه لخمستهم الأول أنهم باعتبارهم رئيساً وأعضاء فى اللجنة المؤقتة للنقابة العامة للمحامين استعملوا سلطة وظيفتهم فى وقف تنفيذ والامتناع عمداً والتأخير عن تنفيذ الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 25/ 5/ 1988 فى الدعوى..... لسنة 112 ق بإلغاء القرار السلبى الصادر من لجنة قبول المحامين بالنقابة العامة للمحامين برفض قيده وهو فعل - إن صح - يخرج عن نطاق الأعمال القضائية التى حصر المشرع فيها نطاق المخاصمة موازنة بين ضمانات القاضى وبين طمأنة التقاضى فلا يجوز للطاعن أن يسلك سبيلها فى غير ما شرعت له فإن هو فعل كان لزاماً القضاء فى دعواه بعدم جواز قبولها وإن التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعى بتوافر حالات المخاصمة وإغفال الحكم بحث مستندات قدمها الطاعن وأوجه دفاع تؤيد دعواه - أيا كان وجه الرأى فيه - غير منتج ويضحى النعى برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون إذ قضى بقبول دعوى المخاصم الأول بطلب الحكم بالتعويض حال أن المحامى الذى قرر بذلك بالجلسة لم يقدم سند وكالته الذى يجيز له ذلك مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أنه لما كان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مباشرة المحامى للدعوى بتكليف من ذوى الشأن قبل صدور توكيل له منهم بذلك لا يؤثر فى سلامة الإجراءات التى يتخذها فيها إلا إذا أنكر صاحب الشأن توكيله لذلك المحامى. وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة 5/ 6/ 2000 أن المحامى الحاضر عن المخاصم الأول أبدى شفاهة بصفته هذه طالباً عارضاً بإلزام الطاعن بالتعويض فى حضور المحامى طبقاً للإجراءات التى رسمها القانون وهو ما لم ينكره عليه المطعون ضده الأول ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هى عولت على هذا الطلب وقضت فى موضوعه مما يضحى معه النعى على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثانى من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان يقول إن الحكم قصر قضاءه بالتعويض على المطعون ضده الأول دون باقى المخاصمين رغم قضاءه بعدم جواز المخاصمة بالنسبة لهم جميعاً.
وحيث إن هذا النعى غير مقبول، ذلك أنه لما كان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبل النعى على الحكم بدفاع لا صفة للطاعن فى إبدائه فإن نعى الطاعن قصر الحكم قضاءه بالتعويض على المطعون ضده الأول دون الباقين وقد انتقلت صفته فيه يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد فى الاستدلال. وفى بيانه يقول إنه لجأ إلى قاضيه الطبيعى استعمالاً لحق خوله القانون له يدرأ به عن نفسه عنت خصومه ويقتضى به حقاً مشروعاً، وضمن سطور دفاعه عبارات نقلت حروفها عن مدونات أحكام نطق بها قضاة، دون أن يتجاوز قصده اقتضاء حقه، إلا أن الحكم وصم نيته بالسوء وعاب على دفاعه تجاوز مقتضى طلباته مناقضاً بذلك واقع الحال ومستلا بلا مسوغ من قصر دعواه على القضاة من أعضاء اللجنة المؤقتة للنقابة دون غيرهم من المحامين وبدرايته بأحكام القانون ثم عدم إمهاله اللجنة لبحث طلبه الذى تأشر عليه من المطعون ضده الأول بعرضه عليها - دليلاً على خطئه حال أن هذا الذى نسبه الحكم إليه لا يقوم به إثم لا يترتب عليه ضرر ولا يرتبط فيه الإثم بالضرر بثمة ما يحمل أحدهما على الآخر مما تنتفى معه مسئوليته عن التعويض ويوصم الحكم بفساد الاستدلال بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود، وذلك أنه وإن كان المشرع قد خص القضاة وأعضاء النيابة بإجراءات حددها لمخاصمتهم ضمنها مواد الباب الثانى من الكتاب الثالث من قانون المرافعات ونص فى المادة 494/ 1 منها على أنه "إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكمت على الطالب بغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على ألفى جنيه ومصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجه....." إلا أنه لم يخرج فيما رخصه للمخاصم من حق فى التعويض عن تلك القواعد التى قررها لجبر الضرر الذى ليحق بمن كانت مقاضاته انحرافاً من خصمه فى استعمال حق التقاضى والدفاع فينأى به عن كونه سبيلاً لدرء خطر أو تحقيقاً لمصلحة مشروعة إلى تسخيره حقاً يراد به باطل وسهما يرمى به خصيمه فيصيب منه بقدر ما غنم به من حق أو يكشف به عن لدد فى خصومته ابتغاء الإضرار به، فتهون النفس بقدر ما يلحقها من مهانة, وتعيا الهمة بقدر ما يصيبها من وهن، ويكون التعويض على من حقت مساءلته عنه فرجة كرب لمن استحق إبداءه إليه، حتى لنفسه يقينها فى أن الباطل لا محالة زاهق، وأن الحق مرهون بساعته يسعى إلى صاحبه بقدر سعى صاحبه إليه، وأن كانت أقدار الناس تتعالى بقدر ما تضفيه الأمة على بنيها من إجلال وتقدير وما يفرضه الشارع لها من مهابة وتعظيم، فإن القاضى وهو سبيل الناس لترسيخ العدل بينهم وتوكيد الحقوق لأصحابها ورفع الظلم عمن حاق به جور الكائدين لهو أحق الناس فى أن يصان من غبن الناس وأكثرهم حاجة لأن تبقى صفحاته بيضاء ناصعة لا يشوبها لمم ولا تلوكها ألسنة ولا يحجبها لدد الكيد وسوء القصد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وهو بصدد بحث طلب المخاصم الأول الحكم له بالتعويض عن إساءة الطاعن استعمال حق التقاضى تناول ما نعته به الأخير فى سطور تقرير مخاصمته من صفات وما رماه فيها من إساءات ثم عرج على بيان وجه الضرر الذى ألم به وعناصر التعويض التى ساءل الطاعن عنها كاشفاً عن انحرافه عن الحق المباح ابتغاء الأضرار بالمخاصم مستنداً فى ذلك إلى أسباب سائغة لها معينها فى الأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها ومن ثم يكون النعى عليه بهذا السبب قائماً على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.