مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ1110

(103)
جلسة 23 من يونية سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضية رقم 2038 لسنة 6 القضائية

( أ ) عقد ادارى - مرفق التموين - عقد مساهمة اصحاب المطاحن فى تسيير هذا المرفق - الالتزمات التى يلقيها على عاتقهم - توزيع وزارة التموين القمح على أساس ثلثى الكمية من النوع الهندى والثلث من النوع البلدى - نظام داخلى بحت، غير مقرر فى العقد وغير ملزم لاصحاب المطاحن بالخلط على أساس هذه النسبة - لا يغير من هذا الحكم استفادة علمهم بهذا النظام من تقديم كبارهم شكاوى فى شأن نسبة خلط القمح أو تحديد سعر الدقيق أو اشتراكهم فى المراحل التمهيدية والاعمال التحضيرية لتسعيره، أو علمهم بالاسس التى قام عليها هذا التسعير - لا محل للقول بحصولهم على أرباح غير مشروعة باستخدامهم قمحا بلديا زيادة على النسبة المذكورة - أساس ذلك.
(ب) عقد ادارى - تفسيره - قاعدة الاستهداء فى تعرف النية المشتركة للمتعاقدين المنصوص عليها فى المادة 150 من القانون المدنى - غير ملزمة للمحكمة - مثال.
1 - بالرجوع الى التشريعات التموينية المنظمة وهى الامر العسكرى رقم 274 لسنة 1942 بشأن بيع الدقيق والخبز والامر رقم 399 لسنة 1943 بتنظيم استخراج وصناعة الدقيق والخبز ثم الامر رقم 458 لسنة 1944 الذى حل محله والقرارات الوزارية الخاصة بتحديد شروط ومواصفات الدقيق يبين أن أحكام العقد الادارى الذى بمقتضاه قبل أصحاب المطاحن المساهمة فى تسيير مرافق التموين بتحصل فى أن يؤدوا ثمن ما يتسلمونه من قمح بالسعر الجبرى المحدد له أيا كان نوع القمح المسلم اليهم هنديا أو بلديا ثم يقوموا بطحنه وخلطه بدقيق الحبوب الاخرى حيث توجب الاوامر والقرارات ذلك ثم بيع الدقيق الناتج بموجب أذونات تصدر من وزارة التموين وبالاسعار المحددة له ويلتزم أصحاب المطاحن بعدم التصرف فى أية حبة من القمح المسلم لهم وبطحنه كله بعدم التصرف فى أية ذرة من الدقيق وببيعه كله لمن تعينهم الوزارة بمقتضى أذونات تصدرها وبالسعر المحدد.
واذا كانت الوزارة قد وضعت نظاما من مقتضاه ان يصرف القمح لكل مطحن على أساس ثلثى الكمية من النوع الهندى والثلث من النوع البلدى ألا أنه ليس فى الاوراق ما يفيد أنه قد صدر بهذا النظام أمر عسكرى أو قرار لائحى فلا يعدو النظام المذكور أن يكون نظاما داخليا بحتا قصد به تحقيق المساواة بين أصحاب المطاحن فى الحصول على نسب متساوية من نوعى القمح ولكن الوزارة لم تتمكن من تنفيذ هذا النظام بالنسبة الى كثير من المطاحن لعدم توافر نوعى القمح بالنسبة المذكورة فى كثير من المناطق كما أن صعوبات النقل حالت دون توفيرها وليس من شأن النظام المذكور أن يضع على عاتق أصحاب المطاحن التزاما بخلط القمح بسبة الثلثين والثلث بل يقع عبء تنفيذه على الوزارة وحدها اذ هى التى تحدد لاصحاب المطاحن كميات ونوع القمح الذى يسلم اليهم ويقتصر التزامهم على طحن ما تأذن الوزارة بتسليمه اليهم من القمح أيا كان نوعه أو نسبته، فاذا خولف هذا النظام فان المخالفة تكون قد وقعت من الوزارة وليس من أصحاب المطاحن، فلا يحق لها ان تؤسس دعواها على نظام هى التى خالفته خصوصا وانه ليس فى الاوراق ما يفيد انها كانت تتحفظ أو تشترط أى شرط عند تسليم قمح الى الطاحن تزيد نسبة النوع البلدى قيمة الثلث هذا واستناد الوزارة فى اثبات علم أصحاب المطاحن بأن أسعار الدقيق خلال الفترة من أول يونية سنة 1944 الى آخر فبراير سنة 1945 قد بنى تحديدها على أساس الاسعار المحددة لكل من نوعى القمح الهندى والبلدى وعلى أساس استخدام خليط من النوعين فى انتاج الدقيق بالنسبة المشار اليها - تستند فى اثبات ذلك الى الشكاوى والطلبات التى قدمت من بعض كبار أصحاب المطاحن والى الاعمال التحضيرية لتسعير الدقيق... والمستفاد مما قرره مندوب اتحاد الصناعات بمحضر المناقشة المؤرخ 14/ 6/ 1959 فى الدعوى رقم 705 لسنة 10 القضائية المماثلة لهذه الدعوى، ومما قدمه فى تلك الدعوى فى مستندات انه قبل فبراير سنة 1951 لم تكن هناك رابطة أو هيئة تمثل أصحاب المطاحن وتملك التحدث باسمهم، ومفاد ذلك أن أصحاب المطاحن الذين تقدموا الى الوزارة قبل آخر فبراير سنة 1945 (نهاية الفترة موضوع هذه الدعوى) بطلبات أو شكاوى فى شأن نسبة خلط القمح أو تحديد سعر الدقيق لا يمثلون أصحاب المطاحن ولا ينوبون عنهم نيابة قانونية وأنهم تقدموا الى الوزارة باعتبارهم من كبار أصحاب المطاحن لو فرض أنهم يعلمون بنسبة خلط نوعى القمح وبأن سعر الدقيق قد حدد على أساس كمية الخلط بهذه النسبة، فان ذلك ليس معناه أن غيرهم من أصحاب المطاحن ومنهم المدعى قد علموا بهذا الاساس أو انهم التزموا برد فروق الاسعار الى الوزارة فى حالة استلامهم قمحا بلديا يزيد على نسبة الثلث... ولا مقنع فى القول بأن أصحاب المطاحن قد اشتركوا فى المراحل التمهيدية والاعمال التحضيرية لتسعير الدقيق أو أنهم يعلمون بالاسس التى قام عليها هذا التسعير، ذلك لان التسعير الجبرى لا ينطبق على أصحاب المطاحن وحدهم، وانما يسر على الكافة فلا يتصور اشتراك أصحاب المطاحن فى وضع هذا التسعير، كما لا يجوز افتراض علمهم بأسسه ما دام ان الاعمال التحضيرية أو التمهيدية له تظل محفوظة فى ملف الوزارة - ولا تنشر على الكافة... والربح الذى يجوز لصاحب المطحن الحصول عليه وفقا لاحكام العقد الادارى الذى يحكم علاقته بالوزارة محدودة فى نطاق الفرق بين الثمن الذى يؤديه للقمح الذى يسلم اليه بالسعر الرسمى وبين الثمن الذى يحصل عليه من بيع الدقيق وباقى توابع الطحن بالسعر الرسمى وتراعى الوزارة فى تحديد سعر كل من القمح والدقيق ان يكون هناك فرق معقول بين المبلغ الذى يؤديه صاحب المطحن ثمنا للقمح وبين المبالغ الذى يحصل عليه من بيع الدقيق الناتج منه بحيث يكفل هذا الفرق حصول صاحب المطحن على نفقات الطحن مضافا اليه الربح المرخص له فى الحصول عليه.. ومتى ثبت ان صاحب المطحن قد قام بأداء ثمن القمح الذى سلم اليه بالسعر الرسمى المحدد له وباع الدقيق وباقى توابع الطحن بالاسعار الرسمية المحددة لها، فانه يكون قد نفذ التزاماته التعاقدية ولم يجاوز القدر الجائز حصوله عليه من الربح ما دام انه لم يطرأ تعديل على الاسعار الرسمية المحددة لكل من القمح والدقيق أثناء عملية الطحن وبيع الدقيق، ولا يكون من حق الوزارة مطالبته بفروق استنادا الى عدم تمكنها من تسليمه القمح بنوعيه الهندى والبلدى بالنسبة التى راعتها عند تسعير الدقيق ذلك لانه أيا كان أثر العقد الاداى الذى يحكم علاقتها بصاحب المطحن فى شأن نقل ملكية القمح والدقيق فانه ليس من بين أحكام هذا العقد كما سبق البيان ما يلزم صاحب المطحن بمراعاة نسبة معينة فى خلط القمح، بل كل ما يلتزم به هو طحن جميع القمح الذى يسلم اليه أيا كان نوعه وعدم التصرف فى الدقيق الا بترخيص من الوزارة أو بيعه الى من تعينهم بمقتضى الاذونات التى تصدرها بالسعر المحدد ولا أساس بعد ذلك للقول بأن استخدام أصحاب المطاحن قمحا بلديا زيادة على النسبة المقررة يجعلهم يحققون أرباحا غير مشروعة... لذلك تكون الوزارة على غير حق فى مطالبة المدعى عليه بالفرق بين سعر القمح الهندى وسعر القمح البلدى عن كمية القمح التى تقول بأنه استخدمها فى انتاج الدقيق زيادة عن النسبة المقررة طالما هى لم تنسب اليه أية مخالفة لاحكام العقد الادارى الذى يحكم العلاقة بينهما.
2 - ان الاستهداء فى تعرف النية المشتركة للمتعاقدين بطبيعة التعاقد وبما ينبغى أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف التجارى فى المعاملات (المادة 150 مدنى) ليس بقاعدة ملزمة للمحكمة وانما تستأنس بها وهى فى حل من الا تتبعها اذا رأت أن اتباعها غير ذى جدوى فى الوصول الى تعرف نية المتعاقدين. أما الشكايات والطلبات التى تريد الوزارة ان تستخلص منها على جميع أصحاب المطاحن المتعاقدين بأسس التسعيرة وبالتالى استخلاص التزمهم برد الفروق فى حالة زيادة نسبة القمح البلدى فى الخلط - هذه الشكايات والطلبات مقدمة من بعض كبار أصحاب المطاحن وهؤلاء لا يمثلون جمهرة أصحاب المطاحن المتعاقدين ولا ينوبون عنهم نيابة قانونية، ومن ثم فان نسبة صدور الشكايات والطلبات المذكورة الى جميع أصحاب المطاحن المتعاقدين ليس له واقع ثابت من أصل موجود فعلا، واذا كان ذلك فلا يجدى أن تتبع فى شأن الشكايات والطلبات المشار اليها قاعدة التفسير سالفة الذكر لانها لا تؤدى الى تعرف نية جميع أصحاب المطاحن المتعاقدين.


اجراءات الطعن

فى 21 من يولية سنة 1960 أودع السيد رئيس ادارة القضايا بصفته المذكورة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن فى الحكم الصادر بجلسة 29/ 5/ 1960 فى القضية رقم 195 لسنة 10 القضائية المقامة من وزارة التموين ضد السيد/ حسنى حسن دياب والقاضى برفض الدعوى والزام الوزارة المدعية المصروفات. وطلب السيد رئيس ادارة القضايا للاسباب التى أوردها فى صحيفة الطعن "قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه، وبالزام المطعون ضده بأن يدفع للسيد الطاعن بصفته مبلغ 190 مليما و 316 جنيها وفوائده القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية والمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة" وقد أعلن هذا الطعن للطرفين وحد لنظره جلسة 31/ 3/ 1962 أمام دائرة فحص الطعون التى أحالته الى المحكمة الادارية العليا بجلسة 26/ 5/ 1962 وفيها سمعت هذه المحكمة ما رأت لزوم سماعه من ايضاحات وبيانات ثم ارجأت النطق بالحكم فيه لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الاوراق - تتلخص فى أن وزارة التموين أقامت هذه الدعوى فى 19 من اكتوبر سنة 1955 طلبت فيها الحكم بالزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 190م و316 ج والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية والمصروفات القضائية ومقابل اتعاب المحاماة، وقالت الوزارة فى بيان دعواها "ان سياسة الحكومة التموينية تقوم على توفير المواد الغذائية للبلاد بأسعار تتلاءم مع طاقة المستهلكين، ومن أهم ما تعنى به الوزارة تنظيم توزيع الناتج من القمح دقيقا أو خبزا لافراد الشعب فقد كان ازدياد عدد السكان المتواصل وعجز الاراضى المزرعة عن انتاج كميات القمح اللازمة لسد حاجتهم دافعا للحكومة على علاج الامر بصورة حاسمة سريعة فعملت على ضمان تموين البلاد بالقمح من جهة، وعلى تنظيم طحنه وخبزه وتوزيعه على مستهلكيه من جهة أخرى... وقد تطلب منها ذلك تضحيات ضخمة فى ميزانيتها فقد استولت على القمح المحلى بسعر معتدل واستوردت كميات ضخمة من الخارج بأسعار مرتفعة وتحملت فى هذا وذاك عدة ملايين من الجنيهات تراوحت سنويا بين 12 و 13 مليونا من الجنيهات فى سبيل توصيل رغيف الخبز الى عامة مستهلكيه بأدنى سعر ممكن اذ كانت تسلم أردب القمح بأقل من سعر التكلفة... وقد اقتضت سياسة الرغيف هذه انشاء نظام لها قائم بذاته يضبط أحكامها، فأصدرت الحكومة التشريعات واللوائح والقرارت اللازمة المؤدية الى تحقيق تلك المصلحة العامة على أكمل وجه، وكان من شأن هذا النظام ضبط كل جزئية من جزئياته سواء فى أسعار الشراء أو البيع أو فى التوزيع أو مواصفات الطحن أو شرائط خبز الرغيف أو نسبة الربح الى غير ذلك مما جعل كل خطوة من خطواته تحت اشراف الدولة ومراقباتها... وقد استعملت السلطة العامة فى سبيل تنفيذ أغراضها التموينية فى هذا الخصوص الوسائل الآتية:
1 - ففى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 حظرت على أصحاب المطاحن والمخابز وغيرهم أن يستخرجوا ويعرضوا للبيع أو يحروزا بأية صفة كانت بدون ترخيص دقيقا غير الدقيق المطابق للمواصفات والشروط التى يحددها وزير التموين بقرار يصدره بموافقة لجنة التموين العليا كما حظرت فى هذا المرسوم بقانون على أصحاب المطاحن ومديريها المسئولين أن يبيعوا أو يسلموا على أى وجه كان أية كمية من مقادير القمح على أنه يجوز لهم بيع الدقيق الناتج باذونات تصدر لهذا الغرض من وزارة التموين وفروعها.
2 - صدر القرار الوزارى رقم 417 لسنة 1941 بكفالة تنظيم عمليات المطاحن والتزاماتها القانونية وذلك بالزام اصحابها بوجود سجلات خاصة لديهم لكل نوع من انواع الحبوب طبقا لنموذج معين لاثبات مقادير الحبوب التى ترد الى المطاحن يوميا كما ألزمهم بأن يكون لديهم سجل آخر خاص مطابق لنموذج معين تقيد به حركة الحبوب الواردة للمطحن، والمطحون منها وحركة الدقيق والزوائد الناتجة والتصرف فيها لاصحاب الاذون والمأخوذة على المطحن من الوزارة، وسجلا ثالثا يقيد به أسماء أصحاب هذه الاذون وارقامها والكميات المسلمة اليهم، كما ألزامهم بأن يرسلوا الى الوزارة شهريا بيانا بحركة المطحن وذلك كله خلاف حق موظفى الوزارة فى مراقبة المطحن وسجلاته.
3 - ثم صدر القرار رقم 259 لسنة 1947 بالحظر على اصحاب المطاحن المخصصة للتموين ومديريها ان يتصرفوا على أى وجه فى الدقيق الناتج من الحبوب المسلمة اليهم بغير الاذونات التى تصدرها الوزارة لهذا الغرض. وقد تعدل هذا القرار رقم 104 لسنة 1954 بالحظر على أصحاب المطاحن التى تصرف لهم حبوب باذون من التموين والمسئولين عن ادارتها ان يقوموا بالطحن لحساب الاهالى بغير ترخيص من وزارة التموين. فهناك اذن حظر عام مطلق على صاحب المطحن فى التصرف فى أية حبة من حبات القمح وأية كمية من الدقيق الا طبقا للاسعار المحددة منها وبالمواصفات المقررة له وللاشخاص المعينين فيها والحكومة فوق ذلك كله تراقب المطحن لضمان تنفيذ أوامرها واغراضها العامة وهدفها فى التموين على أكمل وجه، ومن هذا يتضح ان الحكومة انما تفرض ارادتها الملزمة بصفتها سلطة عامة فهنا يحكم القانون العام وحده العلاقة بين الحكومة وبين أصحاب المطاحن، فيصبح المقرر فى مركز أدنى من مركز الدولة اذ هو يمثل نفسه فى حين انها تمثل الجماعة فالمصلحة العامة هى السبب المباشر فى الاتفاق اذ أن فيصل التفرقة بين العلاقة القانونية المدنية والعلاقة القانونية الادارية هو فى نشاط الجهة الادارية لسلطة عامة واستعمالها أحكامها ووسائل ضغط وتنفيذ مباشر لا تحتملها قواعد القانون الخاص. فكل اخلال بهذا الشرط الوضعى انما هو اخلال من صاحب المطحن بالتزاماته قبل الحكومة فى سياستها التموينية العامة التى قام على اساسها ذلك الاتفاق وسببه الوحيد هو الهدف العام الذى تخسر الدولة من أجله الملايين من الجنيهات سنويا وذلك الهدف هو تموين البلاد بالدقيق وتوصيل رغيف الخبز الى مستهلكه بالسعر الذى قبلت الدولة تلك الخسارة الحسية من أجله وحددت تلك النسب على اساسه. أما دور صاحب المطحن فى ذلك كله فهو قاصر على طحن القمح طبقا للمعادلات والمواصفات المحددة له مقابل اجر محدد صريح، فوظيفة المطحن اذن قاصرة على طحن ما يتسلمه من حبوب بمقابل يشمل أجرة الطحن ومصروفات تشوين القمح فى شونة المطحن مضافا اليها مقابل استهلاك أدوات المطحن، وتراعى وزارة التموين أن المبالغ المكونة لهذا المقابل مضافة الى المبلغ الذى يدفعه صاحب المطحن الى بنك التسليف هو مجموع ما يستولى عليه صاحب المطحن من المستهلكين ثمنا للناتج من طحن القمح وهو الدقيق الصافى والنخالة الناعمة والنخالة الخشنة، وتجرى وزارة التموين تسعير مفردات الدقيق الناتج تسعيرا جبريا عند توزيعه بمعرفة المطحن على المستهلكين سواء كانوا من اصحاب المخابز أو من الافراد العادين وفى سبيل تنظيم هذه العملية وضبطها، تقدر وزارة التموين الناتج من عملية الطحن بحسب الاختبارات الفنية التى تجريها على عينات القمح بأن الناتج من الدقيق الصافى هو "أ" والباقى من الانواع الاخرى. وفى سبيل ذلك أيضا أصدرت الوزارة أوامر عسكرية حينا وقرارات وزارية حينا آخر بحسب الاحوال وتنفيذا للقوانين فأوجبت على اصحاب المطاحن امساك دفاتر خاصة لاثبات الوارد اليها من القمح وما تجرى طحنه فعلا ومقدار ما ينتج من الدقيق والانواع الاخرى وطريقة توزيعه على المخابز والمستهلكين وبيان التصاريح التى أجرى على اساسها هذا التوزيع وهى تستهدف بذلك عدم تسرب شىء من هذا القمح أو من الدقيق الناتج منه الى السوق السوداء. كما فرضت عقوبات صارمة على كل مخالفة لهذا التنظيم، وفى نفس الوقت أصدرت قوانين وقرارات منفذة لها فيما يتعلق بأصحاب المخابز وما يوزع عليهم من الدقيق لصناعته خبزا بوزن معين لكل رغيف بحيث يباع فى السوق بثمن محدد بطريق التسعير الجبرى وأوجبت عليهم كذلك امساك دفاتر خاصة لهذه العملية وفرضت عقوبات على كل مخالفة لهذا التنظيم، وهدفها من ذلك هو الصالح العام بحيث يصل الخبز الى يد المستهلك بالثمن الذى حدد بطريقة التسعير الجبرى. فيد صاحب المطحن على القمح والدقيق ما هى فى الواقع الا يد قاصرة على تحويل القمح الى دقيق وصرف ذلك الدقيق الى أربابه بأذونات من الحكومة بالاسعار التى حددتها وهو يدفع مقابله للحكومة تأمينا مقدما سيصرفه بعد ذلك عن طريق الاذونات. والعلاقة ما بين الحكومة وبين صاحب المطحن هى عقد ادارى لا شك فيه يقوم على تكليف الملتزم بأداء عمل معين خدمة للمرفق العام الذى تتولاه جهة الادارة، وعلى هذا اذا اعترى المطحن أى اخلال فى النسب التى التزم بها صاحب المطحن قبل الحكومة فجنى منها ربحا ادخله فى ذمته اعتبر ذلك خروجا منه على قواعد وشروط واحكام التزامه قبل الحكومة بل خروج منه على مجال العقد وطبيعته، وكان للحكومة الحق فى الحكم لها بقدر ما جناه صاحب المطحن بالمخالفة لشروط الاتفاق. ولما كانت وزارة التموين تقوم بجرد عمليات الطحن فى كل مطحن وفقا للقوانين والقرارات السابقة ومراجعة الدفاتر الخاصة بها للتحقق من سلامة العملية فتكون النتيجة اما مطابقة الانتاج لما هو مقرر واما زيادة الانتاج وذلك فى حالة زيادة الناتج الفعلى عما كان مقدرا انتاجه بحسب القرارات المنظمة للعملية وأما وجود عجز فى الانتاج ذلك فى حالة نقص الكمية المقيدة فى دفاتر المطحن على الناتج من الطحن عن الكمية التى كان يجب انتاجها فعلا طبقا للمعدلات المقررة قانونا - ووظيفة المطحن والحالة هذه - هى طحن ما يسلم اليه من حبوب التموين فى مقابل أجر محدد يحقق له ربحا مقررا، وفى المناسبات المختلفة تقوم الوزارة - وفقا للسياسة التموينية - بتعديل أسعار الحبوب بالزيادة أو الخفض وفى كلتا الحالتين تشكل لجان من موظفى الوزارة لجرد موجودات المطاحن فى تاريخ التعفيل ورصد النتائج فى محاضر جرد يوقع عليها من المسئولين عن ادارة المطحن لتمثل سند الكمية التى تقوم الوزارة على اساسها بحساب فروق اسعار الكميات التى تم جردها وهذه الفروق تمثل دينا مستحقا للوزارة فى ذمة المطحن فى حالة ما اذا كان التعديل بالزيادة وذلك حتى لا يتحقق للمطحن نتيجة لرفع الاسعار الجبرية أية أرباح اضافية غير مشروعة - كم تحتسب هذه الفروق لصالح المطحن فى حالة تعديل الاسعار بالخفض وذلك حتى لا يتعرض المطحن لخسارة محققة نتيجة لخفض تلك الاسعار، وسند المطالبة القانونى يتمثل فى قرارات تعديل الاسعار الجبرية - وفى 18/ 5/ 1944 حددت الوزارة سعر أردب القمح الهندى بمبلغ 4 جنيهات وأردت القمح البلدى بمبلغ 800 م و3 ج وحدد سعر الدقيق الناتج منها للشوال زنة 80 أقة قائم بمبلغ 35م و3 ج على أساس ان متوسط سعر اردب القمح 943 م و2 ج باعتبار ان الثلثين من القمح الهندى والثلث من البلدى أى انه روعى فى تسعير الدقيق متوسط سعر أردب القمح بنوعيه الهندى والبلدى بواقع الثلثين من الاول والثلث من الثانى... فاذا تعذر صرف الحبوب وفقا لنسبة الخلط الوارد ذكرها. فان المطحن الذى استخدام قمحا هنديا يزيد عن الثلثين يكون قد تعرض لخسارة مقدارها فرق سعر النوعين ويصرف له ما يقابلها تعويضا عما لحقه من خسارة، وان المطحن الذى استخدام قمحا بلديا وزيادة عن الثلث يكون قد حقق ربحا اضافيا غير مشروع مقداره فرق سعر النوعين اذ ليس من حقه الحصول على ما يزيد على الربح المقرر له نتيجة لعدم امكان المحافظة على صرف القمح بنوعيه بالنسبة المحددة والتى بنى على اساسها سعر بيع الدقيق - وعلى ضوء ما تقدم ذكره فان المدعى وقد تسلم خلال الفترة من 1/ 6/ 1944 الى 28/ 3/ 1945 طبقا لكشوف الحصر الواردة الى الوزارة من بنكى مصر والتسليف الزراعى والتعاونى 6 كيلة بلدى و234 اردبا هندى و8 كيلة و2488 اردبا بلدى فان المطحن يكون قد قام بطحن 2 كيلة و2733 أردبا قمحا، وتطبيقا للنسبة المقررة لخلط نوعى القمح الهندى والبلدى وقد كان الواجب استخدامه من القمح البلدى من هذه الكمية هو 5 قدح و8 كيلة و908 اردب ولكن الذى استخدم فعلا فى الطحن من هذا الصنف بلغ مقداره 8 كيلة و2488 اردب وبالتالى يكون المطحن قد استخدم قمحا بلديا زيادة عن الثلث المقرر بمقدار 3 قدح و11 كيلة و1580 أردب وللفرق بين سعر النوعين هو 200 مليم وبالتالى قد حقق المطحن ربحا اضافيا غير مشروع قيمته 190 م و316 ج ترتب فى ذمته للوزارة علما بأن نسبة الخلط هذه قد اتبعت اصلا من أصحاب المطاحن فى 4/ 12/ 1940 وأقرتها لجنة التسعيرة المركزية بحضور مندوب عن أصحاب الطاحن فى 15/ 12/ 1940 وظل معمولا بهذه النسبة كافة التسعيرات اللاحقة لهذا التاريخ حتى تقرر توحيد سعر نوعى القمح بواقع 934 و3 ج اعتبار من 1/ 3/ 1945.
أجاب المدعى عليه على الدعوى بمذكرة مؤرخة 12/ 4/ 1956 تضمنت ملاحظاته على الدعوى وهى عدم وجود أى مستند موقع عليه منه يصلح اساسا لمطالبته بأى شىء واما عن قول الوزارة بأن الزائدة من الناتج يبقى ملكا لها ولا يكون لصاحب المطحن حق فيه بل يعتبر كل تصرف من جانبه فى هذه الزيادة جريمة يعاقب عليها القانون عما يترتب على ذلك من رد قيمتها مع التعويضات - فان المدعى عليه يتمسك بنص المادة (172) مدنى بفقرتها الاولى والثانية لان دعوى التعويض الناشئة عن عمل غير مشروع تسقط بانقضاء ثلاث سنوات وتنص الفقرة الثانية منها على أن الدعوى اذا كانت ناشئة عن جريمة فان دعوى التعويض تسقط بسقوط الدعوى الجنائية، والثابت من مذكرة مراقبة التموين المقدمة فى الدعوى أن الفترة المطالب بالتعويض عنها تبدأ فى 1/ 6/ 1944 وتنتهى فى 28/ 2/ 1945، ومن هذا التاريخ للآن أكثر من احدى عشرة سنة. وفى مذكرة اخرى له يقول فيها "ان الوزارة سبق ان رفعت هذه الدعوى امام محكمة كفر الشيخ الابتدائية قضى فيها بالشطب - وقد طالب برفض الدعوى الحالية تأسيسا على أنه صدر حكم من الدائرة التجارية بمحكمة الاسكندرية الابتدائية فى قضية مماثلة كانت الوزارة قد رفعتها ضد أحد أصحاب المطاحن بمدينة الاسكندرية تطالبه بفرق أثمان القمح التى اتضح من مراجعة الوزارة لها أنها تنقص عن المعدلات التى حددتها ولم تأخذ المحكمة المذكورة بوجهة نظر الوزارة، وجاء ضمن أسباب حكمها بأنه ليس هناك عقد مبرم بين الطرفين ولا نص قانونى يلزم أصحاب المطاحن بدفع هذا الفرق، وغنى عن البيان ان جميع الدعاوى التجارية يسقط الحق فى اقامتها بمضى خمس سنوات - وقد مضى على هذا التعامل ما يقرب من ثلاثة عشر عاما فلا يسعه اذن أن يناقش تلك الوقائع ولا أن يقدم المستندات المتعلقة بها".
وبجلسة 29/ 5/ 1960 قضت تلك المحكمة "برفض الدعوى وألزمت الوزارة المصروفات" وأقامت هذا القضاء على أنه "بالرجوع الى التشريعات التموينية المنظمة للمرفق المذكور خلال الفترة المبينة بصحيفة الدعوى، وهى الامر العسكرى رقم 274 لسنة 1942 بشأن يع الدقيق والخبز والامر رقم 399 لسنة 1943 بتنظيم استخراج وصناعة الدقيق والخبز ثم الامر رقم 458 لسنة 1944 الذى حل محله والقرارات الوزارية الخاصة بتحديد شروط ومواصفات الدقيق - يبين أن أحكام العقد الادارى الذى بمقتضاه قبل أصحاب المطاحن المساهمة فى تسيير مرافق التموين يتحصل فى ان يؤدوا ثمن ما يتسلمونه من قمح بالسعر الجبرى المحدد له أيا كان نوع القمح المسلم لهم هنديا أو بلديا ثم يقوموا بطحنه وخلطه بدقيق الحبوب الاخرى حيث توجب الاوامر والقرارات ذلك ثم بيع الدقيق الناتج بموجب أذونات تصدر من وزارة التموين وبالاسعار المحددة له ويلتزم أصحاب المطاحن بعدم التصرف فى أية حبة من القمح المسلم لهم وبطحنه كله وبعدم التصرف فى أية ذرة من الدقيق وببيعه كله لمن تعينهم الوزارة بمقتضى أذونات تصدرها وبالسعر المحدد.
وتستند الوزارة فى دعواها الى أنه وفقا لاحكام العقد الادارى المشار اليه يتحدد ربح صاحب المطحن بالفرق بين ثمن القمح بالسعر المحدد وثمن الدقيق المسعر الذى حدد على أساس ان القمح الذى استخدام فى انتاجه خليط من النوع الهندى بنسبة الثلثين، ومن النوع البلدى بنسبة الثلث وان هذه النسبة كانت معلومة لاصحاب المطاحن فاذا زادت نسبة القمح البلدى المستخدم فى الطحن على الثلث ترتب على ذلك حصول صاحب المطحن على أجر يجاوز العقد الذى يجوز له الحصول عليه وفقا لاحكام العقد ويتمثل فى الفرق بين سعر القمح الهندى وسعر القمح البلدى اذ كان سعر الاردب من النوع الاول خلال الفترة المحددة فى صحيفة الدعوى 400 قرشا، وكان سعر الاردب من النوع الثانى 380 قرشا. وقد تبين انه خلال هذه الفترة لم يكن هناك أى قرار أو أمر يلزم أصحاب المطاحن باستخدام خليط من القمح بنسبة الثلث من النوع البلدى والثلثين من النوع الهندى أو يوجب أن يكون الدقيق خليطا من هذين النوعين بالنسبة المذكورة. وهو وان كانت الوزارة تقول انها قد وضعت نظاما من مقتضاه ان يصرف القمح لكل مطحن من النوعين المشار اليهما على أساس ثلثى الكمية من النوع الهندى والثلث من النوع البلدى الا أنه ليس فى الاوراق ما يفيد انه قد صدر بهذا النظام أمر عسكرى أو قرار لائحى فلا يعدو النظام المذكور ان يكون نظاما داخليا بحتا قصد به تحقيق المساواة بين أصحاب المطاحن فى الحصول على نسب متساوية من نوع القمح، ولكن الوزارة حسبما يستفاد مما ورد بصحيفة الدعوى وبمذكرتها لم تتمكن من تنفيذ هذا النظام بالنسبة الى كثير من المطاحن لعدم توافر نوعى القمح بالنسبة المذكورة فى كثير من المناطق، كما ان صعوبات النقل حالت دون توفيرها، وليس من شأن النظام المذكور أن يضع على عاتق أصحاب المطاحن التزاما بخلط القمح بنسبة الثلثين والثلث بل يقع عبء تنفيذه على الوزارة وحدها اذ هى التى تحدد لاصحاب المطاحن كميات ونوع القمح الذى يسلم اليهم ويقتصر التزامهم على طحن ما تأذن الوزارة بتسليمه اليهم من القمح أيا كان نوع أو نسبته، فاذا خولف هذا النظام فان المخالفة تكون قد وقعت من الوزارة، وليس من أصحاب المطاحن، فلا يحق لها أن تؤسس دعواها على نظام هى التى خالفته خصوصا وانه ليس فى الاوراق ما يفيد انها كانت تتحفظ أو تشترط أى شرط عند تسليم قمح الى الطاحن تزيد نسبة النوع البلدى على قيمة الثلث. وهذا واستناد الوزارة فى اثبات علم أصحاب المطاحن بأن اسعار الدقيق خلال الفترة من أول يونية سنة 1944 الى آخر فبراير سنة 1945 قد بنى تحديدها على أساس الاسعار المحددة لكل من نوعى القمح الهندى والبلدى وعلى أساس استخدام خليط من النوعين فى انتاج الدقيق بالنسبة المشار اليها - تستند فى اثبات ذلك الى الشكاوى والطلبات التى قدمت من بعض كبار أصحاب المطاحن والى الاعمال التحضيرية لتسعير الدقيق. والمستفاد مما قرره مندوب اتحاد الصناعات بمحضر المناقشة المؤرخ 14/ 6/ 1959 فى الدعوى رقم 705 لسنة 10 القضائية المماثلة لهذه الدعوى ومما قدمه فى تلك الدعوى من مستندات أنه قبل فبراير سنة 1951 لم تكن هناك رابطة أو هيئة تمثل أصحاب المطاحن ويملك التحدث باسمهم، ومفاد ذلك ان اصحاب المطاحن الذين تقدموا الى الوزارة قبل آخر فبراير سنة 1945 (نهاية الفترة موضوع هذه الدعوى) بطلبات أو شكاوى فى شأن نسبة خلط القمح أو تحديد سعر الدقيق لا يمثلون أصحاب المطاحن ولا ينوبون عنهم نيابة قانونية وانهم تقدموا الى الوزارة باعتبارهم من كبار أصحاب المطاحن ولو فرض انهم يعملون بنسبة خلط نوعى القمح وبأن سعر الدقيق قد حدد على أساس الخلط بهذه النسبة، فان ذلك ليس معناه ان غيرهم من اصحاب المطاحن ومنهم المدعى قد علموا بهذا الاساس أو انهم التزموا برد فروق الاسعار الى الوزارة فى حالة استلامهم قمحا بلديا يزيد على نسبة الثلث. ولا مقنع فى القول بأن أصحاب المطاحن قد اشتركوا فى المراحل التمهيدية والاعمال التحضيرية لتسعير الدقيق أو انهم يعلمون بالاسس التى قام عليها هذا التسعير ذلك لان التسعير الجبرى لا ينطبق على اصحاب المطاحن وحدهم وانما يسرى على الكافة فلا يتصور اشتراك اصحاب المطاحن فى وضع هذا التسعير، كما لا يجوز افتراض علمهم بأسسه ما دام ان الاعمال التحضيرية أو التمهيدية له تظل محفوظة فى ملف الوزارة ولا تنشر على الكافة. والربح الذى يجوز لصاحب المطحن الحصول عليه وفقا لاحكام العقد الادارى الذى يحكم علاقته بالوزارة محدود فى نطاق الفرق بين الثمن الذى يؤديه للقمح الذى يسلم اليه بالسعر الرسمى وبين الثمن الذى يحصل عليه من بيع الدقيق وباقى توابع الطحن بالسعر الرسمى وتراعى الوزارة فى تحديد سعر كل من القمح والدقيق أن يكون هناك فرق معقول بين المبلغ الذى يؤديه صاحب المطحن ثمنا للقمح وبين المبلغ الذى يحصل عليه من بيع الدقيق الناتج منه بحيث يكفل هذا الفرق حصول صاحب المطحن على نفقات الطحن مضافا اليه الربح المرخص له فى الحصول عليه. ومتى ثبت أن صحاب المطحن قد قام بأداء ثمن القمح الذى سلم اليه بالسعر الرسمى المحدد له وباع الدقيق وباقى توابع الطحن بالاسعار الرسمية المحددة لها فانه يكون قد نفد التزاماته التعاقدية ولم يجاوز القدر الجائز حصوله عليه من الربح ما دام لم يطرأ تعديل على الاسعار الرسمية المحددة لكل من القمح والدقيق أثناء عملية الطحن وبيع الدقيق، ولا يكون من حق الوزارة مطالبته بفروق استنادا الى عدم تمكنها من تسليمه القمح بنوعيه الهندى والبلدى بالنسبة التى راعتها عند تسعير الدقيق ذلك لانه أيا كان اثر العقد الادارى الذى يحكم علاقتها بصاحب المطحن فى شأن نقل ملكية القمح والدقيق فانه ليس من بين احكام هذا العقد كما سبق البيان - ما يلزم صاحب المطحن بمراعاة نسبة معينة فى خلط القمح بل كل ما يلتزم به هو طحن جميع القمح الذى يسلم اليه أيا كان نوعه وعدم التصرف فى الدقيق الا بترخيص من الوزارة أو بيعه الى من تعينهم بمقتضى الاذونات التى تصدرها بالسعر المحدد ولا أساس بعد ذلك للقول بأن استخدام أصحاب المطاحن قمحا بلديا زيادة على النسبة المقررة يجعلهم يحققون ارباحا غير مشروعة. لذلك تكون الوزارة على غير حق فى مطالبة المدعى عليه بالفرق بين سعر القمح الهندى وسعر القمح البلدى عن كمية القمح البلدى التى تقول بأن استخدامها فى انتاج الدقيق زيادة عن النسبة المقرر طالما هى لم تنسب اليه أية مخالفة لاحكام العقد الادارى الذى يحكم العلاقة بينهما ومن ثم يكون دعواها على غير أساس."
ومن حيث ان الطعن قام على انه فى 18/ 5/ 1944 قامت وزارة التموين بتحديد سعر أردب القمح الهندى بملغ 400 قرش واردب القمح البلدى بمبلغ 380 قرش وطبقت هذا السعر على المطاحن التى تصرف لها الحبوب لاستخراج دقيق التموين منها وضعت الوزارة نظاما مقتضاه أن يصرف لكل مطحن من كل من نوعى القمح المشار اليها على أساس ثلثى الكمية من القمح الهندى وثلث الكمية من القمح البلدى بحيث يكون القمح خليطا من النوعين بالنسبة المذكورة ثم حددت الوزارة سعر الدقيق على هذا الاعتبار. غير أنه حدث ان استلم بعض المطاحن كميات من القمح الهندى زيادة عن النسبة المحددة له واستلم البعض الآخر كميات من القمح البلدى زيادة عن النسبة المحددة له وذلك لعدم توافر نوعى القمح بالنسبة المذكورة فى كل اقليم على حدة. وكان نتيجة ذلك ان تحمل مستغلوا المطاحن فى الحالة الاولى خسارة مقدراها 200 مليما فى كل أردب من القمح الهندى صرف اليهم زيادة عن النسبة المحددة، وان حصولا فى الحالة الثانية على مبلغ 200 ميلم فى كل أردب من القمح البلدى صرف اليهم زيادة عن النسبة المحددة له، فالحكم المطعون فيه اذ قرر بعدم التزام أصحاب المطاحن بنسبة الخلط هذه يكون قد بعد عن الواقع وخالف القانون ذلك أن الحبوب التى يستلمها أصحاب المطاحن والمسئولين عن ادارتها مملوكة للحكومة ويدهم عليها يد عارضة ودروهم مقصور على طحن الحبوب مقابل أجر محدد وبيع الدقيق الناتج لحساب الحكومة وهذا الاجر المحدد هو وحده كل ما يحق لصاحب المطحن اقتضاؤه وكل ما يزيد على هذا الاجر يكون من حق الحكومة باعتبارها المالكة للحبوب وما ينتج منها.... وقد كانت نسبة الخلط محل اعتبار بين الحكومة واصحاب المطاحن وبالتالى يكون من حق الحكومة تحصيل الفروق المترتبة على مخالفتها باستخدام قمح بلدى يزيد على نسبة الثلث فقد جاء بتصريح الوزارة الذى نشر فى الجرائد يوم السبت الموافق 18/ 1/ 1942 بأن بعض أصحاب المطاحن قد شكا الى الوزرة من أن معظم كميات القمح التى نصرف اليهم من صنف هندى بما يتجاوز نسبة الثلثين هندى والثلث بلدى التى حددت أسعار الدقيق الحالية على أساس متوسطها ولكن أزاء ما تبين من توافر مقادير القمح البلدى بشون بنك التسليف بالقاهرة بالنسبة المقررة فقد أعطيت التعليمات اللازمة لصرف القمح لاصحاب المطاحن فى حدود هذه النسب وبذلك يمكن تلافى أسباب شكوى اصحاب المطاحن من هذه الناحية. وليس الامر بصدد قانون يلزم نشره فى الجريدة الرسمية ولكن بصدد استخلاص نية مشتركة يكفى لاستخلاصها الاستهداء بظروف التعاقد وطبيعته وبما ينبغى ان يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجارى فى المعاملات "المادة 150 مدنى"... ولا يؤثر فى ذلك ما ورد بالحكم المطعون فيه من أنه قبل فبراير سنة 1951 لم تكن هناك رابطة أو غرفة لاصحاب المطاحن ذلك لان الثابت أن أصاحب المطاحن تقدموا بشكاوى واضحة الدلالة فى أن نسبة الخلط كانت محل اعتبار عند تحديد السعر، فيجب ألا يحصل أصحاب المطاحن على ربح أكثر مما قررته لهم وزارة التموين عند وضع التسعيرة نتيجة عدم مراعاة نسبة الخلط واستخدام القمح البلدى بنسبة تزيد على الثلث لارتباط نظم التسعيرة بالنظام العام. والاحكام التى صدرت من محكمة القضاء الادارى لصالح الوزارة ضد أصحاب مصانع المكرونة تؤيدها فى طلب حصولها على الفروق المترتبة على عدم مراعاة نسبة الخلط (الدعوى 1749 لسنة 10 القضائية قضاء الادارى).
ومن حيث انه يؤخذ مما تقدم - وبعد الرجوع الى الاوراق المودعة ملف الطعن - واستعراض وجهتى النظر سالفتى الذكر والوقف على ماهية الرابطة القانونية بين الحكومة والمدعى بوصفه صاحب مطحن والبحث فى الاسس التى قام عليها الطلب موضوع الدعوى - ان الحكم المطعون فيه صحيح للاسباب التى بنى عليها والتى تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف اليها ان الاستهداء فى تعرف النية المشتركة للمتعاقدين بطبيعة التعاقد وبما ينبغى ان يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجارى فى المعاملات، ليس بقاعدة ملزمة للمحكمة وانما تستأنس بها. أما الشكايات والطلبات التى تريد الوزارة ان تستلخص منها علم جميع أصحاب المطاحن المتعاقدين بأسس التسعيرة وبالتالى استخلاص التزامهم برد الفروق فى حالة زيادة نسبة القمح البلدى فى الخلط - هذه الشكايات والطلبات مقدمة من بعض كبار أصحاب المطاحن وهؤلاء لا يمثلون جمهرة اصحاب المطاحن المتعاقدين ولا ينوبون عنهم نيابة قانونية. ومن ثم فان نسبة صدور الشكايات والطلبات المذكورة الى جميع اصحاب المطاحن المتعاقدين ليس له واقع ثابت من أصل موجود فعلا، واذا كان ذلك فلا يجدى أن تتبع فى شأن الشكايات والطلبات المشار اليها قاعدة التفسير سالفة الذكر لانها لا تؤدى الى تعرف نية جميع أصحاب المطاحن المتعاقدين. كما تضيف أن القياس على الاحكام الصادرة ضد أصحاب مصانع المكرونة قياس مع الفارق فالوقائع فى قضايا اصحاب مصانع المكرونة تفترق عن الوقائع فى الدعوى الراهنة. ففى قضايا اصحاب مصانع المكرونة كانت الحكومة قد رفعت سعر الدقيق الفاخر الذى يصرف اليهم فلما وجدت فى مخازنهم رصيدا من ذلك الدقيق كانوا قد استملوه قبل رفع السعر طالبتهم بفرق السعر، وهذا على حين (فى الدعوى الراهنة) لم يطرأ فى المدة التى تطالب خلالها الوزارة بالفروق أى تعديل فى الاسعار المحددة لكل من القمح والدقيق.
ومن حيث انه لكل ذلك يكون الطعن فى غير محله، ويتعين القضاء بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا والزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الحكومة بالمصروفات.