مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ 793

(75)
جلسة 5 من مايو سنة 1962

برياسه السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد ايوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 1642 لسنة 6 القضائية

( أ ) اختصاص - موظف عام - تعريفه - عمال المعاش بتفتيش سخا التابع لوزارة الزراعة موظفون عموميون - أساس ذلك. اختصاص القضاء الادارى بالفصل فى المنازعات التى تنشأ بينهم وبين جهة الادارة بمناسبة مباشرتهم لخدمة ذلك المرفق العام.
(ب) جزاء تأديبى - تقريره - سلطة جهة الادارة فى تقدير الجزاء التأديبى - حدود النصاب القانونى - مناطها أن يكون التقدير على أساس قيام سببه بجميع اشطاره - تقديره على اساس عدة تهم وثبوت قيام بعضها فقط دون البعض الاخر - عدم قيام الجزاء على كامل سببه - الغاؤه لاعادة التقدير على أساس استبعاد ما لم يقم على وجه اليقين فى حق الموظف - لا يغير من هذا الحكم ارتباط جميع الافعال المنسوبة اليه ارتباطا لا يقبل التجزئة - مثال.
1 - ليس فى التشريعات أو اللوائح فى مصر نص يعرف الموظف العمومى، وان كان الكثير من القوانين المصرية استعملت عبارة (الموظفين العموميين) أو (المستخدمين العموميين) دون تفرقة بين العبارتين ودون تحديد فئة الموظفين العموميين بالذات. نجد ذلك فى مختلف التشريعات الصادرة منذ سنة 1883 بشأن الموظفين بل وفى التشريعات الحديثة أيضا.
فالقانون المدنى أشار فى المادة (167) منه الى عبارة (الموظف العام) وفى المادة (609) منه (الموظف أو المستخدم) وقانون المرافعات المدنية والتجارية يشير فى المادة (206) منه الى (الموظفين والمستخدمين المكلفين بخدمة عامة). كذلك قانون العقوبات فى مختلف مواده ينص على الموظفين والمستخدمين دون تمييز بين النوعين. ثم صدر القانون رقم (210) لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة فقسم موظفى الدولة الى فئتين: الموظفين الداخلين فى الهيئة سواء كانوا مثبتين أم غير مثبتين (وتسرى عليهم أحكام الباب الاول من القانون) ثم المستخدمين الخارجين عن الهيئة (وتسرى عليهم أحكام الباب الثانى) فميز الشارع لاول مرة بين الفئتين وأخضع كل فئة منهما لاحكام خاصة. ولا يمكن اعتبار ما نصت عليه المادة الاولى من قانون نظام موظفى الدولة تعريفا للوظيفة العامة أو تعريفا للموظف العمومى، اذ أنه اقتصر فقط على بيان أولئك الذين تنطبق عليهم أحكام هذا القانون. ولئن كانت أحكام هذا القانون تسرى على الغالبية الكبرى من موظفى الدولة ومستخدميها الا انها مع ذلك لا تسرى على فئات أخرى منها طوائف الموظفين الذين تنتظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة، وهناك بعض عمال الدولة لا تنطبق عليهم أحكام هذا القانون ويعتبرون مع ذلك من الموظفين العموميين كالعمد والمشايخ والمأذونين. وقد تلاقى القضاء والفقه الاداريان على عناصر أساسية للوظيفة العامة ولاعتبار الشخص موظفا عموميا يتعين مراعاة قيام العناصر الآتية:
(1) أن يساهم فى العمل فى مرفق عام تديره الدولة عن طريق الاستغلال المباشر، وفى مصر يعتبرون موظفين عموميين عمال المرافق العامة سواء كانت ادارية أم اقتصادية ما دامت هذه المرافق تدار بأسلوب الاستغلال المباشر.
(2) أن تكون المساهمة فى ادارة المرافق العامة عن طريق التعيين أساسا. وفرار اسناد الوظيفة يكون عن طريق عمل فردى أو مجموعى يصدر من جانب السلطة العامة ويجب أن تقابله موافقة من جانب صاحب الشأن، فالموظف العمومى يساهم فى ادارة المرافق العامة مساهمة ارادية يقبلها دون قسر أو ارغام. أما الالتحاق جبرا فى خدمة مرفق عام فلا تطبق عليه أحكام الوظيفة العامة.
(3) أن يشغل وظيفة دائمة وان يكون شغله لهذه الوظيفة بطريقة مستمرة لا عرضية. وغنى عن القول أن هذه العناصر لا يمكن اعتبارها عناصر قاطعة نهائية للحكم على عامل من عمال الادارة بأنه موظف أو غير موظف، الا أنها عناصر أساسية يجب مراعاتها.
وهناك عناصر أخرى يتعين استبعادها ولم يعول عليها القضاء فمن ذلك المعيار فى اعتبار الموظفين، ليس نوع العمل الذى يسند اليهم أو أهمية العمل أو كونهم مثبتين أو غير مثبتين، يستقطع منهم معاش أم لا يستقطع، أو فى منحهم مرتبات نقدية أو عينية أو فى عدم منحهم مرتبات. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على اعتبار أن العمد والمشايخ من الموظفين العموميين، اذ ان الراتب الذى يجرى عليه حكم الاستقطاع ليس شرطا أساسيا لاعتبار الشخص موظفا عموميا، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمأذون فلا يؤثر فى هذا النظر أن لا يتقاضى راتبا من خزانة الدولة، لان الراتب ليس من الخصائص اللازمة للوظيفة العامة أو شرطا من الشروط الواجبة فى اعتبارها. ويلاحظ ان الموظفين العموميين لا يقتصرون على موظفى الحكومة المركزية بل يدخل فيهم موظفو السلطات اللامركزية الاقليمية والسلطات اللامركزية المصلحية أى المنشآت العامة حتى ولو كانوا لا يخضعون لجميع أحكام قانون موظفى الدولة.
وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه "لكى يعتبر الشخص موظفا عاما خاضعا لاحكام الوظيفة العامة التى مردها الى القوانين واللوائح يجب أن تكون علاقته بالحكومة لها صفة الاستقرار والدوام فى خدمة مرفق عام تديره الدولة بالطريق المباشر أو بالخضوع لاشرافها، وليست علاقة عارضة تعتبر فى حقيقتها عقد عمل يندرج فى مجالات القانون الخاص".
وعلى هدى ما تقدم، واذا كان الثابت من الاوراق ومن ملف خدمة المطعون عليهما أن نظام معاملة عامل المعاش يقوم على أن يقدم العمدة أو شيخ الناحية عمال المعاش اللازمين وفقا لحاجة العمل بتفتيش سخا التابع لوزارة الزراعة فيستخدمون فى مختلف الاعمال الزراعية بمقتضى عقد خاص وبأجر يتناسب والدرجة المبين عليها كل منهم فضلا عن ميزات عينية أخرى مقابل تشغيلهم فى أعمال الفلاحة بالتفتيش الحكومى ويستمر عملهم طوال العام بدون انقطاع حتى ولو قل العمل الزراعى وفضلا عن الاجر اليومى المقرر مقدما فى اللائحة فان عامل المعاش يمنح مساحة أرض زراعية فى التفتيش تتفاوت وفقا لدرجته بفئة إيجارية مخفضة عما حدده قانون الاصلاح الزراعى كقيمة ايجارية، ومقرر لهؤلاء العمال نظام أجازات بأنواعه اللائحية المختلفة وعامل المعاش فى كل ذلك يعمل تحت اشراف وتوجيه الجهة الادارية التابعة لوزارة الزراعة. فلا جدال اذن والحالة هذه فى ان علاقة عامل المعاش بوزارة الزراعة انما هى علاقة عمل دائم وليست علاقة عرضية أو مؤقتة، ومن ثم يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى ينظر المنازعات التى تنشأ بين عامل المعاش وجهة الادارة بمناسبة مباشرته لخدمة ذلك المرفق العام.
2 - انه ولئن كان للجهة الادارية سلطة تقدير الجزاء التأديبى فى حدود النصاب القانونى، الا أن مناط ذلك ان يكون التقدير على اساس قيام سببه بجميع أشطاره، فاذا تبين أنه قدر على أساس ثلاث تهم كالتحريض على الاضراب ورفع الفئوس على الناظر، وتوجيه ألفاظ خارجة اليه، ثم لم يقم فى حق الموظف سوى بعضها دون البعض الآخر، فان الجزاء، والحالة هذه، لا يقوم على كامل سببه، ويتعين اذن الغاؤه لاعادة التقدير على أساس استبعاد ما لم يقم على وجه اليقين فى حق الموظف مما قد يكون له خطورته وأثره البالغ، وبما يتناسب صدقا وعدلا مع ما قام فى حقه من ذنب غير جسيم حتى ولو كانت جميع الافعال المنسوبة للموظف مرتبطة بعضها مع البعض الآخر ارتباطا لا يقبل التجزئة، اذ ليس من شك فى أنه اذا تبين أن بعض هذه الافعال وخاصة تهمة التحريض على الاضراب أو واقعة رفع الفئوس على ناظر الزراعة، لا تقوم فى حق المطعون عليهما، وكان ذلك من غير شك ملحوظا عند تقدير الجزاء بفصلهما، لكان لجهة الادارة رأى آخر فى صرامة هذا التقدير، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه لا يجوز أن يكون الموظف ضحية الخطأ فى تطبيق القانون.


اجراءات الطعن

فى 25 من مايو سنة 1960 أودع السيد محامى الحكومة، سكرتيرية المحكمة، تقريرا بالطعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1642) لسنة 6 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارة الزراعة بجلسة 26 من مارس سنة 1960 فى الدعوى رقم (96) لسنة 5 القضائية المقامة من اسماعيل عبد العزيز النجار ومحمد متولى الفرماوى ضد وزارة الزراعة ومصلحة الزراعة والذى قضى "برفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر الدعوى، وباختصاص المحكمة بنظرها، وبقبولها شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر فى 4 من اغسطس سنة 1957 بفصل المدعيين، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الادارية المصروفات ومائة قرش مقابل اتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن الى الخصم فى 21 من يونية سنة 1960 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 14 من يناير سنة 1962 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للمرافعة بجلسة 17 من مارس سنة 1962 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المطعون عليهما اقاما الدعوى رقم (96) لسنة 5 القضائية أمام المحكمة الادارية لوزارة الزراعة بعريضة أودعت سكرتيرية تلك المحكمة فى 16 من ديسمبر سنة 1957 طلب فيها الحكم بالغاء القرار الصادر بفصلهما، وما يترتب على ذلك من آثار مع الزام وزارة الزراعة بالمصروفات ومقابل الاتعاب. وقالا شرحا للدعوى أنهما التحقا بالعمل لدى وزارة الزراعة بتفتيش سخا من 12 من اكتوبر سنة 1938 بصفة عاملين زراعيين واستمرا فى أداء عملهما دون انقطاع وعلى خير وجه الى أن نسب اليهما ناظر زراعة الحمراوى بسخا مخالفة الاعتداء عليه وتحريض بعض العمال على الامتناع عن العمل. وأنه فى 5 من فبراير سنة 1957 أوقف المدعيان عن العمل بموجب خطاب مصلحة الزراعة رقم (6410) وقد أجرى التحقيق فيما نسب اليهما بموجب المحضر رقم (802) لسنة 1957 ادارى كفر الشيخ. وقد أثبت هذا التحقيق عدم صحة الاتهام من أساسه وتبين انه اتهام كيدى وهو ما انتهت اليه النيابة العامة فقررت حفظ المحضر اداريا فى 26 من مارس سنة 1957. وعلى الرغم من كل ذلك فقد استمر وقف المدعيين عن العمل حتى أخطرا بفصلهما من العمل بمقتضى الامر رقم (36) الصادر من مدير عام مصلحة الزراعة. فتظلم المدعيان من قرار فصلهما الى الجهات الادارية المختصة ولم يتلقيا ردا على تظلمهما فرفعا هذه الدعوى فى 16 من ديسمبر سنة 1957 مطالبين بالغاء فرار فصل كل منهما لانه صدر مخالفا للقانون اذ لا سبب يبرر الفصل بعد أن ثبت عدم صحة الوقائع التى نسبها الناظر اليهما، وفى 20 من يناير سنة 1958 تقدمت مصلحة الاقتصاد الزراعى والاحصاء قسم محطات التجارب بوزارة الزراعة بمذكرة تتضمن دفاع الحكومة قالت فيها ان العاملين المدعيين ومعهما العامل محمد السكرى كانوا من (عمال المعاش) بزراعة الحمراوى، احدى زراعات تفتيش سخا التابع لقسم محطات التجارب، وقد قاموا بتحريض عمال الزراعة بالاضراب عن العمل فى يوم 16/ 1/ 1957 كما وجهوا ألفاظا نابية الى ناظر الزراعة على عبد اللطيف شين ورفعوا الفؤوس عليه وعلى الخولى ابراهيم غانم وانتهى التحقيق الادارى الذى جرى معهم عن طريق تفتيش سخا الى طلب فصلهم من العمل الموكول اليهم. كما أن النيابة الادارية رأت أخذهم بالشدة زجرا وردعا لغيرهم. وبعد عرض الموضوع على مصلحة الاقتصاد الزراعى والاحصاء وافقت فى 22 من يولية سنة 1957 على طلب القسم فصلهم من العمل القائمين به. وتأسيسا على ذلك صدر الامر الادارى رقم (36) فى 4/ 8/ 1957 من مدير المصلحة بالفصل. وفى 13 من يونية سنة 1959 دفع قسم الشئون القانونية بوزارة الزراعة بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى لان علاقة المدعيين بالوزارة انما تخضع لاحكام العقد المبرم بينهما من جهة وبين وزارة الزراعة من جهة أخرى وهذا تختص به محكمة العمال دون المحكمة الادارية بمجلس الدولة. كما دفعت الوزارة من باب الاحتياط بعدم قبول الدعوى لان المدعيين لم يتظلما من قرار فصلهما الى السيد وزير الزراعة وفقا لما يقضى به نص المادة (12) من قانون مجلس الدولة رقم (165) سنة 1955 وقرار مجلس الوزراء الصادر فى 6 من ابريل سنة 1955. أما فيما يتعلق بعرض قرار الفصل على اللجنة المعينة لشئون العمال فان هذا القرار لم يعرض على اللجنة وانما صدر قرار الفصل بناء على المذكرة التى تقدم بها القسم التابع له العاملان المفصولان بعد مرافعة مدير عام المصلحة لانهما من (عمال المعاش) وتحكمهما شروط العقد المبرم بينهما وبين الوزارة وقدم السيد مفوض الدولة امام المحكمة الادارية لوزارة الزراعة تقريرا انتهى فيه الى طلب الحكم برفض الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى وباختصاصه ثم برفض الدفع بعدم القبول وبقبول الدعوى وفى الموضوع بالغاء القرار المطعون فيه مع الزام الوزارة بالمصروفات.
وبجلسة 26 من مارس سنة 1960 حكمت المحكمة الادارية لوزارة الزراعة "برفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر الدعوى وباختصاص المحكمة بنظرها ثم بقبولها شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر فى 4/ 8/ 1957 بفصل المدعيين وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الادارية بالمصروفات وبمبلغ مائة قرش مقابل الاتعاب". وأسست قضاءها فى رفض الدفع بعدم الاختصاص، على ان العلاقة بين عامل المعاش والجهة الادراية هى علاقة عمل دائمة، وليست علاقة مؤقتة تنفصم عراها بمجرد تمام العمل المكلف به العامل، ومن ثم تكون هذه العلاقة من علاقات القانون العام، وليست من روابط القانون الخاص، ويكون مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى هو صاحب الولاية وحده بنظر المنازعات التى تنشأ بين العامل وبين جهة الادارة بمناسبة أداء الخدمة العامة المكلف بها. كما أسست المحكمة قضاءها فيما يتعلق برفض الدفع بعدم القبول على أن القرار المطعون فيه صدر فى 4/ 8/ 1957، وتظلم المدعيان منه الى رئيس النيابة الادارية لوزارة الزراعة فى 15/ 8/ 1957 وقد قام هذا الاخير بدوره بارسال التظلم الى الجهة الادارية المختصة بوزارة الزراعة بالكتاب رقم (1482) فى 19 اغسطس سنة 1957 كما أن المدعى اسماعيل عبد العزيز النجار أرسل تظلما ثانيا الى مجلس الدولة فى 28/ 8/ 1957، وفى 31/ 8/ 1957 أرسل التظلم الى وكيل وزارة الزراعة، وقد أقامت المحكمة قضاءها فى موضوع الدعوى بالغاء قرار الفصل على ان بعض التهم التى جوزى عليها المدعيان لم يثبت حدوثها منهما فاذا تبين أن الجزاء قد قدر على أساس عدة تهم ولم يثبت فى حق الموظف الا بعضها دون البعض الآخر، فان الجزاء والحالة هذه لا يقوم على كامل سببه ويتعين اذن الغاؤه لاعمال التقدير على اساس استبعاد ما لم يقم فى حق المدعيين وبما يتناسب صدقا وعدلا مع ما قام فى حق كل منهما ولا يجوز ان يكون المستخدم ضحية الخطأ فى تطبيق القانون.
ومن حيث ان الطعن المقدم من ادارة قضايا الحكومة فى 25 من مايو سنة 1960 يقوم على ان العلاقة القانونية التى تربط "عمال المعاش" بالوزارة ليست علاقة تنظيمية بين مستخدم عام وجهة حكومية تدخل فى نطاق روابط القانون العام بل هى علاقة تعاقدية بين أجير وصاحب عمل أساسها عقد مدنى بحت تعهد المطعون عليهما بمقتضاه بأن يقوما بخدمة معينة لقاء أجر معلوم تحدد مقداره ضوابط مرسومة بالاضافة الى امتيازات أخرى، وقد جرت الوزارة على اختيار هؤلاء العمال الذين يستقدمهم العمد والمشايخ من بين الاهالى القاطنين بالجهات التى يقومون بالعمل فيها. ولا يخرج عملهم فى طبيعته عن عمل أمثالهم بالدوائر أو الشركات الزراعية ولدى الافراد القائمين باستغلال خاص وهو عمل مؤقت بمدة سنة، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه اذ قضى باختصاص المحمكة الادارية لوزارة الزراعة بنظر الدعوى بوصف المطعون عليهما من مستخدمى الحكومة يكون اخطأ فى تأويل القانون، ويتعين الغاؤه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى. ثم استطرد تقرير طعن الحكومة قائلا انه على فرض التسليم بأن المطعون عليهما هما من المستخدمين العموميين فان المادة (12) من القانون رقم (165) لسنة 1955 لم تراع فى هذه المنازعة فالمطعون عليهما لم يتظلما من القرار الصادر بفصلهما الى السيد وزير الزراعة وفقا لقرار مجلس الوزراء الصادر فى 6 من ابريل سنة 1955 واذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبا آخر وقضى بقبول الدعوى شكلا يكون قد اخطأ أيضا فى تطبيق القانون ويتعين الغاؤه والقضاء بعدم قبول الدعوى. ولما كان التحقيق الذى أجرته النيابة الادارية قد أثبت ادانة المطعون عليهما فان القرار الصادر بفصلهما يكون قد قام على سببه المبرر له وهو اخلالهما بواجبات وظيفتهما واذا لم يأخذ الحكم المطعون فيه بهذه الاسباب وقضى بالغاء القرار الصادر بفصلهما فانه يكون قد خالف القانون فيتعين القضاء بالغائه والحكم برفض الدعوى مع الزام المدعيين بالمصروفات.
أ) عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى:
ومن حيث ان هذا الطعن يثير، بادئ ذى بدء بحث ما اذا كانت العلاقة بين الحكومة من جهة وبين المطعون عليهما، وهما من (عمال المعاش) من جهة اخرى، هى علاقة تنظيمية عامة تحكمها القوانين واللوائح مما يدخل فى روابط القانون العام، ومن ثم يكون مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى مختصا بنظر هذه الدعوى، على النحو الذى قال به الحكم المطعون فيه وقضى تأسيسا على ذلك برفض الدفع المقدم من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة الادارية لوزارة الزراعة بالفصل فى المنازعة، ام ان تلك العلاقة ليست كذلك وانما هى علاقة تعاقدية بين أجير وصاحب عمل أساسها عقد مدنى بحت يتعهد عامل المعاش بمقتضاه ان يقوم بخدمة معينة لقاء أجر معلوم تحدد مقداره ضوابط مرسومة بالاضافة الى امتيازات اخرى ولا يخرج عمله فى طبيعته عن عمل أمثاله بالدوائر أو الشركات الزراعية ولدى الافراد القائمين باستغلال خاص، وهو عمل مؤقت بمدة العقد الذى يقوم بالتوقيع عليه سنويا عمال المعاش فهم عمال مؤقتون لا يعدو أن يكون نشاط الوزارة فى علاقتهم بها كنشاط الافراد فى مجالات القانون الخاص وبالتالى فهم، بهذه المثابة من الاجراء ولا يدخلون فى عداد المستخدمين العاملين، وتأسيسا على ذلك يتعين الغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالفصل فى الدعوى وهذا هو الوجه الاول من أسباب هذا الطعن.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على مذكرة وزارة الزراعة المقدمة بدفاعها فى هذه المنازعة عن وضع عمال المعاش بالتفاتيش ان النظام المتبع فى تعيين هذه الطائفة من عمال المعاش بتفاتيش سخا ومحلة موسى والجميزة منذ أن كانت هذه التفاتيش تابعة لمصحلة الاملاك الاميرية، واستمر الحال على ما كان عليه حتى بعد ضمها الى مصلحة الاقتصاد والاحصاء بوزارة الزراعة يقضى بأن يقوم العمدة أو شيخ الناحية باستحضار أنفار المعاش اللازمين لحاجة العمل بالتفتيش حيث يقوم التفتيش باستخدامهم فى الاعمال المختلفة بموجب عقد خاص ويمنح هؤلاء العمال اجرا يتناسب ودرجتهم المعينين عليها كما يمنحون امتيازات اخرى متعددة تفوق فى مجموعها من الناحية المادية ما يتقاضاه غيرهم من العمال الزراعيين الآخرين سواء فى تفاتيش قسم المزارع الاخرى التى ليس بها نظام (عمال المعاش) أو فى الملكيات الزراعية للموظفين، وذلك مقابل استخدامهم وتشغيلهم فى أعمال عادية بالتفتيش مثل كلافة البهائم والمواشى وحراسة ممتلكات ومتعلقات التفاتيش الى غير ذلك من العمليات الزراعية المختلفة وذلك طول أيام السنة بدون انقطاع حتى ولو قل العمل الزراعى بالتفتيش. وفيما يلى تفاصيل الامتيازات التى تمنح لعمال المعاش وفقا لنظام الموضوع لهم: -
1) - ينقسم عمال المعاش بالتفتيش الى ثلاث درجات حسب أعمار كل منهم. ويتقاضى عامل الدرجة الاولى اجرا يوميا قدره (75 مليم) وعامل الدرجة الثانية (50 مليما) وعامل الدرجة الثالثة (30 مليما) ويحرر لهم سنويا عقد واحد يقوم بالتوقيع على شروطه جميع عمال المعاش، كما يقوم أيضا عمد الناحية ومشايخها بضمان أولئك العمال فيما تعهدوا به من أعمال حسب الشروط الموضحة بالعقد.
2) - يعطى لعامل المعاش مساحة زراعية من أرض التفتيش حسب درجة العامل بين زملائه ووفقا للنظام المعمول به من زمن بعيد. وذلك مقابل فئة ايجارية مخفضة تقل عن فئات الايجار التى حددها قانون الاصلاح الزراعى وهى سبعة أمثال الضريبة. كما تقل القيمة الايجارية للفدان فى الاراضى الزراعية المخصصة لعمال المعاش عن القيمة الايجارية للاراضى الزراعية المماثلة الاخرى. وذلك فضلا عما تدره مساحة الارض التى فى حيازة عامل االمعاش من ارباح ناتجة عن استغلالها زراعيا لحسابه الخاص.
3) - يمنح عامل المعاش الاجازات الآتية: -
( أ ) - أجازة اعتيادية قدرها (12) يوما فى العام بأجرة كاملة.
(ب) - أجازة مرضية قدرها (30) يوما فى العام بنصف أجرة.
(جـ) - احتساب يومى الوقفة وأول يوم العيدين الفطر والاضحى بأجرة.
(د) - أجازة استثنائية بأجرة كاملة لتأدية فريضة الحج.
(هـ) - أجازة استثنائية بأجرة كاملة فى حالة الاصابة بحادث أثناء العمل ولسببه طول مدة العلاج.
4) - يصرف لعامل المعاش تعويض مناسب فى حالة ما اذا تخلفت عن اصابته أثناء العمل ولسببه عاهة مستديمة حسبما تقرره وزارة الشئون الاجتماعية كما أنه فى حالة الوفاة الطبيعية يصرف لذويه مبلغ قدره ثلاثة جنيهات كمصاريف للدفن.
5) - فى حالة وفاة عامل المعاش أو عجزه عن تأدية الاعمال لاى سبب من الاسباب يحل محله فى العمل بالتعيين وكذلك فى أرض المعاش من يصلح من أولاده أو أحد أقاربه اذا لم يكن له اولاد. وفضلا عن ذلك كله فان عددا من عمال المعاش يتمتع بسكن بالمجان فى بعض التفاتيش. ويقوم التفتيش برى الاراضى الزراعية التى فى حيازة أولئك العمال بأجر زهيد ومع ذلك يحصل على أقساط شهرية وتقوم الوزارة برش زراعة اقطانهم بمواد المبيدات لمقاومة الآفات ولهؤلاء العمال الحق فى استخدام الآلات الميكانيكية والمواشى المملوكة وذلك لخدمة زراعة الاراضى التى فى حيازتهم لزيادة الانتاج.
ومن حيث انه يبين من استقراء بنود التعهد المطبوع الصادر من وزارة الزراعة قسم المزارع والخاص بتفتيش سخا زراعة الحمراوى عن سنة 1957 وقد وقعه المطعون عليهما كل منهما قرين اسمه كما وقعه (218) عامل معاش مثلهما وتحمل هذه الكراسة البيانات الآتية: - (بيان حقوق وزمام أطيان المعاش سنة 1957 أولا: عن حسب الزمام 286 فدانا تعطى معاش.
وزمام أطيان المعاش سنة 1957.
أولا: عن حسب الزمام 286 فدانا تعطى معاش.
ثانيا: عن بيان الانفار اللازمين لاشغال الزمام الجارى زارعته رأسا: أصل اللازم من تمليه الثلاث درجات باعتبار المائة فدانا منزرعة - أصل اللازم من الدرجة الرابعة وظيفة واحدة عمدة - ثلاث مشايخ - 3 خولاء - 9 كلافون - واحد رئيس كلافين - 6 عربجية - 19 عامل بدرجة أولى - 34 عامل درجة ثانية - 96 عامل درجة ثالثة. فيكون جملة الانفار 222 نفرا.
ثالثا: عن المقنن لكل نفر تملى وظهورات من الثلاث درجات وبين الدرجة الرابعة وظيفة. ويوقع هذه البيانات المذكورة مفتش تفتيش سخا بقسم المزارع بوزارة الزراعة). وجاء فى بنود هذا التعهد المطبوع: "أن الموقعين أدناه الانفار التملية المعطى لهم معاش بزراعة الحمراوى تفتيش سخا التابع لقسم المزارع بوزارة الزراعة حسب المبين قرين اسم كل من هؤلاء العمال، نتعهد بطريق التضامن بتنفيذ كافة الاشتراطات الموضحة فيما بعد، ونحن مشايخ وعمد الناحية الموقعون أدناه نقر ونتعهد بطريق التضامن بيننا ومع الانفار المذكورين لدى مصلحة الاقتصاد والاحصاء الزراعى بأن نضمن جميع الانفار الواردة اسماؤهم بهذا الدفتر فى تنفيذ كافة هذه الاشتراطات وبأن نقوم نحن أيضا بتنفيذ كافة الاشتراطات المذكورة وهى: -
أولا: العمد والمشايخ يتعهدون بأن الاسماء الموضحة بهذا الدفتر الاخذ كل منهم معاشا حسب المبين قرين اسمه يكونوا دائما تحت طلب التفتيش ولائقين بالاشغال التى يكلفون بها.
ثانيا - العمد والمشايخ مسئولون عن حسن سلوك الانفار المذكورة واذا تأخروا كلهم أو بعضهم عن سداد المطلوب منهم سواء كان من الايجار أو قيمة التعويضات يكون العمد والمشايخ ملزمين بسدادها من طرفهم بدون تعلل أو احالة على الغير فاذا ترك الانفار أو بعضهم الاطيان المعطاة لهم معاشا أو نزع منهم التفتيش تلك الاطيان فيكون العمد والمشايخ ملزمين باحضار بدلهم انفارا يكونون مقبولين لدى التفتيش وذلك بدون أدنى معارضة.
ثالثا - لقسم المزارع الحق فى أخذ الاطيان من العمد والمشايخ والانفار المذكورة وقت ما يشاء. رابعا... خامسا... سادسا...
سابعا - نتعهد جميعا بتنفيذ كافة الاحتياطات المقررة أو التى ستتقرر من الحكومة بشأن اهلاك دودة القطن وخلافها من الآفات الزراعية وذلك بمصاريف منا فان تسبب على توقفنا أو اهمالنا ان الحكومة أجرت هذه العمليات فى الاطيان المعطاة الينا معاشا فعلينا سداد المصاريف من عندنا للجهات المختصة، وعلى كل حال فاننا نحن المسئولين دون غيرنا بتحمل العقوبات المقررة أو التى ستتقرر فى هذا الشأن. ويتضمن هذا التعهد أربعة عشر بندا ووقعه العمدة ونائبه وشيخ الناحية وباقى عمال المعاش. ومفاد هذه النصوص ان جهة الادارة طرف هذا التعهد وان لها حق اختيار عمال المعاش الذين يقوم العمدة أو شيخ الناحية بتقديمهم لخدمة مرفق عام هو تفتيش سخا التابع لقسم المزارع بمصلحة الاقتصاد والاحصاء الزراعى بوزارة الزراعة وأن يكون عمال المعاش من أولئك الانفار التملية دائما تحت طلب التفتيش قائمين بالاشغال والاعمال التى يكلفون بها من "خولاء" و"كلافين" و"عربجية" و"حراس متعلقات التفاتيش" ومنهم من فى الدرجة الاولى ومنهم من فى الدرجة الثانية أو الثالثة ولكل درجة أجر معلوم لمن يشغلها من أولئك العمال. وسير مرفق التفتيش الزراعى يجرى تحت اشراف مصلحة الاقتصاد والاحصاء الزراعى التى تهيمين عليها وزارة الزراعة وقد وضعت جهة الادارة شروط تنظيمية من جانب واحد وحددت أجرا من شقين الاول منهما نقدى والثانى عينى فى صورة منفعة من أرض معطاة بايجار رمزى يقل عن القيمة الايجارية التى فرضها القانون. كما نظمت تلك الشروط لاولئك العمال الاجازات المرضية والاعتيادية والعطلات الرسمية التى يتمتعون بها على غرار مستخدمى الدولة وقدرت لهم تعريضا عن اصابات العمل والوفاة. وكل ذلك يجرى، حسبما تقدم على سنن لائحى منضبط مقدما.
ومن حيث انه ليس فى التشريعات أو اللوائح فى مصر نص يعرف الموظف العمومى، وان كان الكثير من القوانين المصرية استعملت عبارة (الموظفين العموميين) أو (المستخدمين العموميين) دون تفرقة بين العبارتين ودون تحديد فئة الموظفين العموميين بالذات. نجد ذلك فى مختلف التشريعات الصادرة منذ سنة 1883 بشأن الموظفين بل وفى التشريعات الحديثة أيضا. فالقانون المدنى أشار فى المادة (167) منه الى عبارة (الموظف العام) وفى المادة (906) منه (الموظف أو المستخدم) وقانون المرافعات المدنية والتجارية يشير فى المادة (206) منه الى (الموظفين والمستخدمين المكلفين بخدمة عامة). كذلك قانون العقوبات فى مختلف مواده ينص على الموظفين والمستخدمين دون تميز بين النوعين. ثم صدر القانون رقم (210) لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة فقسم موظفى الدولة الى فئتين: الموظفين الداخلين فى الهيئة سواء كانوا مثبتين أم غير مثبتين (وتسرى عليهم احكام الباب الاول من القانون) ثم المستخدمين الخارجيين عن الهيئة (وتسرى عليهم أحكام الباب الثانى) فميز الشارع لاول مرة بين الفئتين واخضع كل فئة منهما لاحكام خاصة. ولا يمكن اعتبار ما نصت عليه المادة الاولى من قانون نظام موظفى الدولة تعريفا للوظيفة العامة أو تعريفا للموظف العمومى اذ أنه اقتصر فقط على بيان أولئك الذين تنطبق عليهم أحكام هذا القانون. ولئن كانت أحكام هذا القانون تسرى على الغالبية الكبرى من موظفى الدولة ومستخدميها الا أنها مع ذلك لا تسرى على فئات اخرى منها طوائف الموظفين الذين تنتظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة وهناك بعض عمال الدولة لا تنطبق عليهم أحكام هذا القانون ويعتبرون مع ذلك من الموظفين العموميين كالعمد والمشايخ والمأذونين. وقد تلاقى القضاء والفقه الادارى على عناصر أساسية للوظيفة العامة، ولاعتبار الشخص موظفا عموميا يتعين مراعاة قيام العناصر الآتية: -
1) أن يساهم فى العمل فى مرفق عام تديره الدولة عن طريق الاستغلال المباشر وفى مصر يعتبرون موظفين عموميين عمال المرافق العامة سواء كانت ادارية أم اقتصادية ما دامت هذه المرافق تدار بأسلوب الاستغلال المباشر.
2) أن تكون المساهمة فى ادارة المرافق العامة عن طريق التعيين أساسا. وقرار اسناد الوظيفة يكون عن طريق عمل فردى أو مجموعى يصدر من جانب السلطة العامة ويجب أن تقابله موافقة من جانب صاحب الشأن فالموظف العمومى يساهم فى ادارة المرافق العامة مساهمة ارادية يقبلها دون قسر أو ارغام. أما الالتحاق جبرا فى خدمة مرفق عام فلا تطبق عليه أحكام الوظيفة العامة.
3) أن يشغل وظيفة دائمة وأن يكون شغله لهذه الوظيفة بطريقة مستمرة لا عرضية. وغنى عن القول أن هذه العناصر لا يمكن اعتبارها عناصر قاطعة نهائية للحكم على عامل من عمال الادارة بأنه موظف أو غير موظف الا انها عناصر أساسية يجب مراعاتها فى هذا الصدد. وهناك عناصر أخرى يتعين استبعادها ولم يعول عليها القضاء فمن ذلك المعيار فى اعتبار الموظفين، ليس نوع العمل الذى يسند اليهم أو أهمية العمل أو كونهم مثبتين أو غير مثبتين، يستقطع منهم معاش أم لا يستقطع، أو فى منحهم مرتبات نقدية أو عينية أو فى عدم منحهم مرتبات. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على اعتبار العمد والمشايخ من الموظفين العموميين اذ أن الراتب الذى يجرى عليه حكم الاستقطاع ليس شرطا أساسيا لاعتبار الشخص موظفا عموميا. وكذلك الحال فيما يتعلق بالمأذون فلا يؤثر فى هذا النظر أن لا يتقاضى راتبا من خزانة الدولة لان الراتب ليس من الخصائص اللازمة للوظيفة العامة لو شرطا من الشروط الواجبة فى اعتبارها. ويلاحظ أن الموظفين العموميين لا يقتصرون على موظفى الحكومة المركزية بل يدخل فيهم موظفو السلطات اللامركزية الاقليمية والسلطات اللامركزية المصلحية أى المنشآت العامة حتى ولو كانوا لا يخضعون لجميع أحكام قانون موظفى الدولة. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه "لكى يعتبر الشخص موظفا عاما خاضعا لاحكام الوظيفة العامة التى مردها الى القوانين واللوائح يجب أن تكون علاقته بالحكومة لها صفة الاستقرار والدوام فى خدمة مرفق عام تديره الدولة بالطريق المباشر أو بالخضوع لاشرافها، وليست علاقة عارضة تعتبر فى حقيقتها عقد عمل يندرج فى مجالات القانون الخاص".
ومن حيث انه على هدى ما تقدم، واذا كان الثابت من الاوراق ومن ملف خدمة المطعون عليهما ان نظام معاملة عامل المعاش يقوم على ان يقدم العمدة أو شيخ الناحية عمال المعاش اللازمين وفقا لحاجة العمل بتفتيش سخا التابع لوزارة الزراعة فيستخدمون فى مختلف الاعمال الزراعية بمقتضى عقد خاص وبأجر يتناسب والدرجة المعين عليها كل منهم فضلا عن ميزات عينية أخرى مقابل تشغيلهم فى اعمال الفلاحة بالتفتيش الحكومى ويستمر عملهم طوال العام بدون انقطاع حتى لو قل العمل الزراعى. وفضلا عن الاجر اليومى المقرر مقدما فى اللائحة فان عامل المعاش يمنح مساحة أرض زراعية فى التفتيش تتفاوت وفقا لدرجته بفئة ايجارية مخفضة عما حدده قانون الاصلاح الزراعى كقيمة ايجارية، ومقرر لهؤلاء العمال نظام اجازات بأنواعه اللائحية المختلفة، وعامل المعاش فى كل ذلك يعمل تحت اشراف وتوجيه الجهة الادارية التابعة لوزارة الزراعة. فلا جدال اذن والحالة هذه فى أن علاقة عامل المعاش بوزارة الزراعة انما هى علاقة عمل دائم وليس علاقة عرضية أو مؤقتة، ومن ثم يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر المنازعات التى تنشأ بين عامل المعاش وجهة الادارة بمناسبة مباشرته لخدمة ذلك المرفق العام. ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الادارية بنظر الدعوى، ويكون الطعن فى هذا الشق منه قد قام على غير سند سليم من القانون خليقا بالرفض.
(ب) - عن قبول الدعوى شكلا:
ومن حيث ان دفع الوزارة الطاعنة بعدم قبول الدعوى شكلا لان المطعون عليهما لم يتظلما من القرار المطعون فيه الى السيد وزير الزراعة وفقا لما يقضى به نص المادة (12) من القانون رقم 165 لسنة 1955 وقرار مجلس الوزراء الصادر فى 6 من ابريل سنة 1955 هو أيضا دفع لا يستقيم مع الواقع ولا سند له من القانون. والثابت من أوراق الدعوى أن الامر الادارى رقم (36) بفصل المطعون عليهما من الخدمة صدر بتوقيع المدير العام لمصلحة الاقتصاد والاحصاء الزراعى بوزارة الزراعة فى 4 من اغسطس سنة 1957 وذلك اعتبارا من تاريخ ايقافهم عن العمل فى 5 من فبراير سنة 1957. فبادر كل منهما الى التظلم من قرار الفصل فى 15 من اغسطس سنة 1957 الى السيد رئيس النيابة الادارية الذى قام بالتحقيق فيما هو منسوب اليهما من ذنب ادارى. وقد رد عليهما رئيس النيابة الادارية فى 17/ 8/ 1957 بكتاب جاء فيه (نفيد أن التظلم الوارد الينا فى 15/ 8/ 1957 بشأن قرار قسم المزارع بفصلكم من الخدمة قد أحيل الى الجهة الادارية المختصة وننبهك الى الرجوع الى الاحكام المنظمة للتظلمات الادارية وطريقة الفصل فيها). وقد أحال السيد رئيس النيابة الادارية التظلم الى الجهة الادارية فى 19 من اغسطس سنة 1957. كما ثبت من الاوراق أن أحد المطعون عليهما قد أرسل تظلما آخر الى مجلس الدولة فى 28/ 8/ 1957 فأحالة المجلس الى وكيل الوزارة المختص فى 31/ 8/ 1957. واذ لم يثبت اخطار المطعون عليهما بنتيجة بحث تظلمهما فقد بادرا الى اقامة هذه الدعوى فى 16/ 12/ 1957 وبذلك تكون الدعوى مقبولة شكلا ويكون قضاء الحكم المطعون فيه بذلك قد جاء سليما ويكون الطعن فيه على النحو الذى جاء بتقرير طعن الحكومة على غير سند من القانون خليقا أيضا بالرفض فى هذا الشق الثانى منه.
(جـ) عن الموضوع:
ومن حيث ان الامر الادارى رقم (36) الصادر من مدير عام مصلحة الاقتصاد والاحصاء الزراعى بوزارة الزراعة فى 4/ 8/ 1957 قد انطوى على ما يأتى: (حيث ان كلا من عبد العزيز اسماعيل النجار ومحمد السكرى ومحمد متولى الفرماوى، وهم من عمال المعاش بزراعة الحمراوى التابعة لمحطة التجارب بسخا قد أظهروا عدم الرغبة فى تأدية الاعمال المكلفون بها، وتباطؤا فى انجازها فى يوم 26/ 1/ 1957 كما قاموا بتحريض زملائهم من العمال الآخرين للاضراب عن العمل فى اليوم المذكور، هذا الى جانب رفعهم الفؤوس على السيد/ على عبد اللطيف شنبه معاون زراعة الحمراوى وكذلك على الخولى ابراهيم غانم وتوجيههم ألفاظا نابية اليهما. وبعد الاطلاع على جميع الاوراق المتعلقة بهذا الموضوع تقرر ما يأتى: أولا فصل كل من عبد العزيز اسماعيل النجار عامل المعاش بزراعة الحمراوى بسخا، ومحمد متولى الفرماوى عامل المعاش أيضا بزراعة الحمراوى بسخا وذلك اعتبارا من 25 من فبراير سنة 1957 تاريخ ايقافهما عن العمل). وثابت من التحقيق الذى أجراه نائب مأمور المركز فى القضية رقم (802) ادارى أن ناظر زراعة سخا بعد أن أبلغ فى 26/ 1/ 1957 عن تحريض المدعيين وآخر للعمال على الاضراب وتوجيه ألفاظا نابية اليه، عاد فأثبت بالتحقيق ان المدعيين لم يحرضا العمال على ترك العمل وانما كانا فقط متكاسلين فى عملهما مما يؤدى الى بطء السير فيه، كذلك لم يثبت من أقوال سائر الشهود واقعة التهديد بالتعدى بالايذاء أو التعدى بالقول على ناظر الزراعة أو الخولى المرافق للعمال. على أن الثابت مع ذلك من التحقيق ان المدعيين قد وجها ألفاظا غير لائقة الى الشاكى ناظر الزراعة الذى وجهت اليه الجهة الادارية جزاء لفت النظر على مسلكه مع عمال المعاش. وقد تبين لهذه المحكمة أن أغلب التهم التى نسبت الى المطعون عليهما غير ثابتة فى حقهما. وقد اختلط الباعث اليها بطابع النكاية وعدم التقدير السليم لمدى الخطورة التى قد تنطوى عليها مثل هذه الشكاوى وتلك الافعال.
ومن حيث انه ولئن كان لجهة الادارة سلطة تقدير الجزاء التأديبى فى حدود النصاب القانونى الا أن مناط ذلك ان يكون التقدير على اساس قيام سببه بجميع اشطاره فاذا تبين انه قدر على اساس ثلاث تهم كالتحريض على الاضراب، ورفع الفئوس على الناظر، وتوجيه ألفاظا خارجة اليه، ثم لم يقم فى حق الموظف سوى بعضها دون البعض الآخر، فان الجزاء والحالة هذه لا يقوم على كامل سببه ويتعين اذن الغاؤه لاعادة التقدير على اساس استبعاد ما لم يقم على وجه اليقين فى حق الموظف مما قد يكون له خطورته وأثره البالغ، وبما يتناسب صدقا وعدلا مع ما قام فى حقه من ذنب غير جسيم حتى ولو كانت جميع الافعال المنسوبة للموظف مرتبطة بعضها مع البعض الآخر ارتباطا لا يقبل التجزئة، اذ ليس من شك فى أنه اذا تبين ان بعض هذه الافعال وخاصة تهمة التحريض على الاضراب أو واقعة رفع الفؤوس على ناظر الزراعة، لا تقوم فى حق المطعون عليهما وكان ذلك من غير شك ملحوظا عند تقدير الجزاء بفصلهما، لكان لجهة الادارة رأى آخر فى صرامة هذا التقدير، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه لا يجوز ان يكون الموظف ضحية الخطأ فى تطبيق القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه اذ أخذ بهذا النظر فانه يكون قد أصاب الحق فيما قضى به من الغاء القرار الصادر بفصل المطعون عليهما، ويكون الطعن فيه قد قام على غير سند سليم من القانون متعينا القضاء برفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الحكومة بالمصروفات.