مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ890

(84)
جلسة 19 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل اسماعيل. وحسن السيد ايوب. والدكتور ضياء الدين صالح. ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 2487 لسنة 6 القضائية

( ا ) اموال عامة - شروط اعتبار المال عاما - نص الفقرة الاولى من المادة 87 من القانون المدنى الجديد فى هذا الشان - البرك والمستنقعات المتصلة بالبحر مباشرة اموال عامة - اساس ذلك - مثال بالنسبة لملاحة بور فؤاد.
(ب) عقد ادارى - عقد ايجار ملاحه بور فؤاد المبرم بين وزارة الحربية وبين أحد الاشخاص - هو عقد ادارى - خضوع المنازعات المتعلقة به لاختصاص القضاء الادارى - اساس ذلك.
(جـ) امتياز - استغلال حق الصيد فى ملاحة بور فؤاد - لا يرقى الى مستوى المورد الطبيعى للثروة القومية مما يمنح استغلاله بقانون - صحة عقد ايجار حق الصيد بالملاحة المذكورة المبرم بين وزارة الحربية وأحد الاشخاص - اساس ذلك.
(د) مسئولية الدولة - الاضرار المادية الناتجة عن الحرب - لا تسال عنها الدولة - تدخل المشرع بالنص على مسئوليتها أو تقدير تعويض عنها فى حالات معينة على سبيل الاستثناء - سرد لبعض حالات هذا التدخل فى فرنسا ومصر - التعويض فى هذه الحالة فى حقيقته ضرب من التأمين، ولا يلزم أن يكون جابرا مقدار الضرر الفعلى - مثال بالنسبة لعدم مساءلة الدولة عن الحرمان من الانتفاع من التعاقد معها بسبب الحرب.
1 - أنه بعد اذ كانت المادة 9 من التقنين المدنى السابق تنص فى البند (رابعا) منها على ان " البرك والمستنقعات المتصلة بالبحر مباشرة والبحيرات المملوكة للميرى، تعتبر من الاملاك الميرية المخصصة للمنافع العمومية التى لا يجوز تملكها بوضع يد الغير عليها بالمدة المستطيلة، ولا يجوز حجزها ولا بيعها، وانما للحكومة دون غيرها التصرف فيها بمقتضى قانون أو أمر صدر التقنين المدنى الجديد ونص فى الفقرة (1) من المادة 87 منه على أن " تعتبر اموالا عامة العقارات والمنقولات التى للدولة أو للاشخاص الاعتبارية العامة، والتى تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم". وقد اشترطت هذه المادة فى المال العام شرطين: (أولهما) ان يكون عقارا كان أو منقولا، مملوكا للدولة أو للاشخاص المعنوية العامة كالمديريات والمدن والقرى. والثانى أن يكون هذا المال مخصصا لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم (قرار جمهورى). فأوردت بذلك تعريفا عاما تعين بمقتضاه الاموال العامة، ويغنى عن البيان المطول الذى كانت تتضمنه المادتان 9، 10 من التقنين المدنى القديم. وقد أخذ المشرع فى هذا التعريف بمعيار التخصيص للمنفعة العامة، وهو المعيار الذى يأخذ به الرأى الراجح فى الفقه والقضاء. وقد جرت مناقشات لمشروع هذه المادة فى لجنة القانون المدنى بمجلس الشيوخ قيل فيها ان حكمها لا ينسحب على بعض ما يعتبر من الاموال العامة وفقا للمادة 9 من التقنين المدنى القديم مثل البرك والمستنقعات المستملحة المتصلة بالبحر مباشرة والبحيرات المملوكة للميرى اذ أن تخصيصها للمنفعة العامة غير واضح. ولكن انتهى الرأى الى أن المعيار العام الذى وضعه النص سليم، وان التزام هذا المعيار يغنى عن ايراد الامثلة وانه يكفى ان يقرر التقنين المدنى القاعدة العامة فى الشأن، أما التفصيل فهو أدخل فى نطاق القانون الادارى. ومعيار التخصيص للمنفعة العامة الذى أوردته المادة 87 من التقنين المدنى الجديد هو ذات المعيار الذى كان مقررا بنص المادة 9 من التقنين المدنى القديم، مما يدل على أن المشرع لم يرد الخروج على الاوضاع التى استقرت فى ظل هذا التقنين، ولم يقصد الى التضييق من نطاق الاموال العامة التى كانت معتبرة كذلك فى ظل النصوص القديمة، بل عمد الى الابقاء لها على هذه الصفة ما دامت مخصصة لخدمة الجمهور مباشرة أو لخدمة المرافق العامة سواء كانت قد أوجدتها الطبيعة بدون تدخل الانسان، أو كانت من تهيئة الانسان، وغنى عن البيان أن الاموال العامة الطبيعية التى هيأتها صفاتها التى أوجدتها الطبيعة دون أن تتدخل فيها يد الصنعة للانتفاع بها انتفاعا عاما هى أوقع صور الاموال العامة، ويمكن أن تعد من هذا القبيل ملاحة بور فؤاد موضوع العقد مثار النزاع التى هى متصلة بالبحر مباشرة، ومملوكة للدولة ومخصصة لمنفعة عامة، والتى يتضح من موقعها وتحديدها واوصافها المبينة بالعقد المشار اليه أنها تتوافر لها خصائص المال العام.
2 - ان عقد ايجار ملاحة بور فؤاد المبرم بين شخص ادارى هو وزارة الحربية وبين المدعى يتصل بنشاط متعلق بمرفق عام يخضع فى ادارته للراى الاعلى للسلطة الحاكمة، ويقوم على تمكين أحد الاشخاص من الانفراد باستغلال مال عام والاستئثار به بطريقة تؤثر فى هذا المرفق، وهو مرفق الصيد الذى يحقق للخزانة العامة للدولة مصلحة مالية، ويسد فى الوقت ذاته حاجة عامة مشتركة بتوفيره للجمهور غذاء شعبيا هاما، مستهدفا بذلك النفع العام. وقد تضمن، كما يتضح من مطالعة بنوده شروطا استثنائية غير مألوفة فى القانون الخاص واخرى تنبئ فى جملتها عن انصراف نية الادارة الى اتباع اسلوب القانون العام والاخذ بأحكامه ووسائله فى شأنه، مستخدمة فى ذلك الامتيازات والحقوق المقررة لها بوصفها سلطة عامة، ومعتمدة فى تعاقدها على فكرة السلطة وعلى تمتعها بقسط من سيادة الدولة وسلطانها، الامر الذى يخضع لهذه الرابطة التى تتوافر فيها مميزات العقد الادارى وخصائصه لاحكام القانون الادارى وبالتالى اختصاص القضاء الادارى.
3 - ان ابرام عقد ايجار ملاحه بور فؤاد بين السلطة التنفيذية والمدعى معناه ان الادارة انما رأت فى تقديرها أن استغلال صيد الاسماك، والمحار والبط والاوز والسمان بملاحة بور فؤاد - وهو يجرى فى نطاق محصور لمدة محدودة قصيرة - لا يبلغ من الخطر والاهمية ما يرقى به الى مستوى المورد الطبيعى للثروة القومية. ولما كان ليس من المحتم ان يكون كل مورد طبيعى للدولة موردا من موارد ثورتها القومية مما يمنح استغلاله بقانون فان عقد ايجار حق الصيد آنف الذكر المبرم بين وزارة الحربية بصفتها المهيمنة على مصلحة السواحل ومصايد الاسماك وبين المدعى يكون صحيحا متعينا اعمال احكامه.
4 - نصت المادة 165 من القانون المدنى على انه "اذا أثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبى لا يد له فيه، كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة او خطأ من المضرور أو خطا من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك". واذا كان الحادث المفاجئ فى الفقة الادارى فى مجال المسئولية على اساس المخاطر هو الحادث الداخلى المجهول السبب غير المتوقع الذى لا يمكن دفعه والذى يرجع مصدره الى نشاط الادارة فى ذاته أو الى شىء تملكه أو تستعمله، وكانت القوة القاهرة، وان اتحدث مع الحادث المفاجئ فى طبيعتها الذاتية، انما ترجع الى أمر خارج عن نشاط الادارة أو عن الاشياء التى تملكها أو تستعملها، فان الاجماع على ان هذه الاخيرة ومن تطبيقاتها العملية الحرب بما ينجم عنها من احداث مادية، حتى فى مذهب القائلين بمسئولية الدولة على اساس المخاطر، أو التضامن الاجتماعى، يترتب عليها انعدام علاقة السببية التى هى أحد ركنى هذه المسئولية التى ركنها الثانى هو الضرر مجردا عن الخطأ، وبالتالى عدم تحقق المسئولية وقد يتدخل المشرع فى حالات معينة من هذا القبيل فينص على مسئولية الدولة ويبين كيفية التعويض كما فعل المشرع الفرنسى فى قانون 16 ابريل سنة 1914 الخاص بمسئولية البلديات والدولة عن الاضرار الناجمة عن الثورات والهياج الشعبى، وفى قانون 17 من ابريل سنة 1919 و 28 من اكتوبر سنة 1946 الخاصين بتعويض الاضرار التى خلفتها الحربان العالميتان الاولى والثانية. وعليه فلا تتقرر المسئولية الا بالنص الصريح الذى ينشئها ويفرضها فرضا على سبيل الاستثناء وتكون معدومة بغيره. والواقع انها فى هذا المقام ليست فى حقيقتها مسئولية بل هى ضرب من التأمين، ومثل هذا التأمين يجب ان يكون مرجعه الى القانون. ومن ثم لزم تدخل الشارع للنص على التعويض فى هذه الحالة وبيان حدوده وقواعد تقديره الامر الذى لا يمكن ان يكون مرده الى نظرية قضائية غامضة المعالم تأسيسا على قواعد العدالة المجردة، لما فى ذلك من خطورة تبهظ كاهل الخزانة العامة وقد تؤدى بميزانية الدولة الى البوار. وقد أخذ الشارع المصرى فى التقنين المدنى الجديد بما جرى عليه القضاء فى ظل التقنين المدنى السابق من ان ترتيب مسئولية الحكومة على هذه النظرية ينطوى على انشاء لنوع من المسئولية لم يقره الشارع ولم يرده، فنص صراحة فى المذكرة الايضاحية على ان المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة لا توجد بشأنها سوى تشريعات خاصة تناولت تنظيم مسائل بلغت من النضوج ما يؤهلها لهذا الضرب من التنظيم، وفى مجال القانون الادارى لا يمكن ترتيب المسئولية على اساس تبعة المخاطر كأصل عام مقرر، بل يلزم لذلك نص تشريعى خاص. وقد أخذ التشريع المصرى فى حالات معينة على سبيل الاستثناء وبقوانين خاصة ببعض التطبيقات لهذه الفكرة، كالقانون رقم 88 لسنة 1942 بشأن التعويض عن التلف الذى يصيب المبانى والمصانع، والمعامل والآلات الثابتة بسبب الحرب، وهو قانون مؤقت يخصص للتعويض رأس مال يتكون من موارد متعددة أهمها ضريبة تجبى من المنتفعين بهذا القانون، فهو بمثابة تأمين اجبارى، ومبلغ من الميزانية العامة معادل لما يجبى من هذه الضريبية، وكالقانون رقم 29 لسنة 1944 بشأن تعويض افراد طاقم السفن التجارية ضد أخطار الحرب، والامر العسكرى رقم 10 الصادر فى 14 من نوفمبر سنة 1956 باعانة المصابين باضرار الحرب بمناسبة الاعتداء الثلاثى على مصر، كالقرارين الصادرين من وزير الشئون البلدية والقروية والشئون الاجتماعية والعمل فى 22 من ديسمبر سنة 1956، 30 من مارس سنة 1957 بالاسس والقواعد الخاصة بتقدير التعويضات عن اضرار الحرب التى وقعت على النفس والمال بمدينة بور سعيد وبالمحافظات والمديريات، وكالقانون رقم 286 لسنة 1956 المعدل بالقانون رقم 398 لسنة 1956 بشأن المعاشات التى تصرف لاسر الشهداء والمفقودين أثناء العمليات الحربية. وقد جاء فى المذكرة الايضاحية لهذا القانون الاخير مستوحى من المادتين 24، 25 من الدستور اللتين تنص اولاهما على ان "تكفل الدولة وفقا للقانون تعويض المصابين بأضرار الحرب" وتنص الثانية على ان "تكفل الدولة وفقا للقانون تعويض المصابين بسبب تأديتهم واجباتهم العسكرية". وانه بهذا القانون يكون الشارع قد كفل تعويض المصابين بأضرار الحرب هم وذويهم سواء فى ذلك من توافوا أو فقدوا أو أصيبوا باصابات تجعلهم عاجزين عن الكسب"، بسبب الاعمال الحربية. وظاهر من نص المادتين 24، 25 من دستور 16 من يناير سنة 1956 آنفتى الذكر أنهما تشترطان لكفالة تعويض المصابين بأضرار الحرب أو بسبب تأدية واجباتهم العسكرية صدور قانون بذلك. وقد جرى الشارع المصرى على أن يعالج كل حالة من هذا القبيل بقانون يصدره بمناسبتها خاصا بها يحدد فيه مدى التعويض بما تحتمله ميزانية الدولة وأسس تقديره. وقد حرص الشارع على أن يبين فى الامر العسكرى رقم 10 لسنة 1956، وفى المذكرة الايضاحية للقانون رقم 180 لسنة 1958 فى شأن عدم جواز الطعن فى القرارات الصادرة من اللجنة المنصوص عليها فى المادة 3 من الامر العسكرى المشار اليه ان المبالغ التى تصرف لضحايا الاعتداء الثلاثى بناء على القانون الذى قررها هى (1) من قبيل المنحة، وانها (2) اذ تعطى للمصابين باضرار الحرب على سبيل الاعانة، وانها (3) تقدر بحسب قدرة الدولة المالية، اذ جاء فيها "وفى حدود القواعد التى وردت بالقرارين المشار اليهما تألفت لجان للنظر فى منح اعانات مستهدية فى ذلك بقواعد تقرير التعويض واضعة نصب أعينها قدرة الدولة المالية لمواجهة هذه التكاليف التى جاءت عبئا لم يكن فى الحسبان". وما دام قد أحيط منح هذه الاعانات بتلك الضمانات، وما دام قد روعى فى منحها قدرة الخزانة على مواجهة تكاليفهما فقد رؤى للصالح العام ان ينأى بقرارات الاعانات عن مجال الطعن أمام أية جهة قضائية ". وما دام مناط الاعانة التى تمنح فى هذه الحالة هو امكانيات الخزانة العامة وقدرة الدولة المالية على مواجهة تكاليفها وليس مقدار الضرر الفعلى الذى أصاب صاحب الشأن فى نفسه أو ماله، فانها لا يلزم أن تكون جابرة لهذا الضرر كله.
ومتى انتفت مسئولية الدولة على الوجه المتقدم عما يصيب الافراد من أضرار الحرب، فانها لا تسأل عما يتحمله المتعاقد معها من الحرمان من الانتفاع بسبب الحرب بوصفه من قبيل هذه الاضرار، ما دامت العلاقة العقدية ما تزال قائمة لم تنفصم.


اجراءات الطعن

فى 16 من اغسطس سنة 1960 أودع الاستاذ محمد سامى مازن المحامى بصفته وكيلا عن السيد/ أحمد محمد زكرى سكرتيرية المحكمة عريضة طعن امام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2487 لسنة 6 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى "هيئة العقود الادارية وطلبات التعويض" بجلسة 19 من يونية سنة 1960 فى الدعوى رقم 397 لسنة 13 القضائية المقامة من السيد/ أحمد محمد زكرى ضد كل من (1) السيد وزير الحربية (2) السيد مدير عام مصلحة خفر السواحل (3) السيد مدير عام مصلحة مصايد الاسماك (4) السيد مدير البنك المصرى العربى، القاضى برفض الدعوى والزمت المدعى المصروفات، وطلب الطاعن للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه " قبول هذا الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بالزام المطعون عليهم بأن يردوا للطاعن مبلغ 665 م و17027 ج مع المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة عن الدرجتين" وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون عليهم فى 23 من أغسطس سنة 1960 فعقبت عليه الحكومة بمذكرة بدفاعها طلبت فيها "الحكم أصليا بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذا النزاع، واحتياطيا رفض الطعن والزام الطاعن المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة" كما أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه لما أبدته من اسباب الى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بعدم الاختصاص واحتياطيا بتعيين خبير تمهيدا لتقدير طلبات الطاعن على الوجه المذكور فى هذا التقرير". وبعد انقضاء المواعيد القانونية المقررة نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة التى قررت احالته الى المحكمة العليا حيث حددت لنظره جلسة 14 من ابريل سنة 1962 التى ابلغ الطرفان فى 18 من فبراير سنة 1962. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم مع الترخيص فى تقديم مذكرات فى اسبوعين، وقد قدم الطاعن مذكرة خلص فيها الى طلب "الحكم برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم فى الدعوى الاصلية بالطلبات الواردة بها".


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 397 لسنة 13 القضائية ضد كل من: (1) وزارة الحربية (2) مصلحة خفر السواحل. (3) مصلحة مصايد الاسماك (4) البنك المصرى العربى أمام محكمة القضاء الادارى "هيئة العقود الادارية وطلبات التعويض" بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة فى 8 من يناير سنة 1959 ذكر فيها أنه فى 5 من يناير سنة 1953 تعاقد مع مصلحة مصايد الاسماك التابعة لوزارة الحربية على أن يكون له حق استغلال الصيد ببحيرة ملاحة بور فؤاد لمدة خمس سنوات تنتهى فى آخر ديسمبر سنة 1957 بايجار سنوى مقداره 18220 جنيها. وقد حدث أن وقع اعتداء القوات البريطانية والفرنسية والاسرائيلية على مصر فى اكتوبر سنة 1956، وتعرضت مدينة بور فؤاد لآثار العدوان الذى كان من نتيجته الحاق اضرار بالغة بالمدعى فى استغلال الصيد فى البحيرة استغلاله. فأقام الدعوى رقم 9 لسنة 1957 مستعجل بور سعيد التى طلب فيه الحكم بندب خبير فنى لمعاينة حال البحيرة، وما وقع بها من اضرار واتلاف من جميع الوجوه، وما ترتب على ذلك من نتائج، وتقدير الخسائر المرتبة على ذلك والاعمال اللازمة لاعادة البحيرة صالحة للانتاج وتكاليفها والمدة اللازمة لذلك وفحص الاسماك الهالكة وتحديد سبب هلاكها. وقد انتهى الخبير الى أن خسائر المدعى تتلخص فى ضياع محصول البحيرة من الاسماك من وقت الاعتداء الى تاريخ مباشرته مأموريته والى حين فتح البواغيز، وهذه الاشهر من أول نوفمبر سنة 1956 الى آخر مارس سنة 1957 وهى أهم شهور السنة لصيد الاسماك كما انها أهمها أيضا لدخول الاسماك الى البحيرة لتعميرها، وعلى ذلك ينبغى عدم حساب قيمة الايجار عن هذه الفترة من بدء الاعتداء فى أول نوفمبر سنة 1956 حتى آخر مارس سنة 1957، اذ أن المدعى قد بدأ فى تطهير الفتحة الشمالية، وينتظر ان يتم فى نهاية مارس سنة 1957.
وبما أنه يلزم مرور فترة قدرها من ستة أشهر الى ثمانية اشهر بعد الانتهاء من تطهير الفتحة التى على البحر الابيض المتوسط، وفتح بوابات الفتحة التى على قناة السويس لتجديد مياه البحيرة وتعميرها بالاسماك وعودتها الى حالتها الطبيعية، فقد رأى الخبير اعفاء المدعى من ايجار سبعة أشهر تبدأ من أول ابريل سنة 1957 وتنتهى فى آخر اكتوبر سنة 1957. ولما كانت قد شكلت لجان لتعويض الاضرار عن العدوان، فقد تقدم المدعى اليها بطلب التعويض عن الاضرار التى أصابته، وقد قضت له اللجنة بتعويض عما فاته من ربح فى المدة من أول نوفمبر سنة 1956 الى مارس سنة 1957 مقدار 883 و 49982 ج وأضافت انها تحفظ له الحق فى طلب اعفائه من الايجار. ولما كان قد ثبت عدم انتفاع المدعى بالبحيرة بسبب العدوان فى المدة من أول اكتوبر سنة 1956 حتى آخر سبتمبر سنة 1957، وحسبما قرره الخبير لم يكن من وجه لمطالبته بالايجار عن هذه المدة فقد تقدم الى وزارة الحربية بطلب اعفائه عن الايجار عن المدة المذكورة، فاستفتت مجلس الدولة الذى أفتى بعدم أحقية الوزارة فى مطالبته بهذا الايجار، ولكن الوزارة قررت رفض الطلب وابلغت المدعى فى 30 من ديسمبر سنة 1958 بل انها قررت خصم الايجار من خطاب الضمان الصادر من البنك المصرى العربى ببورسعيد، وفرضت على المدعى علاوة على ذلك غرامة تأخير. ولما كان هذا القرار مخالفا للقانون فان المدعى يحق له طلب الغائه كما يحق له بصفة مستعجلة طلب وقف تنفيذه نظرا لما يترتب على تنفيذه من اضرار فادحة تلحق به، ولذا فانه يطلب "الحكم بالغاء القرار الصادر فى 30 من ديسمبر سنة 1958 بعدم الموافقة على اعفاء الطالب من الايجار عن المدة من أول نوفمبر سنة 1956 الى 30 سبتمبر سنة 1957 وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ هذا القرار من المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة ".
وبجلسة 15 من مارس سنة 1959 قرر الحاضر عن المدعى ترك الخصومة فى طلب وقف التنفيذ فقضت محكمة القضاء الادارى "باثبات ترك المدعى للخصومة فى طلب وقف التنفيذ والزمته مصروفاته".
وقد ردت الحكومة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أنه فى 5 من يناير سنة 1953 تعاقدت مصلحة خفر السواحل ومصايد الاسماك وحرس الجمارك مع المدعى على تأجير حق صيد الاسماك والمحار والبط والاوز والسمان له بملاحة بور فؤاد لمدة خمس سنوات تنتهى فى آخر ديسمبر سنة 1957 بايجار سنوى قدره 18220 جنيها يسدد على أربعة أقساط متساوية فى أول يناير وأول ابريل وأول يوليه وأول اكتوبر من كل سنة. ولا جدال فى ان المدعى بتعاقده هذا كان يسعى الى تحقيق ربح عن طريق انفراده بصيد الاسماك وبيعها. وهو يستند فى طلب اعفائه من المقابل الى انه قد امتنع عليه استغلال الملاحة بسبب العدوان الثلاثى على مصر فى الفترة المطلوب الاعفاء عنها. وربما كان هذا صحيح لو أن المدعى أصيب بخسارة من جراء العدوان. ولكن اذا ثبت أنه على الرغم من عدم تمكنه من استغلال الملاحة فعلا قد استغلها حكما وحقق بسبب عقد الاستغلال نفعا يتمثل فيما فاته من ربح فانه لا يعفى من تنفيذ التزامه بدفع المقابل لانه يعتبر فى هذه الحالة فى حكم المستغل فعلا للملاحة، لانه ما كان ليحصل على تعويض بقدر ما فاته من ربح بسبب عدم استغلاله للملاحة لولا انه مستأجر لها. فحصوله على هذا التعويض يوازى حصوله على الربح الذى كان ليحققه فيما لو استغل الملاحة فعلا. وقد قدرت له لجنة التعويضات التعويض عما فاته من ربح فى الفترة من أول نوفمبر سنة 1956 حتى 31 من مارس سنة 1957 بمبلغ 883 مليما و49982 جنيها وصرف له هذا المبلغ فعلا بالاذن رقم 264924 وقد ورد بقرار اللجنة. "وحيث انه وان كان الطالب قد تمسك بتطبيق الفقرة الثانية من البند الرابع من الباب الثانى من قرار السيد وزير بور سيعد المؤرخ 22 من ديسمبر سنة 1956 وهو تعويضه عن اضراره لحين نظر طلب التعويض الا أنه جاء غير محق فى طلبه هذا اذ أن التعويض يكون على قدر ما أصابه من اضرار فقط، تلك الاضرار التى ثبتت بتقرير الخبير هو فى فترة الصيد وهى فترة الايراد الهام طوال السنة وهذه الفترة تبدأ من أول نوفمبر الى آخر مارس من كل عام، أما باقى شهور السنة فهى موسم تربية الاسماك، وان كان هناك صيد فى تلك الفترة فهو شىء طفيف". ويتضح من هذه الفقرة ان اللجنة عوضته عما فاته من ربح طوال فترة عدم استغلاله للملاحة، وبذلك يكون فى حكم من استغلها فعلا. ولا وجه للتمسك بأحكام القوة القاهرة لطلب اعفائه من التزاماته، كما ان نظرية الظروف الطارئة لا تسعفه اذ أنه يشترط لتطبيقها ان يطرأ حادث استثنائى عام لم يكن فى الوسع توقعه يترتب على حدوثه ان يصبح تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة. وهذا منتف بعد اذ حصل المدعى على مبلغ 883 مليما و49982 جنيها تعويضا عما فاته من ربح، لانه بعد سداداه المقابل المطلوب منه وقدره 665 مليما و16707 جنيها عن المدة من أول نوفمبر سنة 1956 حتى 30 من سبتمبر سنة 1957 يبقى له ربح فائض قدره 218 مليما و 23285 جنيها، ومن ثم فلا محل لتطبيق احكام نظرية الظروف الطارئة اذ ليست هناك خسارة على الاطلاق بل ربح كبير حقق للمدعى كل غرضه من ابرام عقد الاستغلال. خلصت الحكومة من هذا الى طلب "الحكم برفض الدعوى، والزام المدعى بمصروفاتها ومقابل أتعاب المحاماة ".
وقد عقب المدعى على دفاع الحكومة بمذكرة أوضح فيها ان قرار لجنة التعويضات انما عرض للفترة من أول نوفمبر سنة 1956 الى آخر مارس سنة 1957 أى لخمسة شهور فقط، بينما الايجار المطلوب الاعفاء منه هو عن أحد عشر شهرا من أول نوفمبر سنة 1956 حتى 30 من سبتمبر سنة 1957 أى ان ثمت ستة أشهر لم يعرض لها قرار اللجنة ويجب الاعفاء من الايجار عنها. أما المدة من أول نوفمبر سنة 1956 حتى آخر مارس سنة 1957 فعلى الرغم من قرار لجنة التعويضات لاحق للحكومة فى طلب ايجار عنها، ذلك ان اللجنة لم تقض فى قرارها بعدم استحقاق المدعى الاعفاء من ايجارها بل حفظت له الحق فى طلب الاعفاء. كما أن تعويضها اياه عن هذه المدة على أساس ما فاته من ربح خلالها لا يفيد الزامه بدفع ايجارها، ولا سيما ان اللجنة لم تعوضه عن الاضرار التى أصابته التعويض الكامل، والمبلغ الذى قدرته له تعويضا لا يبلغ شيئا فى جانب الاضرار الفادحة التى أصابته.
وبعد تحضير الدعوى قدم السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه لما أبداه به من أسباب الى أنه يرى "الحكم برفض الدعوى والزام المدعى مصروفاتها ومقابل اتعاب المحاماة ".
وقد عدل المدعى بعد ذلك طلباته الى طلب الحكم بالزام الحكومة بأن ترد اليه الايجار المحل وقدره 665 مليما و17027 جنيها مع المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة، وأودع مذكرة ختامية أضاف فيها الى دفاعه السابق أنه لا يمكن القول بأنه اذا خصم الايجار المستحق عن المدة من أول ابريل سنة 1957 الى آخر سبتمبر سنة 1957 من التعويض الذى قدر له على خمسة الاشهر السالفة يكون له صافى ربح يزيد على ثلاثة وثلاثين الفا من الجنيهات، وهذا يبرر عدم اعفائه من الايجار عن المدة المذكورة، ذلك أن الربح الصافى بعد استنزال نفقات اعادة الانشاءات التى دمرت بسبب العدوان الى أصلها، وبعد خصم الضرائب المستحقة كان ضئيلا، وان عقد الايجار من العقود المستمرة التى تعتبر كل فترة زمنية منها وحدة مستقلة لا تتداخل فى بعضها، وان لجنة التعويضات لم تر منح المدعى تعويضا عن المدة من أول ابريل سنة 1957 حتى آخر سبتمبر سنة 1957 فلا أقل من اسقاط الايجار عنه عن هذه المدة حتى لا يكون الضرر مضاعفا بحرمانه من التعويض مع اقتضاء الايجار منه، وقد حفظت له اللجنة الحق فى ان يطلب من الحكومة اعفاءه من الايجار، ولا يمكن القول بأنها عند تقدير التعويض أدخلت فى حسابها أن يكون هذا الايجار مدفوعا. بل انها لم تقدر له تعويضا كاملا اذا لم تدخل فى حسابها الخسائر المادية الفادحة التى أصابته بتدمير المنشئات ومعدات الصيد تدميرا تاما، وما يلزم من النفقات لاعادة الحالة الى ما كانت عليه، ومن ثم فان المدعى يكون محقا فى طلب اعفائه من الايجار عن المدة من أول نوفمبر سنة 1956 الى آخر سبتمبر سنة 1957 جميعها وقدره 660 مليما و16707 جنيها واسترداد هذا المبلغ الذى حصلته الحكومة بغير وجه حق باستيفائه من التأمين النقدى الذى كان لديها، ومن البنك المصرى العربى ببورسعيد تنفيذا لخطاب الضمان الصادر منه والذى كان تحت يدها. أما مبلغ 320 جنيها الذى حصلته الحكومة أيضا كغرامة فلا حق لها فيه اذ ما دام الايجار غير مستحق فلا يترتب على عدم الوفاء به توقيع غرامة.
وبجلسة 19 من يونية سنة 1960 قضت محكمة القضاء الادارى "برفض الدعوى وألزمت المدعى المصروفات". وأقامت قضاءها على ان لجنة التعويضات القضائية قد عوضت المدعى عن جميع الخسائر فى الفترة من أول نوفمبر سنة 1956 لغاية 31 من مارس سنة 1957 علاوة على تعويضه عما فاته من كسب طوال هذه المدة. أما ما جاء فى نهاية قرارها من انها تترك للمذكور ان شاء مطالبة الحكومة بأجرة البحيرة طوال فترة التعطيل فلا عبرة به، ما دامت اللجنة قد ضمنت أسباب قرارها انها أدخلت الايجار فى اعتبارها عن الشهور الخمسة، ومن ثم فلا يحق للمدعى المطالبة برد هذا الايجار اليه. أما الاجرة عن المدة التالية من أول ابريل سنة 1957 حتى 30 من سبتمبر 1957 فانه يبين من تقرير الخبير فى دعوى اثبات الحالة، وهو ما تردد فى قرار لجنة التعويضات، ان أهم شهور الايراد فى البحيرة هى الشهور الخمسة التى عوضته اللجنة عنها تعويضا كاملا. على أنه اذا خصم الايجار عن المدة من أول نوفمبر سنة 1956 الى 30 من سبتمبر سنة 1957 وقدره 650 مليما و 16707 جنيها من جملة التعويض الذى منح للمدعى نظير ما فاته من ربح وقدره 883 مليما و 49981 جنيها فان الباقى يصبح 218 مليما و 33275 جنيها وهو ربح صاف على الاقل عن المدة لغاية آخر مارس سنة 1957 بغض النظر عما اذا كان قد حقق ربحا آخر بعد ذلك. واذا كان هناك محل بسبب العدوان الثلاثى لتطبيق نظرية الظروف الطارئة، فان مقتضى هذه النظرية أنه اذا لم يترتب على الظرف الطارئ خسارة ما أو كانت الخسارة طفيفة بالنسبة الى عناصر العقد فى مجموعه أو انحصر كل أثر الظرف الطارئ فى تفويت فرصة الربح على المتعاقد، لا يكون ثمة مجال لاعمال احكام هذه النظرية، ومن ثم فان المدعى لا يفيد منها. هذا الى أن عقد الاستغلال المبرم معه ينص فى البند (10) منه على ان " الايجار المتفق عليه فى المادة الرابعة من هذا العقد واجب الاداء ولو امتنع الصيد لسبب خارج عن ارادة المستأجر. ولا يعتبر المؤجر مسئولا بأى حال من الاحوال عن حالة المجرى الذى يقوم المستأجر بحفره على نفقته الخاصة. وعلى العموم ليس للمستأجر أن يطلب تأخير أو تخفيض قيمة الايجار لاى سبب من الاسباب التى لادخل لارادة المؤجر فيها". ومفاد هذا النص اعفاء مصلحة مصايد الاسماك من المسئولية ضد حدوث العدوان، وما يترتب عليه من اضرار واسقاط كل حجة للمدعى فيما أبداه من دفاع فى مذكراته. ومتى تقرر ان الايجار كان مستحقا فان عدم الوفاء به يترتب عليه توقيع الغرامة، وبذا يكون تحصيل مبلغ 320 جنيها قيمة هذه الغرامة من المدعى قائما على سبب صحيح يبرره، وتكون دعوى هذا الاخير على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضها.
وقد طعن المدعى فى هذا الحكم بعريضة اودعها سكرتيرية هذه المحكمة فى 16 من اغسطس سنة 1960 طلب فيها "قبول هذا الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بالزام المطعون عليهم بأن يردوا للطاعن مبلغ 665 مليما و17027 جنيها مع المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة عن الدرجتين". واستند فى اسباب طعنه الى أن ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه استنادا الى البند 15 من عقد الايجار من أن مفاد هذا النص اعفاء مصلحة مصايد الاسماك من المسئولية عن حدوث العدوان وما يترتب عليه من أضرار واضح الخطأ، اذ أن مجال النص المشار اليه بعيد عن مجال الدعوى الحالية التى ترتكز على قيام حالة الاستحالة المطلقة فى الانتفاع بالبحيرة بسبب اعمال العدو، وبالتالى عدم استحقاق الايجار الذى هو مقابل الانتفاع. ومناط البحث هو ما اذا كان التعويض المقرر يحرم المدعى من طلب الاعفاء من الايجار عن المدة التى استحال عليه فيها الانتفاع استحالة مطلقة. ولا شبهة فى استحقاقه استرداد ما استولت عليه الحكومة من ايجار عن المدة من أول ابريل سنة 1957 حتى آخر سبتمبر سنة 1957. ولا يقدح فى هذا القول بأنه حقق ربحا صافيا يربو على ثلاثة وثلاثين ألفا من الجنيهات، وان هذا يبرر عدم اعفائه من الايجار عن المدة المذكورة، ذلك ان مبلغ التعويض الذى قدر له هو أقرب الى الوهم منه الى الحقيقة بعد استنزال نفقات اعادة الانشاءات التى دمرت بسبب العدوان الى أصلها وخصم الضرائب المستحقة كما يتضح من تقرير المحاسب القانونى الذى قدم فى الدعوى. أما عن ايجار المدة من أول نوفمبر سنة 1956 حتى آخر مارس سنة 1957 فان لجنة التعويضات قد حفظت للمدعى الحق فى أن يطلب من الحكومة الاعفاء من الايجار، ومعنى هذا أنها لم تضمن قرارها عدم الاعفاء منه، هذا الى أنها لم تقدر للمدعى تعويضا كاملا عن هذه المدة اذ أنها لم تدخل فى حسابها الخسائر المادية الفادحة التى أصابته بتدمير المنشئات ومعدات الصيد تدميرا تاما، وما يلزم من النفقات لاعادة الحالة الى ما كانت عليه. وأما عن مبلغ 320 جنيها الذى حصلته الحكومة كغرامة فلا حق لها فيه ما دام الايجار غير مستحق الوفاء به. فضلا عن انها قد استوفت مبلغ الايجار من التأمين النقدى الذى لديها ومن البنك تنفيذا لخطاب الضمان الذى كان تحت يدها، فما كان لها والحالة هذه ان تجمع الى مبلغ الايجار أية غرامة.
وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلا، وبالغاء الحكم المطعون فيه، والحكم أصليا بعدم الاختصاص واحتياطيا بتعيين خبير تمهيدا لتقدير طلبات الطاعن على الوجه المذكور فى هذا التقرير". وأسست رأيها على أن الغالب ان البحيرات المستملحة التى كان واردا فى ذكرها فى المادة 9 من القانون المدنى القديم فتعتبر من أموال الدومين الخاص لا من الاموال العامة للدولة. وذلك أخذا بالمعيار الغالب فقها فى تحديد الاموال العامة للدولة وهو تخصيصها للمنفعة العامة. واذا كان الامر كذلك فان التصرف المعروض لا يكون الا تأجيرا لهذه العقارات المعتبرة من الاموال المملوكة ملكية خاصة للدولة، ولا يحجب هذه الحقيقة ان يطلق اسم التزام استغلال مورد طبيعى على هذا العقد، أو أن يتضمن العقد المذكور نصا يبيح للادارة فسخه لدى التخلف ومصادرة التأمين واعادة التأجير على ذمة المتعهد لان قواعد القانون المدنى لا تمنع مثل هذا الاتفاق، ولا ينقلب وضعه من عقد مدنى الى عقد ادارى ما دام لا يتعلق بالمرافق العامة فى شيء، وان كان يساعد على زيادة محصول البلاد من السمك وهو غذاء شعبى هام. ولما كان من المقرر قانونا ان الاختصاص بالايجارات الادارية بأنواعها هو للقضاء العادى لا الادارى، فان القضاء الادارى يكون غير مختص بصفته الاصلية بنظر هذه المنازعة. أما من حيث الموضوع من الاحتياط فان الاصل هو أن النظم الدستورية المختلفة تحرص على اخضاع منح امتياز استغلال الثورة الطبيعية لرقابة السلطة التشريعية، بمعنى أن الامر كان يقتضى الرجوع الى السلطة التشريعية لاستصدار قانون بتأجير البحيرة موضوع النزاع أو بالاذن بمنح امتياز استغلالها للمدعى اذا لا تكفى فى ذلك سلطة الوزير. ولما كان العقد المبرم مع المدعى قد تم بينه وبين وكيل وزارة الحربية فانه يكون مخالفا للقانون، ومن ثم فان تسوية ما بين الذمم نتيجة لهذه العلاقة يرجع فيه الى القواعد العامة للقانون دون العقد الذى وقع باطلا بطلانا مطلقا بعدم وجوده القانونى بأثر رجعى. غير ان هذا لا يبرر تجاهل ما ترتب عليه من الآثار الواقعية التى حدثت فعلا باعتباره واقعة قانونية اذ أن المدعى قد حاز منفعة البحيرة باذن صاحبها لقاء تأدية المبلغ المتفق عليه، ولذا تراعى فى تنظيم هذه العلاقة القواعد الخاصة بحق الانتفاع، ولا يعتبر الانتفاع هنا اتفاقيا ولا غصبا، وتنظم آثاره على أساس قواعد الاثراء على حساب الغير بلا سبب. واعمال هذه القواعد يؤدى الى القول باجازة المقابل الذى تراضى عليه الطرفان نظير الانتفاع، كما ان اعمال قواعد الانتفاع يؤدى الى القول بأن الانتفاع ينقضى بهلاك محله. ولما كان الثابت من تقرير الخبير أن العدوان قد منع الافادة من البحيرة حتى آخر مارس سنة 1957 فان مؤدى ذلك ان علاقة الانتفاع التى بدأت مع ابرام العقد الباطل قد انتهت بوقوع العدوان، ثم عاد للمدعى بعد ذلك حق انتفاع جديد بسند جديد، فلا يكون ملزما بأداء المقابل الاصلى كله ولا يسقط عنه هذا المقابل، ولا وجه لتطبيق نظرية الظروف الطارئة فى هذا المقام، كما لا حجة فى التذرع بأن المدعى قد حصل على تعويض كاف عن الاضرار التى وقعت بسبب الحرب لان التعويض المذكور كان فى بعض مشتملاته بتضمن عناصر بعيدة عن استغلال البحيرة كتعويضه عن خسائره الشخصية، كما أنه اقتصر على بعض شهور المدة التى استطال فيها أثر العدوان دون البعض الآخر. ولما كان الحق فى التعويض عن اضرار الحرب هو حق كامل غير انه لا يجب أن يزدوج فان الامر يقتضى تعيين خبير لتحديد مدى أحقية المدعى فى طلباته من الناحية المالية.
وقد عقبت الحكومة على الطعن وعلى تقرير هيئة مفوضى الدولة بمذكرة بدفاعها طلبت فيها "الحكم أصليا بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذا النزاع، واحتياطيا رفض الطعن والزام الطاعن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ". واستندت فى طلبها الاصلى بعدم الاختصاص الى غير السبب الذى أخذت به هيئة المفوضين، اذا قالت بأن التشريع والفقه والقضاء قد أجمعوا على اعتبار البحيرات والمياه الداخلية والملاحات من اموال الدولة العامة ولا يمكن بحال من الاحوال اعتبارها من اموال الدولة الخاصة نظرا الى صفاتها الطبيعية، ومن ثم فانها بحكم طبيعتها تعتبر امولا عامة ولو لم ينص عليها القانون المدنى الجديد لعدم قيام جدل فى شأنها. ولا شبهة فى أن الملاحة موضوع التداعى مرفق من المرافق ذات النفع العام تقوم على ادارته المصلحة المدعى عليها وان كانت تستهدف غرضا ماليا من تأجير هذه الملاحة ما دامت المصلحة المالية للدولة تعتبر مصلحة عامة، والعقود التى تبرم فى شأنها تعتبر عقودا ادارية متى تضمنت شروطا استثنائية، وانصرفت نية الادارة فيها الى اتباع اسلوب القانون العام. واذ كان لا سبيل الى الجدل فى ان العقد موضوع النزاع هو عقد ادارى فان ما ذهبت اليه هيئة المفوضين من خلاف فى هذا النظر يكون فى غير محله. وانما مرد عدم الاختصاص الذى تتمسك به الحكومة هو الى ان المدعى سبق ان تقدم الى لجنة التعويضات بطلب تعويضه عما أصابه من الاضرار نتيجة للعدوان الثلاثى ليس فقط حتى تاريخ تقرير هذا التعويض بل حتى آخر اكتوبر سنة 1957 زعما منه بأن المنشأة ستبقى معطلة حتى هذا التاريخ حسبما جاء بتقرير خبير اثبات الحالة، وقد بينت اللجنة فى قرارها مفردات التعويض الذى رأت أحقيته فيه، ثم انتهت فى منطوقه الى رفض باقى الطلبات سواء الواردة فى طلبه أو فى مذكرته المعدلة لطلباته. ولا شبهة فى أن موضوع الطلب المقدم من المدعى الى لجنة التعويضات هو نفس موضوع الدعوى الماثلة، وقد رفضت اللجنة هذا الطلب لعدم أحقيته فيه. وقد نص القانون رقم 180 لسنة 1958 فى مادته الاولى على ان قرارات اللجنة المذكورة نهائية، ولا يجوز الطعن فيها بأى وجه من الوجوه أو أمام أية جهة قضائية. واذ كانت اللجنة قد رفضت تعويض الطاعن عن الفترة حتى نهاية اكتوبر سنة 1957 وكان قرارها قد أصبح نهائيا لا يجوز الطعن فيه، فان الدفع بعدم الاختصاص يكون مستندا الى أساس قانونى سليم. وردت الحكومة على ما ذهبت اليه هيئة مفوضى الدولة من بطلان العقد لعدم اتخاذ الاجراءات القانونية الصحيحة فى شأنه بأن دستور سنة 1956 نص فى المادة 98 منه على أن ينظم القانون القواعد والاجراءات الخاصة بمنح الالتزامات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة، وبذا بسط اجراءات منح الالتزام فلم يتطلب كما كان الحال فى المادة 137 من دستور سنة 1923 صدور قانون فى كل حالة تمنح الحكومة فيها التزاما باستغلال مورد من موارد الثورة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة، وانما ترك ذلك لقانون يصدر بتنظيم طريقة منح الالتزام، بحيث يكون هذا المنح بقرار ادارى من الوزير المختص استنادا الى هذا القانون. وقد ذهب القضاء الى وضع معيار بالنسبة الى منح استغلال المرافق العامة فجعل العبرة بأهمية المرفق واعتباره موردا طبيعيا من موارد الثروة القومية من عدمه، واستلزم فى الحالة الاولى ان يكون منح الاستغلال بقانون، أما استغلال الموارد الاخرى التى تجرى فى نطاق ضيق ولمدد قصيرة فقد اكتفى بأن يمنح حق الاستغلال من السلطة التنفيذية. ومتى كان الامر كذلك، وكان الثابت ان استغلال صيد الاسماك بملاحة بور فؤاد لا يعتبر استغلالا لمورد من موارد الثروة القومية، وكانت وزارة الحربية هى التى أبرمت العقد بصفتها المهيمنة على مصلحة مصايد الاسماك، فان العقد يكون صحيحا ومتعينا اعمال احكامه على خلاف ما ذهب اليه رأى هيئة مفوضى الدولة. وأما فيما يتعلق بموضوع الدعوى فقالت الحكومة ان لجنة التعويضات قد عوضت المدعى عما فاته من ربح طوال فترة عدم استغلاله للملاحة مسترشدة فى تقديرها بايراد السنة السابقة بعد خصم كافة المصاريف ومقابل الايجار وبمراعاة ما هو ثابت فى تقرير الخبير من أن فترة الصيد التى هى فترة الايراد الهام طوال السنة تبدأ من أول نوفمبر وتنتهى فى آخر مارس من كل عام، أما باقى شهور السنة فهى موسم تربية الاسماك وان كان فيها صيد فهو شىء طفيف. وبذلك يكون المدعى قد حصل على ربحه طوال مدة رفع يده عن البحيرة كما لو كان قد استغلها فعلا ولا يحق له طلب اعفائه من ايجارها ما دامت اللجنة قد عوضته تعويضا كاملا عن ايراد الموسم كله، كما لا يحق له طلب اعفائه من غرامة التأخير لانها مستحقة طبقا لشروط العقد قبل وقوع العدوان بسبب تخلفه عن أداء القسط الذى كان مستحقا عليه فى أول اكتوبر سنة 1956 اذ أن العدوان لم يحصل الا فى 29 من اكتوبر سنة 1956 اى بعد استحقاق هذا القسط الذى نبهت عليه المصلحة مرارا بوجوب سداده بدون جدوى. أما بالنسبة للشرط الوارد فى العقد عن عدم مسئولية الادارة ولو امتنع الصيد بسبب خارج عن ارادة المستأجر فانه جائز مالم يكن فيه خطأ قد وقع من جانب الادارة نفسها أو يكن هذا الخطأ جسيما أو نتيجة غش. ذلك أنه يمكن اشتراط الاعفاء من المسئولية عن فعل الغير أو تعديل قواعد المسئولية أو الاتفاق على تحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة. وبذا يكون نص البند (15) من العقد صحيا قانونا وواجبا اعماله، ويكون الحكم المطعون فيه وقد سلم بصحة هذا الشرط سليما مطابقا للقانون. ولا يقدح فى هذا كون الحكومة قد عوضت الافراد عن أضرار الحرب لان هذا لم يكن منها الا منحة ومساعدة للمضرورين دون ملزومية عليها بتعويضهم قانونا. ومن ثم يكون الطعن غير قائم على سند من الواقع أو القانون متعينا رفضه.
وقد قدم المدعى ردا على دفاع الحكومة مذكرة أحال فيها الى دفاعه الوارد فى صحيفة طعنه، واضاف اليه تعقيبا على تقرير هيئة مفوضى الدولة ومذكرة الحكومة أن العقد موضوع الدعوى عقد ادارى لانه يتصل باستغلال مرفق عام ويتضمن شروطا استثنائية حسبما يبين من مطالعة بنوده. وغير صحيح أنه عقد باطل لعدم الاذن به من السلطة التشريعية. كما أنه غير سديد ما أشار اليه الحكم المطعون فيه وذهبت اليه الحكومة فى مذكرتها من أن البند 15 من العقد يلزم المدعى بدفع الايجار فى جميع الاحوال. ذلك ان البند المذكور انما يتحدث عن امتناع الصيد بسبب حالة المجرى أو تاثير العوامل الطبيعية التى قد تسبب نقل المجرى، كما يتحدث عن طلب تأخير الايجار أو تخفيضه فى حين ان الدعوى هى بطلب الاعفاء من الايجار جميعه. على ان دستور سنة 1956 الذى جرت فى ظل احكامه واقعات الدعوى قد نص فى المادة 4 منه على ان التضامن الاجتماعى أساس للمجتمع المصرى. كما نص فى المادة 23 على أن المصريين متضامنون فى تحمل الاعباء عن الكوارث والمحن العامة وفى المادة 24 على ان الدولة تتكفل وفقا للقانون بتعويض المصابين بأضرار الحرب. وبناء عليه فلا يقبل القول بأن الدولة انما تدفع للمصابين بأضرار الحرب احسانا بل ان التعويض الذى يعطى عن أضرار الحرب يجب أن يكون كاملا جابرا للضرر كله. ويؤيد هذا ما ورد فى المادة الاولى من الباب الاول ان القرار الصادر فى 24 ديسمبر سنة 1956 بانشاء لجان التعويضات. وقد دفعت الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، ولكن هذا الدفع مردود بأن موضوع الدعوى الحالية ليس طعنا فى قرار لجنة التعويضات، وانما هو فى الحقيقة تنفيذا لما جاء فى قرار اللجنة من ان المدعى حفظ لنفسه الحق أمامها فى طلب الاعفاء من الايجار. ولا حجة فى القول بأن اللجنة ذكرت فى نهاية قرارها رفض ما عدا ذلك من الطلبات، لان هذه العبارة انما تنصب على ما يكون قد قدم اليها من طلبات، وقد احتفظ المدعى لديها بحقه فى المطالبة بالاعفاء من الايجار وحفظت له هذا الحق الذى يمكنه المطالبة امام جهة الاختصاص وهى محكمة القضاء الادارى التى يكون لها ان تنظر فيه. وخلص المدعى من هذا الى طلب "الحكم برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم فى الدعوى الاصلية بالطلبات الواردة بها ".
( أ ) عن الاختصاص:
من حيث ان مبنى عدم الاختصاص الذى أثارته هيئة مفوضى الدولة هو أن العقد موضوع المنازعة الخاص بتأجير حق الصيد بملاحة بور فؤاد الى المدعى ليس عقدا اداريا بل هو عقد من عقود القانون الخاص لورده على مال من اموال الدولة الخاصة لا العامة مما يجعل المنازعة القائمة بشأنه تدخل فى اختصاص القضاء العادى دون الادارى.
ومن حيث أن سند الحكومة فى عدم الاختصاص الذى دفعت به هو أن لجنة التعويضات التى سبق ان تقدم اليها المدعى بطلب تعويضه عن الاضرار التى لحقت به حتى آخر اكتوبر سنة 1957 بسبب العدوان الثلاثى على بورسعيد، قد عوضته عن خمسة أشهر من أول نوفمبر سنة 1956 حتى آخر مارس سنة 1957 على أساس ما أثبته تقرير الخبير فى دعوى اثبات الحالة من أن هذه هى فترة الصيد والايراد الهام طوال السنة، وانها هى شهور الضرر الفعلى الذى أصابه، وان اللجنة قد رفضت باقى طلباته التى هى نفس موضوع الدعوى الحالية لعدم أحقيته فيها، وذلك بقرار نص القانون رقم 180 لسنة 1958 فى شأن عدم جواز الطعن فى القرارات الصادرة من لجنة التعويضات، على أنه نهائى لا يجوز الطعن فيه بأى وجه من الوجوه امام أية جهة قضائية الامر الذى ينبنى عليه عدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى.
ومن حيث انه بعد اذ كانت المادة 9 من التقنين المدنى السابق تنص فى البند (رابعا) منها على ان "البرك والمستنقعات المستملحة المتصلة بالبحر مباشرة والبحيرات المملوكة للميرى" تعتبر من الاملاك الميرية المخصصة للمنافع العمومية التى لا يجوز تملكها بوضع يد الغير عليها المدة المستطيلة، ولا يجوز حجزها ولا بيعها، وانما للحكومة دون غيرها التصرف فيها بمقتضى قانون أو أمر، صدر التقنين المدنى الجديد ونص فى الفقرة (1) من المادة 87 منه على ان "تعتبر اموالا عامة العقارات والمنقولات التى للدولة أو للاشخاص الاعتبارية العامة، والتى تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم". وقد اشترطت هذه المدة فى المال العام شرطين: (أولهما) ان يكون عقارا كان أو منقولا، مملوكا للدولة أو للاشخاص المعنوية العامة كالمديريات والمدن القرى. و(الثانى) ان يكون هذا المال مخصصا لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم (قرار جمهورى). فأوردت بذلك تعريفا عاما تعين بمقتضاه الاموال العامة، ويغنى عن البيان المطول الذى كانت تتضمنه المادتان 9، 10 من التقنين المدنى القديم. وقد أخذ المشرع فى هذا التعريف بمعيار التخصيص للمنفعة العامة، وهو المعيار الذى يأخذ به الرأى الراجح فى الفقه والقضاء. وقد جرت مناقشات لمشروع هذه المدة فى لجنة القانون المدنى بمجلس الشيوخ قيل فيها ان حكمها لا ينسحب على بعض ما يعتبر من الاموال العامة وفقا للمادة 9 من التقنين المدنى القديم مثل البرك والمستنقعات المستملحة المتصلة بالبحر مباشرة والبحيرات المملوكة للميرى، اذ أن تخصيصها للمنفعة العامة غير واضح. ولكن انتهى الرأى الى ان المعيار العام الذى وضعه النص سليم، وان التزام هذا المعيار يغنى عن ايراد الامثلة، وانه يكفى ان يقرر التقنين المدنى القاعدة العامة فى هذا الشأن، أما التفصيل فهو أدخل فى نطاق القانون الادارى. ومعيار التخصيص للمنفعة العامة الذى أوردته المادة 87 من التقنين المدنى الجديد هو ذات المعيار الذى كان مقررا بنص المادة 9 من التقنين المدنى القديم، مما يدل على أن المشرع لم يرد الخروج على الاوضاع التى استقرت فى ظل هذا التقنين، ولم يقصد الى التضييق من نطاق الاموال العامة التى كانت معتبرة كذلك فى ظل النصوص القديمة، بل عمد الى الابقاء لها على هذه الصفة ما دامت مخصصة لخدمة الجمهور مباشرة أو لخدمة المرافق العامة سواء كانت قد أوجدتها الطبيعة بدون تدخل الانسان، أو كانت من تهيئة الانسان. وغنى عن البيان ان الاموال العامة الطبيعية التى هيأتها صفاتها التى أوجدتها الطبيعة دون أن تتدخل فيها يد الصنعة للانتفاع بها انتفاعا عاما هى أوقع صور الاموال العامة. ويمكن ان تعد من هذا القبيل ملاحة بور فؤاد موضوع العقد مثار النزاع التى هى متصلة بالبحر مباشرة، ومملوكة للدولة ومخصصة لمنفعة عامة، والتى يتضح من موقعها وتحديدها وأوصافها المبينة بالعقد المشار اليها انها تتوافر لها خصائص المال العام.
ومن حيث، من جهة أخرى ان عقد ايجار ملاحة بور فؤد المبرم بين شخص ادارى هو وزارة التربية الحربية وبين المدعى يتصل بنشاط متعلق بمرفق عام يخضع فى ادارته للرأى الاعلى للسلطة الحاكمة، ويقوم على تمكين أحد الاشخاص من الانفراد باستغلال مال عام والاستئثار به بطريقة تؤثر فى هذا المرفق وهو مرفق الصيد الذى يحقق للخزانة العامة للدولة مصلحة مالية، ويسد فى الوقت ذاته حاجة عامة مشتركة بتوفيره للجمهور غذاء شعبيا هاما، مستهدفا بذلك النفع العام. وقد تضمن، كما يتضح من مطالعة بنوده، شروطا استثنائية غير مألوفة فى القانون الخاص واخرى تنبئ فى جملتها عن انصراف نية الادارة الى اتباع اسلوب القانون العام والاخذ باحكامه وسائله فى شأنه، مستخدمة فى ذلك الامتيازات والحقوق المقررة لها بوصفها سلطة عامة، ومعتمدة فى تعاقدها على فكرة السلطة وعلى تمتعها بقسط من سيادة الدولة وسلطانها، الامر الذى يخضع هذه الرابطة التى تتوافر فيها مميزات العقد الادارى وخصائصه لاحكام القانون الادارى وبالتالى لاختصاص القضاء الادارى.
ومن ثم يكون سند الدفع بعدم الاختصاص الذى أثارته هيئة مفوضى الدولة غير قائم على اساس سليم من القانون.
ومن حيث ان استنادا الحكومة من جانبها فى الدفع بعدم الاختصاص الذى تمسكت به الى القانون رقم 180 لسنة 1958 فى شأن عدم جواز الطعن فى القرارات الصادرة من لجان التعويضات لاتحاد موضوع الطلب الذى سبق أن رفضته لجنة التعويضات القضائية ببور سعيد بقرار نهائى لا يجوز الطعن فيه بأى وجه من الوجوه أمام أية جهة قضائية مع موضوع الدعوى الماثلة - وهو أمر لو صح لكان وجها لدفع آخر غير عدم الاختصاص - وهذا الاستناد مردود بأنه جاء بقرار لجنة التعويضات القضائية الصادر فى 17 من يونية سنة 1957 فى الطلب رقم 1961 بور سعيد أول ( أ ) الخاص بالمدعى. "وحيث ان وكيل الطالب قدم مذكرتين الاولى بتاريخ 13 من يونية سنة 1957 والثانية بتاريخ 16 من يونيه سنة 1957 مقررا فيهما بأنه لم يطالب بايجار ملاحة بور فؤاد عن مدة تعطلها بسبب العدوان وانه يحتفظ بشأنها بحقه بمطالبة الحكومة المؤجرة الملاحة له. ولا يسع اللجنة الا أن تترك للطالب ان شاء مطالبة الحكومة بها من عدمه، ولا تعوضه عن هذا الايجار بأى شىء، وهو وشأنه مع جهة الاختصاص". ولما كان المدعى يكيف طلباته فى دعواه الحالية بأنها استرداد لهذا الايجار لا تعويض مما سبق أن أجابته اليه اللجنة أو مما يدخل فيما رفضته من طلبات فان الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذه الدعوى يكون فى غير محله متعينا رفضه.
(ب) عن الموضوع:
من حيث ان هيئة مفوضى الدولة ذهبت الى أن العقد موضوع الدعوى باطل لعدم صدور قرار به من رئيس الجمهورية بعد موافقة السلطة التشريعية مع انه متعلق بمنح امتياز استغلال مورد من موارد الثروة الطبيعية. وهذا القول يدحضه ان ابرام العقد المذكور بنى السلطة التنفيذية والمدعى معناه ان الادارة انما رأت فى تقديرها ان استغلال صيد الاسماك والمحار والبط والاوز والسمان بملاحة بور فؤاد - وهو يجرى فى نطاق محصور لمدة محدودة قصيرة - لا يبلغ من الخطر والاهمية ما يرقى به الى مستوى المورد الطبيعى للثروة القومية. ولما كان ليس من المحتم أن يكون كل مورد طبيعى للدولة موردا من موارد ثروتها القومية مما يمنح استغلاله بقانون، فان عقد ايجار حق الصيد آنف الذكر المبرم بين وزارة الحربية بصفتها المهيمنة على مصلحة السواحل ومصايد الاسماك وبين المدعى يكون صحيحا متعينا اعمال احكامه.
ومن حيث ان المدعى يطلب بدعواه الحالية رد قيمة الايجار الذى استوفته الحكومة من التأمين النقدى، ومن خطاب الضمان المصرفى المقدمين منه، وذلك عن المدة من أول نوفمبر سنة 1956 حتى آخر سبتمبر سنة 1957، وكذا رد الغرامة التى فرضتها عليه بسبب ما نسبته اليه تأخير فى الوفاء بهذا الايجار، ويؤسس دعواه على حقه فى الاعفاء من الايجار المذكور لعدم امكانه الانتفاع بالعين المؤجرة، واستغلالها خلال هذه المدة بسبب العدوان الثلاثى على بور سعيد وما ترتب عليه من اضرار عطلت هذا الانتفاع الذى انما يستحق الايجار فى مقابله، وعلى أن الدولة ملزمة بأن تدفع للمصابين بأضرار الحرب تعويضا كاملا جابرا للضرر كله، وأن ما قدرته له لجنة التعويضات القضائية من تعويض لم يكن كاملا ولم يتناول الايجار.
ومن حيث ان المادة 165 من القانون المدنى نصت على أنه " اذا أثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبى لا يد له فيه، كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطا من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك ". واذا كان الحادث المفاجئ فى الفقه الادارى فى مجال المسئولية على أساس المخاطر هو الحادث الداخلى المجهول السبب غير المتوقع الذى لا يمكن دفعه والذى يردع مصدره الى نشاط الادارة فى ذاته أو الى شىء تملكه أو تستعمله، وكانت القوة القاهرة، وان اتحدت مع الحادث المفاجئ فى طبيعتها الذاتية، انما ترجع الى أمر خارج عن نشاط الادارة عن الاشياء التى تملكها أو تستعملها، فان الاجماع على أن هذه الاخيرة ومن تطبيقاتها العملية الحرب بما ينجم عنها من أحداث مادية، حتى فى مذهب القائلين بمسئولية الدولة على اساس المخاطر، أو التضامن الاجتماعى، ويترتب عليها انعدام علاقة السببية التى هى أحد ركنى هذه المسئولية التى ركنها الثانى هو الضرر ومجردا عن الخطأ، وبالتالى عدم تحقق المسئولية، وقد يتدخل المشرع فى حالات معينة من هذا القبيل فينص على مسئولية الدولة وبين كيفية تقدير التعويض كما فعل المشرع الفرنسى فى قانون 16 من ابريل سنة 1914 الخاص بمسئولية البلديات والدولة عن الاضرار الناجمة عن الثورات والهياج الشعبى، وفى قانون 17 من ابريل سنة 1919 و28 اكتوبر سنة 1946 الخاصين بتعويض الاضرار التى خلفتها الحربان العالميتان الاولى والثانية. وعليه فلا تتقرر المسئولية الا بالنص الصريح الذى ينشئها ويفرضها فرضا على سبيل الاستثناء، وتكون معدومة بغيره. والواقع أنها فى هذا المقام ليست فى حقيقتها مسئولية بل هى ضرب من التأمين، ومثل هذا التأمين يجب أن يكون مرجعه الى القانون. ومن ثم لزم تدخل الشارع للنص على التعويض فى هذه الحالة وبيان حدوده وقواعد تقديره، الامر الذى لا يمكن ان يكون مرده الى نظرية قضائية غامضة المعالم تأسيسا على قواعد العدالة المجردة، لما فى ذلك من خطورة تبهظ كاهل الخزانة العامة، وقد تؤدى بميزانية الدولة الى البوار. وقد أخذ الشارع المصرى فى التقنين المدنى الجديد بما جرى عليه القضاء فى ظل التقنين المدنى السابق من أن ترتيب مسئولية الحكومة على هذه النظرية ينطوى على انشاء النوع من المسئولية لم يقره الشارع ولم يرده، فنص صراحة فى المذكرة الايضاحية على ان المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة لا توجد بشأنها سوى تشريعات خاصة تناولت تنظيم مسائل بلغت من النضوج ما يؤهلها لهذا الضرب من التنظيم. وفى مجال القانون الادارى لا يمكن ترتيب المسئولية على اساس تبعة المخاطر كأصل عام مقرر، بل يلزم لذلك نص تشريعى خاص. وقد أخذ التشريع المصرى فى حالات معينة على سبيل الاستثناء وبقوانين خاصة ببعض التطبيقات لهذه الفكرة، كالقانون رقم 88 لسنة 1942 بشأن التعويض عن التلف الذى يصيب المبانى والمصانع، والمعامل والآلات الثابتة بسبب الحرب، وهو قانون مؤقت يخصص للتعويض رأس مال يتكون من موارد متعددة أهمها ضريبة تجبى من المنتفعين بهذا القانون، فهو بمثابة تأمين اجبارى، ومبلغ من الميزانية العامة معادل لما يجبى من هذه الضريبة، وكالقانون رقم 29 لسنة 1944 بشأن تعويض أفراد طاقم السفن التجارية ضد أخطار الحرب، والامر العسكرى رقم 10 الصادر فى 14 من نوفمبر سنة 1956 باعانة المصابين بأضرار الحرب بمناسبة الاعتداء الثلاثى على مصر، وكالقرارين الصادرين من وزير الشئون البلدية والقروية والشئون الاجتماعية والعمل فى 22 من ديسمبر سنة 1956، 30 من مارس سنة 1957 بالاسس والقواعد الخاصة بتقدير التعويضات عن أضرار الحرب التى وقعت على النفس والمال بمدينة بور سعيد وبالمحافظات والمديريات، وكالقانون رقم 26 لسنة 1956 المعدل بالقانون رقم 398 لسنة 1956 بشأن المعاشات التى تصرف لاسر الشهداء والمفقودين أثناء العمليات الحربية. وقد جاء فى المذكرة الايضاحية لهذا القانون الاخير انه مستوحى من المادتين 24و 25 من الدستور اللتين تنص أولاهما على "تكفل الدولة وفقا للقانون تعويض المصابين باضرار الحرب" وتنص الثانية على أن "تكفل الدولة وفقا للقانون تعويض المصابين بسبب تأدية واجباتهم العسكرية". وانه بهذا القانون يكون الشارع قد كفل تعويض المصابين بأضرار الحرب هم وذويهم سواء فى ذلك من توفوا أو فقدوا أو اصيبوا باصابات تجعلهم عاجزين عن الكسب". بسبب الاعمال الحربية. وظاهر من نص المادتين 24و 25 من دستور 16 من يناير سنة 1956 آنفتى الذكر أنهما تشترطان لكفالة تعويض المصابين بأضرار الحرب أو بسبب تأدية واجباتهم العسكرية صدور قانون بذلك. وقد جرى الشارع المصرى على أن يعالج كل حالة من هذا القبيل بقانون يصدره بمناسبتها خاصة بها يحدد فيه مدى التعويض بما تحتمله ميزانية الدولة وأسس تقديره. وقد حرص الشارع على أن يبين فى الامر العسكرى رقم 10 لسنة 1956، وفى المذكرة الايضاحية للقانون رقم 180 لسنة 1958 فى شأن عدم جواز الطعن فى القرارات الصادرة من اللجنة المنصوص عليها فى المادة 3 من الامر العسكرى المشار اليه أن المبالغ التى تصرف لضحايا الاعتداء الثلاثى بناء على القانون الذى قررها هى (1) من قبيل المنحة، وأنها (2) تعطى للمصابين باضرار الحرب على سبيل الاعانة، وأنها (3) تقدر بحسب قدرة الدولة المالية، اذ جاء فيها "وفى حدود القواعد التى وردت بالقرارين المشار اليهما تألفت لجان للنظر فى منح اعانات مستهدية فى ذلك بقواعد تقرير التعويض واضعة نصب أعينها قدرة الدولة المالية لمواجهة هذه التكاليف التى جاءت عبئا لم يكن فى الحسبان". "وما دام قد أحيط منح هذه الاعانات بتلك الضمانات، وما دام قد روعى فى منحها قدرة الخزانة على مواجهة تكاليفها فقد رؤى للصالح العام ان ينأى بقرارات الاعانات عن مجال الطعن أمام أية جهة قضائية" وما دام مناط الاعانة التى تمنح فى هذه الحالة هو امكانيات الخزانة العامة وقدرة الدولة المالية على موجهة تكاليفها، وليس مقدار الضرر الفعلى الذى أصاب صاحب الشأن فى نفسه أو ماله، فانها لا يلزم أن تكون جابرة لهذا الضرر كله.
ومن حيث انه متى انتفت مسئولية الدولة على الوجه المتقدم عما يصيب الافراد من أضرار الحرب، فانها لا تسأل عما يتحمله المتعاقد معها من الحرمان من الانتفاع بسبب الحرب بوصفه من قبيل هذه الاضرار ما دامت العلاقة العقدية ما تزال قائمة لم تنفصم، وما دام قيامها واستمرارها هو السند القانونى الذى على أساسه حصل المدعى على التعويض الذى قدرته له لجنة التعويضات. ولا يغير من كون المطالب به فى هذه الدعوى هو فى حقيقة الامر ضرب من التعويض عن أضرار الحرب تكييف المدعى اياه بأنه استرداد للايجار عن المدة من أول نوفمبر سنة 1956 حتى آخر سبتمبر سنة 1957، وهى المدة التى يبين من قرار لجنة التعويض فى الطلب رقم 1961 بور سعيد أول (1) الصادر فى 17 من يونيه سنة 1957 ان اللجنة عوضته عنها طبقا لتقرير الخبير فى القضية رقم 9 لسنة 1957 مدنى مستعجل بور سعيد تعويضا اجماليا قدره 883 مليما و 57882 جنيها، تأسيسا على ان شهور الضرر الفعلى الذى اصابه هى خمسة الاشهر التى تبدأ من أول نوفمبر سنة 1956 وتنتهى فى آخر مارس سنة 1957، أما باقى شهور السنة فهى موسم تربية الاسماك، وان كان فيها صيد فهو شىء طفيف، وبمراعاة محاسبته على أساس ايراده الثابت بميزانيته عن السنة السابقة مع اضافته الايجار المستحق عن هذه الاشهر الخمسة وقدره 665 ومليما و 7591 جنيها الى جملة المصاريف واستخراج صافى ربحه ذلك وقدره 883 مليما و 49982 جنيها باستنزال جملة المنصرف بما فيها الايجار المشار اليه من مجموع الايراد وهو الذى قررته اللجنة تعويضا للمدعى عما فاته من ربح فى الفترة آنفة الذكر. وبذلك تكون قد عوضته بالفعل عن الايجار المستحق عن هذه الفترة، وهو تعويض يتلازم استحقاقه اياه مع صفته كمستأجر وما كان ليستحق لو زايلته هذه الصفة. وما دامت الصفة المذكورة مستمرة حتى نهاية مدة العقد الذى لم يلغ ولم ينفسخ، والتعويض الذى قرر له وحقق له ربحا صافيا يفوق بكثير قيمة الايجار المستحق عليه هو منحه على سبيل الاعانة بتشريع خاص استندت به لجنة التعويضات ولا يتهيأ بما لا يجوز معه الطعن على قرارها بناء على نص القانون رقم 180 لسنة 1958 فان اعفاءه من باقى الايجار عن المدة من أول ابريل سنة 1957 حتى آخر سبتمبر سنة 1957 بحجة عدم تمكنه من استغلال الملاحة فى هذه الفترة نتيجة للعدوان، الامر الذى يمثل فى واقعه ضررا لحق به ناشئا عن سبب أجنبى لابد للجهة الادارية المؤجرة فيه، مع ان يده لم ترفع قانونا أو ماديا عن الملاحة المؤجرة له وان تعذر عليه الانتفاع بها فعلا، هذا الاعفاء لا يستند الى سبب قانونى صحيح ما دام ليس للمدعى أصل حق فى التعويض وأن كيف طلبه فى صورة استرداد للايجار، ولا سيما ان البند 15 من عقد الايجار المبرم معه بنص على أن "الايجار المتفق عليه فى المادة الرابعة من هذا العقد واجب الاداء ولو امتنع الصيد بسبب خارج عن ارادة المستأجر وعلى العموم ليس للمستأجر ان يطلب تأخير أو تخفيض قيمة الايجار لاى سبب من الاسباب التى لا دخل لارادة المؤجر فيها". وقد تضمن هذا البند حكما واجبا اعماله فى صدد هذا العقد، وهو حكم مطلق فى وجوب اداء الايجار المتفق عليه ولو امتنع الصيد بسبب خارج عن ارادة المستأجر ايا كان مصدر هذا السبب أو طبيعته واعفاء من المسئولية عن ذلك. واذا كان قد نص على عدم أحقية المستأجر فى طلب تأخير الايجار أو تخفيض قيمته لاى سبب من الاسباب التى لادخل لارادة المؤجر فيها، فان معنى هذا ومقتضاه منطقا ولزوما انه لا يقبل من المستأجر طلب الاعفاء من الايجار كلية، لانه اذا كان الاعفاء الجزئى غير جائز فان الاعفاء الكلى لا يمكن ان يكون جائزا من باب أولى. وقد نصت المادة 217 من القانون المدنى فى فقرتها الاولى على أنه "يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة". ولو وجه لما أثير من بحث حول امكان تطبيق نظرية الظروف الطارئة، ذلك ان شروط هذه النظرية متخلفة فى الحالة المعروضة بعد التعويض الذى قررته لجنة التعويضات للمدعى والذى ترتب عليه تحقيق ربح جم له وانعدام أية خسارة فادحة استثنائية تزيد على الحد المعقول وتجاوز الخسارة العادية المألوفة وانتفاء أى اختلال فى التوازن المالى للالتزام بما يجعل تنفيذ العقد مرهقا ويقلب وضعه الاقتصادى بفعل هذه الظروف.
ومن حيث انه متى كان المدعى ملزما بالايجار، وكان من الثابت انه تأخر فى سداد القسط الذى حل واستحق فى ذمته منذ أول اكتوبر سنة 1956 اى قبل حصول العدوان الثلاثى الذى وقع فى 29 منه، وأن الجهة الادارية قد كررت التنبيه عليه بوجوب أداء هذا القسط فى ميعاده دون جدوى، فان غرامة التأخير المقررة فى هذه الحالة وفقا لشروط العقد عند عدم الوفاء بالايجار فى الميعاد المتفق عليه والتى حصلتها الجهة الادارية المؤجرة تكون مستحقة لها بسبب قانونى صحيح.
ومن حيث انه لكل ما تقدم يكون المدعى على غير حق فى دعواه وفى طعنه، ويكون حكم محكمة القضاء الادارى المطعون فيه، اذ قضى برفض الدعوى، قد صادف الصواب فى النتيجة التى انتهى اليها. ويتعين والحالة هذه رفض الطعن موضوعا مع الزام الطاعن بمصروفاته.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الطاعن بالمصروفات.