مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ947

(88)
جلسة 2 من يونية سنة 1962

برئاسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد ايوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد العزبى المستشارين.

القضية رقم 1579 لسنة 6 القضائية

موظف - حصوله على تقريرين متتالين بدرجة ضعيف - احالته الى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته وتقرير ما تراه وفقا لنص المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - انفراد الحالات الواردة بهذا النص بطابع خاص ليست له طبيعة التأديب، وان كفلت له ضماناته وتساوت معه فى بعض الآثار - عدم جواز الطعن فى القرارات الصادرة من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب أمام مجلس التأديب الاستئنافى - أساس ذلك.
ان المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة، الواردة فى الفصل الثالث من الباب الاول من هذا القانون وعنوانه "التقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم وراتبهم" كانت قبل تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 تقتصر على التحدث عن تقدير لجنة شئون الموظفين بالوزارة أوالمصلحة لدرجة الكفاية التى يستحقها كل موظف والتأشير بذلك فى ملف خدمته، وفى سجل الموظفين. ثم استحدث القانون رقم 579 لسنة 1953 النص على أن الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف يحال الى الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته، فاذا تبين لها أنه قادر على تحسين حالته وجهت اليه تنبيها بذلك والا قررت نقله الى وظيفة اخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها. فاذا قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف يفصل من الخدمة ويترتب على تقديم تقريرين متتالين عن موظف بدرجة ضعيف عدم أحقيته لاول علاوة دورية وأصبحت تقضى بعد تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 بأن الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف يقدم للهيئة المشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته فاذا تبين لها أنه قادر على الاضطلاع بأعباء وظيفة أخرى قررت نقله اليها بذات الدرجة والمرتب أو مع تخفيض درجته أو مرتبه، أو نقله الى كادر أدنى فاذا تبين لها أنه غير قادر على العمل فصلته من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو المكافاة. وفى الحالة الاولى اذا قدم عن الموظف بعد ذلك مباشرة تقرير آخر بدرجة ضعيف فصل من وظيفته. ويؤخذ من التطور التشريعى لنص المادة 32 آنفة الذكر أن حكمها كان فى البداية مقصورا على تقدير درجة كفاية الموظف وبيان أداته ثم ارتبط بفكرة الكفاية هذه عند أول تعديل علاج حالة ضعفها المتكرر المسجل على الموظف بتقريرين سنويين متتاليين، وانحصر هذا العلاج فى تنبيه توجهه الى الموظف الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب والتى يناط بها فحص حالته اذا ما تبين لها أنه قادر على تحسينها أو فى نقله الى وظيفة اخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها، أو فى فصله من الخدمة اذا ما قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف وأصبح ميئوسا من صلاحيته لاى عمل. وقد ذكر المشرع ان الموظف فى هذه الحالة يحال الى الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب وذلك كضمانة لقدرتها من حيث التخصص على فحص حالته وتوجيهه وتقرير صلاحيته ولم يشأ أن تكون الاحالة الى مجلس التأديب ذاته كهيئة لها ولاية التأديب والعقاب لينفى عن هذا الوضع طابع التأديب البحت، وآية ذلك انه خول الهيئة المذكورة فى حالة وجود تقريرين متتالين بدرجة ضعيف أما الاكتفاء بمجرد استحثاث الموظف على تحسين حالته واستنهاض همته اذا آنست فيه المقدرة على ذلك، واما تقرير نقله الى وظيفة أخرى يستطيع النهوض بمسئولياتها دون تخفيض فى درجته أو مرتبه أو فى الكادر الذى ينتمى اليه، مع حرمانه بقوة القانون من أول علاوة دورية، وليس هذا أو ذاك من الجزاءات التأديبية فى شئ. ثم تدرج المشرع بعد ذلك فى التعديل الثانى امعانا فى رعاية صالح الوظيفة العامة فخول الهيئة المشكل منها مجلس التأديب نقل الموظف المقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف الى الوظيفة التى يكون قادرا على الاضطلاع بأعبائها بذات الدرجة والمرتب أو مع خفض درجته أو مرتبه أو نقله الى كادر ادنى، وكذا فصله من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو المكافاة اذا تبين لها انه غير قادر على العمل. وعلى الرغم مما انطوى عليه هذا التعديل من تشديد عن سابقة فان الشارع لم يخرج فيه عن نطاق الفكرة التى بدأها فى التعديل السابق، وهى المغايرة بين وضع الموظف الضعيف وبين أوضاع التأديب وطبيعته، تلك المغايرة التى حدت بالشارع الى ايراد المادة 32 فى الفصل الثالث من الباب الاول من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة تحت عنوان "التقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم ورواتبهم"، فى حين ان المواد الخاصة بالتأديب وهى المواد من 84 الى 106 وردت فى الفصل السابع من هذا القانون تحت عنوان " تأديب الموظفين المعينين على وظائف دائمة"، وتناولت اجراءات التأديب والعقوبات التأديبية وطرق التظلم منها. ذلك ان ضعف الموظف المسجل عليه فى التقارير المتتالية قد لا يكون انعكاسا لاهماله وتقصيره فى أداء واجبات وظيفته، الامر الذى تتكفل النصوص الخاصة بالتأديب بترتيب الجزاء عليه، وانما قد يكون راجعا الى عجز فى استعداده ومواهبه وتكوينه بالنسبة الى وظيفة معينة، وقد يكون صالحا لوظيفة ادنى بالنسبة الى الوظائف كافة. وهذه الحالة ليست من طبيعة التأديب ما دام الموظف لم يرتكب ذنب التقصير فى عمله أو الاهمال فى واجبات وظيفته، ولكن استعداده وتكوينه وطاقته فى الانتاج وفهمه لمسائل وتعريفه للامور هو الذى لا يرقى به الى المستوى المتطلب من الكفاية والاهلية للوظيفة المنوط به القيام بأعبائها الا أنه نظرا الى خطورة الاثر الذى حدده القانون والذى يستهدف له الموظف فى هذه الحالة ويستوى فيه مع الموظف المقصر فى واجبة فقد أراد الشارع أن يكفل له ضمانه بعرض امره على هيئة قضائية هى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب لمنحه فرصة لفحص حالته امامها بوصفها هيئة فحص لتقدير صلاحية الموظف - لا هيئة عقاب وتأديب. وقد جاء فى المذكرة الايضاحية للقانون رقم 579 لسنة 1953 "كذلك استبدلت بالمادة 32 مادة جديدة تقضى باحالة كل موظف يحصل على تقدير ضعيف فى سنتين متتاليتين الى الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب باعتبارها هيئة صلاحية. وهذا ضمان جديد للموظف قصد به اعطاؤه الفرصة لمناقشة درجة كفايته أمام هيئة قضائية وذلك لمجابهة السرية التى فرضت على التقارير".
وتقدير الصلاحية الذى قد ينتهى الى مجرد نقل الموظف من عمل الى آخر دون خفض أو تنزيل فى الدرجة أو المرتب أو الكادر هو اجراء مستقبل عن التأديب فى طبيعته وفى أثره. وهو أيضا كذلك اذا ما انتهى الى فصله من وظيفته اذا كان غير قادر على العمل لكون هذا حقا أصيلا للادارة تملكه بغير الطريق التأديبى فى حالة عدم صلاحية الموظف للنهوض بأعباء الوظيفة العامة وتبعاتها تحقيقا لحسن سير العمل فى المرافق العامة، واذا كانت الحالات التى تدخل فى حكم المادة 32 من قانون نظام موظفى الدولة تنفرد بهذا الطابع الخاص الذى ليست له طبيعة التأديب وان كفلت لها ضمانات واستوت معه فى بعض الآثار وكان الشارع لم ينص على ان القرار الصادر بالتطبيق لهذه المادة يكون قابلا للطعن فيه، وكان الحق فى الطعن لا ينشأ الا بنص يقرره، والخصومة فى الطعن استثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه فان الاحكام الخاصة بالطعن فى القرارات الصادرة من المجالس أو المحاكم التأديبية الابتدائية لا تسرى بالنسبة الى تلك الصادرة بالتطبيق للمادة 32 آنفة الذكر. ومن ثم فان استئناف مورث الطاعنين للقرار الصادر فى 28 من يناير سنة 1958 من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بمحكمة اسيوط الابتدائية والقاضى بعزله من وظيفته مع حفظ حقه فيما عساه يكون مستحقا له من معاش ومكافأة، أمام مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل يكون غير جائز القبول.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 21 من مايو سنة 1960 أودع الاستاذ سامى عازر جبران المحامى بصفته وكيلا عن ورثة المرحوم حبيب فهيم سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1579 لسنة 6 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 22 من مارس سنة 1960 فى الدعوى رقم 158 لسنة 6 القضائية المقامة من: حبيب فهيم حبيب ضد كل من (1) السيد وزير العدل و (2) السيد رئيس مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل، القاضى "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلا ورفضها موضوعا وألزمت المدعيين بالمصروفات" وطلب ورثة المدعى وهما والده فهيم حبيب بشاى أبو هوى ووالدته ارنسته عبد الملاك بولس الطاعنان من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الادارية العليا "التقرير باحالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بجواز استئناف القرار الصادر من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب المنعقدة بمحكمة أسيوط الابتدائية فى 28 من يناير سنة 1958 واعادة نظر الموضوع أمام مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل للفصل فيه، مع الزام الوزارة المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة ". وقد أعلن هذا الطعن الى وزارة العدل والى رئيس مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل فى 20 من يونيه سنة 1960 وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من يناير سنة 1962 التى أبلغ بها الطرفان فى 28 من ديسمبر سنة 1961. وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه لما أبدته به من اسباب الى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، والزام رافعه المصروفات" وبجلسة 17 من مارس سنة 1962 قررت دائرة فحص الطعون احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا حيث عين لنظره جلسة 5 من مايو سنة 1962 التى أبلغ بها الطرفان فى 17 من ابريل سنة 1962. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل فى ان السيد/ حبيب فهيم حبيب أقام الدعوى رقم 1038 لسنة 12 القضائية ضد كل من السيد: وزير العدل والسيد رئيس مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل أمام محكمة القضاء الادارى بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة فى 16 من يوليه سنة 1958 ذكر فيها أنه فى 12 من مايو سنة 1957 أصدر النائب العام قرارا بتقديمه - وهو موظف بدائرة نيابة اسيوط للاحوال الشخصية - الى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته عملا بالمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن موظفى الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وذلك لانه قدم عنه تقريران سريان متتاليان بدرجة ضعيف. وبجلسة 28 من يناير سنة 1958 اصدر مجلس التأديب المنعقد بمحكمة أسيوط الابتدائية فى هذه القضية التى قيدت بجدول تأديب موظفى نيابة الاحوال الشخصية برقم 1 لسنة 1957 قرارا بمجازاته بعزله من وظيفته مع حفظ حقه فيما عساه أن يكون مستحقا له من معاش أو مكافأة. ولما كان هذا القرار قد خرج عن حدود اختصاصه كما أخطأ فى تقدير الوقائع وفى تطبيق القانون، فقد استأنفه الطاعن وقيد استئنافه بجدول مجلس التأديب الاسئتنافى لوزارة العدل برقم 14 لسنة 1958. وبجلسة 10 من يونيه سنة 1958 أصدر مجلس التأديب الاستئنافى قرارا بعدم جواز الاستئناف، وأعلن اليه هذا القرار فى 5 من يولية سنة 1958، واذا كان قد اخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه، فانه يطعن فيه طالبا الغاءه، لانه استند الى أن القانون لم ينص على أن القرار الذى يصدر بالتطبيق للمادة 32 من قانون الموظفين التى لم ترد فى باب التأديب، وانما وردت فى الفصل الخاص بالتقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم ورواتبهم يكون قابلا للطعن فيه، والطعن لا يكون الا بنص لانه استثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه. فضلا عن ان المادة المذكورة لا تتناول تأديب الموظف وانما تقضى بفحص حالته لتقدير مدى صلاحيته للوظيفة، وقد يكون عدم الصلاحية مقصورا على عمل معين أو راجعا الى أسباب لا تقع تحت نصوص التأديب الذى لا يكون الا لاخلال الموظف بواجبات وظيفته أو اتيانه عملا من الاعمال المحرمة عليه. كما أن القانون لم ينص على عرض هذه الحالة على مجلس التأديب، بل نص على عرضها على الهيئة المشكل منها مجلس التأديب، الامر الذى جعل تقرير الصلاحية اجراءا مستقلا عن التأديب، فلا تسرى على القرار الصادر فى شأنه من تلك الهيئة احكام التأديب وبخاصة أوجه الطعن المتاحة فى القرارات التأديبية. هذا الى أن القرار المذكور لا يدخل تحت رقابه القضاء الادارى لانه قرار غير موضوعى، والواقع أن هذا كله مردود عليه بأن قانون الموظفين كل لا يتجزأ فيكفى أن يكون الاجراء المتخذ هو فى جوهره اجراء تأديبى لكى يخضع لاحكام المواد من 84 - 106 من القانون المشار اليه دون ما اعبتار لوضع المادة من القانون. وقد نظم المشرع طرق الطعن فى قرارات مجالس التأديب تنظيما مجمعا فى مواد واحدة بما يغنى عن تكرار النص على جواز الطعن فى كل حالة على حدة. على أن حق الطعن هو حق أصيل لكل انسان لا يحرم منه الا اذا أضفى الشارع صراحة على الحكم أو القرار صفة النهائية، ولما كان فحص حالة الموظف فى ضوء التقارير التى تقدم عنه يدور حول أدائه لعمله بدقة وامانة على نحو ما نصت عليه المادة 73 من قانون نظام موظفى الدولة التى هى من المواد المتصلة بنظام التأديب فان المادة 32 من القانون ذاته انما تدور فى نفس المحيط الذى تدور فيه هذه المادة. والحال أن الهيئة المنصوص عليها فى المادة 32 هى بذاتها مجلس التأديب، ولم يغاير المشرع فى تشكيلها أو ينص على عدم جواز الطعن فى قراراتها بل ان السلطات المخولة لمجلس التأديب بمقتضى المادة 32 أوسع مدى من تلك المقررة له بمقتضى المادة 84 من قانون الموظفين، ولا يتصور ان يكون المشرع قد قصد حرمان الموظف من الطعن فى القرارات التى يصدرها المجلس بالتطبيق للمادة 32، مع اتاحة حق الطعن فى تلك التى يصدرها بالتطبيق للمادة 84. واخيرا فان القرار الذى يصدر بالتطبيق للمادة 32 هو لا شك قرار موضوعى يخضع لرقابة القضاء الادارى لانه يؤثر فى المركز القانونى للموظف صاحب الشأن، كما أنه يصدر بناء على سلطة تقديرية تخضع فى التعقيب عليها لمجلس التأديب الاستئنافى بوصفه الهيئة الاعلى. واذ كان القرار المطعون فيه قد فوت على الطاعن درجة من درجات التقاضى فانه يطلب "الحكم بالغاء القرار المطعون فيه، واعادة نظر القضية امام مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل للفصل فى موضوعه، مع الزام المدعى عليها بالمصروفات واتعاب المحاماة، مع حفظ كافة الحقوق الاخرى".
وبجلسة 28 من يناير سنة 1959 قضت محكمة القضاء الادارى "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباحالتها الى المحكمة الادارية لوزارة العدل" وذلك وفقا للمادتين 13، 73 من قانون تنظيم مجلس الدولة. وقد أحيلت الدعوى الى المحكمة الادارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل، وقيدت بجدولها تحت رقم 158 لسنة 6 القضائية. واثناء نظرها اياها توفى المدعى فقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى انتهت فيه الى طلب الحكم بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعى. وبجلسة 2 من اغسطس سنة 1959 طلب الحاضر عن ورثة المذكور السير فى الدعوى.
وقد ردت وزارة العدل على الدعوى بمذكرة مؤرخة 11 من أغسطس سنة 1959، دفعت فيها بعدم قبول الدعوى شكلا لعدم سبق التظلم من القرار المطعون فيه، وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم ذلك ان القرار المطعون فيه وان كان صادرا من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب الا أنه ليس قرارا تأديبا مما يطعن فيه بالطرق المقررة للطعن فى القرارات التأديبية، اذ أنه قرارا ادارى عادى ينبغى على الموظف أن يستنفذ طريق الطعن فيه بالتظلم منه قبل أن يطرق باب الطعن القضائى. وطلبت فى الموضوع "رفض الدعوى مع الزام رافعها بالمصروفات" لان القرار المطعون فيه قد صدر بالتطبيق لاحكام القانون. ذلك أن السيد النائب العام أصدر فى 12 من مايو سنة 1957 قرارا بتقديم المدعى الى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بمحكمة أسيوط الابتدائية لفحص حالته عملا بالمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 حيث قدم عنه تقريران سريان بدرجة ضعيف متتاليان عن عامى 1955، 1956 حصل على 36 درجة فى أولهما وعلى 30 درجة فى ثانيهما حالة كونه موقوفا عن العمل اعتبارا من 25 من ابريل سنة 1956. وقد ضم ملف الجناية رقم 135 لسنة 1956 كلى أسيوط. وبجلسة 28 من يناير سنة 1958 قرر المجلس حضوريا عزله من وظيفته مع حفظ حقه فيما عساه يكون مستحقا له من معاش أو مكافأة وقد استأنف هذا القرار فقرر مجلس التأديب الاستئنافى بجلسة 10 من يونية سنة 1958 "عدم جواز الاستئناف".
وقد قدم السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا خلص فيه لما أبداه به من أسباب الى التوصية بالحكم بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافى لوزارة العدل القاضى بعدم جواز نظر استئناف المدعى وباعادة نظر الاستئناف أمام المجلس المذكور مع الزام وزارة العدل بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 22 من مارس سنة 1960 قضت المحكمة الادارية "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلا وبرفضها موضوعا، وألزمت المدعيين بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا لعدم سبق التظلم من القرار المطعون فيه الذى أثارته وزارة العدل مردود بأن كلا من القانونين رقم 165 لسنة 1955 ورقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة قد استثنى وجوب التظلم من القرارات النهائية الصادرة من السلطات التأديبية قبل رفع الدعوى بطلب الغائها. واذ كان القرار المطعون فيه صادرا من مجلس التأديب الاستئنافى لوزارة العدل فان دفع الوزارة بعدم قبول الدعوى شكلا للسبب المتقدم يكون غير قائم على أساس سليم من القانون متعين الرفض. أما عن الموضوع فان الموظف الذى ينطبق عليه حكم المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 ثم بالقانون رقم 73 لسنة 1957 هو الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف يكون ضعفه راجعا الى عجزه فى استعداده ومواهبة وتكوينه بالنسبة الى وظيفة معينة، وقد يكون صالحا لوظيفة أخرى، أو بالنسبة الى الوظائف كافة. وهذه الحالة كأصل ليست من طبيعة التأديب، كما أن الهيئة المشكل منها مجلس التأديب حينما تفحص حالة الموظف على هذه الصورة انما تقوم بمهمتها هذه باعتبارها هيئة صلاحية وليست هيئة تأديب. اذ أن المشرع قصد بذلك ايجاد جديد لموظفى الحكومة الخاضعين لنظام التقارير السرية باعطائهم الفرصة لفحص استعدادهم أمام الهيئة المشكل منها مجلس التأديب. ولا يغير من ذلك كون الهيئة المذكورة هى التى يشكل منها مجلس التأديب لانه فضلا عن أن مجلس التأديب ينظر فى المسائل التأديبية التى يكون ضعف الموظف فيها راجعا الى اهمال أو تقصير فى أداء واجبات وظيفته فان المشرع أراد أن يكفل ضمانه للموظف فى الحالتين بعرض أمره فى كل منهما على الهيئة المشار اليها نظرا الى خطورة الآثار التى يستهدف لها الموظف فى الحالتين مع اختلاف طبيعة الموضوع فى كل منهما بحيث هو فى الاولى تقرير صلاحية لضعف فى استعداد الموظف. وفى الثانية تأديب لتقصيره فى واجبه تقصيرا مسجلا عليه ضعفا فى التقارير، هذا الى أن المادة 32 آنفة الذكر قد وردت فى القانون رقم 210 لسنة 1951 فى الفصل الثالث الخاص بالتقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم ورواتبهم بينما أورد تأديب الموظفين فى الفصل السابع من القانون فى المواد من 84 الى 106. ومن ثم فان القرار الصادر فى 28 من يناير سنة 1958 من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بمحكمة اسيوط الابتدائية بعزل مورث المدعين من وظيفته لتقديم تقريرين سريين متتاليين عنه بدرجة ضعيف ليس قرارا تأديبيا بل هو قرار ادارى بعدم صلاحية المذكور للوظيفة العامة مما تملكه جهة الادارة بصفتها القوامة على المصلحة العامة حرصا على حسن سير العمل بالمرافق العامة تنفرد بتقدير خطورته مستعملة فى ذلك لا سلطتها التأديبية بل سلطة أخرى لا يحدها سوى اساءة استعمال السلطة. وينبنى على هذا ان القرار المذكور لا تسرى عليه أحكام التأديب وخاصة أوجه الطعن التى أجازها المشرع فى القرارات التأديبية الصادرة من مجالس التأديب الابتدائية وبالتالى يكون غير جائز الطعن فيه أمام مجلس التأديب الاستئنافى. يؤكد هذا أن القانون رقم 210 لسنة 1951 لم ينص على جواز الطعن فى هذا القرار. وانما يكون الطعن فيه كأصل من الاصول العامة امام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى. ومن ثم فان مجلس التأديب الاستئنافى اذ قضى بقراره الصادر فى 10 من يونيه سنة 1958 - موضوع الطعن فى الدعوى الحالية - بعدم جواز استئناف مورث المدعيين للقرار الصادر من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بفصله من الخدمة. لا يكون قد خالف القانون، وتكون الدعوى بالطعن عليه قائمة على أساس سليم من القانون متعينة الرفض.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة فى 21 من مايو سنة 1960 طعن ورثة المرحوم حبيب فهيم حبيب وهما والده فهيم حبيب بشاى أبو هوى ووالدته أرنسته عبد الملاك بولس فى هذا الحكم طالبين "من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الادارية العليا التقرير باحالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للحكم بقبوله شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بجواز استئناف القرار الصادر من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب المنعقدة بمحكمة أسيوط الابتدائية فى 28 من يناير سنة 1958، واعادة نظر الموضوع أمام مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل للفصل فيه، مع الزام الوزارة المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة". واستند فى أسباب طعنهما الى أن الشارع لم يقرر الاختصاص بفحص حالة الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف لمجلس التأديب ذاته، بل أسنده الى الهيئة التى يشكل منها هذا المجلس، ولم يجعله للجنة شئون الموظفين بالوزارة أوالمصلحة التابع لها الموظف، وفى هذا معنى الخروج بهذه المسألة عن كونها مما يتعلق بشئون الموظفين الداخلة فى اختصاص تلك اللجنة اذ أن الموظف الذى ينطبق عليه حكم المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 اما أن يكون ضعفه المسجل فى التقارير راجعا الى اهماله وتقصيره فى أداء واجبات وظيفته فيكون عرض أمره على الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب فى هذه الحالة أمرا طبيعيا، واما ان يكون ضعفه راجعا الى عجز فى استعداده ومواهبه وتكوينه بالنسبة الى وظيفة معينة، وقد يكون صالحا لوظيفة أخرى، أو بالنسبة الى الوظائف كافة، وهذه الحالة وان لم تكن فى الاصل من طبيعة التأديب، الا أنه نظرا الى خطورة الاثر الذى يستهدف له الموظف فيها ويستوى فيه المقصر والعاجز، فقد أراد الشارع أن يكفل ضمانة مماثلة لكل من هذا وذاك ما دام معرضا لنفس النتيجة. وبذا يكون الشارع قد أراد أن يحيط الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف بالضمانات الكاملة التى أحاط بها الموظف الذى يرتكب جريمة تأديبية، وذلك سواء كان ضعف الموظف راجعا الى تقصيره فى أداء واجبات وظيفته أو الى عجزه عن القيام بهذه الواجبات، الامر الذى يدل على أن فحص حالة الموظف وفقا لنص المادة 32 من قانون الموظفين ليس شيئا مستقلا عن التأديب، ولو كان الحال على خلاف ذلك لاختلفت جهتا الاختصاص تبعا لما اذا كان ضعف الموظف ناشئا عن تقصيره المكون لجريمة تأديبية أو عن عجزه فى الاستعداد والمواهب، لالحقت الحالة الاولى بالتأديب دون الثانية، وهو ما لم يحدث مما يترتب عليه ان القرار الصادر من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب وفقا لنص المادة 32 هو فى حقيقته قرار صادر من سلطة تأديبية، وذلك بغض النظر عن ورود هذه المادة فى الفصل الخاص بتقارير الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم لا فى الفصل السابع الخاص بالتأديب، لان تبويب القانون هو مجرد أمر شكلى لا يؤثر فى جوهر الموضوع. واذا كان المشرع لم ينص على قابلية القرار الصادر بالتطبيق للمادة المذكورة للطعن، فان سبب ذلك هو انه نظم طرق الطعن فى قرارات مجلس التأديب تنظيما مجمعا فى مواد واحدة بما لم يكن معه بحاجة الى تكرار النص على جواز الطعن فى هذه الحالة. على أن الطعن فى الاحكام أو القرارات هو الحق الاصلى لكل انسان ولا يزول هذا الحق الا اذ أضفى المشرع على الحكم أو القرار صفة النهائية.
وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا والزام رافعه المصروفات" وأسست رأيها على أن الحكم المطعون فيه قد تكفل بالرد على اسباب الطعن اذ تقرر أن القانون رقم 210 لسنة 1951 لم ينص على جواز استئناف قرار الهيئة المشكل منها مجلس التأديب اذ تنظر فى حالة الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتالين بدرجة ضعيف.
ومن حيث انه يبين من الاوراق أن السيد النائب العام أصدر فى 12 من مايو سنة 1957 قرار بتقديم حبيب فهيم حبيب الموظف من الدرجة الثامنة بدائرة نيابة أسيوط للاحوال الشخصية والموقوف عن العمل اعتبارا من 25 من ابريل سنة 1956 الى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بمحكمة أسيوط الابتدائية لفحص حالته عملا بالمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 حيث قدم عنه تقريران سريان متتاليان عن عامى 1955 و 1956 بدرجة ضعيف حصل فى أولهما على 36 درجة، وفى الثانى على 30 درجة، وبجلسة 28 من يناير سنة 1958 قررت الهيئة المذكورة فى القضية رقم 1 لسنة 1957 جدول تأديب موظفى نيابة الاحوال الشخصية عزله من وظيفته مع حفظ حقه فيما عساه يكون مستحقا له من معاش أو مكافأة وأثبتت فى قرارها أنه اتضح لها من استعراض المخالفات التى ارتبكها والتى كشف عنها تقرير اللجنة الادارية أنها بلغت مائتى مخالفة بعضها يسير وبعضها الآخر انطوى على اختلاسات اموال أميرية بادر والده الى سدادها أملا فى درء المسئولية عنه. واستخلصت من كثرة هذه المخالفات وجسامة بعضها دليلا على تخلف هذا الموظف وعدم قدرته على العمل وأن الابقاء عليه فى عمل ما فيه تعريض للصالح العام لكثير من المخاطر، كما انتهت منها الى افتقاره الى المقدمات اللازم توافرها فى كل من يشغل وظيفة من وظائف الدولة من دقة وأمانة ونأى عن مواطن الشبهات، الامر الذى يؤكد المعنى الثابت فى التقريرين السريين المتتاليين المقدمين عنه واللذين قدرت كفايته فيها بدرجة ضعيف بما يقطع بضعفه فعلا وبتخلفه بحيث لا يطمئن اليه فى القيام بأى عمل رسمى، وينبغى أن يباعد بينه وبين الوظائف العامة. وقد استأنف الموظف المذكور هذا القرار أمام مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل الذى أصدر قراره بجلسة 10 من يونيه سنة 1958 فى قضية التأديب المستأنفة رقم 14 لسنة 1958 بعدم جواز الاستئناف، واستند فى ذلك الى أن المادة 32 من قانون موظفى الدولة لم ترد فى الفصل الخاص بالتأديب بل جاءت فى الفصل الخاص بالتقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم ورواتبهم وأن الشارع لم ينص على جواز الطعن فى القرار الصادر من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بالتطبيق لهذه المادة، الذى هو قرار فى خصوص صلاحية الموظف بعد فحص حالته وليس قرارا تأديبيا. وقد طعن حبيب فهيم حبيب فى هذا القرار أمام محكمة القضاء الادارى بالدعوى رقم 1038 لسنة 12 القضائية، طالبا الغاءه واعادة نظر القضية امام مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل للفصل فى موضوعها. وبجلسة 28 من يناير سنة 1959 قضت محكمة القضاء الادارى بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباحالتها الى المحكمة الادارية لوزارة العدل" حيث قيدت بجدولها تحت رقم 158 لسنة 6 القضائية وبجلسة 22 من مارس سنة 1960 قضت المحكمة الادارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلا وبرفضها موضوعا وألزمت المدعيين المصروفات" معتنقة فى ذلك رأى مجلس التأديب الاستئنافى. وهذا الحكم هو موضوع الطعن الحالى.
ومن حيث أن حكم المحكمة الادارية المطعون فيه قد صادف الصواب فيما انتهت اليه من رفض بعدم قبول الدعوى شكلا، لعدم سبق تظلم من القرار المطعون فيه، وذلك للاسباب التى استند اليها، والسابق تفصيلها، استثنى قانونا تنظيم مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 ورقم 55 لسنة 1959 فى المادة 12 من كل منهما القرارات الصادرة من المجالس المجالس التأديبية، وبطريق القياس القرارات الصادرة من الهيئات المشكلة منها هذه المجالس من وجوب التظلم منها الى الهيئة الادارية التى أصدرت القرار أو الى الهيئات الرئيسية قبل رفع الدعوى بطلب الغائها.
ومن حيث ان المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة، الواردة فى الفصل الثالث من الباب الاول من هذا القانون وعنوانه "التقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم ورواتبهم" كانت قبل تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 تقتصر على التحدث عن تقدير لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة لدرجة الكفاية التى يستحقها كل موظف والتأشير بذلك فى ملف خدمته وفى سجل الموظفين. ثم استحدث القانون رقم 579 لسنة 1953 النص على أن الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف يحال الى الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته، فاذا تبين لها أنه قادرا على تحسين حالته وجهت اليه تنبيها بذلك والا قررت نقله الى وظيفة أخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها. فاذا قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف يفصل من الخدمة، ويترتب على تقديم تقريرين متتاليين عن موظفى بدرجة ضعيف عدم أحقيته لاول علاوة دورية، وأصبحت تقضى بعد تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 بأن الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف يقدم للهيئة المشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته. فاذا تبين لها أنه قادر على الاضطلاع بأعباء وظيفة أخرى قررت نقله اليها بذات الدرجة والمرتب أو مع تخفيض درجته أو مرتبه، أو نقله الى كادر أدنى. فاذا تبين لها أنه غير قادر على العمل فصلته من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو المكافأة. وفى حالة الاولى اذا قدم عن الموظف بعد ذلك مباشرة تقرير آخر بدرجة ضعيف فصل من وظيفته.
ومن حيث انه يؤخذ من التطور التشريعى لنص المادة 32 آنفة الذكر أن حكمها كان فى البداية مقصورا على تقدير درجة كفاية الموظف وبيان اداته ثم ارتبط بفكر الكفاية هذه عند أول تعديل علاج حالة ضعفها المتكرر المسجل على الموظف بتقريرين سنويين متتاليين، وانحصر هذا العلاج فى تنبيه توجهه الى الموظف الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب والتى يناط بها فحص حالته، اذا ما تبين لها أنه قادر على تحسينها، أو فى نقله الى وظيفة أخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها، أو فى فصله من الخدمة، اذا ما قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف وأصبح ميئوسا من صلاحيته لاى عمل. وقد ذكر المشرع ان الموظف فى هذه الحالة يحال الى الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب، وذلك كضمانة لقدرتها من حيث التخصص على فحص حالته وتوجيه وتقرير صلاحيته، ولم يشأ ان تكون الاحالة الى مجلس التأديب ذاته كهيئة لها ولاية التأديب والعقاب لينفى عن هذا الوضع طابع التأديب البحت. وآية ذلك انه خول الهيئة المذكورة فى حالة وجود تقريرين متتاليين بدرجة ضعيف، أما الاكتفاء بمجرد استحثاث الموظف على تحسين حالته واستنهاض همته اذا آنست فيه المقدرة على ذلك، واما تقرير نقله الى وظيفة أخرى يستطيع النهوض بمسئولياتها دون تخفيض فى درجته أو مرتبه أو فى الكادر الذى ينتمى اليه، مع حرمانه بقوة القانون من أول علاوة دورية، وليس هذا أو ذاك من الجزاءات التأديبية فى شىء. ثم تدرج المشرع بعد ذلك فى التعديل الثانى امعانا فى رعاية صالح الوظيفة العامة فخول الهيئة المشكل منها مجلس التأديب نقل الموظف المقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف الى الوظيفة التى يكون قادرا على الاضطلاع بأعبائها بذات الدرجة والمرتب أو مع خفض درجته أو مرتبه أو نقله الى كادر أدنى، وكذا فصله من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو المكافأة، اذا تبين لها أنه غير قادر على العمل. وعلى الرغم مما انطوى عليه هذا التعديل من تشديد عن سابقة فان الشارع لم يخرج فيه عن نطاق الفكرة التى بدأها فى التعديل السابق، وهى المغايرة بين وضع الموظف الضعيف وبين أوضاع التأديب وطبيعته، تلك المغايرة التى حدت بالشارع الى ايراد المادة 32 فى الفصل الثالث من الباب الاول من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة تحت عنوان "التقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم ورواتبهم"، فى حين أن المواد الخاصة بالتأديب وهى المواد من 84 الى 106 وردت فى الفصل السابع من هذا القانون تحت عنوان "تأديب الموظفين المعينين على وظائف دائمة" وتناولت اجراءات التأديب والعقوبات التأديبية وطرق التظلم منها. ذلك أن ضعف الموظف المسجل عليه فى التقارير المتتالية قد لا يكون انعكاسا لاهماله وتقصيره فى أداء واجبات وظيفته، الامر الذى تتكفل النصوص الخاصة بالتأديب بترتيبه الجزاء عليه، وانما قد يكون راجعا الى عجز فى استعداده ومواهبه وتكوينه بالنسبة الى وظيفة معينة، وقد يكون صالحا لوظيفة أدنى بالنسبة الى الوظائف كافة. وهذه الحالة ليست من طبيعة التأديب ما دام الموظف لم يرتكب ذنب التقصير فى عمله أو الاهمال فى واجبات وظيفته، ولكن استعداده وتكوينه وطاقته فى الانتاج وفهمه للمسائل وتعريفه للامور هو الذى لا يرقى به الى المستوى المتطلب من الكفاية والاهلية للوظيفة المنوط به القيام بأعبائها. الا أنه نظرا الى خطورة الاثر الذى حدده القانون والذى يستهدف له الموظف فى هذه الحالة ويستوى فيه مع الموظف المقصر فى واجبه فقد أراد الشارع أن يكفل له ضمانة بعرض أمره على هيئة قضائية هى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب لمنحه فرصة لفحص حالته امامها بوصفها هيئة فحص لتقدير صلاحية الموظف لا هيئة عقاب وتأديب. وقد جاء فى المذكرة الايضاحية للقانون رقم 579 لسنة 1953 "كذلك استبدلت بالمادة 32 مادة جديدة تقضى باحالة كل موظف يحصل على تقدير ضعيف فى سنتين متتاليتين الى الهيئة التى يشكل منها مجلس التأديب باعتبارها هيئة صلاحية. وهذا ضمان جديد للموظف قصد به اعطاؤه الفرصة لمناقشة درجة كفايته أمام هيئة قضائية، وذلك لمجابهة السرية التى فرضت على التقارير. وتقدير الصلاحية الذى قد ينتهى الى مجرد نقل الموظف من عمل الى آخر دون خفض أو تنزيل فى الدرجة أو المرتب أو الكادر هو اجراء مستقل عن التأديب فى طبيعته وفى أثره. وهو أيضا كذلك اذا ما انتهى الى فصله من وظيفته اذا كان غير قادر على العمل ليكون هذا حقا أصيلا للادارة تملكه بغير الطريق التأديبى فى حالة عدم صلاحية الموظف للنهوض بأعباء الوظيفة العامة وتبعاتها تحقيقا لحسن سير العمل فى المرافق العامة. واذ كانت الحالات التى تدخل فى حكم المادة 32 من قانون نظام موظفى الدولة تنفرد بهذا الطابع الخاص الذى ليست له طبيعة التأديب وان كفلت لها ضمانات واستوت معه فى بعض الآثار وكان الشارع لم ينص على ان القرار الصادر بالتطبيق لهذه المادة يكون قابلا للطعن فيه، وكان الحق فى الطعن لا ينشأ الا بنص يقرره، والخصومة فى الطعن استثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه، فان الاحكام الخاصة بالطعن فى القرارات الصادرة من المجالس أو المحاكم التأديبية لا تسرى بالنسبة الى تلك الصادرة بالتطبيق للمادة 32 آنفة الذكر. ومن ثم فان استئناف مورث الطاعنين للقرار الصادر فى 28 من يناير سنة 1958 من الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بمحكمة اسيوط الابتدائية والقاضى بعزله من وظيفته مع حفظ حقه فيما عساه يكون مستحقا له من معاش ومكافأة، أمام مجلس التأديب الاستئنافى لموظفى وزارة العدل يكون غير جائز القبول. واذ قرر هذا الاخير بجلسة 10 من يونية سنة 1958 عدم جواز الاستئناف فانه يكون قد أصاب الحق، ويكون حكم المحكمة الادارية المطعون فيه الذى قضى برفض دعوى المذكور بطلب الغاء هذا القرار واعادة نظر القضية امام المجلس المشار اليه للفصل فى موضوعها قد صادف الصواب هو أيضا. وعلى هذا يكون طعن ورثة المدعى فى هذا الحكم على غير أساس سليم من القانون، متعينا رفضه مع الزام الطاعنين بالمصروفات.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الطاعنين بالمصروفات.