مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ 809

(76)
جلسة 5 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد ايوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 1703 لسنة 6 القضائية

تأديب - المستخدمون الخارجون عن الهيئة - اختصاص وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه، بتوقيع عقوبات تأديبية عليهم وفقا لنص المادة 128 من قانون موظفى الدولة - للوزير الحق فى اعادة النظر فى الجزاء الادارى وتفويض وكيل الوزارة أو وكيل الوزارة المساعد فى ذلك - خلو نص المادة 128 سالفة الذكر من ايراد هذا الحكم لا يعنى انكار هذا الحق عليه - أساس ذلك.
ان المادة 128 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة الواردة فى الفصل الخاص بالتأديب من الباب المتعلق بالمستخدمين الخارجين عن الهيئة بعد أن عددت العقوبات التأديبية لهؤلاء المستخدمين وجعلت أقصاها الفصل نصت فى فقرتها الثانية على ما يأتى: "يباشر وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة المختص سلطة توقيع هذه العقوبات كل فى دائرة اختصاصه، ويكون قراره فيها نهائيا فيما عدا عقوبة الفصل فيجوز التظلم منها الى لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة التابع لها المستخدم وذلك فى مدى اسبوعين من تاريخ اعلانه بقرار الفصل ويكون قرار اللجنة فى هذا الشأن نهائيا". وعلى أثر صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 390 لسنة 1956 فى شأن التفويض بالاختصاصات أصدر وزير الصحة العمومية قرارا نشر بملحق عدد الجريدة الرسمية رقم 95 فى 26 من نوفمبر سنة 1956 بتحديد اختصاصات وكيل الوزارة جاء فى المادة الثانية منه أن "وكيل الوزارة هو الرئيس الادارى لموظفى الوزارة ومستخدميها، وهو المسئول امام الوزير عن تطبيق القوانين واللوائح فى الوزارة" وفى 27 من فبراير سنة 1957 صدر القرار الوزارى رقم 172 بتحديد اختصاصات السادة وكلاء الوزارة المساعدين ونص فى المادة السادسة منه على أن "يعرض المديرون العامون للمصالح على السادة الوكلاء المساعدين كل منهم فيما يخصه الجزاءات التى توقع على موظفى ومستخدمى الوزارة من الدرجة السابعة فما دونها، وكذا جميع التحقيقات التى تجريها النيابة الادارة مع هؤلاء الموظفين والمستخدمين مشفوعة برأى المصلحة المختصة فيها، ويكون لسيادتهم فى شأنها السلطة المخولة لنا بمقتضى المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة". وفى 7 من فبراير سنة 1959 صدر القرار الوزارى رقم 209 الذى نشر بعدد الجريدة الرسمية رقم 16 الصادر فى 23 من فبراير سنة 1959 بشأن تعديل اختصاصات السيد وكيل الوزارة والسادة الوكلاء المساعدين ومديرى المصالح والاقسام وصحات المديريات والمحافظات، ونص فى البند (جـ) من مادته الحادية عشرة على أن من اختصاصات مديرى المصالح "توقيع العقوبات التأديبية على الموظفين الداخلين فى الهيئة والمستخدمين الخارجين عن الهيئة المنصوص عنها فى قانون موظفى الدولة، ورفعها الى السيد الوزير فيما يختص من الدرجة السادسة فأعلى والى وكيل الوزارة عن الموظفين من الدرجة السابعة وما دونها".
ويؤخذ من النصوص المتقدمة ان الشارع أسند لوكيل الوزارة ولرؤساء المصالح، كل فى دائرة اختصاصه، سلطة توقيع العقوبات التأديبية فى حق المستخدمين الخارجين عن الهيئة، وجعل القرار الصادر من أيهم نهائيا فيما يتعلق به بحيث لا يجوز له الرجوع فيه بعد اصداره بوصفه قرارا اداريا استنفد به سلطته، فيما عدا عقوبة الفصل التى أجاز التظلم منها الى لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة التابع لها المستخدم فى مدى أسبوعين من تاريخ اعلانه بقرار الفصل. وقد أصدر وزير الصحة قرارات منظمة ومحددة لاختصاصات كل من وكيل الوزارة ووكلائها المساعدين ومديرى المصالح والاقسام بها، فجعل وكيل الوزارة هو الرئيس الادارى لموظفى الوزارة ومستخدميها المسئول امامه، وناط بالمديرين العامين للمصالح أن يعرضوا على الوكلاء المساعدين الجزاءات التى توقع على بعض فئات الموظفين وعلى طائفة المستخدمين عامة، مع تفويضهم فى السلطة المخولة له فى هذا الصدد بمقتضى المادة 85 من قانون نظام موظفى الدولة، وأقر لمديرى المصالح اختصاصهم فى توقيع العقوبات التأديبية على الموظفين الداخلين فى الهيئة والمستخدمين الخارجين عن الهيئة، على أن يكون المرجع اليه فى البعض منها، والى وكيل الوزارة فى البعض الآخر بحسب درجة الموظف. وهو تنظيم يملكه الوزير بحكم كونه الرئيس الادارى فى وزارته المهيمن على شئونها والمشرف على حسن سير العمل فيها ويتفق واحكام القانون من حيث كونه يؤكد لكل من وكيل الوزارة ورؤساء المصالح الاختصاصات التأديبية التى اسندها القانون اليهم، فلا ينتقص منها ما خولهم اياه القانون، ولا يزيد عليها الا ما أجاز له القانون تفويضهم فيه، وانما رتب اشرافا رئاسيا متدرجا على ممارسة هذه السلطة، محققا بذلك مزيدا من الضمانات للموظفين والمستخدمين، حتى لا ينفرد رئيس المصلحة بالسلطة فى معاقبتهم تأديبيا دون رقيب عليه من سلطة أعلا. ولا سيما ان المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة نصت على عدم قبول الطلبات المقدمة رأسا بالغاء القرارات الادارية النهائية للسلطات التأديبية عدا ما كان منها صادرا من مجالس تأديبية وذلك قبل التظلم منها الى الهيئة الادارية التى أصدرت القرار أو الى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم. ومقتضى فرض هذا التظلم الوجوبى أن تكون للهيئة الرئيسية سلطة الغاء القرار التأديبى المتظلم منه أو تعديله والا انتفت حكمة هذا التظلم وكان استلزامه ضربا من اللغو. ولا يحول دون ذلك كون القرار نهائيا بالنسبة الى مصدره. وما دامت الهيئة الرئيسية تتناهى فى مدارجها الى الوزير فانه يملك اعادة النظر فى القرار فى حالة التظلم منه. واذ كان هذا حقا أصيلا ثابتا له فان له أعماله من غير طريق التظلم كما هو الشأن عند التظلم على حد سواء. ومرد ذلك الى كونه الرئيس الاعلى فى وزارته. وشأن القرار التأديبى فى هذا الخصوص فيما يتعلق بسلطة الجهة الرئيسية أزاءه شأن أى قرار ادارى آخر. وغنى عن البيان أن خضوع القرار فى هذه الحالة لمراجعة السلطة الرئيسية وتعقيبها ينطوى على ضمان للموظف أو المستخدم الذى يوقع عليه الجزاء التأديبى. واذا كانت المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة قد نصت بالنسبة الى الموظفين الداخلين فى الهيئة المعينين على وظائف دائمة على سلطة الوزير فى الغاء القرار التأديبى الصادر فى حقهم من وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد أو رئيس المصلحة أو تعديل العقوبة الموقعة بتشديدها أو خفضها وذلك خلال شهر من تاريخ اصدار القرار، وعلى حقه اذا ما ألغى القرار فى احالة الموظف الى مجلس التأديب خلال هذا الميعاد، فانها لم تنشئ للوزير أزاء هؤلاء الموظفين سلطة تأديبية ممنوعة عليه أزاء المستخدمين الخارجين عن الهيئة وانما قصدت بذلك ايراد قيد زمنى على هذه السلطة فى خصوص الموظفين الدائمين، واطلقتها من هذا القيد فى المادة 128 من القانون بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة. بمعنى أن خلو هذه المادة الاخيرة من الاشارة الى سلطة الوزير فى الغاء القرار أو تعديل العقوبة لا يعنى انكار هذا الحق عليه، اذ أنه مستمد من طبيعة القرار الادارى ومقتضيات الاوضاع الرئاسية، دون ما حاجة الى ترديده فى النص، وانما يعنى أن القيد الزمنى الخاص الوارد فى المادة 85 من القانون لا يسرى فى مقام تطبيق المادة 128 منه، ذلك أنه لا يقبل أن تنحسر سلطة الوزير بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة وهم أقل شأنا من الموظفين الدائمين أو أن تكون آزاءهم أدنى منها أزاء هؤلاء الاخيرين فليس مفاد اختصاص وكيل الوزارة او رئيس المصلحة بحسب الاحوال توقيع عقوبات تأديبية على المستخدمين الخارجين عن الهيئة، أن هذا الاختصاص معقود لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة وحدهما بلا معقب دون الوزير، بل إن التدرج الرئاسى محفوظ ومرعى، فاذا ما صدر القرار من وكيل الوزارة أو من الوزير فان الضمانات التى تغياها الشارع من اسناد هذا الاختصاص الى رئيس المصلحة، منعا من صدور عقوبة تأديبية من سلطة أدنى، تكون من باب أولى مكفولة. والقول بغير ذلك يؤدى الى غل يد الوزير بالنسبة الى صغار الموظفين، وانتقاص ضمانة لهم، ويتنافى بداهة مع سلطة الوزير فى الاشراف على شئون وزارته ورقابة حسن سير العمل فيها.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 11 من يونية سنة 1960 أودعت ادارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير الصحة العمومية سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1703 لسنة 6 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارات الصحة والاوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 11 من ابريل سنة 1960 فى الدعوى رقم 14 لسنة 7 القضائية "محاكم" المقامة من: حسن أحمد محمد العقبى ضد وزارة الصحة العمومية القاضى "بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر فى 2 من ابريل سنة 1959 بفصل المدعى من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلب السيد الطاعن للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه "احالة هذا الطعن الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع الزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون عليه فى 15 من ابريل سنة 1961 فعقب عليه بمذكرة أودعها فى 9 من يولية سنة 1961 طلب فيها لما شرحه بها من دفاع "الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه مع الزام الوزارة بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة" كما قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه لما أبدته به من أسباب الى أنها ترى "قبول لطعن شكلا ورفضه موضوعا" وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن امام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من يناير سنة 1962 التى أبلغ بها الطرفان فى 26 من ديسمبر سنة 1961. وقد قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا لنظره بجلسة 7 من ابريل سنة 1962 التى أبلغ بها الطرفان فى 25 من مارس سنة 1962. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 11 من ابريل سنة 1960، وان آخر ميعاد الستين يوما المقرر للطعن فيها وهو 10 من يونية سنة 1960 صادف يوم جمعة وهو عطلة رسمية، وبذلك امتد الميعاد الى أول يوم عمل بعدها بناء على نص المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهو يوم السبت الموافق 11 من يونية سنة 1960 الذى تم فيه رفع الطعن بايداع صحيفته سكرتيرية هذه المحكمة، ومن ثم فان الطعن يكون مقبولا شكلا لرفعه فى الميعاد القانونى.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 14 لسنة 7 القضائية "محاكم" ضد وزارة الصحة العمومية أمام المحكمة الادارية لوزارات الصحة والاوقاف والشئون البلدية والقروية بطريق المعافاة بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة فى 18 من اكتوبر سنة 1959 ذكر فيها انه كان مستخدما بادارة السكرتيرية بوزارة الصحة، وفى 2 من ابريل سنة 1959 صدر قرار فصله من الخدمة بمقولة أنه سئ السير والسلوك، فبادر بالتظلم من هذا القرار فى 5 من ابريل سنة 1959 ، إلا أن الوزارة لم تجب عن تظلمه فى الميعاد فأقام دعواه الحالية ناعيا على قرار فصله مخالفته للقانون، اذ سبق للوزارة أن أوقعت عليه جزاء بخصم خمسة عشر يوما من راتبه عن شهر مارس سنة 1959 من أجل ذات الفعل الذى فصل بسببه وقد أصدر قرار الخصم هذا السيد مدير عام مصلحة القومسيونات الطبية فى 20 من يناير سنة 1959، وقامت مراقبة الحسابات بالادارة العامة بتنفيذه. وفى 3 من مارس سنة 1959 رفع المدير المذكور الى السيد وكيل وزارة الصحة المساعد مذكرة تتضمن أن المدعى اتهم فى جريمة رشوة وانه تقرر خصم خمسة عشر يوما من راتبه الا أن النيابة الادارية طلبت فصله من الخدمة، ولما كان قد سبق توقع جزاء عليه عن ذات التهمة. فقد طلب السيد المدير اعادة الاوراق الى النيابة الادارية لاعادة النظر فى الموضوع، الا ان السيد وكيل الوزارة المساعد أشر على هذه المذكرة بالغاء جزاء الخصم وبفصل المدعى من وظيفته، وفى 2 من ابريل سنة 1959 صدر قرار الفصل المطعون فيه لسوء السلوك. وقد كان يتعين على الوزارة اصدار قرار ادارى بسحب قرار مجازاة المدعى بخصم خمسة عشر يوما من راتبه، أما ولم يصدر قرار السحب هذا قبل صدور قرار الفصل، فان الوزارة تكون قد خالفت القانون باصدار قرارين اداريين بجزاءين عن فعل واحد. ولا يرد على هذا بأن السيد وكيل الوزارة المساعد قد أشر على مذكرة السيد مدير عام مصلحة القومسيونات الطبية بالغاء جزاء الخصم من راتب المدعى وبفصله من الخدمة، لان هذه التأشيرة لكى تتخذ الشكل القانونى الصحيح كان يتعين على الجهة الادارية اصدار قرار صريح بالغاء جزاء الخصم ورد ما سبق خصمه، وبذلك يكون قرار الفصل واجب الالغاء. ولما كان ركن الاستعجال متوفر فى حالة المدعى اذ ليس له مورد رزق يقوم بأوده غير مرتبه الذى انقطع عنه بفصله من الخدمة فانه يطلب "الحكم له: أولا - بصرف مرتبه حتى لا ينقطع عنه مورد رزقه، وذلك حتى يفصل نهائيا فى موضوع الدعوى. ثانيا - بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر فى 2 من ابريل سنة 1959 بفصل المدعى من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار، مع حفظ كافة حقوق المدعى الاخرى، والزام الوزارة المدعى عليها المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة".
وقد ردت وزارة الصحة على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعى كان يشغل وظيفة فراش من الدرجة الثانية خارج الهيئة بادارة السكرتيرية بالوزارة، وكان منتدبا للعمل بالقومسيونات الطبية. وفى 6 من ديسمبر سنة 1958 ضبط متلبسا بجريمة رشوة أثناء تأدية وظيفته بوساطة أحد وكلاء النيابة الادارية لوزارة الصحة، وأخطرت النيابة العامة بهذه الواقعة التى قيدت برقم 718 سنة 1958 مصر - السيدة، كما أجرت النيابة الادارية لوزارة الصحة تحقيقا معه قيد برقم 491 لسنة 1958. وفى 11 من يناير سنة 1959 طلبت النيابة العامة النظر فى أمر المدعى اداريا. وتنفيذا لهذا الطلب أصدرت القومسيونات الطبية فى 20 من يناير سنة 1959 قرارا بمجازاة المدعى بخصم خمسة عشر يوما من مرتبه، الا أن الادارة العامة اعترضت على هذا القرار لعدم ذكر تاريخ وقوع المخالفة فأعيد اصداره اعتبارا من 2 مارس سنة 1959 بعد استيفائه، ونفذ الخصم من ماهية شهر مارس سنة 1959. وقد انتهت النيابة الادارية من التحقيق الذى أجرته الى المطالبة فى مذكرة لها معتمدة فى 25 من فبراير سنة 1959 الى المطالبة بفصل المدعى من الخدمة لثبوت تهمة الرشوة فى حقه. وقد أشر السيد مدير القومسيونات الطبية فى أول مارس سنة 1959 على هذه المذكرة برفع الامر الى السيد وكيل الوزارة المساعد للموافقة على اعادة الاوراق الى النيابة الادارية لاعادة النظر فى الموضوع نظرا الى ان المصلحة سبق أن قررت مجازاة المذكور بخصم خمسة عشر يوما من مرتبه لذات التهمة. وفى 4 من مارس سنة 1959 أشر السيد وكيل الوزارة المساعد على مذكرة القومسيونات الطبية بأنه يرى أن يلغى قرار الخصم وان يفصل المدعى من وظيفته للاسباب الموضحة بهذه المذكرة. وفى 7 مارس سنة 1959 تأشر على هذه المذكرة من السيد وكيل الوزارة بالموافقة وبعرضها على السيد الوزير. وفى 28 من مارس سنة 1959 تأشر عليها من السيد الوزير بتنفيذ فصل المدعى. وبناء عليه صدر فى 5 من ابريل سنة 1959 قرار ادارى بفصل المدعى من الخدمة اعتبارا من 2 من ابريل سنة 1959 بسبب سوء السلوك (تهمة الرشوة). وقد تظلم المدعى من هذا القرار فى يوم 5 من ابريل سنة 1959 وهو تاريخ علمه به ولم يبت فى تظلمه، ثم اقام دعواه الحالية وقد صرفت له قيمة الجزاء الذى خصم منه وذلك بعد أن تقرر سحب هذا الجزاء. وقد صدر قرار الخصم صحيحا مرتبا لآثاره القانونية فى 2 من مارس سنة 1959، وسحب من السيد وكيل الوزارة فى 7 منه حيث اعتبر كأن لم يكن، وتأكد هذا السحب ضمنا بصدور قرار الفصل، وتم ذلك فى الميعاد القانونى المقرر للسحب وصرفت للمدعى قيمة الجزاء المخصوم من راتبه. ولما كان قرار الفصل قد صدر بسبب سوء سلوك المذكور لما نسب اليه من تهمة الرشوة فى حالة تلبس وبعد التحقيق معه اداريا، فان القرار يكون قد قام على سببه الصحيح المبرر له المستخلص استخلاصا سائغا من اصول ثابتة فى الاوراق تؤدى ماديا وقانونا الى النتيجة التى انتهى اليها، كما أنه صدر ممن يملكه فى الشكل الذى يتطلبه القانون وفى حدود حرية الادارة فى تقدير خطورة الفعل وتقدير العقوبة، فان الدعوى بطلب الغائه تكون على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضها مع الزام المدعى بمصروفاتها وبمقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 14 من ديسمبر سنة 1959 قضت المحكمة الادارية فى طلب صرف المرتب "(أولا) بالزام المدعى عليها بصرف راتب المدعى شهريا لحين الفصل فى الموضوع والزمتها مصروفات هذا الطلب. (ثانيا) احالة الدعوى الى مفوض الدولة لاستيفائها موضوعا". وقد طعنت وزارة الصحة العمومية فى هذا الشق من الحكم الخاص بالطلب المؤقت بالطعن رقم 745 لسنة 6 القضائية امام المحكمة الادارية العليا التى اصدرت دائرة فحص الطعون بها بجلسة 11 من يونية سنة 1961 حكمها بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا تأسيسا على ان الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فى قضائه فى النتيجة التى انتهى اليها.
وقد أبدت وزارة الصحة دفاعها فى الموضوع فى مذكرتين تكميليتين قالت فيهما انه يبين من الاطلاع على نص المادتين 118، 128 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة انهما اطلقتا السلطة لكل من وكيل الوزارة ومدير المصلحة فى توقيع الجزاءات الواردة فى المادة 128 على المستخدمين الخارجين عن الهيئة دون تحديد نوع الجزاءات التى يوقعها كل منهما، ومن ثم فلا تثريب على وزير الصحة اذا ما أصدر قرارات وزارية بتحديد الاختصاصات فى هذا الصدد. وقد أصدر قرارا بهذا المعنى فى 7 من فبراير سنة 1959 بالاستناد الى القانون رقم 390 لسنة 1956 فى شأن التفويض بالاختصاصات، وبمقتضى هذا القرار أصبحت القرارات التأديبية التى يصدرها مديرو المصالح بوزارة الصحة غير نهائية، بحيث اذا ما عرضت على الوزير أو على وكيل الوزارة كل بحسب فئات الموظفين والمستخدمين ودرجاتهم كان له سلطة البت فيها نهائيا باعتباره السلطة الرئاسية المختصة، فله أن يقرها أو يعدلها أو يلغيها. وهذا هو الحال بالنسبة الى قرار السيد مدير عام مصلحة القومسيونات الطبية الصادر فى 2 من مارس سنة 1959 بمجازاة المدعى بخصم خمسة عشر يوما من مرتبه. وليس شك فى ان الرجوع الى الوزير فى هذا الشأن، وهو الذى يملك هذا الحق بمقتضى المادة 85 من قانون نظام موظفى الدولة فيما يتعلق بالموظفين الدائمين أو الرجوع الى وكيل الوزارة. انما يحقق ضمانات أوفى للمستخدمين الخارجين عن الهيئة، والقول بغير ذلك يؤدى الى غل يد الوزير بالنسبة الى صغار الموظفين فى الوقت الذى خوله فيه القانون حق تعديل العقوبة التأديبية أو تشديدها بالنسبة الى كبارهم المعينين على وظائف دائمة، الامر الذى يتنافى مع سلطة الوزير فى الاشراف على شئون وزارته ورقابة حسن سير العمل فيها. ولا وجه للاحتجاج بنهائية القرار الصادر فى 27 من يناير سنة 1959 من السيد مدير عام مصلحة القومسيونات الطبية بمقولة انه صدر من رئيس مختص لمصلحة ذات كيان مستقل ولم يكن بحاجة الى تصديق من جهة أعلى لنفاذه، ذلك ان القرار المشار اليه قد تأشر من السيد وكيل الوزارة المساعد فى 4 من مارس سنة 1959 بسحبه وتعديله ووافق على ذلك السيد وكيل الوزارة فى 7 منه وتم السحب والتعديل فى الميعاد القانونى قبل أن يتحصن القرار من الالغاء أو التعديل وقد تأكد هذا الالغاء بصرف قيمة الجزاء السابق خصمه من المدعى. ومن ثم تكون الدعوى حقيقة بالرفض مع الزام رافعها بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.
وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه لما أبداه به من أسباب الى أنه "يرى الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الادارى الصادر بتاريخ 5 من ابريل سنة 1959 بفصل المدعى مع ما يترتب على ذلك من آثار، والزام وزارة الصحة المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة".
وبجلسة 11 من ابريل سنة 1960 قضت المحكمة الادارية لوزارات الصحة والاوقاف والشئون البلدية والقروية "بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر فى 2 من ابريل سنة 1959 بفصل المدعى من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتى قرش مقابل اتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها على انه يؤخذ من نص المادة 128 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة أن السلطة التأديبية للمستخدمين الخارجين عن الهيئة هى وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه، أى أنه فى المصالح المستقلة التى لها كيان قانونى يكون رئيس المصلحة هو السلطة التأديبية المختصة بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة، أما بالنسبة الى الديوان العام أو الى الادارات التى لا تتبع مصالح فان السلطة المختصة بتأديب مستخدميها الخارجين عن الهيئة هى وكيل الوزارة ويبين من المقابلة بين نص المادتين 118، 128 من قانون نظام موظفى الدولة وبين نصوص القانون المذكور الخاصة بالموظفين الداخلين فى الهيئة أن كلا من وكيل الوزارة ورئيس المصلحة فى دائرة اختصاصه له اختصاصات الوزير بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة لحكمة واضحة هى الاخذ بنظام اللامركزية بالنسبة الى طائفة تعتبر أمورها قليلة الاهمية اذا قيست بمسائل الموظفين الداخلين فى الهيئة. لذلك لم يكن المشرع بحاجة وهو بصدد الاحالة فى المادة 117 من القانون على بعض نصوصه التى تسرى على الموظفين الداخلين فى الهيئة لمد أثرها الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة الى أن يورد بينها نص المادة 85 الخاصة بالجزاءات التأديبية التى أعطت الوزير سلطة توقيع بعض العقوبات وكذا سلطة الغاء القرار الصادر من وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد أو رئيس المصلحة أو تعديل العقوبة الموقعة بتشديدها أو خفضها خلال شهر من تاريخ اصدار القرار. فاذا كانت نية المشرع لم تنصرف الى اعطاء الوزير سلطة تشديد العقوبة أو خفضها أو الغائها فيما يتعلق بالمستخدمين الخارجين عن الهيئة للحكمة المتقدمة فانه لا يسوغ مع ذلك القول بأن وكيل الوزارة يعتبر سلطة تأديبية رئاسية بالنسبة الى قرارات رئيس المصلحة التى يصدرها فى حدود اختصاصه فى شأن طائفة المستخدمين الخارجين عن الهيئة، لان فى ذلك اعطاء سلطة لوكيل الوزارة لا يملكها الوزير نفسه. ولا يقدح فى هذا أن الوزير قد أصدر عدة قرارات تنفيذا للقانون رقم 390 لسنة 1956 فى شأن التفويض بالاختصاصات لان هذا القانون انما أجاز للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين الى وكيل الوزارة، فاذا كان القانون لم يعط الوزير اختصاصا تأديبيا فانه لا يجوز للوزير بقرار منه أن يعطى وكيل الوزارة اختصاصا لما يخوله له القانون. وحتى بفرض التسليم جدلا بسلطة الوزير التأديبية بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة فان هذه السلطة المنصوص عليها فى المادة 85 من قانون التوظف منوطة باستعمالها خلال شهر من تاريخ اصدار القرار. وقد صدر قرار السيد مدير عام مصلحة القومسيونات الطبية بمجازاة المدعى بخصم خمسة عشر يوما من راتبه فى 20 من يناير سنة 1959 ولم يصدر قرار السيد وكيل الوزارة بتشديد العقوبة وجعلها الفصل من الخدمة الا فى 7 من مارس سنة 1959. ومن ثم فان القرار المطعون فيه يكون قد صدر مخالفا للقانون لصدوره من سلطة غير مختصة باصداره ويتعين القضاء بالغائه.
وقد طعنت وزارة الصحة فى هذا الحكم بعريضة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة فى 11 من يونية سنة 1960 طلبت فيها "احالة هذا الطعن الى المحكمة الادارية (العليا) لتقضى بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع الزام رافعها بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة عن الدرجتين" واستندت فى أسباب طعنها الى ان السيد وزير الصحة أصدر فى 26 من نوفمبر سنة 1956 تنفيذا للقانون رقم 390 لسنة 1956 فى شأن التفويض بالاختصاصات قرارات وزارية بشأن اختصاصات وكيل الوزارة والوكلاء المساعدين ورؤساء المصالح ومديرى الاقسام ومفتشى صحة المديريات والمحافظات بالوزارة، وقد جاء فيها أن وكيل الوزارة هو الرئيس الادارى لموظفى الوزارة ومستخدميها وانه هو المسئول امام الوزير عن تطبيق القوانين واللوائح فى الوزارة. وفى 27 من فبراير سنة 1957 صدر القرار الوزارى رقم 172 بتحديد اختصاصات وكلاء الوزارة المساعدين ونص فى مادته السادسة على ان يعرض المديرون العامون للمصالح على السادة الوكلاء المساعدين كل منهم فيما يخصه الجزاءات التى توقع على موظفى ومستخدمى الوزارة من الدرجة السابعة فما دونها وكذلك جميع التحقيقات التى تجريها النيابة الادارية مع هؤلاء الموظفين والمستخدمين مشفوعة برأى المصلحة المختصة فيها، ويكون لهم فى شأنها السلطة المخولة للوزير بمقتضى المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة ولما كان القرار الادارى الصادر من مدير المصلحة بتوقيع جزاء الخصم لا يعدو أن يكون قرارا اداريا يجرى فى شأنه ما يجرى على سائر القرارات الادارية بما فى ذلك سلطة الرؤساء فى الغاء قرارات مرؤوسيهم، فان قرار وكيل الوزارة المصدق عليه من الوزير بالغاء الخصم وفصل المدعى يكون سليما، ولاسيما ان الوزارة قد صرفت لهذا الاخير قيمة الجزاء السابق خصمه من مرتبه. ومن ثم فان الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن فى الاحكام امام المحكمة الادارية العليا.
وقد عقب المدعى على هذا الطعن بمذكرة طلب فيها "الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه مع الزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأقام دفاعه على ان المشرع قصد الى ان شئون المستخدمين الخارجين عن الهيئة بما فى ذلك توقيع العقوبات التأديبية تكون من اختصاص وكيل الوزارة أو مدير عام المصلحة كل فى دائرة اختصاصه، وان كلا منهما هو السلطة العليا فى هذا الخصوص ما عدا حالة توقيع جزاء الفصل التى يجوز التظلم منها خلال اسبوعين الى لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة. واختصاص وكيل الوزارة يشمل المستخدمين الخارجين عن الهيئة الموجودين فى الديوان العام أو فى الادارات التى لا تتبع مصالح مستقلة أما فى المصالح المستقلة فيختص بشئون هؤلاء المستخدمين مديرها العام باعتباره رئيس المصلحة وقد أعطى المشرع لوكيل الوزارة أو لرئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه بالنسبة الى الموظفين الخارجين عن الهيئة نفس السلطات التى للوزير بالنسبة الى الموظفين الداخلين فى الهيئة أخذا بنظام اللامركزية، ولم تنصرف نيته الى اعطاء الوزير سلطة تشديد العقوبة أو تخفيضها أو الغائها بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة أى انها لم تنصرف الى اعتباره سلطة تأديبية رئاسية بالنسبة لقرارات رئيس المصلحة أو وكيل الوزارة الصادرة فى هذا الشأن. ومن ثم فلا يستساغ القول بأن وكيل الوزارة يعتبر سلطة تأديبية رئاسية بالنسبة الى قرارات رئيس المصلحة التى يصدرها فى حدود اختصاصه فى شأن الموظفين الخارجين عن الهيئة، والا كان فى ذلك منحه سلطة لا يملكها الوزير نفسه. ولا يغير من هذا ما أصدره الوزير من قرارات تنفيذا للقانون رقم 390 لسنة 1956 الذى أجاز للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين الى وكيل الوزارة، أنه اذا كانت القوانين لم تخول الوزير اختصاصا تأديبيا فيما يتعلق بالمستخدمين الخارجين عن الهيئة، فانه لا يملك ان يفوض غيره فى اختصاص ليس ثابتا له، وفاقد الشئ لا يعطيه، وعلى هذا فان قرار الفصل المطعون فيه يكون مخالفا للقانون لصدوره من سلطة غير مختصة وبذلك يكون حقيقا بالالغاء على نحو ما قضت به المحكمة الادارية بحق بحكمها المطعون فيه.
وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة مذكرة بالرأى القانونى مسببا انتهت فيها الى انها ترى "قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا" واستندت فى ذلك الى أن المادة 128 من قانون التوظف صريحة فى أن السلطة التأديبية للمستخدمين الخارجين عن الهيئة هى وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه. واذ كان المدعى موظفا خارج الهيئة منتدبا بمصلحة القومسيونات الطبية وهى مصلحة قائمة بذاتها فان السلطة التأديبية تكون معقودة لرئيس هذه المصلحة، ولا تعقيب لوكيل الوزارة على قراراته، كما لا تعقيب للوزير على هذه القرارات مادامت المادة 117 من القانون المذكور لم تحل فيما أحالت اليه من نصوص على نص المادة 85 منه فى شأن الموظفين الداخلين فى الهيئة. ولا يغير من هذا صدور القانون رقم 390 لسنة 1956 فى شأن التفويض بالاختصاصات، لان كل ما فعله هذا القانون هو أنه أجاز للوزير أن يعهد الى وكيل الوزارة ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين. ولما كان القانون لم يمنح الوزير سلطة التعقيب على القرارات التأديبية التى يصدرها رئيس المصلحة بالنسبة الى الموظفين الخارجين عن الهيئة، فانه لا يجوز للوزير أن يصدر قرارات بالتفويض فى أمر لا يملكه، ومن ثم فان الحكم المطعون فيه يكون قد جاء سليما فيما انتهى اليه من الغاء القرار المطعون فيه لصدوره من سلطة غير مختصة.
ومن حيث ان المادة 128 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة الواردة فى الفصل الخاص بالتأديب من الباب المتعلق بالمستخدمين الخارجين عن الهيئة بعد أن عددت العقوبات التأديبية لهؤلاء المستخدمين وجعلت أقصاها الفصل، نصت فى فقرتها الثانية على ما يأتى: "يباشر وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة المختص سلطة توقيع هذه العقوبات كل فى دائرة اختصاصه، ويكون قراره فيها نهائيا فيما عدا عقوبة الفصل فيجوز التظلم منها الى لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة التابع لها المستخدم وذلك فى مدى اسبوعين من تاريخ اعلانه بقرار الفصل ويكون قرار اللجنة فى هذا الشأن نهائيا". وعلى أثر صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 390 لسنة 1956 فى شأن التفويض بالاختصاصات أصدر وزير الصحة العمومية قرارا نشر بملحق عدد الجريد الرسمية رقم 95 فى 26 من نوفمبر سنة 1956 بتحديد اختصاصات وكيل الوزارة جاء فى المادة الثانية منه أن "وكيل الوزارة هو الرئيس الادارى لموظفى الوزارة ومستخدميها، وهو المسئول أمام الوزير عن تطبيق القوانين واللوائح فى الوزارة". وفى 27 من فبراير سنة 1957 صدر القرار الوزارى رقم 172 بتحديد اختصاصات السادة وكلاء الوزارة المساعدين ونص فى المادة السادسة منه على أن "يعرض المديرون العامون للمصالح على السادة الوكلاء المساعدين كل منهم فيما يخصه الجزاءات التى توقع على موظفى ومستخدمى الوزارة من الدرجة السابعة فما دونها، وكذا جميع التحقيقات التى تجريها النيابة الادارية مع هؤلاء الموظفين والمستخدمين مشفوعة برأى المصلحة المختصة فيها، ويكون لسيادتهم فى شأنها السلطة المخولة لنا بمقتضى المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة". وفى 7 من فبراير سنة 1959 صدر القرار الوزارى رقم 209 الذى نشر بعدد الجريدة الرسمية رقم 16 الصادر فى 23 من فبراير سنة 1959 بشأن تعديل اختصاصات السيد وكيل الوزارة والسادة الوكلاء المساعدين ومديرى المصالح والاقسام وصحات المديريات والمحافظات، ونص فى البند (جـ) من مادته الحادية عشرة على أن من اختصاصات مديرى المصالح "توقيع العقوبات التأديبية على الموظفين الداخلين فى الهيئة والمستخدمين الخارجين عن الهيئة المنصوص عنها فى قانون موظفى الدولة، ورفعها الى السيد الوزير فيما يختص من الدرجة السادسة فأعلى، والى وكيل الوزارة عن الموظفين من الدرجة السابعة وما دونها".
ومن حيث انه يؤخذ من النصوص المتقدمة ان الشارع اسند لوكيل الوزارة ولرؤساء المصالح، كل فى دائرة اختصاصه، سلطة توقيع العقوبات التأديبية فى حق المستخدمين الخارجين عن الهيئة، وجعل القرار الصادر من أيهم نهائيا فيما يتعلق به بحيث لا يجوز له الرجوع فيه بعد اصداره بوصفه قرارا اداريا استنفد به سلطته، فيما عدا عقوبة الفصل التى أجاز التظلم منها الى لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة التابع لها المستخدم فى مدى اسبوعين من تاريخ اعلانه بقرار الفصل. وقد أصدر وزير الصحة قرارات منظمة ومحددة لاختصاصات كل من وكيل الوزارة ووكلائها المساعدين ومديرى المصالح والاقسام بها، فجعل وكيل الوزارة هو الرئيس الادارى لموظفى الوزارة ومستخدميها المسئول أمامه، وناط بالمديرين العامين للمصالح أن يعرضوا على الوكلاء المساعدين الجزاءات التى توقع على بعض فئات الموظفين وعلى طائفة المستخدمين عامة، مع تفويضهم فى السلطة المخولة له فى هذا الصدد بمقتضى المادة 85 من قانون موظفى الدولة، وأقر لمديرى المصالح اختصاصهم فى توقيع العقوبات التأديبية على الموظفين الداخلين فى الهيئة والمستخدمين الخارجين عن الهيئة، على أن يكون المرجع اليه فى البعض منها، والى وكيل الوزارة فى البعض الآخر بحسب درجة التوظف. وهو تنظيم يملكه الوزير بحكم كونه الرئيس الادارى فى وزارته المهيمن على شئونها والمشرف على حسن سير العمل فيها، ويتفق واحكام القانون من حيث كونه يؤكد لكل من وكيل الوزارة ورؤساء المصالح الاختصاصات التأديبية التى أسندها القانون اليهم، فلا ينتقص منها ما خولهم اياه القانون، ولا يزيد عليها الا ما أجاز له القانون تفويضهم فيه، وانما رتب اشرافا رئاسيا متدرجا على ممارسة هذه السلطة، محققا بذلك مزيدا من الضمانات للموظفين والمستخدمين، حتى لا ينفرد رئيس المصلحة بالسلطة فى معاقبتهم تأديبيا دون رقيب عليه من سلطة أعلى. ولا سيما أن المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة نصت على عدم قبول الطلبات المقدمة رأسا بالغاء القرارات الادارية النهائية للسلطات التأديبية عدا ما كان منها صادرا من مجالس تأديبية وذلك قبل التظلم منها الى الهيئة الادارية التى أصدرت القرار أو الى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم. ومقتضى فرض هذا التظلم الوجوبى أن تكون للهيئة الرئيسية سلطة الغاء القرار التأديبى المتظلم منه أو تعديله والا انتفت حكمة هذا التظلم وكان استلزامه ضربا من اللغو. ولا يحول دون ذلك كون القرار نهائيا بالنسبة الى مصدره. وما دامت الهيئة الرئيسية تتناهى فى مدارجها الى الوزير فانه يملك اعادة النظر فى القرار فى حالة التظلم منه. واذ كان هذا حقا أصيلا ثابتا له فان له اعماله عن غير طريق التظلم كما هو الشأن عند التظلم على حد سواء. ومرد ذلك الى كونه الرئيس الاعلى فى وزارته. وشأن القرار التأديبى فى هذا الخصوص فيما يتعلق بسلطة الجهة الرئيسية ازاءه شأن أى قرار ادارى آخر. وغنى عن البيان أن خضوع القرار فى هذه الحالة لمراجعة السلطة الرئيسية وتعقيبها ينطوى على ضمان للموظف أو المستخدم الذى يوقع عليه الجزاء التأديبى. واذا كانت المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة قد نصت بالنسبة الى الموظفين الداخلين فى الهيئة المعينين على وظائف دائمة على سلطة الوزير فى الغاء القرار التأديبى الصادر فى حقهم من وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد أو رئيس المصلحة أو تعديل العقوبة الموقعة بتشديدها أو خفضها وذلك خلال شهر من تاريخ اصدار القرار، وعلى حقه اذا ما ألغى القرار فى احالة الموظف الى مجلس التأديب خلال هذا الميعاد، فانها لم تنشئ لوزير أزاء هؤلاء الموظفين سلطة تأديبية ممنوعة عليه أزاء المستخدمين الخارجين عن الهيئة وانما قصدت بذلك ايراد قيد زمنى على هذه السلطة فى خصوص الموظفين الدائمين، واطلقتها من هذا القيد فى المادة 128 من القانون بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة. بمعنى أن خلو هذه المادة الاخيرة من الاشارة الى سلطة الوزير فى الغاء القرار أو تعديل العقوبة لا يعنى انكار هذا الحق عليه، اذ أنه مستمد من طبيعة القرار الادارى ومقتضيات الاوضاع الرئاسية، دون ما حاجة الى ترديده فى النص، وانما يعنى أن القيد الزمنى الخاص الوارد فى المادة 85 من القانون لا يسرى فى مقام تطبيق المادة 128 منه، ذلك أنه لا يقبل أن تنحسر سلطة الوزير بالنسبة الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة، وهم أقل شأنا من الموظفين الدائمين أو أن تكون أزاءهم أدنى منها أزاء هؤلاء الاخيرين فليس مفاد اختصاص وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة بحسب الاحوال بتوقيع عقوبات تأديبية على المستخدمين الخارجين عن الهيئة، أن هذا الاختصاص معقود لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة وحدهما بلا معقب دون الوزير، بل ان التدرج الرئاسى محفوظ ومرعى، فاذا ما صدر القرار من وكيل الوزارة أو من الوزير فان الضمانات التى تغياها الشارع من اسناد هذا الاختصاص الى رئيس المصلحة، منعا من صدور عقوبة تأديبية من سلطة أدنى، تكون من باب أولى مكفولة، والقول بغير ذلك يؤدى الى غل يد الوزير بالنسبة الى صغار الموظفين، وانتقاص ضمانة لهم، ويتنافى بداهة مع سلطة الوزير فى الاشراف على شئون وزارته ورقابة حسن سير العمل فيها.
ومن حيث انه يبين من الاوراق أنه عقب ضبط المدعى - وقد كان منتدبا للعمل بالقومسيونات الطبية - متلبسا بجريمة رشوة أثناء تأدية وظيفته، أبلغت بالواقعة كل من النيابة الادارية والنيابة العامة. وقد طلبت هذه الاخيرة بعد التحقيق الذى أجرته النظر فى مجازاة المذكور اداريا، فصدر فى 20 من يناير سنة 1959 قرار مصلحة القومسيونات الطبية بمجازاته بخصم خمسة عشر يوما من مرتبه، الا أن الادارة العامة اعترضت على هذا القرار لتجهيله فيما يتعلق بتاريخ وقوع المخالفة، وعلى هذا قامت القومسيونات الطبية باستيفاء قرار الجزاء واعادته الى الادارة العامة فى 2 مارس سنة 1959. ولما كانت النيابة الادارية لوزارة الصحة قد انتهت فى تحقيقها الى التوصية بفصل المدعى من الخدمة لثبوت تهمة الرشوة فى حقه، فقد عرض الامر على السيد مدير عام مصلحة القومسيونات الطبية الذى أشر فى أول مارس سنة 1959 برفع مذكرة للسيد وكيل الوزارة المساعد للموافقة على اعادة الاوراق الى النيابة الادارية لاعادة النظر فى الموضوع. وفى 3 من مارس سنة 1959 رفعت هذه المذكرة الى السيد وكيل وزارة الصحة المساعد الذى أشر عليها فى 4 من مارس سنة 1959 بأن يلغى جزاء خصم الخمسة عشر يوما ويفصل المدعى من وظيفته للاسباب الموضحة بها. وفى 7 من مارس سنة 1959 تأشر على هذه المذكرة من السيد وكيل الوزارة بالموافقة. وفى 28 من مارس سنة 1959 أشر السيد الوزير على المذكرة بالآتى: "السيد الوكيل لتنفيذ فصل عامل التليفون.." وقد تم الفصل اعتباراً من 2 من ابريل سنة 1959 لسوء السلوك بسبب ثبوت تهمة الرشوة. وظاهر من هذا أن قرار الخصم من مرتب المدعى الذى صدر معيبا فى 20 من يناير سنة 1959 وصحح فى 2 من مارس سنة 1959 قد سحب وألغى فى 4 من مارس سنة 1959، أى فى ميعاد الستين يوما وهو الميعاد القانونى المقرر لسحب القرارات الادارية عامة، وقبل أن تلحقه أية حصانة تعصمه من الالغاء أو التعديل. وقد عدل فى اليوم ذاته الى الفصل وذلك من السلطة الرئاسية التى تمتلك هذا الحق وفقا لما سلف بيانه وللتنظيم الصادرة به القرارات الوزارية فى هذا الشأن. وهذا هو القرار المؤثر فى المركز القانونى للمدعى بعد اذ وافق عليه السيد وكيل الوزارة فى الميعاد أيضا فى 7 من مارس سنة 1959. وما تأشيرة السيد الوزير فى 28 منه بتنفيذ الا اقرار له وتأكيد.
ومن حيث ان قرار فصل المدعى من الخدمة بنى على ما انتهى اليه رأى النيابة الادارية لوزارة الصحة فى القضية رقم 491 لسنة 1958 من اقتراح فصله من الخدمة لثبوت تهمة الرشوة قبله التى ضبط متلبسا بها، وما ارتأته النيابة العامة لجنوب القاهرة فى القضية رقم 718 سنة 1958 حصر تحقيق السيدة زينب التى قيدت ضده عن واقعة الرشوة ذاتها من مجازاته اداريا. ذلك ان المدعى كان يشغل وظيفة فراش من الدرجة الثانية خارج الهيئة بادارة السكرتيرية بوزارة الصحة، وكان منتدبا للعمل بالقومسيونات الطبية وفى 6 من ديسمبر سنة 1958 اتصل السيد مدير عام مصلحة القومسيونات تليفونيا بالنيابة الادارية وأبلغ رئيسها انه وصله خطاب من شخص معلوم بأن المدعى طلب منه رشوة نظير تحويله على الكشف الطبى بصدد طلبه أجازة مرضية. وقد قامت النيابة بضبط الواقعة، وبتفتيش المدعى عثر معه على ورقة من النقود من فئة عشرة القروش رقم 979298 بامضاء "عبد المنعم القيسونى" حرف 112 ح التى كانت قد ميزت بعلامة × صغيرة فى وسط الرقم المحرر باللغة الاجنبية على ظهرها وسلمت الى الشاكى لتوصيلها الى المتهم الذى اعترف بأخذ هذا المبلغ ولم يستطع تعليل سبب أخذه اياه، والذى ثبت أنه استعجل قسم الجمالية فى 4 من نوفمبر سنة 1958 باشارة تليفونية فى خصوص موضوع الشاكى بلا مبرر حالة كونه لم يستعجل الاشارات الاخرى، وانه أفهم الشاكى ان الكشف الطبى سيوقع عليه من مفتش الصحة خدمة له، وطلب منه النقود لقاء ذلك، واحتجز اوراقه لديه.
ومن حيث انه لم تقدم يكون القرار المطعون فيه قد صدر ممن يملكه فى الشكل المتطلب قانونا وفى حدود ما نص عليه القانون وقام على سببه المبرر له وهو سبب له اصل ثابت موجود فى الاوراق يؤدى الى النتيجة التى انتهت اليها الجهة الادارية فى حق المدعى والتى استخلصتها استخلاصا سائغا من وقائع صحيحة تنتجها ماديا وقانونا بعد اذ كونت من هذه الوقائع عقيدتها واقتناعها بادانة سلوكه وقدرت الجزاء المناسب لها. ومن ثم فان القرار المذكور يكون صحيحا مطابقا للقانون، وتكون الدعوى بطلب إلغائه على غير اساس سليم حقيقة بالرفض واذ أخذ حكم المحكمة الادارية المطعون فيه بغير هذا النظر لما بنى عليه من اسباب فانه يكون قد جانب الصواب، ويتعين القضاء بالغائه وبرفض الدعوى مع الزام المدعى بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات.