مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ 1018

(95)
جلسة 9 من يونية سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 931 لسنة 6 القضائية

موظف - تأديب - فصل - قيام سببه بثبوت أن الموظف كان وسيطا لمهندس التنظيم فى الاستيلاء على مبالغ من الجمهور مستغلا فى ذلك وظيفته - لا يغير من ذلك القضاء ببراءته من التهمة الجنائية المبينة على أسباب قوامها الشك - أساس ذلك.
ان ما أسند الى المدعى من اتهام أدى الى فصله من وظيفته قد قام فى حينه على أسباب جدية تبرر الجزاء الذى اتخذه رئيس مجلس بلدى جرجا فى حقه فقد كان ثابتا وقتئذ - بصرف النظر عن ثبوت أو عدم ثبوت تهمة الرشوة من الناحية الجنائية - أنه كان وسيطا لمهندس التنظيم فى استيلاء هذا الاخير على مبالغ من نقود تقاضاها من الجمهور مستغلا فى ذلك سلطة وظيفته أبشع استغلال وأشنعه الامر الذى يعد اخلالا خطيرا بواجبات وظيفته وخروجا على مقتضياتها ومتى ثبت ذلك فان هذا ينهض سببا مسوغا لتدخل الادارة بقصد احداث الاثر القانونى فى حقه وهو توقيع الجزاء عليه للغاية التى شرع من أجلها هذا الجزاء وهى الحرص على الامانة والنزاهة وحسن السلوك تحقيقا للمصلحة العامة بعد أن قامت حالة واقعية تبرر هذا التدخل وهى حالة تنفرد الادارة بتقدير ملاءمة الاثر الذى ترى من المصلحة ترتيبه عليها استنادا الى المسلك الذى سلكه والذى يسوع استقلالا مؤاخذته عنه تأديبا ولئن كان قد قضى فيما بعد ببراءته من التهمة الجنائية الا أن هذه البراءة بنيت على أسباب قوامها الشك الذى ان يشفع له فى درء العقوبة الجنائية عنه فانه لا يرفع عنه مسئوليته فى المجال الادارى كما هو ثابت فى حكم محكمة الجنايات ثم ان الامر يتعلق فى المجال الادارى لا بالقصاص منه بل بالاطمئنان الى وجوده فى وظيفته والى صلاحيته للقيام باعبائها على الوجه الذى يحقق الصالح العام فاذا انعدم هذا الاطمئنان أو تزعزع كان للادارة أن تقصى من لا تثق بصلاحيته ولا تطمئن الى أمانته ونزاهته وحسن سلوكه فى خدمة المرفق العام الذى تقوم عليه.


اجراءات الطعن

فى 3 من مارس سنة 1960 أودعت ادارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السادة/ وزير الشئون البلدية والقروية ورئيس مجلس بلدى جرجا ومدير عام ادارى البلديات تقرير طعن فى الحكم الصادر بتاريخ 4 من يناير سنة 1960 من المحكمة الادارية لوزارة الشئون البلدية والقروية فى الدعوى رقم 522 لسنة 6 القضائية المقامة من السيد/ محمود عبد اللطيف حسن ضد السادة وزير الشئون البلدية والقروية ومدير عام ادارة البلديات ومأمور مركز جرجا والذى يقضى بالزام المدعى عليها بأن تؤيد للمدعى تعويضا قدره ثلاثمائة جنيه مصرى والزامها بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة ورفض ماعدا ذلك من الطلبات وطلب الطاعنون للاسباب المبينة بتقرير الطعن القضاء بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده والزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأعلن تقرير الطعن الى المطعون عليه فى 24 من مارس سنة 1960 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7 من مايو سنة 1961. وأبلغ الطرفان فى 24 من ابريل سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة وتداول الطعن فى الجلسات حتى جلسة 24 من مارس سنة 1962 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا وحدد لنظر الطعن أمامها جلسة 12 من مايو سنة 1962 وأبلغ الطرفان فى 18 من ابريل سنة 1962 بميعاد هذه الجلسة. وفيها أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع ايضاحات ذوى الشأن وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن فى ان المدعى أقام الدعوى رقم 522 لسنة 6 القضائية ضد السادة وزير الشئون البلدية والقروية ومدير عام ادارة البلدية ومأمور مركز جرجا بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الادارية لوزارة الشئون البلدية والقروية بتاريخ 26 من أغسطس سنة 1959 بطلب الحكم بتعويضه بمبلغ 20000 جنيه عن الاضرار التى لحقته من قرار فصله من عمله بطريق التعسف فى استعمال السلطة والزام المدعى عليهم بالمصاريف ومقابل اتعاب المحاماة. وقال بيانا لدعواه أنه عين فى سنة 1923 بمجلس قروى برديس فى وظيفه خفير تحصيل واستمر فى هذه الوظيفة حتى سنة 1930. وفى أواخر سنة 1930 عين قياسا بالمجلس المذكور واستمر كذلك حتى سنة 1936 حيث نقل الى مجلس بلدى قوص بنفس الوظيفة، وفى سنة 1945 نقل الى مجلس بلدى جرجا وحدث بعد نقله أن تقدمت شكاوى من أهالى قوص ضد مهندس التنظيم بها تتضمن اتهامه بقبول رشاوى، وان المدعى كان الوسيط فى هذه الرشاوى. فقامت النيابة الادارية بالتحقيق وصدر قرار فى 4 من أكتوبر سنة 1948 بايقاف المدعى عن العمل. وانتهى التحقيق بقيد جناية الرشوة رقم 181 لسنة 1948 كلى قنا (رقم 1221 لسنة 1948 قوص) ضد مهندس التنظيم والمدعى، وقدما لمحكمة جنايات قنا وقبل ان تفصل محكمة الجنايات فى الجناية المذكور صدر فى 25 من اكتوبر سنة 1951 قرار بفصل المدعى عن العمل على حين قضت محكمة الجنايات فى 25 من ديسمبر سنة 1952 ببراءة المدعى من التهمة التى نسبت اليه واذ قضت محكمة الجنايات بالبراءة فان الفصل قد وقع معيبا ولذلك أقام المدعى الدعوى رقم 435 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى بطلب الحكم بالغاء قرار الفصل، ولكن قضى فى الدعوى المذكورة بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد فأقام الدعوى رقم 738 لسنة 1955 مدنى كلى سوهاج بطلب الحكم بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب قرار الفصل المعيب للانحراف فى استعمال السلطة ولكن قضى فيها بعدم الاختصاص فأقام الدعوى الراهنة لان حقه فى التعويض عن الضرر الذى لحق به بسبب انحراف المجلس البلدى بجرجا فى استعمال سلطته لا يزال قائما ويحق له المطالبة به. وأجاب مجلس بلدى جرجا على الدعوى بأن المدعى من الخدمة الخارجين عن هيئة العمال فقد كان قياسا بمجلس بلدى قوص ثم نقل إلى مجلس بلدى جرجا فى 7 من سبتمبر سنة 1946 ثم أوقف عن عمله لاتهامه بالوساطة فى ارشاء مهندس التنظيم. وبتاريخ 25 من اكتوبر سنة 1951 تقرر لاعتبارات ادارية فصله من الخدمة من تاريخ ايقافه عن العمل فى 4 من اكتوبر سنة 1948، وقد انصب قرار الفصل على ما نسب اليه فى قضية الجناية رقم 1221 لسنة 1948 قوص. اذ أن توجيه الاتهام له واحالته الى محكمة الجنايات دليل على سوء السلوك وعدم الامانة والسمعة السيئة. أما حكم البراءة فلا يدل على أنه كان نقيا اذ أن الحكم بنى على عدم كفاية الادلة ولا يحول حكم البراءة دون القصاص اداريا خصوصا وان صحيفة جزاءات المدعى قد ورد بها ستة جزاءات. ومتى كان الفصل مستندا الى سوء السلوك وعدم الامانة والسمعة السيئة فان المجلس البلدى يكون قد استعمل حقه فى ابعاد مستخدم غير صالح وهو ما يتفق مع الصالح العام وأحكام قانون المصلحة المالية ولا يكون هناك انحراف فى استعمال السلطة. ثم دفع المجلس بسقوط دعوى التعويض لانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ علم المدعى بقرار الفصل. وبجلسة 4 من يناير سنة 1960 قضت المحكمة الادارية للمدعى بتعويض قدره 300 جنيه. وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بالسقوط على أن مدة التقادم التى تسرى على التعويض هى مدة التقادم المسقطة للراتب ذاته بالتطبيق للمادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات أى مدة خمس سنوات، ولم يسقط حق المدعى فى التعويض لانه أقام دعواه أمام محكمة سوهاج فى 30 من نوفمبر سنة 1955 وقدم طلب اعفائه من رسوم الدعوى الراهنة فى 6 من ديسمبر سنة 1958 وأودع عريضة الدعوى فى 26 من أغسطس سنة 1959 وفيما يتعلق بالموضوع على أن قرار الفصل صدر بغير مسوغ لانه حكم ببراءة المدعى فى قضية الجناية التى قام قرار الفصل على ما نسب اليه فيها. وصدر أيضا فى وقت غير لائق لانه كان يتعين انتظار الحكم الذى يصدر فى الجناية المذكورة. أما الجزاءات التى وقعت ضده فهى قديمة وتافهة ولا تبرر فصله.
ومن حيث ان الطعن يقوم على ان نطاق الجريمة التأديبية مستقل عن النطاق المحدد للجرائم الجنائية وأن سوء سلوك المدعى واخلاله بواجبات وظيفته واضح من أوراق التحقيق مما يجعل قرار الفصل قائما على سببه دون توقفه على صدور الحكم الجنائى.
ومن حيث انه يبين من مطالعة ملف خدمة المدعى أنه كان معينا فى وظيفة قياس تنظيم بمجلس بلدى قوص ثم بمجلس بلدى جرجا بماهية شهرية قدرها 150 مليما و4 جنيهات وهى وظيفة من وظائف المستخدمين الخارجين عن الهيئة بتاريخ 25 من اكتوبر سنة 1951 أصدر رئيس مجلس بلدى جرجا قرارا بفصله من الخدمة اعتبارا من 4 أكتوبر سنة 1948 (تاريخ وقفه عن العمل) بسبب ما نسب اليه فى قضية الجناية رقم 1221 سنة 1948 قوص.
ومن حيث انه يبين من مطالعة الصورة الرسمية للحكم الصادر بتاريخ 25 من ديسمبر سنة 1952 من محكمة جنايات قنا فى الجناية رقم 1221 سنة 1948 قوص (181 سنة 1948 كلى قنا) أن النيابة العامة اتهمت السيد ا/ بديع محمد أحمد بصفته مهندس تنظيم بندر قوص بأنه قبل المبالغ المبينة القيمة بالمحضر كرشوة من بعض المواطنين (ذكرت اسماؤهم) لاداء عمل من اعمال وظيفته وهو استخراج رخص للبناء والترميم وللامتناع عن عمل من أعمال وظيفته وهو تحرير محاضر مخالفات وجنح لمخالفتهم نصوص قانون التنظيم. واتهمت المدعى أثناء ان كان قياسا بتنظيم قوص بأنه توسط بين المجنى عليهم وبين مهندس التنظيم المذكور فى قبول الرشوة، وان محكمة الجنايات وان كانت قد قضت ببراءة المتهمين الا أنه جاء فى اسباب الحكم أنه يبين من مجموع أقوال الشهود ان ما دفعوه للمتهم الاول لم يكن بقصد الرشوة وانما كان اتعابا له عما تكلفه من جهد لعمل رسومات للمبانى التى أرادوا اقامتها والتى يتعين عليهم أن يقدموا عنها رسما ليمكن استخراج رخصة البناء طبقا لما يقضى به قانون التنظيم وصحيح ان البلد لم يكن بها من المهندس سواه ولكنه لم يكن ضربة لازب عليهم وكان لهم مندوحة عنه ولكنهم اختاروا أخف الضررين بتكليفه هو عمل رسوماتهم بدلا من تجشم المشقة فى السفر الى جهة نائية حيث يوجد مهندس آخر فضلا عن تكبد النفقات وضياع الوقت ولعله استغل حاجة الجمهور اليه استغلالا لا يرحم، وقد يكون قسا عليهم فى فرض اتعابه، ويحتمل أن يكون قد أدخل هو أو أذنابه فى روعهم أن تكليفه بعمل رسوماتهم يسهل عليهم انجاز أعمالهم، ولكن كل هذه الفروض والاحتمالات التى قد لا يسعه الاعتذار عنها اداريا لا تنهض دليلا كافيا للاخذ بناصيته وتوقيع العقوبة الجنائية عليه وهو ان كان قد أفلت من العقوبة الجنائية التى تتطلب دليلا يبلغ حد اليقين الا أن مثل هذا المتهم الذى قسا على الجمهور حتى ضج الناس منه فلم يرجع فقيرا ولا عجوزا ولا ذى عاهة والذى جعلهم بينه وبين القانون كمن هو بين المطرقة والسندان فاما أن يؤدوا اليه اتعاب الرسم القاسية التى يطلبها واما ان تتعطل مصالحهم كما يقضى بذلك القانون، مثل هذا المتهم لا ينبغى أن يخلى بينه وبين الناس فيعيد سيرته الاولى فيهم ولا ينبغى أن يترك فلا يحاسب اداريا على ما قد يكون قد اقترفه من اخلال بواجبات وظيفته دون استغلال سىء لنفوذه بين جمهور ساذج فقير.. والمتهم الثانى الذى نسب اليه أنه كان واسطة بين المتهم الاول والمجنى عليهم فى الرشوة.. وان هو الا تابع للمتهم الاول.. وما دامت الافعال التى أتاها المتهم الاول لا جريمة فيها فقد سقط الاتهام عن المتهم الثانى.
ومن حيث انه يبين مما تقدم ان ما اسند الى المدعى من اتهام أدى الى فصله من وظيفته قد قام فى حينه على أسباب جدية تبرر الجزاء الذى اتخذه رئيس مجلس بلدى جرجا فى حقه. فقد كان ثابتا وقتئذ - بصرف النظر عن ثبوت أو عدم ثبوت تهمة الرشوة من الناحية الجنائية - انه كان وسيطا لمهندس التنظيم فى استيلاء هذا الاخير على مبالغ من نقود تقاضها من الجمهور مستغلا فى ذلك سلطة وظيفته أبشع استغلال وأشنعه الامر الذى يعد اخلالا خطيرا بواجبات وظيفته وخروجا على مقتضياتها ومتى ثبت ذلك فان هذا ينهض سببا مسوغا لتدخل الادارة بقصد احداث الاثر القانونى فى حقه وهو توقيع الجزاء عليه للغاية التى شرع من أجلها هذا الجزاء وهى الحرص على الامانة والنزاهة وحسن السلوك تحقيقا للمصلحة العامة بعد اذ قامت حالة واقعية تبرر هذا التدخل وهى حالة تنفرد الادارة بتقدير ملاءمة الاثر الذى ترى من المصلحة ترتيبه عليها استنادا الى المسلك الذى سلكه والذى يسوغ استقلالا مؤاخذاته عنه تأديبيا، ولئن كان قد قضى فيما بعد ببراءته من التهمة الجنائية الا أن هذه البراءة بنيت على أسباب قوامها الشك الذى ان يشفع له فى درء العقوبة الجنائية عنه فانه لا يرفع عنه مسئوليته فى المجال الادارى كما هو ثابت فى حكم محكمة الجنايات ثم ان الامر يتعلق فى المجال الادارى لا بالقصاص منه بل بالاطمئنان الى وجوده فى وظيفته والى صلاحيته للقيام باعبائها على الوجه الذى يحقق الصالح العام فاذا انعدم هذا الاطمئنان أو تزعزع كان للادارة أن تقصى من لا تثق بصلاحيته ولا تطمئن الى أمانته ونزاهته وحسن سلوكه فى خدمة المرفق العام الذى تقوم عليه.
ومن حيث انه متى كان قرار فصل المدعى قد قام - لما تقدم - على سببه وكان قد صدر من السلطة التى كانت تملك هذا الحق قانونا طبقا للمادة 157 من قانون المصلحة المالية. ولم يقم دليل على وجود عيب اساءة استعمال السلطة. وفقد انتفى الخطأ من جانب الادارة وارتفعت عنها بالتالى مسئوليتها عن التعويض.
ومن حيث انه لما تقدم يكون الطعن فى محله ويكون الحكم المطعون فيه اذ قضى بالزام الادارة بأن تدفع تعويضا للمدعى عن فصلها اياه تأسيسا على وقوع خطأ من جانبها فى هذا الفصل قد اخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بالغائه، وبرفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعى بالمصروفات.