مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ1024

(96)
جلسة 9 من يونية سنة 1962

برئاسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 2150 لسنة 6 القضائية

( أ ) عقد ادارى - حجز - توقيع الادارة حجزا على مستحقات الشركة المتعاقدة معها استيفاء لما قدرته من تعويضات قبلها، وخصمها من مستحقاتها لديها - اجراء صحيح ما دام قد استند الى شروط العقد وأحكام لائحة المخازن والمشتريات - التجاء الادارة الى القضاء بعد ذلك طالبة الحكم بمستحقاتها قبل الشركة حسما للنزاع فى المستقبل فيما قدرته من تعويض - لا يعتبر نزولا منها عن الحجز ولا يؤدى الى عدم الاعتداد به.
(ب) عقد ادارى - تنفيذه - حادث طارئ - الفرق بينه وبين القوة القاهرة - مثال بالنسبة للارتفاع غير المتوقع لاسعار الزئبق، أثناء تنفيذ عقد التوريد، مما ترتب عليه زيادة أعباء المتعاقد بتحميله خسائر فادحة، الى حد الاخلال بتوازن العقد اخلالا جسيما - اعتباره ظرف طارئا لا قوة قاهرة.
(جـ) عقد ادارى - نظرية الحوادث الطارئة - مقتضاها - الزام الادارة بمشاركة المتعاقد فى الخسارة، مع مراعاة الظروف التى أبرم فيها العقد - تنفيذ الادارة العقد على حساب المتعاقد - لا يمنع من تطبيق هذه النظرية - هذا التطبيق لا يعفى المتعاقد من غرامة التأخير والمصاريف الادارية - مثال.
(د) عقد ادارى - نظرية الحوادث الطارئة - تطبيقها - وقوع الحادث الطارئ بعد المدة المحددة فى العقد للتنفيذ - جواز تطبيق النظرية فى هذه الحالة ما دام الحادث قد وقع أثناء المهلة التى وافقت الادارة على منحها للمتعاقد بعد انتهاء هذه المدة.
(هـ) عقد ادارى - عقد توريد - نظرية الحوادث الطارئة - شروط تطبيقها - توقع الارتفاع الباهظ فى أسعار الزئبق عند ابرام عقد توريد ثان - لا يمنع من تطبيق النظرية ما دام مدى الارتفاع لم يكن فى الوسع توقعه بالنسبة لذلك العقد.
(و) عقد ادارى - عقد توريد - تخلف المتعاقد عن التنفيذ وقيام الادارة بالشراء على حسابه - مقتضاه عدم انتهاء الرابطة العقدية واستمرار العقد منتجا لاثاره - اعتبار المتعاقد مسئولا عن عملية الشراء امام الادارة - تحمله غرامة التأخير والمصاريف الادارية التى تتكبدها فى عملية الشراء.
1 - انه وان كان الحكم المطعون فيه قد أصاب اذ قرر ان الحجز الذى أوقعته الوزارة قد وقع بالتطبيق للشروط التى تعاقدت عليها مع الشركة ولاحكام لائحة المخازن والمشتريات، فتكون الوزارة قد استعملت حقها الممنوح لها فى تقدير تعويضاتها قبل الشركة وخصمها من مستحقاتها. الا أن هذا الحكم قد اخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه اذ قرر ان الوزارة قد نزلت عن هذا الحق نزولا صريحا بالتجائها الى القضاء واقامتها الدعوى الفرعية طالبة الحكم بمستحقاتها قبل الشركة، ذلك ان هذا الفهم لا يستقيم مع تمسك الوزارة بالحجز فى مذكرتها التى وجهت فيها هذه الدعوى الى الشركة، وهى الدعوى الفرعية التى لم تقصد بها الوزارة الا أن تحسم النزاع فى المستقبل فيما قدرته من تعويض، ومن ثم فانه ما كان يصح القضاء بعدم الاعتداد بالحجز على هذا الاساس.
2 - ان ارتفاع اسعار الزئبق لا يعتبر قوة قاهرة مانعة من تنفيذ التعهد بالتوريد، ولكنه يعتبر ظرفا طارئا لم يكن فى الحسبان عند التعاقد، وقد ترتبت عليه زيادة اعباء الشركة بتحميلها خسائر فادحة الى حد الاخلال بتوازن العقد اخلالا جسيما.
3 - ان مقتضى نظرية الحوادث الطارئة الزام جهة الادارة بمشاركة الشركة المتعاقدة فى هذه الخسارة ضمانا لتنفيذ العقد الادارى تنفيذا سليما، ويستوى أن يحصل التنفيذ من الشركة نفسها أو تقوم به جهة الادارة نيابة عنها عند الشراء على حسابها، كما أن تطبيق هذه النظرية لا يعفى الشركة من غرامة التأخير والمصاريف الادارية وفقا لاحكام لائحة المخازن والمشتريات، وانه يجب ان يؤخذ فى الاعتبار عند توزيع الخسارة بين الشركة والوزارة الظروف التى أبرم فيها العقد من ارتفاع مفاجئ فى أسعار الزئبق بسبب تهافت الدول الكبرى على شرائه واستمرار هذا الارتفاع طوال مدة التنفيذ، وما بذلته الشركة من محاولات للحصول على الزئبق بثمن محتمل وطلباتها المتعددة لاعفائها من التوريد وقيام الحكومة نيابة عنها بالشراء على حسابها بعد انتظار طويل حتى بلغت الاسعار اقصاها فى الارتفاع.
4 - اذا كانت الوزارة قد وافقت على امتداد المدة المحددة فى العقد للتنفيذ ووقع الحادث الطارئ خلال الامتداد الذى سبق ان وافقت عليه الوزارة فحكمه حكم المدة المحددة فى العقد.
5 - ان الارتفاع الباهظ فى أسعار الزئبق - أن صح انه كان متوقعا بالنسبة للعقد الثانى - فان مدى هذا الارتفاع لم يكن فى الوسع توقعه بالنسبة لذلك العقد، فقد كان السعر وقت التعاقد بالنسبة للعقد الاول 1 جنيه و 600 مليم للكيلو فأصبح وقت التعاقد بالنسبة للعقد الثانى 2 جنيه و 880 مليما ثم أصبح وقت الشراء على حساب الشركة المدعية 4 جنيهات و 50 مليما، ومن ثم فان نظرية الحوادث الطارئة تنطبق فى هذه الحالة.
6 - ان الشركة وان كانت قد توقفت عن التنفيذ بنفسها الا أن الوزارة قد قامت بالشراء على حسابها. ومن مقتضى هذا الشراء على حسابها عدم انهاء الرابطة العقدية واستمرار العقد منتجا لاثاره واعتبار الشركة هى المسئولة أمام الوزارة عن عملية الشراء، فالشركة تعتبر من الناحية القانونية قد واصلت التنفيذ فيقع على عاتقها غرامة التأخير والمصاريف الادارية التى تكبدتها الوزارة فى عملية الشراء.


اجراءات الطعن

فى 28 من يولية سنة 1960 أودعت ادارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيدين وزير الشئون البلدية والقروية ووزير التربية والتعليم تقرير طعن فى الحكم الصادر بتاريخ 29 من مايو سنة 1960 من محكمة القضاء الادارى فى الدعوى رقم 925 لسنة 13 القضائية المقامة من السيد/ فرج ناشد بصفته مديرا لشركة ناشد وشركاه ضد السيد/ وزير التربية والتعليم والذى يقضى.. أولا - فى الدعوى الاصلية. باثبات ترك الشركة المدعية للخصومة فى طلب وقف التنفيذ وبعدم الاعتداد باجراء حجز المبالغ المستحقة للشركة الذى اتخذته الوزارة بكتابها المؤرخ فى 28 من مارس سنة 1959 والزام الوزارة بالمصروفات. ثانيا: فى الدعوى الفرعية بالزام الشركة بأن تدفع للوزارة المدعية مبلغ 850 مليما و 557 جنيها والمصروفات ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. وطلب الطاعن - للاسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع: فى الدعوى الاصلية بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى مع الزام المطعون ضده بالمصروفات والاتعاب. وفى الدعوى الفرعية بتعديل الحكم المطعون فيه والحكم بالزام المطعون ضده بأن يدفع للوزارة الطاعنة مبلغ 1614 جنيها و 132 مليما وفوائده بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد مع المصروفات والاتعاب. وأعلن تقرير الطعن الى الشركة المطعون عليها فى 16 من أغسطس سنة 1960 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 12 من نوفمبر سنة 1961 وابلغ الطرفان فى 28 من اكتوبر سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة. وتداول الطعن فى الجلسات حتى جلسة 11 من فبراير سنة 1962 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا. وعين لنظر الطعن أمامها جلسة 21 من ابريل سنة 1962 وأبلغ الطرفان فى 17 من فبراير سنة 1962 بميعاد هذه الجلسة وفيه أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع ايضاحات ذوى الشأن وبعد المداولة من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - فى ان المدعى بصفته مديرا لشركة ناشد وشركاه أقام الدعوى رقم 925 لسنة 13 القضائية ضد السيد/ وزير التربية والتعليم بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الادارى بتاريخ 13 من مايو سنة 1959 بطلب الحكم بالغاء القرار الصادر فى 30 من مارس سنة 1959 بحجز المبالغ المستحقة للشركة المدعية قبل مصالح الحكومة الاخرى وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذه مع المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة وقالت الشركة المدعية بيانا للدعوى انه فى أغسطس سنة 1952 رست عليها مناقصة توريد مواد كيماوية مختلفة كان من ضمنها 1500 كيلو زئبق معدن تجارى سعر الكيلو 1 جنيه و 600 مليما فقامت بتوريد جميع المواد التى رست عليها عدا مادة الزئبق اذ رغم الجهود الجبارة التى بذلتها لم تتمكن من توريد سوى 150 كيلو وتكبدت الشركة فى توريد هذه الكمية خسارة كبيرة. كما رست على الشركة فى أغسطس سنة 1954 مناقصة أخرى لتوريد 900 كيلو زئبق توخت فيها الشركة تدارك الموقف الذى نشأ عن عدم امكان توريد الكمية الاولى ورغم كل المحاولات التى بذلتها تعذر عليها التوريد وكل السبب فى ذلك هو نفاذ الزئبق من السوق المحلية نفاذا تاما. ولما اتجهت الشركة الى الاسواق الخارجية واتصلت بعدة شركات أجنبية لم تستطيع كذلك استيراد الكمية المتعاقد عليها بسبب اقبال الدول العظمى على شرائه لاستعماله فى صنع القنبلة الهيدروجينية وقد اتصلت مراقبة المعامل بالوزارة بوزارة التموين للتأكد من صدق ادعاء الشركة فأفادت وزارة التموين بأنه من المتعذر الحصول على كمية الزئبق المطلوبة. ولكن بالرغم من ذلك طالبت الوزارة الشركة بمبلغ 3788 جنيها و 892 مليما ولم تكتف بهذه المطالبة بل أصدرت قرارا بحجز أية مبالغ تكون مستحقة للشركة قبل مصالح الحكومة الاخرى. وهو قرار مخالف للقانون يحق للشركة طلب الغائه وقد ترتب عليه شل حركة الشركة ووقف أعمالها وقفا تاما مما يقتضى وقف تنفيذه. وأضافت الشركة المدعية فى مذكرتها المقدمة لجلسة 14 من يونيه سنة 1959 أمام محكمة القضاء الادارى. بأن الشركة بعد أن اطمأنت الى أن وزارة التربية والتعليم وقد شهد شاهد من أهلها بتعذر الحصول على أية كمية من الزئبق قد أعفتها من تعهدها. فوجئت بقرار الحجز مع انه لا يجوز لها أن تقدر من نفسها ولنفسها ما تراه من تعويض بتقريرها لاركانه وتقديرها لمقداره ثم تتخذ بمحض سلطتها وسائل الضغط لارغام المتعاقد معها على الوفاء بما تدعيه لنفسها. وأجابت وزارة التربية والتعليم على الدعوى بأنه بتاريخ 16 من أغسطس سنة 1952 تقدمت الشركة المدعية فى مناقصة توريد 1500 كيلو زئبق معدن تجارى سعر الكيلو 1 جنيه و 600 مليما وتم اخطارها بقبول عطائها فى هذه المناقصة. وقد قامت الشركة بتوريد 162 كيلو من الكمية المتعاقد عليها وتبقى 1338 كيلو امتنعت عن توريدها وفى 30 من نوفمبر سنة 1953 أرسلت الشركة كتابا الى ادارة التوريدات للمعامل بوزارة التربية والتعليم تطلب فيه اعفاءها من توريد الكمية الباقية لارتفاع أسعار الزئبق ارتفاعا كبيرا ولم تقبل ادارة التوريدات اعفاء الشركة من توريد باقى الكمية وأرسلت اليها فى 7 من ديسمبر سنة 1953 كتابا أبلغتها فيه ذلك وأعطتها فترة للبحث عن الزئبق فى السوق العالمية وبتاريخ 28 من مارس سنة 1954 تقدمت الشركة فى مناقصة توريد 500 كيلو زئبق بسعر 2 جنيه و 880 مليما للكيلو وتم اخطارها بقبول عطائها فى هذه المناقصة ولكن الشركة لم تورد شيئا من الكمية التى رسا عليها توريدها بتاريخ 28 من مارس سنة 1954 كما أنها لم تورد شيئا من الكمية الباقية من مناقصة 16 من اغسطس سنة 1952 فاضطرت ادارة التوريدات الى ارسال كتاب لها مؤرخ 8 من مايو سنة 1954 لاحاطتها بأنها ستقوم بتطبيق البند 53 من شروط التعاقد ولما كانت الشركة لم ترد على كتاب ادارة التوريدات سالف الذكر فقد أرسلت الادارة اليها كتابا آخر مؤرخا 21 من أغسطس سنة 1954 لسؤالها عن أسباب تأخرها فى توريد الاصناف الراسية عليها وعن الميعاد الذى ينتظر توريد هذه الاصناف فيه. فأرسلت الشركة فى 19 من فبراير سنة 1955 كتابا تشير فيه الى عدم امكانها التوريد وتطلب اعفاءها منه فيما يتعلق بالمناقصتين الراسيتين عليها فى 16 من يولية سنة 1952 و 28 من مارس سنة 1954 مع عدم توقيع غرامة عليها وعللت ذلك بارتفاع أسعار الزئبق ارتفاعا كبيرا بالنسبة للاسعار الراسية عليها نتيجة اقبال الدول العظمى على شرائه لاستعماله فى صنع القنبلة الهيدروجينية وعندما وضحت نية الشركة فى عدم التوريد تقدمت ادارة المعامل بمذكرة طلبت فيها الموافقة على شراء الصنف بالممارسة على حساب الشركة وتمت الموافقة على ذلك فى 12 من يونية سنة 1955 وبدأت اجراءات الممارسة فى 23 من يونية سنة 1955 وأثناء اجراءاتها تقدم مدير الشركة فى 9 من يولية سنة 1955 بطلب مهلة أسبوع من هذا التاريخ للاتصال بالمصادر المنتجة للزئبق فأجابته لجنة الممارسة الى طلبه ونبهت عليه بأن هذه المهلة هى آخر فرصة يمكن أن تعطى له ولكنه فى 12 من يولية سنة 1955 أنذر الوزارة ببطلان مرسى المزاد على الشركة الحاصل فى 16 من أغسطس سنة 1952 وفى 28 من مارس سنة 1954. وفى 18 يولية سنة 1955 أرسلت مراقبة المعامل بوزارة التربية والتعليم كتابا الى الشركة لانذارها بأنها اذا لم تقم بتوريد باقى كميات الزئبق فى مدة اسبوع من تاريخ الانذار فانها ستطبق عليها ما نصت عليه اللوائح المالية. ولما لم تحرك الشركة ساكنا قامت ادارة التوريدات لشئون المعامل باستطلاع رأى ادارة الشئون القانونية فى الموضوع. فأجابت بأنها ترى ان تتفق الوزارة مع الشركة على أن تتحمل الاخيرة جزءا من الخسارة وان يحدد هذا الجزء بالاتفاق بينهما. فأرسلت ادارة التوريدات كتابين الى الشركة فى 13 من نوفمبر و 5 من ديسمبر سنة 1955 للتفاهم مع مديرها. فحضر فى 17 من يناير سنة 1956 ورفض قبول تحمل أى جزء من الخسارة الناتجة من ارتفاع أسعار الزئبق. وازاء ذلك وافقت الوزارة بتاريخ 12 من مارس سنة 1956 على شراء كل الكمية المتبقية بدون توريد وقدرها 2238 كيلو بالممارسة. وقبلت الوزارة عرض شركة ترتيكس عن توريد 100 كيلو بسعر 4 جنيهات للكيلو الواحد وعرض الشركة البحرية التجارية المصرية عن توريد 2138 كيلو بسعر 4 ج و 50 م للكيلو الواحد. وقامت الشركة الاخيرة بالتوريد أما شركة تريتكس فلم تقم بتوريد كمية المائة كيلو. وعلى ذلك فان الفرق الذى يستحق على الشركة يبلغ 4214 ج و 100 م فاذا أضيفت اليه غرامة التأخير بواقع 4% والمصاريف الادارية بواقع 5 % تكون جملة المبالغ المستحقة على الشركة المدعية مبلغ 2614 ج و 132م. وذلك مع حفظ الحق فى مطالبة الشركة بمستحقات الوزارة عن المائة كيلو التى لم تقم بتوريدها شركة تريتكس. وقد لجأت الوزارة الى الشراء على حساب الشركة واقتضاء فرق الثمن وغرامة التأخير والمصاريف الادارية من مبالغ مستحقة للشركة لديها أو لدى أية وزارة أو مصلحة أخرى استنادا الى العقدين اللذين التزمت بهما الشركة فى مناقصة 16 من أغسطس سنة 1952 وفى مناقصة 28 من مارس سنة 1954 ثم استطردت الوزارة الى القول بأن الشراء على حساب المتعاقد المقصر فى عقود التوريد هو أحد جزاءات ثلاث أطلق عليها اسم وسائل الضغط. وقد نصت الفقرة ب من البند الثالث والخمسين من لائحة المخازن والمشتريات على هذا الجزاء كما نصت على أن ما ينتج من زيادة فى الثمن مضافا اليه المصاريف الادارية وما يستحق من غرامة عن مدة التأخير عن التوريد يصير خصمه من التأمين المودع من المتعهد عن العقد أو من أى مبلغ آخر يكون مستحقا له لدى المصلحة أو أية مصلحة أخرى ولا يكون للمتعهد الحق فى الاعتراض على المبلغ الذى تطالبه المصلحة به وهذا النص لا سبيل للشركة المدعية الافلات منه. أما ارتفاع الاسعار فليس سببا لامتناعها عن التوريد لان ارتفاع الاسعار ليس بالقوة القاهرة فمن شأن ارتفاع الاسعار انه قد يجعل ظروف التنفيذ مرهقة فقط ولا يجعلها مستحيلة. وكان على الشركة ان تواصل تنفيذ التزاماتها بتوريد الزئبق لان توقفها عن الوفاء بها حتى استنادا الى الظرف الطارئ يعرضها لتوقيع الجزاءات ومنها جزاء الشراء على حسابها وانتهت الوزارة لانه اذا كان قرار الشراء على حساب الشركة مشروعا وسليما فان قرار حجز المبالغ المستحقة للشركة هو الآخر مشروع وسليم. وبجلسة 13 من ديسمبر سنة 1959 قرر الحاضر عن الشركة المدعية ترك الخصومة فى طلب وقف التنفيذ وقصر طلباته على الموضوع. ثم قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى رأت فيه تطبيق نظرية الظروف الطارئة وان تحكم المحكمة بأن توزع بين الشركة والوزارة الخسارة المرهقة التى نشأت بسبب ارتفاع أسعار الزئبق ارتفاعا كبيرا فجائيا اثناء تنفيذ العقدين موضوع الدعوى واثبات اجراء المقاصة بين ما على الشركة المدعية وما لها من قبل وزارات الحكومة ومصالحها. وعقبت الشركة المدعية على تقرير هيئة مفوضى الدولة بأن تمسكت بأن هناك قوة قاهرة حالت دون قيام الشركة بتنفيذ التزامها بتوريد الزئبق، وطلبت أصليا الحكم بالغاء قرار الحجز واحتياطيا الحكم بعدم الاعتداد بالحجز. كما عقبت الوزارة بمذكرتها المقدمة لجلسة 13 من مارس سنة 1960 مدللة على عدم توافر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة لانه ينبغى ان يحدث الظرف الطارئ أثناء تنفيذ العقد فاذا كان تنفيذ العقد محددا بمدة معينة فانه ينبغى ان يحدث الظرف الطارئ أثناء هذه المدة، وبالنسبة للعقد الاول كانت المدة المحددة لتنفيذه خمسة شهور تبدأ فى 15 من ديسمبر سنة 1952 وتنتهى فى 14 من مايو سنة 1953 ومع ذلك لم تثر الشركة مسألة ارتفاع الاسعار الا فى 30 من نوفمبر سنة 1953 وكذلك بالنسبة للعقد الثانى لم تثر الشركة تلك المسألة الا بعد ما يقرب من ستة أشهر من انتهاء المدة المحددة لتنفيذه. وهذا فضلا عن ان الزيادة فى الاسعار ليس من شأنها أن تهدد المتعاقد مع الادارة بخسارة فادحة لا يستطيع تحملها. وفضلا عن انه كان من الميسور على الشركة توقع ارتفاع الاسعار وخصوما بالنسبة للعقد الثانى. ثم ان الارهاق للمتعاقد واختلال التوازن المالى للعقد لا يعفى المتعاقد من التوريد ولا يستطيع المتعاقد ان يحتج بنظرية الظروف الطارئة اذا توقف عن التنفيذ بغير موفقة الادارة. وانتهت الوزارة الى طلب الحكم فى الدعوى الاصلية برفضها وفى الدعوى الفرعية بالزام الشركة بدفع مبلغ 4614 ج و 132م والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء مع الزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 29 من مايو سنة 1960 قضت محكمة القضاء الادارى. أولا. فى الدعوى الاصلية باثبات ترك الشركة المدعية للخصومة فى طلب وقف التنفيذ وبعدم الاعتداد باجراء حجز المبالغ المستحقة للشركة الذى اتخذته الوزارة بكتابها المؤرخ 28 من مارس سنة 1959 والزام الوزارة المصروفات - ثانيا - فى الدعوى الفرعية بالزام الشركة بأن تدفع للوزارة المدعية مبلغ 850 ج و 557 م والمصروفات ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.
فبالنسبة للدعوى الاصلية أقامت المحكمة قضاءها على ان اجراء الحجز المطعون فيه قد اتخذته الوزارة استنادا الى الشروط التى تعاقدت عليها مع الشركة وهى مطابقة للشروط العامة للعطاءات ولاحكام لائحة المخازن والمشتريات فتكون الوزارة قد استغلت حقها الممنوح لها فى تقدير تعويضاتها قبل الشركة وخصمها من مستحقاتها. الا ان الوزارة قد تخلت عن هذا الحق ولجأت الى المحكمة فى دعواها الفرعية طالبة الحكم بمستحقاتها قبل الشركة مما يعتبر نزولا صريحا عما اتخذته بنفسها من اجراءات فى هذا الشأن.
وبالنسبة للدعوى الفرعية أقامت المحكمة قضاءها على ان ارتفاع أسعار الزئبق لا يعتبر قوة القاهرة مانعة من تنفيذ التعهد بالتوريد ولكنه يعتبر ظرفا طارئا لم يكن فى الحسبان عند التعاقد وقد ترتبت عليه زيادة أعباء الشركة بتحميلها خسائر فادحة الى حد الاخلال بتوازن العقد اخلالا جسيما وان مقتضى هذه النظرية الزام جهة الادارة بمشاركة الشركة فى هذه الخسارة ضمانا لتنفيذ العقد الادارى تنفيذا سليما ويستوى أن يحصل التنفيذ من الشركة نفسها أو تقوم به جهة الادارة نيابة عنها عند الشراء على حسابها كما ان تطبيق هذه النظرية لا يعفى الشركة من غرامة التأخير والمصاريف الادارية وفقا لاحكام لائحة المخازن والمشتريات وانه يجب أن يؤخذ فى الاعتبار عند توزيع الخسارة بين الشركة والوزارة الظروف التى أبرم فيها العقدان من ارتفاع مفاجئ فى اسعار الزئبق بسبب تهافت الدول الكبرى على شرائه واستمرار هذا الارتفاع طوال مدة التنفيذ. وما بذلته الشركة من محاولات للحصول على الزئبق بثمن محتمل وطلباتها المتعددة لاعفائها من التوريد وقيام الحكومة نيابة عنها بالشراء على حسابها بعد انتظار طويل حتى بلغت الاسعار أقصاها فى الارتفاع. وانه لذلك يكون نصيب الشركة فى الفرق بمقدار الربع تضاف الى غرامة التأخير والمصاريف الادارية ويخصم من هذا المجموع مبلغ التأمين المدفوع من الشركة لانه لا يجوز الجمع بين الشراء على الحساب ومصادرة التأمين. مع رفض طلب الفوائد لان المبلغ المحكوم به تعويض.
ومن حيث ان الطعن يقوم على ان توجيه الدعوى الفرعية الى الشركة المطعون ضدها لا يمكن ان يعتبر تنازلا صريحا بل ولا تنازلا ضمنيا عن حق مخول للوزارة بمقتضى نصوص العقد وتكفى الاشارة الى أن الوزارة فى مذكرتها التى تقدمت بها بجلسة 13 من مارس سنة 1960 تمسكت بهذا الحق بصورة لا يمكن القول معها ان الوزارة تنازلت عن حقها تنازلا صريحا. وهذه المذكرة هى نفسها التى وجهت فيها الوزارة الى الشركة دعواها الفرعية. وقيام الوزارة بخصم مستحقاتها مما قد يكون مستحقا للمتعاقد معها لديها أو لدى أية جهة حكومة أخرى لا يمنع من اثارة النزاع فى شأن هذه المستحقات فاذا رأت الوزارة أن ترفع دعواها الى القضاء لتحصل على حكم يقضى على كل منازعة مستقبلة فى شأن هذه المستحقات. فانه لا يجوز ان يفسر تصرفها هذا بأنه تنازل صريح عن حق مخول لها بمقتضى العقد ويستند الى أحكام لائحة المخازن والمشتريات كما يقوم الطعن على عدم توافر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة مرددا دفاع الوزارة أمام محكمة القضاء الادارى. وعلى ان رفض الحكم بالفوائد خطأ فى تطبيق القانون.
ومن حيث ان الشركة المدعية قدمت بجلسة 21 من ابريل سنة 1962 أمام هذه المحكمة حافظة مستندات احتوت على صورة كتاب مؤرخ فى 20 من أغسطس سنة 1960 مرسل من الشركة الى السيد سكرتير عام وزارة التربية والتعليم يفيد ارسال شيك رقم 140139 بمبلغ 1000 جنيه لصالح الوزارة وان هذا الشيك بالاضافة الى المبلغ المحجوز تحت يد جامعة عين شمس وقدره 2788 ج و 892 م يكون المجموع مبلغ 3788 ج و 892 م. ولذلك طلبت الشركة رفع الحجز المتوقع على جميع استحقاقاتها لدى وزارات الحكومة ومصالحها عدا المبلغ المحجوز تحت يد جامعة عين شمس كما احتوت على صورة كتاب مؤرخ 13 من سبتمبر سنة 1960 مرسل من الشركة الى السيد مدير ادارة التوريدات بوزارة التربية والتعليم يفيد ارسال الشيك رقم 140141 بمبلغ 2788 ج و 892 م الباقى من المبلغ موضوع النزاع. ولذلك طلبت الشركة رفع الحجز على جميع استحقاقاتها لدى وزارات الحكومة ومصالحها.
ومن حيث ان وزارة التربية والتعليم عقبت على هذه الحافظة فقررت ان المراقبة العامة للحسابات بالوزارة تسلمت الشيكين لتعلية قيمتهما بالامانات لحين البت فى الدعوى كما وافقت الوزارة على رفع الحجز الادارى الموقع على مستحقات الشركة قبل الوزارات والمصالح وأخطرت هذه الجهات فى 12 من اكتوبر سنة 1960 برفع الحجز ثم استدركت الوزارة فقالت ان المبالغ التى أرسلتها الشركة أنما أرسلت لتعليتها بالامانات لحين الفصل فى الدعوى وبغرض رفع الحجز ولذلك يكون من حق الوزارة ما دامت هذه المبالغ لم تسدد لها حتى الآن ان يحكم لها بالمبالغ التى تطالب بها هذا فضلا عن ان تقديم هذه الشيكات للجهة الادارية دليل على أحقيتها فى المبالغ المطالب بها.
ومن حيث انه بالنسبة للدعوى الاصلية فانه وان كان الحكم المطعون فيه قد أصاب اذ قرر ان الحجز الذى أوقعته الوزارة قد وقع بالتطبيق للشروط التى تعاقدت عليها مع الشركة ولاحكام لائحة المخازن والمشتريات فتكون الوزارة قد استعلمت حقها الممنوح لها فى تقدير تعويضاتها قبل الشركة وخصمها من مستحقاتها. الا ان الحكم قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه اذ قرر ان الوزارة قد نزلت عن هذا الحق نزولا صريحا بالتجائها الى القضاء واقامتها الدعوى الفرعية طالبة الحكم بمستحقاتها قبل الشركة، ذلك ان هذا الفهم لا يستقيم مع تمسك الوزارة بالحجز فى مذكرتها التى تقدمت بها بجلسة 13 من مارس سنة 1960 وهى المذكرة ذاتها التى وجهت فيها الوزارة الدعوى الفرعية الى الشركة وهى الدعوى الفرعية التى لم تقصد بها الوزارة الا أن تحسم النزاع فى المستقبل فيما قدرته من تعويض. ومن ثم فانه ما كان يصح القضاء بعدم الاعتداد بالحجز على هذا الاساس. ويتعين لذلك القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم الاعتداد بالحجز. بيد انه اذ قامت الوزارة فى 12 من اكتوبر سنة 1960 برفع الحجز على اثر تقديم الشركة شيكين - بعد الطعن فى الحكم - بمبلغين يساوى مجموعها المبلغ المحجوز من أجله. فانه لا مناص من الحكم باعتبار الخصومة منتهية فى موضوع الحجز مع الزام الشركة المدعية بالمصروفات. لان الوزارة كانت على حق فى توقيع الحجز. وتأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به من اثبات ترك الشركة للخصومة فى طلب وقف التنفيذ.
ومن حيث انه بالنسبة للدعوى الفرعية، فان الحكم المطعون فيه فى محله للاسباب التى بنى عليها والتى تأخذ بها هذه المحكمة فيما يتعلق بتوافر شروط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة وتوزيع التبعة بين الشركة والوزارة وتضيف اليها ان ما ينعاه الطعن من الحادث الطارئ لم يقع أثناء المدة المحددة فى العقد للتنفيذ مع وجود ذلك ومن ان الحادث الطارئ كان متوقعا بالنسبة للعقد الثانى. ومن ان الشركة قد توقفت عن التنفيذ وهى لا تستطيع أن تحتج بنظرية الحوادث الطارئة اذا هى توقفت عن التنفيذ دون موافقة الوزارة. هذا الذى ينعاه الطعن مردود بأن الوزارة كانت قد وافقت على امتداد المدة المحددة فى العقد للتنفيذ ووقع الحادث الطارئ خلال الامتداد الذى سبق أن وافقت عليه الوزارة، فحكمه حكم المدة المحددة فى العقد. ثم ان الارتفاع الباهظ فى اسعار الزئبق - ان صح انه كان متوقعا بالنسبة للعقد الثانى - فان مدى هذا الارتفاع لم يكن فى الوسع توقعه بالنسبة لذلك العقد. فقد كان السعر وقت التعاقد بالنسبة للعقد الاول 1 ج و 600 م للكيلو فأصبح وقت التعاقد بالنسبة للعقد الثانى 2 ج و 880 م ثم أصبح وقت الشراء على حساب الشركة المدعية 4 ج و 50 م وأخيرا فان الشركة وان كانت قد توقفت عن التنفيذ بنفسها الا أن الوزارة قد قامت بالشراء على حسابها. ومن مقتضى هذا الشراء على حسابها عدم انهاء الرابطة العقدية واستمرار العقد منتجا لآثاره واعتبار الشركة هى المسئولة أمام الوزارة عن عملية الشراء فالشركة تعتبر من الناحية القانونية قد واصلت التنفيذ فيقع على عاتقها غرامة التأخير والمصاريف الادارية التى تكبدتها الوزارة فى عملية الشراء.
ومن حيث انه عن طلب الفوائد فان الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه اذ قضى برفض هذا الطلب على أساس ان المبلغ المحكوم به تعويض، ذلك ان الفوائد المطلوبة هى فوائد تأخيرية عن مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب وتأخرت الشركة المدعى عليها فى الوفاء به فستحق الوزارة الفوائد القانونية بالتطبيق للمادة 226 من القانون المدنى من تاريخ المطالبة القضائية بها، والضرر مفترض فى هذه الحالة بحكم القانون وفقا للمادة 228 من القانون المدنى ومن ثم يتعين القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب الفوائد وبالزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للوزارة المدعية الفوائد القانونية بواقع 4% سنويا عن مبلغ 850 ج و 557 م من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 13 من مارس سنة 1960 لغاية 18 من أغسطس سنة 1960 تاريخ الشيك رقم 140139 الذى قدمت الشركة المدعى عليها الى الوزارة بقبول الدفع من البنك الاهلى التجارى السعودى بمبلغ 1000 جنيه مع الزام الشركة المدعى عليها بالمصروفات المناسبة لهذا الطلب. وتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه (أولا) بالنسبة للدعوى الاصلية بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم الاعتداد بالحجز وباعتبار الخصومة منتهية فى موضوع الحجز والزام الشركة المدعية بالمصروفات وبتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك.
(ثانيا) بالنسبة للدعوى الفرعية بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب الفوائد وبالزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للوزارة المدعية الفوائد القانونية بواقع 4% سنويا عن مبلغ 850 ج و 557 م من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 13 من مارس سنة 1960 لغاية 18 من أغسطس سنة 1960 مع المصروفات المناسبة لهذا الطلب وتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك.