مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ879

(83)
جلسة 19 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد ايوب والدكتور ضياء الدين صالح - ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 2224 لسنة 6 القضائية

عمال - الجزاءات التاديبية الجائز توقيعها عليهم - عدم ورودها فى كادر عمال اليومية وما لحق به من كتب دورية على سبيل الحصر والتحديد، وخلو هذا الكادر من حصر وتنظيم منطقى تدريجى لهذه الجزاءات - جواز توقيع الجزاءات الاخرى التى وردت فى القواعد المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 على عمال اليومية - جريان العمل على ذلك منذ صدور كادر العمال وتطبيق احكامه - تاكيد هذا النظر بما نصت عليه المذكرة الايضاحية لقرار رئيس الجمهورية رقم 634 لسنة 1960 بشان قواعد تأديب العمال الحكوميين - جواز توقيع عقوبتى الانذار والخصم من الاجر لمدة لا تجاوز 15 يوما.
انه، ولئن كان من المسلم ان احكام قانون نظام موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 والسارى المفعول من اول يولية سنة 1952 ينصرف تطبيقها ولا شك الى الموظفين الداخلين فى الهيئة سواء اكانوا مثبتين او غير مثبتين - وهم الذين نص عليهم فى الباب الاول فى المواد من (1) الى (116) كما ينصرف الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة - وهم الذين تناولتهم فى الباب الثانى من القانون المواد من (117) الى (130) - وذلك دون عمال اليومية الذين يخضعون فى نظام تعيينهم وترقيتهم وعلاواتهم وتأديبهم لاحكام كادر عمال اليومية الصادر به قرار مجلس الوزراء فى 23/ 11/ 1944 وما لحق به من كتب دورية ومذكرات تكميلية وكشوف تنظيمية وكل أولئك دون احكام القانون رقم (210) لسنة 1951، إلا أن هذا لا يعنى حظر توقيع العقوبات التأديبية التى لم يرد بها نص فى قواعد كادر العمال كالانذار أو خصم أيام معدودات من الاجر، على عمال اليومية بمقولة ان هذا الكادر لم ينص الا على عقوبة تأجيل العلاوة لمدة ستة أشهر أو أكثر التى أسند توقيعها الى رئيس المصلحة وعقوبتى الحرمان من العلاوة أصلا والفصل من الخدمة بقرار من وكيل الوزارة بعد أخذ رأى اللجنة الفنية. وصحيح فهم القانون هو ان مجرد الاشارة فى احكام كادر العمال الى بعض من تلك الجزاءات: تارة تحت بند (العلاوات) واخرى تحت بند (الفصل من الخدمة) وكل منهما جاء تحت عبارة "كيفية تطبيق هذه القواعد" وكل أولئك وارد بالمذكرة التفسيرية لكادر العمال والتى وافق عليها مجلس الوزراء فى 23/ 11/ 1944 قاطع فى الدلالة على ان مثل تلك الجزاءات التأديبية لعمال اليومية لم ترد على سبيل الحصر والتحديد وكان من أثر ذلك ان جرى العمل منذ صدور كادر العمال وتطبيق قواعده واحكامه واستقرت الاصول فى مختلف الجهات الحكومية من وزارات ومصالح ومؤسسات عامة وغيرها على أنه ليس فى القانون والعمل ما يمنع من توقيع مختلف العقوبات التأديبية التى يجازى بها الموظفون والمستخدمون الخارجون عن الهيئة على عمال اليومية أيضا ما دام الكادر المتعلق بهم قد جاء خلوا من حصر وتنظيم منطقى تدريجى للجزاءات التأديبية التى يمكن توقيعها كلما بدر منهم ما يستوجب المؤاخذة التأديبية يؤكد هذا النظر ما نصت عليه صراحة المذكرة الايضاحية لقرار السيد رئيس الجمهورية رقم (634) لسنة 1960 الصادر فى 28 من مارس سنة 1960 بشأن قواعد تأديب عمال اليومية الحكوميين، وقد نصت المادة الاولى من القرار على ما يأتى:
(مادة 1) تضاف الى قواعد الكادر المشار اليه الاحكام الآتية: الجزاءات: الانذار، والخصم على ألا يتجاوز أجر (15) يوما فى المرة الواحدة ولا (45) يوما فى السنة الواحدة تأجيل العلاوة والحرمان من العلاوة، خفض الدرجة، خفض الاجر والدرجة معا، الفصل.. وجاء فى المذكرة الايضاحية: "تعرض كادر العمال لاحكام التعيينات والترقيات والعلاوات والاجازات التى تطبق على العمال الحكوميين ولم يتعرض للجزاءات التى يمكن توقيعها على سبيل الحصر، بل ورد منها فى ثنايا الكادر تأجيل العلاوة لمدة ستة أشهر أو أكثر بقرار من رئيس المصلحة والحرمان من العلاوة، وكذلك الفصل بقرار من وكيل الوزارة بعد أخذ رأى اللجنة الفنية". والقول بغير ذلك يقضى عملا الى وضع شاذ قوامه ان عامل اليومية الذى يأتى ذنبا اداريا مهما دنت درجة بساطته لا يمكن ان يجازى وفقا لاحكام كادر العمال الا بتأجيل حصول العامل على علاوته الدورية مدة ستة أشهر أو أكثر واما ان يحرم من العلاوة أصلا أو يفصل من الخدمة. وهذا يجرى فى وقت يمكن فيه أن يجازى المستخدم الخارج عن الهيئة، بعقوبة أخف كثيرا عن جريمة تأديبية قد تكون درجة جسامتها أشد وأخطر من ذلك الذنب الهين الذى أفلت منه عامل اليومية الحكومى، وهذه المفارقة الكبيرة ولا شك تؤدى الى عجز جهة الادارة عن أعمال سلطتها فى تقدير درجة خطورة الذنب المنسوب الى عامل اليومية والنتائج التى تترتب عليها، ومن بينها أمر تمكين جهة الادارة من توقيع الجزاء الملائم للذنب الادارى بما يحقق حسن سير المرفق، ومن أجل ذلك يكون ما جرى عليه العمل منذ صدور وتطبيق كادر عمال اليومية من تطبيق العقوبات التأديبية التى وردت فى القواعد المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين على عمال اليومية سليم لا مطعن عليه ومستفاد بحكم اللزوم وما تحتمه طبيعة الاشياء. فليس ثمة ما يمنع أن يوقع رئيس المصلحة على العامل جزاء بالانذار أو بالخصم من الاجر لمدة لا تجاوز خمسة عشر يوما اذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الادارة لاحداث هذا الاثر فى حقه.


اجراءات الطعن

فى 30 من يوليو سنة 1960 أودع السيد محامى الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (2224) لسنة 6 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارات الصحة والاوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 30 من مايو سنة 1960 فى الدعوى رقم (204) لسنة 7 القضائية المقامة من يوسف أحمد ابو القاسم ضد بلدية القاهرة والذى قضى: "بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء قرار السيد مدير عام الادارات العامة للتنظيم الصادر فى 13/ 12/ 1955 والمنفذ بالقرار الصادر فى 2/ 3/ 1959 فيما تضمنه من مجازاة المدعى بخصم خمسة أيام من راتبه، وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتى قرش مقابل اتعاب المحاماة ". وطلب السيد محامى الحكومة للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه: "الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن جميع الدرجات". وقد أعلن هذا الطعن الى الخصم فى 17/ 8/ 1960 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21 من يناير سنة 1962 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للمرافعة بجلسة 7 من ابريل سنة 1962 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت المحكمة ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل فى ان المطعون عليه أقام الدعوى رقم (204) لسنة 7 القضائية ضد بلدية القاهرة بعريضة أودعت سكرتيرية المحكمة الادارية لوزارات الصحة والاوقاف والشئون البلدية والقروية فى 26 ديسمبر سنة 1959 طالبا الحكم بالغاء الجزاء التعسفى بخصم خمسة أيام من راتبه، والموقع عليه بغير وجه - وقال شرحا لدعواه أنه حدث تلاعب من زميل له يدعى (الداخلى محمد عبد الرحمن) رئيس مستخدمى ادارة المكانيكا والكهرباء. وذلك بوضع اسم وهمى لعامل يدعى (أحمد محمد حسن على) فى كشوف أجور عمال تفتيش الانارة عن المدة من شهر يونية لغاية شهر سبتمبر سنة 1955 وعند اكتشاف الحادث فى شهر سبتمبر سنة 1955 شكلت المصلحة لجنة لاجراء التحقيق اللازم وانتهى تحقيقها باحالة المتهم الداخلى محمد عبد الرحمن الى النيابة العامة مع مجازاة المدعى بخصم خمسة أيام من راتبه وانذاره وكذلك بمجازاة بعض زملائه الآخرين ورؤسائه بجزاءات مختلفة وكان ذلك بقرار السيد/ مدير عام ادارات التنظيم فى 13/ 12/ 1955 ويقول المدعى انه تظلم من القرار فور صدوره فى 25/ 12/ 1955 ووافق المدير العام على تأجيل تنفيذ الجزاء لحين انتهاء النيابة العامة من التحقيق من المتهم الداخلى. وقد حددت لجنة التحقيق مسئولية المدعى فى مراجعة كشوف أجور عمال شهر أغسطس سنة 1955 فقط مع السيد المراجع المختص كمال زكى ميخائيل. ثم استطرد المدعى قائلا ان المختص بمراجعة الاجور الشهرية بادارة شئون العمال منذ انشائها هو (كمال زكى ميخائيل). اما عمل المدعى الفعلى منذ تاريخ انشاء الادارة فى 14/ 11/ 1954 فهو الرد على صحف الدعاوى والطعون فى الاحكام والشكاوى وتسويات الكادر والعلاوات بالنسبة لعمال أقسام المجارى فقط. أما عن سبب توقيع المدعى على كشوف أجور عمال شهر أغسطس سنة 1955 فكان غياب وكيل الادارة فى اجازته السنوية. لذلك طلب اليه المراجع المختص (كمال زكى ميخائيل) ان يوقع على كشوف شهر اغسطس سنة 1955 الخاصة بعمال اقسام المجارى والدليل على عدم اختصاص المدعى بمراجعة كشوف الاجور هو أنه عند عودة وكيل الادارة من اجازته السنوية فى شهر سبتمبر سنة 1955 لم يوقع المدعى على كشوف الاجور بل ولم يطلب اليه التوقيع عليها. واضاف المدعى ان مدير عام التنظيم وافق فى 3/ 3/ 1959 على تنفيذ الجزاءات القديمة التى قررتها لجنة التحقيق على عمال اليومية والسابق اعتمادها فى أواخر عام سنة 1955 وقد أخطر المدعى بهذه الموافقة فى 19/ 3/ 1959 فتظلم منها المدعى الى مدير عام بلدية القاهرة فى 7/ 5/ 1959 وقدم طلبا للمعافاة من الرسوم القضائية فى 28/ 6/ 1959 فقررت لجنة المساعدة القضائية قبوله فى 8/ 12/ 1959 أقام هذه الدعوى فى 26/ 12/ 1959.
وقد ردت بلدية القاهرة على صحيفة الدعاوى بأن الثابت هو ان المدعى قام فعلا بمراجعة كشوف أجور عمال الانارة، وانه لم يراع الدقة فى أداء واجبات وظيفته، وانه لم يبذل فى عمله العناية الواجبة، كما أنه باهماله وعدم احتياطه أدى الى التراخى فى اكتشاف التلاعب فى استمارة أجور عمال الانارة، وما دام المدعى قد ساهم باهماله فى صرف مبالغ من اموال الدولة بدون وجه حق كان فى الاماكن تداركها لو بذل العناية واكتشف الخطأ فانه يستحق الجزاء الموقع عليه - وقد اسند اليه عمل مراجعة أجور أولئك العمال فى أحد الشهور ووقع عليها بصحتها فانه يعتبر مسئولا عما يترتب على ذلك من آثار. واضافت بلدية القاهرة أنه قد صدر قرار من مديرها العام فى 11/ 3/ 1960 بالغاء جزاء الانذار الموقع على المدعى واكتفى بخصم خمسة أيام من راتبه السابق خصمها من أجرته عن شهر ابريل سنة 1959 باعتبارها الجزاء الاشد وكان ذلك بناء على ما ارتآه السيد مفوض الوزارة فى شأن تظلم المدعى من الجزاء الموقع عليه.
وقدم السيد مفوض الدولة أمام المحكمة الادارية لوزارة الشئون البلدية والقروية تقريرا برأيه القانونى فى موضوع المنازعة انتهى فيه الى أنه يرى الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر بمجازاة المدعى بخصم خمسة أيام من مرتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام بلدية القاهرة بالمصروفات.
وبجلسة 30 من مايو سنة 1960 حكمت المحكمة الادارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية (بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء قرار السيد مدير عام الادارات العامة للتنظيم الصادر فى 13/ 12/ 1955 والمنفذ بالقرار الصادر فى 2/ 3/ 1959 فيما تضمنه من مجازاة المدعى بخصم خمسة أيام من راتبه وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتى قرش مقابل اتعاب المحاماة) وأقامت قضاءها على الشكل وبحق، على ان القرار المطعون فيه صدر من المدير العام للايرادات العامة للتنظيم فى 13/ 12/ 1955 فتظلم منه المدعى فى 25/ 12/ 1959 وقد أوقفت الجهة الادارية تنفيذ القرار لحين انتهاء النيابة العامة من التحقيق. ووقف القرار الادارى من جانب جهة الادارة يعد بمثابة التمهيد لسحبه فيدخل بذلك القرار الادارى المتظلم منه فى مرحلة من الزعزعة وعدم الاستقرار وظل أمر هذا القرار المتظلم منه معلقا الى يوم 2/ 3/ 1959 وفيه وافق المدير العام للتنظيم على تنفيذ الجزاءات التأديبية التى كانت قد خلصت اليها لجنة التحقيق وكان قد صدر بها قرار مدير عام التنظيم فى 13/ 12/ 1955 وقد اخطر المدعى فى 19/ 3/ 1959 بموافقة مدير التنظيم على تنفيذ الجزاءات السابقة عليه وجرى فعلا تنفيذ الخصم من مرتب المدعى المستحق له عن شهر ابريل سنة 1959. ثم عاد المدعى الى التظلم من الجزاء فى 7/ 5/ 1959 الى مدير عام البلدية. ولئن كان هذا التظلم الثانى لا يوقف ميعاد الطعن الى أن الثابت من الاوراق أن جهة الادارة كانت جادة فى بحث التظلم الاول الذى كان المدعى قد قدمه فى 25/ 12/ 1959 فأوقفت الادارة تنفيذ الجزاء وكانت المكاتبات دائرة بين الادارات المختلفة لبحث تظلم المدعى وآخرين من زملائه عمال اليومية. وكان هناك تحقيق يجرى امام النيابة العامة لقسم قصر النيل لتحديد المسئولية الجنائية للفاعل الاصلى فى جريمتى التزوير والاختلاس وكل ذلك يفيد أن الجهة الادارية كانت جادة فى مسلكها الايجابى نحو اجابة المتظلم الى طلبه فى رفع الجزاء التأديبى عنه. وقد عرض تظلم المدعى على السيد مفوض الوزارة فأفتى بالغاء جزاء الانذار وحده ورأى الاكتفاء بتوقيع العقوبة الاشد وهى خصم خمسة أيام من راتب المدعى فصدر فعلا قرار السيد مدير عام بلدية القاهرة فى 11/ 3/ 1960 بالغاء جزاء الانذار القديم والاكتفاء بخصم أجر خمسة أيام من راتب المدعى الذى بادر الى تقديم طلب معافاته من الرسوم القضائية فى 28/ 6/ 1959 وصدر القرار بقبول طلب المعافاة فى 8/ 12/ 1959 فرفع المدعى هذه الدعوى بايداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة الادارية لوزارة الشئون البلدية فى 26 من ديسمبر سنة 1959، ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت، وبحق، فى الميعاد القانونى وتكون بذلك مقبولة شكلا. أما عن موضوع الدعوى فقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بالغاء قرار الجزاء الموقع على المدعى بخصم خمسة ايام من راتبه، تأسيسا على ان المدعى عامل باليومية وهو بهذه المثابة يخضع لاحكام كادر العمال وبالتالى لا يجوز توقيع عقوبة لم يرد بها نص فى احكام هذا الكادر، وجرت اسباب الحكم المطعون فيه على انه "لا يجوز هنا اعمال قاعدة من باب اولى، ومن يملك الاكثر يملك الاقل كما لا يجوز هنا اعمال القياس لان الاختصاص التأديبى محدد فى القانون لسلطة معينة وبعقوبات محددة، ولا يجوز تجاوز هذه الحدود. وليس فى احكام كادر العمال عقوبة الخصم من المرتب ولا اعتداد بالقول بان القوانين الحالية تجيز توقيع مثل هذا الجزاء على عمال اليومية اذ العبرة فى صحة القرار هى بوقت صدوره مستكملا عناصره واركانه" وتأسيسا على ذلك قضى الحكم المطعون فيه بالغاء قرار مدير التنظيم الصادر فى 13/ 12/ 1955 والمنفذ بالقرار الصادر فى 2/ 3/ 1959 فيما تضمنه من مجازاة المدعى بخصم خمسة أيام من راتبه.
ومن حيث ان الطعن المقدم من بلدية القاهرة فى يوم السبت 30 من يوليو سنة 1960 اذ وقع آخر ميعاد للطعن وهو 29 من يوليو سنة 1960 فى يوم عطلة الجمعة، وبذلك يكون هذا الطعن قد رفع فى موعده القانونى مستوفيا أوضاعه الشكلية ويقوم على ان الحكم المطعون فيه قد اخطأ فى تطبيق القانون وتأويله اذ اتجه الى ان كادر العمال قد أورد الجزاءات التأديبية على سبيل الحصر وليس من بينها جزاء الخصم من أجر العامل. وصحيح القول هو ان كادر العمال لم ترد به الجزاءات التأديبية على سبيل الحصر، وآية ذلك ان العمل قد جرى بالفعل فى جميع الوزارات والمصالح على توقيع العقوبات التى وردت فى القوانين المختلفة المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين على العمال أيضا ومنها الانذار والخصم وتخفيض الاجر وذلك رجوعا الى القانون الاصلى وهو القانون رقم (210) لسنة 1951 ما دام القانون الخاص، وهو هنا كادر العمال قد خلا من حكم فى شأن تنظيم الجزاءات وتوقيعها على عمال اليومية ويقتضى تسيير مرافق الدولة بانتظام واطراد أن توقع الجزاءات المناسبة للمخالفات الادارية التى تقع من العمال تحقيقا للمصلحة العامة وحسن الانتاج. وانتهى تقرير الطعن الى طلب الحكم بقبوله شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المدعى مع الزامه بالمصروفات ومقابل الاتعاب ومن حيث ان الحكم المطعون فيه، وان كان قد أصاب وجه الحق فى النتيجة التى انتهى اليها فى منطوقه وقضى بقبول الدعوى شكلا، وفى موضوعها بالغاء قرار مدير عام التنظيم الصادر فى 13/ 12/ 1955 والمنفذ بالقرار الصادر فى 2/ 3/ 1959 فيما تضمنه من مجازاة المدعى بخصم خمسة أيام من راتبه، وهو ما تقره عليه هذه المحكمة، وانما على أساس آخر وسند من القانون يختلف عن السبب الذى أقام الحكم المطعون فيه قضاءه فى الموضوع عليه. ووجه الخطأ فى السبب المذكور هو ما جرى عليه الحكم من أنه: "أما عمال اليومية وقت صدور القرار المطعون فيه، فقد تضمن كادر العمال حكما واردا فى البند تاسعا بأنه يجوز لرئيس المصلحة تأجيل العلاوة لمدة ستة شهور أو اكثر أو الحرمان منها اذا ارتكب العامل ما يستدعى ذلك - ولا يجوز الحرمان الا بقرار من وكيل الوزارة بعد أخذ رأى اللجنة الفنية لشئون العمال. وثابت من الاوراق ان المدعى عامل باليومية فى الدرجة (360 م و700 م) صناع وانه يخضع لاحكام كادر عمال اليومية، وليس لاحكام قانون التوظيف الذى تضمن العقوبات التى توقع على الموظفين الداخلين فى الهيئة والسلطات التأديبية المختصة بتوقيعها كما تضمن العقوبات التى توقع على المستخدمين الخارجين عن الهيئة (المادة 128) وحدد السلطات التأديبية بالنسبة اليهم".
ومن حيث انه، ولئن كان من المسلم ان احكام قانون نظام موظفى الدولة رقم (210) لسنة 1951 والسارى المفعول من أول يوليو سنة 1952 ينصرف تطبيقها ولا شك الى الموظفين الداخلين فى الهيئة سواء أكانوا مثبتين أو غير مثبتين - وهم الذين نص عليهم فى الباب الاول فى المواد من (1) الى (116) كما ينصرف الى المستخدمين الخارجين عن الهيئة - وهم الذين تناولتهم فى الباب الثانى من القانون المواد (117) الى (130) - وذلك دون عمال اليومية الذين يخضعون فى نظام تعيينهم وترقيتهم وعلاواتهم وتأديبهم لاحكام كادر عمال اليومية الصادر به قرار مجلس الوزراء فى 23/ 11/ 1944 وما لحق به من كتب دورية ومذكرات تكميلية وكشوف تنظيمية وكل أولئك دون احكام القانون رقم (210) لسنة 1951، الا أن هذا لا يعنى حظر توقيع العقوبات التأديبية التى لم يرد منها نص فى قواعد كادر العمال كالانذار او خصم ايام معدودات من الاجر، على عمال اليومية بمقولة ان هذا الكادر لم ينص الا على عقوبة تأجيل العلاوة لمدة ستة أشهر أو أكثر التى اسند توقيعها الى رئيس المصلحة، وعقوبتى الحرمان من العلاوة أصلا والفصل من الخدمة بقرار من وكيل الوزارة بعد أخذ رأى اللجنة الفنية. وصحيح فهم القانون هو ان مجرد الاشارة فى احكام كادر العمال الى بعض من تلك الجزاءات: تارة تحت بند (العلاوات) واخرى تحت بند (الفصل من الخدمة) وكل منهما جاء تحت عبارة (كيفية تطبيق هذه القواعد) وكل اولئك وارد بالمذكرة التفسيرية لكادر العمال والتى وافق عليها مجلس الوزراء فى 23/ 11/ 1944 قاطع فى الدلالة على ان مثل تلك الجزاءات التأديبية لعمال اليومية لم ترد على سبيل الحصر والتحديد. وكان من أثر ذلك ان جرى العمل منذ صدور كادر العمال وتطبيق قواعده واحكامه واستقرت الاصول فى مختلف الجهات الحكومية من وزارات ومصالح ومؤسسات عامة وغيرها على انه ليس فى القانون والعمل ما يمنع من توقيع مختلف العقوبات التأديبية التى يجازى بها الموظفون والمستخدمون الخارجون عن الهيئة، على عمال اليومية أيضا ما دام الكادر المتعلق بهم قد جاء خلوا من حصر وتنظيم منطقى تدريجى للجزاءات التأديبية التى يمكن توقيعها كلما بدر منهم ما يستوجب المؤاخذة التأديبية يؤكد هذا النظر ما نصت عليه صراحة المذكرة الايضاحية لقرار السيد رئيس الجمهورية رقم (634) لسنة 1960 الصادر فى 28 من مارس سنة 1960 بشأن قواعد تأديب عمال اليومية الحكوميين، وقد نصت المادة الاولى من القرار على ما يأتى:
(مادة 1) تضاف الى قواعد الكادر المشار اليه الاحكام الاتية: الجزاءات: الانذار، والخصم على الا يتجاوز أجر (15) يوما فى المرة الواحدة ولا (45) يوما فى السنة الواحدة تأجيل العلاوة، الحرمان من العلاوة، خفض الاجر، خفض الدرجة، خفض الاجر والدرجة معا، الفصل. وجاء فى المذكرة الايضاحية: (تعرض كادر العمال لاحكام التعيينات والترقيات والعلاوات والاجازات التى تطبق على العمال الحكوميين، ولم يتعرض للجزاءات التى يمكن توقيعها على سبيل الحصر، بل ورد منها فى ثنايا الكادر تأجيل العلاوة لمدة ستة أشهر أو أكثر بقرار من رئيس المصلحة والحرمان من العلاوة، وكذلك الفصل بقرار من وكيل الوزارة بعد أخذ رأى اللجنة الفنية). والقول بغير ذلك يفضى عملا الى وضع شاذا قوامه ان عامل اليومية الذى يأتى ذبنا اداريا مهما دنت درجة بساطته لا يمكن أن يجازى وفقا لاحكام كادر العمال الا بتأجيل حصول العامل على علاوته الدورية مدة ستة أشهر أو أكثر واما أن يحرم من العلاوة أصلا أو يفصل من الخدمة. وهذا يجرى فى وقت يمكن فيه ان يجازى المستخدم الخارج عن الهيئة، بعقوبة أخف كثيرا من جريمة تأديبية قد تكون درجة جسامتها أشد وأخطر من ذلك الذنب الهين الذى أفلت منه عامل اليومية الحكومى، وهذه المفارقة الكبيرة ولا شك تؤدى الى عجز جهة الادارة عن اعمال سلطتها فى تقدير درجة خطورة الذنب المنسوب الى عامل اليومية والنتائج التى تترتب عليها، ومن بينها عدم تمكين جهة الادارة من توقيع الجزاء الملائم للذنب الادارى بما يحقق حسن سير المرفق العام. ومن أجل ذلك يكون ما جرى عليه العمل منذ صدور وتطبيق كادر عمال اليومية من تطبيق العقوبات التأديبية التى وردت فى القواعد المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين، على عمال اليومية سليم لا مطعن عليه ومستفاد بحكم اللزوم وما تحتمه طبيعة الاشياء. فليس ثمة ما يمنع ان يوقع رئيس المصلحة على العامل جزاء بالانذار أو بالخصم من الاجر لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما اذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الادارة لاحداث هذا الاثر فى حقه.
ومن حيث ان الثابت من أوراق التحقيقات ومن مذكرة نيابة قصر النيل بوجه خاص فى الشكوى رقم (3466) لسنة 1956 أن الواقعة التى جوزى المدعى من اجلها بخصم خمسة أيام من أجره انما تتحصل فيما أبلغت به ادارة الميكانيكا والكهرباء ببلدية القاهرة من اكتشاف تلاعب فى كشف أجور عمال تفتيش الانارة عن المدة من شهر يونيو سنة 1955 الى شهر سبتمبر سنة 1955 وفاعل هذا التلاعب هو (الداخلى محمد عبد الرحمن) رئيس مستخدمى ادارة الميكانيكا والكهرباء الذى وضع اسما وهميا لعامل يدعى (أحمد محمد حسن على) فى تلك الكشوف، وقد تم بالفعل صرف أجر عن هذا العامل الوهمى فى أشهر يونيه ويوليه واغسطس وسبتمبر سنة 1955 وقد تبين المحقق من الاطلاع على استمارات الصرف انها خاصة بالشهور المذكورة، وانه حدث تزوير بالتوقيع باسم أحمد محمد فى الخانة المعدة لامضاء العامل باستمارة صرف الاجور - وقد أسفر تحقيق النيابة العامة فى هذا الحادث عن ان المسئول الاول والاخير عن ارتكاب هذا التزوير وذاك الاختلاس لاجر العامل الوهمى هو (الداخلي) رئيس قسم المستخدمين واقترحت النيابة محاكمته تأديبيا لما نسب اليه من اشتراكه مع شخص آخر مجهول فى اضافة اسم عامل وهمى فى كشوف أجور العمال واختلاس مبلغ (400مليم و 74 جنيها) من اموال الدولة. وقد نسبت النيابة العامة الى المدعى يوسف أحمد أبو القاسم ان (مسئوليته تنحصر فى أنه غير مختص بمراجعة استمارات اجور العمال ولكنه وقع على استمارة شهر اغسطس سنة 1955 بما يفيد مراجعة الاسماء والاجور وكافة البيانات الاخرى، ولا يعفيه ما ذكره من ان ذلك كان بناء على رجاء وهيب حنا)، ومن ثم اقترحت النيابة العامة مجازاة هذا العامل باليومية (المدعى) اداريا ومجازاة كل من وهيب حنا، وكمال زكى ميخائيل، وغيرهم من الموظفين والعمال عما نسب اليهم. وثابت أيضا من تحقيق النيابة العامة ان كمال زكى ميخائيل الكاتب بادارة شئون العمال هو المسئول عن مراجعة البيانات الخاصة بالاستمارات بما فيها الاسماء والاجور لا حسابيا فقط كما ادعى على غير حق فى اقواله وسانده فى ادعائه الباطل وهيب حنا وكيل ادارة شئون العمال مما كان سببا فى مساءلته. وقد أيد عدم صحة هذا الادعاء شهادة الرؤساء بأن (كمال زكى ميخائيل) هو المسئول عن مراجعة كافة البيانات الخاصة بالاستمارات جمعيها وليس حسابيا فقط (ص4، 65 من مذكرة نيابة قصر النيل). ومجرد تنصل (كمال زكى ميخائيل) عن المسئولية ورفضه القيام باختصاصه الاصيل وهو التوقيع على الاستمارة بما يفيد مراجعة اسماء العمال فضلا عن المراجعة الحسابية أو بملاحظاته عليها ومجازاة وهيب حنا - وكيل ادارة شئون العمال - له فى ذلك، ومجرد اذعان المدعى لما أمره به رئيسه مشافهة وبدون امر كتابى ثابت فى الاوراق بأن يقوم المدعى بالتوقيع على استمارات شهر اغسطس سنة 1955 رغم أن المدعى غير مسئول عن القيام بهذه العملية التى تخرج اصاله عن صميم اختصاصه الذى هو (رئيس مراجعة أقسام المجارى وهى القسم الميكانيكى والقسم المدنى عن تطبيق كادر العمال واعمال مذكرات القضايا وتنفيذ الاحكام والتسويات والترقيات والعلاوات والشكاوى - ص 98/ 2 من ملف خدمة المدعى). كل اولئك من شأنه أن يجعل ما وقع من المدعى لا يرقى الى مرتبة الذنب الادارى الذى يستوجب المساءلة الادارية وبعدم سبب القرار الصادر بالجزاء التأديبى. فاذا تبين من ملف خدمة المدعى انه منذ تعيينه بالجهة الادارية المذكورة فى 5 من اغسطس سنة 1936 لم يوقع عليه أى جزء تأديبى، وانما يقوم بعمله على وجه مرضى - المستند رقم 99 من ملف الخدمة - اتضح ان النتيجة التى انتهى اليها قرار خصم خمسة أيام من أجر المدعى غير مستخلصة استخلاصا سائغا من اصول تنتجها ماديا وقانونا.
ومن حيث انه ولئن كان الحكم المطعون فيه قد اخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه فيما استند اليه من اسباب على النحو سالف ايضاحه، الا أنه قد انتهى فى منطوقه الى ذات النتيجة السليمة التى تأخذ بها هذه المحكمة وقضى بالغاء القرار التأديبى فيما تضمنه من مجازاة المدعى بخصم خمسة أيام من راتبه، ومن ثم يكون الطعن بالغاء الحكم المذكور، وبرفض الدعوى قد قام على غير سند سليم من القانون.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا،
وألزمت بلدية القاهرة بالمصروفات.