مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) صـ923

(86)
جلسة 26 مايو سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس، وعضوية السادة: مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد ايوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضيتان رقما 642 و 1964 لسنة 6 القضائية

بعثات - الاشراف المالى والعلمى لطالبى العمل فى الخارج على نفقتهم - حق لكل طالب طلما انه مجد فى الدرس والتحصيل غير عابث ولا هازل - رفع هذا الاشراف اذا ما انحرف عن الغرض الذى من اجله اسبغ عليه - التقرير عن سلوك الطالب من الناحيتين الخلقية والعلمية - اختصاص مكاتب البعثات فى الخارج به - مثال - القرار الصادر برفع الاشراف عن الطالب سىء السيرة وغير الجاد فى الدراسة - صحيح قائم على سببه.
ان الاشراف الذى تسبغه الحكومة على الطلاب المغتربين من أبناء الوطن انما هو حق لكل مواطن فلا يرتد عنه طالما انه مجد فى الدرس والتحصيل غير عابث ولا هازل فاذا ما انحرف عن الغرض الذى وضع من أجله تحت الاشراف وما يستتبع ذلك من مزايا كان غير جدير بهذا الاشراف، ولا جدال فى أن مكاتب البعثات الموجودة فى البلاد الاجنبية التى يدرس فيها الطلبة المصريون لها القول الفصل فى سلوك الطالب من الناحية الخلقية أو العلمية لان ذلك من صميم عملها وما تقرره فى هذا الشأن انما تراعى فيه مصلحة الطالب بما لا يتعارض مع المصلحة العامة، فاذا ما رأت الحكومة من تقرير قدم اليها مدعم بالاوراق ومعزز بواقع الحال ان ابن المدعى غير جاد فى دراسته، وان حياته تنطوى على مخازى تضر بسمعة البلاد واتخذت بناء على ذلك قرارا برفع الاشراف عنه فانها لا تكون قد خالفت القانون فى شىء وبالرجوع الى التقارير التى قدمت عن سلوك هذا الطالب العلمى والخلقى، وقد سبق الاشارة اليها، فانها تدل على العبث والاستهتار بمصلحته ومصلحة البلاد العليا مما يتنافى مع الاشراف الذى ما شرع الا لمساعدة الطلبة المجدين الذين يتجشمون الكثير فى سبيل العلم والاستزادة بنوره، ولا يتصور أن يمتد الاشراف على العبث والمجون أو تنفق الحكومة فى سبيل انشاء هذه المكاتب المال الكثير دون تحقيق مصلحة عامة، والثابت من الاوراق حتى نظر هذا الطعن ان ابن المدعى لم يحقق أى نجاح فى دراسته وأن التقارير أخذت تترى قبل صدور القرار المطعون فيه وبعده مشيرة الى سوء سيرته وعدم جديته فى الدراسة وتنصح بضرورة عودته الى الوطن، ومن ثم اذا أقامت الجهة الادارية قرارها برفع الاشراف هذا الطالب على ما جاء بتلك التقارير فانها تكون قد استخلصت اسبابه استخلاصا سائغا من أصول ثابتة تنتجه وتؤدى اليه، وبالتالى يكون القرار المطعون فيه قد قام على سببه الصحيح فهو قرار صحيح بمنأى عن الطعن.


اجراءات الطعن

فى أول فبراير وفى 13 من يولية سنة 1960 أودع السيد رئيس ادارة قضايا الحكومة صحيفتى طعن أمام هذه المحكمة قيدتا بجدولها تحت رقم 642 و 1964 لسنة 6 القضائية فى الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الادارى بجلسة 15/ 12/ 1959 و 17/ 5/ 1960 فى القضية رقم 1132 لسنة 13 القضائية المقامة من السيد/ توفيق الشجيع عوض بصفته ولى أمر الطالب وليم توفيق الشجيع ضد السيدين/ وزير التربية والتعليم ومدير عام ادارة البعثات والذى قضى أولهما بوقف تنفيذ القرار الصادر برفع الاشراف العلمى والمالى عن ابن المدعى.. وثانيهما بالغاء القرار الصادر من الادارة العامة للبعثات فى يناير سنة 1959 برفع الاشراف العلمى والمالى عن وليم توفيق الشجيع الطالب بجامعة فينا والزام الحكومة المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل اتعاب المحاماة "وطلب السيد/ رئيس ادارة القضايا للاسباب الواردة فى صحيفتى الطعن قبول الطعنين شكلا وفى موضوعهما فيما يختص بالطعن الاول ان تأمر دائرة فحص الطعون بصفة مستعجلة بايقاف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين صدور الحكم اعمالا لنص المادة (15) من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة، ثم احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بالغائه، وبرفض طلب وقف التنفيذ المقدم من المطعون ضده مع الزامه بالمصاريف ومقابل اتعاب المحاماة عن الدرجتين وفيما يختص بالطعن الثانى الغاء الحكم فيما قضى به من الغاء القرار الصادر من الادارة العامة للبعثات برفع الاشراف العلمى والمالى عن ابن المطعون ضده والحكم برفض الدعوى مع الزام المطعون ضده بالمصروفات ومقاب اتعاب المحاماة عن الدرجتين". أعلن الطعنان للطرفين فى 25/ 4/ 1960 وفى 8/ 4/ 1961 ثم نظر بجلسة 4/ 6/ 1961 وجلسة 12/ 11/ 1961 أمام دائرة فحص الطعون التى قررت احالتهما الى المحكمة الادارية العليا لجلسة 21/ 4/ 1962 وبعد ان سمعت المحكمة ما رأت لزوما لسماعه من ايضاحات ذوى الشأن ارجأت النطق بالحكم فيهما لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الاوراق فى ان المدعى أقام الدعوى رقم 1132 لسنة 13 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الادارى فى 14/ 7/ 1959 ذكر فيها انه أوفد ابنه وليم توفيق الشجيع لدراسة الهندسة بكلية فينا بالنمسا فى سنة 1958 لتعذر الحاقه باحدى كليات الهندسة المصرية أو بغيرها من كليات الجامعات بالجمهورية العربية المتحدة. وقد شملت وزارة التربية والتعليم (الادارة العامة للبعثات) للطالب المذكور وأمثاله من المهاجرين للخارج لطلب العلم برعايتها فأضفت عليهم ما يسمى بالاشراف العلمى والمالى وهو اشراف له فائدته من نواح عديدة ولكنه شرط لازم لامكان ارسال الاموال اللازمة لنفقات الطالب فى الخارج وبغير ذلك الاشراف يصبح من المستحيل استمرار الطالب فى دراسته ويلتزم بالعودة فورا.
ويقول المدعى ان ابنه كان أحد الطلبة القليلين الذين استطاعوا متابعة الدراسة فى كلية فينا الهندسية فى حين هجرها مئات من الطلبة بعد التحاقهم بالكلية لصعوبات لاقوها فى اللغة ثم فى المواد العلمية، وقد خصص الطالب الفترة الاولى لدراسة اللغة الالمانية التى لم يكن على أى المام بها قبل سفره وكان ذلك بناء على نصيحة ادارة البعثات ذاتها، ومن ثم استطاع بعد المامه بتلك اللغة ان يلتحق بالكلية المذكورة، وان تسجل هذه الكلية ذلك فى شهادة مؤرخة 28/ 4/ 1959 تقرر فيها أيضا أنه: حضر المحاضرات بصفة منتظمة وفقا للقوانين الجامعية، وسيرة خارج الكلية لا توجد عليه أية اعتراضات. وقد تقدم المدعى الى ادارة البعثات اخيرا لايداع الرصيد المالى اللازم لمواجهة نفقات ابنه فى الخارج، فلم يقبل منه، وأخطر فى 28/ 1/ 1959 بكتاب ادارة البعثات رقم 1384 الذى يتضمن أن: الوزارة قررت رفع الاشراف العلمى والمالى عن الطالب وطلبت من المدعى اتخاذ الاجراءات اللازمة لعودته الى مصر - تظلم المدعى من هذا القرار فى 17/ 3/ 1959 ولم ترد عليه ادارة البعثات حتى الآن بما يفيد قبول تظلمه فى حين يتعرض ابنه فى الخارج لاقسى الظروف المالية التى لا تخفى بسبب انقطاع ارسال الاموال اليه نتيجة لهذا القرار وقد طلب المدعى من المحكمة نظر الموضوع على وجه الاستعجال للحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه تمهيدا للحكم موضوعيا بالغائه.
أجابت وزارة التربية والتعليم على الدعوى بأنه فى 18/ 9/ 1957 تقدم المدعى بطلب الى الادارة العامة للبعثات ضمنه رغبته فى وضع ابنه وليم تحت الاشراف العلمى والمالى أثناء دراسته الهندسية بجامعة فينا بالنمسا فوافقت الادارة على ذلك وسافر ابنه فعلا فى شهر سبتمبر سنة 1957 وقد علمت ادارة البعثات أن فريقا من الطلبة الذين يدرسون بجامعات النمسا يسيئون الى سمعة البلاد اساءة بالغة نتيجة سوء سلوكهم وضعف أخلاقهم فضلا عن أنهم انصرفوا عن الدراسة وتحصيل العلوم فطلبت الوزارة من مكتب البعثات بفينا موافاتها بأسماء هؤلاء الطلبة الذين يعصفون بكرامة بلادهم ولا يجئ خير من بقائهم فى الخارج فأرسل المكتب بيانا شاملا لاسمائهم من بينهم ابن المدعى الذى استدعته ادارة البعثات وأطلعته على ما ورد اليها من المكتب المذكور من استهتار ابنه وعبثه وسوء خلقه وتأخره فى دراسته وأوضحت له الاسباب التى تقرر من أجلها رفع الاشراف العلمى والمالى عنه وطلبت منه اعادته الى البلاد ذلك أن بقاءه فى الخارج مضيعة للوقت والمال بما لا طائل من ورائه. ولما لم يذعن لذلك رفعت ادارة البعثات عن ابنه الاشراف العلمى والمالى اعمالا لنص المادة (36) من لائحة البعثات والاجازات الدراسية، ويتضح من التقرير المرفق بالاوراق أن ابن المدعى وصل الى النمسا فى 18/ 10/ 1957 لدراسة الهندسة بجامعة فينا ولكى يحصل على دبلوم الهندسة وهو المؤهل المطلوب كان يجب عليه أن يسجل اسمه فى تسعة فصول دراسية وان يؤدى تبعا لذلك تسعة امتحانات مدة كل منها ستة شهور واذ تبين ان الطالب المذكور منذ وصوله الى النمسا فى عام 1957 لم يسجل اسمه الا فى فصل دراسى واحد على حين أنه كان لزاما عليه أن يسجل اسمه فى أربعة فصول دراسية على الاقل كما ثبت انه لم يؤد امتحانا منذ ذلك التاريخ مما يدل على انصرافه عن تحصيل الدروس وانحرافه عن الهدف الذى سافر من أجله، واذ ثبت أيضا من تقرير مكتب البعثات بفينا أن ابن المدعى سىء السير والسلوك وقد أوصى هذا المكتب حرصا على سمعة البلاد رفع الاشراف العلمى والمالى عنه واعادته الى مصر، والمادة 36 المشار اليها صريحة فى ان يرفع الاشراف المالى والعلمى عن كل طالب يرسب سنتين متتاليتين فى فرقة واحدة أو لا يكون محمود السيرة محافظا على سمعة بلاده هذا وجدير بالذكر انه لا يقدح فيما تقدم تلك الشهادة التى قدمها المدعى والمقول بصدورها من جامعة فينا والمتضمنة ان ابنه حسن السير والسلوك ومواظف على حضور المحاضرات المقررة، فان هذه الشهادة يدحضها ويثبت عكسها تقرير كلية الهندسة التى يدرس فيها الطالب والذى تلقته ادارة البعثات من مدير مكتب البعثات بفينا. وثابت فى هذا التقرير الصادر من ذات الكلية التى يدرس فيها ابن المدعى علومه الهندسية انه غير جاد فى دراسته ولا يحضر المحاضرات المقررة ولم يؤد للآن أى امتحان لدرجة أنه لم ينجح بعد حتى فى امتحان الدخول الخاص بهذه الكلية، وقد أضاف السيد مدير مكتب البعثات بفينا فى كتابه المؤرخ فى 29/ 12/ 1959 ان هذا الطالب يمضى وقته عبثا وفى لعب الميسر وان ذلك يؤيد فشله فى دراسته وعدم حضوره المحاضرات كما وانه لا يمكن الاعتداد بالشهادة المقدمة من المدعى اذ أن أمر تحرى سلوك الطلبة ومراقبة تصرفاتهم منوط بمكتب البعثة التعليمية فى الخارج على النحو الذى نصت عليه المادة (35) من لائحة البعثات واعمالا لحكم هذه المادة تقوم مكاتب البعثات التعليمية فى الخارج بارسال التقارير عن حالة الطلبة الى الادارة العامة للبعثات وفى ضوء هذه التقارير يظل أو يرفع الاشراف العلمى عن الطلبة، ولا شبهة أن فى وضع الطلبة تحت الاشراف العلمى والمالى فيه ميزة لاولياء أمور هؤلاء الطلبة اذ يترتب على هذا الوضع تحويل النقد اليهم بالسعر الرسمى وتقديم التقارير عن هؤلاء الطلبة الى أولياء أمورهم ليكونوا على علم بمجريات أمورهم فى الخارج وتتحمل الحكومة فى سبيل ذلك فروق سعر النقد بالنسبة للطلبة الذين يتلقون علومهم فى الخارج والهدف من ذلك رفع المستوى العلمى وما يعود عليها من نفع بعد انتهاء هؤلاء الطلبة من تلقى دروسهم وحصولهم على شهاداتهم الدراسية وعودتهم الى بلدهم فاذا كان نظام الدراسة فى كلية الهندسة بجامعة فينا يقضى بأن يسجل الطالب اسمه فى تسعة فصول دراسية مدة الدراسة فى كل منها ستة شهور يؤدى فى نهايتها الطالب امتحانا خاصا يجب عليه اجتيازه وبقاء الطالب فى الفرقة الواحدة ما يزيد عن سنة زمنية دون تأدية الامتحان المقرر يعتبر رسوبا فى تلك الفرقة سنتين دراسيتين ويتعين رفع الاشراف عنه وفقا لحكم المادة (36) من لائحة البعثات ومتى كان ذلك فانه لا يمكن الحاجة بأنه ما كان يجوز اصدار القرار المطعون فيه قبل مرور سنتين على سفر ابن المدعى والا كان القرار صادرا قبل الاوان ذلك لان الرسوب فى مفهوم حكم المادة 36 المذكورة هو الرسوب أكثر من مرة فى فرقة واحدة أى الرسوب سنتين دراستين أيا كانت فترة الدراسة المقررة وليس سنتين زمنيتين، وغنى عن البيان انه قد عرض على السيد/ وزير التربية والتعليم التظلمات الخاصة بالطلبة الذين رفع الاشراف عنهم لسوء سلوكهم وانصرافهم عن تحصيل دروسهم فرفض سيادته اعادة الاشراف عليهم بعد أن أثبتت التقارير المختلفة ما تعانيه البلاد من وجودهم فى الخارج خاصة وان كثيرا منهم قد صدرت ضدهم أحكام جنائية من المحاكم الاجنبية وأصدر سيادته منشورا بالعمل على الحاقهم بالكليات المماثلة للكليات التى كانوا يدرسون بها فى الخارج مما يدل على أن نية الوزارة قد اتجهت الى تيسير سبل التعليم امامهم وخلصت الوزارة من هذا الرد على الدعوى الى رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه والى رفض الدعوى موضوعا.
وبجلسة 15/ 12/ 1959 قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مستندة فى ذلك الى أن المادة (36) من لائحة البعثات نصت على ان رفع الاشراف المالى والعلمى يكون لاحد سببين أولهما رسوب الطالب سنتين متتاليتين فى فرقة وحدة وثانيهما سوء سيرته وقد استبان ان القرار المطعون فيه قد صدر قبلما يمضى على ابن المدعى سنتان دراسيتان فى الجامعة التى التحق بها، ومن ثم يكون صادرا قبل أوانه - كما ان الوزارة لم تقدم دليلا على سوء سلوك ابن المدعى الذى قدم شهادة من الجامعة تدل على مواظبته وحسن سلوكه، وترى المحكمة من هذا ان طعن المدعى على القرار الذى يطالب بوقف تنفيذه يقوم فى الظاهر على أسباب جدية تبرر اجابته الى طلب وقف التنفيذ نظرا لما يترتب على التنفيذ من نتائج قد يتعذر تداركها مستقبلا - اذ يترتب على التنفيذ فوات فرصة الامتحان فيما درسه بكلية الهندسية التى التحق بها وضياع المجهود الذى بذله فى دراسة اللغة الالمانية والمواد التى أتم دراستها سدى - وهو أمر لا يمكن تعويضه مستقبلا.
وبجلسة 17/ 5/ 1960 قضت المحكمة فى موضوع الدعوى بالغاء القرار الصادر من الادارة العامة للبعثات فى يناير سنة 1959 برفع الاشراف العلمى والمالى عن وليم توفيق الشجيع الطالب بجامعة فينا وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على أن ابن المدعى ولو أنه وصل الى فينا فى اكتوبر سنة 1957 الا انه قضى فترة فى دراسة اللغة الالمانية التى تدرس بها المواد بكلية الهندسة، وانه لم يفيد الا ابتداء من الفترة الشتوية لعام 1958/ 1959 وقبل ان يستكمل مدة الرسوب سنتين فى فرقة واحدة كما تقضى بذلك المادة (36) من لائحة البعثات صدر القرار المطعون فيه فى يناير سنة 1959 وهو الضباط الذى وضعه القانون للتأكد من جدية الطالب واجتهاده ومواظبته على تلقى الدروس وتحصيلها، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه فى هذه الخصوصية صادرا قبل أونه فاقدا لشرط استلزامه القانون حتى لو اقتضى الامر حساب الزمن من وقت وصول ابن المدعى فى اكتوبر سنة 1957 لانه رغم ذلك لا يكون قد استكمل هذا الشرط الزمنى دون نجاح حتى صدور القرار المطعون فيه، ولا اعتداد فى ذلك بما تثيره الحكومة فى مذكرتها الاخيرة من وجوب تفسير المادة (36) المشار اليها وتطبيقها حسبما يتفق وطبيعة الدراسة فى كلية الهندسية بفينا التى تقضى بأن يسجل الطالب اسمه فى تسعة فصول دراسية مدة الدراسة فى كل منها ستة شهور يؤدى فى نهايتها امتحانا يجب عليه اجتيازه وان بقاء ابن المدعى أكثر من سنة دون تأدية الامتحان المقرر يعتبر رسوبا فى تلك الفترة سنتين - لا اعتداد بذلك لانه لا اجتهاد ولا قياس مع صراحة النص كما أنه لا اعتداد أيضا بصورة الشهادة التى أودعتها الحكومة ضمن حافظتها الاخيرة والمقول أنها صادرة من كلية الهندسية بفينا لانها خالية من تحديد تاريخ دخول نجل المدعى للكلية وقيده فيها والمدة التى قضاها فيها على خلاف ما توضح فى الشهادتين المقدمتين من المدعى والسابق الاشارة اليهما. وفيما يتعلق بسلوك ابن المدعى أثناء دراسته فى فينا فان الحكومة ساقت فى هذا الخصوص عبارات وأوصاف عامة لا دليل عليها ولم تذكر واقعة محددة بذاتها تنسبها لنجل المدعى الا الخطاب الذى قدمته فى حافظتها الاخيرة والمرسل من مدير مكتب البعثات بتاريخ 19/ 2/ 1959 من أن نجل المدعى أضاع وقته فى لعب الميسر مما انتهى به الى الفشل فى دراسته وهو أمر لا دليل عليه ولم تثره الحكومة الا أخيرا فى صدد دفاعها فى هذه الدعوى، وجدير بالذكر ان الحكومة استندت عند نظر وقف التنفيذ الى مقالة نشرت فى احدى الصحف قدمتها فى حافظة لها أثارت فيه الصحيفة الغبار على الطلبة المصريين الذين يتلقون العلم فى فينا وعبارات هذا المقال كلها تجهيل فى تجهيل.. ولا يصح ان يؤخذ من هذه المقالات دليلا على سوء خلق نجل المدعى".
ومن حيث ان الطعن فى الحكم الصادر بوقف التنفيذ يقوم على ان حالة الاستعجال التى قام عليها الحكم بوقف التنفيذ غير متوافرة ذلك أن اخراج الطالب من الاشراف المالى والعلمى لا يحول بينه وبين استمراره فى دراسته وكل ما يترتب عليه امتناع ادارة البعثات عن تحويل النقد اليه بالسعر الرسمى وتقديم التقارير الى ولى أمره فهو يستطيع أن يواصل دراسته ويؤدى امتحانه رغم رفع الاشراف عليه كما يقوم الطعن فى الحكم الصادر فى الموضوع على أوجه الدفاع ذاتها التى أوردتها الحكومة فى معرض ردها على الدعوى، وقد سبق الاشارة اليها.
ومن حيث ان الذى يبين من الاوراق ان المدعى تقدم بطلب فى 18/ 9/ 1957 الى السيد/ مدير عام ادارة البعثات بالقاهرة برجاء الموافقة على سفر ابنه وليم توفيق الى النمسا والالتحاق بجامعة فينا لدراسة القانون ووضعه تحت الاشراف العلمى والمالى، وقد وافقت الوزارة على ذلك، وكان يصرف لهذا الطالب شهريا 60 جنيه من مبلغ أودعه والد (المدعى) على ذمته، وفى 18/ 9/ 1959 استدعت ادارة البعثات بالقاهرة شقيق الطالب المذكور وأوضحت له ضرورة عودة شقيقه إزاء ما ورد عنه من السيد/ مدير مكتب فينا والا فان الادارة ستضطر آسفة لرفع الاشراف عنه ثم اخطرت والده (المدعى) فى 27/ 1/ 1959 بأنه تقرر رفع الاشراف عنه وبالتالى ايقاف تحويل النقد اليه وابلاغ ادارة التجنيد ذلك وقد عرض هذا الموضوع على السيدين الوزيرين المركزى والتنفيذى فى 28/ 1/ 1959 فأقرا هذا التصرف، وقد تظلم والد الطالب من ذلك القرار فآورى السيد/ مدير عام البعثات الاسباب التى دعت الى اتخاذه فى الكتاب الذى أرسله فى 20/ 3/ 1959 الى السيد/ مفوض الدولة لوزارة التربية والتعليم وتخلص فى "انه اتصل بعلم الادارة ان فريقا من الطلاب المصريين الذين يدرسون بالنمسا يسيئون اساءة بالغة الى سمعة البلاد ويرتكبون من الجرائم والمخازى ما يجعل سمعتها مضغة فى أفواه الاجانب وبناء على تكليف من الوزارة طلبت الادارة الى مكتب البعثات بفينا موافاتها بأسماء هؤلاء الطلاب الذى يعصفون بكرامة بلادهم ولا يرجى خير من بقائهم بالنمسا لانصرافهم عن الدراسة الى العبث والفساد، وقد أرسل المكتب بيانا بأسماء الطلاب العابثين، ومن بينهم الطالب وليم توفيق وبعرض الامر على الوزارة وافق السيد/ وكيل الوزارة المساعد للشئون الثقافية بتاريخ 28/ 12/ 1958 على استدعاء أولياء امور الطلبة واطلاعهم على أحوال ابنائهم وتقديم النصح اليهم باعادتهم الى الوطن اذ أن استمرار بقائهم بالخارج مضيعة لوقتهم واساءة لسمعة بلادهم وتبذيرا لارصدتها من العملات الاجنبية فان استجابوا لرجاء الادارة واعادوا أبناءهم انتهى الامر وان امتنعوا رفعت الادارة اشرافها عنهم، وبناء على ذلك استدعت الادارة والد الطالب المتظلم بخطاب مؤرخ 1/ 1/ 1959 فحضر شقيق الطالب فى 18/ 1/ 1959 بالنيابة عن والده واطلع على ما ورد من مكتب البعثات بفينا بشأن سوء سلوك شقيقه وبضرورة عودته الى مصر." ويوجد فى الملف الخاص بالطالب المذكور صورة من تقرير مكتب البعثات بفينا مؤرخ 16/ 1/ 1959 يتضمن ان "هذا الطالب لم يسجل سوى فصل دراسى واحد من تسعة ولم يؤد اى امتحان وانه سىء السير والسلوك ويرى المكتب عودته الى مصر" وجاء فى رد للمدير العام لادارة البعثات بالقاهرة بتاريخ 22/ 10/ 1959 مرسل الى المستشار الجمهورى بادارة قضايا الحكومة "ان الشهادة المقدمة من المدعى من جامعة فينا بأن الطالب مواظب على تحصيل دروسه، وليس على سلوكه داخل أو خارج الجامعة اى اعتراض فانه على فرض صدورها فالجامعة جهة غير مختصة للبحث عن سلوك الطالب خارجها وانما الجهة المختصة بهذا العمل هى مكتب البعثة التعليمية بفينا اذ أنه الرقيب على سلوك الطلبة الموجودين بالنمسا ويكفى لدحض هذه الشهادة ان الطالب المذكور لم يتقدم لاى امتحان رسمى" وبتاريخ 4/ 11/ 1959 كتب مدير البعثة التعليمية ان الطالب أمضى فصلين دراسيين فقط من تسعة فصول دراسية بكلية الهندسة، وقد تعهد بالاستقامة التامة ومضاعفة الجهد، ويلتمس اعطاءه فرصة جديدة ليتمكن من اتمام دراسته بهذه الكلية، والمكتب لا يرى مانعا من وضعه تحت الاختبار حتى آخر الفصل الدراسى الصيفى القادم أى آخر العام الدراسى الحالى، وبعد ذلبك يعاد النظر فى حالته". (وفى 7/ 12/ 1959 وردت برقية من فينا بأن الطالب وليم لم ينجح فى أى امتحان وهو سىء السلوك). وفى 2/ 1/ 1960 كتب السيد/ مدير عام البعثات الى والد الطالب بتدبير أمر عودة ابنه الى مصر حتى لا تسوء حالته وانها من جانبها على استعداد لتحويل مبلغ لحسابه للاستعداد وللسفر ولسداد ما قد يكون عليه من ديون، والادارة تهيب بكم ان تستجيبوا لهذا الرأى حرصا على مصلحة الطالب ومستقبله." كما أن كلية الهندسة بفينا كتبت الى مكتب البعثات بأن الطالب وليم لم ينجح فى امتحان دخول الكلية حتى الآن (14/ 12/ 1959) ولا يحضر المحاضرات المقررة. وفى 29/ 12/ 1959 كتب مدير مكتب البعثات بفينا الى ادارة البعثات بالقاهرة ما مفاده أن الطالب المذكور يمضى وقته عبثا وفى لعب الميسر يؤيد ذلك فشله فى دراسته وعدم حضوره المحاضرات المقررة. وفى 15/ 8/ 1960 رأت ادارة البعثات أن تعيد النظر فى قرارها بالنسبة لهذا الطالب اذا ما تبين لها أن أمره بقد استقام فكتبت فى هذا التاريخ الى مكتب البعثات فى فينا تستطلع رأيه فأجابها بأن الطالب لا يزال على حاله ولم يظهر أى تقدم ما فى دراسته بل أنه يحاول التخلص منها بعد بقائه ثلاث سنوات فى النمسا ليدرس من جديد الصيدلة، لذلك يرى المكتب الاستمرار فى رفع الاشراف عنه. والاصوب ان يعود الطالب الى الوطن". وبتاريخ 25/ 7/ 1961 كتب مدير مكتب البعثة بفينا الى المدير العام للبعثات بأن المدعى حول من كلية الهندسة الى كلية الطبيعة. مما يدل على عدم جديته فى الدراسة أيا كان نوعها كما وأنه طلب تحويل دراسته اليوم (25/ 7/ 1961) الى الصيدلة. والافضل أن يعود الى الوطن توفيرا للجهد والمال والا طلب المكتب رفع الاشراف عنه لهذه الاسباب. وقد استطلعت الوزارة رأى مستشار الدولة فى امكان استئناف الحكم الذى صدر بالغاء قرار رفع الاشراف فأفداها فى 15/ 11/ 1960 بعدم ملاءمة الطعن فى الحكم المذكور، ومن مقتضى تنفيذه اعادة الاشراف على الطالب وبناء على ذلك أخطرت الوزارة مكتب البعثات بفينا ووالد الطالب باعادة الاشراف عليه وقبلت الادارة من والده مبلغا لحسابه. وفى مذكرة للمدير العام لادارة البعثات مؤرخة 10/ 12/ 1960 بأن الادارة اضطرت الى اعادة الاشراف الى الطالب وليم توفيق الشجيع تنفيذا للحكم القضائى مع يقينها بأنه غير جدير بذلك لتعثره فى الدراسة وسوء سلوكه، وفى فتوى لمستشار الدولة لوزارة التربية والتعليم مؤرخة 15/ 12/ 1960 مفادها ان ادارة البعثات ككل مصلحة عامة تضع خدماتها فى متناول الجميع فلا يحق لها ان ترفض الاشراف ابتداء الا لسبب معقول. فاذا ما ثبت لادارة البعثات أن الطالب الذى يطلب وضعه تحت اشرافها مقيم فعلا بالخارج وانه قضى مدة طويلة فشل خلالها فى دراسته أو أنه صدرت عنه افعال معينة تسئ الى سمعة الوطن، فان ذلك يعتبر سببا معقولا يجيز لها أن ترفض اخضاعه لاشرافها.
وفى 13/ 8/ 1961 كتب مذكرة للعرض على السيد المدير العام لادارة البعثات تضمنت الآتى: "الطالب وليم توفيق الشجيع حاصل على الثانوية العامة سنة 1957، وسافر الى النمسا فى نوفمبر سنة 1957 لدارسة القانون ثم تحول الى دراسة الهندسة، وفى يناير سنة 1959 تقرر رفع الاشراف عنه لسوء السلوك والفشل فى الدراسة، وقد صدر حكم من محكمة القضاء الادارى فى 17/ 5/ 1960 بالغاء قرار رفع الاشراف، وقامت الادارة بتنفيذ الحكم اعتبارا من نوفمبر سنة 1960 وبناء على ما جاء بمذكرة ادارة الفتوى والتشريع المؤرخة 28/ 11/ 1960 لا يجوز للادارة رفع الاشراف عن هذا الطالب اذا استمر فشله فى الدراسة قبل انقضاء سنتين من تاريخ اعادته الى الاشراف أى فى نوفمبر سنة 1962، ويرى القسم مخاطبة ولى أمر الطالب ونصحه باعادة نجله بعد ايضاح حالة الطالب منذ سفره واعادة الاشراف حتى الآن". وقد أشر على هذه المذكرة السيد/ المدير العام المساعد بالموافقة واسداء النصح الى ولى أمر الطالب بالمعاونة فى عودته لفشله الثابت فى الاوراق، ثم وافق على ذلك السيد المدير العام فى 15/ 8/ 1961. وفى 7/ 8/ 1961 صرح للطالب المذكور بالسفر الى الوطن على أن يعود الى دراسته بكلية الفلسفة جامعة جرانز بفينا.
ومن حيث انه يؤخذ مما تقدم ان الحكومة قد قامت بالطعن فى الحكمين الصادرين بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبالغائه موضوعا، وليس فى أوراق الدعوى ما يشير الى أنها قد تنازلت عن الطعنين المقدمين منها واذا كانت قد قامت بتنفيذ مقتضى الحكم الأول الصادر بوقف التنفيذ فان ذلك ما يوجبه القانون وأن استطلاعها رأى مستشار الدولة أثناء قيام الطعنين انما كان مرده الى أنها لم تكن قد قامت بتنفيذ الحكم المؤقت حتى صدر الحكم فى موضوع القرار فى نوفمبر سنة 1960 فأرادت أن تتعرف على مدى سلطتها فى العودة الى الغاء الاشراف من جديد فى حالة اذا لم يؤخذ بوجه نظرها فى الطعنين سالفى الذكر. والاشراف الذى تسبغه الحكومة على الطلاب المغتربين من أبناء الوطن انما هو حق لكل مواطن فلا يرتد عنه طالما أنه مجد فى الدرس والتحصيل غير عابث ولا هازل فاذا ما انحرف عن الغرض الذى وضع من أجله تحت الاشراف وما يستتبع ذلك من مزايا كان غير جدير بهذا الاشراف ولا جدال فى أن مكاتب البعثات الموجودة فى البلاد الاجنبية التى يدرس فيها الطلبة المصريون لها القول الفصل فى سلوك الطالب من الناحية الخلقية أو العلمية لان ذلك من صميم عملها وما تقرره فى هذا الشأن انما تراعى فيه مصلحة الطالب بما لا يتعارض مع المصلحة العامة، فاذا ما رأت الحكومة من تقرير قدم اليها مدعم بالاوراق ومعزز بواقع الحال ان ابن المدعى غير جاد فى دراسته، وان حياته تنطوى على مخازى تضر بسمعة البلاد واتخذت بناء على ذلك قرارا برفع الاشراف عنه فانها لا تكون قد خالفت القانون فى شىء وبالرجوع الى التقارير التى قدمت عن سلوك هذا الطالب العلمى والخلقى، وقد سبق الاشارة اليها، فانها تدل على العبث والاستهتار بمصلحته ومصلحة البلاد العليا مما يتنافى مع الاشراف الذى ما شرع الا لمساعدة الطلبة المجدين الذين يتجشمون الكثير فى سبيل العلم والاستزادة بنوره، ولا يتصور أن يمتد الاشراف على العبث والمجون أو تنفق الحكومة فى سبيل انشاء هذه المكاتب المال الكثير دون تحقيق مصلحة عامة، والثابت من الاوراق حتى نظر هذا الطعن ان ابن المدعى لم يحقق اى نجاح فى دراسته وان التقارير أخذت تترى قبل صدور القرار المطعون فيه وبعده مشيرة الى سوء سيرته وعدم جديته فى الدراسة وتنصح بضرورة عودته الى الوطن، ومن ثم اذا أقامت الجهة الادارية قرارها برفع الاشراف عن هذا الطالب على ما جاء بتلك التقارير فانها تكون قد استخلصت اسبابه استخلاصا سائغا من اصول ثابتة تنتجه وتؤدى اليه وبالتالى يكون القرار المطعون فيه قد قام على سببه الصحيح فهو قرار صحيح بمنأى عن الطعن.
وبذلك يكون الحكمان المطعون فيهما اذ ذهبا غير هذا المذهب قد جانبا الصواب ويتعين الحكم بالغائهما، وبرفض الدعوى والزام المدعى المصروفات.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكمين فيهما، وبرفض طلب وقف التنفيذ، والدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات.