مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ979

(90)
جلسة 2 يونية سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة/ مصطفى كامل اسماعيل. وحسن السيد ايوب. والدكتور ضياء الدين صالح. ومحمد مختار العزبى. المستشارين.

القضية رقم 1917 لسنة 6 القضائية

( أ ) نقد - التعامل فى أوراق النقد المصرى والاجنبى وغيرها من القيم المنقولة وتحويلها من مصر أو اليها وكذا تصديرها واستيرادها - اخضاعه لرقابة الادارة العامة للنقد - الاحكام التشريعية المقررة فى هذا الشأن - العقوبات المقررة على مخالفتها أو الشروع فى ذلك - حق رفع الدعوى العمومية رهين باذن من وزير المالية أو ممن يندبه لذلك - جواز مصادرة المبلغ موضوع المخالفة اداريا فى حالة عدم الاذن باقامة الدعوى.
(ب) نقد - جرائم تهريب النقد - المادة 9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 فى هذا الشأن - الاكتفاء باصدار قرار بمصادرة المبلغ المضبوط اداريا - عدم خضوع هذا القرار لرقابة القضاء - لا وجه للنعى عليه بالتعسف فى استعمال السلطة - أساس ذلك.
(جـ) قرار ادارى - قاعدة القانون الاصلح للمتهم - صدور قرار ادارى بالمصادرة بدلا من المحاكمة الجنائية التى توقع فيها عقوبة مقيدة للحرية ثم صدور تشريع يبيح الفعل المنسوب اليه - لا محل لاعمال قاعدة القانون الاصلح للمتهم المنصوص عليها فى المادة الخامسة من قانون العقوبات فى مجال طلب الغاء القرار سالف الذكر - النظر فى مشروعية هذا القرار يكون الى الاوضاع القائمة وقت صدوره.
(د) عقوبة جنائية - قاعدة القانون الاصلح للمتهم - شرط الافادة منها - هو عدم عدول المشرع عنها الى قانون اشد قبل صدور حكم نهائى - اساس ذلك - مثال بالنسبة للتشريعات المتعلقة بجرائم حمل النقد الى داخل البلاد أو الى خارجها.
1 - يستفاد من نصوص القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعدل بالقانون رقم 157 لسنة 1950 والقانون رقم 111 لسنة 1953 وقرارات وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 ورقم 53 لسنة 1949 ورقم 316 لسنة 1958 المنفذة لاحكام هذا القانون أن المشرع قد أخضع التعامل فى أوراق الندق المصرى والاجنبى وغيرها من القيم المنقولة وتحويلها من مصر أو اليها وكذا تصديرها واستيرادها لرقابة الادارة العامة للنقد، وحدد الشروط والاوضاع الخاصة بذلك، فحظر كل عملية تتم على خلافها، وفرض على مخالفة هذا الحظر عقوبة الحبس والغرامة والمصادرة، وأباح فيما أجازه للمسافرين من رعايا الجمهورية العربية المتحدة المقيمين باقليم مصر القادمين اليه أن يحمل كل منهم دون ترخيص مبلغا لا يجاوز عشرين جنيها من أوراق النقد المصرى، فان جاوز هذا القدر لزم الحصول على الترخيص المتطلب فيما يتعلق بالزيادة من مراقبة عمليات النقد عن طريق أحد المصارف المرخص لها فى ذلك. وفى جميع الحالات يتعين على كل من يدخل الاقليم المصرى أن يقدم للسلطات الجمركية اقرارا يثبت به قيمة ما يحمله أو يحوزه من أوراق النقد المصرى أو الاجنبى وفئاته أيا كان مقدراها أو نوعها. فاذا أغفل شيئا من ذلك أو أثبت فى الاقرار بيانات غير صحيحة كان مخلا بالشروط والاوضاع القانونية المقررة لاستيراد أوراق النقد، وبالتالى مخالفا لاحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 معدلا بالقانونين رقم 157 لسنة 1950 ورقم 111 لسنة 1953، وللقرارات الوزارية المنفذة لهذا القانون، وبذلك يصدق عليه حكم المادة التاسعة منه التى لم تقتصر على معاقبة كل مخالفة لاحكام مواده الاولى والثانية والثالثة، أو كل شروع فى مثل هذه المخالفة بل جاوزت فى التوسع فى تأثيم الافعال التى تكون المخالفة المذكورة مألوف القواعد العامة فى المواد الجنائية، لما لهذه الجرائم من خطورة على النظام المالى للدولة، فقضت بالعقاب على مجرد محاولة ارتكاب تلك الافعال ولو لم تبلغ هذه المحاولة حد الشروع المعروف قانونا، وقد قرر الشارع للافعال المكونة للجرائم التى تناولتها هذه المادة عقوبة الحبس والغرامة ومصادرة المبالغ المضبوطة لجانب الخزانة العامة، الا أنه جعل رفع الدعوى العمومية بالنسبة الى هذه الجرائم أو اتخاذ أى اجراء فيها رهينا باذن يصدر بذلك من وزير المالية أو ممن يندبه لذلك رعاية لظروف كل حالة وتقديرا لملابستها. وأجاز الوزير أو لمندوبه فى حالة عدم الاذن باقامة الدعوى الجنائية مصادرة المبلغ موضوع المخالفة حسبما يراه بوصف المصادرة الادارية فى هذه الحالة عقوبة أهون على المتهم وأكثر رعاية له من عقوبة الحبس بعد المحاكمة الجنائية وما يتبعها من غرامة ومصادرة قضائية، فضلا عن كونها أرفق به لتجنبها اياه تلك المحاكمة.
2 - اذا كان الفعل المسند الى المدعى والمكون للجريمة المنصوص عليها فى المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 ثابتا قى حقه من محضر ضبط الواقعة وقد ضبطت مبالغ عند تفتيشه على أثر الاشتباه فى أمره بعد أن قدم الاقرار الجمركى المكذوب الذى ثبت به قصده الجنائى وتحققت بناء عليه أركان الجريمة وبعد اصراره عند استجوابه قبل التفتيش على انكار حيازته لاية مبالغ تزيد على ما أثبته باقراره، ومن ثم حق عقابه بالمادة التاسعة آنفة الذكر ومصادرة المبلغ الذى حاول تهريبه ولو لم يأذن وزير الخزانة أو مدير النقد الذى أنابه الوزير عنه فى هذا الشأن باقامة الدعوى العمومية. وغنى عن البيان أن عدم الاذن بمحاكمة المدعى جنائيا والاكتفاء بمصادرة المبلغ المضبوط معه أعمالا للسلطة التقديرية المخولة لمدير عام النقد فى هذه الحالة، الامر الذى ترتب عليه أن حفظت نيابة الشئون المالية التحقيق اداريا، لا يخضع لرقابة القضاء، فضلا عن أنه لا ريب اجراء اصلح للمتهم بأخذه بالعقوبة الاخف وتجنيبه العقوبة المقيدة للحرية وهى الحبس بالاضافة الى الغرامة المضاعفة والى المصادرة. وهذا ينفى كل مظنة للتعسف فى استعمال السلطة الذى ينعاه المدعى على قرار المصادرة المطعون فيه.
3 - اذا كان المدعى قد عومل فعلا بالاجراء الاصلح له، اذ وقعت عليه اداريا العقوبة المالية الاخف وأعفى من المحاكمة الجنائية. وقد تم توقيع هذه العقوبة بقرار ادارى نهائى وفقا لاحكام القوانين السارية وقت صدوره وبتطبيق هذه القوانين تطبيقا صحيحا وما دامت الدعوى العمومية لم ترفع ضده، ولا توجد أصلا محاكمة جنائية يقف منها موقف المتهم معقودة فعلا أمام القضاء المختص بتوقيع العقاب ولما يصدر فيها حكم نهائى، فلا محل لاعمال قاعدة القانون الاصلح للمتهم الواردة فى المادة 5 من قانون العقوبات فى مجال طلب الغاء قرار ادارى ينظر فى شرعيته الى الاوضاع القائمة وقت صدوره، وقد صدر فى حينه صحيحا ومطابقا للقانون. وليس للمدعى بعد أن عومل بالاجراء الاصلح فأخذ بالجزاء الاخف وأعفى من المحاكمة الجنائية التى توقع فيها عقوبة الحبس وهى عقوبة مقيدة للحرية أشد مهما قلت مدتها من المصادرة التى هى عقوبة مالية بالغة قيمة الاموال المصادرة ما بلغت ليس له بعد هذا أن يتضرر من عدم اتخاذ الاجراء الاشد فى حقه برفع الدعوى العمومية ضده ومحاكمته جنائيا لان قرارا وزاريا صدر بعد زهاء سنتين أباح الفعل المنسوب اليه. وكان ليفيد منه بوصفه القانون الاصلح له فيما لو استطالت محاكمته ولم يصدر فيها حكم نهائى حتى أدركه هذا القرار.
4 - اذا كان القرار الوزارى رقم 538 لسنة 1960 بتعديل بعض احكام القرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 بالشروط والاوضاع الخاصة بتنفيذ القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعمول به اعتبارا من 30 من يونيه سنة 1960 قد أباح للقادمين الى الاقليم المصرى من رعايا الجمهورية العربية المتحدة ومن السائحين الاجانب وغير المقيمين ان يحمل كل منهم - دون ترخيص - نقدا أجنبيا وحوالات وشيكات مصرفية وخطابات اعتماد وشيكات سياحية وأوراق نقد مصرى بالغة قيمتها ما بلغت، فان الشارع قد الغى هذه الاباحة وقلبها حظرا مطلقا بالقرار الوزارى رقم 1493 لسنة 1961 المعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية فى 31 من ديسمبر سنة 1961، اذ نصت الفقرة الاخيرة من المادة الاولى من هذا القرار على أنه "يحظر على القادمين الى الجمهورية العربية المتحدة أو المسافرين منها أن يحملوا معهم أوراق نقد أو بنكنوت مصرى" - وهذا الذى يمكن أخذه فى الاعتبار عند اعمال قاعدة القانون الاصلح للمتهم، ان كان لها وجه بعد الغاء القرار السابق عليه رقم 538 لسنة 1960، ذلك أن فكرة القانون الاصلح للمتهم تقوم على رعاية فردية يفرض فيها أنها لا تنطوى على ايذاء لمصلحة الجماعة، ما دام عدول الشارع عن القانون الاشد الى قانون جديد أخف وطأة على المتهم يعنى انه قدر ان هذا القانون الجديد يفضل سابقة من حيث تحقيق فكرة العدالة وفائدة الجماعة. ولما كانت تلك هى الحكمة التشريعية للنص فأن استصحابها حتى الحكم النهائى أو حتى ما بعد ذلك فى حالة صدور قانون يجعل الفعل غير معاقب عليه يكون شرطا لازما للافادة من القانون الاصلح، فاذا عدل الشارع قبل الحكم النهائى عن القانون الاخف الى قانون أشد لانه رأى فيه تحقيقا لفكرة العدالة وفائدة الجماعة انتفى أساس تطبيق قاعدة القانون الاصلح لزوال هذا القانون وحلول قانون أشد محله وقت الحكم، وواقع الامر أن القرار الوزارى رقم 1493 لسنة 1961 النافذ الآن هو أشد وطأة من القرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 معدلا الذى كان معمولا به وقت وقوع الفعل المنسوب الى المدعى لتضمنه حظرا مطلقا لاستيراد أوراق النقد المصرى الذى كان هذا القرار الاخير يتخفف منه فى حدود عشرين جنيها.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 9 من يوليه سنة 1960 أودع الاستاذ محمود عيسى عبده المحامى بصفته وكيلا عن السيد/ زكى أحمد عمران سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1917 لسنة 6 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى "هيئة منازعات الافراد والهيئات" بجلسة 10 من مايو سنة 1960 فى الدعوى رقم 1146 لسنة 13 القضائية المقامة من: السيد/ زكى أحمد عمران ضد كل من: (1) السيد وزير الخزانة، (2) السيد مدير الادارة العامة للنقد، القاضى "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها، وفى الموضوع برفضها وألزمت المدعى بالمصروفات". وطلب السيد الطاعن للأسباب الى استند الهيا فى صحيفة طعنه "احالة هذا الطعن الى هيئة فحص الطعون لتقرر باحالته الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والغاء قرار مصادرة المبلغ الذى كان من الطاعن يوم وصوله الى جمرك القاهرة، مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الوزرة مصروفات الدعوى ومقابل اتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون عليهما فى 24 من يونيه سنة 1960. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 5 من نوفمبر سنة 1961 التى أبلغ بها الطرفان فى 23 من اكتوبر سنة 1961. وقد قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا لنظره بجلسة 21 من ابريل سنة 1962 التى أبلغ بها الطرفان فى 27 من مارس سنة 1962. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 1146 لسنة 13 القضائية ضد كل من: السيد وزير الخزانة والسيد مدير الادارة العامة للنقد أمام محكمة القضاء الادارى "هيئة منازعات الافراد والهيئات" بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة فى 19 من يولية سنة 1959 قال فيها أنه سافر الى الاقطار الحجازية بين أفواج العمال الذين يسعون الى هذه الاقطار طلبا للرزق، وعند عودته يحمل معه مدخراته من مرتبه خلال مدة عمله هناك وقدرها 840 جنيها، وفى مطار القاهرة الدولى وأثناء اجراءات الجمرك وقبل أن يملأ الاستمارة الخاصة بما يحمله معه، احتجزت السلطات المختصة فى الجمرك هذا المبلغ ووجهت اليه تهمة عدم كتابة الاقرار الخاص به. وقد ضبطت هذه الواقعة وأحيل الى نيابة الشئون المالية. وبعد التحقيق معه تقرر حفظ الواقعة التى قيدت برقم 460 لسنة 1958 ادارى شئون مالية القاهرة. وفى 30 من اكتوبر سنة 1958 علم أثناء سعيه لصرف المبلغ أن مراقبة شئون النقد قد أصدرت قرارا بمصادرة هذا المبلغ. ولما كان هذا القرار لا سند له من القانون فقد تظلم منه عدة مرات للجهات المختصة فى 15 و 17 من نوفمبر سنة 1958 بدون جدوى. واذا كان قرار المصادرة المذكور قد اتسم بالتعسف وسوء استعمال السلطة وجاء مخالفا للقانون وفى غير الحالات التى نص عليها المشرع فضلا عن أن الواقعة غير ثابتة الامر الذى حدى بالنيابة الى قيدها برقم شكوى ادارى وحفظها فانه يطلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء قرار المصادرة بتاريخ 30 من اكتوبر سنة 1958، ومع ما يترتب على ذلك من آثار، مع الزام المعلن اليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد ردت الحكومة على هذه الدعوى بمذكرة أوضحت فيها أنه فى يوم 19 من اكتوبر سنة 1958 كان المدعى قادما من المملكة العربية السعودية وقدم اقرارا جمركيا ذكر به أن عدد حقائبه ثلاث وأنها لا تحتوى سوى ملابسه المستعملة وأدواته الشخصية ولا توجد ضمنها أشياء ممنوعة أو اشياء أخرى تستحق عليها رسوم سوى مبلغ عشرين جنيها وهدايا قيمتها خمسة عشر جنيها. وبتفتيش حقائبه اتضح ان بها هدايا تفوق هذا المبلغ، وبتفتيشه ذاتيا بعد اشتباه الجراد فيه اتضح انه يحمل مبلغ 860 جنيها منه 750 جنيها داخل رباط سرواله و 110 جنيهات داخل جيوبه وعليه سلم مبلغ 20 جنيها وحجز الباقى وقدره 840 جنيها على ذمة القضية وحرر عنه المحضر رقم 188 لسنة 1958 حصر وارد شئون مالية. وفى 19 من اكتوبر سنة 1958 أصدر السيد مدير عام النقد قراره بعدم الاذن باتخاذ الاجراءات ورفع الدعوى العمومية ضد المدعى مع مصادرة المبلغ المضبوط، وقد تظلم المدعى من هذا القرار للسيد مدير عام ادارة النقد فى 19 من نوفمبر 1958، ثم أقام هذه الدعوى فى 19 من يوليه سنة 1959 طالبا الغاءه وما يترتب على ذلك من آثار. ولما كان الواجب رفع الدعوى خلال الستين يوما من تاريخ انقضاء الستين يوما لتقديم التظلم أى فى ميعاد أقصاه 19 من مارس سنة 1959، فانها تكون غير مقبولة شكلا لرفعها بعد الميعاد القانونى. وفيما يتعلق بالموضع فان الثابت من التحقيق الذى اجراه السيد مأمور مطار القاهرة فى 19 من اكتوبر سنة 1958 أن المدعى قصد بما أثبته فى اقراره الجمركى أن يخفى حقيقة المبالغ التى انتوى ادخالها الى مصر فصدر القرار المطعون فيه بمصادرتها استنادا الى المادة 9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953 وذلك بعد ضبطها عند تفتيش المذكور بعد تقديمه الاقرار الجمركى. وقد جاء هذا القرار مطابقا للقانون رقم 80 لسنة 1947 الذى حظر التعامل فى أوراق النقد أو تحويلها من مصر واليها، كما حظر كل تعهد يقوم بعملة أجنبية وكل مقاصة منطوية على تحويل أو تسوية كاملة أو جزئية بنقد أجنبى، والذى حظرت المادة الثانية منه المعدلة بالقانون رقم 157 لسنة 1950 استيراد أو تصدير أوراق النقد المصرى أو الاجنبى على اختلاف أنواعها وكذلك القراطيس المالية والكوبونات وغير ذلك من القيم المنقولة أيا كانت العملة المقومة بها الا بالشروط والاوضاع التى يعينها وزير المالية بقرار منه. وقد حدد وزير المالية هذه الشروط والاوضاع بالقرار رقم 51 لسنة 1947 المعدل بالقرار الوزارى رقم 53 لسنة 1949. ثم عدل وزير الاقتصاد والتجارة من بعض الاوضاع التى نص عليها القرار المشار اليه وذلك بالقرار رقم 316 لسنة 1958 الذى سرت أحكامه اعتبارا من أول أغسطس سنة 1958 والذى أجاز فى المادة السادسة منه للمسافرين من رعايا الجمهورية العربية المتحدة المقيمين باقليم مصر القادمين اليه أن يحمل كل منهم دون ترخيص نقدا أجنبيا وحوالات وشيكات مصرفية وخطابات اعتماد وشيكات سياحية بالغة قيمتها ما بلغت ومبلغا لا يتجاوز عشرين جنيها من أوراق النقد المصرى. وأوجب فى المادة السابعة منه على كل من يدخل اقليم مصر ان يعطى للسلطات الجمركية اقرارا يثبت به قيمة ما يحمله أو يحوزه من أوراق النقد المصرى أو الاجنبى وفئاته وما يحمله من الحوالات والشيكات المصرفية وخطابات الاعتماد وشيكات السياحة. واذ كان الثابت أن المدعى لم يوضح بالاقرار الذى قدمه قيمة ما يحمله أو يحوزه من أوراق النقد المصرى، وانه كان يحمل من النقد المصرى ما يجاوز الحد المسموح به لرعايا الجمهورية العربية المتحدة المقيمين باقليم مصر القادمين اليه، فانه يكون قد خالف أحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد، وكان من المتعين طبقا لنص المادة 9 من هذا القانون المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953 معاقبته بالحبس وبالغرامة مع مصادرة المبالغ المضبوطة معه لجانب الخزانة العامة، الا أن نيابة الشئون المالية حفظت القضية رقم 188 لسنة 1958 ضده لان السيد مدير عام النقد لم يأذن باتخاذ الاجراءات ورفع الدعوى العمومية عليه اكتفاء منه بمصادرة المبلغ المضبوط بناء على السلطة التقديرية المخولة له بمقتضى المادة التاسعة آنفة الذكر. ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر مطابقا للقانون وتكون الدعوى منهارة الاساس جديرة بالرفض وخلصت الحكومة من هذا الى طلب الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد. واحتياطيا برفض الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.
وقد قدم المدعى مذكرة بدفاعه اضاف فيها الى ما جاء بصحيفة دعواه أن الظروف التى تم فيها احتجاز المبلغ موضوع النزاع تدل على حسن نيته وتنزع منه سوء القصد أو انصراف ارادته الى التهرب من الرسوم الجمركية، ذلك انه كان فى حالة من الاعياء من أثر الطائرة فلم يكن متمالكا لارادته واداركه عندما أغفل ذكر هذا المبلغ فى الاقرار، فضلا عن جهله بالقراءة والكتابة وجهله بقوانين النقد واللوائح الجمركية والجهل بهذه القوانين الخاصة والغلط فى تفسيرها يأخذ حكم الغلط فى الواقع الذى ينفى القصد الجنائى. ولا ريب أن عقوبة مصادرة المال بالنسبة الى رجال فقير مثله تعتبر أشد أنواع العقوبات التى يمكن أن تنزل به. وقد كان الامر يقتضى أن تكتفى الادارة بتحصيل الرسوم الجمركية المقررة مع الافراج عن باقى المبلغ اما مصادرة المبلغ جمعيه فأمر ينطوى على التعسف والخطأ تحديد الاهداف وتحقيقها، اذ ان المشرع جعل عقوبة المصادرة جوازية لوزير المالية أو لمندوبه لما ارتآه من اعتبارات فى بعض الحالات تبرز عدم توقيع هذه العقوبة بسبب حسن نية الافراد أو جهلهم بالقوانين واللوائح. فاذا عمدت الادارة الى المصادرة فى مثل ظروف الدعوى الحالية فانها تكون قد اساءت استعمال سلطتها أو استعملتها فى غير ما قصد اليه المشرع، الامر الذى يجعل القرار المطعون فيه مشوبا بالتعسف.
وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه لما أبداه به من أسباب الى أنه يرى "الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا وبقبولها، وفى الموضوع برفضها مع الزام المدعى بالمصروفات".
وبجلسة 10 من مايو سنة 1960 قضت محكمة القضاء الادارى "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها، وفى الموضوع برفضها وألزمت المدعى بالمصروفات" وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد على انه بين من الاطلاع على الاوراق ان القرار القاضى بالمصادرة قد صدر فى 19 من اكتوبر سنة 1958. وقد تظلم منه المدعى فى 19 من نوفمبر سنة 1958، ولم تفصل الجهة الادارية فى تظلمه خلال الستين يوما التالية لتقديم هذا التظلم فيكون من حقه ان يرفع دعواه فى خلال الستين يوما التالية للفترة الاولى أى فى موعد أقصاه 18 من مارس سنة 1959، فاذا كان قد قدم طلبا الى لجنة المساعدة القضائية هو الطلب رقم 184 لسنة 13 القضائية فى 7 من مارس سنة 1959 وفصل فيه بالرفض فى 9 من يونيه سنة 1959، فأقام دعواه فى 19 من يوليه سنة 1959 فانه يكون قد رفعها فى الميعاد القانونى، اذ أن طلب المساعدة القضائية يقطع سريان ميعاد طلب الالغاء حتى يفصل فى طلب الاعفاء، ومن تاريخ صدور القرار فى هذا الطلب يبدأ الميعاد. واذ كانت الدعوى قد رفعت فى الميعاد فانه يتعين القضاء برفض الدفع بعدم فبولها. وقالت بالنسبة الى الموضوع ان القوانين الخاصة بتنظيم الرقابة على عمليات النقد والقرارات الوزارية الصادرة بتحديد الشروط والاوضاع الخاصة باستيراد اوراق النقد وتصديرها تقضى بأن لرعايا الجمهورية العربية المتحدة المقيمين بالاقليم المصرى القادمين اليه أن يحملوا معه اية مبالغ من النقد الاجنبى ومبلغ لا يجاوز العشرين جنيها من النقد المصرى. فاذا ثبت ان احدا منهم يحمل من النقد المصرى ما يزيد على هذا القدر فانه يكون قد خالف القانون ويحق عقابه ومصادرة المبلغ فى جميع الاحوال حتى ولو لم يأذن وزير المالية او مدير النقد الذى انابه الوزير فى هذا الشأن باقامة الدعوى الجنائية. ويتضح من الاوراق ان المدعى حضر الى مطار القاهرة فى 19 من سبتمبر سنة 1958 قادما من المملكة السعودية وذكر بالاقرار المقدم منه للجمرك أنه يحمل من النقد المصرى عشرين جنيها، وبتفتيشه وجد انه يخفى مبلغ 750 جنيها فى رباط سرواله ومبلغ 110 جنيهات بين طيات ملابسه. فأجرى معه تحقيق، وبعرض الامر على مدير النقد لم يأذن باقامة الدعوى الجنائية وأمر بمصادرة المبلغ المضبوط. ومن ثم فان المدعى يكون قد خالف القانون رقم 80 لسنة 1947 بمحاولته أن يدخل البلاد بغير الطريق القانونى المبلغ من النقد الذى يزيد على القدر المصرح به والذى كان يخفيه فى ملابسه. وقد كان يحق عقابه وفقا لاحكام المادة 9 من هذا القانون مع مصادرة المبلغ المضبوط فى جميع الاحوال، الا أن مدير النقد لم يأذن باقامة الدعوى الجنائية اكتفاء بمصادرة المبلغ اعمالا للرخصة المخولة له بمقتضى القانون. وبذلك يكون قرار المصادرة متفقا مع القانون وصادرا فى حدود السلطة التقديرية المخولة لمدير النقد وخاليا من المخالفة او التعسف مما يجعله حصينا من الالغاء ويجعل الدعوى بطلب الغائه فى غير محلها ولا سند لها من القانون مما يتعين معه رفضها والزام رافعها بمصروفاتها.
وقد طعن المدعى فى هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة فى 9 يوليه سنة 1960 طلب فيها "احالة هذا الطعن الى هيئة فحص الطعون لتقرر باحالته الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والغاء قرار مصادرة المبلغ الذى كان مع الطاعن يوم وصوله الى جمرك القاهرة، مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الوزارة مصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة". واستند فى اسباب طعنه الى أن عقوبة المصادرة جوازية لمدير النقد يستعملها اذا رأى أن ظروف الواقعة تبرر استعمالها، وقد كانت ظروف هذه الواقعة لا تستأهل المصادرة لان المدعى رقيق الحال ادخر المبلغ المصادر من كده فى المملكة العربية السعودية، وقد كان فى حالة من الاعياء فضلا عن كونه أميا لا يدرك ما يجب أن يكتب أو يقال. فمثله لا تستعمل معه عقوبة المصادرة التى لا تطبق الا على المهربين وكبار رجال المال الذين يؤذون الصالح العام ولا شك أن تطبيق هذه العقوبة فى حقه يقوم على خطأ فى تطبيق القانون أو على الاقل على سوء استعمال للسلطة التقديرية التى خولها القانون لوزير المالية أو لمن يندبه لهذا الغرض على أنه قد صدر اخيرا قانون معدل لاحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 يبيح للمصريين المقيمين خارج الجمهورية العربية ادخال أوراق النقد المصرى دون قيد أو شرط مما لم يعد معه الفعل المسند الى المدعى معاقبا عليه. ولما كان المتهم بارتكاب جريمة ما يعامل بالقانون الاصلح له اذا ما صدر هذا القانون أثناء محاكمته أو قبل أن يصبح الحكم الصادر ضده نهائيا وكان يبيح الفعل الذى كان من قبل غير مشروع، وكان النزاع فى مشروعية الجزاء الذى وقع على المدعى بمصادرة أمواله لم ينته بعد، فان من حق هذا الاخير، وقد صدر تشريع يبيح ادخال النقد المصرى دون قيد ولا شرط، ان يعامل بهذا التشريع وتلغى عقوبة المصادرة التى أصابت ماله تطبيقا لمبدأ القانون الاصلح للمتهم، ذلك المبدأ الذى لا يقتصر على القضاء الجنائى بل يصدق على القرارات الادارية التى تأخذ شكل المحاكمة الجنائية كالقرار موضوع هذا الطعن.
وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة مذكرة بالرأى القانونى مسببا انتهت فيها الى أنها ترى "قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات". وأسست رأيها على ان مصادرة المبلغ الذى ضبط مع المتهم لدى تفتيشه بالجمرك يوم وصوله من المملكة العربية السعودية الى مطار القاهرة والذى كان يخفيه بين طيات ثيابه ولم يثبته فى الاقرار الجمركى قد تمت فى الحدود التى رسمها القانون بعد تحقيق أجرى معه وبناء على قرار من مدير عام النقد بالاستناد الى أحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل بالقانونى رقمى 157 لسنة 1950 و 111 لسنة 1953 التى أجازت لوزير المالية أو لمندوبه فى حالة عدم رفع الدعوى العمومية مصادرة المبلغ موضوع المخالفة. وقد خول وزير المالية مدير النقد هذا الحق الذى ترخص بمقتضاه فى اتخاذ قرار المصادرة المطعون فيه. أما يتمسك به المدعى من حق فى أن يعامل بالقانون الاصلح الذى صدر اخيرا معدلا لاحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 ومبيحا ادخال اوراق النقد دون قيد أو شرط ودون اتخاذ أية اجراءات جمركية فمردود بأنه لم يحدد حتى الان هذا القانون حتى يمكن مناقشة هذا الوجه من الطعن. ومن ثم فان الحكم المطعون فيه اذا انتهى الى أن مدير النقد قد أصدر قرار المصادرة فى حدود السلطة التقديرية المخولة له دون أى مخالفة أو تعسف يكون قد جاء موافقا لحكم القانون، ويكون الطعن عليه فى غير محله واجب الرفض.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وقبولها، وذلك لما بنى عليه من أسباب يؤيدها ما هو ثابت من ملف طلب المساعدة القضائية رقم 184 لسنة 13 القضائية من ان المدعى بعد اذ صدر القرار المطعون فيه من السيد مدير عام النقد فى 19 من أكتوبر سنة 1958 بمصادرة المبالغ المضبوطة معه، وتظلم منه اداريا عدة مرات أولاها باقراره فى 15 من نوفمبر سنة 1958، ومضت الستون يوما التى يعتبر انقضاؤها دون اجابة الادارة عن هذا التظلم بمثابة قرار سلبى بالرفض من غير أن تجيب الادارة عن تظلمه، تقدم الى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الادارى فى 7 من مارس سنة 1959 أى خلال الستين يوما التالية المقررة لرفع الدعوى بطلب اعفائه من رسوم هذه الدعوى الذى قررت اللجنة رفضه بجلسة 9 من يونيه سنة 1959، فأقام دعواه الحالية برسوم بايداع صحيفتها سكرتيرية محكمة القضاء الادارى فى 19 من يوليه سنة 1959، أى فى الستين يوما التالية لقرار لجنة المساعدة القضائية، وبذلك تكون مرفوعة فى الميعاد القانونى وفقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة فى شأن الاثر المترتب على تقديم طلب المساعدة القضائية ويكون الدفع بعدم قبولها فى غير محله متعينا رفضه وفقا لما قضى به بحق الحكم المطعون فيه.
ومن حيث عن الموضوع فان الطعن يقوم على وجهين: (أولهما) أن عقوبة المصادرة جوازية لمدير عام النقد بترخص فى توقيعها اذا كانت ظروف الحال تبرر ذلك، وقد انطوى قراره بالمصادرة على تعسف فى استعمال السلطة اذ لم تكون ظروف الواقعة لتستاهل المصادرة و (الثانى) أنه صدر أخيرا قانون معدل لاحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 وتعديلاته يجعل الفعل المنسوب الى المدعى غير معاقب عليه، وهو القانون الاصلح له الواجب معاملته به ما دام النزاع فى هذه الدعوى لم يفصل فيه بعد بحكم نهائى.
ومن حيث عن (الوجه الاول) فان الثابت من الاوراق وبخاصة المحضر رقم 188 لسنة 1958 حصر وارد شئون مالية (القضية رقم 296 سنة 1958 جمرك القاهرة ورقم 460 سنة 1958 ادارى شئون مالية) أن المدعى كان قادما بالطائرة فى يوم 19 من سبتمبر سنة 1958 من المملكة العربية السعودية التى كان يعمل بها، وأنه قدم أثناء وجوده فى مطار القاهرة الدولى اقرار جمركيا أثبت فيه أن عدد حقائبه ثلاثة وأنها لا تحوى سوى ملابسه وأدواته الشخصية المستعملة ولا توجد ضمنها أصناف ممنوعة أو أشياء أخرى تستحق عليها رسوم جمركية، وأن المبالغ التى يحملها لا تجاور عشرين جنيها مصريا والهدايا التى معه لا تزيد قيمتها على خمسة عشر جنيها، وبتفتيش حقائبه بعد تقديمه الاقرار الجمركى اتضح ان بها هدايا تفوق قيمتها هذا المبلغ مما دعا الجراد الى الاشتباه فى صحة اقراره والى طلب الاذن بتفتيشه شخصيا ازاء اصراره على انكار حيازته لنقود تزيد على المبلغ الذى أثبته فى اقراره. وقد كشف هذا التفتيش عن أنه كان يحمل مبلغ 860 جنيها مصريا منه 750 جنيها داخل رباط سرواله ومبلغ 110 جنيهات داخل جيوبه. وعلى هذا سلم مبلغ 20 جنيها وحجز الباقى وقدره 840 جنيها على ذمة القضية التى حرر بها محضر ضبط بوساطة مأمور مطار القاهرة أرسل من مدير جمرك القاهرة الى السيد مدير عام النقد الذى أصدر فى 19 من أكتوبر سنة 1958 قراره المطعون فيه بعدم الاذن باتخاذ اجراءات رفع الدعوى العمومية ضد المدعى وبمصادرة المبلغ المضبوط معه. وبناء عليه صدر قرار النيابة العامة فى 29 من أكتوبر سنة 1958 بحفظ الاوراق اداريا.
ومن حيث أن القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعدل بالقانون رقم 157 لسنة 1950 والقانون رقم 111 لسنة 1953 قضى فى مادته الاولى بحظر التعامل فى أوراق النقد أو تحويل أوراق النقد من مصر واليها وكل تعهد يقوم بعملة أجنبية وكل معاملة منطوية على تحويل أو تسوية كاملة أو جزئية بنقد أجنبى، كما حظر فى مادته الثانية استيراد أو تصدير أوراق النقد المصرى أو الاجنبى على اختلاف أنواعها وكذلك القراطيس المالية والكوبونات غير ذلك من القيم المنقولة أيا كانت العملة المقومة بها الا بالشروط والاوضاع التى يعينها وزير المالية بقرار منه. وينظم وزير المالية بقرار يصدره استيراد وتداول شيكات السياحة وتحديد المصارف المرخص لها بالتعامل فيها. ونص فى مادته التاسعة على أن كل من خالف أحكام المواد الاولى والثالثة أو شرع فى مخالفتها أو حاول ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة تعادل ضعف المبالغ التى رفعت الدعوى الجنائية بسببها. وفى جميع الاحوال تضبط المبالغ محل الدعوى ويحكم بمصادرتها لجانب الخزانة العامة. ولا يجوز رفع الدعوى العمومية بالنسبة الى الجرائم المقدم ذكرها أو اتخاذ اجراء فيها الا بناء على اذن من وزير المالية والاقتصاد أو ممن يندبه لذلك. وفى حالة عدم الاذن يجوز للوزير أو لمندوبه مصادرة المبلغ موضوع المخالفة. وقد خول وزير المالية مدير عام النقد حق اجازة رفع الدعوى العمومية، وحق مصادرة المبالغ المضبوطة فى حالة عدم الموافقة على اقامة الدعوى العمومية. وقد أصدر وزير المالية تنفيذا لاحكام هذا القانون، القرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 فى 14 من يوليه سنة 1947 بالشروط والاوضاع الخاصة بتنفيذ القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد، وكذا القرارين رقم 53 لسنة 1949 فى 27 من اغسطس سنة 1949 ورقم 316 لسنة 1958 فى أول اغسطس سنة 1958 بتعديل بعض أحكام القرار رقم 51 لسنة 1947، وحدد فى هذه القرارات جميعا الشروط والاوضاع الخاصة باستيراد أوراق النقد وتصديرها. وقد نصت المادة الخامسة من القرار رقم 51 لسنة 1947 على أن "الطلبات الخاصة بتصدير أو استيراد أوراق نقد أو قيم منقولة من المنصوص عليها فى المادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 1947 يجب أن تكون على استمارة رقم (ج) وأن تقدم الى مراقب عمليات النقد مصحوبة بجميع المستندات المتعلقة بالموضوع وذلك عن طريق أحد المصارف المرخص لها". كما نصت المادة السادسة منه المعدلة بالقرار رقم 316 لسنة 1958 فى فقرتها الاولى على أن "للمسافرين من رعايا الجمهورية العربية المتحدة المقيمين باقليم مصر القادمين اليه أن يحمل كل منهم دون ترخيص نقدا أجنبيا وحوالات وشيكات مصرفية وخطابات اعتماد وشيكات سياحية بالغة قيمتها ما بلغت، ومبلغا لا يجاوز عشرين جنيها من أوراق النقد المصرى" واوجبت المادة السابعة المعدلة من القرار ذاته على كل من يدخل اقليم مصر أن يعطى للسلطات الجمركية اقرارا يوضح به قيمة ما يحمله أو يحوزه من أوراق النقد المصرى أو الاجنبى وفئاته، وما يحمله من الحوالات والشيكات المصرفية وخطابات الاعتماد وشيكات السياحة، يؤخذ من هذه النصوص أن المشرع قد أخضع التعامل فى أوراق النقد المصرى والاجنبى وغيرها من القيم المنقولة وتحويلها من مصر أو اليها وكذا تصديرها واستيرادها لرقابة الادارة العامة للنقد، وحدد الشروط والاوضاع الخاصة بذلك، فحظر كل عملية تتم على خلافها، وفرض على مخالفة هذا الحظر عقوبة الحبس والغرامة والمصادرة، واباح فيما اجازه للمسافرين من رعايا الجمهورية العربية المتحدة المقيمين باقليم مصر القادمين اليه أن يحمل كل منهم دون ترخيص مبلغا لا يجاوز عشرين جنيها من أوراق النقد المصرى، فان جاوز هذا القدر لزم الحصول على الترخيص المتطلب فيما يتعلق بالزيادة من مراقبة عمليات النقد عن طريق أحد المصارف المرخص لها فى ذلك. وفى جميع الحالات يتعين على كل من يدخل الاقليم المصرى ان يقدم للسلطات الجمركية اقرارا يثبت به قيمة ما يحمله أو يحوزه من أوراق النقد المصرى أو الاجنبى وفئاته أيا كان مقدراها أو نوعها. فاذا أغفل شيئا من ذلك أو اثبت فى الاقرار بيانات غير صحيحة كان مخلا بالشروط والاوضاع القانونية المقررة لاستيراد أوراق النقد، وبالتالى مخالفا لاحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 معدلا بالقوانين رقم 157 لسنة 1950 ورقم 111 لسنة 1953، وللقرارات الوزارية المنفذة لهذا القانون، وبذلك يصدق عليه حكم المادة التاسعة منه التى لم تقتصر على معاقبة كل مخالفة لاحكام مواده الاولى والثانية والثالثة، أو كل شروع فى مثل هذه المخالفة بل جاوزت فى التوسع فى تأثيم الافعال التى تكون المخالفة المذكورة مألوف القواعد العامة فى المواد الجنائية، لما لهذه الجرائم من خطورة على النظام المالى للدولة فقضت بالعقاب على مجرد محاولة ارتكاب تلك الافعال ولو لم تبلغ هذه المحاولة حد الشروع المعروف قانونا وقد قرر الشارع للافعال المكونة للجرائم التى تناولتها هذه المادة عقوبة الحبس والغرامة ومصادرة المبالغ المضبوطة لجانب الخزانة العامة الا أنه جعل رفع الدعوى العمومية بالنسبة الى هذه الجرائم أو اتخاذ أى اجراء فيها رهينا باذن يصدر بذلك من وزير المالية أو ممن يندبه لذلك رعاية لظروف كل حالة وتقديرا لملابساتها، وأجاز للوزير أو لمندوبه فى حالة عدم الاذن باقامة الدعوى الجنائية مصادرة المبلغ موضوع المخالفة حسبما يراه بوصف المصادرة الادارية فى هذه الحالة عقوبة أهون على المتهم وأكثر رعاية له من عقوبة الحبس بعد المحاكمة الجنائية وما يتبعها من غرامة ومصادرة قضائية، فضلا عن كونها أرفق به لتجنبها اياه تلك المحاكمة.
ومن حيث ان الفعل المسند الى المدعى والمكون للجريمة المنصوص عليها فى المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 ثابتا فى حقه من محضر ضبط الواقعة، ودفعه بحسن نيته تذرعا بجهله القراءة والكتابة وعدم علمه بالقانون وبما يدون فى الاقرار الجمركى وما لا يدون، مردود بما هو ظاهر من الاوراق من أنه لم يذكر فى الاقرار حقيقة ما يحمله أو يحوزه من أوراق النقد المصرى اذ زعم انه عشرون جنيها فقط وانه انما انتوى اخفاء حقيقة المبلغ الذى كان معه بقصد التهرب اخلال بالشروط والاوضاع المقررة قانونا فى هذا الشأن بتحريره الاقرار على وجه مغاير للواقع من جهة واخفائه 750 جنيها وهو الجانب الاكبر من المبلغ الذى كان يحمله داخل رباط سرواله والباقى وهو 110 جنيهات داخل طيات ملابسه من جهة أخرى وقد تم اكتشاف هذه المبالغ وضبطها عند تفتشه على أثر الاشتباه فى أمره بعد أن قدم الاقرار الجمركى المكذوب الذى ثبت به قصده الجنائى وتحققت بناء عليه أركان الجريمة وبعد اصراره عند استجوابه قبل التفتيش على انكار حيازته لاية مبالغ تزيد على ما أثبته باقراره، ومن ثم حق عقابه بالمادة التاسعة آنفة الذكر ومصادرة المبلغ الذى حاول تهريبه ولو لم يأذن وزير الخزانة أو مدير النقد الذى أنابه الوزير عنه فى هذا الشأن باقامة الدعوى العمومية. وغنى عن البيان أن عدم الاذن بمحاكمة المدعى جنائيا والاكتفاء بمصادرة المبلغ المضبوط معه اعمالا للسلطة التقديرية المخولة لمدير عام النقد فى هذه الحالة، الامر الذى ترتب عليه أن حفظت نيابة الشئون المالية التحقيق اداريا لا يخضع لرقابة القضاء، فضلا عن أنه لا ريب اجراء أصلح للمتهم بأخذه بالعقوبة الاخف وتجنيه العقوبة المقيدة للحرية وهى الحبس بالاضافة الى الغرامة المضاعفة والى المصادرة. وهذا ينفى كل مظنة للتعسف فى استعمال السلطة الذى ينعاه المدعى على قرار المصادرة المطعون فيه.
ومن حيث عن (الوجه الثانى) من أوجه الطعن فانه واضح مما تقدم أن المدعى قد عومل فعلا بالاجراء الاصلح له، اذ وقعت عليه اداريا العقوبة المالية الاخف وأعفى من المحاكمة الجنائية. وقد تم توقيع هذه العقوبة بقرار ادارى نهائى وفقا لاحكام القوانين السارية وقت صدوره وبتطبيق هذه القوانين تطبيقا صحيحا وما دامت الدعوى العمومية لم ترفع ضده، ولا توجد أصلا محاكمة جنائية يقف منها موقف المتهم معقودة فعلا أمام القضاء المختص بتوقيع العقاب ولما يصدر فيها حكم نهائى، فلا محل لاعمال قاعدة القانون الاصلاح للمتهم الواردة فى المادة 5 من قانون العقوبات فى مجال طلب الغاء قرار ادارى ينظر فى شرعيته الى الاوضاع القائمة وقت صدور، وقد صدر فى حينه صحيحا ومطابقا للقانون. وليس للمدعى بعد أن عومل بالاجراء الاصلح فأخذ بالجزاء الاخف وأعفى من المحاكمة الجنائية التى توقع فيها عقوبة الحبس وهى مقيدة للحرية أشد مهما قلت مدتها من المصادرة التى هى عقوبة مالية بالغة قيمة الاموال المصادرة ما بلغت ليس له بعد هذا أن يتضرر من عدم اتخاذ الاجراء الاشد فى حقه برفع الدعوى العمومية ضده ومحاكمته جنائيا لان قرارا وزاريا صدر بعد زهاء سنتين أباح الفعل المنسوب اليه، وكان ليفيد منه بوصفه القانون الاصلح له فيما لو استطالت محاكمته ولم يصدر فيها حكم نهائى حتى أدركه هذا القرار. على أن حجة الاباحة هذه هى فى ذاتها داحضة، لانه اذا كان القرار الوزارى رقم 538 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام القرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 بالشروط والاوضاع الخاصة بتنفيذ القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعمول به اعتبارا من 30 من يونيه سنة 1960 قد أباح للقادمين الى الاقليم المصرى من رعايا الجمهورية العربية المتحدة ومن السائحين الاجانب وغير المقيمين أن يحمل كل منهم - دون ترخيص - نقدا أجنبيا وحوالات وشيكات مصرفية وخطابات اعتماد وشيكات سياحية وأوراق نقد مصرى بالغة قيمتها ما بلغت، فان الشارع قد ألغى هذه الاباحة وقلبها حظرا مطلقا بالقرار الوزارى رقم 1493 لسنة 1961 المعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية فى 31 من ديسمبر سنة 1961، اذ نصت الفقرة الاخيرة من المادة الاولى من هذا القرار على أنه "يحظر على القادمين الى الجمهورية العربية المتحدة أو المسافرين منها أن يحملوا معهم أوراق نقد أو بنكنوت مصرى" وهذا هو القرار المعمول به والنافذ حاليا. وهو الذى يمكن اخذه فى الاعتبار عند اعمال قاعدة القانون الاصلح للمتهم، ان كان لها وجه بعد الغاء القرار السابق عليه رقم 538 لسنة 1960، ذلك أن فكرة القانون الاصلح للمتهم تقوم على رعاية فردية يفرض فيها أنها لا تنطوى على ايذاء لمصلحة الجماعة، ما دام عدول الشارع عن القانون الاشد الى قانون جديد أخف وطأة على المتهم يعنى أنه قدر أن هذا القانون الجديد يفضل سابقه من حيث تحقيق فكرة العدالة وفائدة الجماعة. ولما كانت تلك هى المحكمة التشريعية لنص فان استصحابها حتى الحكم النهائى أو حتى ما بعد ذلك فى حالة صدور قانون يجعل الفعل غير معاقب عليه يكون شرطا لازما للافادة من القانون الاصلح فاذا عدل الشارع قبل الحكم النهائى عن القانون الاخف الى قانون أشد لانه رأى فيه تحقيقا لفكرة العدالة وفائدة الجماعة انتفى أساس تطبيق قاعدة القانون الاصلح لزوال هذا القانون وحلول قانون أشد محنة وقت الحكم وواقع الامر أن القرار الوزارى رقم 1493 لسنة 1961 النافذ الان هو أشد وطأة من القرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 معدلا الذى كان معمولا به وقت وقوع الفعل المنسوب الى المدعى لتضمنه حظرا مطلقا لاستيراد أوراق النقد المصرى الذى كان هذا القرار الاخير يتخفف منه فى حدود عشرين جنيها.
ومن حيث أنه لكل ما تقدم يكون قرار المصادرة المطلوب الغاؤه صحيحا متفقا وأحكام القانون، ويكون حكم محكمة القضاء الادارى المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى اليه من رفض الدعوى والزام المدعى بمصروفاتها ويكون طعن المدعى على هذا الحكم على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضه مع الزام المذكور بمصروفاته.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا وألزمت المدعى بالمصروفات.