مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ 826

(77)
جلسة 5 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد ايوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 1800 لسنة 6 القضائية

الخفراء النظاميون وشيوخهم - الجزاءات التى يجوز توقيعها عليهم - عقوبة فصلهم من الخدمة - احكام القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس فى هذا الشأن - عدم ايجابها سؤالهم وتوجيه الاتهام اليهم وسماع دفاعهم قبل توقيع هذه العقوبة - التفرقة بين هؤلاء وبين ضباط الصف والعساكر سواء بالنسبة لهذا الاجراء أو بالنسبة للسلطة التى يتظلم اليها من قرار الفصل - اساس ذلك.
ان المادة (134) من القانون رقم (234) لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس قد حددت الجزاءات التى يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين وقسمتها الى ستة أجزاء تبدأ بالانذار وتنتهى بالفصل من الخدمة. واشارات الفقرة الثانية من هذه المادة الى أن "يكون الاختصاص فى توقيع الجزاءات المبينة فى المادة السابقة على رجال الخفر النظاميين وفقا لما جاء بجدول الجزاءات المرافق، أما الفصل من الخدمة فيكون من اختصاص الحكمدار والمجالس العسكرية، ويكون القرار الصادر بالعقوبة مسببا ونهائيا فيما عدا قرار الفصل من الخدمة فيجوز التظلم منه الى المحافظ أو المدير على أن يتم التظلم خلال 15 يوما من تاريخ اعلانه ويكون القرار الصادر فى هذا التظلم نهائيا". وجاء فى المذكرة الايضاحية لهذا القانون انه نظرا لان الخفراء النظاميين هم المسئولون عن حفظ الامن والنظام بالقرى، ولضرورة اختيارهم من بين أهالى هذه القرى من قلة مرتباتهم فقد روعى أن يكون البت النهائى فى القرارات التى تصدر فى شئونهم من حيث التعيين، والترقية والاجازات والتأديب والفصل من الخدمة محليا منوطا بالمحافظ أو بالمدير والحكمدار. وقد روعى ان تكون عقوبة الفصل من سلطة الحكمدار على أن يكون التظلم منها للمحافظ أو المدير كما هو مفصل فى المادة (134). ولقد اخطأ الحكم المطعون فيه، فى تأويل القانون على اساس ان الفصل الذى يكون من اختصاص الحكمدار والمجالس العسكرية وهو الذى أجاز القانون التظلم منه الى المحافظ أو المدير خلال مدة معينة من تاريخ اعلانه يتعين ان يكون هذا النوع من الفصل "نتيجة لاثبات ادانة فى جريمة تأديبية محددة بعد التحقيق معه وسماع دفاعه فيها"، هذا الاستخلاص الخاطئ لا سند له من القانون. بل ان الذى يتضح من تقصى نصوص قانون نظام هيئة البوليس رقم (234) لسنة 1955 ان المشرع قد تعمد فيما يتعلق بتأديب الخفر وشيوخهم اغفال النص على وجوب سؤالهم وتوجيه الاتهام اليهم وسماع دفاعهم، والامر على هذا النحو فى شأن الخفراء وشيوخهم يخالف تماما موقف المشرع من غيرهم من رجال البوليس كالعساكر وصف الضباط أو الصولات والكونستبلات فقد قصد الشارع ان ينص صراحة فى شأنهم على اتباع اجراءات أوفى وأدق فى التأديب المتعلق بهم آية ذلك ما نصت عليه المادة (125) من القانون رقم (234) لسنة 1955 فقد نصت على أن: -
"لرئيس المصلحة توقيع الجزاءات المنصوص عليها فى البنود كذا وكذا.... من المادة السابقة ويكون توقيع الجزاءات على ضباط الصف وعساكر الدرجة الاولى من رؤسائهم وفقا لجدول الجزاءات المرافق - وتكون قرارات التأديب مسببة ونهائية عدا القرارات الصادرة بالفصل من الخدمة فيجوز التظلم منها الى وكيل الوزارة المختص خلال اسبوعين من تاريخ الاعلان بها ويكون قراره فى هذا التظلم نهائيا.
ولا توقع أية عقوبة على ضابط الصف وعسكرى الدرجة الاولى الا بعد سماع أقواله".
ويستفاد من ذلك ويخلص من مقارنة النصين (125)، (134) من قانون نظام هيئة البوليس ان المشرع قصد صراحة تحديد ضمانات رجال الخفر وشيوخهم بالقدر الذى تعمد الاقتصار عليه فى المادة (134) فلم تشترط تحقيقا ولا مواجهة ولم تنه عن توقيع عقوبة عليهم الا بعد سماع أقوالهم. والحكمة فى ذلك ظاهرة فهذه الطائفة من رجال الامن (الخفراء) هى فى أدنى مراتب كادر البوليس وشروط تعيينهم وصلاحيتهم هى أقل مستوى من شروط العساكر وصف الضباط فلا يشترط فيهم مثلا ضرورة توافر خدمة عسكرية سابقة لهم ولا ضرورة لاجادة القراءة والكتابة. بل ان الشارع فرق فى المعاملة بين ضباط الصف والعساكر من جهة وبين الخفراء وشيوخهم من جهة أخرى بشأن السلطة التى يمكن التظلم اليها من قرار الفصل. فقرارات التأديب الصادرة بفصل ضابط الصف والعسكرى من الخدمة يجوز التظلم منها الى وكيل وزارة الداخلية المختصة فى حين أن قرارات فصل رجال الخفر النظاميين يجوز التظلم منها الى المحافظ أو المدير.


اجراءات الطعن

فى 26 من يونية سنة 1960 أودع السيد محامى الحكومة سكرتيرية المحكمة تقريرا بالطعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1800 لسنة 6 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارة الداخلية بجلسة 26 من ابريل سنة 1960 ق فى الدعوى رقم 280 لسنة 6 القضائية المقامة من عبد الحميد محمد مصطفى النجار شيخ الخفراء السابق بمحلة دمنة مركز المنصورة ضد وزارة الداخلية والذى قضى: "بقبول الدعوى شكلا وبالغاء القرار المطعون فيه وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتى قرش مقابل اتعاب المحاماة". وطلب السيد محامى الحكومة للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات ومقابل الاتعاب عن الدرجتين". وقد أعلن هذا الطعن الى الخصم فى 29 من اكتوبر سنة 1960 وعين لنظره امام دائرة فحص الطعون جلسة 14 من يناير سنة 1962 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للمرافعة بجلسة 17 من مارس سنة 1962 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 280 لسنة 6 القضائية امام المحكمة الادارية لوزارة الداخلية بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة فى 30 من سبتمبر سنة 1959 ضد وزارة الداخلية وحكمدارية بوليس الدقهلية ومركز المنصورة وطلب فيها الحكم بالغاء قرار فصله من وظيفة شيخ خفراء محلة دمنة مركز المنصورة وما يترتب على الالغاء من آثار مع الزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل الاتعاب. وقال شرحا لدعواه انه عين شيخا للخفراء ببلدة محلة دمنة مركز المنصورة منذ تسع سنوات، وروعى فى ذلك التعيين انتسابه الى اسرة كبيرة مما جعله طوال تلك المدة محل التقدير من العمدة والمشايخ وجميع الاهالى وكان مثلا للجد والاجتهاد فى المحافظة على الامن والنظام بحيث لم ينسب اليه فى أى وقت هنة أو اهمال ويشهد بذلك ملف خدمته. وانه فى اول يولية سنة 1959 أعلن تليفونيا بفصله من الخدمة وتسليم ما بعهدته من مهمات فتظلم فى 6 من يوليو سنة 1959 الى السيد وزير الداخلية وحكمدار بوليس الدقهلية فكان جوابهما الصمت والاهمال لتظلمه. ولما كان القرار الصادر بفصله من مشيخة الخفراء يشوبه البطلان لمخالفته للقانون اذ الفصل الادارى يجب ان يسبقه تحقيق فى مواجهة الموظف المفصول حتى يتمكن من استعمال حقه فى الدفاع عن نفسه ونفى ما نسب اليه وكل ذلك تفاديا من جانب الشارع لاساءة استعمال السلطة. وجاء فى المذكرة الشارحة لصحيفة الدعوى ان المدعى اختلف فى الرأى مع الضابط المختص بالنقطة لامور شخصية لا تمت الى الوظيفة ولا تدخل فى دائرة العمل فكتب الضابط تقريرا سريا ضد المدعى يتهمه فيه بالتستر على شقيقه الذى يتجر فى المخدرات وراح يقدم التقارير المتعاقبة على المخدرات والمتجرين فيها وقام بضبط شقيق المدعى وقدم فى الجناية رقم (1696) لسنة 1959 جنايات دكرنس. وكانت هذه الجناية سببا فى صدور قرار فصل المدعى من وظيفة شيخ خفراء البلدة، بتاريخ 1/ 7/ 1959، وقد حكم فى هذه الجناية بجلسة 15/ 12/ 1959 ببراءة المتهم مما نسب اليه وقدم المدعى شهادة رسمية من جدول جنايات المحكمة تفيد ذلك. وفضلا عن ذلك فان المدعى وشقيقه وغيرهم لم يتهموا يوما فى جريمة، ومعروف أن الاتجار بالمخدرات عادة أو حرفة تلصق بالشخص من تكرار ممارستها، وغير صحيح أن المدعى تستر على شقيقه فى جناية أو جنحة، ومن ذلك يتضح صورية وكيدية ما تدعيه الوزارة سببا لفل المدعى دون تحقيق معه، ومن ثم يكون قرار الفصل غير قائم على سببه مما يتعين، والحالة هذه، القضاء بالغائه.
وفى 5 من يناير سنة 1960 ردت مراقبة الشئون القانونية والادارية بوزارة الداخلية على صحيفة الدعوى فقالت انه نسب الى المدعى صلته بتجار الحشيش فى الناحية التى يعمل فيها شيخا لخفرائها وأحد هؤلاء وهو سعد الشربينى صهر المدعى وآخر تبين انه شقيق المدعى، فأما عن الاول فيقول مكتب مخدرات المديرية أنه من تجار المخدرات الخطرين وأما عن الشقيق فقد ضبط اخيرا متلبسا باحراز ربع أقة حشيش وقيدت ضده القضية رقم (1696 جنايات دكرنس) واتضح ان هذه الكمية المضبوطة تخص التاجر المشهور سعد الشربيينى، وقد رأى مكتب المخدرات فصل المدعى بعد اذ ثبت للمكتب أنه قد أفلح فى افساد أغلب التحريات والحملات التى أجريت فى بلدته وتقول الداخلية فى ذلك ان الامر لا يخرج عن ان المدعى قد لا يعلم شيئا عن هذه التجارة المنكرة التى يمارسها شقيقه وصهره، فى حين أن أولى مهام رجال الامن أن يسهروا عليه وان يكونوا تحت بصر القانون وسمعه ولن يقبل من أحدهم وخاصة شيخ الخفراء فى البلدة، الجهل بما يدور حوله من جرائم لها صفة الدوام. وجريمة الاتجار بالمخدرات ليست من الجرائم العارضة، وقد يعلم المدعى على وجه اليقين بما يدور حوله وهو ما ينسبه اليه مكتب مخدرات المديرية هو انه يعلم الحقائق ويتغافل عن ضبط المتهمين لانهم من أقاربه بل انه يتستر عليهم. ومعلوم ان الطابع الذى يميز وظائف رجال الامن هو ان يؤخذوا بالشبهات حفظا على أرواح الناس واموالهم، فأضاف الشارع فى سنة 1957 المادة (134) مكررة الى القانون رقم (234) لسنة 1955 التى تجيز فصل شيخ الخفراء من الخدمة اذا فقد شرطا من الشروط الواردة فى المادة (130) من القانون وعلى رأسها حسن السمعة. أما ما يقال عن أن القرار المختصم لم يسبقه تحقيق فان الادارة لا تدرى فيم كان يجب أن يجرى التحقيق وأية وقائع كان يجب أن يناقش شيخ الخفراء المفصول فيها. والاصل ان وظائف رجال الامن يجب أن تكون بعيدة عن المظان والشبهات وثابت من الاوراق أن شقيق المدعى وصهره من كبار تجار المخدرات. وقد ثبت انهما قدما بالفعل الى القضاء الجنائى وشيخ الخفراء لا يعين الادارة فى هذا الشأن مما يدل على أنه اما يتستر على أقاربه واما انه فى غفلة عن أخطر الجرائم التى يحاربها المشرع ويوقع عليها أقسى العقوبات الجنائية. فالامر المنسوب الى شيخ الخفراء المفصول ليس تهمة معينة وانما هو عدم صلاحية البقاء فى خدمة الامن ومع ذلك فليست وقائع الحال هنا مجرد شبهات أو شائعات وانما هى جنايات اتجار بالمخدرات نسبت الى أقرب الناس اليه - وكان على جهة الادارة الحفيظة على الصالح العام أن ترى رأيها فى رجل يرى ويتستر على أقاربه او انه لا يرى ولا يسمع ما يدور حوله وفى الحالين هو غير صالح للبقاء فى عمله، فمجال الصلاحية وعدمها لا يمكن ان يكون محلا للتحقيق وقد عرض تظلم المدعى على السيد مدير الدقهلية فى 25/ 7/ 1959 فأشر بحفظه، ومعنى ذلك أن مدير المديرية قد أقر الفصل وذلك بالتطبيق لنص المادة ( 134) مكررة من القانون رقم (243) لسنة 1955. والفصل وكان لما أحاط بالمدعى من ظروف وملابسات تجعله لا يقوى على خدمة مرفق الامن العام، وخلصت الوزارة الى طلب الحكم برفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات.
وبجلسة 26 من ابريل سنة 1960 حكمت المحكمة الادارية لوزارة الداخلية "بقبول الدعوى شكلا، وبالغاء القرار المطعون فيه وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتى قرش مقابل الاتعاب" وأقامت قضاءها بذلك على أن فصل المدعى كان بقرار من السيد الحكمدار، ولسوء السلوك، وهو المستفاد من تقرير ضابط مباحث مركز المنصورة ورئيس مكتب مكافحة المخدرات بتلك المدينة، ورئيس مباحث المديرية، ولما رآه كل من مأمور المركز ومفتش البوليس بالمديرية ووكيل الحكمدار بالموافقة على فصله اداريا أى ان الفصل كان فى حقيقته فصلا اداريا، وليس فصلا تأديبيا اذ لم يثبت أن أجرى تحقيق مع المدعى قبل فصله. فقد صدر القانون رقم 124 لسنة 1957 باضافة مادة جديدة للقانون رقم 234 لسنة 1955 ونص فى المادة (134) مكررا على ان فصل شيخ الخفراء أو وكيله أو الخفير يكون بقرار من المدير اذا فقد أى شرط من الشروط المنصوص عليها فى المادة (130) كما يجوز للمدير فصل أى منهم فى احدى الحالتين الآتيتين: (1)......، (2)....... وحاصل ذلك ان عقوبة الفصل التى توقع على رجال الخفر النظاميين هى على نوعين: الاول فصل تأديبى وهو ما نصت عليه المادة (134) ويكون نتيجة لاثبات ادانة فى جريمة تأديبية محددة بعد التحقيق مع المتهم وسماع أقواله، وسلطة الفصل هنا موكولة للحكمدار وللمجالس العسكرية. والثانى فصل ادارى نصت عليه المادة (134) مكررا ومجال اعماله هو فقدان رجل الخفر أى شرط من الشروط المنصوص عليها فى المادة 130 من القانون رقم 234 لسنة 1955 واخصها حسن السيرة والسلوك وهو أمر حتمى. ويكون الفصل جوازيا فى احدى الحالتين المنصوص عليها فى المادة المذكورة (134) مكررا. وسلطة الفصل فى هذا النوع الثانى انما تكون للمدير. وما دام أن التكييف السليم لفصل المدعى هو أنه فصل ادارى لسوء السلوك وهو ما جاء به قرار الحكمدار، وقد وقع دون أن يسبقه تحقيق مع المدعى بسمع دفاعه فيه، ومن ثم يكون قرار الفصل قد جاء بالمخالفة لاحكام القانون لصدوره من غير مختص إذ كان يتعين صدور قرار الفصل الادارى لشيخ الخفر من المدير طبقا لنص المادة (134) مكررا من القانون رقم (124) لسنة 1957 وليس من الحكمدار بالتطبيق لنص المادة 134 من القانون قم 234 لسنة 1955 واستطرد الحكم المطعون فيه قائلا انه لا يغير من ذلك ان تظلم المدعى قد عرض على المدير الذى أشر برفضه اذ أن معنى ذلك أن المدير أبقى على قرار الحكمدار الصادر بالفصل، وهو أمر مخالف للقانون.
ومن حيث ان الطعن يقوم على ان مقطع النزاع هو فى التكييف القانونى للقرار المطعون فيه وفيما اذا كان قد صدر لسبب تأديبى أم هو فصل ادارى بسبب عدم الصلاحية. وبالرجوع الى الاسباب التى أدت الى صدور القرار بالفصل نجد أنها بنيت على وقائع محددة على عكس ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه ففصل المدعى قد وقع بناء على ما ارتآه مكتب المخدرات وضابط المباحث من ان المدعى يقوم بالتستر على تجار المخدرات بالبلدة ويفسد جميع التحريات والحملات التى تجرى بالنسبة لهؤلاء، وعلى هدى هذه الوقائع صدر فى 23/ 6/ 1959 قرار فصل شيخ الخفر من الخدمة اعتبار من أول يوليو سنة 1959 بالقرار المطعون فيه محله هذه الوقائع وهى محددة، ومن ثم يكون القرار تأديبيا بالمفهوم القانونى السليم، ويكون بالتالى قد صدر صحيحا ممن يملك اصداره وهو السيد الحكمدار ولا ينال من صحة هذا التكييف القول بأن هذا القرار التأديبى لم يسبقه تحقيق مع المدعى، فليس من اللازم اجراء مثل هذا التحقيق مع شيخ الخفراء اذ لا يوجد فى نصوص القانون رقم (234) لسنة 1955 ما يوجب قيام هذا التحقيق مع طائفة الخفراء كما لا ينال من هذا ان القرار محل الطعن بالالغاء قد بنى على سبب سوء السلوك من جانب شيخ الخفراء لان هذه العبارة، كما يمكن أن يوصف بها القرار الصادر بالفصل لعدم الصلاحية فانه يمكن أن يوصف بها أيضا القرار التأديبى لان الجريمة التأديبية ليس معناها الا سوء السلوك الذى ينعكس على الوظيفة ولذلك انتهى طعن الحكومة الى طلب الغاء الحكمة المطعون فيه. وقد أودع تقرير الطعن فى 26 من يونيو سنة 1960، وكان اليوم السابق له وهو يوم 25 من يونيو من أيام العطلات الرسمية، ومن ثم يكون الطعن قد أودع فى الميعاد القانونى مستوفيا سائر اجراءات الشكل لقبوله.
ومن حيث ان المادة (134) من القانون رقم (234) لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس قد حددت الجزاءات التى يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين قسمتها الى ستة جزاءات تبدأ بالانذار وتنتهى بالفصل من الخدمة. وأشارت الفقرة الثانية من هذه المادة الى أن "يكون الاختصاص فى توقيع الجزاءات المبينة فى المادة السابقة على رجال الخفر النظاميين وفقا لما جاء بجدول الجزاءات المرافق، أما الفصل من الخدمة فيكون من اختصاص الحكمدار والمجالس العسكرية، ويكون القرار الصادر بالعقوبة مسببا ونهائيا فيما عدا قرار الفصل من الخدمة فيجوز التظلم منه الى المحافظ أو المدير على أن يتم التظلم خلال 15 يوما من تاريخ اعلانه ويكون القرار فى هذا التظلم نهائيا". وجاء فى المذكرة الايضاحية لهذا القانون أنه نظرا لان الخفراء النظاميين هو المسئولون عن حفظ الامن والنظام بالقرى، ولضرورة اختيارهم من بين أهالى هذه القرى مع قلة مرتباتهم فقد روعى أن يكون البت النهائى فى القرارات التى تصدر فى شئونهم من حيث التعيين، والترقية والاجازات والتأديب والفصل من الخدمة محليا منوطا بالمحافظ أو بالمدير والحكمدار. وقد روعى أن تكون عقوبة الفصل من سلطة الحكمدار على ان يكون التظلم منها للمحافظ أو المدير كما هو مفصل فى المادة (134). ولقد اخطأ الحكم المطعون فيه، فى تأويل القانون على اساس ان الفصل الذى يكون من اختصاص الحكمدار والمجالس العسكرية وهو الذى أجاز القانون التظلم منه الى المحافظ أو المدير خلال مدة معينة من تاريخ اعلانه بتعين ان يكون هذا النوع من الفصل "نتيجة لاثبات ادانة فى جريمة تأديبية محددة بعد التحقيق معه وسماع دفاعه فيها". هذا الاستخلاص الخاطئ لا سند له من القانون. بل ان الذى يتضح من تقصى نصوص قانون نظام هيئة البوليس رقم (243) لسنة 1955 ان المشرع قد تعمد فيما ينعلق بتأديب الخفر وشيوخهم اغفال النص على وجوب سؤالهم وتوجيه الاتهام اليهم وسماع دفاعهم، والامر على هذا النحو فى شأن الخفراء وشيوخهم يخالف تماما موقوف المشرع من غيرهم من رجال البوليس كالعساكر وصف الضباط أو الصولات والكونستبلات فقد قصد الشارع أن ينص صراحة فى شأنهم على اتباع اجراءات أوفى وأدق فى التأديب المتعلق بهم آية ذلك ما نصت عليه المادة (125) من القانون رقم (234) لسنة 1955 فقد نصت على أن: - (لرئيس المصلحة توقيع الجزاءات المنصوص عليها فى البنود وكذا وكذا... من المادة السابقة، ويكون توقيع الجزاءات على ضباط الصف وعساكر الدرجة الاولى من رؤسائهم وفقا لجدول الجزاءات المرافق - وتكون قرارات التأديب مسببة ونهائية عدا القرارات الصادرة بالفصل من الخدمة فيجوز التظلم منها الى وكيل الوزارة المختص خلال اسبوعين من تاريخ الاعلان بها ويكون قراره فى هذا التظلم نهائيا. ولا توقع أية عقوبة على ضابط الصف وعسكرى الدرجة الاولى الا بعد سماع اقواله)، ويستفاد من ذلك ويخلص من مقارنة النصين(125)، (134) من قانون نظام هيئة البوليس أن المشرع قصد صراحة تحديد ضمانات رجال الخفر وشيوخهم بالقدر الذى تعمد الاقتصار عليه فى المادة (134) فلم تشترط تحقيقا ولا مواجهة، ولم تنه عن توقيع عقوبة عليهم الا بعد سماع اقوالهم. والحكمة فى ذلك ظاهرة فهذه الطائفة من رجال الامن (الخفراء) هم فى أدنى مراتب كادر البوليس وشروط تعيينهم وصلاحيتهم هى أقل مستوى من شروط العساكر وصف الضباط فلا يشترط فيهم مثلا ضرورة توافر خدمة عسكرية سابقة لهم ولا ضرورة لاجادة القراءة والكتابة. بل ان الشارع فرق فى المعاملة بين ضباط الصف والعساكر من جهة وبين الخفراء وشيوخهم من جهة أخرى بشأن السلطة التى يمكن التظلم إليها من قرار الفصل. فقرارات التأديب الصادرة بفصل ضابط الصف والعسكرى من الخدمة يجوز التظلم منها الى وكيل وزارة الداخلية المختص فى حين ان قرارات فصل رجال الخفر النظاميين يجوز التظلم منها الى المحافظ او المدير.
وما دام المشرع نفسه قد قصد هذا التمييز صراحة بين الطائفتين من رجال الامن لحكمة تتعلق بالمصلحة العامة فلا وجه لما ذهب اليه الحكم المطعون فيه من تحميل نصوص القانون غير ما حمله المشرع اياها، ومن ثم فلا وجه للقول بمخالفة القانون بعد ان تبين من الاطلاع على الاوراق ان القرار الصادر من السيد الحكمدار مستند الى اسبابه المشروعة المستقاة من صلب التقارير الرسمية الصادرة من عدة مصادر رسمية كلها تنادى بضرورة تنحية المدعى عن وظيفة شيخ الخفراء بتلك الناحية لانه يقوم بالتستر على تجار المخدرات ويفسد جميع التحريات والحمالات التى تجريها الادارة بالنسبة لاقاربه واصهاره من كبار تجار المخدرات وذلك كله ثابت من العديد من الاوراق التى يضمها ملف خدمته وممها يكن من امر فقد تظلم المدعى من القرار الصادر بفصله من السيد الحكمدار الى السيد مدير الدقهلية الذى اشر فى 25/ 7/ 1959 بحفظ التظلم مؤكدا بذلك مشروعية قرار فصل المدعى لذات الاسباب التى انطوى عليها ذلك القرار وفقا لاحكام القانون ومراعاة لصالح الامن العام.
واذ ذهب الحكم الى أن القرار المطعون فيه أساسه الفصل الادارى لا التأديبى وبالتالى كان يتعين أن يصدر استنادا الى التعديل الذى جاءت به المادة (134) مكررا من القانون رقم 124 لسنة 1957، من المدير لا من حكمدار البوليس، يكون الحكم قد خالف القانون واخطأ فى تأويله. وقد تبين ان فصل المدعى أنما كان فى الواقع من الامر فصلا تأديبيا لا ضرورة لان يكون مسبوقا بتحقيق من أى نوع. وقد صدر قرار الفصل التأديبى، لا الادارى من حكمدار البوليس، ورفض التظلم منه مدير الدقهلية على النحو المتقدم، ومن ثم يكون الطعن فى الحكم المطعون فيه قد قام على سند سليم من القانون ويتعين الغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات.