أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 53 - الجزء 1 - صـ 838

جلسة 22 من سبتمبر سنة 2002

برئاسة السيد المستشار/ أحمد على عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ هانى خليل ، السعيد برغوث، نبيل عمران ومدحت بسيونى نواب رئيس المحكمة.

(143)
الطعن رقم 1433 لسنة 71 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". استدلالات. تفتيش "إذن التفتيش. بياناته".
تقدير جدية التحريات. موضوعى.
عدم إيراد اسم الطاعن كاملاً أو الخطأ فيه فى محضر الاستدلال. غير قادح فى جدية التحريات.
(2) تفتيش "إذن التفتيش. تنفيذه". دفوع "الدفع ببطلان إذن التفتيش والضبط".
إثبات الحكم أن إذن الضبط صدر بعد أخذ الطاعن لمبلغ الرشوة وطلبه المزيد للإخلال بواجبات وظيفته. مفاده: أن الأمر صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها لا لضبط جريمة مستقبلة.
(3) رشوة. جريمة "أركانها". قصد جنائى.
القصد الجنائى فى جريمة الرشوة. شرط تحققه.
(4) رشوة. جريمة "أركانها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة الرشوة لا أثر على قيامها أن تكون قد وقعت نتجية تدبير لضبطها وألا يكون المرتشى جاداً فى قبوله الرشوة متى كان عرضها جدياً فى ظاهره والغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشى.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر جريمة الرشوة.
(5) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. قانون "تفسيره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الإخلال بواجبات الوظيفة فى مفهوم المادة 104 عقوبات. شموله أمانة الوظيفة ذاتها.
دخول الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها فى نطاق الوظيفة مباشرة غير لازم. كفاية اتصاله بها بما يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة وأن يكون الراشى قد اتجر معه على هذا الأساس.
(6) رشوة. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
اختصاص الموظف بجميع العمل المتعلق بالرشوة. غير لازم. ما دام له علاقة به تسمح بتنفيذها. تقدير ذلك. موضوعى. ما دام سائغاً.
(7) رشوة. قانون "تفسيره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاتفاق بين الموظف والراشى على أداء العمل مقابل الجعل. يندرج تحت مدلول المادة 103 عقوبات. أداء العمل غير المسبوق باتفاق بين الراشى والمرتشى ينطبق عليه المادة 105 عقوبات.
مثال لتسبيب سائغ لتوافر جريمة الرشوة المؤثمة بالمادة 103 عقوبات.
(8) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعى.
تساند الأدلة فى المواد الجنائية. مؤداه؟
(9) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير أقوال الشهود وصلتها بالتسجيلات المدعى ببطلانها. موضوعى.
(10) إجراءات "إجراءات التحقيق". دفاع "الإخلال بحق الدفاعٍ. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان إجراء من الإجراءات السابقة على المحاكمة. غير جائز لأول مرة أمام النقض.
(11) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
خلو محضر الجلسة مما أثاره الدفاع عن الطاعن بشأن سماع الأشرطة المسجلة والتى لم يعول عليها فى الإدانة. عدم جواز ابداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض.
(12) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أى دليل تطمئن إليه. ما دام له مأخذه فى الأوراق.
الجدل الموضوعى فى الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
(13) دفوع "الدفع بنفى التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بنفى التهمة. موضوعى.
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم فى منحى دفاعه الموضوعى. اطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها. مفاده؟
(14) نقض "أثر الطعن".
عدم جواز إضارة الطاعن بطعنه. أساس وأثر ذلك؟
1 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. متى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها فى هذا الشأن - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، وكان عدم إيراد اسم الطاعن كاملاً أو الخطأ فيه فى محضر جمع الاستدلالات - بفرض حصوله - لا يقدح بذاته فى جدية ما تضمنه من تحريات.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى مدوناته أن إذن النيابة العامة بضبط وتفتيش الطاعن قد صدر بعد أن وقعت الجريمة بالفعل وأن الطاعن أخذ الرشوة بالفعل وطلب المزيد للإخلال بواجبات وظيفته، فإن مفهوم ذلك أن الأمر قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة وإذ انتهى إلى ذلك فى معرض رده على دفع الطاعن فى هذا الصدد فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
3 - من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشى - عند طلب أو أخذ العطية - أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته، وأنه ثمة لاتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات وظيفته.
4 - لا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشى جادًا فى قبوله الرشوة متى كان عرضها جدياً فى ظاهرة وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشى.
5 - لما كان المشرع قد استهدف من النص فى المادة 104 من قانون العقوبات على "الإخلال بواجبات الوظيفة" كغرض من أغراض الرشوة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها، وليس من الضرورى فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يُطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من عرض الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس.
6 - من المقرر أنه لا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذى عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به أو أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة، وكان توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التى يترك تقديرها لمحكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغًا مستندًا إلى أصل ثابت فى الأوراق.
7 - من المقرر أن الفرق بين نص المادة 103 من قانون العقوبات ونص المادة 105 منه أنه إذ وجد اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل انطبقت المادة 103 من قانون العقوبات، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه ما دام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية، أما إذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة غير مسبوق باتفاق بين الراشى والمرتشى فإن العطاء اللاحق فى هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 من قانون العقوبات، وكان البين مما حصله الحكم المطعون فيه أن المبلغ التجأ إلى الطاعن لعدم إدراج اسم ابن عمه فى قوائم المتخلفين عن التجنيد فطلب الطاعن وأخذ منه المبلغ الذى بينه الحكم تنفيذاً لهذا الاتفاق، فإن الحكم إذ آخذ الطاعن بنص المادة 103 آنفة الذكر يكون قد طبق القانون على الواقعة تطبيقاً صحيحاً.
8 - من المقرر أنه لمحكمة الموضوع الحق فى أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، ولا يشترط أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ أن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أدلة مستمدة من شهادة شهود الإثبات وحكم المحكمة العسكرية باعتبارها أدلة مستقلة عن التسجيلات التى أطرحها ولم يعول عليها فى قضائه، وكان تقدير هذه الأقوال وتحديد مدى صلتها بالتسجيلات هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما ينكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال تمت منهم غير متأثرة بالتسجيلات المدعى ببطلانها جاز لها الأخذ بها.
10 - من المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن الدفع ببطلان إجراء من الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع ببطلان التسجيل الصوتى فإنه لا يُقبل منه أن يثير أمر بطلانه أمام محكمة النقض.
11 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يثر شيئًا بشأن طلبه سماع الأشرطة المسجلة - والتى لم يعول عليها الحكم - فلا يجوز له أن يبدى ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
12 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أى دليل تطمئن إليه ما دام له مأخذه من الأوراق، ومن ثم فإن منازعة الطاعن فيما ورد بحكم المحكمة العسكرية على نحو ما أثاره بأسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير أدلة الدعوى ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
13 - لما كان نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستأهل رداً طالما كان الرد علياه مستفاداً من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم، هذا إلى أن المحكمة غير ملزمة بتعقب المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، واطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها يدل على اطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها له.
14 - لما كان الحكم المطعون فيه وإن فاته القضاء بعزل المحكوم عليه من وظيفته، وكان الطعن مرفوعًا من المحكوم عليه وحده - دون النيابة العامة - فإن محكمة النقض لا تملك تصحيح الحكم فى هذه الحالة، لأن من شأن ذلك الإضرار بالطاعن وهو ما لا يجوز عملاً بالمادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته موظفاً عمومياً (......) طلب لنفسه وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب وأخذ من.... مبلغ مائة وعشرين جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل مساعدته فى إخلاء سبيل ابن عمه..... وتسليمه بطاقته العائلية وعدم إعادة عرضه على مندوب تجنيد قسم شرطة.... وأحالته إلى محكمة جنايات.... لمحاكمته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ ألفى جنيه عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ رشوة قد شابه القصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون وانطوى على إخلال بحق الدفاع ذلك بأنه رد على الدفعيين ببطلان إذن النيابة العامة بالضبط لابتنائه على تحريات غير جدية بدلالة خلوها من الاسم الحقيقى للطاعن ولصدورها لضبط جريمة مستقبلة رداً غير سائغ لا يكفى لاطراحهما، كما أطرح دفاعه بانتفاء القصد الجنائى لديه لكون الجريمة تحريضية بما لا يبرره، وعول فى قضائه على حكم المحكمة العسكرية المركزية الذى دانه عن مخالفة إدارية منبتة الصلة بتهمة الرشوة، ولم يستظهر اختصاص الطاعن الوظيفى على الرغم من منازعته فى اختصاصه بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله، كما عول على أقوال شاهد الإثبات الذى قام بإجراء التسجيلات رغم بطلانها إذ لم يثبت أن التسجيل تم تحت سمعه وبصره، وأغفلت المحكمة طلب الدفاع سماع الأشرطة المسجلة، وأخيراً فقد استخلص الحكم واقعة الدعوى بما لا يطابق الحقيقة إذ أن المبلغ إنما أراد الانتقام من الطاعن لحرصه على تطبيق اللوائح والتعليمات، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة طلب وأخذ رشوة التى دان الطاعن بها وأقام عليها فى حقه أدلة مستمدة من شهادة كل من.... ومما ثبت من حكم محكمة الجيزة العسكرية فى القضية رقم.... لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إذن النيابة العامة بالقبض والتفتيش لعدم جدية التحريات ومرد عليه بقوله: "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات فهو مردود بدوره بأن مبناه أن التحريات لم تتوصل إلى حقيقة اسم المتهم ودلت على أن المتهم سئ السمعة رغم حصوله على تقارير كفاية من عمله بدرجة امتياز، وذلك مردوده بادئ ذى بدء بأن حقيقة اسم المتهم لا تهم فى صحة الإجراء الذى اتخذ فى حقه إذ أن الوقوف على حقيقة الاسم لا يكون بحسب الأصل إلا عن طريق صاحب الاسم نفسه ومن ثم كان الخطأ فى الاسم بل إغفال ذكره كلية ليس من شأنه أن ينال من صحة الإذن متى ثبت للمحكمة أن الشخص الذى تم تفتيشه هو ذات المقصود بأمر التفتيش ذلك فضلاً عن أن الثابت للمحكمة من مطالعة محضر التحريات أن محور التحريات كاف لاقتناع المحكمة بجدية الاستدلالات التى بنى عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره، الأمر الذى تقر معه المحكمة النيابة العامة على تصرفها فى هذا الشأن وبالتالى تنحسر عن الإجراء قالة البطلان"، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وأنه متى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها فى هذا الشأن - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، وكان عدم إيراد اسم الطاعن كاملاً أو الخطأ فيه فى محضر جمع الاستدلالات - بفرض حصوله - لا يقدح بذاته فى جدية ما تضمنه من تحريات، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون سديدًا. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة ورد عليه بقوله: "إن ذلك الدفع مردود بأنه بصدور القانون رقم 69 لسنة 1953 اعتبرت الرشوة قائمة بمجرد تقديم الطلب من الموظف ولو لم يقبله الراشى فالقانون ينظر إلى الجريمة باعتبارها عملية واحدة فاعلها هو المرتشى، فيكفى لتوافر النشاط الإجرامى فى الرشوة أن يصدر من الموظف بإرادته المنفردة إيجابياً بالرشوة ولو لم يعقبه قبول ممن توقع الموظف أن يكون راشيًا إذ كان الثابت من أدلة الإدانة التى أوردتها المحكمة فيما سلف واطمأنت إليها أن جريمة أخذ الرشوة وطلبها كانت وقعت بالفعل حين أصدرت النيابة إذنها بالقبض بدليل ما أبلغ به الشاهد الأول وما أثبته محرر محضر التحريات من أن المتهم أخذ الرشوة وطلب المزيد للإخلال بعمل من أعمال وظيفته ومن ثم فقد صدر الإذن بضبط جريمة تحقق وقوعها"، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى مدوناته أن إذن النيابة العامة بضبط وتفتيش الطاعن قد صدر بعد أن وقعت الجريمة بالفعل وأن الطاعن أخذ الرشوة بالفعل وطلب المزيد للإخلال بواجبات وظيفته، فإن مفهوم ذلك أن الأمر قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة وإذ انتهى إلى ذلك فى معرض رده على دفع الطاعن فى هذا الصدد فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشى - عند طلب أو أخذ العطية - أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته، وأنه ثمة لاتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات وظيفته، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن الطاعن أخذ من المبلغ النقود تنفيذاً لاتفاق سابق بينهما ليقون الأول بإخلاء سبيل ابن عمه وتسليمه بطاقته العائلية وعدم إعادة عرضه على مندوب تجنيد القسم، وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائى فى حقه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بأن الجريمة تحريضية وأطرحه فى قوله: "..... فهو قول مردود بأن المحكمة انتهت وبينت فيما تقدم أن جريمة الرشوة تحققت بركنيها المادى والمعنوى بمجرد أخذ المتهم لمبلغ الرشوة وطلبه مبلغ آخر حتى يمكن الهارب من الخدمة العسكرية من الاستمرار فى هروبه، ذلك فضلاً عن أن الجريمة التحريضية هى التى يكون ذهن المتهم خالياً منها ويكون هو بريئًا من التفكير فيها ثم يحرضه عليها مأمور الضبط بأن يدفعه دفعاً إلى ارتكابها وتتأثر إرادته بهذا التحريض فيقوم باقترافها كنتيجة مباشرة لهذا التحريض وحده، أما إذا كانت الجريمة ثمرة تفكير المتهم وحده ونتاجاً لإرادته الحرة وإنما يقتصر دور مأمور الضبط القضائى عى تسهيل الإجراءات المؤدية على وقوعها بعد أن كانت اختمرت فى نفس المتهم إثماً وتمت بإرادته فعلاً، فإنها لا تكون تحريضية ومن ثم لا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تكون وقعت نتيجة تدبير لضبطها، والثابت للمحكمة من الأدلة التى اطمأنت إليها أن الجريمة وقعت من جانب المتهم وحده فلم يحرضه عليها مأمور الضبط ولم يؤثر على إرادته لاقترافها وإنما اقتصر دوره على متابعة المبلغ من خلال استماع التسجيلات وبعد أن تأكد من أن المتهم قبض مبلغ الرشوة اتجه بعد ذلك لضبط المتهم، ومن ثم فإن هذا الدفع يضحى باطل الأساس وعلى غير ركيزة من القانون خليقاً بالالتفات عنه"، وكان ذلك من الحكم رد سائغ يصادف صحيح القانون، إذ قد استقر قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - على أنه لا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشى جادًا فى قبوله الرشوة متى كان عرضها جدياً فى ظاهرة وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشى. لما كان ذلك، وكان المشرع قد استهدف من النص فى المادة 104 من قانون العقوبات على "الإخلال بواجبات الوظيفة" كغرض من أغراض الرشوة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها، وليس من الضرورى فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يُطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من عرض الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس، وكان من المقرر أنه لا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذى عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به أو أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة، وكان توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التى يترك تقديرها لمحكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغًا مستندًا إلى أصل ثابت فى الأوراق. وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر اختصاص الطاعن وإخلاله بواجبات وظيفته أخذاً مما شهد به شهود الإثبات وما جاء بحكم المحكمة العسكرية المركزية ودان الطاعن على هذا الأساس فإن النعى عليه فى هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الفرق بين نص المادة 103 من قانون العقوبات ونص المادة 105 منه أنه إذا وجد اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل انطبقت المادة 103 من قانون العقوبات، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه ما دام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية، أما إذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة غير مسبوق باتفاق بين الراشى والمرتشى فإن العطاء اللاحق فى هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 من قانون العقوبات، وكان البين مما حصله الحكم المطعون فيه أن المبلغ التجأ إلى الطاعن لعدم إدراج اسم ابن عمه فى قوائم المتخلفين عن التجنيد فطلب الطاعن وأخذ منه المبلغ الذى بينه الحكم تنفيذاً لهذا الاتفاق، فإن الحكم إذ آخذ الطاعن بنص المادة 103 آنفة الذكر يكون قد طبق القانون على الواقعة تطبيقاً صحيحاً ويكون النعى عليه بأن المادة 105 من قانون العقوبات كانت الأولى بالتطبيق بعيداً عن محجة الصواب. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لمحكمة الموضوع الحق فى أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، ولا يشترط أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ أن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أدلة مستمدة من شهادة شهود الإثبات وحكم المحكمة العسكرية باعتبارها أدلة مستقلة عن التسجيلات التى أطرحها ولم يعول عليها فى قضائه، وكان تقدير هذه الأقوال وتحديد مدى صلتها بالتسجيلات هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما ينكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال تمت منهم غير متأثرة بالتسجيلات المدعى ببطلانها جاز لها الأخذ بها، هذا فضلاً عن أنه من المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن الدفع ببطلان إجراء من الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع ببطلان التسجيل الصوتى فإنه لا يُقبل منه أن يثير أمر بطلانه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يثر شيئًا بشأن طلبه سماع الأشرطة المسجلة - والتى لم يعول عليها الحكم - فلا يجوز له أن يبدى ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أى دليل تطمئن إليه ما دام له مأخذه من الأوراق، ومن ثم فإن منازعة الطاعن فيما ورد بحكم المحكمة العسكرية على نحو ما أثاره بأسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير أدلة الدعوى ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان، وكان نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم، هذا إلى أن المحكمة غير ملزمة بتعقب المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، واطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها يدل على اطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها له، ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من إعراضه عما أبداه الدفاع من أوجه لنفى التهمة ومقصد الانتقام من الطاعن يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أسا متعينًا رفضه موضوعاً. ولما كان الحكم المطعون فيه وإن فاته القضاء بعزل المحكوم عليه من وظيفته، وكان الطعن مرفوعًا من المحكوم عليه وحده - دون النيابة العامة - فإن محكمة النقض لا تملك تصحيح الحكم فى هذه الحالة، لأن من شأن ذلك الإضرار بالطاعن وهو ما لا يجوز عملاً بالمادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.